عبداللطيف اللعبي بين سجن الوطن وافاق المنفى، بين التواصل مع الثقافة الأخرى، وبين تسويق الثقافة العربية الجادة الى العالم. اكتملت تجربته بعد خروجه من السجن اتجه مباشرة الى المنفى وبعد أكثر من عشر سنوات من التفاعل مع الحضارة الأخرى، يحمل امتعته ويعود الى وطنه، بعد أن اكتشف أن الغربة لم تعد قادرة على اعطائه المزيد، وان غذاءه الآخر سيكون في الوطن وان هذا الوطن بانتظاره لينقل إليه زخم هذه التجربة.
هذا اللقاء مع عبداللطيف اللعبي جاء في منتصف الطريق بين المنفى والوطن، ولذلك كان لابد من محاورته حول العديد من القضايا التي تتقاطع مع هذه التجربة الزخمة.
* بين الرواية والشعر، تحدث عبداللطيف اللعبي عن تجربة تكاد تكون غريبة على الابداع العربي، واستطاع أن يضعها في مكانة مميزة من الأدب العالمي، وان يلفت النظر الى قضية هامة وهي قضية الحرية في العالم العربي، هل لنا أن نتعرف على السيرة الابداعية لعبداللطيف اللعبي؟
– أول أعمالي باللفة الفرنسية، عبارة عن قصائد متفرقة من ديواني الأول (عهد البربرية) وهو ديوان لم ينشر حتى الآن باللفة العربية، وهي قصائد كتبت في السجن، وتحكي عن معاناة تلك التجربة، بعد ذلك ظهرت مجموعة أخرى من الدواوين مثل (شجرة الحديد لم، (قصة مغربية). (قصائد تحت القمامة) ورواية (مجنون الأمل) وهي رواية أرخت فيها لهذه التجربة بالذات، والى صدمة الحرية فقد كتبت هذه الرواية بعد الافراج عني، بعد ذلك صدرت لي روايتان (الشمس تحتضر) و(احتضان العالم).
* بالاضافة الى الابداع الخاص، قام عبداللطيف اللعبي، بدور ابداعي آخر كبير، وهو نقل أهم الأعمال الابداعية الفلسطينية للغة الفرنسية، واستطاع من خلال ترجماته المميزة للشعراء الفلسطينيين وأدب الأطفال الخاص بالقضية الفلسطينية، أن يعرف القاريء الفرنسي طي هذا الابداع المتميز، ثم انتقل الى الأعمال الابداعية العربية التي كرست وجودها في الساحة العربية، ونقلها بكل تجلياتها لهذا القاريء، ترى كيف انتقل عبداللطيف اللعبي من الابداع الخاص الى الابداع العام ؟
– بدأت بترجمة الشعر الفلسطيني مبكرا، أذكر أنني بدأت بترجمة أول انثولوجيا للشعر الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية عام 1970، وهي مختارات لشعراء كان لهم حضورهم في تلك الفترة، بعد ذلك قمت بترجمة أعمال محمود درويش وسميح القاسم، ثم وضعت انثولوجيا أخرى جديدة عام 1990. فيها مختارات من أعمال سبعة وثلاثين شاعرا فلسطينيا، كما ترجمت أعمال الشعراء العرب الآخرين مثل عبدالوهاب البياتي، ومحمد الماغوط، كما ترجمت رواية (الشمس في يوم غائم) لحنا مينة، وبعض قصص الأطفال التي كتبها مؤلفون فلسطينيون ونشرتها باللغتين العربية والفرنسية وأنا أعتقد أن هذه الترجمات جزء من ابداعي الخاص، لقد أعطيتها من الجهد والحب أكثر من ابداعاتي الخاصة.
* لقد ألصقت الكثير من الأوصاف البعيدة عن الواقعية، التي جعلت من الشاعرضميرأمته، وجعلت منه بطلا مجردا من كل الاحباطات والأخطاء الانسانية وأعطته دورا أكبر مما يستطيع أن يفعله عن طريق الكلمة،هذه الأوصاف كانت عبئا على المثقف، وساهمت بقدر كبير في حرفه الشاعر أو المبدع عن طريقه الابداعي الخاص، وأملت عليه ابداع الرأي العام، كيف ينظر عبداللطيف اللعبي الى هذه المعضلة التي واجهت المبدع العربي؟
– هناك تصور شائع حول الشاعر، وهو أن الشاعر ضمير الأمة والقائد، وقد جاء هذا التصور، نتيجة سوء الفهم حول وظيفة الشعر والشاعر، وحول اللبس في العلاقة بين السياسي والثقافي لكنني أعتقد أن السعر، في السنوات العشرين الماضية قد بدأ يتحرر من هذه القيود، ويتحمل مسؤوليته انطلاقا من خصوصية المهنة، فالشاعر بالنسبة لي على الأقل ليس ذلك الضمير الذي يعبر عما هو متفق عليه في المجتمع، وانما ذلك الضمير الذي ينطلق من قناعات تمليها عليه تجربته الخاصة، وليس من أوامر تأتي من سلطة رسمية، أو معنوية بالنسبة لي وظيفة الشعر مرتبطة بتطرف شديد في التشبث بالحرية، وهذا هو الذي يعطي الشعر وظيفة مستقبلية خصوصا في مجتمعاتنا التي ترفض النقد، وتطفى عليها النزعة الأحادية بالتعددية، كثيرا ما نتحدث عن التجربة الشعرية، ولكننا نكتفي بعموميات حول هذه التجربة، لكنني أظن أنه من المفيد جدا، أن ندخل الى الأشياء الحميمة للشاعر أو المبدع، لأن هذا الذي سيزيل القناع عن الشاعر ويجعل الآخرين واعين للجانب الانساني فيه، بكل ما فيه من عفوية وانسانية، وهشاشة أو لاعطاء قسط من حياته للقنا عات والأفكار والقيم التي تشبث بها وما يزال ويجب على المساها أن يعرف أبعاد هذه الصورة، حتى على حقيقتها لا بصورتها المتخيلة.
* من المعروف أن عبداللطيف اللعبي بعد تجربة السجن، والخروج من ذلك المكان الضيق، حاول أن يثأر من الجدران، فانطلق محلقا ليكسرا لجدران المكانية، المكان بالذات، هل له أهمية أو خصوصية ما في تجربة عبداللطيف اللعبي الابداعية ؟
– الأماكن أحيانا تكون محددة في التجربة الشعرية بالطبع هناك أماكن أثرت، في تجربتي وهي أماكن خارج البلد بحكم تنقلي المستمر وبحكم التجربة التي عشتها في فرنسا، وهي أماكن مفاجئة أتعرف عليها للمرة الأولى، وأنا أعتقد أن الشعر ينبع من هذا التصادم مع الشيء غير المألوف، والأمكنة، والمشاهد البشرية ورنة اللغات، وملامح الوجوه التي لم نعتد عليها، ولذلك يجب الا نأخذ الأماكن بمعناها الجغرافي فقط، بل بمعنى متعدد وعميق.
* ما تزال العلاقة الجدلية بين الوعي واللاوعي تثير الكثير من النقاش، اذ ما تزال تحتفظ بغموضها حتى من قبل المبدعين الذين عجزوا حتى الآن عن تقديم اجابة شافية حول دور كل من الوعي واللاوعي في التجربة الابداعية، فهل ما تزال هذه القضية قضية ملتبسة لدى عبداللطيف اللعبي، بعد كل هذه التجربة الحياتية والثقافية ؟
– لا أدري لأن التركيبة النفسية للانسان بشكل عام، وللمشاعر بشكل خاص معقدة جدا ولذلك لا أستطيع الاجابة على هذا السؤال بكل الأمانة والصدق، إذ من الممكن أن أقول بشكل تلقائي،أبدا لأن الأشياء التي استطيع أن أعجز عنها هي الأشياء التي أعيها تماما، ولكن الشعر يتحكم فيه اللاوعي وبشكل كبير جدا، أما أشكال الجنون الداخلية، وأشكال الجنون الممكنة التي أشعر بها،أظن أنني لا أستطيع التعبير عنها بتلك الطلاقة والعفوية التي يزعم البعض أنه يستطيع أن يعبر بها عنها، لكنني رغم كل شيء أحاول أن أكون صادقا مع نفسي وصادقا مع المئمعر، لأن الشعر يتطلب قسطا كبيرا من الوفاء، ولا يمكن أن تخون القصيدة والا فإنها ستخونك وستكتب أشياء تافهة جدا.
* لكل شاعر مفاتيح خاصة لتجربته، وأعتقد أن الشاعر بالرغم من صمته النقدي حيال تجربته، الا أنه يعي جيدا مفاتيح هذه التجربة، فهل لنا أن نتعرف على مفاتيح هذه التجربة ؟
– لا أظن أنه توجد مفاتيح عامة، للتجربة الشعرية، وأنا شخصيا احترس من التنظير الذاتي فأنا مثلا أقرأ لبعض الشعراء تنظيرات كثيرة جدا حول تجربتهم الشعرية، ولكنني أحترس من هذه التنظيرات، وأفضل قراءة أشعارهم، وليس الخطاب الذي يكونه الشعراء بعد اكتمال تجربتهم، كون هذا الابداع يأتي بعد اكتمال التجربة فأنا أعتقد أن هذه المهمة من اختصاص النقاد، وليس من اختصاص الشاعر، ويجب على الشاعر أن يكتب ويمارس الصمت بعد ذلك.
* مهما كانت خصوصية تجربة الشاعر. الا أنها لا تخلو من المؤثرات المحلية والعالمية، هذه التجربة التي امتلكت خصوصيتها المغربية العربية لعبداللطيف اللعبي، هل تأثرت بشعراء آخرين؟
– لم أتأثر بشعراء، ربما تأثرت بروائيين. لقد قرأت كل أعمال ديستويفسكي خلال فترة المراهقة، واكتشفت من خلالها رغم أنه كاتب روسي، ويكتب من منطلق ثقافة بعيدة جدا عني، وغريبة علي، إنه يتحدث من داخلي، وهذا هو ما دفعني للكتابة رغم أنني كنت أشعر في مرحلة مبكرة بهذه القدرة الخارقة على الحديث، هذا لا يعني انني لم أتأثر بالشعراء، فأنا لي قراءاتي الغزيرة جدا من الشعر الغربي، فأنا أحب قراءة الآخرين وأعتبر هذا غذاء ضروريا، لكنني أعتقد أنني خلال ربع قرن من التجربة، استطعت أن أسلك طريقي الخاص واكتسب صوتي الخاص وأنا بكل تواضع لست نجما، وأكره النجومية، لأن وظيفة الشاعر بالنسبة لي خارجة عن نطاق الأضواء لأنه لابد أن تكون هناك نوعية من البشر، تشتغل في الظل تعمل بصمت وهدوء، وتأخذ وقتها في التأمل وتعمل على هذا الأساس.
* طالما أنك من أنصار أن يلجأ الشاعر الى الصمت حيال تجربته، ويترك تلك المهمة للنقاد، فهل أنتنه ممن يعطون أهمية كبيرة لما يكتب عن أعمالهم؟
– لم أقرأ شيئا حول أعمالي، حتى لا أغضب أو اغتبط، وأنا لا أريد أن أتهم النقد، لكن للاسف النقد عندنا على الأقل عبارة عن تمجيد، وأنا لا يهمني التمجيد، يهمني انسان آخر عنده خبرة معينة في النص الأدبي، انسان يتحاور معي ويكشف لي عن مناطق خلل، لم أكن واعيا لها في تجربتي الابداعية، أنا العامل مع الناقد كقاريء ليس أكثر، وأنا أحلم بعلاقة مع القاريء الذكي، الذي يواكب المغامرة ويعطي المعنى الحقيقي للتجربة الابداعية لأن التجربة الابداعية تجربة عشق تحتاج لشخصين، وهكذا تكتمل التجربة الابداعية بالكتابة المبدعة وبالقراءة الحساسة الذكية المتشددة أيضا في قيمها.
* من يقرأ أعمال عبداللطيف اللعبي وأحاديثه، يدرك أن تصوره حول المرأة يختلف كثيرا عن تصورا لكثير من المبدعين والمنظرين للحركات النسوية في العالم العربي، ترى كيف تشكلت هذه الرؤية الخاصة، وأين، وما هي أبعادها؟
– المرأة قارة شاسعة وقد علمتني تجربة السجن اكتشاف هذه القارة، لقد اكتشفت ما يمكن أن أطلق عليه اسم العمل الخفي، أي كيف ينظف الانسان حاجياته، ويهيىء طعامه، ويخيط ملابسه، كل هذه الأعمال جعلتني اكتشف حالة الاضطهاد التي تواجهها المرأة، وهي حالة اضطهاد مزدوج، اضطهاد كجنس بشري، واضطهاد مجتمعي، اضافة الى علاقتها بالرجل، لقد عشت هذا الاضطهاد المزدوج في السجن، وشعرت بأهمية التفكير في تحويل هذه الأفكار والقناعات الى ممارسة، وأنا أعتقد أن الخطابات السياسية والأيديولوجية حول الديمقراطية والتغير الاجتماعي،لن تفلح في احداث هذا التغيير دون احداث تغيير جذري في وضع المرأة وتغيير جذري في ذهني كرجل، ليس على مستوى اعتناق الأفكار فقط، لأن أي رجل عربي تقدمي يستطيع أن ينحت هذا الخطاب التقدمي جدا على مستوى المرأة، ولكن على صعيد الممارسة، والحياة اليومية والعلاقات الحميمية بالآخر، هذا هو بالنسبة لي مفتاح المجتمع، لا أقول المجتمع الديمقراطي، بل المتحضر، ما تحقق في أغرب في هذا المجال لا يشبعني شخصيا، وأعتقد أنه يمكننا أن نذهب الى ما هو أبعد من ذلك، اذا تولد لدينا هذا الوعي الدقيق بحيوية هذه المسألة وأنا أحلم بعهد من السلام. وبأن هذه الحرب المدمرة بين الجنسين يجب أن تتوقف، لأنها من الحروب الأهلية الأكثر شراسة، ليس في تاريخنا فقط، بل وفي التاريخ البشري بشكل عام، أنا أحلم بهذا السلام الذي سيجعلنا أكثر انسانية، أي يجب أن نعبر للانسانية ما هو التغيير الأعمق، وأنا أعتقد أنه قد آن الأوان لأن تأخذ المرأة زمام الأمور في هذا الخطاب، وأن يكف الرجل عن هذا النوع من الخطابات.
* دعنا نعد الى بعض القضايا الخاصة بالعملية الابداعية ذاتها، ولنبدأ بتشكل القصيدة عند عبداللطيف اللعبي، كيف تأتي القصيدة اليك ؟
– القصيدة بالنسبة لي، حدث مفاجيء دائما، ولو أنني أحبل بالقصيدة مدة طويلة أو قصيرة، لكن تجلي الكلمات في داخلي شيء مفاجيء، دائما وأتمنى أن يفاجأ بالقصيدة، وبالتالي يقاسم الشاعر جوهر التجربة.
* وكيف تنظر الى عملية الابداع ؟
– أنا أشبه أحيانا، عملية الابداع الشعري بحادثة الولادة بالنسبة للمرأة، ومن هنا يتوجب على الشاعر أن يدرس عملية "اغواء المحاور" أثناء الابداع، وهي العملية التي تشعر بها المرأة عند الوضع، فهي من جهة ألم وتمزق ومن جهة أخرى فرحة كبيرة وارتياح عظيم، ولذلك يجب على الشاعر أن يعطي الحياة لابداعه بنفس الصورة المتفوقة التي تعطي بها المرأة الحياة للكائنات البشرية.
* هل تخطط لأعمالك الشعرية، أم انها تأتي هكذا بكل فطريتها وتلقائيتها؟
– أنا لا أخطط، الشعر ليس فيه هذا التخطيط الشعر فطري، أو ربما همجي، انه عملية بدائية، تشبه الى حد ما العملية الأولى التي مكنت من ايجاد هذا الكون، وهي عملية بدائية في العمق وحضارية عند الوصول الى النتيجة.
* وماذا عن الالهام الذي ما يزال الشغل الشاغل للنقاد ودارسي الأدب ؟
– مصطلح الالهام أو ما يرمز اليه، لا يوحي لي بشيء، فأنا أعتقد أن الكلمة الشعرية تأتي من مكان بعيد جدا في الذاكرة، فهي تتجاوز الذاكرة الفردية بكل التأملات والتجارب.الانسانية التي يعيشها ذات الشاعر فالا لهام كصوت خارجي، يملي على الشاعر بعض الأشياء، وأنا أؤمن بالتجربة، وبالغرائز القوية جدا في الانسان، تلك الغرائز التي تملي علينا التشبث بالحرية، والعدالة الانسانية، وجعل الحب عرشا للعلاقات الانسانية، وسندا للكتابة نفسها، هذه هي الأشياء التي تجعل علاقتي بالكتابة علاقة مصيرية، أي أنني لا أستطيع أن أفعل شيئا غير الشعر، ولا أتصور نفسي في مجال آخر غيره، الشعر هو طريقتي في الحياة، وطريقتي في الحب وطريقتي في الحلم بمجتمع آخر، أو انسانية أخرى، وحياة جديرة بأن نحياها.
* وهل هناك وقت مفضل للكتابة ؟
– ليس هناك وقت مفضل، ولكن الوقت المناسب بالنسبة لي هو الصباح، فأنا منضبط تماما، يجب أن أكتب أربع ساعات على الأقل، حتى لو لم أكتب شيئا، ليس مهما أن أكتب، المهم أن أكون على موعد مع الكلمة وعلى موعد مع الحالة الشعرية، وقد تأتي أشياء، وقد لا تأتي، المهم أن أكون في هذا الحضور الوجداني، فهذا الموعد هو موعد عشق، وأعتقد أن هذا هو امتياز الشاعر، لأنه يستطيع أن يدرك مواعيد الغرام اليومية، وأن يعيش هذه اللحظات دون متاعب الاغراء.
* هل للموروث العربي تأثير على تجربتك الشعرية وأنت تكتب بالفرنسية ؟
– التأثيرات متعددة، يمكن أن تكون ناتجة عن القراءة عن الانفتاح على الثقافات الأخرى، لكن الموروث الشعبي له دور، فمع انني شاعر يكتب بالفرنسية، إلا أنني شاعر شفوي، ولذلك فأنا متعلق بهذا الجانب من التجربة الشعرية، وهو أن تكون القصيدة مكتوبة ومتوجهة الى القاريء، الى القراءة المتفردة، وفي نفس الوقت تكون قابلة للقراءة العامة على جمهور معين، وأنا أدرك أنه في لحظة القراءة العامة يحدث شيء خاص، شيء يختلف بشكل كبير عن القراءة المنعزلة، فهناك جسد الشاعر، وصوته، وعيناه، وبالتالي هناك شيء شبيه الى حد ما بما يحدث خلال العرض المسرحي، بالرغم من أن الشاعر ليس ممثلا.
* أخيرا، وعبداللطيف اللعبي يتوجه الى المغرب، بعد المنفى الاختياري الذي دام أكثر من عقد من الزمان كيف يقيم تجربة المنفى وتجربة العودة الى الوطن بأبعادها المستقبلية وكيف يصف شعوره وهو يعود ثانية الى أرض الوطن بعيدا عن قضبان السجن ؟
– شعوري وأنا أتوجه الى المغرب، هو شعور عادي، فأنا من الرحل، لا أستطيع أن أستقر طويلا في مكان فيا لفة واحدة، فيه ثقافة واحدة متعتي الخاصة هي الانتقال من متعة الى أخرى، أنا مثقف مخضرم، وأحس بمتعة خاصة في الانتقال من اللفة العربية الى الفرنسية والعكس لا أستطيع أن أبقى طويلا في مكان معين، فأنا لا أتحمل الاستقرار، لكن هناك أسبابا أعمق، هناك رغبة حقيقية في العودة الى المغرب، للعيش هناك، والانخراط في الواقع الاجتماعي والثقافي، لقد أمدتني تجربتي في أوروبا بأفاق ثقافية رحبة مختلفة، لكنني أعتقد أن تلك التجربة قد وصلت الآن الى حدودها الطبيعية، وأصبحت أشعر أنني لم أعد قادرا على أخذ شيء من المغرب الآن، بل العكس الصحيح وهن أنني يجب أن آخذ من واقعي العربي المغربي.
ــــــــــــــ
* الشاعر الكبير عبداللطيف اللعبي عاد الى باريس مرة أخرى بعد أن أجهضت أحلامه ومشاريعه في الاستقرار بمكانه الولادي.
محمد الظاهر (كاتب من الأردن)