يعد الفن الصخري مصدرا متميزا من مصادر المعلومات، لا لانه يخبرنا عن أساليب حياة الناس الذين عاشوا في فترة ما قبل التاريخ فحسب. بل عن مظاهر أخرى يهتم بها الانثروبولوجيون والمؤرخون والفنانون. فهذا الفن تعبير فكري قديم يقدم أحيانا معلومات ثمينة عن علم التفاعلات البيئية القديم والاقتصاد القديم والفن والتكنولوجيا والحياة الاجتماعية والروحية لمجتمعات ما قبل التاريخ. وقد تطورت دراسة الفن الصخري تطورا كبيرا في العقود الاخيرة. فقد تجاوزت التركيز على المظاهر الجمالية والسحرية الدينية الى تصنيف هذا الفن على أساس الزمان والمكان والعلاقات التي تربط بين تلك الاشكال الفنية.
لم يعد الفن الصخري يعتبر تراكما تدريجيا لصور منفصلة تكون كل منها استجابة لحاجة ترتبط بلحظة رسمه (Leroi-Gourhan 1979: 37-8) على الرغم من الكمية الكبيرة والمتنوعة من البيانات التي يقدمها لنا الفن الصخري فإن هناك بعض المشاكل التي تعوق دراساتنا وتقييمنا لهذا المصدر من المعلومات، منها صعوبة الوصول الى التواريخ الدقيقة للفنون الصخرية المختلفة. وعلى الرغم من أن مثل هذه المشاكل خارج إطار أهتمام هذه الورقة فإنه ينبغي علينا الاشارة الى ان الفن الصخري في عمان لم يوثق أو يدرس بصورة تامة (الماحي، دراسة طور الكتابة)، أما في الوقت الحالي فان دراسات كل من برستون (Preston 1976) وكلارك(Clarke 1975) وجاكليJackli 1980) ( الشحري (AL Sahri 1988) هي كل ما يتوافر لدينا من دراسات متخصصة في الفن الصخري في عمان.
تمثل هذه الورقة محاولة لدراسة وتفسير بعض المشاهد الصخرية من ظفار في جنوب عمان وهي مشاهد تظهر أنشطة صيد الوعل. وتسعي هذه الورقة إلى فهم طرق وتقنيات صيد الوعل في الماضي، كما رسمها الفنان الظفاري القديم. وسنحلل أيضا الطرق التقليدية في صيد الوعل في جنوب الجزيرة العربية، وتحديدا في حضرموت وفي مناطق أخرى من أجل فهم أفضل لمشاهد الصخور، ولتحقيق ذلك فإن هذه الورقة ستتعامل مع مشاهد الصخور باعتبارها سلسلة من اللقطات، فالمشهد الصخري الذي يعرض مجموعة من الرسوم يمكن اعتباره لقطة واحدة من بين سلسلة من اللقطات، التي تشكل الفكرة الأساسية في نشاط محدد كان يشغل بال الفنان حينما رسم المشهد. وبعبارة أخرى فإن الفنان القديم قد اختار رسم لحظة محددة من لحظات نشاط الصيد الذي يشكل جزءا من نشاط أكبر يمتد لفترة زمنية أطول، بهذا فإن هذه الورقة ستركز على مشاهد الصخور، التي تشكل مجتمعة، صورة أكبر، ولن تتناول الورقة سمات الرسوم التشكيلية او مظاهرها الجمالية. غير اننا سنقدم في البداية بعض المعلومات عن الوعل نفسه.
الوعل Capra ibex
تنتشر أنواع متعددة من الوعل Capra ibex في منطقة جغرافية كبيرة، ومن بين هذه الأنواع الوعل النوبي iiana Capra ibex nub الذي يقطن سلاسل الجبال الصحراوية في شبه الجزيرة العربية، ومن بينها سلاسل الجبال الموجودة في عمان (الخارطة رقم 2). ويوجد الوعل النوبي في جنوب عمان في الوقت الحاضر (1977:77 Harrison)، وتوجد هذه المشاهد ايضا في نخل والحقف ووادي سيراب(Gallagher and Harris 1988: 437-42) (الخارطة الاولي). أما من شمال عمان فتوجد اشارة الى صورة واحدة فحسب بالقرب من فز (Harrison 1968: 195-381). وعلى ضوء البيانات المتوافرة والجغرافية الحيوانية للوعل، فان بامكان المرء ان يحدد الحيوان المرسوم في ظفار على إنه الوعل النوبي الذي يطلق عليه علميا اسمCapra ibex nubiana (انظر الشكل رقم1) ويتميز الوعل النوبي، ان نحن قارناه بأصناف الوعل الاخرى، يتميز بصغر جسمه نسبيا، وبلونه المموه تمويها تاما حيث انه يساوي درجات لون الصخور الصحراوية. ويتميز ذكر الوعل ايضا بقرونه الداكنة الكبيرة ولحيته ذات اللونين البني والاسود، وتتميز قرون الوعل الطويلة بأنها غير ملتوية، بل انها أشبه بالنصل المعقوف ويتميز بصرر امامية متناسقة تميز القرن بأكمله. ولقرن ذكر الوعل ما بين 42 الى 63 صرة تبين بوضوح حلقات نمو سنوية (Grzimek 1988: 525). ويستوطن الوعل النوبي سفوح الجبال شديدة الانحدار. ويتميز عن حيوانات الصحراء الأخرى باعتماده على الماء، ولهذا السبب فإن قطعان الوعل تتركز دائما في المناطق التي يتواجد فيها الماء السطحي والغدران والبرك الصخرية. ويحقق الوعل احتياجاته من السوائل عن طريق رعي النباتات التي تحتوي على الماء وبالرعي في الصباح الباكر حينما يكون ما تحتويه النباتات من الماء في أقصى توافره في النباتات (Grzimek 1988: 526). وتقدر منطقة معيشة الوعل النوبي بحوالي 12 ميلا. وفي مثل هذا المدى فإن النمور وعناق الأرض والنسور تعد أعداء الوعل، الا ان الانسان يظل أخطر هؤلاء الأعداء (Grzimek 1988: 526). وعلى الرغم من ذلك فإن الوعل يعتبر من أصعب الحيوانات صيدا. حيث يعيش في سفوح صعبة شديدة الانحدار وفي الجبال الصخرية. وقد فاق الوعل الحيوانات الاخرى بتطويره أعضاء عضلية قصيرة وحوافر مطاطية صغيرة، بهدف التكيف مع الجندل الصخرية وركامات الحصى (Kingdom 1990: 159). أضف الى ذلك ان الوعل يحافظ على قدرة على التمويه تتمثل في لونه الذي يشبه لون البيئة التي يعيش فيها. وهذه الصفات والبيئة تعوق الوصول الى هذا الحيوان وتقلل من لقاء الوعل بأعدآئه.
وقد عرف الانسان الوعل منذ قديم الزمان، فالتوراة تشير الى حيوان يقال انه هو الوعل حينما طلب اسحق من عيسو ان يبحث له عن شيء يلهو به (سفر التكوين: 23، 3). والمكان الذي تقع فيه هذه الاحداث التوراتية هو الجبال شديدة الانحدار القريبة من البحر الميت التي تشكل جزءا من مكان استيطان الوعل حتى الان (Grzimek 1988: 525; Harrison and Bats 1991: 183). ويعتقد ايضا ان الوعل كان رمز إله القمر في ايام بلقيس ملكة سبأ، وأن رؤوس الوعل المنحوتة قد زينت عملة معدنية عثر عليها في معبد إله القمر في مأرب (Harrison and Bate 1991: 183) أضف الى ذلك فان الدراسات التي اجريت على الفن الصخري في شمال اليمن تشير الى انتشار كبير للوعل (Jung 1994: 149) والواقع ان الوعل يعتبر الشكل الأكثر انتشارا في جنوب الجزيرة العربية (Serjeant 1976: 7) الصيد التقليدي للوعل
تندر البيانات المفصلة حول اساليب صيد الوعل في الأدبيات العربية، وتشير الأخبار على وجه العموم الى الكمائن دون تقديم تفاصيل لها وعلى سبيل المثال فإن كنجدوم (Kingdorn 1990: 195) يذكر بأن الصيادين كانوا يهاجمون الوعل عند موارد المياه، غير انه لا يقدم تفاصيل حول التقنيات المتبعة في الهجوم او حول تنظيم عملية الصيد.
أما في عمان فان محاولاتنا لتتبع السبل والاساليب المتبعة في صيد الوعل من خلال الاستعانة بكبار السن لم يحالفها النجاح كذلك فان الكتابات العمانية لا تزودنا بأي وصف للصيد التقليدي للوعل. وعلى الرغم من ذلك فإن مجموعة كبيرة من القصص حول صيد الوعل وطقوسها تنتشر في حضرموت في جنوب شبه الجزيرة العربية. ومن بين أولى الوثائق التي سجلت صيد الوعل في حضرموت نجد دراسة كل من هـ. انجرامز (H. Ingrams 1973: 12-13) و د. انجرامز (D. lngrams 1947: 60) في اواخر الثلاثينات والاربعينات من القرن العشرين، حيث يرى الباحثان ان الصيد المنظم للوعل في حضرموت يعود اصله الى فترة ما قبل الاسلام. اضافة الى ذلك يسجل سرجينت (Serjeant 1976) تفاصيل قيمة حول صيد الوعل وتنظيمه في حضرموت، وهو ما قدمه أيضا روديونوف (Rodionov 1994: 123) الذي يسجل طقوس صيد الوعل في حضرموت ويعتبر تلك الطقوس بقايا للطقوس الدينية القديمة. ونتيجة لهذه الدراسات فقد تم بنجاح توثيق جزء كبير من المعرفة التقليدية في جنوب الجزيرة العربية حول صيد الوعل. اضف الى ذلك فإن جغرافية منطقة جنوب الجزيرة العربية وآثارها وتاريخها تؤكد على العلاقة الوثيقة بين ظفار وحضرموت. ولهذا فإن الطرق والتقنيات التقليدية لصيد الوعل في حضرموت ستعيننا في محاولتنا لفهم وتفسير مشاهد الصخور في ظفار.
ويصف سرجينت (Serjeant 1976: 27) ثلاثة انواع من صيد الوعل في تريم في وادي حضرموت هي: مصادفة حيوان في طريق او غيره، وقتل الحيوان باطلاق النار عليه من كمين باستخدام البنادق فقط، والصيد باستخدام الشباك والبنادق. ويصف سرجينت ايضا اربعة اصناف من المشاركين في عملية الصيد: مطاردو الطريدة، وحملة البنادق المختبئون، وكرجال المختبئون في كمين بالهراوات والخناجر، وحملة الشباك المنصوبة. ويقوم الرجال الاخررن بأخذ مواقعهم خلف الشبكة بسكاكينهم، حيث يقف واحد او اكثر في كل ركن حسب عدد الاشخاص المشاركين في العملية. ويقوم عشرة رجال مثيرين من فريق الصيد المكون من ثلاثين شخصا بالبحث عن الوعل حيث يوجهونه هبوطا الى الوادي، وما ان يصل الوعل الى الوادي فإنه اما ان يطلق النار عليه حملة البنادق المختبئون خلف الصخور او انه يقع في الشباك المنصوبة. وفي اللحظة التي تقع فيها الضحية في الشبكة فإن الرجال المسؤولين عن الشبكة يرمون عليه بقية الشبكة حتى يصعب عليه الخروج منها. ثم يأتي المثيرون ويطوقون الوعل من كل جانب. وعلى الرغم من ان الصيادين يستخدمون ثلاث او اربع شباك في الصيد لليوم الواحد الا ان بعض حيوانات الوعل تستطيع ان تفلت منها الى الجبال الامنة. وقد جرت العادة ان تصنع الشباك من الحبال بعرض قامة الانسان ويتراوح طولها بين ثمانية عشر الى عشرين ذراعا. وفي قرية عينات يتم صنع الشباك من صوف الماعز الاسود.
وحينما تجهز الشبكة للصيد تسندها اوتاد من اطراف النخيل مغروزة في الارض كالسواري. ويبلغ طول الاوتاد حوالي قامتين. وتعد السواري في كل جانب من نهاية الشبكة فيما توجد اثنتان او ثلاثة في الوسط. وجرت العادة ان تستخدم ثلاث او اربع شباك في الصيد في اليوم الواحد.
ويشير سرجينت(Serjeant 1976: 34-7) ايضا الى صيد الوعل في منطقة واحدي حيث يتم صيد الوعل باستخدام الشباك.
ويقول انه ما ان يقع الوعل في الشبكة، فإنه ما يلبث ان يلاقي حتفه جراء طعنات الخناجر. اضافة الى ذلك فإن سرجينت (Serjeant 1976: 51-2) يصف عادات الصيد لدى سكان قرية مدودة على النحو التالي: يأمر قائد فريق الصيد كل فرد في الفريق ان يتناول عمودا (والذي يمثل شبكة) الى طريق او واد في موقع الصيد الجبلي. ويعد اصحاب الشباك شباكهم في الطرق عن طريق غرز خطافات حديدية في صدوع الصخور. ويستخدمون خطافا حديديا لكل جانب من جوانب الشبكة ويضعون الأعمدة في فواصل محددة في الشبكة. ويستخدم الشبكة الواحدة خمسة او ستة اشخاص. ثم ينتشر حملة البنادق والمطاردون لكنهم لا يصعدون للجبال في الدروب التي يستخدمها رجال الشباك. وعادة ما يأخذ حملة البنادق مواقعهم في قمم جبال شبيهة بالنجود حيث يكمن كل منهم خلف كوم من الحجارة اقيم خصيصا لإخفائه عن الوعل الجفول. اما المثيرون فيبلغ عددهم عادة خمسة عشر شخصا او يزيد. وهم يمسحون المنطقة ويدفعون الطريدة باتجاه حملة البنادق المختبئين في قمة الوادي او في الطريق والشباك في الاسفل. ويطلق حملة البنادق النار على الوعل حينما يقترب منهم. ويتم دفع الوعل الذي اخطأه رصاص البنادق في نهاية المطاف ناحية الشباك. إضافة الى ذلك فإن لدى سكان قرية مدودة عادة محلية تعرف باسم "تمثيلية صيد الوعل" وهي طقس يتم فيه مد الشباك عبر طريق ثم يطارد الناس شخصا يرتدي قرون الوعل حتى يوقعوه في الشباك (الصورة رقم 1).
أما عن استخدام الكلاب في صيد الوعل فإن سرجينت (Serjeant 1976: 32) يخبرنا بأن قرية عينات تشتهر بسلالة كلاب الصيد الجيدة التي تربى فيها. حيث تغذى الكلاب تغذية جيدة بالتمر والخبز واللحم وغيره ويتم استحمامها بطريقة دقيقة لتبقى نظيفة، وتتلقى هذه الكلاب عناية فائقة فهي كلاب صيد ممتازة، وتعين اصحابها في عمليات الصيد. ويدعي سكان عينات ان فصيلة الكلاب هذه تتميز عن الكلاب المتعددة الألوان التقليدية في البلاد وعن فصيلة الكلاب السلوقية الشهيرة. ومن المثير ان سرجينت يشير الى مصباح قبل -اسلامي يتكون من كلب ووعل من اريتريا (الصورة رقم 2). اضافة الى ذلك فإن سرجينت (Serjeant 1976: 32) يصف استخدام الكلاب في صيد الوعل لدى سكان قرية عينات كما يلي:
حينما يصل الرجل وكلابه الى منطقة الصيد فان الرجل يقول للكلب "إستكبر" (أي انتق أكبر الوعول) فتهب الكلاب هازة ذيولها، وتهاجم الطريدة، ثم تسيطر عليها من خصيتيها وهكذا تمسك بها الى ان يصل الصياد.
وسيكون من الاكثر فعالية ان نعزز المعلومات المتوافرة لدينا من جنوبي الجزيرة العربية حول تقنيات صيد الوعل بمعلومات من مناطق أخرى تتميز بظروف بيئية مشابهة ومستوى معادل في التكنولوجيا. وحسب علمنا فإن قبيلة البيجا في شرق السودان هي المجموعة الثانية التي تحتفظ بالطرق التقليدية في صيد الوعل في المنطقة. وتقطن هذه المجموعة في سلاسل جبلية في مناطق ذات منظومة بيئية مشابهة. ويقوم أفراد قبيلة البيجا بهجرات فصلية بحثا عن الكلأ شبيهة بتحركات البدو، ويتوزعون في مجموعات صغيرة في تلال البحر الاحمر. وخلال رحلات متعددة الى تلال البحر الاحمر، أخبر سكان محليون كبار في السن الكاتب. بأن صيد الـ"العايو" (أي الوعل) كان عملية شاقة ولا يحالفها النجاح دائما. وفي الماضي كانوا يستخدمون طريقتين في صيد الوعل، تتمثل اولاهما في بناء موقع محاط بالحجارة باستخدام الصخور، وكان من اللازم ان يكون هذا السياج مموها وبمدخل واحد فقط. وكان ينبغي ان يتم بناء السياج في منطقة يتردد عليها الوعل أو يعبرها بإستمرار وينقسم الصيادون انفسهم الي مجموعتين، تقوم الاولي بمسح المنطقة بحثا عن قطيع من الوعل ويدفع الوعل باتجاه السياج بينما يقوم افراد المجموعة الثانية الذين يكونون قد اختبأوا في نقاط مختلفة بمنع الوعل من الهرب ويوضعه في الطريق المؤدي الى السياج. وما ان تدخل بعض حيوانات الوعل الى داخل السياج المموه حتى يقوم صيادو البيجا بقتلها مستخدمين المدى وبرمي العصي عليها منهين بذلك عملية المطاردة والصيد. وقد أخبرني مخبر مرارا ان الصيد كان عملية يكابد الصيادون فيها الأمرين وان النجاح لم يكن يحالفها دائما. أضف الي ذلك ان عملية الصيد حينما تنجح لا تنتهي بمكافأة كبيرة نظرا للعدد الكبير من الرجال الذي تتطلبه عملية المطاردة.
أما الطريقة التقليدية الثانية لصيد الوعل فتقوم على ممارسة شبيهة بالاولي، حيث يستبدل السياج بشباك يتم اعدادها واخفاؤها في مواقع معينة مع مجموعة من الرجال المختبئين. وهنا ايضا فإنه يتم وضع هذا الشباك في مواقع المياه التي تقصدها قطعان الوعل. وما ان تقبل الحيوانات على الماء حتى تقوم مجموعة من الرجال المختبئين بدفع الوعول بقوة نحو الشباك المموهة، وهنا فإن الوعول ستحاول الهرب عبر الشباك الا انها سرعان ما تتشابك مع الشباك. وما ان يقع أحد الوعول في الشبكة حتى يقفز الصيادون اليه. وحسب ما يقول المخبرون فان الصيادين يصيدون عادة الذكور ذات القرون الكبيرة التي يسهل وقوعها في الشبكة. وأخبر وني ايضا ان طريقة الصيد هذا تتطلب الكثير من الأناة والاحتمال.
ومن الواضح ان البيانات الاثنوغرافية المدروسة في كل من حضرموت وتلال البحر الاحمر السودانية تتشابه تشابها كبيرا ولا تختلف كثيرا، بل انها تقوم على نفس المباديء، فممارسة صيد الوعل لدى قبيلة بيجا تكة> تتطابق مع طرق وتقنيات الصيد المستخدمة في جنوبي شبه الجزيرة العربية. والفرق الوحيد بينهما هو ان صيادي منطقة حضرموت يستخدمون الاسلحة النارية فيما يتعذر على افراد قبيلة البيجا الوصول الى مثل هذه الاسلحة.
المشاهد الصخرية في ظفار
من المهم في هذه المرحلة ان نتذكر ان صيد الوعول يتكون، كما هو الحال في عمليات صيد أخرى كثيرة، من مراحل عديدة. وحسبما يصف سكان قرى متعددة في حضرموت فان الصيد التقليدي للوعول يتكون من ثلاث مراحل متكاملة. الاولي هي البحث عن، الطريدة ودفعها ناحية المنطقة، والثانية هي اطلاق النار والثالثة هي الشباك. ولكل من مراحل الصيد هذه أنشطتها التي تكمل بعضها بعضا. ونتيجة لهذا فإنه من الممكن ان نفترض بأن صيد الوعل في ظفار كان يتكون، وعلى نحو مساو، من مراحل متعددة تضمن الوصول الى صيد ناجح. ان قدرة الوعل وتكيف البيئة القاسية تحتم مثل هذه المراحل المتكاملة لتنظيم محاولة اصطياد الوعل. وهذا ما مكن الفنان الظفاري القديم من ان ينتقي لحظة نشاط محددة ضمن هذه المراحل ليصورها، اي، بعبارة اخرى، ان ما هو مصور في مشاهد الصخور يمثل لقطة واحدة من ضمن سلسلة من اللقطات التي تكون المشهد الكلى لصيد الوعل.
وقد تم توثيق الفن الصخري في ظفار على نحو مناسب حيث صور الوعل على نحو بارز (al-Sahri 1994). وقد رسم المشهد في اللوحة رقم ثلاثة باستخدام تقنية واحدة، حيث يقدم المشهد مجموعة من الصور في حاله حركة، وهي مرحلة واحدة في صيد. وتشمل الصور المرسومة واحدا وعشرين وعلا واربعة رجال. ومن بين الواحد والعشرين وعلا رسم سبعة عشر منها في اتجاه واحد هو اليمين، فيما رسمت صور الرجال في اتجاه اليسار. ومن اللافت ان الرجال قد رسموا في أوضاع تظهر اسلحتهم مرفوعة، ويبدو ان هذا يشير اما الى انهم يدفعون الوعول او انهم يطاردونها. ويلاحظ ايضا ان كل الوعول تكاد تكون على خط واحد. والواقع ان هذا يشير الى ان الحيوانات تفر من الرجال. أضف الى هذا ان الرجال يبدون على جانب واحد من الحيوانات وانهم يشكلون نصف حلقة تقريبا. وان اخذنا في حسباننا ملاحظاتنا السابقة فإنه يمكننا ان نفسر المشهد باحدي الطرق التالية. قد يكون هناك مجموعة من الصيادين يدفعون الوعول ويوجهونها ناحية منطقة معينة يوجد فيها رجال آخرون في انتظار بوصولها. وقد تكون المنطقة المعينة طريقا ضيقا في الجبال حيث أعد الصيادون شباكا تشبه الطرق التقليدية المعاصرة. وبعبارة أخرى فإن المشهد قد يكون مرحلة واحدة في عملية صيد تتكون من مرحلة او مرحلتين. والامكانية الاخرى هي انه مشهد بسيط يمثل عملية صيد تتكون من مجموعة من الرجال يطاردون قطيعا من الوعول، وهو ما قد يعني اننا ازاء مرحلة واحدة بسيطة من عملية صيد، وهذا الضرب من الصيد البسيط لا يقتضي اي تنظيم او تخطيط والمطاردة لا تتضمن اي مراحل يكون لكل صياد فيها دور محدد، وهذا وضع مألوف لهذا النوع من الصيد. في،حضرموت، الذي يتم فيه العثور على الحيوان بطريق الصدفة، الذي وصفه سرجينت (Serjeant 1976: 27)
أما اللوحة الرابعة فتظهر مشهد صيد يحتوي على ناقة وصغيرها. أما ما يشد انتباهنا هنا فهو مشهد الوعول والصيد، حيث يحتوي المشهد على أربعة وعول يمكن تمييز اثنين منها على انهما ذكران فيما الاخران هما أنثيان، حيث تتميز ذكر الوعل بقرونها الطويلة ذات الضرر الواضحة فيما تكون الاناث أصغر حجما وقرونها بدون صرر. اضافة الى الوعول فان هناك ايضا اربعة رجال يرفعون السلاح. والرجال ليسوا مسلحين بالرماح او العصي. ومن الجدير بالملاحظة ان الرجال يتخذون أربعة اوضاع مختلفة من حيث موقع الوعول الاربعة. ويوجد في المشهد ايضا كلبان يبدو انهما كانا يطاردان الوعول. حيث يكاد احد الكلبين ان يمسك بأحد الذكرين الكبيرين. كذلك فإن المشهد يصور الوعول الأربعة راكضة باتجاه اليسار على هيئة متعرجة. ويقول درويس (Drewes 1954: 94-4) ان النقوش الحضرمية من وادي ارما تقول ان قبيلة او مجموعة من الناس يسمون بالاحرار قد نجحوا في قتل 600 وعل بمساعدة 200 كلب. ومن المثير فان العمود الجرانيتي الأحمر في مدينة القرناو التاريخية في جوف بن ناصر في الحافة الشمالية الشرقية من اليمن يلقي الضوء على قضية الشكل المتعرج. فهناك على رأس العمود صف من سبع حلقات (الشكل رقم 2) وصفان من الوعول في اتجاهين متعاكسين يفصل بينهما خط متعرج. وفي قاعدة العمود نرى مجموعة من حيوان المها يوجد تحتها لوحة مزخرفة. وقد حدد الشكل المتعرج على انه الشكل التقليدي للجبل (Serjeant 1976: 65) وعلى النحو ذاته فان الشكل المتعرج يوجد ايضا في عضادات الابواب من خربة آل علي قرب الحزم في جوف بن ناصر (الشكل رقم 3) حيث يمثل هذا الشكل شبكة. الا ان البعض يثير بعض التحفظات حول هذا التحديد (Serjeant 1976: 104) ولهذا السبب فإنه يبدو ان الشكل المتعرج له تفسير ان ممكنان: اما انه جبل او انه شبكة صيد. ان المظهر المهم هنا هو ان الشكل المتعرج يربط باستمرار بالوعول في حضرموت وظفار، ولذا فانه لابد وان يكون عنصرا مهما في حضرموت وظفار. اضافة الى ذلك فإنه من الواضح ان هذا المشهد يمثل مرحلة واحدة من عملية الصيد التي كانت تستخدم لصيد الوعل الجبلي في عمان.
ان الاسلحة النارية تستحق الاهتمام في سياق هذا التطابق في صيد الوعل في كل من منطقتي حضرموت وظفار، فقد دخلت الاسلحة النارية الي جنوب شبه الجزيرة العربية في القرن التاسع الهجري-الخامس عشر الميلادي، وحلت تدريجيا محل القوس والسهم في المعارك وفي الصيد. ومن المسلم به ان القوس والسهم كانا عنصرين حاسمين في الصيد التقليدي للوعل قبل ظهور الاسلحة النارية في جنوب الجزيرة العربية. ويبدو ان الاسلحة النارية هي العناصر التقنية الحاسمة الحديثة اضافة الى طرق وتقنيات الصيد التقليدي. وفي هذا السياق يخبرنا سرجينت (Serjeant 1976:95) انه قبل ادخال الاسلحة النارية في حضرموت كأن لحملة الاقواس نفسر موقع حملة الاسلحة النارية حاليا. إضافة الى ذلك، فمن بين منحوتات حصن العرفان سرجينت في دراسته آنفة الذكر يذكر رؤية نحت لرجل فيما يشبه التنورة يرمي سهما وقوسا على احد الوعول. وهنا ايضا فإن الرسوم الصخرية في منطقة حائل في شرق السعودية تؤكد استخدام القوس والسهام في صيد الوعل (Winnet and Reed 1973: 80).
لقد أبرزت هذه الورقة بعض مظاهر الفن الصخري في عمان، وقد تجاوزت الوصف المبسط للشكل المرسوم في الفن الصخري حيث قدمت تفسيرات لبعض المشاهد الصخرية. وقد لفتت هذه الورقة الانتباه الى حقيقة ان الفن الصخري يمكن ان ينظر اليه بإعتباره مكونا من مجموعة من اللقطات، فالمشهد الصخري الذي يعرض صورا معينة يمكن ان يكون لقطة واحدة في سلسلة كاملة تشكل في حقيقة الامر الفكرة الأساس لنشاط معين في ذهن الرسام حينما رسم المشهد. اي بعبارة أخرى ان الفنان القديم اختار ان يرسم لحظة معينة من النشاط من نشاط يمتد لفترة زمنية ممتدة. وتشكل اللحظة المختارة معنى الفكرة المرسومة على الصخر.
وقد ركزت الورقة على تفاصيل تقنيات صيد الوعل وتتبعت بيانات اثنوغرافية بهدف رؤية التشابه بين ممارسات الماضي والحاضر. وعلى ال غم من ان هذه التفاصيل قد تبدو بسيطة الا انه ثبت انها ذات قيمة كبيرة، فهي عناصر اساسية في فهم مشاهد الصيد في الصخور. وفي الواقع فإن هذه التفاصيل تمثل التجربة والمعرفة الانسانية المتراكمة التي تتفاعل من خلالها الانسان مع الحيوانات. وهكذا فان مشاهد الفن الصخري التي ناقشناها تعكس التطور النسبي في تقنيات الصيد والتي تضيف تبعا لذلك، الى تعقيد مشاهد الفن الصخري. وبافتراض مفهوم "اللقطات" والمستوى الملاحظ من التنظيم في عملية صيد الوعل بين التجمعات البشرية التقليدية فإن المشاهد الصخرية تكشف عن مهناها. وقد أثبتت الورقة، على نحو مساو، ان البيانات الاثنوغرافية وممارسات المجتمعات التقليدية المعاصرة يمكنها ان تكون ذات فائدة كبيرة في فهم الفن المخرق. فبدون ممارسات المجتمعات التقليدية المعاصرة والمعلومات الاثنونرافية فان فهمنا لمشاهد الفن الصخري في عمان يبقى ناقصا.
ــــــــــــــ
× في الوعل المقصود هنا هو ما يعرف علميا بالوعل النوبي، وهو مختلف عن الوعل العربي المعروف بالمها.
علي التجاني الماحي (باحث واكاديمي من سلطنة عمان)
عبدالله الحراصي (رئيس شعبة الاثار بجامعة السلطان قابوس)