رضا الأبيض*
يعتبر التراثُ في أحد معانيه الثقافة الموروثة عن السلف، والتي يهددها التغيير والنسيانُ. ولذلك كانت ولادة علم الفلكلور في أوروبا خلال النصف الأوّل من القرن التاسع عشر رغبة في المحافظة عليه وادراجه ضمن نسق الحياة اليومية والاختيارات المستقبلية. ولقد ظلّ هذا العلم، كما هو معلوم، يناضلُ ليبنيَ عدّته النظرية وليكتسبَ الاعترافَ الأكاديميَّ به باعتباره الدراسة العلمية التي تهتم بالثقافة الشعبيّة والتقليدية ممارساتٍ وأشكالاً ومواقفَ من زوايا نظر مختلفةٍ تاريخيةٍ وجغرافيةٍ ونفسيةٍ..
بيد أن الفلكلور لم يكن الوحيد الضامن لاستمرار التراث والمحافظة عليه، إذ اعتنت به فنونٌ عصرية كثيرة، كالصنائع والعمارةِ والسينما،وفنونُ القول الأدبيّ شعرًا وقصة ومسرحًا، فحافظت عليه واستثمرته وأعادت إنتاجَ عناصرِه ومكوّناتِه.
إنَّ إعادة إنتاج الأدبِ للعناصر التراثية لا شك يمثلُ جزءًا من حركة إعادةِ إنتاجِ التّراث واحيائِه ، وهي المسألةُ الكبرى التي شغلت المهتمين والباحثين من الناحية المنهجيّة ومن ناحية الكيفياتِ والجدوى، خاصة في أزمنة التحوّل الكبرى، وفي أوقاتِ الشعورِ بالأخطارِ التي تهدّد الأمة ، الناتجةِ عن التطور التكنولوجيِّ أو عن ظواهرَ مثل الهجرة والتغيراتِ الاقتصادية (1).
ويبدو أنّ استمرارَ العناصرِ التراثية خاصة القولية منها لا يكونُ إلاّ في شكلِ إعادة تصرّفٍ وكتابةٍ جديدة أو تحريفٍ بسبب شفويتها، ولأنها أيضا ملكٌ جماعيّ (2).
في هذا السياق يمكن أنْ نقرأ عددًا غير قليلٍ من الرّوايات العربية التي حاول إدوار خراط في كتابه “الحساسية الجديدة” أنْ يجد لها وصفا جامعًا فسمّاها: “روايات استيحاء التراث”. وهي رواياتٌ شديدةُ التنوع من جهة العناصرِ التي استثمرتها ومن جهة كيفياتِ التوظيفِ ومقاصدِه.
وبغضّ النظر عن مناحي الاختلافِ تلك، فإنّ هذه العناصرَ التي نخافُ عليها الامّحاءَ والنسيان في واقع الحياة اليوميّة تعود كلّها أو بعضُها فتطلُّ علينا من جديدٍ من كواتِ الفنون والصنائع العصرية، فتضمن حضورًا على نحوٍ جديدٍ ” هنا والآن”.
في هذه الورقة البحثية نسلّط الضوءَ على ظاهرة التناصِّ بين نموذج من الرّواية العربية (3) وعناصر التراث الشعبيّ، ونحاول أنْ نكشفَ عن مواطن الطرافة والإبداعِ، وعن أهمية مثل هذه الاستعاداتِ الفنيّة المخصِبة للجنس الروائيِّ من جهة والمُحَافِظَةِ على العناصر التراثية من جهةٍ ثانية في زمنِ العولمة، زمنِ سيطرةِ النموذج الواحدِ وتداول النّسخ المتشابهة والمشوّهةِ.
ولقد اقتضى منا ذلكَ أن نبدأ بتعريف التراثِ والتراث الشعبيِّ ثم أن نعرّج على علاقة الرواية بالتراث عامّة في قسم أوّل نظريّ ، ثم أن نهتمّ وصفا وتحليلاً وتأويلا بمتن سرديّ نموذجا دالاً على حضور الثقافة الشعبية في الخطاب الروائيّ الجديد والمعاصرِ.
القسم الأول:
1 – التراث:
التراث من الجذر و.ر.ث، ويعني ما يخلفه الرجلُ لورثته من مالٍ وعلمٍ وحسبٍ؛ ولذلك فهو ماديّ ومعنويّ ثقافيّ.
ولقد اعتبر الزمخشري الاستعمال الثاني على المجاز. ثم اتسعت معاني اللفظِ في المعاجم الحديثة فصارَ يشير إلى عناصرَ كثيرةٍ كالعادات والتقاليدِ والصنائعِ القديمة والكتب المؤلفة والفنونِ الشّفوية الموروثة، التي تنتقل من جيلٍ إلى جيلٍ، وتساهم في بناءِ وحدة الثقافة وخصوصيتها.
ويعرّف معجمُ اللغة العربية المعاصرة التراث باعتباره ” كلّ ما خلفه السّلفُ من آثار علميّة وفنّية وأدبيّة سواء ماديّة كالكتب والآثار وغيرها، أم معنويّة كالآراء والأنماطِ والعاداتِ الحضارية المنتقلة جيلاً بعد جيل ممّا يعتبر نفيسًا بالنسبة إلى تقاليد العصر الحاضر وروحِه(4).
ولعلّ ما يمكن أن يلاحظه الباحثُ هو التّداخلُ في بعض الدراساتِ بين مصطلح التّراث ومصطلحاتٍ قريبة منه مثل الحضارة والتاريخ والماضي والعادات. وهو ما يحتاج إلى ضبطٍ وتدقيق.
أما في الواقع فإن كلّ الثقافاتِ، قديمًا وحديثا، تقاومُ المحوَ والنسيانَ والتهميشَ من أجل أنْ تبقى وأنْ تستمرّ مكوّنا من مكوناتِ فسيفساء العالم؛ وذلك بكلِّ ما يتوفّر لها من إمكانياتٍ ووسائلَ كالنحتِ على الصخر والكتابة والترجمة، وبناء الجدران العازلة التي غالبا ما يُتوهّم أنها تمنع الانقراضَ وتحُول دون الذوبانِ.
وتعدّ اللغةُ إحدى أهمّ مكونات الثقافة. وهي بقدر ما تكونُ موضوعَ مقاومة تكون أداتَها. فاللغة إحدى أهمّ وسائل إنتاجِ الثقافة والمحافظة عليها وتداولِها؛ في نسيانِها نهايةٌ للثقافة وفي استمرارِها وصمودِها استمرارٌ للثقافة وللذاكرة الجماعية والهوية الجامعةِ.
والواقعُ، أنّ اللغة التي نعنِي ليست المفرداتِ التي يحتويها المعجمُ، بل هي أنواعُ الخطابِ التي تتشكّل من الألفاظ سواءَ كانت شفويةً أو مكتوبةً، قصيرة موجزة أو طويلةً.
وبوسعنا، في هذا المقامِ، أنْ نذكر عددًا من أشكال الخطاب التي وإن لم تعد جزءًا من ثقافة اليوم إنتاجًا وتداولاً، إلاّ إنها حافظت على الثقافة في إحدى دورات التاريخ ومراحلِه المتعاقبة، فلم تنسحبْ نهائيا إلاّ حينما خلَفَتْها في لعبِ الدور نفسِه أشكالٌ جديدةٌ، في حركة تعاقبٍ وتبادلِ أدوارٍ مستمرّةٍ ( الحكاية المثلية، النادرة، المقامة، الأغراض الشعرية القديمة..) .
وانطلاقا من أواخر القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، وفي علاقة بتحولاتٍ مجتمعية جذرية نشأت الرّواية العربية خطابًا لغويّا سرديّا ومتخيلاً جديدا، قطع في هدوءٍ مع الأشكالِ التراثية حوارًا وتجاوزًا، ثم توسعت تدريجيًّا دائرة تداولُه إلى أنْ اعتلت الروايةُ في الستينيات عرشَ الفنون المكتوبة، وصار العصرُ يوسم بكونه عصرَها.
التراثُ الشعبي:
بسبب ارتباطِ التراثِ بالماضي، فإنه غالبا يطرحُ تحدياتٍ فكرية ومنهجيةٍ يبدو أنَّ التغلّب عليها عسيرٌ، بسبب ضعفِ عملية التركيب بين الثقافتين العربية والغربية، وبسبب ضعف التمثلِ المعاصرِ لعناصر التراث وبنياته. تقول الناقدة سيزا قاسم: ” لكي يخرج الفنانُ العربيّ من المأزق الذي يعيشُ فيه يجبُ أنْ يتمثل التراثَ تمثّلا حديثا، بمعنى أنه يجبُ أنْ يستخلص البنياتِ التراثيةَ ويستوعبها ثم يعيدُ صياغتها في قالبٍ جديٍّ، بحيث يصبحُ التراثُ مصدرًا للاستعاراتِ والرموز والنماذجِ العليا التي تعبّر عن الحساسيّة العربيّة الحديثة وتشكّلها في آن واحدٍ” (5).
ويُقسّم التراثُ إلى ماديّ وغير ماديّ. ويعتبر” التراث الشّعبي” في بعض التعريفات مرادفًا للـ” الثقافة الشعبيّة” و”التراث غير الماديّ” و”الفلكلور” و”الأدب الشعبي”. وعادة ما يشمل العاداتِ والتقاليدَ والأدبَ كالشعر الشّعبي والسّير والقصص، والفنون مثلَ الرقص الشّعبيّ والموسيقى الشعبية، والمعتقدات والأغاني.. في مقابل التراث الماديِّ، الذي من مرادفاته الثقافة المادية التقليديّة أو الشعبيّة، والتي تشملُ الحرفَ والأدواتِ والأزياء والعمارة ..
ولقد وجد الفنانون عامة والروائيون، على وجه التحديدِ، في التراث الثقافيِّ عامة والشعبيِّ بأنواعه (6) مجالاً واسعًا وثريا ؛عادُوا إليه ووظفُوه في بناء عوالم رواياتهم أحداثا وفضاءات وشخصيات .. لا باعتبار العودة إلى التراثِ ضرورة حضارية فحسبُ، وإنّما باعتبارها ضرورةٌ فنّية أيضًا (7).
فما هي خصائصُ التراثِ الشعبيِّ؟ وما هي أهمُّ عناصره؟ وكيف حضرت في خطابِ الرّواية العربيّة؟ وما دلالة هذه الاختياراتِ؟ وما هي آثار التوظيفِ الرّوائيّ لهذه العناصر على الرّواية وعلى التراث والثقافة؟
تلك بعضُ الأسئلة التي تحاولُ هذه الدراسة إثارتها والتفكيرَ فيها.
الرواية العربية والفلكلور : البدايات
إنّ الرواية العربية منذ نشأتِها كانت فنا تجريبيّا في الثقافة العربيّة ” تداخلَ مع أنواعٍ من السّرد التاريخيّ والشّعبي، الدينيِّ والعجائبي، يشبعُ شهوة القصّ في المجتمعات الشفاهية في رواية الأخبار والآثار من ناحية واختلاق الأكاذيب المتخيلة […] من ناحية أخرى” (8). وهو تداخلٌ خصْبٌ لا يزال مستمرًا وإنْ تغيرت أشكالُه ورهاناتُه بتغيّر الظروف والأوقاتِ.
ولذلك، فإنّ اشتباكَ الخطابِ الرّوائيِّ بالتاريخ وانفتاحَه على التراث الشّعبي، حوارًا وتوظيفا وتجاوزًا، قديمٌ قِدَمَ الرّواية العربيّةِ.
يقول الناقد سعيد يقطين: ” إنَّ الرواياتِ الأولى كانت تحمل، إلى جانب ذلكَ ( التفاعل مع الإبداع السردي الغربي) بعضَ بوادرِ التفاعلِ مع التراث الحكائيِّ والسّردي العربي، وخاصة من خلال استثمارِ بعض التقنيات الحكائية المنقولة من بعضِ الأنواع الحكائية العربيةِ كالمقامة مثلا وحكاياتِ الليالي والقصص الدينيّ أو بعض الأشكالِ الحكائية الشّعبية على نحوِ ما نجدُ في حديث عيسى بن هشام للمويلحي وليالي سطيح لحافظ ابراهيم..”(9).
وبدايةً من الستينات يبدأ تفاعلُ الروائيين العرب مع التراث من منظوراتٍ مختلفة عن فترة البداياتِ، وتكتسبُ التجاربُ طابعَها المتميّزَ مستفيدة من التراكم النصّيِّ ومن التحولات العميقةِ والانفتاحِ على التجاربِ العالمية.
ولقد سجّل تاريخُ الرواية ظهورَ أعمالٍ صارت اليومَ علاماتٍ على هذا الاتجاه الإبداعيِّ وهذه الحساسيّة الفنّية، نذكر منها، على سبيلِ الإشارة فحسبُ، أعمالَ يوسف إدريس ومحمود المسعدي الطيب صالح وعبد الحميد بن هدوقة (10) وجمال الغيطاني وواسيني الأعرج وإبراهيم الكوني وعز الدين جلاوجي (11) وإبراهيم الدرغوثي وعلي أبو الريش (12)، وأحمد التوفيق (13)..
والحقيقة، إنه قلّما نجد رواية عربيّة لاَ تعود إلى الموروثِ الشّعبي العربيّ والمحلّي أجناسًا وقضايا، ولا تستعين به وتنهلُ منه، وإن كانَ حجمُ الإفادة وغايةُ العودةِ يختلف من رواية إلى أخرى اختلافًا جعل بعضَ النقاد يميّزون رواياتِ “التأصيل التراثي” عن سائر الرّواياتِ الأخرى.
وللتراث عامة والتراثِ الشعبيِّ على وجه التحديد أشكالُ حضورٍ كثيرةٌ في الرّواية يمكن أن نذكر منها: الأقوالَ المأثورة والحكاياتِ الشعبية والخرافاتِ والفنونَ الشعبية القوليةَ والحركية والعاداتِ.. وهي كلها أشكالٌ في التعبير وأنماطٌ من السلوك موروثةٌ تعبّر عن تجاربِ السّلف وقيَمِه ورؤاه يستدعيها الرّوائيُّ كما هي ولكن في سياقاتٍ جديدة ، أو يستلهمُها ويعيدُ صياغتها فتبدُو جديدةً..
لقد تقاطعَ في حركة تناصِّ الرواية العربية مع التراثِ العربي النخبويِّ والشّعبي على مستوى المتن والمبنى اتجاهان اثنان: الأوّل تسجيليٌّ دافعُه الحنينُ إلى أمجاد الماضي؛ يعيد إنتاجَ الرموزِ والأشكالِ والمواقف، دون أنْ يُجري عليها تغييرًا يُذكر، والثاني إبداعيٌّ تجاوزيّ يستلهم تلك العناصرَ ويتصرّف فيها على نحوٍ يجعلها جديدةً معاصرةً. ذلك ما يفصح عنه الناقدُ مراد مبروك في قوله:” إنّ التراثَ الذي استلهمه الكتّابُ في رواياتهم نوعان: نوعٌ تسجيليٌّ وقف فيه الكاتبُ عند حدّ رصد وتسجيل هذا النمط التراثيِّ في شكل روائيٍّ ليعبّر من خلاله عن الرغبة في بعثِ أمجاد الماضي. وفيه يتمثل الكاتبُ التراثَ قبل الواقع […] ونوع تعبيريٌّ استلهمه الكتابُ ليكونَ أداةً تعبيريّة عن الواقعِ المعيش […] خاصة في مرحلة الستينات وحتّى وقتنا الحالي”(14).
ومهما يكنْ من اختلافٍ بين النّقاد في أمر التعريفاتِ والرّيادة والتّطور والاتجاهاتِ، فإنّ الرّواية عامة والروايةَ العربيةَ منذ نشأتها الأولى كانت خطابًا حواريًّا قادرا على التقاطِ المتباعدِ من العناصرِ والمتنوّعِ من الأفكار والمتعدّد من الأشكالِ والرؤَى.
ولقد كان لسياق ظهورِها وما رافق تطوُّرَها من تحولاتٍ مجتمعية وسياسية عميقةٍ تأثيرٌ على اهتمامِها بالتراث بأنواعه الماديّ وغير الماديّ، الأدبيّ والتاريخيّ والدينيّ والشعبيّ، سواء على مستوى الشّكلِ والصياغة أو على مستوى المضامينِ والقضايَا.
القسم الثاني :
تجليات حضور التراث الشعبي في ” أرض السودان الحلو والمرّ ”
إنَّ المتتبعَ لتجربة السّوداني أمير تاج السر ( 1960- ) الروائيّة يلاحظ أنها تقومُ على أطروحة أساسية تتمثّل في أنّ الكتابة هي بالأساس تذكّر وتخييل لعناصر المحليّ فضاءً وثقافة انطلاقا من كون المحلية مقوم الخصوصية، وهي المنطلق إلى العالمية. ولذلك كان في كل مشروعه الروائي يجتهدُ في أنْ يجمع بين عناصرَ واقعية وتاريخية يستقيها من تجربة ثريّة قراءة ومعايشةً ، وبين قدرة على إعادة التركيبِ والتنسيق بما يخفّف من تاريخية تلك العناصر ويكسبها أبعادًا جديدة تحرّرها من أسرِ الواقعية الفجة (15).
إنّ روايات تاج السرّ، حقيقة، مكتظةٌ بالمعلوماتِ والمعارفِ التي درّبَ الروائيُّ نفسَه على جمعها من مصادرَ مختلفةٍ شفوية ومكتوبةٍ أضفت، وقد ركّبها في مبانيَ روائيةٍ متنوعةٍ، على تجربتِه الإبداعية خصوصية، تجلت خاصة في:
أ- الاعتماد على اللغة المحكية أو الأسلوبِ الشفويّ في الكتابة، وهو أسلوبٌ يتميّز بالإيجازِ والسّرعةِ والتخلص من ثقل البلاغة التقليدية، وتجنب الاسهابِ، وقصد الوضوح.
ب- وفي ثراء العالمِ الروائيِّ بتعدّد القضايا وتنوّع الشخصياتِ والأحداثِ والتجاربِ والبيئاتِ.
ت- وتوظيفِ التجربة الذاتيّة الواقعيةِ، وبالتالي اثراءِ عوالم الرّواية بعناصرَ من السّيرة الذاتية.
ث – الإشتغالِ على المكان المحليٍّ في تفاصيلِه وفي مستوياته المختلفة، بالنّهل من وقائِع التاريخِ وعناصر التراث، وملامح الحياة الشعبيّة ، والانفتاح ، في آن، على العالم الأوسعِ والأشد تعقيدًا(16).
ولقد احتاجَ الاشتغالُ على المحليّ تاريخًا وجغرافيا وثقافةً عملياتِ حفرٍ وتنقيبٍ في مكونات الهوية وطبقاتها الأسطورية والعقائدية والسّياسية والفنيّة، وإلى الاهتمامِ بالمهمّش من الشخصياتِ والأمكنة، وإثارة الممنوعِ أو غير المفكر فيه من القضايا.
يقول تاج السرّ في حوار معه : إنَّ الروائيَّ بطريقة أو بأخرى يؤرّخ لأحداثٍ وحيواتٍ، ومدن، وطرقٍ وأحياءَ..هكذا، وشخصيّا أعودُ للروايات إذا أردتُ قراءة أحوالِ مجتمع قديم. إنّ الرواية في علاقتها بالتاريخِ نوعان: رواية تاريخية، تعيد التاريخَ كما هو يجبُ أنْ يلتزم كاتبُها بالحقائقِ، وروايةٌ هي تخيّلٌ تاريخيٌّ فيها يقوم الروائيُّ بغرس شخصياته في زمن بعيد ويبني عوالم روايته(17).
والناظر في كلّ مدونة تاج السرّ الرواية يدرك بيسر أنّها لم تكن رواياتٍ تاريخيةً ، بقدر ما كانت تخييلاً للتاريخ استفادت من عناصر الواقعِ ومن طاقةِ التراث التّعبيرية للتنويعِ على السّائد من أنماطِ الكتابة، ووسم الرّواية بطابعٍ متميّز يعبّر عن تجذرها في تربتها المحلية ومعانقتِها الأفقَ العالميّ في آنٍ..
ولقد اتخذ الموروثُ الشعبيُّ المحليّ في رواياتِ أمير تاج السرّ أشكالاً متنوّعة حكاياتٍ وأساطيرَ وأمثالاً شعبيّة وفضاءاتٍ وشخصياتٍ شديدةَ المحليّة وأجواءَ ولهجاتٍ شعبيةٍ، وأجناسًا في الكتابة تراثيةً حاوَرَها وحوَّرها ..
لقد نزّل تاج السر رواية ” أرض السودان” من جهة زمنِها القصصيِّ ضمن فترة النصفِ الأوّل من القرن التاسع عشر، زمن الاحتلالِ البريطاني المصريِّ للسودان، وهو ما جعلها تخيّلا تاريخيًّا احتاج إلى كثير من العناصر المحلّية التي صارت اليوم من التراثِ الذي آل بعضُه إلى الاندثارِ بحكم التطور الإجتماعيِّ والإقتصاديِّ وضروراتِ العولمة.
ولذلك، فمن بابِ هذه الرواية يمكن للقارئ أنْ يطلَّ على ماضِي أهل السودان وعلى تراثِهم الماديِّ والثقافيّ. فهي رواية غنيّة بعلاماتٍ أنثربولوجية بعضُها ما زال منغرسا في حياة الناس ووجدانِهم إلى اليوم.
والطريفُ في هذه الرواية أنّ استعادة التاريخِ ووصفَ التراثِ المحليِّ كان بعيونِ رحالة إنجليزي هو “جلبرت أوسمان” الراوي الذي نهض بعملية السّرد، والبطل الذي شكّل على طولِ الرواية ما يمكن اعتباره صورة الأنا ( الشرق) في عيون الآخر ( الغرب) ، رغم وعينا ، نحن القراء، بأنّ كاتبَ الرواية وخالقَ شخصياتِها هو تاج السرّ السّودانيُّ لحما ودما.
والحقيقة، إنّ تاج السرّ قد نجحَ في إقامة المسافة اللاّزمة بينه وبين بطلِ الرواية لإحداثِ الإيهامِ بالواقعية وللظهورِ بمظهر الكاتبِ المحايدِ الذي يترك كاملَ الحرية لشخصياته لتعبّر عن رؤاها ومواقفها. ولقد استعان في ذلك، كما يبدو، بعُدّة وعتادٍ هو جماعُ تجربةٍ وخبرةٍ في الحياة ومطالعاتٍ وقراءاتٍ خاصة لأدبِ الرحلة.
والناظرُ في المكتبة العالمية يجد عددًا من الكتب والتقارير الهامة التاريخية والدبلوماسية والأدبية، التي ترسم صورة لإفريقيا عامة وللسودان على وجه الخصوص، في عيون الرحالة والمستكشفين والمستعمرين. وتتضمّن معلوماتٍ غزيرةً بعضُها حقيقيّ والآخر فانتازيا وتخيّلاتٍ وأوهامًا عن جغرافيا بلادِ السّودان وعادات أهلِه وعقائدهم وآدابِهم وصنائِعهم، وأنسابِهم وأساطيرهم وسردياتهم، يتّسم كثير منها بالإدهاش والإغرابِ والعجائبية (18).
إنّنا في رواية ” أرض السودان”، وفي حركة مقابلة لـرواية ” موسم الهجرة إلى الشمال” ، نقرأ رحلةً عكسية من الشّمال إلى الجنوبِ بطلها شخصٌ مغمورٌ، أراد أنْ يثأر لنفسِه من إهانة صديقِه رامي القرص “بيتر مادوك” الذي رفض الخدمة العسكرية في السودان، وأنْ يثبت بالتالي رجولتَه المهدورة بخوضِ المغامرة، ذات حفلةٍ صاخبةٍ في أحدِ ملاهي لندن.
يستعِدّ “جيلبرت” للمغامرة فيوفّرُ مصادرَ للمعرفة بالبلاد الأفريقية الغرِيبةِ، مكتوبةً وشفويةً من خلال الاتصال بـ”هارولد سامسون” الملقب بالخبّاز والذي عمل في منظمة إنسانية لمحاربة الرقّ في أفريقيا، ثم يركبُ البحر في رحلة شاقةٍ وشائقِةٍ إلى الإسكندرية ومنها إلى “واد حلفا “، فالخرطوم.
ولا يغيب عن هذا الرّحالة المغامرِ منذ كان في لندن يستعد للسّفر وصفُ المشاهدِ الطبيعية والبشريّة والانتباهُ إلى تفاصيلِ الأشياء، والسؤال عما يبدو من الخصائصِ المميزة لأهل السودانِ سواء تلك التي قرأ عنها في الكتب أو تلك التي رآها أول مرة، والحرص على الاستزادة في كلّ آن وحين، إذْ يتعاظمُ اهتمامُه بالطبيعة والناس والعاداتِ والأشياء مذ تطأ قدماه الإسكندرية، حتّى إنه يخافُ “أن يعلق في رائحة التاريخ واشراقاتِ شعبها فينسَى المغامرةَ الكبرى” (19). وهي المغامرةُ التي ستبدأ بوصوله إلى “واد حلفا” حيث سيقيمُ بعضًا من الوقت، مع صديقِ رحلته “سيف ” ، للاستراحة في طريقه إلى الخرطوم.
يقول واصفًا من التقَاهُم من النّاسِ: ” الرجالُ يلبسون الجلابيبَ والعمائم البيضاء المشربة بحمرة الغبار، وألبسة قصيرةً من قماش شفاف فوق السراويل. لم أكن أعرفُ تسميتها في تلك اللحظة وعرفتها لاحقًا باسم (العرّاقي ) وينتعلون أحذية من جلود الدواب [..] النساء بلا زينة [..] يرتدين الثوبَ المحليّ الذي يغطي الجسد كله وتغلبُ على قماشه الألوانُ الصفراء والخضراء والبنفسجية [..] لغة التخاطب عند معظم من صادفتهم إقليميّة غريبة لا تشبه تلك اللغة التي قضيت أشهرًا طويلة أتعلمها عند الخبّاز هارولد سامسون”(20). فيكشفُ عن اهتمامٍ شديدٍ بتفاصيلِ الواقع المحليّ، وعن سعي للإحاطة بكلّ شيء: التاريخ والعادات والأساطير واللباس وآدابِ الطعام والتحية والعلاقات الحميمية وأنواع الحيوانِ والنبات، والألعاب الشعبية وفنون الزينة عند النساء وشبق الرجال، ومعتقدات الإنس والجن…
وينقل لنا الراوي حوارًا بينه وبين “عبد الرجال” عن شخصية “شرفية” الغريبةِ التي تظهرُ في الحفلات التي تقيمها ” مستكة” سيّدة النزل:
” – إنها ليست بشرا يا عثمان.. هي من الجنّ الذين يظهرون في هيئة البشر، ويكثرون في هذه البلاد. صدقني إنها الحقيقة.
لم يكن ذلك الإيضاح المختصرُ عن الفتاة شرفية الذي صدر من فم عبد الرجال قد قيل بسهولة ويسر في اليوم الثاني كما كنت أتعشم، إرضاء لفضولي الغريب. كان وليدَ إلحاح متواصل استطعت بموجبه أن أنتزعه من رجل خائف ومرتجف بعد أكثر من أسبوع على ظهور تلك الفتاة.” (21).
وتحظى اللغةُ في هذا الكلّ المركبِ، على حدّ تعريف تايلور للثقافة، بمكانة مرموقةٍ سواءَ بما هي لغةٌ طبيعية تتكوّنُ من أصواتٍ وكلماتٍ، أو بما هي علاماتُ تواصلٍ إشاريّ، انطلاقا من كون اللغة مفتاحَ الثقافة، بها ندخلُ عوالم الغرباء ونعرفُ كيفية تفكيرهم وطبيعة تمثلهم لذواتهم وللعالم من حولهم، وبها نتواصلُ معهم ونأمن شرَّهم.
ولقد بذل راوي الرواية وبطلها جيلبرت (أو عثمان زمزمي حسب التسمية الجديدة) جهدًا في تعلّم اللغة مذْ كان في لندن، ولكنَّ الفصيحَ الذي تعلّمه لم ينجدْه إذْ وجدَ لغاتٍ أخرى محليّةً، فظلّ يلاحقُ الكلماتِ ويتعلّم نطقها ويسألُ عن معناها ليفهم ويشارك في الحوار وليدوّن ملاحظاتِه.
ووصف جيلبرت ملامحَ الناس ورسوماتِ الوشم على وجوههم، ووصفَ عاداتٍ شعبية كثيرةً مثل قراءة الحظ والصاق القطع النقدية على جبين المولود، وجَلْدَ المدعوين في العرس، و”دخان المرأة” ولعبة القوة وعلاج الأمراض بالحشائش والنباتات، ووسائلَ الترفيه في الأحياء والقرى، ولغةَ الشبق وأنواعَ العطوراتِ كالكحل والمحلب، وصناعةَ البيوت من خشب وطين، وركوبَ الإبل والحمير، وأدواتِ العزف والموسيقى، ووصفَ أنواعَ الثياب وألوانَها وأشكالها، ولغاتِ الناس في البيوت وفي الأسواق، البذيئة والأنيقة. كلُّ ذلك في سياقِ رحلةٍ بقدر ما كانت بدايتُها معلومةً ظلت نهايتُها محجوبةً عن القارئ، الأمرُ الذي جعل الرّواية فعلاً مغامرةً شيّقة مفتوحةً على أكثر من مصيرٍ واحتمالٍ.
وتمثل ” حفرة الدخان”، التي لا تزال إلى اليوم تقاومُ كلّ تغيير، عادةً سودانية قديمة جدًّا منذ آلافِ السنين، وهي عبارةٌ عن حمّام بخار دون ماء من حطب الطلح، ترافقُ المرأة مباشرةً بعد زواجِها، وتمارسُها يوميّا أو أسبوعيًّا في طقسٍ يحتفي بالعطوراتِ والزيوت الطبيعية التي تجعل الجسدَ ناعما ومشتهًى.
وبغضّ النظرِ عن الفوائد العلاجية لهذه العادةِ فإنّ التحليلَ الأنثربولوجيّ يذهبُ في تفسيرها إلى علاقة السّوداني القديمة بالدخان وبالنار، وإلى دلالات النار الجنسية.
وتعتبر عادةُ جَلْد المدعوِّين للعرس أيضًا طقسًا قديما في السّودان. والهدفُ الرمزيّ منه إظهارُ الشجاعة والقدرةُ على التّحمل خاصة وأنه يُمارس على العزب في حضورِ الفتياتِ المقبلات على الزواج.
ومن الألعابِ الشعبيّة التي تمثل جزءًا من الموروث الثقافيّ الشعبيِّ، والتي وظفها الكاتبُ في بناءِ بعضِ أحداثِ الرواية وعلاقاتِ الشخصياتِ بعضها ببعض لعبةُ المصارعة بالأيدي، وهي التي فاز فيها الاعرابي سيف على عبد الرجال مرتين. في الأولى كسرَ هيبته وغطرستَه، وفي الثانية دفعَه إلى الاستسلامِ المهين وألحق به صفة ” امرأة” (22).
وفي النصِّ، في مواضعَ كثيرة، يتوقّفُ السّارد ليصفَ الملابس وأنواعَ الأطعمة والعطوراتِ والأواني والدّواب والألعابَ الشعبية ومسابحَ أهل الصوفية وأذكارهم ، ولينقل بعضَ ما كان يقصُّ الحكواتيُون، وطريقة حكيهم ، ويذكرَ بعض الأمثالِ التي بها يتمثلُ الناسُّ في مواقف من حياتهم اليومية..
يقول واصفا انسحابه من حلقة حكواتي جديد لم تقنع حكاياتُه جمهور المستمعين: ” بدأت أنسحبُ، وعشرات غيري ينسحبون، مطالبين بملاليمِهم التي دفعوها بلا استمتاع، ويصيحُ بعضُهم في غضب: كيف يأتي طفلٌ حديث السن ليتحدّثَ عن ملك جبار مثل صابر؟.. لقد هانت الزلابية، حتى تأكلها الكلاب.. إنه مثلٌ شائع في أرض السودان، سمعتُ به كثيرا، واستفسرت عن معناه، وعرفت أنه يُطلق استخفافًا بشخص نال أكثر من حقه. وكانت الزلابية الوارد ذكرها، أقراصًا من عجينة القمح المحمّصة في الزيت، والتي تُرش بقليلٍ من السّكر، بعد أنْ تنضجَ، وتعتبر أكلة متميزة، لا يستحقها كلُّ من هبَّ ودبّ، وبالتالي وجدت طريقها إلى ذلكَ المثل الشهيرِ. ضحكتُ بعمق، نعم. الحفيدُ السبعيني، سيكون بلا شك، طفلا، إذا ما قورن بجده الذي ماتَ، وقد تجاوز المائة والخمسين ” (23)
ويصف أعراسَ المتصوفة وأعراسَ عامّة الناسِ ويُبيّنُ الفرقَ بينها. يقول: ” المتصوفة لا يضربون الدفوفَ، ولا يسمحون للبهجة أنْ تتمدّد إلاّ بقدر محسوبٍ، أو صوت من أصواتِ المغنين أنْ يصدح في مملكتهم. فقط هي دعوةُ غداءٍ أو عشاء تقام، تردد خلالها الأذكارُ والمدائحُ النبوية،
ويتفرق الجمعُ، وينفرد العريسُ بعروسه حيث يريد، ولا شيء آخر، بينما العرس التقليدي، ممتلئ بالطقوسِ، ويحضره الرجال والنساءُ والأطفال، يلعلع فيه المغنون بحناجرهم، ويقدم شعراءُ الغزل المحليون، قصائد العشق ملتهبة” (24).
ويصفُ العطوراتِ والأطعمةَ والأشربةَ وحصائرَ السعف والطينَ الذي تُصنع منه البيوتُ والمساجدُ، وطقوسَ الأعراسِ ، وضروبَ الرقصِ. يقول : ” قُدم التمرُ الفاخر المسمى القنديل، على وعاءٍ مزخرف من الخشب الرقيقِ، كفاكهة مباركة في كل طقسٍ يود الحاضرون جميعهم، أن تحل فيه البركة، تليت آياتُ الزواج والذرية، قيلت مآثر متعددة، تأتي بفعل المصاهرة، وانتهى عقدُ القران سلسا كما أردت، وشرعيا كما أردت ” (25).
وتلك كلها عناصرُ من التراث الشعبيِّ ومن الحياة اليوميّة، في النصف الأول من القرن التاسع عشر، التي برع الكاتبُ تاج السرّ في إعادة التأليف بينها مؤكدا فكرة أنّ العمل الروائيّ ليس إلهامًا أو تخييلاً على غير دراية، وإنما هو بحث ومعرفة، وأن الرواية مخبرٌ للأفكار والمعارفِ(26).
إنّ نصًّا روائيّا مثل ” أرض السودان ” لا يتخلّق في الفراغِ، وإنما هو يتّكئُ على مرجعياتٍ نصّية وثقافيّةٍ ينهل منها ليبنيَ خطابَه ويبني عَالَمَه الروائيَّ أي أحداثه وفضاءاته وشخصياتِه.
رغم ذلك، فإنّ ” أرض السودان” لم تكن نصّا تاريخيًّا أو أنثربولوجيا يصفُ تاريخَ أهل السّودان ويوثّقُ عاداتِهم وتراثهم بالمعنى العلميّ، بقدر ما كانت عملاً سرديّا تخيليّا كتبه مؤلفه في ضوءِ خلفيةٍ تاريخية واستثمرَ في تأثيثِه عناصرَ من التراث الشعبيّ غزيرةً سواء منها ما تعلّق بالأشكالِ والبنى مثل السّرد الرحليِّ، أو ما تعلق ببناء الشخصيات والأحداث والفضاءاتِ..
ولقد استطاع تاج السّر من خلال هذه الاختياراتِ لا فقط أنْ يواصلَ التنويعَ داخلَ هذا الاتجاه الفنيِّ الذي اتسع، وإنما أيضًا أنْ يطرح أسئلة مهمّة عن مساراتِ الهوية وعن حركة الإبداعِ ومآلاتها. إذْ بقدر ما كانت الرحلة إلى السّودان رحلةً في أعماق التاريخِ و” تسجيلاً ” لأشكالٍ من التراث القوميِّ والمحليّ تتّصفُ بالبساطة والتنوّعِ والإثارةِ، كانت أيضًا مناسبة للتعبير عن وعيٍ ما بعد كولونيالي شكّله البطلُ حين التقى لقاءً مباشرًا بأهل السّودان على أرضهِم يمارسون حياتَهم على النحو الذي ألفوه واعتادُوا عليه.
يقول: ” بالنسبة لي لم أجدْ فرقا في مسألة الاستعبادِ تلك بين مملوكٍ وحرٍّ من أهل البلاد، كانوا جميعًا تحت نفس النظرة المستعلية التي يرمقهم بها المستعمرون” (27).
ويقول معقبا على حوار بينه وبين الألماني هاينرش الخياط: ” لم أجدْ أيَّ مبرّر لكل ذلك الانفعال. وذلك الازدراء الذي أطلقه تجاه مواطنين غزا بلادهم ويعيش فيها ناعما وثريا، لم يعجبني مطلقا ” (28).
لقد اختار تاج السر أنْ يكون بطلُه من جيل الرحالة المستشرقين المناهضين للاستعمار، نَمَا بفعل التجربة والاختلاط وعيُهُم الإنسانيُّ والتحرّريُّ، المقاومُ للخديعة الاستعمارية الكبرى وللعنصرية وللجهل فلم يكتفوا بتصوير مشاهدِ العجيب والغريب في بلاد ” البرابرة”، بل ثاروا على الصورة النمطية وغامروا بالدفاع عن حقوق ” البدائيين” في الوجود والاختلاف وفي الحريّةِ.
ومثلما غامر البطلُ ليعرفَ أسرارَ المكانِ وعاداتِ الناس وثقافتهم، غامر ليحلّ لغز الفتاة “شرفية” التي ظلت خرافةَ أهل السّودان والقادمين إليه من أوروبا لغرض أو آخر تعيشُ فيهم بسبب الخوف أو اللامبالاة. لقد روى حكايتَها جيلٌ لآخر ودخلت كما قال موروثَهم الشعبيَّ (29) إلى أن حلّ عثمان اللغز ذات ليلة، وأعاد شرفية إلى عالم الناسِ.
إنّ رحلة جلبرت أو عثمان في برّ السودان وفي سِيَر أهله مغامرةٌ كبرى أفضت إلى اعترافه بخصوصيةِ ثقافة الآخر تراثا وعاداتٍ وطبائعَ من جهة، وإلى سعي تحرّري إنسانيٍّ من أجلِ تخليصها من مظاهر اللامنطق واللامعقول من جهة ثانية. لذلك نجده وقد تحرّرَ وعيُه من جرثومة الاستعلاء يحملُ على بنِي جنسه من الأوروبيين الذين رغم إقامتهم في السّودان ورغم مظاهرِ اندماجِهم في المجتمعِ المحليِّ في لباسِهم وعاداتِهم، إلاّ أنهم ظلوا غرباءَ عن روح هذه البلاد لا يساهمون في تحرّرها من الجهلِ والخرافة والشّعور بالدونية.
على هذا النحو تكونُ استعادةُ العناصرِ التراثية في هذه الرّواية من قبل البطل الرّاوي، الذي هو في الأصل إفرنجيٌّ ورحالة مغامرٌ، غايتُها الاعترافُ بهذا التراث المختلفِ وبحقه في الوجود مكونا من مكونات الثقافة الإنسانية عامّة على بساطته وغرابته أحيانا، رغم ما وجده باعتباره أجنبيا من صعوباتٍ بعضُها ناشئٌ بسبب خلفيته الغربية وبعضها الآخر سببه أهل البلاد أنفسُهم.
يقول: ” وقد اقترب موعد زواجي من شرفية، وأخافُ أنْ أعلنه صراحة، فأتهم بتعاطي الجن. قالت ( مستكة صاحبة النزل) بالحرف الواحد اليابس إلى أقصى حد، إنني تعديت حدودي كغريب عن البلاد، لا يعرف تقاليدها”(30).
ومثلما كشف البطلُ حيلَ لعبة استدعاء الأرواح في لندن ذاتَ ليلةٍ، يكشفُ زيفَ الاعتقادِ في كون “شرفية” من الجنّ، ليجمعَ بذلك بين فعليْن متكاملين هما الاعترافُ بخصوصية التراث وضرورة تحريره من “اللامعقول” أسطورة وسحرًا وخرافة .. وذلك رهانٌ، كما نعلم، حضاريٌّ انخرط فيه المستنيرون والعقلانيُون من المثقفين العرب أمثال زكي نجيب محمود وطه حسين وعلي زيعور وأدونيس وغيرهم..
لم تكن رحلة جلبرت– عثمان إلى بلادِ السودان كغيرها من الرّحلات الاستكشافية الاستشراقية التي لم تخرج من فلكِ دائرة الشّعور بالاستعلاء الحضاريِّ ووسم الآخر ( الإفريقي، العربي، المسلم ..) بالانحطاطِ والبربرية والتخلّف، ولم تكن أيضًا تعبيرًا عن شعور رومانسيّ بالرأفة، بل كانت وعيًّا جديدًا يحاول أنْ يقطع تدرجيًّا مع وأحكامٍ مسبقة ثابتة، تحول بمقتضاه البطلُ من موقع إلى آخر ومن موقفٍ إلى موقفٍ نقيضٍ لم يعد يزعم تفوّقَ الجنسَ الآري على ما دونه من الأجناسِ الأخرى، وبالتالي حقه في التوسّع والهيمنة اقتصاديًّا وثقافيًا.
يقول:” قد بتُّ أكثرَ قربا إلى الشّعوبِ المنهوبة، مني إلى الشعوب الناهبة التي أنتمي إليها. أصبحتُ أتذوق عبد الرجال زافو بشدة، أتذوق خدم مستكة الآخرين، أتذوق سرقات السوق المنحصرة في حبات الخيار والطماطم ورزم الخس والجرجير، التي يجلد بسببها الفقراء على دكك
الطين، وأعتبرها لا سرقات على الإطلاق، أتذوق ترتيلَ القرآن كلما مررتُ بمساجدَ الطين في ساعة الدروس، وتزدادُ في بدني القشعريرةُ، أتابع لابسي العمائم والجلابيب، يذهبون على ظهورِ حميرهم، أو على أرجلهم إلي صلاةِ الجمعة، وينتابني إحساسٌ غريب، وأهم إنجاز حققته في
وجودي هنا، هو أنني أفشلت المستقبل البائس الذي كان ينتظر فتاة مثل شرفية، وحولته إلى أمل في مستقبل” (31). ومعنى أتذوق: أفهم وأقبل وأبرّر وأتبنّى وأستمتع، وهو ما هيّأ عثمان ليندمج في هذا المحيط الثقافي بكل خصوصياته و” غرائبه”.
ولعلّ قصةَ البطلِ مع شرفية التي حرّرها من وضع ” الجنيّة” إلى وضعِ الإنسان والمرأة الواقعية والأنثى الجميلة هو كناية أو استعارةٌ عن علاقة البطلِ ببلاد السودان قاطبة التي حررته من عنصريته وحاول أنْ يعتقها من الخرافة والدروشة.
ومثلما لم يرغبْ في أنْ تُعاملَ شرفية نفسَها وأنْ يعاملها الناسُ على أنها جنية، لم يرغبْ في أنْ تُعامل السودانُ على أنّها موطنُ الثرواتِ والخرافة، رغم ما في حياة أهلِها من تقاليدَ وصفَها بكونها سخيفةً مثل سقوط رجولة الرجل و”تحوله” إلى امرأة إذا انهزم في لعبة لي الأذرع، أوالركض وراء الراكضين بلا سبب، أو الرّضى بوضعِ العبودية..
لقد كانت الرحلةُ في الرّواية رحلتيْن : رحلةً في الخارجِ وأخرى في الداخلِ. الأولى في المكانِ وفي الزّمان، والثانية في الوعيِ والفكرِ. ولقد وسمها الرّاوي البطلُ جلبرت، الذي أصبح فيما بعد عثمان الزمزمي، بكونها رحلة تعديل (32)، عدّل خلالها مسارَ حياته بعد أنْ اغْتسلَ من الفكرة العنصرية ، وصار كأحد أبناء السودان لا يدهشه شيء من غريب ما يرى ويسمع، وعدّل مآلاتِ ومصائر عددٍ ممن عرفهم في السودان من النساء والرجالِ.
على هذا النحو تصبحُ الروايةُ محاولة لنقض المركزية الأوروبية ( من الداخل، باعتبار بطل الرواية بريطاني الجنسية )، وللقطع مع ” سلسلة طويلة وكئيبة لتصريحاتٍ سلبية معظمُها خطأ عن المجتمعاتِ في أفريقيا وآسيا في أزمنة ولت” (33) ، تجد أحسن تعبير عنها في كتاب وليام جونز Eric Jones ” المعجزة الأوروبية ”
The European Miracle (1981) .
لقد كانت رواية أرض السودان ، من هذه الزاوية، في اهتمامها بالتاريخ المحلي وبالتراث الشعبي محاولةً لكسر الاحتكارِ السلطوي الغربيِّ لمفهوم الثقافة والتاريخِ والتراث.
يقول: ” شرفية فتاة الجن ما عادت فتاة الجن. مستقبلها غير المؤكد الذي وصفه الرحالة وليام بارتليت في تلك الجمل الساخرة ما عاد كذلك ” (34).
لم يكن جلبرت رحالة كغيره، ولم يصف تراث أهل السودان في سخرية تنمُّ عن عنصرية الأبيض المبشر بالحضارة والتمدن. ولكن لمَّا كان كاتبُ الرواية هو سوداني إفريقيٌّ، أدركنا أنّ الغايةَ ليست فقط نقدَ الآخر وإنما هي أيضًا دعوةٌ لنقد الذات أيْ لتعيد بناءَ وعيها بذاتها، وتُدخل تعديلات جوهرية في فهمِها لثقافتها ولعناصر تراثِها ومعنى وجودها وتاريخِها، فتقطعَ مع قابلية أنْ تكون مستعمَرة على حد عبارة مالك بن نبي، وأنْ تكون مستعمِرة، مثلما كان من أمر “عطبرة” الذي جعله جلبرت رئيسا على العمال فـ” كاد ، كما قال، ينسلخ عن جلده الوطنيِّ ويتحول إلى مستعمر إذ اقتنى سوطًا حادًا يعاقبُ به أبناءَ جلدته مثلما يفعل المستعمرون.
فمثلما وضف عثمان ضد أبناء وطنه العنصريين ، يقف أيضا هو البريطاني الذي نشأ في ثقافة تديرها سياسة استعمارية ، نقيضا أيضا لـ ” عطبرة” السّوداني لحمًا ودمًا والذي ما إن تحمّل مسؤوليةَ الاشرافِ على فريق من العملة في السكك الحديدية حتّى صار يحلم ” بصفات المستعمرين” 35.
لقد كان جلبرت – عثمان مثالا للاندماج الهادئ في المحيط الثقافي الجديد وفي الحياة المحلية، وكان يحدثُ إضافاتٍ ، سماها حركة تعديلٍ ، تعبّر عن روحٍ من التّسامح والرجولة والإيثار: في علاقته بجبريل الرحال الذي فرحَ لاسترداده رجولته وعارضَ محاولة اغتياله، من قبل صديقه سيف القبيلة، رغم نبلها كما قال، وفي علاقته بشرفية التي حرّرها من حياة الخرافة والتشرد، وأحبها ولم يهتم لأصلها، وفي علاقته بمستكة المرأة الأسطورة التي أيقظ فيها الشفقة على خدمها وعبيدها، وفي علاقته بعبد الرجال الذي سعى لتحريره دون تفكير في ما قد يسببه له ذلك من متاعب، وفي علاقته بتاريخ البلاد وطبائع أهلها ودينهم الذي قرر أن يعتنقه 36 والذي يعتقد أن كثيرين من أهله لا يفهمونه حق الفهم.
يقول جلبرت: ” قلت له ( عبد الرجال خادم مستكة ) في أحدِ الأيام، وأنا نصراني، بأنَّ العبوديةَ لخالق الكونِ وحده، وليست للرجالِ الذين هم أيضًا مخلوقين مثله، ويجبُ أنْ يغير ذلك الاسمَ إلى عبدالله مثلا. تمنيتُ أنْ يفهم ما أعني، وأعتقدُ أنّ هذه من أبجدياتِ الدين الإسلاميّ الذي اكتشفتُ بأنّ معظم الذي قابلتهم، ويعتنقونه، لا يعرفون عنه شيئا ” 37.
هل تمكن جلبرت –عثمان الزمزمي من أنْ يحدث هذا التغيير فعلا في الواقع؟
تبدو النهاية التي اختارها تاج السر لمغامرة بطلِه دالةً على أنّ التغيير الأكبر لم يتجاوز مستوى الأمنية أو الحلم. ولكنه ظلّ دالاّ على أن الحلم مشروعٌ وأنّ التغييرَ ممكنٌ.
خاتمة
شكلت الرواية حقلاً خصبا تداخلت فيه الخطاباتُ والنصوص والمعارفُ فلم تعد نسقا مغلقا بقدر ما أضحت فضاءً للتنوع والتعدد بنياتٍ وقضايَا ورؤى..
ذلك ما ألفيناه في رواية ” أرض السودان” التي نهلت من التاريخ ومن التراث السودانيّ عقائدَ وأقولاً مأثورةً وطقوسًا وألعابا شعبية وحكاياتٍ وأساطيرَ وعاداتٍ وآدابٍ.. تداخلت كلها في تشييد عالَمٍ روائيّ بقدر ما كان متخيلا كان شديد الارتباط بالواقع وبحركة الفكر في مرحلة ما بعد الحداثة التي استعانت بترسانة من الأطروحاتِ الفلسفية والعلوم لتنهيَ تاريخًا من مركزية النموذج الغربيّ وسطوة العقل الأوروبيّ والتأسيس لفكرة النسبية وللتنوع الثقافيِّ ، وبالتالي اخراج الآخر من وضع التهميش والاعتراف بأنّه ” راشد”. وهو ما جعلَ الموقف من التراث عامة ومن التراث الشعبي ومن عناصره الغريبة والعجيبة على وجه الدقة، يتغيّرُ ويثمرُ نتائجَ هامة لا على مستوى الاعترافِ فحسبُ، بل اكتشافا جديدا لما في هذا التراثِ من عناصر قوة وإيجابية وانتماءٍ.
ولقد كان للاستشراقِ الذي تخلّص من مكر الإيديولوجيا، والذي مثله أمثال جلبرت، دورٌ هامٌّ في هذا التحول الجذري لأنه كسرَ النمط ولم يبنِ صورةً شمولية للآخر مثل تلك التي نجدها في أغلب مؤلفاتِ الرحالة والمستشرقين الذين يمثلهم في الرّواية الرسام وليام بارتليت William Henry Bartlett ( 1809-1854) .
ففي حين كان بارتليت يردد دائما أنّ شرفية، التي تمثل جزءًا من تراث السّودان الشعبي، فتاةٌ بلا مستقبل، آمن جلبرت بضرورة أن يكون لها مستقبل ، وساعدها في ذلك.
يقول: ” تلك اللحظة تذكرت الرحالة بارتليت فجأة، تمنيت أنْ يحضرَ من عمق إفريقيا، ليعدل آراءه عن المستقبل بلا ضغط من أحد، ينحني عبر مائدة تجمعنا، ويمسكُ بيد شرفية الجديدة، يقبلها باحترام، ويعتذر عن التطفل، على حقيقة هذه المرة، وليس من خوف ” 38.
ورغم أنّ نهاية الرواية تنبئُ بأن مشروع جلبرت عثمان ظلّ أقربَ إلى الحلم أو الأمنية إلاّ أنه ، في رأينا، نجح في كسر الطوق القديم، والتحريض على التّحرر من كل أشكال العبودية، والاحتفاءِ بالاختلاف وإنْ بدا المختلفُ في عيون الآخر غريبا غير معقول.
لقد كان محاولة لكسر العقدِ الاستشراقي الاستعماري والعمى المعرفي وتصحيح فكرة التاريخ والتراث والثقافة 39 في مرحلة ما بعد الاستشراق الكولونيالي ، المرحلة التي تقاطع فيها فن الرواية والدراسات الثقافية احتفاء بالتراث أحد مصادر المعنى في معركة تحريرِ الإنسان من كلّ أشكال العبودية.
المصدر
أمير تاج السر: أرض السودان الحلو والمرّ ، الدار العربية للعلوم ناشرون، ط1، 2012.
المراجع
الأبيض ( رضا) : ( تحرير وتقديم) السرد والتاريخ ، منشورات الرابطة القلمية مدنين تونس، ط1، 2018
— : المحلّي في الرواية العربية، هل للمحلّي أسوار؟ ضمن المحلي في الرواية العربية ( جماعي) بيت الغشام، عمان، ط1، 2018 — – : التحريف قدر الأدب الشعبي ، الدوحة ، ع 128 جوان 2018.
بشلم (منى): توظيف التراث الشعبي في الرواية الجزائرية، منتدى الأستاذ، مج 19، ع2، صص 33-50 https://www.asjp.cerist.dz/en/article/38608
البكر(محمود): مدخل البحث الميداني في التراث الشعبي، منشورات وزارة الثقافة دمشق، 2008.
بلاوت ( ج.أم) : نموذج المستعمر للعالم، تر هبة الشايب، المركز القومي للترجمة مصر، ح2 ، ط1، 2010.
بلحيا (طاهر): التراث الشعبي في الرواية الجزائرية، منشورات التبيين، 2000.
بوسماحة ( عبد الحميد) : الموروث الشعبي في روايات عبد الحميد بن هدوقة، رسالة ماجستير جامعة الجزائر 1992.
الجوهري (محمد) : مقدمة في دراسة التراث الشعبي المصري، ط1، ، مصر، 2006.
حميش(سالم): الاستشراق والعقد الاستعماري ، مجلة الاجتهاد ، ع22 بيروت لبنان 1994.
السعافين (إبراهيم): الرواية والقصة الإماراتية والتراث الشعبي.
http://www.mafhoum.com/press2/60C32.htm
سعيد (إدوار): الاستشراق المفاهيم الغربية للشرق، تر محمد عناني، رؤية للنشر القاهرة 2006.
عمر( أحمد مختار) : معجم اللغة العربية المعاصرة، عالم الكتب ، ط1، 2008.
الغرابي( الجيلالي) : في الأساطير الشعبية أسطورة شجيرة حناء وقمر أنموذجا، الثقافة الشعبية، ع8 صيف 2012.
فضل ( صلاح) : لذة التجريب الروائي، أطلس للنشر، ط1، 2005.
فرشوخ (أحمد) : جمالية المقاومة طرائق اشتغال الأدب الشعبي في رواية “سرادق الحلم والفجيعة” لعز الدين جلاوجي، ضمن سلطان النص، دار المعرفة الجزائر 2008.
قاسم(سيزا) : البنيات التراثية في رواية وليد بن مسعود، فصول، ع1، أكتوبر 1980.
مبروك (مراد) : العناصر التراثية في الرواية العربية في مصر دراسة نقدية 1914-1986 ، دار المعارف، ط1، 1991.
وتار(محمد رياض) : توظيف التراث في لرواية العربية المعاصرة ، اتحاد كتاب العرب سوريا 2002.
يقطين( سعيد) : الرواية العربية من التراث إلى العصر ، علامات ع 20، 2004.
Barrère Anne, Martuccelli Danilo, Le roman comme laboratoire. De la connaissance littéraire à l’imagination sociologique, Lille, Presses universitaires du septentrion, 2009.
1- محمد الجوهري ( تحرير) : مقدمة في دراسة التراث الشعبي المصري، ط1، ، مصر، 2006، ص 99 .
2- رضا الأبيض: التحريف قدر الأدب الشعبي ، الدوحة ، ع 128 جوان 2018 ، صص 102-105.
3- أمير تاج السر: أرض السودان الحلو والمرّ ، الدار العربية للعلوم ناشرون، ط1، 2012.
4- أحمد مختار عمر : معجم اللغة العربية المعاصرة، عالم الكتب ، ط1، 2008، ص2421.
5- سيزا قاسم: البنيات التراثية في رواية وليد بن مسعود، فصول، ع1، أكتوبر 1980، ص 194.
6- التراث الشعبي كل واحد متكامل ، وما تقسيماته غير محاولات لتسهيل البحث ضمن زمن معين وليست لتقسيم التراث ذاته . محمود البكر مدخل البحث الميداني في التراث الشعبي، منشورات وزارة الثقافة دمشق، 2008، ص72.
7- ينظر مثلا: محمد رياض وتار: توظيف التراث في لرواية العربية المعاصرة ، اتحاد كتاب العرب سوريا 2002. مبحث : بواعث توظيف التراث ، والتي قسمها إلى رئيسية وثانوية ، واعتبر الرئيسية ثلاثة بواعث هي : الواقعية والفنية والثقافية .. صص 11-12.
8- صلاح فضل : لذة التجريب الروائي، أطلس للنشر، ط1، 2005، ص3.
9- سعيد يقطين : الرواية العربية من التراث إلى العصر ، علامات ع 20، 2004، ص39.
10 ينظر مثلا : عبد الحميد بوسماحة: الموروث الشعبي في روايات عبد الحميد بن هدوقة، رسالة ماجستير جامعة الجزائر 1992.
11- ينظر مثلا: بلحيا طاهر : التراث الشعبي في الرواية الجزائرية، منشورات التبيين ، 2000.
أحمد فرشوخ: جمالية المقاومة طرائق اشتغال الأدب الشعبي في سرادق الحلم والفجيعة لعز الدين جلاوجي، ضمن سلطان النص، دار المعرفة الجزائر 2008.
منى بشلم: توظيف التراث الشعبي في الرواية الجزائرية ، منتدى الأستاذ ، مج 19، ع2، صص 33-50
https://www.asjp.cerist.dz/en/article/38608
12- ينظر مثلا: إبراهيم السعافين : الرواية والقصة الإماراتية والتراث الشعبي . وفي المقالة اهتمام بتجليات حضور التراث الشعبي في رواية ” ثنائية مجبل بن شهوان لعلي أبو الريش ..
http://www.mafhoum.com/press2/60C32.htm
تاريخ الزيارة 25 جويلية 2018
وينظر أيضا : ليلى بنت يوسف: كتاب السرديات النسوية الحديثة في الإمارات ، دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، 2014-2015 ، الفصل الثالث .
13- ينظر الجيلالي الغرابي: في الأساطير الشعبية أسطورة شجيرة حناء وقمر أنموذجا، الثقافة الشعبية، ع8 صيف 2012
14- مراد مبروك : العناصر التراثية في الرواية العربية في مصر دراسة نقدية 1914-1986 ، دار المعارف، ط1، 1991، ص 23.
15- للتوسع في علاقة السرد بالتاريخ يمكن العودة إلى كتاب ” السرد والتاريخ” وهو مجموع ورقات ندوة علمية ، أشرف عليه وكتب مقدّمته رضا الأبيض، منشورات الرابطة القلمية مدنين تونس، ط1، 2018 ( 315 ص) .
16- رضا الأبيض : المحلّي في الرواية العربية، هل للمحلّي أسوار؟ ضمن المحلي في الرواية العربية ( جماعي) بيت الغشام، عمان، ط1، 2018، صص 93-103. وفيه اهتممنا برواية ” العطر الباريسي” لتاج أمير السرّ.
17- أمير تاج السرّ : حوار، جريدة الأيام ع 22 ، ديسمبر 2015.
18- يمكن أن نشير إلى ما كتبه الرحالة الإسكتلندي جيمس بروس ( ت 1794) والرحالة يوركهارد ( ت 1817 ) وبراون (ت 1823) والمكتشف صمويل بيكر (ت1893 ) والفرنسي فريدريك كايو ( ت 1902) .. إلخ
19- أمير تاج السر : أرض السودان ، ص 44
20- أمير تاج السر : أرض السودان ، صص 47-48
21- أمير تاج السر : أرض السودان ، ص 108
22- أمير تاج السر : أرض السودان ، ص 150.
23- أمير تاج السر : ارض السودان ، ص 181.
24 – أمير تاج السر : ارض السودان ، ص 199.
25 – أمير تاج السر : ارض السودان ، ص 200.
26 – Barrère Anne, Martuccelli Danilo, Le roman comme laboratoire. De la connaissance littéraire à l’imagination sociologique, Lille, Presses universitaires du septentrion, 2009
ولقد سمح اعتبار الرواية مخبرا وبحثا أن تكون مدونة يعتمد عليها علماء النفس والاجتماع والأنثربولوجيا واللغة في دراساتهم وبحوثهم وتحليلاتهم التي تنشد أن تكون علمية.
27- أمير تاج السرّ : أرض السودان، ص112.
28- أمير تاج السرّ : أرض السودان، ص 114.
29- أمسر تاج السر: أرض السودان، ص 131 ، ص 173 ..
30- أمير تاج السرّ: أرض السودان، ص173.
31- أمير تاج السرّ: أرض السودان ، ص134.
32- أمير تاج السرّ: أرض السودان ص 141.
33- ج.أم . بلاوت: نموذج المستعمر للعالم، تر هبة الشايب، المركز القومي للترجمة مصر، ح2 ، ط1، 2010، ص 143
34- أمير تاج السرّ: أرض السودان، ص158.
35- أمير تاج السرّ: أرض السودان ص 159.
36- أمير تاج السر: أرض السودان، ص171.
37- أمير تاج السرّ: أرض السودان ص 178.
38- أمير تاج السرّ: أرض السودان، ص197.
39- للتوسع في علاقة الاستشراق بالهيمنة الاستعمارية أنظر مثلا :
إدوار سعيد : الاستشراق المفاهيم الغربية للشرق ، تر محمد عناني، رؤية للنشر القاهرة 2006.
سالم حميش : الاستشراق والعقد الاستعماري ، مجلة الاجتهاد ، ع22 بيروت لبنان 1994.
—————
————————————————————
—————
————————————————————
1