كان الوقت ليلا
وهو يحب شارع النيل عندما يكون الوقت ليلا
يحب أشجاره الكبيرة الصامتة
يحب خلوه من الناس
يحب مصابيحه الكهربائية تعكس ظلال الاشجار
على الاسفلت الرمادي الشاحب
يغادر فضل الله عثمان ويجلس على الرصيف
ويشعل سيجارة ،
ويروح يتطلع الى النهر.
فأي معنى أن تكون أنت ولست أنا الذي تزوج الفتاة
التي أحبت الرجل الآخر؟
وتنشق الرائحة الحارة وهربت كائنات الليل من بين
ساقيه ،
فأي معنى أن تقوم مبكرا وتذهب الى هناك وتقضي
الساعات في تقليب الأوراق وأي معنى في الا تفعل
ذلك ؟
في الثانية تماما وقفت أمام ساعة الميقات ودفعك الرجل الذي يقف وراءك بإصبعه بين ضلوعك فتنحيت له عن مكانك ولماذا أنت شاحب هكذا ولماذا لا تأخذ اجازة وتغير الهواء وتكف عن ذلك لأن ذلك من الحقوق العادية التي يمكنك ان تمارسها قبل أن تصبح خبرا في لوحة الاعلانات ، وربت على ظهره وراح يضحك معهن وشاركتهم أنت أيضا الضحك ورحت تنزل السلالم في خفة واعيا الا تصطدم بالجدران وخرجت الى الطريق العام دون أن تجفف عينيك ورحبت بشقيقتك المتزوجة ودخلت الى حجرتك وخلعت ثيابك وارتديت جلبابك وجلست على الكنبة ، وأشعل سيجارة أخرى واستلقى على جنبه فوق الجسر المنحدر وراح يدخن ويتطلع الى النجوم والسماء الكبيرة الخالية فأي معنى أن ترتدي جلبابك او لا ترتديه او ان تجد ما تقوله أو لا تجد؟ وتساءلت ربنة شقيقتي ان كنت أمتلك ثديا مثل ماما وطلبت مني أن أخرجه من فتحة جلبابي ولكني اعتذرت ولاحظت أنني في الأربعين ورأيت ذلك كالرجل الذي نام في مكان يعرفه ثم استيقظ ليجد نفسه في بلاد غريبة وأطفأ سيجارته وتوقف ذهنه تماما عن التفكير. وأنا أمارس هذه العادة من وقت لآخر حيث أجلس على الكنبة وأتوقف تماما عن التفكير حتى اصبح أخف من ذي قبل وأروح أسبح في بحر شاسع من العدم. أفعل ذلك وأنا مرتد جلبابي أو أفعله وأنا عار من كل شيء ولكنك لن تستطيع في كلتا الحالتين الا اذا أمكنك التغلب على عينيك لأن الانسان ينشغل من خلالهما ولأنني في هذه المرة كنت مضطرا الى تثبيتهما على وجه الطفلة التي كانت تضحك وتهزه أمام عيني وأنا أجاهد في صمت حتى أمكنني التغلب على ذلك بعد فترة من الوقت وفكرت انني وفقت في ذلك وعندما فكرت أنني وفقت في ذلك عدت وأدركت ان ذهني لم يكن متوقفا تماما عن التفكير، وانقلب على وجهه ومد ذراعيه على الشاطئ المنحدر وخلعت ثيابي وارتديت ملابس أخرى وأثناء مروري بالصالة أخبرت شقيقتي المتزوجة انني سأعود قبل أن تعود هي الى بيت زوجها وهي ودعتني لانها كانت تعرف انني سأعود متأخرا ولن أراها قبل أن تعود الى بيت زوجها وكنت أعرف انها تعرف انني اعرف، وانحدر الى ماء النهر فأي معنى أن تعود الى البيت متأخرا ولا تجد أحدا في انتظارك وتقضي الليل في تفحص أطرافك وتهز علبة سجائرك الفارغة بينما لا يوجد أمامك وأمامي الا ان تعبر ذلك الشيء الهين ؟
واسند رأسه الى الحجر الفارق في ماء النهر وثبت عينيه في العتمة العميقة وبدأ يمارس هوايته.
ابراهيم أصلان (كاتب وروائي من مصر)