علي جعفر أوغلو
ترجمها عن الإنجليزية: سليمان الخياري
اجتثّوا شجرة الجوز البري من الغابة. حفّوا جذعها بآلة تسوية الخشب بعد أن جذّوا أغصانها ليصنعوا من أخشابها أبواباً ونوافذ.
حَمَّلَ الصُنّاع الأخشاب في الشاحنة وساقوها إلى دارٍ جميلة. لاحقاً صُنعت أبواب الدار ونوافذها وقُطِعَ الزجاج المزخرف ليتناسب وحجم أُطُر النوافذ. حين طُليت الأُطر باللون الأحمر، أخذت تتلألأ تحت بريق الشمس. أصبحت الدار أكثر جاذبية. صار المارة يتوقفون أمامها ليتمتعوا برؤيتها.
تطلّعت الألواح – التي كانت يومًا ما شجرة جوز بري في الغابة قبل أن تُحال جُذاذاً – إلى هامة شجرة الدُّلْب السامقة. عاينت أوراقها الوارفة بِغِيرة وكانت معجبة بجذعها. بعد هنيهة من الصمت المُطبق، استدارت نحو شجرة الدُّلْب.
«أيتها الشجرة، كل من يراك عَظَّم جمالك وفخامتك وظلالك. ليتني كنت مكانك!» قالت الألواح.
استغرقت شجرة الدُّلْب في التفكير، فكلمات الألواح بعثرت بقايا أفكارها إلى أشلاء. وأجالت النظر نحو منبع الصوت وتساءلت:
«لِمَ تسألين أيتها الألواح؟ لِمَ تقولين ذلك، ألست مسرورة بِحالك؟»
سددت الألواح نظرة حزن نحو شجرة الدُّلْب. كانت في غاية الارتباك مما حدا بالشجرة أن تهدئ من روعها.
لم لا تتكلمين؟ أخبريني ما الذي حدث؟
«كنتُ فيما مضى شجرة سامقة، أصلها ثابت وفرعها في السماء. كنتُ مَبْهَجة الغابة؛ ترفرف العنادل فوق أغصاني، ويتفيأ الأطفال تحت ظلالي، وتقهقه الناس ملء شدقيها بالقرب مني. يا لها من أيامٍ جميلة لن تعود. واليوم لا شيء يوحي أبداً بسحري القديم. لقد تحولت إلى لوحٍ عادي.»
وعندما أنهت شجرة الجوز تفاصيل القضية تنهدت بعمق.
هزت شجرة الدُّلْب هامتها.
«يا أيتها الألواح! أتتحسرين على ما أنت عليه؟ لقد بُهِّتُ مما أَصابك فلا تحزني! هل تظنين أن كل الأشجار ستبقى على حالها؟ حتى الطبيعة الأم تُبدّل أسمالها. وفصول السنة تتعاقب، فصلاً تِلْوَ آخر، فالطبيعة تتوارى خلف جُنَح الشتاء، ثم تستيقظ في الربيع متلفعة بالزهور، مكتسية بِساطاً أخضر. وفي فصل الخريف تعصف الرياح الباردة بأوراقها الصفراء لتلقيها أرضاً. أنسيتِ كل ذلك؟»
«إطلاقاً، لم أنسَ» قالت الألواح.
واستطردت شجرة الدُّلْب: «تفقهين بأن البشر ليسوا مُخلدين في الأرض. فالكبار يرحلون والأطفال يأتون. والذين كانوا صغارًا أصبحوا الآن كبارًا. ومن كانوا شُبانًا، أضحوا شيبانًا» وأشارت شجرة الدُّلْب إلى شجيرات صغيرة وقالت: «هذه الشجيرات الصغيرة غُرست منذ عهد قريب. وبالماء والهواء وأشعة الشمس تغذت وبعناية الناس نبتت. سيأتي يومٌ وتكبر هذه الشجيرات لتكون سامقة تُشبهني، وستكون مَبْهَجة الغابة وسحرها، ومصدر حبور للناس. بعضها لن ينمو، وسوف يجف. لذا أنصحك بأن لا تحزني مما أنتِ عليه الآن، عزيزتي!»
«من سيحتاج إليّ؟ لن يحتاج إليّ أحد بعد الآن. لن يحبني أحد، ولن يشعر أحد بملمس أوراقي.» قالت الألواح بيأس.
عاينت شجرة الدُّلْب الألواح وقالت:
«يجب عليك أن تتدثري ثوب السعادة لأنك تضفين جمالاً على الدار. فيما مضى كُنتِ مَبْهَجة الغابة والآن أصبحت فاتنة الدار. انظري! فالناس من حولك يمعنون النظر فيك! يعجبهم جمالك! ولهذا زيّنوك بالطلاء. أما أنا فمصيري مجهول. ربما سأُجتث لأكون وقودًا أو ربما أتلاشى بسبب الجفاف وأمتزج مع التربة.»
وبعد أن أصاخت الألواح السمع لكلمات شجرة الدُّلْب، هدأت وبدأت تنظر حولها بابتسامة مُشرقة.