ناثانيال هوثرون *
ترجمة: عائشة الفلاحية**
عند غروب الشمس في قرية سالم(2) خرج الشاب جودمان براون إلى الشارع، بيد أنه أدار رأسه للوراء مجددا بعد عبور العتبة، ليبادل زوجته الشابة قبلة الوداع، فأخرجت” فيث”( وهو اسم جدير بها(3) رأسها الجميل إلى الخارج فتلاعبت الرياح بالشرائط الوردية لقبعتها.
وحين اقتربت شفتاها من أذنه همست، بهدوء يشوبه حزن” يا أعز الناس “، أتوسل إليك أن تؤجل رحلتك حتى شروق الشمس وتنام على سريرك الليلة. ولإن تركت امرأة لوحدها فستتركها نهبا للخيالات والأفكار التي تجعلها خائفة حتى من نفسها أحيانا، لذا ابق معي يا زوجي العزيز، أتوسل بقاءك هذه الليلة دون كل الليالي”.
فأجاب الشاب جودمان براون “يا حبي وإيماني فيث، هذه الليلة من دون كل الليالي في السنة، علي أن أبتعد عنك. إن مهمة رحلتي كما أسميتها تستدعي ذهابي وإيابي من الآن وحتى بزوغ الشمس. ماذا يا حلوتي، يا زوجتي الجميلة، هل راودتك الشكوك بي حقاً!، ولم يمض على زواجنا سوى ثلاثة أشهر؟ ”
أجابت فيث ذات الشرائط الوردية: ” ليباركك الرب إذن! وعسى أن تجد كل شيء على ما يرام عند عودتك”.
فهتف جودمان براون:”آمين!”، “اتلي صلواتك عزيزتي فيث، واخلدي للنوم عند الغسق، ولن يصيبك أي ضر”.
وهكذا افترقا؛ وواصل الشاب طريقه حتى أوشك أن يستدير عند زاوية دار الاجتماع، عندها نظر للخلف فرأى فيث لا تزال تطل برأسها تراقبه، يغشاها الحزن رغم الأشرطة الوردية المتطايرة حولها. فحدث نفسه شاعرا بتأنيب الضمير “يا لفيث الصغيرة المسكينة “أي حقير أنا لأتركها من أجل مهمة كهذه وقد لاحظت كيف اكفهر وجهها وهي تتكلم عن أحلامها وكأن الحلم جاءها محذرا من الأمر المزمع تنفيذه الليلة. لكن لا لا لن تلحقها أضغاث أحلام الضرر. حسناً، إنها ملاك مبارك على الأرض. وبعد هذه الليلة سأتشبث بثوبها دوما وأتبعها إلى الجنة. وبعد أن علل نفسه بأماني المستقبل تجددت عزيمته لإنهاء مهمته الحالية الشريرة بأقصى سرعة.
سلك طريقا موحشا معتما التفت حوله جميع أشجار الغابة القاتمة، التي بالكاد سمحت له بشق طريقه من خلالها وأطبقت في أثره مباشرة، كان المكان مهجورا موحشا، ثم أن هناك غرابة في تلك الوحدة، حيث إن السائر لا يدري ما الذي يمكن أن يخفيه هذا العدد الهائل من جذوع الأشجار وفروعها المتشابكة أعلاه فلربما يمر بمخلوقات خفية لا حصر لها وهو يخطو وحيدا.
حدث جودمان براون نفسه: “قد يكون هناك هندي لعين وراء كل شجرة”، وأضاف وهو ينظر بخوف للوراء: “ماذا لو كان الشيطان اللعين نفسه أقرب ما يكون إلي!” وحينها انعطف الطريق أمامه وهو ملتفت برأسه للوراء فتطلع إلى الأمام مرة أخرى وإذ به يلمح هيئة رجل، بلباس محتشم ووقور، يجلس عند جذع شجرة عتيقة، نهض عند قدوم جودمان براون ومضى قدما إليه وسارا جنبا إلى جنب. خاطبه القادم “تأخرت يا جودمان براون”. “فقد كانت ساعة الجنوب القديم تدق عند مروري ببوسطن، وحتى الآن مر من الوقت ما يقارب الخمس عشرة دقيقة. أجاب جودمان بصوت اعترته الرعشة بسبب الظهور المفاجئ لرفيقه، وإن لم يكن مفاجئا تماما، “أعاقتني فيث لفترة من الوقت”.
حلت الآن ظلمة الليل في الغابة، واشتدت حلكته أكثر في تلك البقعة التي يسيران عليها. وكان الآخر (بقدر ما يمكن ملاحظته) في حوالي الخمسين من العمر وكما يبدو للناظر من نفس المستوى المعيشي لجودمان براون، وبينهما تشابه كبير لربما بالهيئة لا بالملامح. ومع ذلك يعطيان انطباعا كأب وابنه. ورغم أن الأكبر منهما تبدو عليه البساطة في ثيابه ومظهره كالأصغر إلا أن سيماء الشخصية المحنكة تظهر عليه بوضوح فمثله لن يشعر بالخجل أو الإحراج في مأدبة الحاكم، أو في بلاط الملك وليام(4) حيث من المحتمل أن تأخذه علاقاته. وأكثر ما يلفت إليه الانتباه عصاه المذهلة والمثيرة للاهتمام التي تشبه ثعبانا ضخما أسود، والتي شكلت بطريقة توحي للناظر إليها بأنها تنثني وتتلوى كالثعبان الحي وبالطبع ساهمت العتمة في إعطاء الانطباع بذلك.
صاح رفيق دربه “تعال يا جودمان براون!”، إن هذه لوتيرة مملة لبداية الرحلة فإن مشيك البطيء هذا يولد السأم هاك عصاي إن أصابك التعب بهذه السرعة. فرد الثاني وقد استبدل خطواته البطيئة بالتوقف التام: “يا رفيق، أما وقد أوفيت بعهدي أن ألقاك هنا فإني أعتزم الآن العودة من حيث أتيت، إذ يراودني الشك حيال الأمر الذي ستتكلم عنه”. رد الآخر “هذا قولك إذن”، ثم أضاف بخبث مخفيا ابتسامته” دعنا نكمل سيرنا وأثناءه نتحاور فإن أقنعتك لا تعد، إذ بالكاد دخلنا الغابة”.
صاح جودمان “لا لا بل توغلنا داخلها كثيرا “، واستأنف السير دون وعي وأضاف: “لم تطأ قدما أبي الغابة أبدا لمهمة كهذه، ولا والده من قبله. لقد كنا سلالة من الرجال الشرفاء والمسيحيين الطيبين منذ أيام الشهداء(5) وسأكون أول شخص من عائلة براون يتخذ هذا الطريق ثم يظل سائرا عليه “
“أتقول نعم القوم ” قال الأكبر ملاحظته ثم أردف مفسرا صمته، “أحسنت القول يا جودمان براون “، “لقد كنتُ على معرفة بعائلتك وكنت بينهم كأي واحد من البيوريتانيين(6)، ولا أقول ذلك عبثا. فقد ساعدت جدك الشرطي عندما جلد بدهاء تلك المرأة من جماعة الكويكرز(7) في وسط شوارع مدينة سالم. وأنا الذي أحضرت لوالدك مشعلا من خشب الصنوبر من موقدي الخاص كي يضرم النار في قرية هندية خلال حرب الملك فيليبس(8). لقد كان كلاهما من أعز أصدقائي، كم استمتعنا معا بالسير مرارا، على هذه الطريق وعدنا تغمرنا السعادة بعد منتصف الليل. وإني ليسعدني أن أكون صديقا لك إكراما لهم”.
رد جودمان “إذا كان الحال كما تقول فإني لأتعجّب!، إذ لم يتحدثوا أبدًا عن هذه الأمور، أو، في الحقيقة، لا أتعجب، إذ بلا ريب أنّ أقل شائعة كهذه كان من شأنها أن تجبرهم على النزوح من نيو إنجلاند. فنحن أهل صلاة وصلاح وتقوى، ولا نذعن للشر
فرد الرحالة صاحب العصا الملتوية: ” شر أو لا ، لديّ الكثير من المعارف هنا في نيو إنجلاند. وثمل معي العديد من الشمامسة بنبيذ القربان؛ واختارني مجلس إدارة المدينة المنتخب رئيسا. والأغلبية في المحكمة الكبرى والمحكمة العامة هم من المناصرين بشدة لرغباتي حتى أنني أنا والمحافظ.. ، ولكن هذه أسرار الدولة.
صاح جودمان براون وهو يحدق بذهول في رفيقه الواثق من نفسه “أيعقل هذا”!؟ ومع ذلك، ليست لدي أية علاقة مع الحاكم والمجلس. فلهم وسائلهم الخاصة، وليس لرجل بسيط مثلي دور بينهم. لكن، إذا كنت لأستمر معك، فكيف سأقابل بعدها ذلك الرجل الطيب، كاهننا، في قرية سالم؟ أوه، سيجعلني صوته أرتعش يوم السبت ويوم الموعظة. أنصت الأكبر بجدية حتى تلك اللحظة ولكنه انفجر الآن في نوبة من الضحك تعذرعليه كبتها مما جعله يهتز بشدة لدرجة أن العصا بدت كأنها تتلوى تأييداً.
قهقه عاليا “ها! ها! ها! ” واستمر يقهقه ثم تمالك نفسه وقال ” حسنا، أكمل يا جودمان أكمل، ولكن أرجوك لا تقتلني ضحكا”
استشاط جودمان براون غضبا وقال “حسنا، إذا لننهي هذا الأمر حالا، فهناك زوجتي فيث، وسيفطر هذا قلبها الصغير، قلبي فداها.”
“كلا، إن كان هذا وضعك فامض في طريقك يا جودمان براون، فأنا لا أود أن تصاب فيث بأي أذى، لا، ولا أن تصاب عشرين امرأة عجوز* مثل التي تعرج أمامنا هناك وأشار بعصاه أثناء حديثه إلى امرأة في الطريق، سرعان ما عرفها جودمان فقد كانت امرأة معروفة بالتقوى والورع ومثلاً يحتذى به، وهي من لقنته مبادئ الدين المسيحي في صغره ولا تزال مرشدته في الدين والخلق.
فقال جودمان: “إنه لأمر غريب حقا، وجود جودي كلويز(9) في مكان مهجور موحش كهذا في هذه الساعة من الليل. والآن اسمح لي يا صديقي، سأسلك طريقا مختلفا وسألقاك في الجانب الآخر حتى نتجاوز هذه المرأة المسيحية،” فأنت غريب عني، وقد تتساءل ما الذي نحن بصدده وإلى أين أنا ذاهب ”
قال رفيقه المسافر: “ليكن كذلك”، ” اتجه للأحراش وسأبقى على الطريق”. ومن ثم، ابتعد الشاب جانبا، لكنه حرص على مراقبة رفيقه، الذي تقدم بهدوء على طول الطريق حتى بقي بينه وبين المرأة مسافة قصيرة. في حين كانت هي تمشي بسرعة استثنائية لامرأة في عمرها، وتغمغم ببعض الكلمات غير المفهومة – أدعية، بلا شك – أثناء سيرها. مد المسافر يده ولمس بطرف عصاه التي بدت نهايتها كذيل أفعى، عنق المرأة المتغضن.
صرخت المرأة العجوز التقية “الشيطان!
“إذن جودي كلويز تعرف صديقها القديم؟”
تطلعت إليه متكئا على عصاه الملتوية
صاحت المرأة العجوز الصالحة:
“قداستك! أهذا أنت حقا؟ نعم إنه أنت بالتأكيد، ومتلبس بصورة صديقي القديم جودمان براون جد هذا الفتى الأبله، هل تصدق قداستك لقد اختفت عصاي الخاصة بشكل غريب، سرقت، وإني لأشتبه بجودي كوري(10) تلك الساحرة التي لم تشنق. وقد حدث ذلك عندما تمت مباركتي بدهن سائر جسدي بعصير نبتة الكرفس وعشبة القوى، ونبات البيش”(11)
فقال المتلبس بهيئة جودمان براون العجوز:
” ” ومخلوطة مع القمح الناعم وشحم طفل حديث الولادة”
فهتفت المرأة العجوز، وهي تقهقه بصخب ” آه، إذن قداستك تعرف الوصفة”، “حسنا، ما كنت أقوله، أنني كنت على أهبة الاستعداد لحضور الاجتماع، ولا راحلة لدي، لذا عزمت أن أذهب سيرا على قدمي؛ وقد سمعت أن شابا لطيفا سيُضم إلى الجماعة الليلة. ولكنك يا مولاي ستناولني الآن ذراعك، وسنكون هناك في طرفة عين.
فرد صديقها:
“ذلك صعب ، لكن وإن لم اقدم لك ذراعي سأعطيك عصاي يا جودي كلويز ، إن شئت. وإذ قال ذلك، ألقى بها عند قدميها، حيث، ربما، ستدب بها الحياة، كونها واحدة من العصي التي وهبها صاحبها لأحد السحرة المصريين في الماضي.
بعد هذه الواقعة، عجز جودمان براون أن يستوعب الحقيقة. فصار يقلب عينيه مبهوتا، يرفع بصره تارة وينظر إلى الأسفل تارة أخرى مشدوها، لم يكن يرمي ببصره نحو العجوز ولا العصا الأفعوانية وإنما إلى الزميل المسافر وحده، الذي ظل ينتظره بهدوء كما لو لم يحدث شيء.
ثم قال الشاب:
” تلك المرأة العجوز علمتني التعاليم المسيحية”.
وحمل هذا التعليق البسيط عالماً من المعاني.
واصلوا سيرهم قدما ً وحَضَّ المسافر الأكبر رفيقه على حث الخطى والصبر على الطريق. في حين كان يناقشه ببلاغة شديدة لدرجة أن الحجج التي ساقها بدت وكأنما تنبثق من عقل مدقق حساباته أكثر من أن تجود بها قريحته. وأثناء سيره كسر فرعا من شجرة قيقب كي يتخذه عكازا، وبدأ في تجريده من الأغصان الصغيرة والوريقات التي كانت مبللة بندى المساء. والغريب أنه بمجرد ما لامستها أصابعه، ذبلت وجفت كأنها مكثت تحت أشعة الشمس طيلة أسبوع كامل. ثم واصل الاثنان السير بخطى حثيثة إلى أن جلس جودمان براون فجأة في غور مظلم من الطريق تحت جذع شجرة ورفض أن يتقدم أكثر من ذلك وقال بإصرار،
يا صديق:
“لقد حسمت أمري، لن أخطو خطوة أخرى وسأتخلى عن هذه المهمة.
أفإن اختارت امرأة تعيسة الذهاب إلى الجحيم في حين ظننت أنا أنها ذاهبة للجنة. أهذا سبب يدفعني لترك محبوبتي فيث واللحاق بتلك العجوز؟”
فقال رفيقه: “ستعيد النظر في ذلك ” اجلس هنا واسترحِ بعض الوقت، وعندما تشعر بتحسن، ستعينك عصاي هذه على طول الطريق. وبدون أن يضيف كلمة أخرى، ألقى لرفيقه بعصا القيقب، وابتعد بسرعة عجيبة عن ناظريه كما لو أنه تلاشى في الظلمة الحالكة. جلس الشاب بضع لحظات على جانب الطريق شاعرا بالفخر بنفسه ومستشعرا راحة الضمير لعزمه على ملاقاة القسيس في مسيرته الصباحية ونيته بألا يتهرب من عين الشماس الطيب جوكين. مؤملا نفسه بنوم هادئ سيحظى به هذه الليلة بالذات، التي كان من المفترض أن يقضيها في الشر، ولكن بهدوء وحكمة الآن، في أحضان فيث! وسط هذه التأملات اللطيفة والجديرة بالثناء، سمع جودمان براون وقع حوافر خيول قادمة، فارتأى أن يستتر وراء أكمة على الطريق شاعرا بالخزي لنيته الآثمة التي أوصلته إلى تلك البقعة، رغم أنه الآن لحسن الحظ عدل عنها. في تلك اللحظة كان صوت وقع حوافر الخيول مختلطا بأصوات راكبيها يتردد على طول الطريق وعند اقترابهم تناهى للسمع صوتين وقورين يتحادثان بهدوء على بعد بضعة ياردات من مكان اختباء الشاب. ولكن، لا المسافرون ولا خيولهم كانوا مرئيين وبلا شك كان ذلك بسبب شدة الظلام في تلك النقطة بالذات. فعلى الرغم من انعكاس ظلالهم على الشجيرات الصغيرة في جانب الطريق إلا أنهم لم يتسببوا ولو للحظة في اعتراض شعاع النور الخافت المنبعث من كبد السماء إلى الأرض حيث لا بد قد عبروا. وقف جودمان براون على رؤوس أصابع قدميه، وسحب جانبا الفروع والأغصان ودفع رأسه إلى الأمام على قدر ما استطاع ولكنه لم يتبين غير أشكال كالظلال، وقد غاظه ذلك. لكن هل يمكن لشيء كهذا أن يحدث!! إذ أنه كان متيقنا من تمييزه لصوت القسيس والشماس جوكين، ويكاد يقسم على ذلك، فقد كانا يقطعان طريقهما بهدوء، كما اعتادا أن يفعلا عند ذهابهما لحضور مراسم للتنصيب أو للمجلس الكنسي. وبينما كان لا يزال يرهف السمع، توقف أحد الراكبين.
وقال صاحب الصوت المشابه للشماس: “من بين الإثنين، يا سيدي المبجل أفضل أن أتغيب عن حفل العشاء على أن أتغيب عن هذا اللقاء الليلة. أخبرت أن بعض أفراد مجتمعنا من فالموث وما وراءها، وآخرين من كونيكتيكت وجزيرة رود، إلى جانب العديد من الهنود الملاعين، الذين من بعد معرفتهم بأزيائهم يكادون يفوقون أفضلنا بطرق الحاق الأذى، علاوة على ذلك، ستؤخذ امرأة شابة مليحة للمشاركة مع الجماعة.
أجاب صوت القس المسن: “رائع يا شماس جوكين!، عجل، وإلا سنتأخر. لا يمكنهم أن يبدأوا، كما تعلم، حتى أكون بينهم”
اشتدت ضجة حوافر الخيل من جديد، وكانت أحاديث راكبيها تسبح بغرابتها في الهواء الطلق على طول طريق الغابة. تساءل جودمان إلى أين يمكن لهؤلاء الرجال التقاة أن يمضوا في هذه البرية الوثنية القصية حيث لم يصل شخص مسيحي من قبل ولا اجتمع أهل كنيسة للصلاة يوما؟ واعتلج الهم بصدره واعتراه الوهن وترنح الشاب وكاد يسقط لولا تشبثه بجذع شجرة. ثم رنا ببصره نحو السماء مرتابا، أهناك حقًا ملكوت أعلاه. إلاّ أن السماوات كانت لا تزال مزدانة بالنجوم فوقه.
صاح جودمان براون:
“مع وجود الملكوت في الأعلى وفيث بالأسفل، سأقف بحزم ضد الشيطان! ”
لبث يحدق في القبة السماوية رافعا يديه بالدعاء، عندها مرت غيمة عبر الأفق وغطت النجوم المشرقة رغم خلو الجو من الرياح. إلا أن السماء ظلت زرقاء صافية، عدا أعلى رأسه مباشرة حيث ظهرت كتلة من السحب السوداء متجهة شمالًا بسرعة. ومن علو عبر الهواء تناهت ضجة أصوات مشوشة غامضة وبدت كأنما تأتي من أعماق السحاب. وللحظة استطاع المنصت تمييز لكنة أهل قريته، الرجال والنساء، الورعين والعصاة على حد سواء، الذين التقاهم على طاولة القربان، والآخرين الذين شاهدهم يثيرون الشغب في الحانة. ثم في اللحظة التالية، كانت الأصوات غير واضحة، راوده الشك فيما إذا كان قد سمع شيئا البتة أم أن ما سمعه كان مجرد صوت حفيف الأشجار من الغابة القديمة، زمجرة دون ريح. ثم تناهت إلى سمعه موجة أقوى من تلك النبرات المألوفة لديه، والتي تسمع يوميا تحت أشعة شمس قرية سالم والتي لم تسمع أبدا من قبل كالآن وهي تتنزل من السحب في ظلمة الليل. ثم ارتفع صوت واحد، لامرأة شابة تنوح ولكنه بدا نواح من وراء القلب لنيل الشَفَقَة والتي ربما لن تنالها دون أسى؛ ويبدو أن جميع ذلك الحشد الخفي، التقاة منهم والفجار، شجعوها على التقدم.
صرخ جودمان صرخة يائس مكروب “فيث! فيث! “وتردد صدى صوته في أنحاء الغابة “فيث” “فيث” كما لو أن كل الأشرار الحائرين كانوا يبحثون عنها في الأرجاء، فيما استمر عويل الحزن والذعر والغضب يخترق الليل.
والزوج التعس قبض أنفاسه كردة فعل. وبغتة علا صخب وضجيج من الأصوات العالية التي تلاشت بعدها في أصوات ضحك بعيدة، حينها انقشعت السحابة السوداء، تاركة السماء صافية وصامتة فوق جودمان براون. إلا أن شيئا ما رفرف بخفة في الهواء وعلق بغصن شجرة. انتزعه الشاب فأبصر شريطا ورديا.
بعد أن وقف مشدوها لبرهة صرخ: “هلكت فيث!”. ” لا خير على الأرض؛ وليست الخطيئة سوى اسم، تقدم أيها الشيطان، فقد وُهب لك هذا العالم”. وقاده القنوط والغضب للضحك بهيستريا فجلجلت ضحكته لبرهة ثم تناول جودمان براون عصاه وانطلق مرة أخرى، بحيث بدا كأنه يطير طيرانا على طول طريق الغابة بدلاً من المشي أو الجري.
ازدادت الطريق وحشة وغموضا وتلاشى المسار أمامه، تاركًا إياه في قلب البرية المظلمة، ولكنه استمر يهرول إلى الأمام تقوده تلك الغريزة التي توجه الإنسان الهالك نحو الشر. امتلأت الغابة بأكملها بالأصوات المخيفة – صرير الأشجار، وعواء الوحوش البرية، وصراخ الهنود؛ وبدا عويل الرياح كقرع جرس لكنيسة بعيدة تارة، وتارة يتحول إلى صياح صاخب في وجه المسافر، كما لو أن الطبيعة كلها تضحك عليه ازدراء. ولكنه مضى غير آبه بالأهوال إذ كان هو نفسه زعيم الرعب في المشهد.
هههههههههه قهقه جودمان براون حين سمع ضحكات هدر الرياح، “دعونا نسمع من سيضحك بصوت أعلى لا تظنوا أن بمقدوركم إخافتي بمكركم. تقدمي أيتها الساحرة، تقدمي أيتها المشعوذة، أيها الهنود الملاعين تقدموا، تقدم أنت أيها الشيطان، ها قد أتى جودمان براون الذي عليك أن تخشاه كما يخشاك.
في الحقيقة، لم يكن هناك من رعب يفوق مظهر جودمان براون في تلك اللحظة في جميع أنحاء الغابة المسكونة. وهو يهرول بين أشجار الصنوبر السوداء، ملوحاً بعصاه بإيماءات مسعورة طوراً، ومنفساً عن نفسه بإلقاء عبارات كفر بشعة طوراً آخر. والآن دوت ضحكته فشرعت كل أصداء الغابة بالقهقهة حوله كالشياطين.
وهكذا دفعت به روح الشيطان لإكمال دربه، فتقدم إلى أن رأى وهجا أحمر، يرتجف بين الأشجار، كأن ناراً عظيمة أضرمت في الجذوع المتهاوية والفروع المتساقطة، والتي ترمي بشررها عاليا نحو السماء عند منتصف الليل.
تريث قليلا، في هدوء من العاصفة التي دفعته إلى الأمام، وأنصت إلى موجة بدت كترنيمة، تناهت من بعيد بوقار مثقلة بالعديد من الأصوات. استطاع تمييز اللحن، إنه اللحن المعتاد لجوقة بيت العبادة في قريته. خفت المقطع تدريجيا بنغمة مطولة للجوقة، لم تكن أصواتا لجوقة بشرية، وإنما كانت أصوات البرية المتوحشة تدندن في تناغم فظيع معًا. صرخ جودمان براون ولكن صرخته لم تصل حتى لسمعه إذ تماهت مع صرخة الفلاة.
ثم في فترة فاصلة من الصمت تسلل إلى الأمام حتى توهج ضوء ساطع أمام عينيه. فرأى أمامه مساحة مفتوحة، مطوقة بجدار مظلم من أشجار الغابة، وعند الطرف نشأت صخرة طبيعية، تحمل بعض الشبه لمذبح أو لمنبر بدائي، وتحيط بها أربع أشجار صنوبر، قممها مشتعلة، وسيقانها لم تمسها النار، فبدت كشموع الاجتماعات المسائية. وأضاء المكان بالكامل اضطرام النار في كومة النباتات النامية على قمة الصخرة، فقد اشتعل كل غصن صغير بأوراقه الغضة وزهوره المتدلية. ومع نشوء الضوء الأحمر انبثق حشد كبير، ثم اختفى باختفاء الضوء وخبوته، وظهر بالتعاقب مرة أخرى من الظلام مع التماع اللهب، فامتلأ قلب الغابة المهجورة في آن واحد.
قال جودمان براون “جمع مهيب متلفع بالظلمة ” وكان كذلك حقا.
ظهرت بين الجمع وجوه تهتز جيئة وذهابا باهتزاز سنا النار وغيابه، وجوه ستُرى في اليوم التالي ضمن هيئة المجلس التشريعي للمحافظة، وآخرون كانوا يتطلعون إلى السماء بإخلاص سبتا بعد سبت ويجلسون على مقاعد بيت العبادة المزدحمة بأقدس النبلاء في الأرض. وحتى أن البعض أكد أن زوجة الحاكم كانت هناك. على الأقل، كانت هناك امرأة ذات مقام رفيع ومعروفة جدا، وزوجات لأزواج موقرين، وأرامل، وعدد كبير من العذارى، وبنات من عائلات عريقة، جميعهن ينعمن بسمعة حسنة، وهناك الفتيات الصغيرات اللواتي يرتعدن خشية أن تلمحهن أمهاتهن. أصاب جودمان براون الذهول، سواء بسبب بريق الضوء المفاجئ اللامع فوق الحقل الغامض، أو تمييزه لثلة من أعضاء الكنيسة في قرية سالم المعروفين بورعهم في مكان كهذا.
وها قد وصل الشماس العجوز الطيب جوكين، وانتظر بجانب عباءة القديس المبجل. ولكن كيف لهؤلاء الناس الأجلاء الأتقياء، وشيوخ الكنيسة وهذه النساء العفيفات والعذارى النضرات أن يختلطن بلا ارتياب، برجال فسقة يحيون حياة ماجنة، ونساء سيئات السمعة، هؤلاء الحثالة الذين أقدمو على كل رذيلة وضيعة وحتى أنه يشتبه بارتكابهم جرائم بشعة. إذ كان غريبا أن نرى أن الصالحين لم ينفروا من الأشرار، ولم يشعر العصاة بالخزي أمام الأولياء الصالحين. وهناك الكهنة الهنود أيضًا، كانوا مبعثرين بين أعدائهم شاحبي الوجوه، والذين كانوا يرعبون وطنهم الغابة في كثير من الأحيان من خلال تعويذات أكثر بشاعة من أي سحر إنجليزي معروف.
تصاعد مقطع آخر من الترنيمة حزين وبطيء اللحن، كالابتهال الديني، مصحوب بكلمات تعبر عما يمكن لطبيعتنا أن تحمله من شر، وتوحي بما هو أكثر من ذلك، بما لا يمكن للبشر الفانين أن يسبروا غوره إنما هو ملكة للشياطين وحسب. أبيات وأبيات غنت ولا تزال جوقة الفلاة يتعالى صوتها كأعمق نغمة لآلة أورج؛ ومع الإيقاع النهائي لهذا النشيد الرهيب، ظهر صوت، كأنه زمجرة الرياح، كدفق السيل، وكعواء الوحوش، وكأن كل أصوات الحياة البرية المتنافرة أصبحت متناغمة مع صوت لرجل مذنب واحد إجلالا لأمير الجميع.
عندها ألقت أشجار الصنوبر الأربع المشتعلة نيرانًا علوية، فكشفت أشكالا وملامح مرعبة تشكلت بشكل مبهم على سحابة الدخان فوق التجمع الضال. في نفس الوقت، انطلقت نار حمراء من على الصخرة وشكلت قوسًا متوهجًا فوق قاعدتها حيث ظهرت الآن شخصية. رغم الوقار البادي عليها، لا تمت بأي شبه ولو بسيط، لا في الزي ولا في الأسلوب لرجال الدين المهمين في كنائس نيو إنجلاند. ودوى صوت عبر الساحة وتردد صداه خلال الغابة “اخرجوا المرتدين!”
عند ذلك، خرج جودمان براون من ظل الأشجار واقترب من الجماعة التي شعر تجاهها بأخوّة بغيضة وبتعاطف كل الشر في قلبه.
ويكاد يقسم الآن أن شكل والده الميت كان ينظر إليه من ألسنة الدخان أعلاه ويشير إليه أن يتقدم، بينما قامت امرأة، قاتمة قسمات الوجه من أثر القنوط بالإشارة له بيدها بالرجوع والحذر. هل كانت أمه؟ لكنه لم يقو على التراجع ولو خطوة واحدة، ولا حتى التفكير في المقاومة، فقد استولى القس والشماس الصالح جوكين على ذراعيه وقاداه إلى الصخرة الملتهبة.
وجيء أيضًا بهيئة لأنثى نحيفة مغطاة الوجه ، وكانت تقاد من قبل امرأتين، جودي كلويز، معلمة الدين المسيحي التقية، ومارتا كاريير التي تلقت وعد الشيطان بأن تكون ملكة للجحيم14*. وقد كانت العفريتة الشمطاء الصارمة بينما وقف المرتدون جميعا تحت ظللال النار.
قال الشكل المظلم: “مرحباً يا أولادي، في اجتماع بني عرقكم. هذه فطرتكم التي جبلتم عليها وهذا قدركم. أيا أولادي، انظروا خلفكم!”
فالتفتوا، وتوهج على وجوههم لمعانه كأنه لوح من اللهب، وبرز أتباع الشر وقد أشرقت ابتسامة ترحيب غامضة على محياهم جميعا.
فاستأنف الشكل المظلم: “هنا، كل من عظمتموهم منذ صغركم، وخجلتم أمام صلاحهم من خطاياكم واعتبرتموهم أقدس من أنفسكم، ورأيتم في حياتهم الصالحة وتضرعهم الصادق نحو السماء، النقيض من أنفسكم، ها هم جميعا هنا مجتمعون لعبادتي.
في هذه الليلة، ستمنحون فرصة لمعرفة أفعالهم السرية: “كيف همس شيوخ الكنيسة الذين شابت لحاهم بكلمات الفحش الخليعة للخادمات الشابات في منازلهم؛ وكم من امرأة تاقت لثياب الحداد، سقت زوجها شرابًا عند وقت النوم، وتركته لينام نومته الأخير في حضنها، وكيف تعجل شبان مردان لوراثة ثروة آبائهم؛ وكيف أن الفتيات الجميلات العفيفات – بلا خجل – ، حفرن قبورًا صغيرة في الحديقة ، وكنت المدعو الوحيد لجنازة كل طفل رضيع منهم. إن قلوبكم الإنسانية تتجانس مع الخطيئة لذا يتعين عليكم أن تقتفوا أثرها في جميع الأماكن – سواء في الكنيسة أو حجرة النوم أو الشارع أو الحقل أو الغابة – حيث تم ارتكابها، ويتعين عليكم أن تتهللوا لرؤيتكم الأرض كلها وقد غدت بصمة عار واحدة من الإثم. بقعة دم واحدة داكنة. وأكثر بكثير من هذا. يجب أن تستبطنوا في كل نفس سر الخطيئة العميق، معين الشر، والمنشأ لبواعث لا تنضب من فنونه الأقوى من قوة البشر ومن قوتي التي تتجلى في الأفعال. والآن يا أولادي، انظروا إلى بعضكم بعضا، ففعلوا ذلك؛ وعلى بريق مشاعل أوقدت من الجحيم، رأى الرجل البائس زوجته فيث، ورأته هي، فارتجفا أمام ذلك المذبح الوثني.
ثم أردف ذلك الشكل، بنبرة عميقة ومؤثرة، تكاد تعكس حزنًا ويأساً مرا، كما لو أن طبيعته الملائكية ، ما زالت قادرة على أن ترثي على عرقنا البائس، “أيا أبنائي الواقفين هنا “. “بالاعتماد على قلوب بعضكم البعض، ما زلتم تأملون في أن الفضيلة لم تكن كلها حلمًا. أنتم لم تدركوا بعد أن الشر هو طبيعة الجنس البشري. فالشر يجب أن يكون سعادتكم الوحيدة. أهلاً بكم مرة أخرى، أبنائي، في بني جنسكم.
” أهلا “” كرر المصلون الأشرار في صرخة يأس وانتصار في آن معا.
ووقفا هناك، الزوجان الوحيدان، على ما يبدو، اللذان كانا مترددين بعد على حافة طريق الشر في هذا العالم المظلم. كان هناك تجويف كحوض، تشكل طبيعيا في الصخرة واحتوى سائلاً، أهو ماء محمر لانعكاس الضوء الخافت؟ أم كان دما؟ أو ربما، حميم سائل؟ غطس شكل الشر يده في هذا السائل واستعد لوضع علامة المعمودية على جباههم، حتى يكونوا شركاء في سر الخطيئة، وأكثر وعياً بذنوب الآخرين السرية، الأفعال والأفكار سواء بسواء، أكثر مما أمكنهم قبلا من تلقاء أنفسهم، ألقى الزوج نظرة واحدة على زوجته الشاحبة، وبادلته فيث النظرة، ما الذي ستفضحه النظرة التالية لبعضهما من شرور وذنوب دفينة، وارتجفا مما أبصراه ومما انكشف لهما.
صاح الزوج “فيث! فيث!” ، “انظري إلى السماوات، تذكري الجنة، وقاومي الأشرار”
هل امتثلت فيث أم لا، لا علم له. فبالكاد نطق وعندها وجد نفسه وسط العزلة والليل الهادئ، سامعا صوت هدير الرياح خلال الغابة يخفت شيئا فشيئا. ترنح على الصخرة، وشعر بها باردة ورطبة؛ وانتثرت على خده قطرات ندى باردة من غصين متفحم متدل أعلاه.
في صباح اليوم التالي دخل الشاب جودمان براون شارع قرية سالم بتثاقل، يحدق فيما حوله كالحائر. أثناء ذلك كان القس العجوز الطيب يتمشى على طول المقبرة ليجدد شهيته للفطور، مستغرقا بالتفكير في خطبته الوعظية. وعند مروره بجودمان براون منحه بركاته فتنحى جودمان عن القديس الموقر كأنه يتفادى اللعنة. بينما الشماس العجوز جوكين كان مستغرقا في صلاته المنزلية وسمعت كلمات صلاته المقدسة من خلال النافذة المفتوحة. ” لأي إله يصلي الساحر؟ ” ردد جودمان براون. أثناء ذلك كانت السيدة كلويز، تلك العجوز المسيحية الرائعة، واقفة عند شروق الشمس تحت عريشها الخاص، تلقن مبادئ الدين المسيحي لفتاة صغيرة جلبت لها نصف لتر من حليب الصباح. فانتزع جودمان براون الطفلة انتزاعا وكأنها كانت في قبضة الشيطان نفسه وأبعدها عنها. وعند المنعطف قرب دار العبادة، لمح رأس فيث، بالشرائط الوردية، تلحظه بلهفة، ثم رآها تهرع إليه عبر الشارع يملؤها الفرح، وأمام كل أهل القرية تقريبا قبلته. لكن جودمان براون نظر بحزن وحزم إلى وجهها، ورحل بلا تحية.
هل غفا جودمان براون في الغابة ولم يكن اجتماع السحرة غير حلم غريب راوده؟ سواء كان الأمر كذلك أم لا، فواحسرتاه! كان الحلم نذير شؤم على الشاب جودمان براون. فقد تغير حاله من تلك الليلة فأصبح من حينها رجلًا غارقاً في الريبة، إن لم يكن اليأس، صارمًا، حزينًا، وتستغرقه التأملات السوداوية، وفي كل سبت، حين تنشد الجماعة مزمورًا مقدسًا، لا يحتمل الإنصات إليه ، لأن نشيد الخطيئة يصم أذنيه ويطغى على الأصوات المباركة. وعندما يخطب القس من على المنبر، فاتحاً الكتاب المقدس أمامه، عن الحقائق المقدسة لديننا، وعن الأرواح الشريرة وعن غلبة الموت، وعن النعيم أو العذاب الأخروي الذي لا يطاق، حينها يتحول لون جودمان براون ويغزو وجهه الشحوب، خشية أن ينهار السقف على هذا الكافر العجوز وسامعيه. وفي كثير من الأحيان، يستيقظ فجأة في منتصف الليل، ويتملص من حضن فيث. وعندما تبتهل العائلة في الصلاة صباحاً ومساء يتجهم وجهه، ويهمهم في نفسه، ويحدق بدقّة في زوجته، ثم يشيح بوجهه عنهم. ولما مات بعد حياة طويلة حمل إلى قبره جثة بالية وتبع جنازته أبناءه وأحفاده وفيث التي غدت امرأة عجوزا وثلة غير قليلة من الجيران فكان موكبا مهيباً، ولكن أحدا منهم لم يقل عبارة واحدة تخلد ذكراه ولا حتى كلمة وقد وافته المنية في ساعة كئيبة.
الهوامش
1 – تم نشرها لأول مرة في مجلة نيو إنجلاند، أبريل 1835م، والنص المترجم منه منشور في موقع كلية جوردن ستات:
http://faculty.gordonstate.edu/lsanders-senu/Young%20Goodman%20brown.pdf
2 – أخذت أحداث القصة من وقائع تاريخية وقعت في النصف الثاني من القرن السابع عشر في بلدة سالم، وهي بلدة تقع شمال شرق بوسطن في مستعمرة خليج ماساتشوستس. أسسها المستوطنون البيوريتانيون في عام 1626م، تحت اسم نومكايج. بعد عدة سنوات تغير اسمها إلى سالم، وهو اسم أخذ من كلمة شالوم العبرية، بمعنى السلام. تقع أحداث القصة قبل محاكمات السحرة في سالم بفترة وجيزة، التي عقدت في ربيع وخريف عام 1692م. وخلال هذه المحاكمات سيئة السمعة، تمت إدانة عشرين رجلا وامرأة أبرياء بتهمة السحر وتم إعدامهم، يستخدم هوثرون أسماء لشخصيات حقيقية ويشير لأحداث تاريخية في حبكته الخيالية.
3 – يشير الكاتب هنا إلى معنى اسم فيث وهو “إيمان “، كما أن اسم البطل يعني ” الرجل الصالح “ويتكرر التلاعب بدلالة الأسماء في عدة عبارات في النص.
4 – وليام الثالث ملك إنجلترا من عام 1689م إلى عام 1702م
5 – يقصد بالشهداء البروتستانت الذين أُعدموا في إنجلترا في عهد الملكة ماري في عام 1550م.
5 – التطهيرية حركة دينية نشأت في إنجلترا في القرنين السادس والسابع عشر، وهم أول من أطلق عليهم تسمية الأصوليين حيث
رمزت الكلمة إلى التعصب والتزمت والانغلاق الديني.
6 – الصاحبيون أو جمعية الأصدقاء الدينية، هي حركة دينية مسيحية منبثقة عن البروتستانت، نشأت في إنجلترا في القرن السابع عشر الميلادي و في 1659، تم جلد خمسة من الكويكرز المتجولين، بما في ذلك امرأة تدعى آن كولمان، عبر قرية سالم و بوسطن و ديدهام بأمر من وليام هوثرون، قاضٍ سالم وكان أول رجل من نسل عائلة هوثورن في العالم الجديد(أميركا)
7 – قاد الكابتن ويليام هوثرون، الابن البكر للقاضي، سرية سالم في حرب الملك فيليب وساعد على إحراق قرية هندية.
8 – أدينت سارا كلوز بكونها ساحرة وكانت في السجن بانتظار الحكم في 1692م عندما انتهى اضطهاد السحرة. تمت مقاضاتها واستجوابها من قبل القاضي جون هوثرون، ابن ويليام هوثرون والشخصية المركزية في محاكمات سالم
9 – مارثا كوري أدينت بالسحر وتم شنقها في محاكمات السحر عام 1692
10 – نباتات كان يعتقد باحتوائها على قوى سحرية
11 – تم شنق مارثا كاريير بتهمة السحر في محاكمات السحرة في عام 1692. وقد صاح كوتن ماثر ساعة شنقها، “هذه هي الساحرة الشمطاء التي وعدها الشيطان بأن يجعلها ملكة للجحيم”