عبد اللطيف الوراري
شاعر وناقد مغربي
في الوقت الذي أخذ فيه واقع الممارسة الشعرية العربية يكشف عن بروز الشعر السيرذاتي واحتفاء الشعراء أنفسهم به على نحو لافت وأكثر وعيًا في مُدوّناتهم الكتابية، كان النقد أو الخطاب حول الشعر، في الغالب الأعمّ، حجابًا؛ أي لا يتغيَّر عندما كان الشعر نفسه يتغيّر ويشفُّ عما يعتمل داخله من روح جديدة ومُجنَّحة. لهذا، لم يستطع النّقْد الاقترابَ من الخطاب السيرذاتيّ وقراءته من أمكنة مختلفة تُعبّر عن هذا التحوُّل الجوهري الذي مس بنيات الشعر المعاصر؛ فبعضه ظلَّ حبيس نظرية فيليب لوجون حينًا، أو واقعًا تحت مصطلحات الذاتية التي تستغرقها استيهامات الأنا وتداعياته النفسية. ومن ثمّة، لم يكن بوسع هذا أو ذاك أن يُفكّر في الخطاب السيرذاتي داخل الشعر وعبره، ويحلل خواصّه ومقتضياته النوعية في وقتٍ كان فيه علم النصّ وتحليل الخطاب ينتج معرفةً بإمكانها أن تُقدّم أدواتٍ ورؤى مهمّة لاستكشافه وتحليل بنياته.
مع ذلك، يمكن أن نتبيّن داخل هذا النقد بعض الدراسات الجديدة التي أخذت تنزاح عن السائد والمجمع عليه، وتلاحق ما يندُّ في النصوص الشعرية من التماعاتٍ وإشاراتٍ وعناصر سيرذاتية، أو تقارب تمظهرات السيرة الشعرية وسماتها النصّية بدرجات متفاوتة القيمة بحسب منظور كل دراسة على حدة. وليس من الغرابة أن نجد أنّ معظم هذه الدراسات كانت تتمحور حول عمل محمود درويش السيرذاتي، أوّلًا؛ لأن هذا العمل يُوظّف المكوِّن السيرذاتي بوضوح أكثر من ذي قبل. وثانيًا؛ لأنّها لم تفهم من السيرة الذاتية في الشعر إلا سيرة الأنا «المرجعي».
ويمكن لنا أن نجمل أهمّ هذه الدراسات التي قاربت المكوّن السيرذاتي في علاقته بالشعر، في خمسة منظورات:
المنظور الأسلوبي كما يتجلّى في كتابات صلاح فضل التي كرّسها لبحث الأساليب وطرق الكتابة ونبرات الخطاب الشعري عند أهمّ شعراء الحداثة، وبخاصّة كتابه: «أساليب الشعرية المعاصرة»(1). وتتمثّل فرضيّته النظرية في توزيع الأساليب التعبيرية في الشعر العربي المعاصر وجدولتها طبقًا لدرجات القيم الشعرية المشار إليها في أربعة تنويعات أسلوبية: الأسلوب الحسّي، الحيوي، الدرامي والرؤيوي، عدا عن أسلوب خامس يتأرجح بين التجريدي والتعبيري.
وغضّ النظر عن هذه الفرضية التي يقترحها البحث، وعن طبيعة الأساليب التي اختزل الشعر المعاصر فيها دون سواها لا تقلُّ أهمية، لاسيّما الأسلوبين السردي والسيرذاتي نفسه، وعن التذبذب وانعدام الرؤية الذي طبع تصوُّره للأسلوب التجريدي، فإنّه يلاحظ أن توصيف هذه الأساليب لا يسعى إلى مقاربة الشعر ذاته فحسب، وإنّما يمتدُّ -من غير وعي الباحث أو عملًا بِتصوُّراته المنهجية- ليشمل أنا الشاعر وحياته وتجربته الشخصية.
نعتقد أنّ فرضية الأسلوب لا تفقد قيمتها في كون أيِّ أسلوب شعري إنّما يُحيل على القيمة المرجعية الذاتية الضمنية لهذا الشاعر أوذاك، بقدر ما تشير إلى لحظة الكتابة والأنا الراهن؛ وهو ما حمل جان ستاروبنسكي على رفض الحديث عن النّوْع الأدبي عندما ينتفي وجود أسلوب أو شكل سيرذاتي. فالسيرة الذاتية، كما يراها، ليست نوعًا «مُقعّدًا له»، بل هي تفترض شروطًا مُعيّنة ممكنة التحقق، تظهر في المقام الأول كشروط إيديولوجية (أو ثقافية): أهمية التجربة الشخصية، والفرصة لأن يُعرض فيها العلاقة الصادقة بالآخرين»(2). كما يمكن للتحليل الأسلوبي أن يمدّنا ببعض آليات فهم التجربة واستكناه مُكوّناتها الشعورية والحياتية.
المنظور البيوغرافي كما يتجلّى في أكثر الكتابات التي اهتمّت بالجانب التاريخي والمرجعي التوثيقي، وعملت به لتفسير عناصر المكوّن السيرذاتي في الشعر تفسيرًا يكاد يكون آليًّا. ويمكن أن نُمثّل، هنا، بكتاب «أدونيس: السيرة الذاتية الشعرية» لمحمد بونجمة (3).
ينطلق الباحث في دراسته من هذه الفرضية: هل يمكن اعتبار قصيدة (مفرد بصيغة الجمع) سيرة ذاتية شعرية؟ ويحاول أن يثبت ارتباط هذه القصيدة الـمُطوَّلة من حيث معجمها وتيماتها الناظمة بطفولة الشاعر وذكرياته الماضية، من غير أن يقيم مسافةً أنواعيّةً بين الشعري والسيرذاتي؛ فهو على عكس من ذلك يعود إلى حواراتٍ أُجْريت مع أدونيس، وإلى مؤشرات نصّية من بعض أعماله أو ممّا كُتب عنه، ويحاول أن يتبيّن آثارها وانعكاساتها، بما فيها الحرفية، على جسد القصيدة بأضلاعه البلّورية الكثيفة. وبدلًا من أن يرتفع بالنص إلى قيمته التخييلية باعتباره ينتمي- فنّيًا- إلى المرحلة التي تأثّر فيها هذا الشاعر بالمرجع الصُّوفي في ذروته، فإنّه يتمحّل في تفسير النص ويربط دلالاته بكلّ ما هو مرجعيٌّ وتاريخيٌّ يعثر عليه في الحوارات والمذكرات، بل إن المقاطع الحوارية والتذكارية المستشهد بها داخل المتن تستحوذ على التحليل حاجبةً كلّ إمكانٍ للتأويل ينطلق منها ولا يقف عندها.
صحيحٌ أنّ أدونيس، في شعره السيرذاتي تحديدًا، يستخدم جملة من المؤشرات المرجعية والواقعية التي تحيل على ماضي طفولته وحياته الشخصية، وهي بمثابة وحدات انطلاق تستثير لاوعي النص وتنتج دوالّه، غير أنّه لا يجب أن يحجب الرؤية عن السيرورة التي يُبنى عبر النص، ولا عن تحوُّلات الذات وهي تمرّ عبر اللغة وإيقاع الكتابة بشحناتها العاطفية المتوترة والكثيفة، بموازاة مع الوعي بأنّ القصيدة (مفرد بصيغة الجمع) تُجسّد مشروع الكتاب داخل ما يسميه أدونيس نفسه بـ«ملحميّة الكتابة».
المنظور الأنواعي كما يتجلّى في تحليلات حاتم الصكر الذي أظهر فيها فَهْمًا لنظرية السيرة الذاتية أَكثر انفتاحًا ومرونةً من سابقيه، مُسْتفيدًا من مقترحاتها في مقاربة النوع الشعر السيرذاتي تحديدًا. فهو يَـعدُّ السيرة الذاتية من أكثر الأنواع الأدبية بلبلة ومرونة، وأكثر الأمثلة وضوحًا في النقاش الدائر حول «ضعف الحدود الفاصلة بين الأنواع الأدبية الممتثلة للتقسيمات النهائية»؛ إذ هي نوْعٌ غير مستقرّ ولا متعيَّن بشكل نهائي، بل هي «نَوْعٌ مراوغ» يكتنفه الغموض واللبس(4).
وإذا كان الباحث لم يدرس في أحد تحليلاته النزوع السيرذاتي في الشعر بشكل مباشر ومُتقصّد، إلا أنّ ثمة دراستين تتقاطعان مع هذا النزوع وتستثمرانه. في أولاهما: «كتابة الذات. دراسات في وقائعية الشعر»، يقارب كتابة الذات في الشعر من منظورٍ وقائعيٍّ ، وفي ثانيهما: «مرايا نرسيس»، يدرس النزوع السردي في الشعر العربي الحديث المتأثر بتقارب الأنواع الأدبية، على أساس من تغيُّر الرؤية والأسلوب معًا، وليس في الموضوعات أو اللغة فحسب.
فمن جهة، يرى أنّ الخطاب الشعري تَغيّر بعد أن انفتحت القصيدة العربية، بسبب نثريّتها، على تعدُّدية الأصوات، واقتربت لغتها وهيئاتها من الواقع ومفرداته وموضوعاته. ومن جهة أخرى، ترتيبًا على ذلك، يستخلص أن طابع القصيدة الغنائي تَقلّص لصالح الطابع الدرامي والموضوعي، بعد أن استضافت آليات السرد بقدر ما استوعبت إمكانات الحدث والتاريخ والملحمة، والقناع والرمز، والحكاية الخرافية والأسطورة، إلى الحدّ الذي يُجْري عليها تحويلاتٍ ظاهرة.
ومن خلال بحثه التشكُّلَ السرديَّ في الشعر العربي الحديث المتأثر بتقارب الأنواع الأدبية، يدرس حاتم الصكر السرد وفق نمطين: سرد ذاتي وآخر موضوعي. لكن الذي يعنينا هو ما يسمّيه «السرد الذاتي» الذي ينبثق فيه السرد على مستوى التلفُّظ والخطاب معًا، من ذات الشاعر. هنا، يتشابك السردي بالسيرذاتي في أنماط وتجلّيات نصية دالّة (قصيدة المرايا، قصيدة الرمز الأسطوري، قصيدة السيرة). ومثلما يلتقيان في بعض هذه الأنماط، فإنّه سرعان ما يأخذ كلٌّ منها طبيعةً خاصة به داخل النص الشعري. السيرذاتي مثله مثل السردي هو نزوعٌ نصِّي وبنائي خاص، وليس كونه نتوءًا زائدًا عن جسد القصيدة العربية الحديثة والمعاصرة.
إذا قصرنا على «قصيدة السيرة» كما يسميها، فهو يعني بها «تلك النصوص الشعرية المتجهة إلى الماضي الشخصي، لاستثماره في إنتاج سيرة شعرية»(5). ورغم إقراره بأولوية السرد في هذه القصيدة، وعدم التزامها بخطّيته، واستدعائها الذاكرة جَنْبًا إلى جنبًا المخيّلة باعتبار أن الشعر يقوم على لغة خاصة ونظام خاص، إلا أن تصوُّره للأنا، أنا القصيدة، يتسم بالتذبذب وعدم الوضوح؛ فتارةً ينعتها بـ«أنا رابعة» تعود على الشاعر الذي يرتب خطاب الشعر ويظهر فيه، كأنّ هذا الأنا منفصلٌ عن بقية الأنوات(6)، وتارةً أخرى بـ«الأنا الأدبية الأكبر»(7).
داخل المنظور نفسه، نعثر على بحوث محمد صابر عبيد في إطار اهتمامه بنقد أنواع السيرة في مختلف التعبيرات الإبداعية من شعر ورواية وقصة وحوار وغير ذلك (السيرة الذاتية الشعرية/ القصصية/ الروائية/ النقدية، القصيدة السيرذاتية، التجربة الذاتية، الشهادة الذاتية الأدبية، إلخ)؛ وإن كان ما يغلب عليه هو هاجس التصنيف إذ يتعقّب خصوصيّات هذه الأنواع في مجمل هذه الدراسات(8)، ثُمّ يضع مسردًا بأهمّها يضمّ نحو أربعين نوعًا/ مُصْطلحًا(9).
في مقدمة هذه الأنواع السيرية التي اهتمّ بها الباحث وقدّم بخصوصها جُهودًا طيّبةً، نجد السيرة الذاتية الشعرية التي عنى فيها ببحث التجربة السيرية لشعراء الحداثة العربية، فناقش مضامين التجربة الشعرية لدى هؤلاء من خلال كتبهم السيرية. ثُمّ يوسِّع، في كتابه «المغامرة الجمالية للنص السيرذاتي»، من الحدود المفهومية للنص السيرذاتي ليشمل الأنواع المندرجة أو المنبثقة منها (الصورة الفوتوغرافية، الحوار الأدبي، الشهادة الأدبية السيرذاتية)، وضِمْنها درس بعض مُدوّنات الشعراء السيرذاتية، وإن كان بعضها لا يُصرِّح بطابعه السيرذاتيّ إلا تلميحًا.
كما يعتمد الباحث على مفهوم التشكيل في تحليل العلاقة التي يشتغل عليها التشكيل النصّي بين الصنعة والرؤيا، ويرى أنّ التشكيل السيرذاتي يجمع بين التشكيل الواقعي في مظانّه الذاتية الشخصية، والتشكيل التخييلي بمرجعيّاته الفنية الجمالية، بشكل يُحدّد طبيعة التجربة على صعيدي البناء وأسلوبية الكتابة. وفي هذا الاتجاه يدرس «التشكيل السيرذاتي الشعري» في إطار «القصيدة السيرذاتية»، غير أنّ التعريف الذي يعطيه لهذه القصيدة يحجب –في نظرنا- إمكانات الحضور السيرذاتي وعناصره التخييلية في الشعر وبنياته النصّية، وذلك باعتماده على مفهوم الميثاق المرجعي الذي لم يعد يصلح حتى للأعمال السردية والسيرذاتية نفسها، فما بالك بالشِّعر بوصفه خطابًا نوعيًّا، كثيفًا ومُفارِقًا(10).
ورغم الكفاءة التي يظهرها الباحث في تطبيقاته النصّية، إلا أن النسق النظري والمفاهيمي الذي يسندها يعوزه الانسجام والجدّة والتنوّع؛ فقد بدا عليه غياب الدقّة في توظيف مصطلح (السيرذاتي) من جهة، وتقادم مرجعيّته المعرفية التي توقّفت عند منجز نظرية السيرة الذاتية عند فيليب لوجون في مراحلها الأولى، ولم تلتفت إلى ما استجدّ فيها من مفاهيم وتصوُّرات بعد صعود التخييل الذاتي من جهة ثانية. ثُمّ ما لوحظ عليها من غلبة التحليل الموضوعاتي واطّراد عناصره نفسها بالرغم من اختلاف أنواع النصوص السيرذاتية التي قاربها، بما في ذلك النص الشعري السيرذاتي. وبالنتيجة، فإنّ الباحث شتّت جهده التحليلي في هذه الأنواع، وكان الأولى به أن يرُكّز على نوْعٍ سيرذاتيٍّ بعينه ويستغور أنساقه النصّية والتخييلية كما فعل أحد الباحثين.
يدرس الباحث خليل شكري هياس في كتابه «القصيدة السيرذاتية: بنية النص وتشكيل الخطاب»(11)، نوع «القصيدة السيرذاتية» بوصفها نَوْعًا أدبيًّا مستحدثًا نتج من تلاقح نوعين أدبيين، هما: الشعر والسيرة الذاتية. ويسمي هذه القصيدة بأنّها نوع من الشعر «الـمُسـرْدَن» الذي يتقابل فيه الشاعر والراوي، ويندرجان معًا في تداخل مستمر وغير نهائي، يكون فيه الشاعر مصدرًا لتخيُّلات الراوي، ويُعاد صوغ تجربته الذاتية بوقائعها واحتمالاتها من جديد عبر مشغل التخييل. فـ«القصيدة السيرذاتية» هي شعر أوّلًا، ومعنى شعريّتها توافرها على لغة خاصة قائمة على الاختزال والتكثيف، وعلاقات تركيبية ودلالية وإيقاعية كذلك، وهو ما تتأثّر به استدعاءات الذاكرة بوصفها مُولِّدًا حدثيًّا للسيرة. ولهذا، إذا كانت الأنا السيرذاتي عبر هذه القصيدة يروي «كِسَرًا سيريّة عن حياته ووجوده الخاص»، فليس التعويل – هنا- دائمًا على «آليات المنظومة الذاكراتية» بتعبيره(12)؛ بل لا غنى له عن آلية خَيْلنة الذات في سياق المحو والنقصان والتشظي والإضمار، الذي يميز الشعر بوصفه خطابًا مخصوصًا ومائزًا عن النثر.
لهذا السبب، نفهم دعاوى الباحث وهو يرصد نصوص هذا النوع الشعري السيرذاتي بقدر ما يرتكز على الجانب التوثيقي فيها، ويقترض الأدوات لتحليل نظام اشتغالها النصّي من السرديّات ولا يتجاوزها كما لو كان الشعر نظامًا سرديًّا مَحْضًا، عدا أن المتن المقروء لا يتسع لكلّ أشكال الشعر العربي المعاصر وأشكاله الجديدة التي من المفترض أنها وظفت السيرذاتي بطرائق مبتكرة، وقصيدة النثر تحديدًا. بل إنّنا نجد أنّ اشتغالات السيرذاتي تجاوزت مفهوم القصيدة بتصوُّرها النظمي الذي يحمل عناصر شفاهيّته، إلى مفهوم الكتابة باعتباره خيارًا جماليًّا جديدًا يدمج الرؤية في السمع وينفتح على بقيّة الأنواع بقدر ما يترك للسيرذاتي إمكانات حفر مساراته في غفلةٍ من الذات الكاتبة إلى حدّ أن يستغرق الكتاب بأكمله.
المنظور الموضوعاتي كما يتجلّى في تحليلات ومقاربات دارسين يجترحون مفاهيمها وأدواتها القرائية من منجز نظرية الأنواع الأدبية في تماسّ مع مفاهيم السرديّات والشعرية وتحليل الخطاب، وهم يدرسون النصوص الشعرية التي أخذت تستثمر السيرذاتي كمكوِّن موضوعاتي أو ترتفع به إلى أن يكون خصيصةً بنائيّةً، لاسيّما في العمل الشعري «لماذا تركت الحصان وحيدًا» (1995) لمحمود درويش(13). لهذا، فلا غرو أن نجد أنّ أكثر هذه الدراسات يُركّز على هذا العمل لتبيُّن علاقة السيرذاتي بالشعري، ويُولي اهتمامه بموضوعات السيرة الذاتية وطريقة تنضيدها شعريًّا. وكان فاتحة هذه الدراسات مقال فخري صالح الذي أشار إلى «هيمنة نوع السيرة على أفق هذا العمل»، وإلى تسميتها بـ«السيرة الشعرية» التي تعيد تركيب كِسَر المكان في الذاكرة بقدر ما تُرتّب السياق لماضٍ تصدع وملأته الشروخ(14). ثُمّ توالت الدراسات حول ديوان الشاعر الفلسطيني أو دواوين غيره من الشعراء؛ ومن ضمنها، نذكر:
«السيرة في إطار الشعر: قراءة في (لماذا تركت الحصان وحيدًا)» لخليل الشيخ(15)، وفيها يرى الباحث أن الشاعر محمود درويش كان ينثر سيرته في كثيرٍ من شعره الذي كان يحكمه هاجس الصراع مع الآخر وما يفرضه من توظيف الأسطورة والرمز في جدل الذاتي والجمعي، قبل أن تتجسد هذه السيرة، بجلاء، في عمل كُلّي مثل (لماذا تركت الحصان وحيدًا؟)؛ فيُحلّل مقاطع من نصوص هذا العمل التي تكشف ملامح السيرة الذاتية للشاعر (ولادته، طفولته، بيته الأول، علاقته بأبيه..)، مُشيرًا إلى الثيمات أو ما يعرف بـ(أسطورة الذكرى الأولى)، ووضع السارد في علاقته بالزمان والمكان، والتناص الديني والتاريخي، والشخصيات ومدى فاعليّتها في بناء السيرة. لكن أهمّ ما يُشير إليه الباحث، دون أن يتوقف عنده بما يستحقّ من اهتمام، هو أن ثمّة قصائد في العمل تسعى لبناء سير موازية (مُتخيّلة) تعيد ابتكار الهوية داخل اللغة والمعنى والإيقاع، بقدر ما هي تعيد الاعتبار لإنسانية أنا الشاعر ووضعه الشخصيّ العادي.
«الشعري والسيري في ديوان محمود درويش (لماذا تركت الحصان وحيدا)» لفتحي النصري(16)، وفيها يطرح أسئلة إشكالية مهمّة في سياق العلاقة بين الشعري والسيري، أي بين النوع السيرذاتي والشكل الشعري. وأولها يتعلّق بالمكانة التي تحتلّها الوظيفة المرجعية في السيرة باعتبارها خطابًا يعرض تاريخ شخص وحياته الخاصّة، فيما الشعر تضطرب فيه الحدود بين المرجعي والتخييلي وتوظف اللغة توظيفًا جماليًّا ينأى بها عن دلالة المطابقة فيُعطّل الوظيفة المرجعية. وثانيها يتعلّق بالاقتران بين النوع السيرذاتي والشكل النثري، فإنّ هذا النوع لمّا كان إخبارًا عن وقائع تاريخٍ شخصيٍّ فإنّه يقتضي بلاغة الوضوح والتواصل، لا بلاغة الغموض واللاتواصل التي هي من طبيعة الشّعر.
غير أنّ القضايا الجوهرية التي يطرحها الباحث كان يجيب عنها من منطوق المعطيات السيرية التي يستدعيها الشاعر من تاريخه الشخصي وبدت له تطفو على سطح النصوص. وإن كان واعيًا بالوظيفة الشعرية على مستوى المقوّم اللغوي، أو مستوى البنية الإيقاعيّة (توظيف التدوير المقطعي، انحسار التقفية..) أو تسريد الشعر الذي يحد من الغنائية، إلا أنه ظلّ مُتقيِّدًا في تحليله النصي بما هو مرجعي وواقعي، ولم يرتفع به إلى ما تقتضيه السيرة الذاتية في الشعر من إمكانٍ آخر للقراءة ينفتح على تخييليّة الذات. عدا أنّ استدعاء السيرة لم يؤدِّ إلى «الحدّ من الغنائيّة» أكثر من أنّه أعاد ترتيبها وفق سيرورة خطاب جديدة.
وللباحث نفسه دراسة أخرى ناقش في أحد فصولها جوانب السيرة في شعر سعدي يوسف(17)، وركز على مواد مستمدّة من الوقائع أو من سيرة الآخر أو من سيرة الذات، متتبّعًا مجمل القرائن التي تُخوّل له القول بأن المادة السردية مستمدّة من حياة الشاعر الخاصة، بما في ذلك المعلومات أو المحتوى السردي التي تمدُّ به القصائد ويُطابق ما هو معروفٌ عن حياة الشاعر بالانفتاح على مصادر موازية (مقدّمة الأعمال الشعرية، رواية “مثلّث الدائرة”..). وإذا كان مثل هذه القرائن التي أوردها الباحث من أجل تبرير اعتبار المحتوى السردي في القصائد المستشهد بها مستمدٌّ من حياة الشاعر الشخصية، إلا أنّه لا يأخذ بالاعتبار طبيعة البنية الشعرية وهي تدمج هذا المحتوى وتعيد بناءه وفق ميثاق يتشابك فيه المرجعي بالتخييلي والسردي بالشعري خارج أيّ وَهْمٍ بالمطابقة.
– «محمود درويش ومثلّث السيرة: الشاعر والمكان والتاريخ» لصبحي حديدي(18)، فهو يعدُّ الديوان بمثابة السيرة الذاتية للشاعر منذ الطفولة حتى صدور الديوان، بحيث دوّن فيه سيرة المكان حين تحتويه الجغرافيا وينبسط فيه التاريخ، منذ أن غادر أطوار البطولة وانتقل إلى تفصيلات العيش اليومي والعادي، مع ما يستتبعه ذلك من تحويل مسّ جوهر الكلمة الشعرية التي غدت «علامة مادّةٍ وحقل إشارةٍ وتسجيل وإطلاق» أكثر من كونها «رمزًا أيقونيًّا مشحونًا». ويكتشف أن الشاعر يعيدنا إلى سطوح أعمق من تاريخه الشخصي وتاريخ فلسطين والعناصر التي ترتبط به، وأنّه يطلق ما يُسمّيه بـ«التنازع النصّي والفينومينولوجي الأكبر في أيّ سيرة»؛ أي تنازع النفس التي تروي عن النفس وتعي أنّ الراوي – مثل مادة روايته- ليس موضوعًا موحّدًا متجانسًا، لكنّه منشطر ومُجزّأ وانتثاري في المكان والزمان والتاريخ كما يتّضح ابتداءً من القصيدة الأولى في الديوان: (أرى شبحي قادمًا من بعيد).
بهذا الاعتبار المنهجي، يضع الباحث تخطيطًا لموضوعات السيرة في الديوان، ويركز على سيرة المكان كمثال على سيرورات التقاط التفصيل الشخصي أو التاريخي. ثُمّ يبحث حوار الأنا/ الآخر داخل الغنائية الملحمية التي تطوَّر إليها شعر درويش، فيؤكد على أن هذه الغنائية تنهض في الديوان على شكلٍ حواريٍّ تنفتح فيه الذات على الجهر الذاتي وتُكيِّف محتوى الآخر. وبالتالي، فإنّ الخيار الغنائي الذي ينهجه درويش هو خيار حداثي/ تاريخي، وعلى ضوئه تتحرك «صيغة ملحمية من السيرة الذاتية» تتفادى التماهي التامّ مع نسخة الأنا بما هي نتاج تصارع استرجاعي بين الوقائع والتفصيلات الطوبوغرافية وبين تداعياتها الحلمية واللاواعية. غير أن الجهاز الواصف للدراسة بدا أكثر طموحًا من الإجراء النقدي، مما جعل بعض المفاهيم المعلن عنها «بلا إجابة».
«كتابة السيرة الذاتية شعرًا في مجموعة “أبوابك شتّى” للشاعر فاروق شوشة» لمحمد آيت ميهوب(19)، وفيه يستدلُّ المؤلف على تمثيل الديوان لسيرة الشاعر ووضوح معالم حياته الشخصية من بواكير الطفولة إلى مرحلة الشباب، مُوجَّهًا بالعنوان الفرعي «ملامح من سيرة شعرية» كنوع من الميثاق القرائي. ورغم وعيه النظري بالإشكالات التي يطرحها موضوع «القصيدة السيرذاتية» أو «حضور السيرة الذاتية في الشعر»، إلا أنّ العناصر السيرذاتية (مواد نصّية، مؤشرات خارجية ومعلومات مرجعية…) غلبت على قراءته في تبيُّن سيرة الأنا الشخصية (الطفولة، العائلة، القرية، الحب الأول، الجامعة، المهنة، العمل في الكويت)، أو علاقة هذا الأنا بالنحن (نكسة 67 تحديدًا)، كما غلبت عليها المقاصد الغرضية (الفخر، رثاء الأحباب، محاسبة الآخر، الشكوى..)، وبالتالي لم تخرج هذه القراءة عن سياقها الموضوعاتي إلى ما يمكن أن يكشف عن خواصّ الهوية الشعرية، وكأن لا فرق بين السيرة الذاتية في الشعر وغيرها في النثر؛ ولهذا بقيت أسيرة المرجعيّ ولم تفكّر في المحتمل والمتخيَّل الذي يُلابسه ويبنيه من جديد، عبر ضمائر الذات الشخصية ووفق إيقاع ذاتيّتها، وإن كان قد ﭐكتفى بالتلميح إليه دون أن يتوقّف عنده، وهو يقول: «لكنّه (أي النص الشعري) سرعان ما يُلبس المعطى الحياتي الواقعي المرجعي لبوس الشعر مجازًا وتخييلًا وترميزًا، فتنتقل الإحالة المرجعية التسجيلية إلى خلق جمالي فنّي»(20).
نحو تحليل الخطاب
تمثل المنظورات السالفة الذكر التي قُورِب من خلالها السيرذاتي في الشعر باعتباره مُكوِّنًا أو عنصرًا تيماتيًّا مهيمنًا، ذات اعتبار بالنسبة إلى أيِّ مشتغل على الموضوع. لكنّها إذ تركز على وصف أسلوب الشاعر، أو تدرس ما سُمّي بـ(السير الذاتية الشعرية)، أو تحلل عناصر السيرة الذاتية لأنا الشاعر في قصيدته تحليلًا منشغلًا بمحتوى السيرة المرجعي، لم تتعدّ كل ذلك إلى دراسة الخطاب السيرذاتي نفسه، وكشف مضمراته وآليات اشتغاله بوضوح، إما بسبب الإشكاليات التي وجهتها وتحكمت في استنتاجاتها من جهة، أو بسبب محدودية المتن الشعري الذي اعتمدت عليه. فالخطاب السيرذاتي في الشعر لم يعد من مُضْمرات القصيدة، أو حكرًا على شعراء بعينهم، بل غدا سمة بارزة في مدونة الشعراء المعاصرين. وإذا كانت ثمة من اعترافٍ للدرس الأكاديمي والنقدي بالنزوع القوي الذي بات يُمثّله الخطاب السيرذاتي في الشعر العربي المعاصر، فهو ما تجسد في الندوة النقدية التي عُقدت تحت موضوع: «الأوتوبيوغرافي في الشعر المغربي المعاصر»(21).
ولقد عبرت أبحاث الندوة -على اختلاف مرجعيّاتها ومفهوماتها- عن «وعي بأهمية السؤال النظري في كل اختبار نصّي»، فسعت إلى نقل المقاربة النصّية من الموضوعاتي إلى دراسة الخطاب وتأمُّل بناءاته، وهو ما أتاح لها أن تبحث مفهوم السيرذاتي وشكل حضوره النوعيّ في القصيدة من جهة، وتُركِّز على تحليل أوضاعه واشتغالاته المتنوّعة بقدر ما تستجلي فاعلية عناصره في بناء الخطاب بطريقة مخصوصة إيقاعًا وتركيبًا، مُتخيّلًا ورؤى من جهة أخرى. غير أن الوعي النظري كان مُتقدّمًا بكثير على المتن الذي تمَّ الاشتغال عليه، إمّا بسبب تسقُّط الباحثين في تحليلاتهم لنصوص شعرية مُمثِّلة للسيرذاتي كيفما اتفق، فوقعت في التباس بين السيرذاتي والذاتي، أو لافتقار البناء النظري نفسه إلى استراتيجية واضحة تزاوج بين الهمّ المنهجي والتحليل النصي في معظم هذه المقاربات.
إنّنا، إذ نحن نتوجّه إلى بحث اشتغالات السيرذاتي في الشعر العربي، علينا أن نُحلّل الخطاب بقدر ما نُحرّك مفهوم السيرذاتي ومستتبعاته (النثر، الاسترجاع، الذات، المرجعية، التطابق..)، حتى نجعله يتجاوز عتبة المتن االسردي إلى الشعري، فيُعنى بكيفيات صَوْغ السيرة شعريًّا، أي بالممارسة التي اتخذتها مُكوِّناتها ضمن البنية الشعرية. من هنا، يكون على مثل هذا المنظور، التحليلي والتأويلي في آن، أن ينشغل بالأسئلة الجوهرية التي تقع في صميم الإشكالية، والأكثر تطلُّبًا؛ مثل:
هل استطاع الحدّ الشعري أن يُعيد تحديد السيرة الذاتية ويفقدها صلاحيّتها، وهي تنتقل من قيد النثر إلى شرط الشعر باعتباره خطابًا وفعالية لُغويّة خاصّيْن ؟
عن أيّ سيرة ذاتية نتحدث في الشعر؟ هل نحن أمام سيرذاتية شعرية غنائية، أم كتابة سيرذاتية حقيقية؟ كيف يمكن التوفيق بين المعايير الكلاسيكية التي قامت عليها نظرية الأنواع الأدبية، وبين ما جاءت به الحداثة ومن بعدها التفكيكية التي خرقت مبدأ معيار نقاء النوع وأجرت تحويلًا على بنية الشكل ككُلّ، وعلى ذات الكتابة نفسها؟
هل يتيح مصطلح «الفضاء السيرذاتي» الذي ابتكره فيليب لوجون المجالَ للنوع الشعري أن يُجسّد مفهومًا خاصًّا به للسيرة الذاتية، وأن يستوطنها في بنيته بصورة أقرب إلى التخييلي من المرجعيّ ؟
ما هي أبرز تجلّيات السيرذاتي في شعرنا العربي؟ ثُمّ كيف تطوّر منذ الرومانسية التي ارتقى خطابُها بالذّات في بُعْدَيْها الغنائي والعاطفي، إلى حركة الشعر الحديث التي غيّرت أوضاع الدالّ الشعري حالًا ومآلًا؛ أي من موقف ذاتي بما يتضمّنه من إشارات وعناصر سيريَّة، إلى خطاب واعٍ وأكثر تعقيدًا في مدى تأثُّره بفاعليّة الكتابة عبر مختلف أطوارها التعبيرية؟
هل بَلْور الشاعر المعاصر في توظيفه السيرذاتي «خطابًا تخييليًّا جديدًا» غيّر مفاهيم تلقِّي قصيدته من جهة، ومن جهة أخرى عَبّر عن جماليّات صراع الهوية الكتابية التي امتحنتها الذات وإيقاعها في الخطاب وعبره؟
إنّنا نرتفع بتصوُّرنا في الموضوع إلى أن «السيرة الذاتية أكثر من جنس أدبي، إنها نمط من الخطاب» كما قال توماس كليرك(22)، لأنّها خطابٌ له قوانينه وأطره النصّية الخاصة به، كما دلّ عليه النقاش النظري الذي صاحب النوع السيرذاتي في شتى منظوراته، التاريخي والبويطيقي والتداولي والفلسفي. وما يهمُّنا ليس السيرة الذاتية، بل السيرذاتي بوصفه تَبَنْيُنًا نمطيًّا من الخطاب، فنُحدِّد طبيعة اشتغاله كأيّ نسق دالّ ينبغي أن يمتلك شكلًا ما حتى يشتغل، وذلك أثناء عبوره نصيًّا إلى الشعر بوصفه خطابًا نوعيًّا مختلفًا عن النثر.
فالمرتكز النظريّ الذي نُعوّل عليه وننطلق منه لضبط أشكال حضور السيرة الذاتية في الشعر يتصل بـ(الفضاء السيرذاتي) وينفكُّ عنه في الوقت معًا؛ لأن مثل هذا الحضور النوعي ليس على الدوام أمرًا مسلّمًا به، أو أنّه لا يحتاج إلى برهنة أو إقرار بوجوده، وليس دائمًا معبّرًا عن المقاصد العلنية للشعراء وهم يعرضون علينا، بوعي أو في غفلةٍ منهم، سيرهم الشعرية التي لا تخضع بصرامةٍ للواقعية والميثاق المرجعي والسرد الكرونولوجي المعتاد. ولهذا، بوسعنا أن نتتبّع اشتغال السيرذاتي ليس بصفته خطابًا بانيًا فحسب، بل طريقةً لتخييل موضوعها وقول أناها التلفُّظي وتمثيل تجربة المعيش من خلال انفتاحها على مجموع الإمكانات والتقنيات الكتابية والتصويرية التي تستوجبها بنية الشعر بحدّ ذاته، كما قد تستدعيها عناصر موازية له، من ذات إلى ذات.
الهوامش
صلاح فضل، أساليب الشعرية المعاصرة، دار الآداب، بيروت، ط.1، 1995.
Starobinski, J., «Le style de l’autobiographie», Poétique, n° 3 (1970), p. 260.
محمد بونجمة، أدونيس: السيرة الذاتية الشعرية، دار ما بعد الحداثة، فاس، ط.1، 2004.
انظر: حاتم الصكر، كتابة الذات. دراسات في وقائعية الشعر، دار الشروق، عمان، ط.1، 1994، ص191. مرايا نرسيس. الأنماط النوعية والبنائية لقصيدة النثر الحديثة، المؤسسة الجامعية، للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت- لبنان، ط.1، 1419هـ-1999م، ص5.
مرايا نرسيس، ص148- 149.
نفسه، ص146.
نفسه، ص148.
من أهم هذه الدراسات: السيرة الذاتية الشعرية: قراءة في التجربة السيرية لشعراء الحداثة العربية، الشارقة، ط.1، 1999. تمظهرات التشكل السيرذاتي، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2005. المغامرة الجمالية للنص السيرذاتي، عالم الكتب الحديث، إربد- الأردن، ط.1، 1432- 2011. التشكيل النصي: الشعري، السردي، السيرذاتي، عالم الكتب الحديث، إربد- الأردن، ط.1، 2014.
انظر معجم مصطلحات السيرة، ضمن: المغامرة الجمالية للنص السيرذاتي، م. س.، ص213- 237.
يستدرك الباحث ثغرات القصيدة السيرذاتية، بعد أن يدمج في بعض تحليلاته آليّتي التذكّر والتخييل معًا في عملية استقراء معنى السيرذاتي داخل القصيدة وإنهاضه من ركام الذاكرة، من أجل تأويل مُسْتعاده بقدر إعادة بناء مُتخيَّله، كما في تحليله لقصيدة (مردانيا) لمحمد مردان، أو لقصيدة أدونيس (غيمة فوق قصابين) من ديوان «ليس الماء وحده جوابًا عن العطش». انظر: التشكيل النصي: الشعري، السردي، السيرذاتي، م. س.، ص261-273. شيفرة أدونيس الشعرية، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت/ منشورات الاختلاف، الجزائر، ط.1، 2009، ص81.
خليل شكري هياس، القصيدة السيرذاتية: بنية النص وتشكيل الخطاب، عالم الكتب الحديث، عمان-الأردن، ط.1، 2010.
المرجع نفسه، ص22.
محمود درويش، لماذا تركت الحصان وحيدًا، رياض الريس، لندن، ط.1، 1995.
فخري صالح، لماذا تركت الحصان وحيدًا: عن اللحظة الفلسطينيّة الملتبسة، مجلة فصول، المجلّد الخامس عشر، العدد الثاني، صيف 1996، ص239.
خليل الشيخ، السيرة في إطار الشعر: قراءة في “لماذا تركت الحصان وحيدًا”، مجلة نزوى، العدد الحادي والعشرون، يناير 2000، ص23-32. وانظر: خليل الشيخ، السيرة والمتخيل: قراءات في نماذج عربية معاصرة، أزمنة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2005.
فتحي النصري، الشعري والسيري في ديوان محمود درويش “لماذا تركت الحصان وحيدًا”، مجلة المسار (82/83)، مارس- أفريل- ماي- جوان 2008، ص: 64- 73.
فتحي النصري، شعرية التخييل. قراءة في شعر سعدي يوسف، مسكيلياني للنشر والتوزيع، ط.1، 2008، ص48- 54.
مجلة الدراسات الفلسطينية، المجلد 19، العدد 76 (خريف 2008)، ص82. نقلًا عن الرابط التالي:
http://www.palestine-studies.org/ar_index.aspx
محمد آيت ميهوب، التداخل الأجناسي في الأدب العربي المعاصر، دار ورقة للنشر والتوزيع، ط.1، 2019، ص: 107- 163.
المرجع نفسه، ص162.
يوسف ناوري وآخرون، الأوتوبيوغرافي في الشعر المغربي المعاصر، أعمال الدورة الأكاديمية السابعة لبيت الشعر في المغرب (طنجة يومي 25-26 أكتوبر 2013)،. في هذا السياق، تندرج بعض المقالات التي أنجزتها، فحاولت أن أكشف طبيعة اشتغال المكوّن السيرذاتي ودرجة حضوره النصّي في بعض هذه الدواوين، من خلال مقالات كانت تظهر بالتزامن مع اعتكافنا على بحث الأطروحة، وهي: «سرد الذات شعرًا: الأوتوبيوغرافي والشعري»، ضمن: الأوتوبيوغرافي في الشعر المغربي المعاصر، مطبعة دار المناهل، الرباط، ط.1، 2014. وقد نُشرت منقحة ومزيدة ضمن كتاب: في راهن الشعر المغربي.. من الجيل إلى الحساسية، دار التوحيدي، الرباط، ط.1، 2014، ص: 84-107. «قلب الثلج»: بين المعاصرة والهوية المتشظية، جريدة العربي الجديد- ملحق كتب، الأحد 11 أكتوبر 2015. سيرنة الذات بين البوح والتجريد… شاعرات من المغرب نموذجًا، جريدة القدس العربي، السنة السابعة والعشرون العدد 8342 الأربعاء 13 كانون الثاني/ يناير 2016، ص12. شعرية المابَيْن في ديوان «خرجت من هذه الأرخبيلات» لأمينة المريني، مجلة روافد، العدد 26- 2016، ص:56-60. «تحولات يوسف المغربي» لعبد الرحمن بوعلي: الأنا السيرذاتي في الشعر، جريدة القدس العربي، السنة التاسعة والعشرون العدد 8840 الثلاثاء 30 أيار/ مايو 2017، ص12. «كأنّي أُفيق» لعبد الرفيع جواهري: أنا الأغنية وتخييل المكان المعشوق، ضمن: سِيَر الشعراء. من بحث المعنى إلى ابتكار الهوية، دار فضاءات، عمان- الأردن، ط.1، 2020، ص:119-128.
توماس كليرك، الكتابة الذاتية، إشكالية المفهوم والتاريخ، ترجمة: محمود عبد الغني، منشورات الموجة، الرباط- المغرب، 2003، ص20.