سالم بن ناصر الجديدي*
ما تركيزنا على الخطاب الحواري في القصص العمانية القصيرة – في هذا المقال – إلا دليلٌ على أن الأدب العُماني لا يعيش القطيعة (1) عما يحدث من تطورٍ في الأدب العربي والعالمي ؛ لأن حدود عُمان لا تقف عند حدودها الجغرافية فحسب، بل تتعداها إلى العالم أجمع، بعدما أصبح العالم قريةً صغيرةً بسبب التقدم التكنولوجي، المتمثل في صنوفٍ كثيرةٍ، من بينها : الأقمار الصناعية وما تبثه من برامج أدبيةٍ وثقافيةٍ ونحوها، السينما وما تصنعه من أفلامٍ قصصيةٍ حواريةٍ – وإن كانت لا تراعي شروط الخطاب السردي (2) -، الإذاعة والتلفزيون وما تعرضه على العالم من قصصٍ وحكاياتٍ ونحو ذلك، الشبكة المعلوماتية – التي تشبه شبكة العنكبوت (3) ؛ لاتساع مداخلها وتشعبها – وما تقدمه من مكتوبٍ ومسموعٍ ومقروءٍ ومرئيٍ في الآداب وغيرها، من هذه النظرة الواسعة لوسائل التواصل التكنولوجي يتبين لنا مدى إٍسهامها في تطوير الكتابة القصصية (4) ؛ بل عد الذي لا يتعامل مع هذه التقانات والتكنولوجيا ” أميًا “، وبالتالي كتابته السردية وإسهامه الثقافي يعد ناقصًا، لما فاته من اطلاعٍ على الجديد من النظريات والأطر والتواصل مع الآخر، يقول سعيد يقطين – في إطار الأمية الإلكترنية، وما تخلفه من آثارٍ سلبيةٍ، وهو يتحدث عن أن الأمية لا يقتصر قياسها لمن لا يعرف القراءة والكتابة ؛ بل أيضًا لمن لا يتمكن من صناعة أدوات الكتابة والقراءة – : ” إن الأمر نفسه ينسحب على المعلوميات، لأن التعامل بها يستدعي ثقافةً خاصةً . ومن لا يملك هذه الثقافة، ولو في حدودها الأساسية، لا يمكن سوى اعتباره أميًا ( جديدًا ) . ويمكن الآن اعتبار التغلب على هذه الأمية الجديدة معيار تقدم الأمم وتخلفها “. (5)
إن المتلمس لواقع القصة القصيرة الحديثة والمعاصرة في عمان يجد أن ثمة تغييرًا طرأ عليها ؛ مما يدل على تطور الكتابة القصصية وتعايشها وتواصلها مع الآخر، إنها تحاول أن تزيح ” الأمية الجديدة ” عن وجودها، رغم الفجوة الحاصلة بين الواقع والطموح، وظهر ذلك جليًا في مستوى ” البنية السردية ” للقصة العمانية، فقد تلمس ذلك الدكتور سعيد يقطين – في دراسته المعنونة بـــــ ( الأصوات السردية في القصة القصيرة بعمان )(6) – عندما وقف يتأمل تشكل المادة الحكائية في القصة، فوجدها تشكلت من بنيتين متجاورتين متناقضتين، وهما : (العتاقة) وهي ما يتصل بالبنيات الاجتماعية والاقتصادية والذهنية الضاربة جذورها في التاريخ . و ( الهجانة ) وهي مجموع البنيات الجديدة والطارئة والتي تعايش مجموع البنيات العتيقة .(7) وهذه الأخيرة أظهرت التغيرات بشكلٍ واضحٍ وجليٍ في التعامل مع الآخر الأجنبي وأثره على العلاقات الاجتماعية العمانية ؛ بل ما طرأ أيضًا على لغته من ركاكةٍ وهجانةٍ، إنه يتلمس مدى الحداثة في المادة الحكائية والتحولات الحاصلة في السرد القصصي .
وظهر تطور الكتابة في القصة القصيرة أيضًا على مستوى ” توظيف التقنيات السردية الحديثة ” بمستوياتٍ مختلفةٍ. فنجد تقنيات (الراوي) ماثلةً فيها، فيقول سعيد يقطين : ” في تحليلنا للمتن القصصي العماني،…،نجد أنفسنا أمام هيمنة صوتين سرديين متقاطبين : الناظم الخارجي والفاعل الذاتي.” (8) ونجد – كذلك – تقنيات ( المكان والزمان ) مرصودةً – كما في دراسة د. أيمن محمد ميدان، المعنونة بـــ” تجليات الزمان والمكان في القصة العمانية القصيرة : مقاربةٌ أولى “، فالمكان رصد رصدًا أبستمولوجيًا ورصدًا بكل الحواس ( البصر، السمع، الشم،…) ؛ بل رصد أيضًا رصدًا سينمائيًا . والزمان تجلت فيه تقنياتٌ متعددةٌ، من بينها: والارتداد إلى الوراء، واستشراف المستقبل، والحلم، وذكر الأزمنة الحقيقية. (9)
هذا التغيير الذي طرأ على القصة القصيرة جعلت ” المتابع لما أفرزته الذائقة الإبداعية العمانية في ميدان القص تروعه كثرة هذا المنجز وتنوعه ونضجه أيضًا، وهي كثرةٌ تجعل موقف جبرا إبراهيم جبرا من القصة العمانية مشروعًا بالغ المسكنة، فقد استطاع القاص العماني( 10) – وعبر فترةٍ زمنيةٍ قصيرةٍ نسبيًا – أن يبدد الهوة الشاسعة التي كانت تفصل بينه وبين إبداعات أقطارٍ عربيةٍ أخرى تجاوزته زمنًا، وسبقته كمًا وكيفًا، وأن يبدع أدبًا قصصيًا مضخمًا بسماته المحلية دون أن يخاصم القيم الإنسانية الشاملة. “(11)
وما الخطاب الحواري إلا ركيزةٌ أساسيةٌ في السرد القصصي، فمتى ما تطور سرد القصة القصيرة فإن الخطاب الحواري – فيه – يتطور كذلك، وظهر جليًا من خلال مجموعةٍ من الظواهر والتقنيات التي برزت في تشكلاته وتمظهراته ( 12)، ومن بينها : ظواهر وتقنيات الترتيب الزمني (13)، وسنركز على ظاهرتين منها فقط، هما : الاسترجاع والاستباق، وأنا هنا لا أدعي أنني سأحيط بكل ما فيهما من تقنياتٍ ؛ بل أذكر بعضها لتكون بدءً لأبحاثٍ ستأتي لتكمل المشوار، وتبرز سياسته السردية .
من ظواهر وتقنيات ” الترتيب الزمني ” (Temporal Order ) في الخطاب الحواري :
يظهر فيها : الاسترجاع (Analepse ) والاستباق (Prolepse )، ويعتبران – في القصة الحديثة – جزءًا أساسيًا من التشكيل الفني للبناء القصصي، حيث تحصل المفارقة السردية (14) الزمنية، مما يؤدي إلى ” توقف استرسال الحكي المتنامي، وتفسح المجال أمام نوعٍ من الذهاب والإياب على محور السرد انطلاقًا من النقطة التي وصلتها القصة .” (15) وما محور السرد إلا تشاركٌ بين السرد والحوار، وتناوبٌ بين المقاطع السردية والخطاب الحواري، ودمجٌ بينهما . فهما بمثابة الكتلة الواحدة والجسد الواحد – باستنطاق الدراسات السردية – (16).
(أ) الاسترجاع ( Analepse ) (17)
نجد أن تقنية ” الاسترجاع ” ( Analepse ) حاضرةٌ في الخطاب الحواري للقصة العمانية القصيرة، وأقصد منها : تلك التقنية التي توجد في الخطاب الحواري طالبةً بإلحاحٍ ما وقع في الماضي، وما علق في الذاكرة من أحداثٍ . وأدرك أن هذا الطلب الملح – لهذه التقنية الاسترجاعية – لم يكن عبثًا في الخطاب الحواري، بل جاءت لوظيفةٍ فنيةٍ وضرورةٍ من ضرورياته (18) .
فحينما ننظر إلى قصص السبعينيات والثمانينيات، نجد أن القاص العماني يستحضر تقنية الاسترجاع، فهذا عبدالله الطائي في مجموعته القصصية ” المغلغل ” أورد حوارًا دار بين حمد و خلفان :
” – قال له حمد مرةً : أنت تحمل هم شعبك يا خلفان .
– نعم يا حمد، أنت علمتني ذلك منذ أن كنت في الصف الأول الإعدادي المسائي، وأنت تطعمني هم عمان، هو وطننا الحبيب، فسرت لي المغلغل، وجعلتني أصل إلى الحقيقة الكبرى .
– شكرًا لك يا خلفان، فلا تلمني على حزني، إن هذا الحزن ممزوجٌ بالأمل … الأمل أن المغلغل مغلغلٌ .
– إنني ألمح تفسير هذا المعنى، ألمحه قريبًا … ليس ببعيدٍ، لا بد أن يقيض الله لهذا الشعب من يأخذ بيده، تاريخنا مليءٌ بالدلائل يا حمد .
– أجل ما في ذلك شكٌ، جاءنا البرتغال، فأنقذنا ناصر بن مرشد، طغوا وبغوا ؛ ولكن الله قدر وقدر، فأتى ناصر، وتبعه سلطان وسيف .
– واحتل بلادنا الفرس، وأصبح الحاكم تحت تصرفهم، فقيض الله لنا أحمد بن سعيد، وإنني لعلى ثقةٍ بأن الطاغية زائلٌ …” (19)
فالطائي وظف تقنية الاسترجاع في خطابٍ حواريٍ بين فيه حقبةً من ماضي هذا الوطن الحبيب، وكأنه يسجل الواقع ويوثق أحداثه (20)، ففي وقتٍ كان زمن السرد (21) يعيش مسيرة “خلفان” وهو ينمو ويأخذ بقدر ما يتقبل فكره من فصول حياة عمان الحبيبة في الخمسينيات، وما يشعر به من ألمٍ خالط حياته، فهو زمنٌ يعيش حاضر حياة الشخصية وما يختلجها من أحاسيس ومشاعر، جاء زمن الخطاب الحواري ليلتفت إلى الماضي ويسترجعه بتفاصيله الدقيقة، فمنذ أن كان في الصف الأول الإعدادي المسائي وفي أثناء دراسته لمادة التاريخ العماني (22) التي بينت أحداثًا مضت لهذا الشعب الصامد بمبادئه . فحصلت مفارقةٌ سرديةٌ زمنيةٌ بالخطاب الحواري (23)، إنها مفارقةٌ استعادت وقائع حدثت قبل اللحظة الراهنة ؛ أي : ” اللحظة التي يتوقف فيها القص الزمني لمساقٍ من الأحداث ؛ ليدع النطاق لعملية الاسترجاع ” (24) .
هذا الاسترجاع كان استرجاعًا خارجيًا ( externs ) – حسب رؤية جيرار جينيت – (25) ؛ لأن زمن الخطاب الحواري تناول أحداثًا وتفاصيل أسبق عن زمن السرد الحكائي، سعةً ( Amplitude ) ومدًى ( Reach ) (26) .
وعندما نتأمل قصص التسعينيات، نجد حضورًا لتقنية الاسترجاع، فهذا القاص العماني ” بدر الشيدي “، وعبر قصة ” تجليات حلمٍ جميلٍ ” في مجموعته القصصية ” أشرعة الضوء “، يورد حوارًا استرجاعيًا بين شخصيتي القصة ” خالد و ناصر ” :
“… وبعد صمتٍ طويلٍ قال خالد :
– كم كانت لنا أيامٌ جميلةٌ في أبو ظبي، وقتئذٍ كان القسم الداخلي يموج بمختلف الجنسيات من الأقطار العربية .. حيث شكل نواة تفاعلٌ وتعاضدٌ .. تجمعنا المودة والمحبة .. والألفة . ”
ثم بدا له أن يسترجع أحداثًا و مواقف، إلى أن ” قال ناصر :
– في ذلك اليوم المشهود، كنت طفلاً صغيرًا في الصف الثاني الإابتدائي .. سمعت خالي يناديني من وراء الصف حيث عمت الفوضى المدرسة .. سحبني خالي إلى الخارج، ومنها إلى البيت، حيث وجدت أمي بانتظاري وهي قلقةٌ .. ما إن دخلت حتى احتضنتني في مشهدٍ مليئٍ بالحنان .. ” (27)
إن الاسترجاع في زمن الخطاب الحواري أحدث كسرًا في زمن السرد، لأن السرد كان متفاعلاً مع زمن الحاضر، إذ ” خالد يستمع لناصر بشغفٍ، والذهول يخيم عليه .. وجهه أصبح كوجه أحد الفلاحين، متجهمًا من جراء التعب والارهاق ..” (28) فاستطاع الخطاب الحواري أن يحدث بلبلةً زمنيةً ومفارقةً ذاتيةً (29) ؛ ليعود إلى الماضي، يستدعي من خلاله زمنًا قبل زمن السرد يبين جمال الأيام التي تحن إليها النفس البشرية وهي ترى تقارب القلوب وروعة التعامل فيما بينها، وكأن النفس – بهذا الاسترجاع الخارجي – تعيد قوتها وسكينتها لتعيش الحاضر المحير والمضطرب، فهذا خالدٌ يحاور ناصر قائلاً :
” – ما الذي دعاك إلى نبش ذكرياتك يا ناصر ؟! هل هي تلك الفتاة الشبيهة بطفول ..؟
– لا أدري .. لا أدري .. في هذه الأيام تسكنني حالةٌ من العودة إلى الماضي .. أشعر بأنه من العبث أن أنساه .. ” ( 30 )
لذا كان المدى الاسترجاعي – في القصة – قد وصل إلى زمن الطفولة، وسعته قد أخذت صفحاتها التسع بكاملها، في حوارٍ شيقٍ بين خالد و ناصر مع تدخلاتٍ سرديةٍ يكمل الخطاب الحواري نموها، كشف الاسترجاع – بهذه السعة – ماضي الشخصيتين ؛ مما يدل على أثر الماضي ودوره في تكوين حاضر الشخصيتين، وما يعتريهما من تيهٍ وقلقٍ .
ولم تغفل قصص الألفين تقنية الاسترجاع – أيضًا – ، فها هي ” حنان المنذري ” ومجموعتها القصصية ” ستائر مسدلةٌ “، تصيغ خطابًا حواريًا استرجاعيًا في قصتها المعنونة ” ماء “، دار الحوار بين امرأتين قمن بزيارة معالجٍ شعبيٍ يلتمسن منه الشفاء – بعد الله -، فحتى يأتي وقت دخولهن على المعالج :
” أردفت أسألها :
– أهي زيارتك الأولى لمنزل هذا المبارك ؟
ردت وأناملها تداعب شفتي رضيعها وتناغيه :
– بل هي زيارتي الخامسة والعشرين، فما أن يمرض أحدٌ في البيت حتى نسارع بإحضاره ليعاينه هذا الرجل الصالح .
تنهدت بحسرةٍ، ثم أردفت :
– قبل مدةٍ، كان يقطن في هذه القرية معالجٌ أشد منه حنكةً وصلاحًا، لا يستغرق علاجك على يديه سوى ساعةٍ تخرجين بعدها وكأن لم يمسسك سوءٌ طوال حياتك، يخبرك قبل أن تكلميه عن اسمك واسم والدتك ومن أين جئت ومن هم أعداؤك وكيف ستمضي حياتك وعن ضروب الحظ والخيبة في مستقبلك وحاضر أيامك . كنا يا أختي لا نحمل همًا لأي شيءٍ يصيبنا لأننا نعلم أن هناك رجلاً عظيمًا يقف إلى جوارنا ويمد إلينا يد العون وقت الحاجة .. فكان الناس يفدون إليه زرافاتٍ من كل فجٍ عميقٍ، وهم متيقنون بنيل الشفاء على يديه المباركتين .
أطرقت وأردفت بحزنٍ :
– لا تدوم النعم طويلاً يا أختي فلقد حدث ما لم يكن بالحسبان ..
رفعت رأسها ثانيةً واسترسلت بانفعالٍ :
– حين قررت اللعينة زوجته بأن تودي بحياته !
– سألتها بدهشةٍ : وكيف ذلك ؟
– ردت : دست له السم في الدسم فمات في فجر يومٍ كئيبٍ بعد أن صلى صلاة الفجر وبعدما تناول وجبة إفطاره الأخيرة! … ” (31 )
إن تقنية الاسترجاع في الخطاب الحواري أحيت قصةً أخرى في القصة الأم (32 )، استطاعت ” حنان المنذري ” أن تجري على إثرها مقارنةً بين المعالج السابق والمعالج اللاحق، وتبين ما يتميز به المعالج السابق، من خلال شخصيةٍ تروي القصة – في الخطاب الحواري – كانت حاضرةً في القصة الأم، وقد وظفت ” ضمير المتكلم ” في خطابها الاسترجاعي، لتدلل على شهودها لتلك الأحداث الماضية، وتعلل وجودها عند المعالج الآني . هذا، ورغم أن المدة لم تكن محددة زمنيًا – المفهومة من قول الشخصية : “قبل مدةٍ ” – إلا أننا ندرك المدى الاسترجاعي القريب نسبيًا ؛ نظرًا لحضور الشخصية الحالية في الأحداث الماضية، وبذلك لم تطل سعة الاسترجاع، فقد كانت قصيرةً ؛ لتتناسب فنيًا مع مداها، فالقصة مكونةٌ من اثنتي عشر ة صفحةً، وجاء الاسترجاع في صفحتين .
إن القاص العماني – وهو يوظف التقنيات السردية الاسترجاعية – لديه من الوعي الفني (33) ما يمكنه من بسطه في سياق عمله، وما يجعله موافقًا لمراد قصته .
(ب) الاستباق ( Prolepsis ) (34 )
لا يشك أحدٌ في أن ” الاستباق ” ( Prolepsis ) في الشيء يحمل في طياته أملاً وتطلعًا و توقعًا وانتظارًا، إنه من حديث النفس وخيال الذهن ونظرة الواقع، إذ لا يمكن أن يستبق زمن الحدث الحاضر إلى زمن الحدث اللاحق إلا من خلال هذه القنوات، فالاستباق – في حقيقته – يحصل عند الوعي بالواقع المعاش وما يمكن أن يؤول إليه، ومن هنا تتحرك النفس في حديثها ؛ كون الاستباق ” فعلٌ يستدعي الما – بعد والغائب الذي نبتغي معرفته، وعليه … من هذه الناحية مرتبطٌ بالنفس وزمنها، الأمر الذي أشار إليه (ابن منظورٍ) بالقول ( حديث النفس وتوقعه ) ؛ أي ما تستبقه الذات معرفةً قبل أن تتيقن منه . ” (35 ) وهذا يتطلب خيالاً (36) يفتح آفاقًا رحبةً في إعادة إنتاج وتشكيل زمن القصة عامةً والخطاب الحواري خاصة (37 )، فهو يضفي أثره على سياق الكلام، فيرسل اللحظة الراهنة الراكدة إلى اللحظة المنتظرة المرتقبة ؛ مما يؤمن للتشويق والإثارة نصيبًا يبين البعد الجمالي للزمن الاستباقي .
وهذه التقنية الزمنية ولج إليها القاص العماني ؛ ليفتح لنفسه ومتلقيه معرفة ” المزيد عن المستقبل المجهول والمطلق، يريد أن يسبق الزمن، يرمي إلى معرفة علة هذا الكون ” (38 )، لذا لمس د.شبر الموسوي ” في معظم القصص أن هناك حلمًا بمستقبلٍ جديدٍ يحمل الخير في طياته، وهذه الرؤية عبر عنها أكثر من قاصٍ عمانيٍ . ” (39 ) إلا أننا نلحظ – من خلال البحث والتقصي – أن هذه التقنية قليلة الورود في الخطاب الحواري – في القصص القصيرة محل الدراسة – مقارنةً بتقنية الاسترجاع، وقد يرجع ذلك إلى ما تتطلبه التقنية من نظرةٍ للواقع واعيةٍ وأفكارٍ للمستقبل واضحةٍ، مدعمةً بخيالٍ للتطلع قادرٍ . فهي عمليةٌ معقدةٌ أكثر من سابقتها.
ورغم ذلك، نجد أن لها حضورًا في قصص السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين – كالقاص العماني ” عبدالله محمد الطائي ” ؛ إذ يبرز تقنية ” الاستباق ” في خطابه الحواري الوطني – وهو يستبق زمن الحاضر بزمنٍ يتطلع إلى غدٍ مشرقٍ لعمان – بقصة ” المغلغل رقم ( 8 ) “، فقد جاء فيها على لسان والدٍ خبر الحياة يقول لولده :
” … وأنا حسب مسايرتي للزمن ستسير عمان إلى الأحسن . لا تنس يا ولدي أن النفط قد ظهر في عمان، وأن النفط دائمًا يأتي بحاكمٍ جديدٍ وأفكارٍ جديدةٍ وتطورٍ جديدٍ، …، … كلما بدأ استخراج النفط بدأ التغيير تمهيدًا للتطور، إنها إرادة الله يا ولدي . ” (40)
إنها لحظةٌ كسر فيها الخطاب الحواري زمن السرد ؛ ليعلن عن زمنٍ قادمٍ، إنه زمن التغيير الذي سيطرأ على هذه الأرض، بناه الوالد على خبرته في الحياة ووعيه بالواقع المعاش ” وأنا حسب مسايرتي للزمن “، وهذا الوعي يحمل فكرًا ورؤيةً واضحةً ” وأن النفط دائمًا يأتي بحاكمٍ جديدٍ وأفكارٍ جديدةٍ وتطورٍ جديدٍ ” ؛ فنسج بخياله – الذي بنى عليه المعطيات السابقة – زمنًا خرج من دائرة الزمن الحاضر (41)، إنه زمن ” الاستباق ” عندما قال : ” ستسير عمان إلى الأحسن “، وقرنها بإرادةٍ ” إنها إرادة الله يا ولدي . ” ولذا احتاج إلى أن يكون مدى تحقيقه بعيدًا نسبيًا (42)، استغرق سنواتٍ وسنواتٍ وسنواتٍ من عمر النهضة العمانية المشار إليها . إن تقنية ” الاستباق ” وظفها (43) القاص لتعلن البشرى للشعب العماني ؛ إنها بشرى التغيير إلى الأفضل والأحسن .
وسعى القاص في التسعينيات من القرن العشرين من توظيف هذه التقنية ؛ بل حمل أفكار شخصياته وخيالاتها ورؤيتها المستقبلية فيها، ومن هؤلاء القاصين : ” بدر الشيدي ” في مجموعته القصصية ” أشرعة الضوء “، إذ جاء في قصةٍ بذات عنوان المجموعة، في الجزء الثالث منها، خطابٌ حواريٌ بين شخصيتي القصة : مرزوقٍ و راشدٍ
” قال مرزوقٌ :
– ولكن . أنت تعرف أن رحلات النوخذة تطول، ولا يقصد جهةً معلومةً .. وكل سفرةٍ تأخذ لها أربعة أشهرٍ وممكن تزيد .. المهم أني سأكلم النوخذة .. لكن ما أدري إلى أين اتجاهه .
قال راشد : الهند – السند – المهم أسافر .
فكر مرزوقٌ قليلاً، وهو يحك رأسه، وقال : على بركة الله، ثم أضاف :
– أنا في العصر سأذهب إلى النوخذة … وسأكلمه في الموضوع، والله يجيب إللي فيه الخير . ” (44)
يظهر لنا الخطاب الحواري تقنية ” الاستباق ” التي بنيت على معطياتٍ دقيقةٍ وصريحةٍ (45)، أبرز فيها خبرة حياةٍ من صميم معرفةٍ بالواقع ” أنت تعرف أن رحلات النوخذة تطول، ولا يقصد جهةً معلومةً .. وكل سفرةٍ تأخذ لها أربعة أشهرٍ وممكن تزيد ” ، وفكره وخياله ” لكن ما أدري إلى أين اتجاهه “، ” فكر مرزوقٌ قليلاً، وهو يحك رأسه “، كلها أوصلته إلى تطلعٍ اتكأ عليه ؛ لبيان الزمن الاستباقي ” أنا في العصر سأذهب إلى النوخذة … وسأكلمه في الموضوع، والله يجيب إللي فيه الخير . ” إلا أنه زمنٌ لم يكن مداه بعيدًا ؛ بل قصيرًا، عمل ” على سد فجواتٍ لاحقةٍ ” (46) ستتحقق بعد حينٍ في ذات القصة، وهو ما يعرف عند ” جيرار جينيت ” بـــــــ ( الاستباق الداخلي التكميلي ) (47)، وفائدته : ” إحداث ربطٍ وتمازجٍ بين أحداث القصة السابقة واللاحقة، والتأكيد على أهمية الزمن في نفس المتلقي الذي يصر – بعد النص الاستباقي – على معرفة النقطة التي أكملها الاستباق . ” (48)
ولم تكن تقنية ” الاستباق ” ببعيدةٍ عن قاصي القرن الحادي والعشرين، وإنما تضافرت هذه التقنية الزمنية في الخطاب الحواري مع زمن الحاضر السردي ؛ لتضيء ما هو آتٍ من تغيراتٍ ومفاجآتٍ في الأحداث والشخصيات . وقد لا يفصل القاص بين وظيفتي ” الاستباق ” : التمهيد و الإعلان، بقدر ما يكون همه قذف شيءٍ في روع المتلقي من التطلع للمستقبل، وتشويقه لما هو قادمٌ على مسرح أحداث القصة أو المتوقع حدوثه.
فالقاص ” عبدالعزيز الفارسي ” في مجموعته القصصية ” وأخيرًا استيقظ الدب ” أورد بعضًا من الاستباقات في الخطاب الحواري – الذي أحدث مفارقةً زمنيةً أمام زمن السرد القصصي – ، منها ما جاء في قصة ” سعيد الخياط ” ، إذ دار خطابٌ حواريٌ بين والد سعيدٍ والشيخ صالحٍ – بعدما أنهيا أكلهما من عزيمة سعيدٍ إثر انتقاله إلى بلده الأم كمعلمٍ في إحدى مدارسها – :
” …، وبعد الانتهاء قال له الشيخ صالح : واسطةٌ .. والحمد لله توسطنا لك ونقلناك .. يا الله شد حيلك وعرس . تدخل أبو سعيدٍ : معلومٌ يا الشيخ .. في إجازة نص السنة إن شاء الله بنعزمكم على عرس سعيدٍ ” (49)
رغم أن زمن السرد يعيش الحاضر الذي يصور المشايخ وأعضاء مجلس الشورى ومجلس الدولة وهم في حضرة وليمةٍ كبيرةٍ دعوا إليها، إلا أن زمن الخطاب الحواري قفز بنا سريعًا إلى زمنٍ آخر بتقنية ” الاستباق “، إنها الشخصية عندما تكشف عن مصيرها أو مصير غيرها . فهنا أعلن أبو سعيدٍ زواج ابنه ” في إجازة نص السنة إن شا الله “، وهم ما زالوا في بداية السنة – بقرينة زمن نقل سعيدٍ إلى مدرسة بلده ليبدأ مشوارًا جديدًا في التدريس، وزمن الوليمة المعدة لهذا النقل، وقرينة عبارة ” إن شاء الله ” التي تدل على المستقبل – فتضافرت القرائن عن ” استباقٍ داخليٍ تكميليٍ ” امتد ما يقرب من أربعة أشهرٍ (50 )، قد عاش فيه الخطاب الحواري – الذي حصل بين الأب وابنه سعيدٍ – بين مدٍ وجزرٍ وأخذٍ وعطاءٍ وشدٍ وجذبٍ ؛ مما ولد في ذهن المتلقي وروعه إثارةً وشوقًا وتساؤلاً بتحققه أو عدمه، فاستطاع القاص بعد سعة ما يقرب من خمسين سطرًا إلى بيان تحقق الأمل المنشود و الاستباق السابق الذكر، ” …، كانت عطلة منتصف العام الدراسي قد بدأت، ووجد نفسه متزوجًا وسط أهله والأصدقاء . ” (51 ) إنه السارد الذي يعلم ما سيتحقق لاحقًا، وما يطرأ على الخطاب من نمو أحداثٍ وتبدل مواقف .
وبهذا، استطاع القاص العماني أن يوظف بوعيٍ تقنية ” الاستباق ” في الخطاب الحواري بقسميه : الداخلي و الخارجي، وما يلحقها من تقنياتٍ وصورٍ لبيانها ؛ مما أحدث لها أفقًا توظيفيًا في الخطاب الحواري، إذ لم يأت بها عبثًا ولم يذكرها سدًا ؛ بل أعلن المواقف ومهد المصائر، ونحو ذلك .
الخاتمة :
إن كتابة القصة القصيرة في عمان حديثةً ومعاصرةً تطورت تطورًا ملحوظًا، سواءً على مستوى ” البنية السردية ” أو على مستوى ” توظيف التقنيات السردية الحديثة ” ؛ بسبب تعايشها وتواصلها مع الآخر، ونلمس ذلك من خلال مدى الاهتمام بفن القصة عامةً والقصة القصيرة خاصةً إنتاجًا ودراسةً ومكانةً في المشهد الثقافي العماني والعربي .
وقد أفردنا النظر – في هذه الدراسة – إلى دراسة تقنيتين زمنيتين في الخطاب الحواري القصصي، ونحن ندرك – في خاتمتها – أولاً : أهمية دراسة تقنيات الخطاب الحواري في السرد القصصي ؛ لما يمثله هذا الخطاب من ركيزةٍ أساسيةٍ لحركة شخصيات القصة القصيرة وتنامي أحداثها، ولإعادة النظر إلى أهمية الالتفات إلى هذا الخطاب ودراسة تقنياته والظواهر البارزة فيه – بعدما واجه اهمالاً، حتى من أهل التخصص – مما يدفعنا إلى الإحاطة به معرفيًا ودراسته تقنيًا بوعيٍ وإدراكٍ، وإثراء المكتبة بمثل هذه الدراسات والبحوث . ثانيًا : إن وقفتنا على مسألة ” الزمن “، كونها من المسائل التي لاقت اهتمامًا في الدراسات السردية، بعدما ثبت أن ثمة تداخلٌ بين الأزمنة الثلاثة ( الماضي – الحاضر – المستقبل )، مما بدا ” أن نظام التسلسل الزمني بصورةٍ دقيقةٍ يكاد يكون غير قابلٍ للاستعمال في الرواية ( فن القصة ) ؛ لصعوبة التطابق التام بين أحداث الحكاية وبين السرد ” . (52 ) من هنا، فالزمن حصلت فيه حركة تقديمٍ وتأخيرٍ ؛ لإثارة المتلقي وجذب انتباهه، وهي حركةٌ فنيةٌ للزمن داخل الخطاب الحواري، أظهرت القاص العماني الواعي بضرورة التعامل مع الزمن المتحرك بتداخله وتمازجه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( حاضرٌ ماضٍ )،( حاضرٌ مستقبلٌ )
تقنية الاسترجاع تقنية الاستباق
( Analepse ) ( Prolepsis )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد لاحظنا من خلال الدراسة أن هاتين الحركتين الزمنيتين في الخطاب الحواري تتمتعان بالحضور الذي يلفت النظر لدراستها، طوال فترةٍ زمنيةٍ برهنت الدراسة عليها، امتدت من السبعينيات من القرن العشرين إلى بدايات القرن الحادي والعشرين، حتى أصبح لنا أن نجزم أن التقنيتين الزمنيتين تمثلان جزءًا أساسيًا من التشكيل الفني للبناء القصصي، لذا لم يغفل عنهما القاص العماني ؛ بل فتح لهما مجالاً رحبًا للذهاب والإياب، كنوعٍ من تقنيات زمن الخطاب الحواري .
فتقنية ” الاسترجاع ” ( Analepse ) وجدناها حاضرةً في الخطاب الحواري بنسبةٍ أكبر من تقنية ” الاستباق ” ( Prolepsis ) ، وقد وظفها القاص بطريقةٍ فنيةٍ ؛ ليلتفت من خلالها إلى الماضي ويسترجعه بتفاصيله الدقيقة، من خلال قسميه : الخارجي والداخلي، فالخارجي : هو الاسترجاع الذي يذكر حدثًا يسبق زمن السرد الحكائي الحالي، أما الداخلي : فهو الاسترجاع الذي يرتبط بأحداث زمن السرد الحكائي الحالي إلا أن الزمن الحاضر في الخطاب الحواري يحفل بإضاءات الماضي والسابق من السرد ذاته، مراعيًا في كلا القسمين تقنيتي : المدى والسعة .
ويقوم القاص باستدعاء ” الاسترجاع ” عن طريق : الأفعال الماضية سواءً التامة كــ ( فسرت لي، جاءنا البرتغال، سمعت خالي، دست السم، … ) أو الناقصة كــ( كانت لنا، أصبح الحاكم، كنت طفلاً، … )، وعن طريق : ألفاظ الظرف الزماني : ( قبل مدةٍ، في ذلك اليوم، وقتئذٍ، … )، وعن طريق : الألفاظ الصريحة التي تشير إلى الاسترجاع كــــ ( نبش ذكرياتك، العودة إلى الماضي، … ) .
ثم إننا اطلعنا على طرقٍ وأساليب متنوعةٍ في عرض ” الاسترجاع ” في الخطاب الحواري . من بين ذلك : طريقة ذكر أحداثٍ تاريخيةٍ مع شخصياتها المشهورة في التاريخ العماني، وطريقة توظيف تقنيتين في الآن معًا وهما : التلخيص و الاسترجاع ليكون بأسلوب ” تلخيص الاسترجاع “، وطريقة إدخال قصةٍ استرجاعيةٍ في القصة الأم،…إلخ . وكل طريقةٍ من هذه الطرق تثري تقنية ” الاسترجاع ” في الخطاب الحواري وتدعم مسيرتها الجمالية في النص السردي .
وظاهرة ” الاستباق ” ( Prolepsis ) – التي نسبتها في الحضور أقل من ” الاسترجاع ” ( Analepse ) – يحتاج حضورها إلى وعيٍ بالواقع المعاش وجهدٍ ذهنيٍ وخيالٍ واسعٍ، ومن هنا فإن القاص إذا لم يتزود بهذه القنوات فإنني أجزم بأنه لن يتمكن من توظيف تقنية ” الاستباق ” توظيفًا ناجحًا .
وقد وجدنا القاص العماني، وهو يوظف هذه التقنية في مسارين اثنين، هما : مسار المدى البعيد ؛ فيكون تحقق ” الاستباق ” يأخذ أشهرًا وسنواتٍ، ويوظف – غالبًا – كإعلانٍ للتغيير الذي سيطرأ وللمصائر التي ستحصل . والمسار الآخر هو : مسار المدى القريب، الذي لا يأخذ تحقق ” الاستباق ” فيه إلا دقائق أو ساعاتٍ أو أيامًا، وهو يأتي للتمهيد تارةً وللإعلان تارةً أخرى ؛ لسد فجواتٍ زمنيةٍ سيحققها دومًا السرد في ذات القصة . والقص يراوح بين المسارين على مستوى المجموعة القصصية الواحدًة وعلى مستوى القصة الواحدة، وهذا يحدث متعةً وتشويقًا للمتلقي، وبعدًا جماليًا للزمن الاستباقي .
وإذا نظرنا إلى الألفاظ التي يستدعي القاص من خلالها زمن ” الاستباق ” ويركب بها اللغة ليطوف الأزمان، فإننا نجد في مقدمتها : الفعل المضارع المتصل بالسين الدالة على المستقبل من الزمان – كما في قائمة الدراسات النحوية – ، وجاءت – من بينها – عبارة ” إن شاء الله ” القرينة بزمنٍ مستقبلٍ ؛ لتكون معطًى يطرأ على الخطاب ويدفع بالأحداث إلى النمو والتغير .
هكذا الزمن عندما يتحرك – في الخطاب الحواري – إلى الأمام ( على المدى البعيد أو القريب ) أو إلى الخلف ( على المدى البعيد أو القريب )، فإنه سيكون منطلقًا لتكوين علاقاتٍ زمنيةٍ تؤثر في النص السردي عامةً والخطاب الحواري خاصةً، أي يؤثر قطعًا في البناء القصصي العام .
هوامش :
(1) إن الحركات الأدبية النشطة التي عاشتها عمان منذ أقدم العصور تؤكد عدم القطيعة والانعزال، فما ذكره الجاحظ في ( البيان والتبيين ) يؤيد ذلك، فقد كان لعمان أسواق أدبية معروفة ؛ كسوق صحار وسوق دبا، بجانب أن الدراسات البحثية تسجل أن عمان لم تمر بأي ظاهرة ضعف سواء لغوية أو أدبية، رغم ما يسجل من ضعف في تاريخ الأدب العربي، فهو ” في عمان لم يصمت الإبداع، ولم يمارس القطيعة ؛ بل كان يعيش في ربوعها طوال الحقب الماضية .” ( ينظر إلى هذه الحقائق في : الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر، البيان والتبيين،ج1، تحقيق : عبدالسلام هارون، القاهرة، ص: 96 / سلامة، يسري، وآخرون، اللغة العربية : دراسات ونصوص، جامعة السلطان قابوس، سلطنة عمان، 1423هــــ / 2002م، ص: 184 / الجديدي، سالم بن ناصر بن سالم، الصورة اللونية في الشعر العماني الحديث، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت – لبنان، ط1، 2014م، ص: 52 ) .
(2) يقول فاتح عبدالسلام عن ذلك : ” وقد صار من تقاليد بناء القصة المعاملة تكنولوجيا في إخراجها وتنفيذها سينمائيا وإذاعيا، أن يكون لها حوارها الخاص الذي يكتب في ضوء شروط مغايرة، أهمها : مراعاة كونه حوارا ليست له علاقة قائمة مع السرد الوارد عادة في الرواية أو القصة، وغير مصمم تحت تأثيرات النص المكتوب للمسرح . ” ( ينظر :، عبدالسلام، فاتح، الحوار القصصي : تقنياته وعلاقاته السردية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 1999م، ص26 ) .
(3) يرمز للشبكة العنكبوتية العالمية بـــــ(WWW ) وهي الأحرف الأولى من : ( World Wide Web ) وهي عبارة عن شبكة واسعة من مجموعة من شبكات الحواسيب الموجودة حول العالم، والمرتبطة بعضها بالآخر سلكيًا أو لا سلكيًا، وسميت بالشبكة العنكبوتية بسبب انتشارها وتشابكها في العالم والذي يشبه خيوط العنكبوت . ( ينظر : موقع ” موضوع ” أكبر موقع عربي بالعالم الالكتروني mawdoo3.com 15/1/2017م، الساعة11:30 ص . )
(4) إن الدراسات السردية تثبت أثر التكنولوجيا على الكتابة السردية القصصية، وممن قال بهذا : ” فاتح عبد السلام “، حيث يشير إلى أن العامل التكنولوجي كان له الأثر الكبير في توجه الحوار الأدبي وتحديد خصائصه وأنماطه وعلاقاته السردية، وإهمال هذا الجانب في الدراسة ستعد عملا أحاديًا وناقصا . أما ” د. سعيد يقطين ” أشار في حوار له عن كتابة ( النص المترابط ) بأن ” عزوف الكتاب والمثقفين عن دخول عالم الوسائط المتفاعلة والاشتغال بالبرمجيات عامل إضافي يساهم في طبع الممارسة بالمحدودية “، فهو يدعو إلى تطوير علوم التكنولوجيا الجديدة للإعلام والتواصل ؛ لما لها من أثرٍ في تطور تعاملنا مع النظريات الأدبية الجديدة، وتفاعلنا مع الآخر ووعينا به . وهو – سعيد يقطين – يدعو إلى إنشاء مواقع شخصية ومؤسساتية ( ثقافية أو إعلامية ) ؛ لأجل تعزيز الثقافة العربية على الشبكة المعلوماتية، ويقول : “جاء كتابي ( من النص إلى النص المترابط ) ؛ ليكون من بين أهدافه الأساسية : الدعوة إلى تحفيز المثقفين والمفكرين العرب إلى التعامل مع الفضاء الشبكي، من خلال إنشاء مواقع خاصة بهم أو بشخصيات ثقافية قديمة . لأن أي تأخر في ذلك لا يمكن إلا أن يسهم في التأخر في دعم الثقافة العربية وخدمتها . ” ( ينظر إلى كتاب : الحوار القصصي، فاتح عبد السلام، ص: 19- 34 (بتصرف ) / ينظر إلى كتاب : ماجدولين، د.شرف الدين، السرد والسرديات في أعمال سعيد يقطين : دراسات – شهادات – حوارات، دار الأمان، الرباط، ط1، 1434هـ – 2013م، ص: 215 – 227 (بتصرف) ) .
(5) السرد والسرديات، ص: 224 .
(6) بحثٌ ألقي في ندوة القصة القصيرة في عمان من 8-10 يونيو 1991م، ضمن كتاب : الصليبي، محمد علي، فعاليات ومناشط : حصاد أنشطة المنتدى الأدبي لعام 1991م، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان، إصدار يونيو 1992م . ص: 123 – 141 .
(7) المرجع السابق، ص: 127 ( بتصرف ) .
(8) المرجع السابق، ص: 133 .
** طبقت الدراسة على أربع مجموعات قصصية، هي: ( صراع مع الأمواج لـ علي الكلباني 1987م، لا يا غريب لـ أحمد بن بلال 1987م، الدجالة لـ صادق عبدواني 1989م، ساعة الرحيل الملتهبة لـ محمد القرمطي 1988م ) .
** يقصد بـــ ” الناظم الخارجي ” – كما يعرفها يقطين – : حين يكون مستوى الراوي خارجيًا، وموقعه برانيًا .
ويقصد بـــ ” الفاعل الذاتي ” : حين يكون المستوى ذاتي الحكي، والشكل ( الموقع ) جوانيًا .
ولمزيد من الفائدة في هذا الإطار، ( ينظر إلى : يقطين، سعيد، تحليل الخطاب الروائي : الزمن – السرد – التبئير ، المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء، الطبعة الرابعة، 2005م ، ص: 281- 387 . )
(9) ميدان، د.أيمن محمد، ” تجليات الزمان والمكان في القصة العمانية القصيرة : مقاربة أولى “، ضمن كتاب : قراءات في القصة العمانية المعاصرة : حصاد الندوة التي أقامها المنتدى الأدبي في الفترة 16 و 17 / سبتمبر / 2001م، سلطنة عمان، ط2، 2006م، ص: 85- 69 (بتصرف) .
(10) استطاعت القصة العمانية أن تتجاوز شهرتها المحلية ” ولحقت بالقصة القصيرة العربية، وغدت تنافسها، كما حصل في مسابقة ( جائزة يوسف إدريس للقصة القصيرة ) التي فاز بها القاص سليمان المعمري عن مجموعته “الأشياء أقرب مما تبدو في المرآة “، من بين 40 مجموعة قصصية من مصر والبلدان العربية ” . ( ينظر : القصة العمانية القصيرة وأفق التحولات (2001-2006م )، المنتدى الأدبي، سلطنة عمان، ط1، 2010م، ص: 144 .
(11) قرءات في القصة العمانية المعاصرة، ص: 59 .
(12) لا يمثل هذا المقال إلا جزءًا يسيرًا من اهتمامنا القادم بدراسةٍ معمقة للخطاب الحواري – نحن بصدد القيام بها – ؛ لذا سنقوم بذكر الظواهر الزمنية كلمحةٍ وومضةٍ سريعةٍ، مع أمثلةٍ يسيرة ؛ لندلل على وجودها في سرد القصة القصيرة العمانية.
(13) إن الزمن حظي بالكثير من الدراسات السردية القصصية، واهتمت به المدارس النقدية على اختلاف مناهجها، وتعد الدراسات البنيوية من أهم الدراسات في هذا المجال ؛ وما ذاك إلا لأهميته كعنصرٍ من عناصر القصة الفاعلة، إذ ينقل المتلقي من زمن إلى آخر، من الحاضر إلى الماضي أو المستقبل، ولعل ما يثير الاهتمام في السرد ” الترتيب الزمني ” (Temporal Order )، الذي يؤمن الإثارة والتشويق ويزيح الرتابة والفتور في النص القصصي عامة والخطاب الحواري خاصة، كون الخطاب الحواري له علاقة بالزمن، فهو شديد اللصوق بالأحداث والبناء الفني للقصة، إذ يفرق النقاد بين نوعين مختلفين من الزمن ” فهناك من جهةٍ الزمن الفيزيائي للعالم، وهو خطي ولا متناه، وله مطابقته عند الإنسان، وهو المدة المتغيرة، والتي يقيسها كل فرد حسب هواه وأحاسيسه وإيقاع حياته الداخلية . وهناك من جهة ثانية الزمن الحدثي ( Temps Chronique ) وهو زمن الأحداث الذي يغطي حياتنا كمتتالية من الأحداث . وما نسميه عادة بالزمن هو هذا الأخير . والزمنان معا مزدوجان ذاتيا وموضوعيا ” (ينظر : تحليل الخطاب الروائي، ص: 64 )، وبذلك ” يتبين الترتيب الزمني بمقارنة ترتيب الأحداث أو المقاطع الزمنية في الخطاب السردي بنظام تتابع هذه الأحداث أو المقاطع نفسها في الحكاية . وهذا النظام يستدل عليه من الإشارات الصريحة والقرائن المبثوثة في النص . ” ( ينظر : القاضي، محمد وآخرون، معجم السرديات، دار محمد علي للنشر – تونس، ط1،2010م، ص: 87 ) .
(14) نقصد من وراء ذلك أن “الترتيب الزمني ” يلحق زمنية السرد وليست زمنية القصة والحكاية، حيث ثمة فرق “بين زمن السرد وزمن القصة . حيث إن زمن القصة يخضع للترتيب المنطقي للأحداث كما هي في الواقع، بينما لا يتقيد زمن السرد بهذا الترتيب ؛ إذ يرتبط بشكل مباشر بطريقة الكاتب في بناء الزمن الروائي، حيث يستبق الأحداث حينًا ويرتد إلى الماضي حينًا، أو يمزج بين الأزمنة المختلفة . وأدى هذا التمييز بين زمن السرد وزمن القصة إلى كشف التفاصيل الدقيقة للروايات المختلفة، ومعرفة أهم الفروق بينها بشكل علمي دقيق .” (ينظر : السيد، د.وجيه يعقوب، مناهج النقد الروائي، مكتبة آفاق، الكويت، ط1، 1435هـ/2014م، ص: 219. )
(15) بحرواي، حسن، بنية الشكل الروائي : الفضاء – الزمن – الشخصية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء – المغرب، ط2، 2009م، ص: 119 .
(16) عند بحثنا عن الخطاب الحواري في السرد، وجدنا أن منظري السرد لم يخصوه بدراسات نظرية معمقة إلا في أوائل تسعينيات القرن الماضي، وخاصة في الأبحاث المهتمة بـــ” التداولية والتفاعل القولي والمحادثة العادية ” ( معجم السرديات، ص: 159 )، وما هذا – في نظري – إلا بسبب أن المنظرين كانوا يعتبرون السرد والحوار شيئًا واحدًا، والأمر الآخر : أن الدراسات التي قامت على النظر إلى الحوار في النص لم تدرسه بعيدًا عن السرد ؛ بل اعتبرته منه . ف” جيرار جينيت ” الذي اهتم بـــ” سرد الأقوال ” و ” حكاية الأقوال ” درس أشكاله وأنواعه في خضم النص السردي أو ما يعرف بـنظام ” التناوب ” بين الخطاب السردي وخطاب الشخصيات . يقول د.الجزيري : إن ” ما يبدو من عدم انتظام المقطع السردي في الظاهر أن النص متشكل من تحولات غير محدودة من مقتطفات قديمة وحديثة، ونصوص مقتبسة أو مضمنة من سياقات أخرى ؛ مما يجعل النص خاضعا لنظام داخلي خاص . ولذلك فإن مسألة ” التنازع النصي ” ( belligerence textuelle ) بين الحوار والوصف تطرح نفسها، كذلك ما بين السرد والحوار، أو ما بين سرد الأحداث وسرد الأقوال، وهو ما يستوجب إعطاء كل ذي حق حقه بغية تحقيق التماسك والانسجام بين مكونات النص. ” ( ينظر : الجزيري، د.الطاهر، الحوار في الخطاب : دراسة تداولية سردية في نماذج من الرواية العربية الجديدة، مكتبة آفاق، الكويت، ط1، 2012م، ص: 48 . )
(17) ” الاسترجاع ” ( Analepse ) مصطلح تعددت تسمياته عند الباحثين العرب، فهو : ارتداد واستذكار ولواحق واستحضار وارتجاع فني، إلا أن المعنى المراد قد يكون واحدا ؛ نظرا لتمتعه بالاستقرار بعد دراسة “جيرار جينيت ” له، الذي استفاد منه أغلب الدارسين العرب . فهو عند جيرار جينيت بمعنى ” العودة إلى الوراء ” وهو ” استرجاع حدث سابق عن الحدث الذي يحكى ” . فمن هنا تكون هذه التقنية السردية الزمنية – التي انتقلت من دراسة الحكي الكلاسيكي كــ “ملحمة الإلياذة ” ، إلى الأعمال الروائية والقصصية الحديثة – تشكل مفارقة زمنية تقوم : ” بتوسيعٍ لمحتوى اللحظة الآنية، وذلك من خلال انعكاسات الزمن الخارجي على الشعور الإنساني، … عن طريق استرجاعه وتجسيده في صورة فنية . ” ( ينظر : حبيلة، د.الشريف، مكونات الخطاب السردي : مفاهيم نظرية، عالم الكتب الحديثة، إربد – الأردن، ط1، 2011م، ص: 25 ) وينظر : (جينيت، جيرار، عودة إلى خطاب الحكاية، ت: محمد معتصم، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1، 2000م ، ص: 26 – 33 )،و ( تحليل الخطاب الروائي، ص: 77- 78 ) .
(18) إن للاسترجاع مجموعة من الوظائف ذكرتها مجموعة من الدراسات السردية، فيرى ” جيرار جينيت ” أن أهم هذه الوظائف : ” ملء الفجوات التي يخلفها السرد وراءه، سواء بإعطائنا معلومات حول سوابق شخصية جديدة دخلت عالم القصة، أو بإطلاعنا على حاضر شخصية اختفت عن مسرح الأحداث ثم عادت للظهور من جديد . ” (ينظر : بنية الشكل الروائي، ص: 121 – 122 )، وهناك من الوظائف التي تقررها الاسترجاعات في سياقاتها المتنوعة والمختلفة .
(19) الطائي، عبدالله محمد، المغلغل (قصص قصيرة )، ضمن كتاب : سرديات عبدالله محمد الطائي، دار فضاءات للنشر والتوزيع، عمان – الأردن، ط1، 2016م، ص: 44 .
(20) على ما يقول التنظير ” ما بعد الحداثي للسرديات ” : الاستعانة بعناصر من التاريخ، لا باعتبارها ماضيا يدخل في مفهوم الحكاية التي ترويها الذاكرة ؛ بل باعتبارها مادة موثقة تحتضنها كتب تنتمي إلى جنس الكتابة التاريخية التي تتوخى الوصول إلى الحقيقة في حدثيتها المرجعية. ( ينظر : العيد، د.يمنى، الرواية العربية : المتخيل وبنيته الفنية، دار الفارابي، بيروت – لبنان، ط1، 2011م، ص: 268 . )
(21) زمن السرد : هو ” زمن الفعل السردي المنتج، وهو يقابل التلفظ أو النطق / البيان Enociation ، والسرد هو الطريقة التي تحكى بها الحكاية ؛ لذا فهو الذي يعتمد عليه في تمييز أنماط الحكي بصورة أساسية، وهو زمن الحاضر الروائي أو الزمن الذي ينهض فيه السرد، …، وهو الحاضر التخييلي الذي يمنح الروائي المساحة الرحبة للانطلاق من (الدرجة الصفر )، وهي اللحظة الحاضرة التي ينطلق منها سهم السرد إلى الأمام أو يرتد إلى الخلف ؛ لأن تحديد هذا الزمن – كما يقول سعيد يقطين – هو الذي يتيح لنا إمكانية تحديد اللاحاضر سواء قبلاً أو بعدًا. ” ( عبدالله، بشرى، جماليات الزمن في الرواية : دراسة متخصصة في جماليات الزمن في الرواية الإماراتية، منشورات ضفاف، بيروت – لبنان، ط1، 1436هـ / 2015م، ص: 54 – 55 ) .
(22) إن مادة التاريخ هنا في الخطاب الحواري خاصة والسردي عامة ليست بابًا من أبواب التغني بالماضي أو باعتباره إضاءة عابرة لا قيمة لها، أو إثارة قضايا العنصرية أو القبيلة وما شابهها ؛ وإنما هي بمثابة فكرٍ سيطر على أبناء هذا الوطن، فهم يحملون همه ماضيا وحاضرا، على حد قول القائل : من ليس له ماضٍ فليس له حاضر، بجانب أن التاريخ زمنٌ، فيه تحدث ألوان من التغيرات والتحولات والصراعات، فيقوم بتغذية الذاكرة البشرية، والسارد – بهذا – يسائل الزمن، فكما تقول د. يمنى العيد : ” فالزمن زوال ومحو، والسرد تذكر لما كان، وكل تذكر لا يستقيم إلا بذاته ولذاته، طارحا بذلك سؤاله على معنى الوجود وحقيقته . “( ينظر : الرواية العربية، ص: 270)
(23) أقول : بالخطاب الحواري ؛ لأن الحركة الزمنية في السرد جاءت على النحو التالي :
1- زمن حاضر تمثل في لحظة انطلاق السرد (درجة الصفر).
2- زمن ماضٍ تمثل في الخطاب الحواري، وتفصيله لأحداث الماضي.
3- زمن حاضر تمثل في رجوع السرد إلى ذكر أحداث الحاضر المعاش .
(24) برنس، جيرالد، المصطلح السردي، ت : عابد خزندار، مراجعة : محمد بريري، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ط1، 2003م، ص: 25 .
(25) قسم جينيت الاسترجاعات إلى : استرجاعات خارجية ( externs )، واسترجاعات داخلية ( internes )، واسترجاعات مزجية ( completives ) . ( ينظر : مصطفى، منصوري، سرديات جيرار جينيت في النقد العربي الحديث، رؤية للنشر والتوزيع – القاهرة، ط1، 2015م، ص: 165 – 183 ) .
(26) ** السعة ( Amplitude ) : يقصد بها ” المساحة التي يحتلها الاستذكار – الاسترجاع – ضمن زمن السرد . فإذا كان مدى الاستذكار يقاس بالسنوات والشهور والأيام …، فإن سعته سوف تقاس بالسطور والفقرات والصفحات التي يغطيها الاستذكار من زمن السرد ؛ بحيث توضح لنا الاتساع التيبوغرافي الذي يمثله في الخطاب الخطي للرواية . ” ( ينظر : بنية الشكل الروائي، ص: 125-126 ) . وحسن بحراوي بهذا التعريف لــ”السعة” يختلف مع جيرار جينيت الذي يحدد مفهوم ” السعة ” بــــ المدة التي تشملها المفارقة الزمنية من زمن القصة نفسه، وليس من زمن الخطاب – كما أشار إليه بحرواي – . ( ينظر : المرجع السابق، ص:126 ) .
** المدى ( Reach ) : يقصد به ” المسافة الزمنية التي تفصل الارتداد أو الاستباق عن اللحظة التي توقفت فيها الحكاية ؛ لتفسح في المجال للمفارقة الزمنية ” . ( ينظر : معجم السرديات، 379 ) . فالمتأمل يمكن أن يجد أن هناك مدى لاسترجاع أيامٍ، ومنها لأشهرٍ ، ومنها لسنواتٍ قريبةٍ، ومنها لسنواتٍ بعيدةٍ … . فمن خلال المدى، قسم النعيمي الاسترجاع (الاستذكار) إلى ثلاثة أقسام : الاستذكارات ذات المدى الأسطوري، الاستذكارات ذات المدى البعيد نسبيا، الاستذكارات ذات المدى القريب . ( ينظر : النعيمي، د.فيصل غازي، جماليات البناء الروائي عند غادة السمان : دراسة في الزمن السردي، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان – الأردن، ط1، 2014م، ص: 33 – 46 )
(27) الشيدي، بدر، أشرعة الضوء – مجموعة قصصية، مطبعة الألوان الحديثة، سلطنة عمان، ص: 84 – 87 .
(28) المرجع السابق، ص:84 .
(29) يذكر ” يان مانفريد” عن ” جينيت ” أنواعا للمفارقات الزمنية، ففي ” حالة ما إذا كانت المفارقة الزمنية حقيقية أو واقعية فإنها تكون مفارقة زمنية موضوعية objective anachrony . أما رؤى الشخصية عن المستقبل أو تذكر الأحداث الماضية فهي مفارقات زمنية ذاتية subjective anachronies . والمفارقة الزمنية التكرارية Repetitive anachronies هي التي تعيد الأحداث التي سردت . أما المفارقات الزمنية التكميلية completive anachronies فهي التي تعرض الأحداث التي حذفت من خط القصة الأساسي . والمفارقات الزمنية الخارجية anachronies External : فهي تلك التي تعرض الأحداث التي حدثت قبل بداية خط القصة الأساسي أو بعد نهايته . أما المفارقات الموجودة في طيات خط القصة الأساسي أو بكلمات أخرى المتضمنة في نطاقه فهي المفارقات الزمنية الداخلية internal anachronies . ” ( ينظر : مانفريد، يان، علم السرد : مدخل إلى نظرية السرد، ت : أماني أبو رحمة، دار نينوى، سورية – دمشق، ط2011م – 1431ه، ص: 116 – 117 )
(30) أشرعة الضوء – مجموعة قصصية، 84 .
(31) المنذري، حنان، ستائر مسدلة – مجموعة قصصية، مؤسسة الانتشار، بيروت – لبنان، ط1، 2011م، ص: 50 – 51 .
(32) مصطلح ” قصة في قصة ” ينتمي إلى المستويات السردية – كما درسه ” جونات “، ويعني به : القصة التي يكون راويها أصلا شخصية من القصة الإبتدائية، وهو ما يعني تحولا في مستوى السرد من القصة من الدرجة الأولى إلى القصة من الدرجة الثانية . وقد اقترح ” جونات ” هذا المصطلح بديلا من مصطلح ” التضمين ” المتمثل في اندراج قصة في قصة . (ينظر : معجم السرديات، ص: 336 . (بتصرف) ) .
(33) عرف د.شبر الموسوي ” الوعي الفني ” بقوله : ” قدرة الكاتب / القاص على التعامل الواعي مع أدواته الفنية، وتوظيفها بشكل فني ومقبول وممكن داخل النص، دون وجود عوائق أو نتوءات تبرز داخل العمل الأدبي ..” ( ينظر : القصة العمانية القصيرة وأفق التحولات، ص: 11 ) .
(34) الاستباق ( Prolepsis ) هذا المصطلح الذي اخترناه من بين مصطلحاتٍ أخر ؛ لأنه أقرب إلى السرد من غيره ( الاستشراف والتوقعات )، لأن ” الاستباق لا يعني التنبؤ فقط ؛ بل يدل على التلاعب بالزمن، وإيراد أحداث لاحقة …” ( جماليات البناء الروائي عند غادة السمان : دراسة في الزمن السردي، ص: 60 )
(35) صفية، عبدالله، ” الاستشراف والنص السردي : الماهية والعلائق “، ضمن كتاب : فلسفة السرد المنطلقات والمشاريع، إشراف وتنسيق وتقديم : اليامين بن تومي، مجموعة مؤلفين، دار الأمان، الرباط، ط1، 2014م، ص: 139.
(36) يؤدي الخيال أدوارًا لا حد لها من التعبير عما يدور من خلجات وهواجس داخل النفس البشرية، ومن هذه الأدوار : تأدية تصور الشخصية ما لا تعرف، تأدية تحليل أمل، تأدية نشاط خيال، تأدية مجموعة أخيلة، تأدية تصور شخصية أخرى . ( للمزيد من التوضيح والبيان لهذه الأدوار، ينظر : قسومة، الصادق، باطن الشخصية القصصية : خلفياته وأدواته وقضاياه، دار الجنوب للنشر – تونس، ص: 115 – 117 ) .
(37) ندرك أن الخيال بمعناه العام – في حقيقته – لا يخضع لزمانٍ سواء أكان ماضيًا أم مستقبلاً ، إلا أن الخيال المرتبط بالعمل الأدبي – وهو ما يعرف بالخيال الابتكاري – يتميز بارتباطه بالزمن . يقول في هذا أ.د.شكري الماضي : ” والخيال الابتكاري هو الذي يحظى باهتمام الأدباء والنقاد لما له من أثر في تشكيل العمل الأدبي وتقديره، …، فيتميز بأن له غرضًا مقصودًا يشعر به الإنسان ويعمل على تحقيقه، وبأنه خاضع لإرادة المتخيل ومرتبط بالزمان / المستقبل …” ( ينظر : الماضي، أ.د.شكري، مقاييس الأدب : مقالات في النقد الحديث والمعاصر، دار العالم العربي – دبي، ط1، 1432ه – 2011م، ص: 70 – 71 ) .
(38) الموسوي، د.شبر بن شرف، القصة القصيرة في عمان من عام 1970م وحتى عام 2000م – دراسة فنية موضوعية، وزارة التراث والثقافة – سلطنة عمان، ط 2006م، ص: 362 .
(39) نفس المرجع، ص: 362 .
(40) المغلغل (قصص قصيرة )، ص: 50 .
(41) إذا نظرنا إلى المدى الزمني للاستباق، فإننا نجد ” جيرار جينيت ” يقسمه إلى قسمين : استباقات خارجية واستباقات داخلية . فالخارجية تتميز بمدياتها البعيدة نسبيًا وكأنها المرتبطة بالنهايات وبالمصير والمآل التي تؤول إليها الأحداث . أما الداخلية تتميز بمدياتها القريبة إذ لا تستغرق لحظاتٍ وأيامٍ معدودات وهي تتداخل مع سرد القصة ذاتها . ( ينظر : سرديات جيرار جينيت، ص: 181 – 183 ) .
(42) النهضة الحديثة في عمان امتد مداها منذ السبعينيات من القرن الماضي إلى الآن، أي ما يقرب من سبعة وأبعين عاما، وما زالت تنشد التغيير والتحسين والتطوير، لذا كان المدى خارج إطار الخطاب الحواري والقصصي الوارد فيه .
(43) للاستباق مجموعة من الوظائف، وقد قسمت على قسمين :
أ) وظيفة التمهيد : هو ذلك الاستباق الذي يطلعنا على ما هو محتمل حدوثه في ما هو سيحكى، فهو يهيئ ذهن المتلقي لاستقبال مجموعة من الأحداث، غالبا ما يكون ضمنيًا .
ب) وظيفة الإعلان : هو ذلك الاستباق الذي يخبر عن سلسلة أحداث سيشهدها السرد لاحقا، غالبا ما يكون صريحا .
( للمزيد، ينظر : بنية الشكل الروائي، ص: 133 – 144 . و عبدالله، علي عواد، تشريح الزمن : مقاربة في رباعية الخسوف لإبراهيم الكوني، الوراق للنشر والتوزيع، عمان – الأردن، ط1، 2017م، ص: 96 – 102 ) .
(44) أشرعة الضوء ( مجموعة قصصية )، ص: 33 .
(45) الاستباقات قد تكون صريحة أو مغلوطة . فالصريحة هي الأحداث أو الشخصيات التي تذكر ثم تتحقق فيما بعد، ويتأكد القارئ مما أعلن عنه سابقا . أما المغلوطة فهي أن تذكر فيما يعنى بحدث أو شخصية سيظهر أمرهما ثم لا يتم ذلك الأمر . فالأولى دقيقة في توقعاتها أما الثانية فغير دقيقة . ( ينظر : جماليات البناء الروائي، ص: 68 – 73 ” بتصرف ” ) .
(46) سرديات جيرار جينيت، ص: 181 .
(47) يقسم ” جيرار جينيت ” الاستباق الداخلي ( Prolepses internes ) إلى قسمين اثنين، هما : استباق خارج حكائي، واستباق داخل حكائي . ثم إن الاستباق الخارج حكائي أهمله ؛ لأنه لا يتهدده خطر التداخل مع المحكي الأول، أما الاستباق الداخل حكائي فقسمه إلى نوعين : الاستباقات التكميلية والاستباقات التكرارية . ( ينظر : المانعي، د.علي، القصة القصيرة المعاصرة في الخليج العربي، الانتشار العربي، بيروت – لبنان، ط1، 2010م، ص: 145 ) .
(48) المرجع السابق، ص: 146 .
(49) الفارسي، عبدالعزيز، وأخيرًا استيقظ الدب – مجموعة قصصية، الانتشار العربي، بيروت – لبنان، ط1، 2009م، ص:59 .
(50) وهذه الفترة الزمنية صرح بها الأب في خطاباته الحوارية في ذات القصة، عندما قال لسعيد – بعدما اعترض على فكرة الزواج – : ” اسمعني … عندك أربعة أشهر تدبر نفسك ..” ( وأخيرا استيقظ الدب، ص: 60 ) .
(51) المرجع السابق، ص: 62 .
(52) جماليات البناء الروائي، ص: 25 .
** مراجع المقالة /
– بحرواي، حسن، بنية الشكل الروائي : الفضاء – الزمن – الشخصية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء – المغرب، ط2، 2009م
– برنس، جيرالد، المصطلح السردي، ت : عابد خزندار، مراجعة : محمد بريري، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ط1، 2003م
– الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر، البيان والتبيين،ج1، تحقيق : عبدالسلام هارون، القاهرة .
– الجديدي، سالم بن ناصر بن سالم، الصورة اللونية في الشعر العماني الحديث، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت – لبنان، ط1، 2014م .
– الجزيري، د.الطاهر، الحوار في الخطاب : دراسة تداولية سردية في نماذج من الرواية العربية الجديدة، مكتبة آفاق، الكويت، ط1، 2012م
– جينيت، جيرار، عودة إلى خطاب الحكاية، ت: محمد معتصم، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1، 2000م.
– سلامة، يسري، وآخرون، اللغة العربية : دراسات ونصوص، جامعة السلطان قابوس، سلطنة عمان، 1423هــــ / 2002م .
– السيد، د.وجيه يعقوب، مناهج النقد الروائي، مكتبة آفاق، الكويت، ط1، 1435هـ/2014م
– الشيدي، بدر، أشرعة الضوء – مجموعة قصصية، مطبعة الألوان الحديثة، سلطنة عمان
– الصليبي، محمد علي، فعاليات ومناشط : حصاد أنشطة المنتدى الأدبي لعام 1991م، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان، إصدار يونيو 1992م .
– الطائي، عبدالله محمد، المغلغل (قصص قصيرة )، ضمن كتاب : سرديات عبدالله محمد الطائي، دار فضاءات للنشر والتوزيع، عمان – الأردن، ط1، 2016م
– عبدالله، بشرى، جماليات الزمن في الرواية : دراسة متخصصة في جماليات الزمن في الرواية الإماراتية، منشورات ضفاف، بيروت – لبنان، ط1، 1436هـ / 2015م
– عبدالله، علي عواد، تشريح الزمن : مقاربة في رباعية الخسوف لإبراهيم الكوني، الوراق للنشر والتوزيع، عمان – الأردن، ط1، 2017م .
– العيد، د.يمنى، الرواية العربية : المتخيل وبنيته الفنية، دار الفارابي، بيروت – لبنان، ط1، 2011م
– الفارسي، عبدالعزيز، وأخيرًا استيقظ الدب – مجموعة قصصية، الانتشار العربي، بيروت – لبنان، ط1، 2009م .
– القاضي، محمد وآخرون، معجم السرديات، دار محمد علي للنشر – تونس، ط1،2010م
– قسومة، الصادق، باطن الشخصية القصصية : خلفياته وأدواته وقضاياه، دار الجنوب للنشر – تونس
– القصة العمانية القصيرة وأفق التحولات (2001-2006م )، المنتدى الأدبي، سلطنة عمان، ط1، 2010م .
– ماجدولين، د.شرف الدين، السرد والسرديات في أعمال سعيد يقطين : دراسات – شهادات – حوارات، دار الأمان، الرباط، ط1، 1434هـ – 2013م .
– الماضي، أ.د.شكري، مقاييس الأدب : مقالات في النقد الحديث والمعاصر، دار العالم العربي – دبي، ط1، 1432ه – 2011م .
– المانعي، د.علي، القصة القصيرة المعاصرة في الخليج العربي، الانتشار العربي، بيروت – لبنان، ط1، 2010م .
– مانفريد، يان، علم السرد : مدخل إلى نظرية السرد، ت : أماني أبو رحمة، دار نينوى، سورية – دمشق، ط2011م – 1431ه
– مصطفى، منصوري، سرديات جيرار جينيت في النقد العربي الحديث، رؤية للنشر والتوزيع – القاهرة، ط1، 2015م .
– المنذري، حنان، ستائر مسدلة – مجموعة قصصية، مؤسسة الانتشار، بيروت – لبنان، ط1، 2011م،
– الموسوي، د.شبر بن شرف، القصة القصيرة في عمان من عام 1970م وحتى عام 2000م – دراسة فنية موضوعية، وزارة التراث والثقافة – سلطنة عمان، ط 2006م .
– موقع ” موضوع ” أكبر موقع عربي بالعالم الالكتروني mawdoo3.com 15/1/2017م، الساعة11:30 ص .
– ميدان، د.أيمن محمد، ” تجليات الزمان والمكان في القصة العمانية القصيرة : مقاربة أولى “، ضمن كتاب : قرءات في القصة العمانية المعاصرة : حصاد الندوة التي أقامها المنتدى الأدبي في الفترة 16 و 17 / سبتمبر / 2001م، سلطنة عمان، ط2، 2006م .
– النعيمي، د.فيصل غازي، جماليات البناء الروائي عند غادة السمان : دراسة في الزمن السردي، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان – الأردن، ط1، 2014م
– يقطين، سعيد، تحليل الخطاب الروائي : الزمن – السرد – التبئير ، المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء، الطبعة الرابعة، 2005م .
1