نبيل منصر
أنا والملاك
في جَوْفي كَلِماتٌ تُغالِبُ دُموعَ المَلاكِ،
تَسْتَيقِظُ قبلَ أنْ أنامَ، وتَبْقَى تَدْفعُ يَدَينِ أرِقَتيْنِ
بَعْدَ أن يُهيلَ الليلُ رَمادَه على قَلبي،
ويَمْضي الشِّراعُ التائِهُ بأجْنِحَتي،
تَطفو الشَّمْسُ مِثلَ ساحِرةٍ بِشعَرِها الطويل الأحْمَر
يَتَشبَّتُ الغَرقى،
مِثلما يَتشبَّتُ المَلاكُ بِكَلِمَتي، ليُطِلَّ على الصباح
مِن بين ثنايا الغيوم والأشواك والحِجارة.
أنا والمَلاكُ،
نَقِفُ طويلا
لا يَسنُدُنا شيءٌ
غِناءُ الطيور وغِناءُ النُّوتِيِّ
يَقِفُ على غُصْنٍ رَقيقٍ يَتمايَلُ في جَوْفِي،
مِثل غُصْنِ الشِّعْر
الذي يَأتي
رَجلٌ أجلف
يَنْتزِعُه مِنِّي بقُوَّة
ويَرمِي به
في النار!
الكَلِماتُ الأخرى
في اللَّيل تَزُورُني.
نائما أكونُ، يَدِي على صَدْري تَسْتَريحُ
كَيَدِ مَيِّت.
عَيْنِي في صُندوق الحُلْم، تُلوِّنُ أحْجارَ الطفولة.
يَدِي الأخرى،
تَدْفَعُ لِبقَّال الحَيِّ عُملةً صفراءَ،
لِتعودَ إلى جَيبي
سَعيدةً بالحَلوى.
أنا تائِهٌ بين أشياءَ ضائعةٍ،
أبحثُ لها في ذاكرتي
عَن نِصفِها المَفقود.
أضعُ كلماتٍ قليلةً على الرَّفِّ،
وأعودُ إلى طاولتي
تَأتيني رَسائلٌ صغيرةٌ مِن الشَّمْعةِ
والنَّافِذة
والأقلام الجافَّة،
التي تَمُصُّ كُلَّ لَيلةٍ مِن قلبي
حَليبا أسودَ فاتِرا.
ماذا أصنع؟
الكَلِماتُ القليلة الَّتي تَزورُني في اللَّيل
تَسْحَبُ الغِطاءَ عَن وَجْهي،
تَسْحبُ السَّريرَ مِن غُرفتي
تُعدِّلُ ساعةَ الجِدارِ
جاعِلةً الليلَ يُضيءُ مِثلما لَمْ يَفعلْ أيُّ نَهارٍ
في المَدينة.
ماذا أصنعُ؟
هَل أتْبعُها إلى حَياتِها الأخرى،
أم أحْمِلُها على احترامِ تَرتيبِ الطبيعةِ
في غُرفتي، وفي يَدي؟
هَلْ أدْعُو الكَلماتِ الأخْرى
التي لَمْ تَزُرْني يَوماً
لِتآزرَني في هَذا المَوقِفِ الوُجُودِيّ؟
هَل تَحْتمِلُ مِن أجْلي
تداخُلَ الظلمةِ والنُّور
وما يَتلوهُ مِن تَلاطُمِ أمواج الأبديَّة على وَجْهي؟
أيَّتُها الكَلماتُ، هَلْ تفعلين هذا
لِمَرَّةٍ واحدة، مِن أجلي؟