ولدت جويس منصور في ،انجلترا في عام 1928 وجيء بها طفلة الى مصر، حيث كانت عائلتها تحيا منذ وقت بعيد. قبل وداعها العقد الثاني من عمرها، كانت متميزة في الرياضة، وفي وقت من الأوقات ، كانت بطلة مصر في سباق المئة متر وإلقفز العالي .
بدأت تكتب الشعر غد،ة انتهاء الحرب العالمية الثانية، وقد ترددت في تلك الفترة على الصالون الأدبي للشاعرة ما ري كافاديا بجزيرة الزملك بالقاهرة، حيث تعرفت على الشاعر السوريالي الكبير جورج حنين(1914-1973) الذي رصد ثراء وتفرد تجربتها الشعرية منذ أن قرأ قصائدها المبكرة .
يشير جان جاك لوتي ، المؤرخ الفرنسي للحركة السوريالية في مصر، الى أن علوم السحر والتنجيم والتصوف اليهودي تبدو مألوفة لدى الشاعرة. وهو يرى أن عنف الشاعرة الاستفزازي ، حيث يجتمع الدم والعرق والدموع مع تيمة الحب والموت ، لا يملك إلا أن يثير دهشة القاريء . وقد اجتمع هذا العنف مع سخرية سوداء في فضاء كتابة أوتوماتية بامتياز.
ماتت الشاعرة السوريالية الفرانكوفونية المصرية البارزة في باريس في عام 1986 بعد صراع مرير مع السرطان .
المنون زهرة ربيع تنام
عند قدمي سيدة عذراء وقت الهياج
والعفونات الناعمة الألف
الداكنة كابط ، الدامية كقلب
تنام هي أيضا فى أجساد النساء العاريات
الراقدات في الحقول ، أو الباحثات في الشوارع
عن ثمرة الحب المرة المذهبة .
القدمان الجامدتان غير المدركتين
للصياد العجوز المتكيء على زورقه
تسحقان بيبوساتهما المصفرة
الأسماك النائمة على الطحالب المهدهدة
العجوز يدخن يد طفل
عيناه الزرقاوان المحتقنتان بالدم وبالأحلام
تبحثان في البعيد عن الوجه المضيء
للطفل الذي لا يعرف السباحة .
أقدام عارية تماما
وجه ملطخ بالدم
دمك سيىء التجلط
الذي لزنجي
من شعرك يتدلى
القط الصغير المعلق
واقفا على بركاني
أنت حقيقتي .
سأتبع دائما نعشك
يا روحي ، ياروحي
سيكون دائما أمام عيني
يا روحي ، يا روحي
لن أكف عن السير في حركة ايقاعية
خلف جسدك فاقد الحياة
يا روحي ، يا حبي .
امرأة مستسلمة في الصقيع الكئيب
لسن يأسها
تفكر وهي تحبك في الحملان المصلوبة
في ملذات المطبخ
وفي السنوات الوسخة الطويلة
للمجاعة الكبرى
القادمة .
أريد أن أرحل بلا حقائب الى السماء
يخنقني اشمئزازي فلساني طاهر.
أريد أن أرحل بعيدا عن النساء ذوات الأيادي السمينة .
اللاتي يداعبن ثديي العاريين
واللاتي يقذفن بولهن
في حسائي .
أريد أن أرحل بلا صخب في الليل
أريد أن أقضي الشتاء في ضباب النسيان
معتمرة فأرا
ملطومة بالريح
ساعية الى تصديق أكاذيب عاشقي .
فراشك جبن
عليه تتمخض امرأتك .
خبز ومخاطيات
رحم وصرخات
عيون تبكي .
ملصقة على الجدار، مسمرة على الفراش
وأنت بالأرض ، مكتسيا الأسود – مجمد الدم
أيها اليهودي الميت قتيلا.
الرضيع ينام في مهده الأسود
أسنانه القذرة تبين بين شفتيه المشدوفتين
وأنت تهدهدينه .
الغرفة هادئة بالرغم من الكلب الذي يموت
النوافذ محكمة الاغلاق لإحكام حبس الليل
وأنت تنتظرين .
الرضيع يستيقظ من أحلامه المعذبة
الموت ينتظره ، مرضعة رقيقة
وأنت تبتهجين ، أيتها الأم الصغيرة.
في عرفتك المفروشة بالامعاء المزهرة
انتظر زيارة الرخويات المحزونة .
تحبكين كالعادة في صمت
الحبيكة التي لا تنتهي لأيد غير راضية .
أما أنا، فاقرأ على وجهك المعبر
متفرقات مدينة مبادة
ونترقب في صبر دون تعجل
الوصول المهيب للرخويات ولأصدقائها
الديدان .
لا تستخدموا كطعم
روح الخنزير الشاحبة
لكي تجتذبوا الرجال الشائخين
الذين لهم طعم السمكة .
خاصة خلال الأسبوع .
لا تنتزعوا البصقات
من أفواه الأطفال
الذين يبيعون مؤخرتهم
للحمير.
لا تجمعوا الأثداء الطرية
لقردة بلا حياء
فقد ياخذونكم
دون عذر ولا اشتياق
على أنكم امرأة.
عين الطاهية الحلوة
تستوي في حساء خثر.
ساقا الطاهية الملتويتان
المعلقتان كتعويذة
تدقان على الجدار المغطى ببنات وردان
علي ايقاع صرخاتنا المتحفزة
وأنت تفصل الشيطان عن عينيه
عيني الكلب الوفي .
اصعدوا معي السلالم الهابطة
عاهرات مفتوحات الأفخاذ تضحكن على كل درجة
عارضات أسماكهن مبدلات الأوضاع
ملاحقات لنا بضحكاتهن
بالرغم من حيائنا.
تعالوا معي الى بيت الميتة
الراقدة على فراشها،شبه متعفنة
تسمع الأطفال المنهمكين في ألعابهم البريئة وتراقب
العجائز الذين يحسبون غائطهم .
الشموع تسود الغرفة المهمهمة
حاجبة الميتة عن أعين العابرين
الميتة التي تراقب الأثاث والأحياء
منذ عشرة أو خمسة عشر يوما
وربما منذ زمن سحيق .
قدم بلا حذاء
أسيفة وبلا عمل
قدم خشنة لزنجية غير متوقعة
حلكة الليلة الأخيرة
الزنجية تغني في الشوارع الغافلة
أغنية مسامير الرجل والتكلكلات الحمراء
أغنية الأقدام الأسيفة والتي بلا عمل
جالسا على رصيف رملي
يداه مجمدتان بالبول الراكد في الشمس
الرجل الذي يرتدي أسمالا يمص مكشرا
عين زنجي بلهاء.
القمر يثب من السماء عاويا
الكهنة يبشرون الأرض
لكن الرجل الذي يرتدي أسمالا يواصل مص
عين الزنجي
البلهاء.
أرقص معي ، أيها الفيولونسيل الصغير
على العشب البنفسجي السحري
لليالي البدر.
أرقصي معي ، أيتها النوتة الموسيقية الصغيرة
بين البيض المسلوق ، والكمنجات ، والحقن الشرجية . أرقصي معي ، أيتها الساحرة الصغيرة
لأن الأحجار تدور محومة
حول طاسات الحساء
حيث تغرق موسيقى الفوانيس .
بقدمين مقيدتين
وبقلب مشوش
انتظر جنينه
حتى أموت مشدودة الى السماء
كنجمة
سعيدة .
زرعت يد طفل
مصفرة من المرض ، غاصة بالديدان
في بستاني ذي الأشجار المزهرة .
أحكمت غرسها في التربة المخمة
أحسنت ريها وتطهيرها وتسميتها
عارفة أن عذراء ستنمو في هذا المكان
عذراء مشرقة بالنور وبالحياة
عقيدة جديده في أماكن قديمة.
سددت أنف ميت
فانتفضت روحه ، انتفضت
أرادت التخلص من جسد ماضيها
التمست رحمتي لأن موعدها مر
وتعب هو من انتظارها
عين حارسة داري الكابية
تتدلى من ثريا برونزية
تتدلى حالمة معلقة بالأهداب
عين حارسة داري المكرمة بالخمر
تتأرجح برقة، برقة
طوال الليل على بعد أصبعين من أنفي
مثبتة إياي ، مغشيا عليها دون أن يطرف لها رمش
أبد ا
العين الرطبة ذات الابتسامات المشجعة
التي تخصب رحمي القاحل
ببولها.
عندي ما يكفي من الفئران
الاكلة النهمة للأجنة وللمولاس
عندي ما يكفي من الصحون
عندي ما يكفي من الأسماك ذات الشوكات الخبيثة
التي ترقص في حلقومي
عندي ما يكفي من التعساء
عندي ما يكفي من اللعنات
التي أصبها على رأسهم
غير مستثنية حتى الصلع
عندي ما يكفي من الجرائم
عندي ما يكفي من قبري
الذي ينتظرني في ظل الغد.
عندي ما يكفي من كل شيء
واشمئزازي ميت من الضجر.
الهاتف يرن
. .. . . . ويرد
صوته الأجش ، صوت المغني
يرعش ضجري
وترتجف البيضة المسلوقة التي هي
قلبي .
رؤيا تتسكع في العيادة الزرقاء
رؤيا هاربة لدماغ مخدر
رؤيا صغيرة ذات ذيول ملتوية
تبحث بلا طائل عن فأرة كريمة
لتأخذ مكان الجسد النائم
للرجل المثقوب الجمجمة الذي فقد أفكاره
عبر الثقب الأسود والمستدير لدماغه الهائج .
التشنجات التي ترج جسدك البدين
تطالني بالرغم مني في عالمي ، عالم طريحة الفراش .
وأنت هناك مكتوب عليك أن تكابد ، ظمآن ،
عيناك تعذبانني بين ثيابي ، ثياب العاجز،
وشهوتك ترتجف من الانفعال
عربتي التي يسحبها الجواد تلقيك مهملا في ركنها
مذكرة إياك بساقي المصفرتين ، اللتين بلا عظام .
تناديك ثيابي من الدولاب الموارب ،
عطورها المسكرة لا تحكي عذابي .
كل ليلة أحبس نفسي في نعاسي المريض ،
حتى لا أسمع شخيرك الفاحش ،
بينما أنت تهديء نفسك. تشبع نفسك ،تستمع
باغتصاب ما .
فتح فمه الذي بلا شفتين
لكي يحرك لسانا ضامرا.
حجب عضوه المعطر
بيد زرقاء من الموت ومن الخجل
ثم بخطوة ثابتة ومجلجلة
اجتاز رأسي في نحيب .
أحييكم . يا خراف الصحراء الهزيلة
في صوفكم تختبيء أزهار الطفولة الناضجة
أحييك . أيها الحمار الأبيض ذو القدمين المقيدتين
في قلبك يتردد صدى الحب .
أرسم الجحيم على تربة رأسي حيث تسقط عيناي الميتتان وأحييك ، يا اله روحي
لأن الصحراء تشحب
والقمر يأفل
حاملا على ظهره
الفجر .
بيضة على السطح
حكت لنهدي الليل الطريين النتنين
غرامياتها .
عين بقرة في جحر
قضت الشتاء متنكرة
وسط الدببة .
وأنا أغزل دون صوف ودون ابر
ملابس اللاواقع الداخلية
انتظارا للمسيا المخلص .
المد يصعد تحت بدر العميان .
وحده مع المحارات والماء الأخضر- الأزرق لأول النهار وحيدا على الشاطيء يغرق فراشي ببطء .
المد يصعد في السماء المترنحة من الحب
بلا نواجذ في الأحراج ، أترقب موتي ، صامتة
والمد يصد في حلقي حيث تموت فراشة .
أطلب خبزا
خبزا قوامه الشفقة
أطلب خمرا .
لم أعد أشتهي ألمي
خلصني من لحظة بلا حركة
تنيخ على عنقي
تتلكأ بين فخذي وتذوب .
امنحني لذة الشهد والبرونز
وربما أصلي غدا.
سرقت العصفور الأصفر
الذي يحيا في عضو الشيطان
سوف يعلمني كيف أغوي
الرجال والأيائل والطيور ذات ا لأجنحة المزدوجة،
سوف ينتزع عطشي ، ثيابي ، أوهامي ،
وينام ،
بينما أنا، ونعاس قصير على الأسطح
أتمتم ، أوميء ، أمارس الحب بعنف
مع القطط .
وزنوا الرجل الأشيب كالجير
وزنوا قدمي دون أصابعها
وزنوا الثمار الناضجة لأحشائك
على ميزان الكنائس غير الدقيق
ووجدوا أن ثقل روحي
يساوي ثقل طائر بطريق
دون أجنحته .
بأيد ممدودة في الهواء نلتمس
بأيد ممدوة في الهواء ننتظر
رحمتك .
ماء خطايانا الفائر
يتمتم حول معابدك المرتجة
ويغرق صلواتنا التي تسقط في أفواهنا
متسلسلة بأيد مفتوحة نسأل
بأيد مفتوحة نلعن
والليل الذي بلا حراك يكف عن التنفس
لكي يسمع صدى رد
لم يتم صوغه بعد.
المطر الذي يهطل مرة في العام
يغسل بدموعه المواسية
قلوب الموتى الذين يحرسون تحت الرمال المتأرجحة
الضباع والنجوم والأحياء الذين بلا مأوى،
يدفئون رفاتهم باكفانهم المختزلة
ويناضلون بشراسة ضد الديدان وآبائهم .
المطر الذي يهطل صدفة مرة في العام
على الصحراء الكئيبة
يفتح الأزهار على وجهها السوداوي ،
الأزهار عديمة اللون التي تموت بسرعة
لأن الشمس معجبة بالصحراء صديقتها
وتريدها جرداء نهمة وعارية
كل ليلة .
رميت عيني الى البحر
انتزعت أحلامي من يدي
مزقت سرتي المائلة الى الزرقة
وفي طحالب شعري المتموج الخضراء
أغرقت الجنين .
الفحم يخرج من أفواه حديدية
النساء يغنين ورؤوسهن في الهواء
ينظرن بعيدا الى سماء الجحيم الزرقاء
بين المداخن السوداء لمدينة بلا صلاة.
يضغطن بين أفخاذهن على ابر الحياة البطيئة
بينما رجالهن ، وأفواههن ملتصقة ببلاط التعاسة
المنتصب
ينفجرن .
وجهي يتألق في المرآة الفاترة
دموعي تتفتح وتتأرجح
الصمت الذي يتضرع في غرفتي المشمولة بالحنان
يموت وعضوك يندلع .
فرح خوفي المخبوء في يدي
بعيد سلامي الفوار الصباحي
ضحكتك تزهر في ظل فراشي
والماء يصعد في آبار الليل المرصعة بالنجوم .
لم أعد أريد وجهك ، وجه الحكيم
الذي يبتسم لي عبر غلالات الطفولة الفارغة.
لم أعد أريد أيدي الموت القاسية
التي تجرني من قدمي الى ضبابات الفضاء
لم أعد أريد العيون الرخوة التي تضمني
والأواني التي تبصق مني الأشباح البارد
في أذني .
لم أعد أريد سماع أصوات الأكاذيب الهامسة
لم أعد أريد التجديف كل ليالي البدر.
خذني رهينة . شمعة، شرابا،
لم أعد أريد تزييف حقيقتك
ليكن لك ما شئت .
تأليف : جويس منصور
ترجمة وتقديم :بشير السباعي(شاعر ومترجم من مصر)