ذهب رجل ليطرق باب الحاكم وقال : اعطني قاربا .
كان لبيت الحاكم أبواب كثيرة ، لكن هذا كان باب الالتماسات ، وبعد أن الحاكم يمضي كل وقته في باب التملقات (المكان الذي يأتي اليه الناس كي يتملقوا الحاكم كما تعرفون ) ، كان كلما سمع أحدا يطرق باب الالتماسات يدعي عدم الفهم ، فقط حين يصبح الطرق المستمر على المقبض البرونزي أكثر من مسموع ويصير فضائحيا مخلا بالأمن في الحي (حيث يبدأ الناس يدمدمون ، أي نوع من الحكام عندنا هذا الذي لا يرد على الباب ) ، فقط عندها يأمر السكرتير الأول بأن يذهب ويرى ماذا يلتمس الملتمس الذي رفض أن يصمت .
ينادي عندها السكرتير الأول على السكرتير الثاني، الذي يبعث للسكرتير الثالث ، الذي يأمر المعاون الأول ، الذي بدوره يأمر المعاون الثاني، وهكذا يستمر الأمر للأدنى فالأدنى حتى يصل إلى عاملة النظافة ، التي لا يوجد لديها من تأمره ، فتفتح الباب عن شق وتسأله عبر الصدع ، ماذا تريد . يشرح المتوسل أمره ، أو يطلب ما قد أتى ليطلبه ، ثم يقف عند ركن الباب ، منتظرا أن يتخذ التماسه طريقه صعدا مرة أخرى ، من شخص لشخص ، حتى يصل إلى الحاكم . وبعد أن الحاكم يكون مشغولا جدا بمتملقيه ، تستغرق اجابته وقتا طويلا ، وبعد أن اهتمامه بأحوال وسعادة شعبه لم تكن تبلغ مبلغا صغيرا ، كان يقرر وقتها أن يطلب من السكرتير الأول إثبات الالتماس كتابيا . ولا داعي للقول ، أن السكرتير الأول ، يمرر الرسالة للسكرتير الثاني، الذي يمررها للثالث ، وفي نفس الطريق التنازلي حتى تصل إلى عاملة النظافة مرة أخرى ، التي تطلق نعم أو لا كما يملي عليها مزاجها في ذلك الوقت .
ومع ذلك ، ففي حالة الرجل الذي طلب القارب ، لم تحدث الأمور على هذا النحو تماما ، فحين سألت عاملة النظافة خلال شق الباب ، ماذا تريد ، وبدل أن يسمي ، كما يفعل الباقون ، لقبا ، أو وساما ، او ببساطة مالا ، أجاب الرجل : -أريد أن أتحدث الى الحاكم .
– أنت تعرف تماما أن الحاكم لا يستطيع القدوم ، انه في باب التملقات ، أجابت المرأة .
– حسنا إذن ، اذهبي واخبريه أنني لن أذهب حتى يأتي بنفسه ليعرف ماذا أريد ، رد الرجل بشكل حاسم ، وتمدد على عتبة الباب ، ملتحفا بطانية تقيه من البرد ، بحيث يتخطاه الناس كلما أرادوا الدخول أو الخروج .
خلق ذلك مشكلة ، إذا عرفنا أنه ، وفقا لبروتوكول الأبواب ، يتم التعامل مع متوسل واحد فقط في في ذات الوقت ، مما يعني أنه طالما كان هناك شخص ينتظر إجابة ، لا يمكن لأحد أخر أن يقترب ويحاول أن يقدم احتياجاته أو طموحاته ، وانه ليبدو في الوهلة الأولى أن المستفيد الأكبر من هذه الفقرة في النظام هو الحاكم ، فكلما قل عدد الاشخاص الذين يضايقونه بشكاواهم ، سيجد وقتا أطول وفراغا أكبر لأن يستقبل ، يتأمل ويستمتع بالتملقات ، لكن إذا أعدنا النظر، سنجد أن الحاكم هو الخاسر، وهو كذلك فعلا، لان الناس اذا أدركت أن إجاباته تأخذ وقتا أطول من المعقول ، فان احتجاج الشعب سيزيد بشكل كبير، وذلك بالتالي، سوف يكون له أثره الفوري والعكسي على تدفق المتملقين . في هذه الحالة بالتحديد، كانت نتيجة الموازنة بين ما كان سيكسبه بالمقارنة مع ما كان سيخسره انه بعد مضي ثلاثة أيام ، ذهب الحاكم بكل أبهته ، إلى باب الالتماسات ليعرف ماذا أراد مسبب المتاعب ، الذي رفض أن يوصل التماسه عبر القنوات البيروقراطية
– افتحي الباب ، قال الحاكم لعاملة النظافة .
فأجابت : – كاملا، أو قليلا فقط ، تردد الحاكم لوهلة ، لأنه في الحقيقة ، لم يكن يحب التعرض للشارع كثيرا، لكنه رأى أنه لن يكون ملائما، فضلا عن أنه غير جدير بعظمته أن يتحدث مع أحد رعاياه عبر شق كما لو انه خائف منه ، خصوصا وعاملة النظافة تراقب المحادثة ، كما أنها ستذهب من فورها والله وحده يعلم ماذا ستشيع.
– افتحيه على مصراعيه ، أمرها ، حين سمح الرجل الذي يريد قاربا المزلاج يشرع ، قام من العتبة ، لف بطانيته ، وانتظر.
الحضور غير المتوقع للحاكم لم ( يحدث شيء مشابه منذ رضع التاج على رأسه ) أحدث مفاجأة هائلة ، ليس فقط للمتوسلين الآنفي الذكر، بل ايضا للجيران ، الذين جذبتهم الجلبة المفاجئة ، فوقفوا على النوافذ ، في البيوت الموجودة على الجهة المقابلة من الشارع ،
الرجل الوحيد الذي لم يفاجأ بشكل مبالغ فيه كان الرجل الذي جاء ليطلب قاربا ، كان قد خمن ، وقد كان مصيبا في تقديره ، انه حتى لو استغرق الأمر ثلاثة أيام فان الحاكم لابد سيتملكه الفضول لرؤية وجه الشخص الذي أرسل بكل وقاحة يطلبه ، بدون اي توضيح .
وهكذا سأل الحاكم . موزعا بين فضوله الذي تتعذر مقاومته ، وكراهيته لرؤية كل هؤلاء البشر مجتمعين سوية – وبشيء من الفظاظة الأسئلة الثلاثة التالية : – ماذا تريد، لماذا لم تقل ما الذي تريده مباشرة ، وهل تعتقد أن ليس لدي ما هو أهم لأفعله . لكن الرجل أجابه فقط على السؤال الأول : . اعطني قاربا ، قال .
صعق الحاكم بشدة وعاد إلى الخلف مما حدا بعاملة النظافة إلى دفع مقعد من القش اليه ، نفس الكرسي الذي تجلس عليه حيث تحتاج للعمل بالإبرة والخيط ، ذلك أنها ، بالاضافة للتنظيف ، كانت مسؤولة عن بعض أعمال الخياطة في القصر، مثل رتق جوارب الخدم ، ولأن مقعد القش كان أقصر كثيرا من العرض فقد جلس عليه بشكل أخرق ، وكان الحاكم يبحث عن أفضل طريقه يضع بها قدميه ، يسحبهما إلى الداخل أم يمدهما إلى الجوانب ، بينما وقف الرجل الذي يريد القارب صابرا بانتظار السؤال التالي.
. ولماذا تريد القارب ، هل تستطيع إخباري، كان ذلك سؤال الحاكم بمجرد أن استقر أخيرا في وضع مريح نوعا ما على كرسي عاملة النظافة .
. لأذهب وأبحث من الجزيرة المجهولة ، أجاب الرجل .
– ما هي الجزيرة المجهولة ، سأل الحاكم محاولا أن يكتم رغبته في الضحك ، حيث يوجد أمامه رجل مجنون بالكامل مصاب بهوس الإبحار، وربما ليس من الحكمة أن يقوم بإثارته فورا.
– الجزيرة المجهولة ، كرر الرجل .
هراء، قال الحاكم لم يعد هناك أي جزر مجهولة .
– من قال لك ، أيها الحاكم انه لم يعد هناك أي جزر مجهولة . إنها جميعا على الخريطة .
– الخريطة تريك فقط الجزر المعروفة .
– وما هي تلك الجزيرة المجهولة التي تريد أن تبحث عنها . لو استطعت أن أجيبك ، فلن تعود مجهولة .
– من حدثك عنها ، سأل الحاكم أكثر اتزانا هذه المرة .
– لا أحد.
– في هذه الحالة ، لماذا تصر على القول أنها موجودة؟
– لأنه ببساطة من المستحيل الا توجد جزيرة مجهولة.
– وأتيت إلى هنا كي تطلب مني قاربا.
– نعم ، أتيت كي أطلب قاربا.
– ومن أنت ، كي أعطيك واحدا ؟
– ومن أنت كي لا نعطيني واحدا ؟
– أنا حاكم هذه المملكة ، وكل القوارب فيها ملكي.
– ربما أنت ملكها أكثر مما هي ملكك .
– ماذا تقصد ؟ سأل الحاكم منزعجا .
– أنت بدونهم لا شيء، وهم بدونك ، باستطاعتهم دائما أن يبحروا.
– فقط بأوامري، بر بابنتي وبحارتي.
– أنا لا أطلب منك ربابنة أو بحارة ، أنا أطلب فقط قاربا .
– وهذه الجزيرة المجهولة ، لو وجدتها ، ستكون لي
– أنت أيها الحاكم تهتم فقط بالجزر المعروفة .
– أنا أيضا أهتم بالجزر المجهولة حين لا تعود مجهولة .
– ربما هذه لن تكشف عن نفسها لتصبح معروفة .
– إذا لن أعطيك القارب .
– سوف تفعل .
أثناء خروج هذه الكلمات ، والتي نطقت بهدوء واثق ، قرر المتوسلون على باب الالتماسات ، والذين بدأ صبرهم ينفد مع كل دقيقة تمر منذ بدأ المحاورة ، ولرغبتهم في التخلص منه أكثر من رغبتهم في إظهار وحدة تجمعهم ، أن يتدخلوا لصالح الرجل الذي طلب القارب ، صارخين ، أعطه القارب ، أعطه القارب . فتح الحاكم فمه كي يبلغ عاملة النظافة بأن تستدعي حرس القصر كي يعيدوا ترتيب الناس ويفرضوا النظام ، لكن في نفس اللحظة شاركت النسوة المجاورات للقصر واللاتي كن يتفرجن من خلال نوافذهن المجموعة بحيوية ، هاتفات مع الأخوين ، أعطه القارب ، أعطه القارب . مواجها بهذا التعبير الصارخ للرأي العام ، وقلقا لما قد فاته في باب التملق ، رفه الحاكم يده اليمنى طالبا منهم السكوت ، وقال : – سوف أعطيه القارب ، لكن عليك أن تجمع الملاحين بنفسك ، فأنا أحتاج البحارين للجزر المعروفة .
غطت هتافات الفرح التي أطلقها الحشد على شكر الرجل الذي أتى يطلب القارب وعلى أية حال ، كان بإمكان شفتيه أن تنطقا ، شكرا يا مولاي، بنفس السهولة التي يمكن أن تنطقا بها ، سأتدبر أمري، لكن ما أمكن سماعه بوضوح هو تلفظ الحاكم بالتالي: اذهب إلى حوض السفن ، وحين تصل ، اسأل عن رئيس المرفأ ، اخبره اني أرسلتك ، وأن عليه أن يعطيك قاربا ، خذ بطاقتي، قرأ الرجل الذي سوف يعطى القارب البطاقة ، تحت اسم الحاكم مكتوب ملك ، والكلمات التي تتبعه والتي كتبها الحاكم مستندا على كتف عاملة النظافة ، أمط حامل البطاقة قاربا ، ليس من الضروري أن يكون كبيرا ، لكن يجب أن يبحر بشكل جيد وأن يكون أمنا ، لا أريد أن يتعكر ضميري إذا ما جرت الأمور بشكل سيىء .حين رفع الرجل رأسه هذه المرة ، من المحتمل أنه كان سيشكر الحاكم لكن الحاكم كان قد غادر، لم يكن هناك سوى عاملة النظافة ترقبه متأملة . خطا الرجل إلى الوراء، ونزل عن العتبة ، مشيرا بذلك إلى إمكانية تقدم المتوسلين الآخرين ، ولسنا بحاجة إلى القول أن الفوضى كانت تفوق الوصف ، كل شخص يريد أن يكون الأول ، لكن للأسف ، كان الباب قد أغلق .
مرة أخرى نادى المقبض البرونزي على عاملة النظافة ، لكن عاملة النظافة لم تكن هناك ، كانت قد استدارت ومعها الممسحة والدلو وغادرت من باب آخر، باب القرارات ، والذي نادرا ما يتم استخدامه ، لكنه حين يستخدم فإن ذلك يكون بشكل حاسم . وذلك يفسر لم بدت عاملة النظافة مستغرقة في التفكير، فقد كانت في تلك اللحظة بالذات قد قررت أن تتبع الرجل حين غادر إلى المرفأ ليرى القارب ، كانت تفكر أنها قد اكتفت من تلميع وتنظيف القصور، وأن الوقت قد حان لتغير عملها، وأن مهنتها الحقيقية هي تنظيف وتلميع القوارب ، على الأقل فان المياه لن تنقطع عنها أبدا وهي في البحر. لكن الرجل لم يكن يعي ذلك ، أنه وهو بعد لم يبدأ في جمع الملاحين ، كان قد تبعه من سوف يشرف على الذين سيقومون بتلميع وتنظيف ظهر المركب . وتلك بالفعل هي الطريق التي يميل القدر الى سلوكها . إنه خلفنا مباشرة ، وقد بدأ فعلا بمد يده ليلمس أكتافنا، وبالرغم من ذلك نؤكد نحن ، لقد انتهى كل شيء، لا يهم .
بمد المشي مسافة لا بأس بها، وصل الرجل إلى المرفأ ، ذهب إلى الرصيف وسأل عن رئيس المرفأ ، وبينما كان ينتظر الرجل بدأ يتساءل أي من القوارب الكثيرة التي كانت هناك ستكون له . وهو يعرف مسبقا أنه لن يكون كبيرا، فبطاقة الحاكم كانت واضحة جدا فيما يخص تلك النقطة ، مما يعني استثناء سفن الركاب ، وسفن الشحن والسفن الحربية . وهو لن يكون صغيرا جدا بحيث لا يتمكن من تحمل قوة الرياح وعنف أمواج البحر، كان الحاكم صارما في تلك النقطة أيضا ، سوف يبحر جيدا ويكون آمنا، تلك كانت كلماته الفعلية ، مما يعني ضمنا استبعاد المراكب ذات المجاديف ، ومراكب نقل البضائع والعوامات ، فعلى الرغم من أنها تبحر جيدا وآمنة ، لكن لكل منها غرضا معينا. وهي لم تصنع للتغلغل في البحار السبعة ، حيث توجد الجزر المجهولة ، وعلى مسافة ليست بعيدة ، مختبئة خلف بعض البراميل ، جالت عاملة النظافة ببصرها على القوارب التي ترسو هناك . لو كان بإمكاني أن أختار، سيكون ذلك الذي هناك ، فكرت . على العموم ، فان رأيها لا يهم أحدا، فهي أصلا لم تعين بعد، فلننتظر ونرى ماذا سيقول رئيس المرفأ ، جاء رئيس المرفأ، قرأ البطاقة ، نظر إلى الرجل من رأسه إلى قدميه ، وسأل السؤال الذي نسي الحاكم أن يسأله :- هل تعرف كيف تبحر، هل تملك رخصة إبحار، حيث أجاب الرجل على
الأسئلة :- سوف أتعلم في البحر. قال رئيس المرفأ :- لا أنصحك بذلك ، أنا قبطان ، ولن أغامر بالإقلاع في أي قارب .
– اعطني إذن قاربا أستطيع أن أجازف بالإبحار فيه ، لا ، ليس واحدا من هؤلاء، أفضل أن تعطيني قاربا أستطيع احترامه ويحترمني.
– أنت تتحدث كبحار، لكنك لست بحارا.
– لو كنت أتحدث كبحار، فربما أصبحت واحدا. قرأ رئيس المرفأ بطاقة الحاكم مرة أخرى، ثم سأل :
– هل تستطيع إخباري لم تريد القارب .
– لأبحث عن الجزيرة المجهولة .
– لم يعد هناك جزر مجهولة .
– قال لي الحاكم نفس الكلام .
– كل ما يعرفه عن الجزر، تعلمه مني.
– إنه لمن المدهش أن تقول أنت ، رجل البحر، كلاما كهذا، انه لم يعد هناك جزر مجهولة ، أنا رجل بريء، لكني لا أجهل حقيقة أن كل الجزر مجهولة حتى ننزل فيها.
– لكن إذا كان ما فهمته صحيحا فأنت ستبحر لتبحث عن واحدة لم ينزل فيها أحد من قبل .
– سوف أعرف حين أصل هناك .
– إذا وصلت هناك .
– نعم ، ففي بعض الأحيان تغرق السفينة في الطريق ، لكن لو حدث لي ذلك ، بإمكانك أن تكتب في سجلات المرفأ أن هذا أقصى ما وصلت اليه .
– هل تعني أنه فيما يخص الوصول إلى هناك ، يصل المرء دائما هناك .
– لن تكون ما أنت عليه ، لو لم تكن قد عرفت ذلك .
قال رئيس المرفأ:
– سوف أعطيك مركبا يلائم احتياجاتك .
قال الرجل : أي واحد
– إنه قارب يملك الكثير من الخبرة ، من العهد الذي كان الجميع يبحثون فيه عن جزر مجهولة .
– أي واحد
– بل إنه قارب قد وجد جزيرة بالفعل ، على ما أعتقد.
– أي واحد
– هذا هو.
حالما أدركت عاملة النظافة القارب الذي أشار اليه رئيس المرفأ، ركضت من خلف البراميل وصرخت : – هذا هو قاربي، هذا هو قاربي، ولابد أن يغفر لها ادعاءها الغريب والذي يبدو غير ملائم لملكية القارب ، لكنه كان القارب الذي أعجبها، هذا كل ما في الأمر.
– إنه يبدو كمركب شراعي، قال الرجل .
– نوعا ما، وضح رئيس المرفأ، كان مركبا شراعيا في البداية ، ثم فضع لاصلاحات وتعديلات غيرته قليلا.
– لكنه لا يزال قاربا شراعيا.
– نعم ، إجمالا حافظ على شكله القديم ، وهو يحوي صواري وأشرعة ، حين ترحل للبحث عن جزر مجهولة ، فإن هذا هو أفضل نوع من القوارب .
لم تستطع عاملة النظافة أن تصمت : بالنسبة لي، لا أريد قاربا
– من أنت ، سأل الرجل .
– الا تتذكرني؟
– أبدا.
– أنا عاملة النظافة .
– ماذا تعنين ؟
– من قصر الحاكم .
– التي فتحت باب الالتماسات ؟
– هي تحديدا.
– ولم لست في قصر الحاكم تنظفين وتفتحين الأبواب ؟
– لأن الأبواب التي أريدها حقيقة قد فتحت ولأنني من الآن فصاعدا سأقوم فقط بتنظيف
القوارب .
– إذن فقد عقدت العزم على أن تأتي معي للبحث من الجزيرة المجهولة ؟
– لقد تركت القصر من باب القرارات .
– في هذه الحالة ، اذهبي للمركب الشراعي، تفقديه ، فبعد كل هذا الوقت لابد من أنه بحاجة الى تنظيف عميق ، واحذري من النوارس ، فلا يمكن الوثوق بها.
– الا تريد أن تأتي معي وتتعرف على قاربك من الداخل ؟
– لقد قلت انه لك .
– أنا آسفة ، لقد فعلت ذلك لأنني أحببته .
– لعل الحب هو أفضل طرق التملك ، ولابد من أن التملك أسوأ طرق الحب .
قاطع رئيس المرفأ المحاورة :
– علي أن أعطي المفاتيح لمالك القارب ، لك أو لها، بالنسبة لي لا فرق .
– وهل للقوارب مفاتيح ؟ سأل الرجل .
– ليست للدخول ، لا ، لكن هناك خزانات وأدراج ، ومكتب القبطان مع سجل المركب .
– بإمكانها أن تستلم كل شيء، سأذهب للبحث عن طاقم ، قال الرجل ومضى.
ذهبت عاملة النظافة إلى مكتب رئيس المرفأ لتسليم المفاتيح ، ثم صعدت إلى القارب . شيئان أفاداها هناك ، الممسحة التي أخذتها من القصر والتحذير من النوارس . كانت ما تزال تعبر اللوح الخشبي الذي يصل جانب المركب إلى رصيف الميناء حين هاجمتها الطيور اللعينة بشراسة ، صارخة ، بمناقير مفتوحة على مصراعيها ، كما لو أنها تريد أن تفترسها هنا والأن . وضعت المرأة الدلو، وأسقطت المفاتيح بين ثدييها ، وقفت بثبات على المعبر ، وملوحة بمسحتها كما لو كانت سيفا في الأيام السالفة ، فرقت السرب القاتل . تمكنت حين وصلت إلى القارب من فهم غضب النوارس . كانت هناك أعشاش في كل مكان ، كثير منها مهجورة ، وأخرى تحوي بيضا ، وقليل منها تحمل كتاكيت فاغرة مناقيرها ، تنتظر الطعام ، حسنا ، قالت ، قارب سيقوم بالبحث عن الجزيرة المجهولة لا يمكن أن يبدو بهذا المنظر، كما لو أنه قن دجاج ، رمت الأعشاش الفارغة في البحر، أما بالنسبة للأخرين فقد تركتهم ، ستنتظر وترى ، ثم شمرت أكمامها وبدأت في فرك سطح المركب . حين انتهت من هذا العمل الشاق فتحت خزانة الأشرعة وقامت بفحص تفصيلي لحالة الخيوط . فهي لم تبحر مدة طويلة ، ولم تواجه المقاومة الصحيحة للرياح ، الأشرعة هي عضلات القارب ، عليك فقط أن ترى كيف تنتفخ حين تشد ، لكن ، كما يحدث للعضلات ، حين لا تستخدمها بانتظام تضعف ، تصبح مترهلة ، وتنحل أعصابها ، والخيوط هي أعصاب الأشرعة ، بالرغم من أن المرأة كانت سعيدة لتعلمها فن الملاحة بشكل سريع . فقد وجدت بعض الأهداب قد تمزقت ، لكنها لم تفعل أكثر من وضع علامة عليها ، مدركة أن العمل فيها لن يتم بالخيوط والإبرة اللذين كانت معتادة على استخدامهما لرتق جوارب الخدم من قبل ، في الواقع ، بالأمس فقط .
أما بالنسبة للخزانات ، فقد لاحظت فورا أنها خالية ، لم تهتم أبدا حين رأت خزانة البارود خالية سوى من غبار أسود خفيف في القاع ، والذي بدا لها للوهلة الأولى كأنه روث جرذان ، وفعليا لم يكن هناك قانون مكتوب ، على الأقل بالنسبة لمقومات عاملة نظافة ، ينص على أن البحث عن جزيرة مجهولة يعني بالضرورة الذهاب لحرب . لكن انزعاجها كان عظيما من النقص الكامل في المؤن في خزانة الأغذية ، ليس من أجلها حيث كانت أكثر من معتادة على هزال مائدة القصر، لكن من أجل الرجل الذي منح له هذا القارب . ستغرب الشمس بعد قليل ، قالت لنفسها ، وسيعود قائلا انه جائع ، وهو ما يقوله كل الرجال في اللحظة التي يصلون فيها الى البيت ، كأنهم الوحيدون الذين يملكون بطونا ، والوحيدون الذين يحتاجون لملئها ، ولو أحضر معه بحارين لطاقم الملاحة ، فلن أعرف كيف سنتصرف ، لأنهم يأكلون كأحصنة ، قالت .
لم تكن بحاجة لكل هذا القلق ، كانت الشمس قد اختفت في المحيط حين ظهر الرجل الذي يملك القارب في نهاية الرصيف . كان يحمل رزمة ، لكنه كان وحيدا وخائب الأمل ، ذهبت المرأة تنتظره على الممر، لكن قبل أن تتمكن من فتح فمها لتعرف كيف أمضى باقي يومه ، قال : – لا تقلقي، لقد أحضرت طعاما لكلينا.
– والبحارة ، سألت .
– كما ترين ، لم يأت أحد.
– لكن هل وعدوك بالمجيء على الأقل ، سألته مرة أخرى.
– لقد قالوا إنه لم يد هناك جزر مجهولة بعد، وحتى ولو كانت لا تزال هناك جزر مجهولة فلن يسحبوا أنفسهم بعيدا عن راحة بيوتهم والحياة الجيدة التي يحيونها على ظهر سفن الركاب كي ينطلقوا في مغامرة في عرض المحيط ، باحثين عن المستحيل ، كما لو كنا لا نزال نحيا في أيام كان البحر لا يزال فيها غامضا.
– وماذا قلت لهم
– ان البحر دائما غامض .
– ولم تحدثهم عن الجزيرة المجهولة
– كيف أكلمهم عن جزيرة مجهولة ، إذا كنت لا أعرف واحدة ؟
– لكنك متأكد من وجودها.
– كما أنا متأكد من أن البحر غامض .
– الآن ، وأنا أنظر من هنا، البحر بلون الزمرد والسماء كنار مشتعلة ، لا أرى أي غموض فيه .
– إنه وهم ، حتى الجزر تبدو أحيانا طافية فوق المياه .
– ماذا تنوي أن تفعل ، إذا لم يكن معك بحارة ؟
– لا أعرف حتى الآن ؟
– بإمكاننا أن نبقى ونعيش هنا ، بإمكاني أن أعرض تنظيف القوارب التي تقدم للرسو هنا ، وأنت بالتأكيد لابد من أن تكون لك تجارة ، عمل ، مهنة ، كما يقولون هذه الأيام .
– عندي مهنة ، وكان لدي واحدة وسوف يكون لدي لو اضطررت ، لكني أريد أن أعثر على الجزيرة المجهولة ، أريد أن أعرف من أنا حين أصير فوقها، الا تعرفين ؟ إذا لم تخرجي من نفسك ، فلن تعرفي أبدا من تكونين .
حين لا يكون لديه شيء يعمله ، قالت عاملة النظافة ، يأتي فيلسوف الحاكم ويجلس بقربي ويراقبني أرتق جوارب الخدم ، وأحيانا كان يقول أن كل رجل عبارة عن جزيرة ، لكن بما أن ذلك لا يعنيني في شيء، كوني امرأة ، لم أكن اعيره انتباها، بماذا تفكر، أنك لابد أن تغادر جزيرة لترى جزيرة ، أن ليس بامكاننا ان نرى أنفسنا إلا إذا غادرنا بأنفسنا، إلا إذا غادرنا أنفسنا ، تعنين ، هناك فرق .
كانت النار التي في السماء، تخبو، وتحولت المياه فجأة إلى اللون البنفسجي، والآن لا يمكن حتى لعاملة النظافة أن تشك أن البحر بامكانه فعلا أن يصبح غامضا، على الأقل في أوقات معينة ، قال الرجل : – دعينا نترك الفلسفة لفيلسوف الحاكم ذلك ما يقبض عليه أجرا ، سنأكل الآن ، لكن المرأة لم توافق .
– يجب أولا أن ترى قاربك ، فأنت تعرفه من الخارج فقط ، ما رأيك فيه ؟
– بعض الأطراف بحاجة الى تقوية ، هل نزلت إلى المخزن ، هل هناك تسرب فيه :
– هناك القليل من المياه في القاع ، مختلطة بالحصى، لكن يبدو أن ذلك ما يجب أن يكون عليه الأمر، إن ذلك جيد للقارب .
– كيف عرفت كل هذه الأمور
– هكذا.
– هكذا كيف ؟
– مثلك ، حين اخبرت رئيس المرفأ أنك ستتعلم الابحار وأنت في البحر.
– نحن لسنا في البحر بعد.
– لكننا فوق الماء.
– كنت دائم الاعتقاد أن هناك معلمين اثنين حقيقيين للإبحار، أحدهما البحر، والآخر القارب .
– والسماء، لقد نسيت السماء.
– نعم ، بالطبع ، السماء، الرمح ، السحب ، السماء، نعم ، السماء.
استغرقت جولتهما أقل من ربع ساعة ، والمركب الشراعي لا يستغرق الكثير من المشي، حتى لو كان قد تم تحويله إلى شيء آخر.
– انه جميل ، قال الرجل ، لكن لو لم أتمكن من الحصول على الطاقم الكافي للإبحار به سأخبر الحاكم بأني لا أريده . – سلمت عند أول عقبة ؟
– اول عقبة كانت اضطراري لانتظار الحاكم ثلاثه أيام ، ولم أسلم .
– لو لم تستطع الحصول على أي بحارة ، سنتدبر الأمر نحن الاثنين .
– أنت مجنونة ، لا يستطيع اثنان بمفردهما الإبحار بقارب مثل هذا، أنا علي أن أكون بجوار الشراع طوال الوقت ، أما أنت ،حسنا إنه حتى من غير المجدي محاولة شرح الأمر، انه جنون .
– سوف نرى، أما الآن فعينا أن نأكل ، فسدوا الى سطح القارب ، كان الرجل لا يزال يتشكى عما يعتبره جنونا. فتحت عاملة النظافة سلة الطعام التي أحضرتها معها، رغيف خبز، جبن ماعز قاسية ، زيتون ، قارورة نبيذ، كان القمر قد بدأ يظهر فوق البحر، تمدد عند أقدامهم ظل الصاري وسارية المركب الرئيسية .
– إنه حقا جميل ، مركبنا، قالت المرأة ،ثم صححت قولها
بسرعة ، مركبك ، مركبك .
– أخاف أن القارب لن يكون ملكي لوقت طويل .
– إنه لك ، الحاكم أعطاه لك .
– لقد طلبته منه كي أبحث عن الجزيرة المجهولة .
– لكن هذه الأشياء لا يمكن أن تتم في لحظة ، إنها تتطلب وقتا، كان جدي يقول أن من يذهب الى البحر عليه أن يستعد على البر، بالرغم من أنه لم يكن بحارا.
– بدون بحارة لا يمكننا الإبحار.
– قلت ذلك من قبل .
– كما أن القارب بحاجة إلى آلاف الأشياء لرحلة كهذه ، لا نعرف حتى إلى أين ستقودنا .
– طبعا ، كما أن علينا أن ننتظر الوقت الملائم من السنة ، ونرحل حين يكون أوان المد ، ويأتي الناس ليتمنوا لنا رحلة
– تسخرين مني.
– لا أسخر أبدا من شخص جعلني أغادر من باب القرارات .
– أنا آسف .
– وأنا لن أخوض في ذلك مرة أخرى، مهما حدث ، كان وجه عاملة النظافة مغمورا تماما في نور القمر، إنها جميلة ، إنها حقا جميلة ، قال الرجل لنفسا، أما المرأة ، فلم تفكر بشيء، لابد أنها فكرت في كل شيء خلال تلك الأيام الثلاثة ، حين كانت قوارب الباب بين الحين والآخر لترى إذا كان لايزال واقفا هناك ، ينتظر.
لم يكن هناك كسرة خبز أو جبر زائدة ، ولا حتى قطرة نبيذ، بذور الزيتون كانت قد ألقيت في البحر، كانت الأرض نظيفة كما تركتها عاملة النظافة حين مسحتها آخر مرة ، أصدر بوق الإنذار لباخرة مسافرين مقلعة دويا عاليا، ربما كذلك الذي أصدره لوياثان ، فقالت المرأة :- حين يأتي دورنا، سنحدث ضجيجا أقل . وبالرغم من وجودهم داخل الحوض ، فقد أصدر إقلاع السفينة تموجات قليلة ،
– لكننا سنتمايل أكثر، ضحكا، ثم صمتا، .بعد قليل اقترح أحدهما أن يذهبا للنوم .
– لا يعني ذلك أنني تعب ، وافق الآخر: ولا أنا. ثم صمتا مرة أخرى، استمر القمر بالصعود، وفي نقطة معينة قالت المرأة : توجد أسرة تحت .
– قال الرجل : – نعم ، ثم وقفا ونزلا إلى أسفل .
– ثم قالت المرأة : أراك في الصباح ، سأذهب من هنا،
– وأجابها الرجل : – وأنا سأذهب من هنا، أراك في الصباح ، لم يقولا الميناء أو ميمنة القارب ، ربما لأنهما حديثا عهد بالبحر، عادت المرأة ، أخذت شمعتين من جيب المئزرة ،.
– لقد نسيت تقريبا، وجدتهما بينما كنت أنظف ، لكن ليس عندي أعواد كبريت ،
– أنا عندي، قال الرجل .
حملت الشموع ، واحدة في كل يد، أشعل هو الكبريت ، ساترا اللهب بأصابعه المعقوفة ، حمله بحذر شديد الى الفتيل ، اشتعل ، توهج النور ببط ء كنور القمر، وغمر وجه المرأة ، لا حاجة إلى القول بما خطر على بال الرجل ، إنها جميلة ، لكن بالذي خطر على بال المرأة هو الذي يجب أن نذكره ، عيناه مشغولتان فقط بالجزيرة المجهولة ، هكذا يخطئ الناس في معنى نظرات معينة ، خصوصا في البداية .
أعطته شمعة ، وقالت : – أراك في الصباح ، نم جيدا، أراد أن يقول نفس المعنى بطريقة
مختلفة .
– أحلام سعيدة ، كان ما قال ، حين وصل إلى الأسفل ، ومستلقيا على سريره ، فكر في أشياء أفري، كان بإمكانه قولها، أشياء مسلية أكثر، والأهم من ذلك ، معبرة أكثر، كما هو المتوقع من رجل حين يكون وحده مع امرأة ، كان يتساءل إذا كانت قد نامت ، هل كانت تأخر وقتا طويلا كي تنام ، حين وجد نفسه يبحث عنها ولا يجدها في أي مكان ، كلاهما ضائع في قارب ضخم ، الحلم ساحر ماكر، يغير نسب الأشياء والمسافات ، يفرق الناس وهم معا، ويجمعهم حين يكون من الصعب عليهم رؤية بعضهم البعض، كانت المرأة نائمة على بعد ياردات قليلة ، وهو لا يعرف كيف يصل اليها، على الرغم من أن الانتقال من الميناء إلى الميمنة كان أمرا في منتهى السهولة .
– وبينما كان قد تمنى لها أحلاما سعيدة ، كان هو الذي أمضى الليل يحلم ، حلم أن مركبه في عرض البحر، وأشرعته المثلثة الثلاثة تنتفخ بشكل رائع ، تمخر الأمواج ، وهو يدير الأشرعة وطاقم البحارة يستريحون في الظل . لم يستطع أن يفهم كيف كان البحارة هناك ، بينما في البلدة ، هناك على اليابسة ،رفضوا الإبحار معه للبحث عن الجزيرة المجهولة ، لابد أنهم ندموا على الترفع والازدراء الذي أبدوه ، رأى حيوانات فوق سطح القارب ، دجاج ، بط ، أرانب ، كل الأنعام الأليفة المعروفة ، تنقر حبوب ذرة أو تقضم أوراق كرنب يرميها لها بحار. لم يتذكر متى أحضرهم للمركب ، لكن كان من الطبيعي جدا وجودهم هناك . تخيل فقط لو اتضح أن الجزيرة المجهولة – كما كان يحدث في أحيان كثيرة في الماضي- صحراء، من الأفضل أن نتصرف بشكل عاقل ، كنا يعرف أن تفتح باب قفص الأرانب وتمسك واحدا من أذنيه ، كان دائما أيسر كثيرا من مطاراته صعدا على التل أو نزولا في الوادي. من أعماق المخزن يصعد صوت جوفه من صهيل الخيل ، خوار ثيران ، نهيق حمير، أصوات بهائم نبيلة يحتاجها العمل القاسي، لكن كيف وصلت هناك ، كيف وسعها المركب بينما المكان لا يكاد يكفي لطاقم البحارة . فجأة عصفت الريح ، تجعد الشراع الكبير وخفق ، وظهر من خلفه ما لم يكن بالإمكان رؤيته من قبل ، مجموعة من النساء. حتى بدون عد يمكن تقدير عددهم بعدد البحارة ، وكن يشغلن أنفسهن بأمور نسائية ، لم يحن الوقت بعد لينشغلن بأمور أخرى.
بالتأكيد ذلك كان حلما ، لأنه في الواقع لم يبحر أبدا أي إنسان بهذه الطريقة ، تبحث عينا البحار عن عاملة النظافة ولا يردها ، ربما تكون في السرير في ميمنة القارب ، تستريح بعد تلميع ظهر المركب ، كان يفكر، لكنه كان ظنا خادعا، لأنه كان يعرف جيدا، على الرغم من أنه لا يدري كيف عرف ، أنها لم ترغب في القدوم في آخر لحظة ، وأنها قفزت إلى الرصيف ، هاتفة من هناك ، الوداع ، الوداع ، لأن عينيك مشغولتين فقط بالجزيرة المجهولة ، أنا راحلة ، وذلك ليس صحيحا ، حتى الآن عيناه تبحثان عنها ولا يتمكن من العثور عليها.
في ذلك الوقت ، تجمعت السحب في السماء وبدأت تمطر، بعد المطر أخذ عدد لا محدود من النباتات ينبت في صفوف من حقائب التربة المرصوصة على طول المركب ، لم يكن السبب أن الجزيرة المجهولة لن يكون بها ما يكفي من التربة ، لكن بهذه الطريقة يمكن توفير الوقت ، واليوم الذي نصل فيه يصبح كل المطلوب هو نقل أشجار الفاكهة ، وبذر حبوب الحصاد الصغير الذي سوف ينضج هنا، وتزيين مستنبتات الأزهار بالأزهار التي ستتفطر من هذه البراعم . سأل رجل الشراع البحارة الذين يستريحون على ظهر المركب هل يرون أي جزيرة غير مأهولة ، فيجيبونه أنهم لا يرون أي واحدة من هذا النوع ، لكنهم يفكرون بالنزول عند أول جزيرة مأهولة يقابلونها ، إذا كان فيها مرفأ يرسون فيه ، وخان يشربون فيه ، وسرير يمرحون عليه ، لأن ذلك غير محتمل ، وجود كل هؤلاء البشر في مكان واحد.
– وماذا عن الجزيرة المجهولة ، يسأل رجل الشراع .
– الجزيرة المجهولة شيء غير موجود، إنها ليست أكثر من فكرة في رأسك ، فقد نظر جغرافيو الحاكم في الخرائط وأعلنوا أن الجزر التي تنتظر اكتشافها باتت من الماضي.
– كان يجب أن تنتظروا في البلدة بدلا من أن تأتوا وتتدخلوا في إبحاري.
– لقد كنا نبحث عن مكان أفضل للعيش وقررنا أن نستفيد من رحلتك .
– لسقم بحارة ؟
– لم نكن يوما كذلك .
– لن أتمكن أبدا من قيادة القارب وحدي.
– كان يجب أن تفكر في ذلك قبل أن تطلب من الحاكم القارب ، لا يعلمك البحر كيفية الإبحار.
عند ذلك رأى رجل الشراع يابسة على بعد. كان يريد أن يتخطاها، أن يتظاهر بأنها سراب يابسة ، خيال قادم عبر الفضاء من الجهة الأخرى للعالم . لكن الرجال لم يكونوا بحارة أبدا أحدثوا ضجيجا، معلنين أن هذا هو بالضبط المكان الذي يريدون النزول فيه ، هذه الجزيرة على الخريطة ، صرخوا، سنقتلك لو لم تأخذنا الى هناك ، عندها تحولت مقدمة المركب من تلقاء نفسها الى جهة اليابسة ، دخلت المرفأ واستقرت على الرصيف .
بإمكانكم الذهاب ، قال رجل الشراع ،جروا فورا نحو الشاطئ، النساء أولا، تبعهم الرجال ، لكنهم لم ظ دروا وحدهم ، أخذوا معهم البط ، والأرانب ، والدجاج . أخذوا الثيران ، والحمير والخيول . حتى النوارس غادرت واحدة إثر أخرى، تاركة القارب تحمل أفراخها على مناقيرها، عمل لم تفعله من قبل ، لكن هناك دائما مرة أولى، راقب رجل الشراع الحشد في صمت . لم يفعا شيئا ليمنع أولئك الذين يهجرونه ، على الأقل ترعوه مع الأشجار، السنابل والأزهار، مع النباتات المتسلقة تلتف حول السارية وتتدلى من الميحاف كأقواس الزينة . وبسبب التخبط الذي أصابهم عند مغادرتهم تمزقت أكياس التربة وخرج ما فيها حتى بدا منظر المركب كحقل تم حرثه وزرعه ، ولم يبق سوى القليل من المطر كي يصير عاما جيدا للحصاد.
منذ بداية الرحلة للجزيرة المجهولة ، لم ير رجل الشراع يأكل ، لابد من أن السبب أنه كان يحلم ، فقط يحلم ، وفي حلمه كان يشعر بقطعة خبز أوتفاح ، كانت وجبات خيالية ، ليس أكثر، كانت جذور الأشجار قد وصلت الى خشب المركب ، قريبا لن نحتاج إلى تلك الأشرعة المرفوعة ، سيكون على الرياح أن تهب عبر رؤوس الأشجار وقيادة المركب الى قدره ، غابة عائمة تبحر وتتمايل فوق الأمواج ، غابة – لا أحد يعرف كيف – بدأت تصدح فيها الطيور، لابد انها كانت تختبئ في مكان ما وقررت فجأة أن تخرج للنور، ربما لأن الجنى قد نضج وأصبح جاهزا للحصاد، ثبت الرجل الدفة ونزل إلى الحقل حاملا منجلا، حين قطع أول عذق رأى ظلا يجاور ظله . استيقظ ليجد نفسه ممسكا بعاملة النظافة ، وهي ممسكة به ، الجسدان كأنهما واحد، سريراهما كأنهما واحد، وأيهما كان السرير جهة الميناء أو الميمنة لا يعرفان . ثم بمد أن طلعت الشمس ، ذهب الرجل والمرأة إلى مقدمة القارب ليطليا باللون الأبيض على الجنبين الاسم الذي سيطلقانه على المركب ، في منتصف النهار أقلعت "الجزيرة المجهولة " إلى البحر مع المد ، باحثة عن نفسها.
ترجمة عبدالله الغامدي (أكاديمية من السعودية)