طالب المعمري
مبارك العامري كإنسان ومبدع تظهر تجليات روحه المفْعمة بالحياة والأمل في نصوصه الشعرية والسردية كأوضح تجلٍ لهذا الحضور. فحياته تقابلك فيهما كيدين ممدودتين شعرا ونثرا.
هذه التقاربات هي كالعملة الواحدة بوجهين يكملان بعضهما البعض، في بحث الذات عن تجلياتها وأين تكون. وكي تكون؟ نجد أن، الشعر هو بيتها و مكانها الأثير، أكثر من غيره، من أصناف الكتابة، التي خبرها وعاشها بجسده و روحه.
في إلى جانب ما تريد أن تقول قصيدته كمغامرة حياة في الشكل، هناك، مغامرة القصيدة في ما تريد أن تقوله في المعنى.
وما « بسالة الغرقى» ديوانه الأخيرو الأهم، إلاّ تمثل حقيقي للمعاناة الوجودية في أقصى تجلياتها.
رحيل الصديق مبارك العامري خسارة شخصية لي ولآخرين عايشوا مبارك الأديب في أوج شبابه وعطائه الإبداعي حتى رحيله. وما قصيدته «أيها الموت» في «بسالة الغرقى» إلاّ استشراف لقطار ذلك العمر، الهارب من قبضة اليدين.
فتلك السطوة التي يتجسدها الموت رآها و عايشها الشاعر من واقع المعاناة التي لامست روحه فترة المرض وكيف استطاع الشاعر أن يجعل من المرض حالة إبداعية لا تستكين إلى الهدوء المخادع بأن الحياة سهلة تمشي. بل جعلها، جدار مقاومة، للتشبث بالحياة و بأمل أن يكتب الشاعر أجمل من السابق، وأجل ما لديه.
أين تمضي أيتها الحياة؟ الأصدقاء يرحلون ومسقط «الثمانينيات» التي فرشت أمكنتها لنا كَسِرٍ غامض باللقاء، ها هي تودع صديقاً آخر. صديق مغامرة الكتابة، كانت منطقة روي كنفا لنا. حيث السكون والحجارة والأصوات المتكئة على الماضي. هاهي كتابة جديدة تظهر تتلمس طريقها في الداخل كحالة جديدة، عما سبقها، وها هو مبارك العامري يكون حاضرا في المشهد كأحد الفاعلين فيه سلوكا و إبداعا.
لقد آمن مبارك بالكتابة الجديدة سردا وشعرا، ساعده ذلك بما ملكه من مغناطيس جاذب في علاقاته الإنسانية، وثانيا بما ملكه من حس شاعر مبدع أفاد نفسه وغيره دون منة أو فضل.
الصديق مبارك.. كنت حاضرا في السرد كما في الشعر. لكننا حين التقينا أول مرة، كان الشعر باب اللقاء. ذلك الباب الذي لم يغلق إلاً لتفتح بمحاذاته نوافذ الكلمات. كلمات الشعر،التي تعمق الأشياء.
لتلاقيك الملائكة وفي كنفك الكلمات كوصية.
سلام ..سلام.