حاورته: هدى حمد
أصاب الكثير من كُتاب المسرح التعب وفضلوا الانسحاب، إلا أنّ مالك المسلماني كان من القلائل الذين ناضلوا من أجل استمرار المسرح في عُمان، بل إنّه سعى بصورة دؤوبة لكي يُجدد ويُغير ليقترب من الجمهور وهمومه، ورغم كل الإلهاءات التي استجدت في حياتنا، إلا أنّه ظل مؤمنا بإمكانية أن يحتفظ المسرح بمكانته الأصيلة بيننا.
ورغم أنّ المسلماني لم يدرس المسرح، إلا أنّه لطالما كان شغفه الحقيقي. مالك المسلماني المُتعدد.. فهو الممثل والمؤلف والمخرج، وكأنّما يسدُ بأدواره تلك، كل الثقوب والفراغات التي يُكابدها المسرح العُماني.
هكذا لا مباليا يدخل المُغامرة، خاسرا أو رابحا. لقد كان من أوائل من سار على خطى مسرح شباك التذاكر في عُمان، كما أنّه لطالما كان يفكر بالمسرح الذي يضمن جمهورا، ولا يتخلى عن حملته الدعائية الجيدة مُتخطيا كل الظروف. ورغم أنّه لا يحصل على المؤازرة بالحد المتوقع، إلا أنّه بقي يُفاجئنا من حين لآخر بعملٍ جديد، على اعتبار أنّ المسرح هو الرمز الذي يُضفي المتعة من جهة و يُعبر من خلاله المجتمع عن فكره وهمومه من جهة أخرى، كما يُمرر الكثير من الرسائل المُبطنة للمؤسسات القمعية مُتخفيا وراء حسه الساخر أحيانا وخلق الأفكار الجديدة في أحايين أخرى، كما حدث في عمله الأخير، حيث تصارعت الضمائر الخيرة والضمائر الشريرة على مراكزها الأساسية في صياغة شخصية “ولد البلد”.
مالك المسلماني قدّم العديد من العروض المهمة وحاز على العديد من الجوائز نذكر منها جائزة أفضل إخراج مناصفة في مهرجان المسرح العماني الثالث وجائزة لجنة التحكيم كأفضل تمثيل في مهرجان مسارح الشباب.
Z لقد تركت وظيفتك وتفرغت لشركتك المتخصصة في الإنتاج الفني بالإضافة لأعمالك المسرحية.. هل ترى أنّ هذه التجربة والمُغامرة تؤتي ثمارها في عُمان تحديدا؟
ll نعم تؤتي ثمارها بالتفرغ والمثابرة والإخلاص والإصرار، لم نصل إلى ما وصلنا إليه في “أكاسيا” إلا بتجاوز عقبات كثيرة وأخطاء عديدة متفاوتة التأثير منها البسيطة ومنها الجسيمة والتي كادت أن تنهي المشوار مبكراً.
رؤيتنا أن نقدم فناً ببساطة مُدهشة وأعتقد أننا نجحنا في اقناع العديد من المتعاملين معنا، وعادةً ما نبحث عن المؤسسات الناجحة فالتعاون مع الناجح يكون بطبيعة الحال أسلس وأرقى وأدق ويصادف أن نعمل مع جهات مرتبكة تديرها فرق عمل غير مُتجانسة وبالتالي تكون النتيجة أقل من مستوى الطموح.
وبالرغم من الصعوبات ومن سوء تنظيم قطاع الإنتاج الفني والمرئي في عُمان والفوضى التي تعتريه إلا أن التطور البطيء في فهم طبيعة عمل الإنتاج الفني يمنحنا الأمل في تطور ونمو هذا القطاع في المستقبل القريب وقطاع الإنتاج الفني ليس القطاع الوحيد غير المنظم، ولكن بأيدينا يمكن أن نجعل منه صناعة مهمة ومستقرة بالتفاني وتقديم كل ما يمكن تقديمه من اتقان للمتعاملين ضمن خطط عمل معدة مسبقاً.
أما الإنتاج المسرحي فهو الفن الحقيقي الذي يخلق لنا توازناً نفسياً، ففي المسرح، نقول كلمتنا دون شروط، ونعبر عن موقفنا من الحياة دون توجيه، وإن شاء أحد أن يعتبر مسرحنا “تجارياً” بحكم شباك التذاكر فهي لتغطية تكاليف الإنتاج ولمواصلة العمل في المسرح.
Z ربما تكون أنت من أوائل من اشتغل على فكرة شباك تذاكر المسرح في عُمان.. وأنا كمشاهد حضر العديد من عروضك، رأيتُ الجمهور العُماني يدفع لحضور عرض جيد رغم كل المُلهيات التي نتحدث عنها ؟ فهل يربح المسرح أم أنّه يخسر؟ وهل تأسست ثقافة مسرح شباك التذاكر بمرور الوقت؟
ll قبل الحديث عن مكاسب وخسارات الإنتاج المسرحي، المسرح بين الفنون الدرامية الذي لا يمكن أن يستمر أو أن يعيش بدون حرية فلا مسرح على الإطلاق دون حرية.
بدأ المسرح ريعياً بدعم من الدولة ثم استمر من خلال المسابقات الفنية (المهرجانات) ولم تكن هناك حاجة لنشر فكرة شباك التذاكر لدى الجمهور فقد شاهدنا العشرات من العروض دون أن (نخرخش) جيوبنا، ثم إن – المسرح – وجد في العالم العربي قبيل ظهور التلفزيون، بالتالي لم يأخذ وقته وحيزه في الثقافة الشعبية حتى يستقر، أما في عُمان فالموقف أصعب حيث ظهرت السينما أيضاً قبل المسرح مما ضاعف من الأزمة الوجودية للمسرح وبالتأكيد لا مجال لشباك التذاكر في ظل انجذاب الجماهير للسينما وللتلفزيون.
قبل عدة سنوات، عزمتُ على الاشتغال على مسرح الجمهور وأن أتوقف عن مواصلة العمل مع الزملاء، بمعنى أننا سنتوقفُ عن طهي الطبخة وأكلها بمفردنا، فجمهور المسرح هو الوسط المسرحي فقط ، حتى المشتغلون في الدراما التلفزيونية لا تغريهم عروض المهرجانات المسرحية للحضور والمتابعة فما بالك بشرائح المجتمع الأخرى، الأمر الذي ضاعف من حرج موقف المسرح.
بالرغم من كثرة المهرجانات المسرحية في عُمان والمشاركات الخارجية والجوائز التي تحصل عليها عروض عُمانية في الخارج إلا أن المجتمع يعتبر المسرح غائباً.
أما عن ثقافة شباك التذاكر فهي مازالت حديثة وعيبنا هو المسافات الزمنية بين تجربة وأخرى والتي تحكمها ظروف عديدة منها إبداعية ومنها مادية، وأرجو أن تُلهم تجربتنا الأخيرة “ولد البلد” الفرق المسرحية لخوض تجارب دون انتظار مناسبة معينة حتى نصل لأن يكون المسرح مصدر دخل يؤمن الاحتراف في عمان.
Z هل يمكن أن يُراهن الفنان بأن يكون المسرح هو مصدر لقمة عيشه الأساسية ولماذا ؟
ll إلى الآن بالطبع لا، فهذا يعني الاحتراف بالمعنى الاقتصادي للكلمة أي أن يتحول الفن في عُمان إلى حرفة وهذا بالتأكيد يحتاج إلى غزارة في الإنتاج، وغزارة الإنتاج وحدها لا تكفي فلا بد أن يتم تثمين العنصر البشري بشكل أعلى من تقدير قيمة عناصر الإنتاج المسرحي الأخرى بمعنى أن يكون للفنان الممثل والفنان الكاتب والفنان المخرج قيمة أعلى من استئجار صالة مسرح أو عدة إضاءة أو قطع ديكور، ولكي نثمن العنصر البشري بشكل أكبر لا بد أن تكون هناك جودة في المضمون واتقان في التنفيذ وهذا بيد المسرحيين أنفسهم فبالإمكان أن تصنع جمهوراً يثقُ بك ويؤمن بما تقدمه وبالتالي سيواضب على الحضور باستمرار.
في المقابل أريد أن أقول إن تحول الفن إلى صناعة مسألة مربكة فتجارب الاحتراف موجودة في مصر وفي سوريا إلا أنّها مفقودة في الخليج حيث تجد في القاهرة ودمشق مكانة الكاتب والمخرج والممثل أعلى بكثير من تكاليف العناصر الأخرى للإنتاج إلا أن هذه التجارب خرجت منها قاعدة “الجمهور عايز كده”، ويأمل كل فنان موهوب أن يجد مصدر رزقه من الفن وحده وفي نفس الوقت يخشى أن تتحول المسألة إلى مادة بحتة وأن يرضخ لقاعدة “الجمهور عايز كده” التي تتعرض دائمآً إلى نقد شديد.
Z الجهات المسؤولة عن المسرح في عُمان بشقيها الحكومي والأهلي، وأمام حملة النقد الشديدة التي توجه لكليهما.. هل يذهب الوضع للأفضل ؟
ll حملة النقد الشديدة أطرافها الجهات المسؤولة عن المسرح في عُمان من وزارة أو جمعية أو فرق مسرحية ووسيلة الحملة هي الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي أمّا المجتمع العام فغير مكترث بكل ما يحدث ولا يطالب بشيء للمسرح لأنّه لا يرى منه شيئا.
هناك من يؤمن بأن المسرح الحقيقي يولد من رحم المعاناة وأن الإنتاج الحر يكفل للعمل حريته وانطلاقه وآخرون يميلون للبحث عن كفيل من الحكومة يضمن العنصر المادي بشكل دائم والكفالة بالطبع لها شروطها. وفي الحقيقة لا يملك المسرح أن يختار أيا من هذين الرأيين فالمسرح القائم بذاته لا يعني أنه أصبح حراً وفي المقابل كفالة المسرح غير مغرية لأي جهة حيث يصعب استثماره ضمن أي توجه، وإن شاء كيان ما استغلال المسرح لنقل رسائله فمصيره الحتمي غياب الجمهور.
المجتمع هو من يصنع مسرحه بولادة طاقات من كتاب ومخرجين وممثلين والحالة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية هي وقود تلك الطاقات فإن شاهدنا عروضاً ركيكة فالحكم الأول الذي يطلقه المجتمع على المستوى الفني هو في الحقيقة يطلقه على نفسه فالفن يصدر من المجتمع ويعود إليه وكما قيل “الفن مرآة الشعوب” هي مقولة أجدها حقيقية وإن رفضها مؤيدو نظرية الفن للفن بحجة أن الفن لا يحمل خاصية الانعكاس فحين نعنف ونقسو على الفن فكأننا نعزله عن كل شيء ونبرئ كل مجالات الحياة في الواقع المعاش.
يقول المثل الروسي “لا تلم المرآة إن كان وجهك قبيحاً”، فإذا كان السؤال عن وضع المسرح هل يذهب للأفضل أم لا، علينا أن نفتش عن الإجابة في حال المجتمع وموقفه الراهن.
Z لا يخفى على أحد الضربات الناقدة التي تختبئ وراء “النكات”، لنتحدث عن الرقابة، ونحن نعرفُ سلفا أنّ لك تاريخا طويلا معها، ولكن المشاهد لعرضك الأخير “ولد البلد” أو الذي قبله “حارة البخت”، يشعر أنّ الأمور تذهب للأفضل ؟ فكيف تخاتل الرقابة ؟ هل تمرر رسائلك بذكاء؟
ll الأعمال المسرحية التي أقدمها لا تتعرض لتجريح أشخاص أو مؤسسات معينة (وإن أوَّلها المتلقي) بقدر ما تستعرض حالة عامّة تحاول تشريح الواقع بلغة فنية والرقابة ليست مغفلة، بل أثق بأن فيها أعضاء على مستوى عالٍ من الوعي الأمر الذي ينأى بها عن التحول إلى مباحث ثقافية.
عانيت في فترة سابقة من جمود اللجنة السابقة التي صدمتني في أحد اعتراضاتها على عمل مسرحي لم ير النور بحجة أن “الكاتب يتهكم على قوى معاصرة تتحكم بمقدرات الشعوب” والمسكوت عنه في هذه الحجة هو أنّ هناك فعلاً قوى معاصرة تتحكم بمقدرات الشعوب ولكن يمنع الحديث عنها.
الإشكالية مع الرقابة تنبع من إيماني بأن المسرح هو موقف حياة وبما أن الحياة في مجتمعاتنا يتداخل فيها الاجتماعي بالسياسي بالاقتصادي بالفني فلا مفر من الحكم على المسرح الذي أقدمه بالمسرح السياسي.
هناك من المسرحيين من يؤنبني على طبيعة الخط أو المسار الذي أشتغل فيه باعتبار أن دخول السياسة في الفن هو فساد للفن قبل كل شيء ولكني أثق بأن هناك خلطا بين المسرح السياسي وتسييس المسرح وكأنهما نوع واحد بينما أعيد الاتهام للمسرحي بأن أحيله لمقولة سعد الله ونوس حين قال عن المسرح “المسرح .. حتى عندما يبدو غير مكترث بالسياسة، يتحاشى الخوض في مشاكلها، ويبتعد ما استطاع عن شجونها ودوّاماتها، فإنه يعبّر عن دور سياسي، ويؤدي وظيفة سياسية هي باختصار صرف الناس عن الاهتمام بقضاياهم المصيرية، وإلهاؤهم عن التفكير بأوضاعهم”.
قدمنا مسرحية “ولد البلد” والتي رأى فيها الكثيرون جرأة في الطرح والسؤال هنا ماذا حدث بعد ذلك؟، وصدق بريخت حين قال “لايستطيع المسرح أن يقوم بثورة كما أنه لا يستطيع أن يبدّل بنيان مجتمع” فقد انتهت العروض وهنأ الجمهور الموضوع المطروح وفيه تهنئة ضمنية للرقابة على المسرح التي اعتبرها متقدمة بسنين طويلة عن الرقابة في الدراما التلفزيونية.
Z وأنت تتحدث عن المسرح السياسي .. أردتُ أن أسألك لأي مدرسة مسرحية تنتمي؟
ll تمنيتُ تناول العرض المسرحي الأخير “ولد البلد” وإشباعه نقداً من حيث الأسلوب والطرح، فالعرض على ما أظن يستحق أن يُرى بعين مغايرة غير تلك العين التي تركز على “ينبغيات” مُسلمة لم تعد تعنيني على الإطلاق وعلى معايير ثابتة قائمة على مقارنة العرض المسرحي بنموذج ثابت. أرحب تماماً بإلقاء الضوء على أي إشكال أدى إلى إرباك فكرة المسرحية وعروضي لا تخلو منها مثل جمود الديكور في مسرحية ولد البلد والذي كان من المفترض أن يكون متغيراً يتحرك على عجلات وفي الليلة الأخيرة قبل العرض وجدت نفسي أمام هذه الصدمة وهو عدم إمكانية تحريك قطع الديكور. أشارت د. آمنة الربيع في مقالها عن العرض بعدم وجود صراع بين الخير والشر بل كانت هناك محاكاة وبالنسبة لي هذا أمر جيد فلا يوجد في هذه المسرحية ولا في مسرحياتي السابقة أي صراع بين الخير والشر بالمعنى الكلاسيكي وإن شاء المتلقي أن يبحث عن بطل أسطوري أو حالة مثالية فبالتأكيد لن يجد ذلك في عروضي وبرأيي أن التراجيديا تخاطب العاطفة بينما الكوميديا تحاور العقل. حين أشارت الناقدة د. آمنة الربيع أن العرض انتهى ولم يخلق لنا مجالا للتعاطف مع أي شخصية، أليس ذلك انتصاراً للفكرة؟ هذا هو الأسلوب المسرحي الذي أقدم من خلاله مسرحياتي، ولا يهمني كيف يصنفني الآخرون سواءً كان كلاسيكيا أم بريختيا أم خارج عن قانون المسرح ولكن كل ما يهمني هو أنني أعبر عن موقفي من الحياة ومسرحي يمثلني تماماً بكل هناته وعلاته. الكوميديا التي أقدمها هي كوميديا مُرّة سقيمة موجعة قاسية لا تجعلك تضحك إلا من الحال وأتعمد بعض الأحيان الخروج من القصة (الحدوتة) خشيةً أن يندمج الجمهور في القصة التي لا تمثل قيمة مهمة في العرض – صحيح يخرج بعض الممثلين بأنفسهم دون اتفاق مسبق – بقدر ما يهمني ما أريد أن يقال من خلال القصة والأهم هو الذي لم يٌقل.
Z كانت لك تجارب مختلفة عن السائد مع التلفزيون إلا أنك لم تستمر من مثل (بنك الحارة) ، رغم تصاعد الصورة النمطية عن الدراما العُمانية التي تدور في فلك واحد منذ الثمانينات وحتى اليوم (في غالبها) ، ما الذي يمنع ظهور الألوان الجديدة من الدراما المحلية .. ما هي حواجز العثرة ؟
ll لا أظن بالإمكان استعادة بريق اللون القديم للدراما المحلية أو إظهار ألوان جديدة دون أن نحقق الصدق في العمل التلفزيوني، فهو القاسم المشترك في جميع الأعمال التلفزيونية الناجحة في الزمن الماضي.
الصدق أصبح مستحيلاً في الدراما التلفزيونية بعد أن تأثرت جميع الأطراف بقضية تلميع صورة المجتمع بشكل مبالغ وإظهاره بالمثالية المفرطة.
التصنع والافتعال بدءاً بالحكاية مروراً بالحوارات يعني غياب الصدق الذي لا يمكن أن يعود قريباً أما باقي العثرات فهي سهلة أمام هذه الصخرة العظيمة.
Z عملك الأخير.. الذي جمع أجيالا مختلفة من الممثلين، وفي مسرح مُهيأ تماما (على عكس تجارب سابقة).. هل حقق ما كنت تصبو إليه ؟
ll هناك أهدافٌ قد تحققت منها محاولة إلغاء عزلة النشاط المسرحي عن الجمهور العام والوسط الثقافي وهذه حالة استثنائية لدينا في الخليج فنحن المسرحيون نعمل دائماً في غياب الجمهور العام وفي غياب الكتاب والمثقفين وهنا نفقد الغاية أو المقصد من العمل المسرحي، فلمن نتوجه بعرضنا؟ هل نريد أن ننافس بعضنا البعض؟ بالإضافة إلى تبديد الجهد والوقت كمن يُصدر رواية ويرسلها إلى مائة شخص من الكتاب فقط وبعد عام يكتب رواية أخرى ويكتفي بطباعة وارسال مائة نسخة لمائة شخص وهكذا.
المشاركة في المسابقات المسرحية (المهرجانات) والتوق للحصول على مكانة أو اعتراف بالتميز أمر مهم ولكن أعتبرها محطة انطلاق وليست مقرا دائما للتجارب المسرحية.
Z هل استعنت بنجوم كبار في المسرح العُماني جوار المواهب الشابة كعامل جذب للجمهور؟
ll من مرامي مشروع مسرحية “ولد البلد” أيضاً هو دمج الجيل السابق بالجيل الشاب المتحمس لاختزال المسافة المصنوعة بين الممثلين لنتمكن من التعرف على طرق وأساليب نجوم الرعيل الأول في الالتزام والدقة وأسلوب الأداء وحسن الإصغاء والنقاش المستمر، إلا أننا لا نستطيع أن نقول أن مسرحيي جيل الشباب هم أقل كفاءةً أو أقل وعياً وإنّما المقصود هنا هو تحسس أسباب النجاح وتحقيق نجومية الفنان من خلال عناصر خارج إطار العمل الفني ذاته، وأبرز تلك العناصر هي التمكن بكل اقتدار من الوقوف أمام الجمهور بجانب الفنان صاحب الخبرة الطويلة مما يحقق ثقة عالية للفنان الشاب لمواصلة العطاء.
Z هناك أهداف أخرى لا تقل أهمية من الصعب تقييمها الآن حتى نرى ماذا سيحدث بعد عرض مسرحية “ولد البلد”، فهل ستلهم المسرحية المشتغلين في المسرح لتقديم عروض للجمهور العام؟ وهل سيثق القطاع الخاص بالمسرح في عمان لتقديم الرعاية المادية على أثر الانتشار والسمعة المتحققة؟ والأهم، هل حقق العمل التأثير على المتلقي؟
أنت الممثل والمؤلف والمخرج، هل تسد بهذه الأدوار كل الثقوب والفراغات التي يُكابدها المسرح العماني؟
ll ما أشعر به وما يؤلمني في محيط وعيي وإحساسي هو ما يحركني ويدفعني لتقديم عمل مسرحي تأليفاً وإخراجاً دون تخطيط مسبق أو مواعيد محددة أو ارتباطات بمناسبة معينة، ولا أجد نفسي كاتباً ولا أطمح أن أُصنف ككاتب مسرحي ولم أطمح في يوم ما أن أضع لنفسي موقعاً معيناً في منظومة العمل المسرحي وربما لهذا السبب وجدت نفسي في معظم المواقع، وما يدفعني هو الشعور والإحساس لا شيء آخر، فالفكرة يخلقها الشعور بالألم والاختناق فأجد نفسي أكتب بشراهة وعنف وتوتر، ولأنني أكتب نصوصاً للمسرح بأسلوب الدراماتورج الذي يبني العرض في النص مباشرةً فإنني أقوم باخراجها.
الجدل الدائم حول مسألة المؤلف/المخرج وضرورة الفصل بينهما بمعنى أن يتولى الدور شخصان لإثراء التجربة برأيي أنه يتطلب إيمان المخرج إيماناً كاملاً عقلاً وقلباً بطرح الكاتب وليس مجرد فرصة للمخرج لتقديم عمل جديد وما يحدث هو أننا نشاهد عروضاً منوعة لنفس المخرج تحمل اتجاهات متعددة لا تمكننا من استنتاج هم وفكر ذلك المخرج والذي نعتبره قائد العمل بعد “موت المؤلف”.
ربما يمكن التجاوز عن دور الممثل باعتباره مؤديا ولكن ما هو موقف المخرج؟ أليس من الأجدى أن يكون متبنياً لفكرة وروح النص؟ وإلا اعتبرنا ذلك خداعاً للمتلقي وقد حدث معي كثيراً أن أجلس مع أكثر من مخرج لعروض خليجية وعربية لمناقشة الفكر المطروح لتأتي الصدمة بعدم تبني المخرج فكرة العرض تبنياً لائقاً بل منهم من تجده يستهجن طرح النص الذي يتصدى له والإغراء الوحيد هو أن الكاتب معروف واسمه مغر للحصول على جوائز.
حين يتم الإعلان عن فتح باب استقبال النصوص المسرحية لمهرجان مسرحي تتوالى الاتصالات بالكتاب بحثاً عن نصوص وكأن المسرحي الباحث لم يهده أو بالأحرى لم يحثه ألمه أو وجعه للتعرف على ما يصبو إليه في نص مسرحي ، ولنذهب إلى ما هو أمر من ذلك حيث يطلب المسرحي – وعادة المخرج – نصا مفصلا على مقاسات شكلية كأن يطلب نصا يحتوي على ممثلين اثنين لتقليل تكلفة المشاركة الخارجية أو للمشاركة في مهرجانات متخصصة (ديو دراما) أو مخرج متدين لا يفضل المشاركات النسائية وأذكر موقفا لعمل مسرحي خليجي كتبه المؤلف في مرحلة من مراحل حياته، كان متذبذب الموقف تجاه الدين بشكل عام فأصدر نصاً “إلحادياً” ولأن المخرج (المتدين) معجب بالكاتب الشهير فقد طلب منه نصا وقام باخراجه إلا أنه تورط لاحقاً بمحتوى النص فقام بشطب وتشذيب النص حتى فقد العنصر الأساسي من فكرة العمل.
جربت سابقاً أن أعمل مع مجموعات إلا أن الموقف السائد دائماً هو رغبة الفريق في العمل معي في خط آخر مختلف عن هذا المسار باعتباره شائكا، ولذلك كيف يمكن أن أوكل مهمة الإخراج لمخرج يبحث عن فرصة عمل فقط؟
فشلت عروض مسرحية لتشيخوف كالنورس والخال فانيا والتي أخرجها غيره وبعد تفاهمات وجلسات مكثفة وإشراف مباشر تحقق النجاح للمسرحيتين (دخل المؤلف في اللعبة) ونجحت عروض بريخت التي كتبها وأخرجها بنفسه وتبرأ كتاب مسرحيون من عروض مسرحية قدمت لأعمالهم، ونعلم أن موليير قد قام بتأليف وإخراج وتمثيل جميع مسرحياته وقد نجح في مسرحيات وفشل في أخرى.
بالنسبة للتمثيل فأنا لم أشارك في آخر عملين ولا أشارك إلا إذا شعرت بلياقة نفسية كافية لتأدية دور يناسبني كما فعلت في عمل “بنك الحارة” وبالرغم أن الدور الذي لعبته كان الدور الوحيد الجاد أو فلنقل “الجاف” وسط شخصيات كوميدية إلا أنني كنت أحبه جداً.
Z عمر المسرح في عمان يربو على نصف قرن تقريبا، فهل تمكن من اكتساب هويته الخاصة به؟
ll لا أعتقد أنه من الضروري أن يكتسب المسرح هويته الخاصة بقدر ما نبحث عن هوية خاصة لمسرح يخص فرقة محددة أو جماعة معينة داخل عُمان، بمعنى أن نرى مساراً محدداً ولوناً واضحاً يكتسيه مسرح خاص بفرقة محددة وهذا يقودنا للحديث عن فكرة الفرق المسرحية التي تكونت أغلبها لأسباب مناطقية وجغرافية أو لتجمعات شبابية في مرحلة من مراحل الدراسة الجامعية لا بسبب توجهات فكرية أو تبني مشروع مسرحي واضح حينها ليس من المستغرب أن نشاهد عرضاً لفرقة يناقض ويناهض عرضها السابق والتنوع في الطرح والشكل والتوجه.
ولكن يمكن أن نعوّل على مسرح المخرج أو مسرح الكاتب، كمسرح بدر الحمداني المهموم بالإنسان العربي وتطلعاته وتشظياته أينما كان ونتاجات الكاتبة والناقدة والباحثة د. آمنه الربيع التي “تخشى على المسرح من رصاصة الرحمة”، والتي أطلقناها منذ أن أخذنا المسرح لنا وحدنا وجنبناه اللقاء بالناس.
Z غالبا من نراهم على الخشبة أقرب ما يكونون “مؤدين” لأدوارهم ، أكثر من كونهم “مُتملكين ” لروح الشخصية ولأبعادها.. هل ثقافة المسرحي تلعب دورا في تأصيل ذلك المعنى؟ وهل القول بأنّ الفنان غير مُفرغ عذر كافٍ لهذه النتيجة ؟
ll كلمة “مؤدين” هي وصف دقيق جداً يختلف عن وصف الفنان الثوري الذي يحمل في قلبه نصوصاً غير مكتوبة، الفنان الذي ينصهر في عمل مسرحي بكل ما أوتي من حب وإيمان وقسوة وهستيريا ومرارة وألم.
المسرحي الآن هو رقيب أشد صرامةً من الرقابة، سكنت في أعماق أعماقه سلطة لا يعرف مصدرها ولا يريد أن يعرف، مسكون بالتفوق على زميله الآخر بالإلغاء والتهميش والإنكار لا بالابداع، يُعاني من انفصام حاد حيث تجده في الجلسات العامّة والشبابية يتحدث بحرقة عن هموم ما وعندما يذهب لمنصة المسرح يستورد هموما أخرى من أي بقعة من بقاع الدنيا.
بالنسبة لثقافة المسرح، إذا كنا نعني بها المعرفة والمعلومة فأقول بأنّ الأولى للمسرحي هو الشعور والإدراك بما حوله وبذاته أي قدرته على التأمل هي الفيصل في العمل الابداعي قبل ثقافته ومعرفته المسرحية وإلا فإننا سنجزم بأن الأكاديميين المسرحيين هم أكثر المسرحيين إبداعآً.
التعليم الأكاديمي أو الثقافة المسرحية مُهمة ولكني أراها في الدرجة الثانية من الأهمية بعد ملكة التأمل وتطوير الشعور والاحساس بالذات وبالآخر وبالمحيط، فإذا كنا نستطيع تلقين علوم الدين فهل نستطيع تعليم أو تعلم الصدق؟ وإذا كنا نستطيع تدريس الفنون في قاعات المحاضرات، فهل بالضرورة نستطيع أن نخلق من المتعلم فناناً ومبدعاً؟
Z الكثير من الجهات تختطف أمومة المسرح من وزارة التراث والثقافة ومن الجمعية والفرق الأهلية والمهرجانات، وأمام كل هذا الضجيج، كيف تقرأ مستقبل المسرح في عُمان ؟
ll نشاط المسرح في عُمان مُقبل على تغيرات كبيرة، فبعد توقف مهرجان المسرح العُماني للفرق الأهلية والذي يعتبر المهرجان الأبرز والأعلى مكانة في قلوب المسرحيين في عُمان، أشعر بتفاؤل تجاه المسرح في عُمان فهذا المهرجان له فضل كبير في إبراز أسماء عديدة إلا أن تلك الأسماء ظلت حبيسة هذا المهرجان وأبت الخروج والانطلاق سعياً للبحث عن فضاءات ودوائر أوسع، وبعد التوقف ستواجه هذه الأسماء المسألة الوجودية لتقرر إما أن تتلاشى أو أن تفتش عن مساحات أرحب.
Z ماذا أيضا عن قرار من قبيل دمج جمعية المسرح بالسينما؟
ll بعد إلحاق الجمعية العُمانية للمسرح بالسينما، أشعر بتفاؤل تجاه المسرح أيضا، فبما أن المسرح هو المضاف والسينما هي المضاف إليه، فإن الجمعية لم تعد مغرية للمسرحيين ولا خيار أمامهم عدا العودة لتفعيل فرقهم المسرحية أو الانضمام لتكتلات مسرحية أخرى. وبعد نقل المديرية العامة للفنون والآداب لوزارة مختصة بالفنون فقط، فأعتقد أن حظ القائمين بالمديرية سيكون أوفر بعد مضي زمن طويل من إلغاء الهيئة العامة للأنشطة الشبابية والرياضية وإلصاقهم بوزارة لم تضع لهم شأناً كما كان لهم في السابق.
ولكن هناك أمر يدعو للتشاؤم ففي ظل ارتفاع أسعار إيجار صالات المسرح للعروض، قررت بعض المؤسسات الحكومية كوزارة التربية والتعليم تأجير المسارح الصغيرة الموجودة في المدارس وهي مسارح بسيطة جداً كان تستخدمها الفرق المسرحية للتدريبات (البروفات) والتي كانت متاحة للفرق الأهلية بالمجان وعليهم من الآن فصاعداً دفع رسوم ليست بسيطة للتدريبات، وهذا القرار الرسمي الذي دفع بالمؤسسات الأخرى أن تنسخه وتطبقه سيكون عقبة كبيرة أمام المسرحيين في المستقبل القريب. إذا كانت الفرق تعاني من الحصول على صالة مسرح مناسبة للعروض بسعر مناسب فعليها الآن أن توفر ميزانية إضافية للتدريبات.
Z أظن أنّ عُمان لا تفتقر إلى المواهب ولكن المسرح ينامُ في درج المسابقات؟
ll المسرح العُماني يعج بطاقات تمثيلية كبيرة في التراجيديا والكوميديا وحتى نتعرف عليها، علينا أن نفتش عنها في العروض المهرجانية، فالمسرح العُماني في نتاج دائم لكتاب ومخرجين وممثلين، ولكن في انتظار دعوة للمشاركة في مسابقة أو مهرجان محلي أو دولي، والمدهش أيضاً هو أن بعض الفرق المسرحية قامت بتنظيم مهرجانات وأثبتت كفاءة في التنظيم والإدارة لتقدم من خلالها عروضا مسرحية إلا أنها لا تفاجئنا بعرض واحد هارب من قضبان المسابقات والمناسبات، وكأن قدر المسرح المسابقة.