ألا هَلْ على اللّيْلِ الطويـلِ مُعِيـنُ
إذا بعـــدت دارٌ، وشــطّ قــــريــنُ
تَـطَـاوَلَ هذا الليْـلُ ، حتـى كأنّمـا
على نجْـمِـهِ ، ألاّ يَـعـودَ ، يَـميــنُ
كَـفَـى حَـزَنـاً أنّـي بفُـسـطاطَ نازِحُ
ولي نحـو أكْنافِ العِـراقِ حَنيـنُ
أبونواس
موريس بلانشو الفيلسوف الفرنسي ربيب العزلة والنأي، يقول عن أولئك الذين يطوّح بهم الأرق كل ليلة ، بعيداً في اليقظة القاسية، إنهم يجعلون الليل حاضراً… في حين يغيب الليل وظلماته المتلاطمة وأهواله وكوابيسه لدى النائمين بوداعة وغبطة تشبه غبطة الحيوانات والصخور في نومها الأبدي..
حضور الليل في الوعي المؤرّق وصَحوه، مقذوفاً في تيهِ الهذيان والهواجس والذكريات التي لا ترحم، متوافدةً من كل حدْب وصوب في المكان والزمان. خاصة لأولئك الذين تقدّم بهم العمر قليلاً أو كثيراً، سيكون هذا الاستعصاء للنوم أكثر ذعراً وخطورة… يتوازى حضور الليل، ثقله وغلاظته مع حضور العالم والتاريخ والوقائع في ذهن المؤرق ووعيه المضطرب، إذ يجد نفسه في معركة لا متكافئة مع جبروت هذه الصحراء الدمويّة التي يتيه فيها الدليل وتمّحي علامات الطريق.
* * *
يحدث أحياناً أن يتغلب المؤرق أو المؤرقون (بضم الميم وشد الراء) على فراشهم يمنة ويسْرةَ، للأعلى والأسفل بحثاً عن خلاص ما، خلاص مؤقت يقي شرّ هذه الليلة وهوامها المحتدمة، بحثاً عن نور حنون يتسلل من نافذة بعيدة، من هديل يمام في الجوار، أو ذلك الهسيس الخافت لحقول الطفولة وسط أنفاس الجبال بانحدار طيورها إلى السفوح تلتقط رزقها من التمور المجفّفة والحيوات الصغيرة اللامرئيّة. وعلى مقربة تضيء عيون الثعالب خُطى الطير، وتعوي الذئاب في مخابئها عواء خفيفاً حانياً على الصغار وهم يخطون الخطوات الأولى على أديم هذه الأرض الشاقة..
يحدث أن يتسلل في ضوء فجر المحنة، ذلك النور البعيد الحاني إلى فراش المؤرقين في ليل العالم الدامي، فينعمون بهنيهة راحة مُستحقة عابرة.
* * *
«لا نستطيعُ أن نفك شباكنا
من براثن الجوارح
لا نستطيعُ الذهاب أبعد من ربقة المضيق
سارحين بعذوبةٍ في مهب المقيل
آكلين السمك الذي ادخرهُ أهلنا
للصيف
وبشيء من المواربة كان القمرُ يسطعُ فوق
نُوام السطوح
إكليلَ شجر وطلاسم
ولا شيء يفصلُ بين أجسادنا
وطيور الأبدية».
* * *
أبطال الأرق ، إذ لا بطولة في الفراش إلا للأرق كما عبر فيلسوف آخر.
ولكسر تمادي هذه البطولة يلجأ المؤرّق إلى القراءة. ثمة كتب يحبها أكثر من غيرها وهي الأثيرة إلى قلبه ومشاعره، يدخرها لمثل هذه الليالي المدلهمة، وما أكثرها… يقرأ ويعيد العبارة، الصفحة والسطر، تدخل العواطف والأطياف والأزمنة، إلى مسامّه وخلاياه، لتخفّف من أثقال ليله وسيلانه وحضوره. تنطلق شخوص الكتاب منفلتة من عقال الحبر والصفحات، لتنتشر في الغرفة كما في أحاسيسه وأعماقه، مترنحة أحياناً بجراحها، ومبتهجة نشوانةً في لحظات أخرى. وفي كلتا الحالتين يغمره حميم المشاركة في هذه الحياة السريّة الخارجة على مواصفات المحيط، الاجتماعي والتاريخي.
فثقل حضور الليل، ليس إلا حضور التاريخ والاجتماع مقذوفاً في تلاطم الظلم والمجزرة التي تلف الكون منذ بدء الخليقة الأولى، وحتى الأكثر ضراوة في عصور الحضارة الحديثة. كل بمقدار غلتِه من الإنجاز والمعرفة.
إذا لم يكن مزاجك مدفوعاً لقراءة الكتب التي تحب، فثمة لحظات تكون الأفلام المشرقة بالجمال والرؤى والجنون المبدع، حلاً آخر من حلول تبديد كوابيس الليل والأرق. وهي بداهةَ منحى معرفي وجمالي، يكون أحياناً أكثر تأثيراً من بعض الكتب في السياق نفسه، أو هي تحويل لكتب مشهودة في سياقها إلى لغة السينما، بالشخصيات الحيّة والحركة والأضواء والألوان، لتغتني أكثر بالجمال الحسي والروحي وتكتسي بالمشاهد الضاجّة بالتعدد والحيوات والأمكنة. مثل أفلام فلليني ورفاقه في السينما الايطاليّة، وكيروسافا في اليابان، برجمان في السويد وأورسون ويلز في أمريكا والقائمة تطول وتطول متاخمةً لأفق المغيب واللانهاية قراءةً ومشاهدة.. من باب التذكير السريع، تلك التحف الخالدة التي خضعت للاقتباس الأدبي أو التحويل، لفضاء السينما الشاسع، (كازنوفا)، (ساتركون) لفلليني، حين جمح خيال هذا الساحر، إلى ما يشبه محو الأثر الأول مبتكراً طرق تعبير ورؤية شخصيتين شديدتي الفرادة. وهناك (الفهد) رواية الكونت الصقلي، حول انهيار الطبقة الارستقراطية وقيمها النبيلة إزاء صعود البرجوازية التجارية، وقيمها الجديدة؛ التي حولها (انطونيوني) إلى فيلم شاسع الأرجاء. (راشمون) لكيروسفا، و(العيون على اتساعها) لستانلي كوبريك… الخ . فطيش ليل هذه الصحراء أو المدينة وجبروته، خاصة في فصول الصيف حين لا يستطيع أن يخطو بضع خطوات خارج الغرفة والتكييف؛ هذا الليل الذي لا تعرفه المِلل الأخرى بكل مستويات بشرها ونخبها، لابد من إعداد العدة لمحاولة دحر هجومه الكاسر، أو التخفيف من بطش عدائيته وسَحْقه.
في البلاد الأخرى، أو حين يكون الطقس لطيفاً وحنوناً يكون المشي والتأمل والكتابة أثناء التجوال وهذه تتواصل مع القراءة خلف الأبواب المغلقة، كنوع من حل.. تمشي وتمشي بينما البشر نيام، وسط الظلال الحنونة والأشباح والشجر متمايلاً بذؤاباتِه مع الريح، حتى يغمرك التعب والنعاس وتظفر بهِبة الانتصار على بطش الظلمة والليل.
ليكن اللجوء إلى حلول الجسد والجنس، أحياناً ناجعاً، وأحياناً يقذفك إلى يقظة وفراغ بعد الانتهاء وتظل تتخبّط في عَدَمه من غير نوم ولا ضوء أمل قريب.
اللجوء إلى جسد المرأة بحقوله المتموّجة، وذلك الفرج الذي ينبتُ في ضفافِه عشبُ الخلود، والنهدُ الذي يقفز حُراً في نسيم الحديقة. تلك الانحناءات والحنايا والنتوءات، لطائف الأنوثة وزخم اللهفة والشوق، التي خلقها الله ، كملجأ وعزاء خاصة حين تدلهم الليالي وتُهزم الإرادات والبطولات، إذ لا بطولة في الفراش، إلا للأرق، والجسد الأنثوي ليس إلا عزاء وهروب وملاذ، «ولباس» وفق الآية الكريمة، كما هو جسد الرجل للمرأة. ومن يدعي البطولة والفحولة في هذا الفعل الغريزي الذي تمارسه أصغر الحشرات على الأرض، ليس إلا ساذج لم ينله من قبس الألم العميق، ليس إلا طفيلي حياةٍ وسقط متاع..
* * *
«أضلّ النهار المستنير طريقه
أم الدهر ليل كله لا يبرّح؟»
أولئك الذين عانوا وكابدوا، طويلا من ليل الانحطاط على كل صُعُده، مثل الانحطاط العربي الراهن، يمكنهم أن يتمثلوا بيت الشاعر كأحد أوجه الاحتمال والمجاز التي يزخر بها الشعر الكبير، حين يطل عليهم ولو من أفق نافذة بعيد، نور خلاص أو وهم خلاص. بهذا المنحى يلتحم أرق الليل الشخصيّ، بكابوس الأرق الليليّ المظلم العام، وينصهر الاثنان في محرقة ذات جرّحها التاريخ وأضنتها الظُلمات.
* * *
الأرق في البلدان الواقعة في تخوم الصحراء وقبضتها الضاربة، أكثر قسوة، من أرق البلاد التي ينساب فيها النهر أو الأنهار، في أعماقها وعلى الحواف والضفاف. تلك المياه التي تجري في عروق الأنهار، قبل أن تجري الدماء في العروق البشرية حسب شاعر أمريكي. تخيل النوم في مدينة مثل عاصمة السويد الاسكندنافية (استوكهلم) التي تسيّجها سبعة أنهار تسبح في نعيم جناتها الخضراء. دعك من النوم في الأرياف التي جمعت بين نعمة الحضارة وهدوء الطبيعة والمجتمعات البدائية. سيكون نوم النائم، حتى المصاب بلوثة الأرق وحيرة الوجود وأسئلة المصير ، سيكون أقل مشقة وأقرب إلى النوم الطبيعي المنعش.
في البلاد العربيّة التي حَظيت بكرم الأنهار أريافاً ومدناً، قضّ مضاجعَها هيمنة الفساد والاستبداد، تلك الهيمنة البهيمية التي يكتسح ظلام ليلها كل جمال في الطبيعة والبشر، ويكتسح نبل الانسان فطرته وأحلامه بسعادة ممكنة ولو عابرة، كونها سعادة الانسان الفاني والعابر على أديم هذه الأرض الشعثاء. حريّة الكائن الحقيقيّة ليست من ترف الكماليات، إنها الضرورة الوجودية الأكثر إلحاحاً، القيمة الجمالية والحياتيّة التي لا تعلوها قيمة أخرى وسط القيم التي تنبلج منها كما ينبلج النور المخلّص من الأرق والكوابيس، من منابعه اللامرئية البعيدة.
* * *
كانت الصحراء في الماضي الذي أضحى سحيقاً، مرتع هدوء روحي وسموِّ أخلاقي لا يُضاهى. مرجع عُزلات كبرى وتأمل وابتكار فيما يخص القيم العليا التي تحلم بانتشال الانسان من سقطة وجوده من مستنقعه وبهيميّته الضاربة في ليل القِدم والغريزة الوحشيّة.
منها انبعثت الرسالات السماويّة بسردياتها الكبرى التي أنارت سماء العالم وأخذت بيده نحو حلم الإنقاذ والخلاص. ومنها خرج شعر ونثر عظيمان، صحراء البلاد العربيّة والمشرقيّة خاصة، قيم البطولة في خوض غمار حياة شاقة، لكن مسيّجة بسياج قيم التضامن والنزاهة والصدق في الخطاب والسلوك. حتى أن نبي الاسلام الكريم قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» بمشروعه الحضاري الكبير. كان يمكن للنائم المؤرق أن يخوض غمار «هذه التجربة الكئيبة» براحة وبمشقة أقل..
كل ذلك ذهب بدداً في خضمّ عواصف التغيير ودورات التاريخ والطبيعة الماكرة…. وإذا عدنا إلى عصور أكثر قدماً وتوراياً في طبقات الأزمنة، فنذكر ما ذكره «الجيولوجيون» حول تلك الدور الكبرى من التصدع والانزياح، التي نقلت الجزيرة العربيّة نقلة نوعيّة من الخضرة والخصب والنعيم الغابي بطقسه الآسر الذي تشقه الأنهار والجداول والقنوات ، إلى حقبة القحالة والجفاف.
لم تكن الصحراء في الماضي، تَعِد بمصالح شخصيّة وطموحات بالمعنى المنفعي الفج، أصبحت على النقيض بعد تفجرّ باطنها بالثروات والمعادن الثمينة.
كانت الكلمة فيها للطبيعة وتجلّياتها، أصبحت الكلمة للآلة والإنسان.
في العصر الراهن لم تعد الصحراء إلا مكبّ نفايات ومحارق نفط. سماسرة دوليين ومؤامرات. لقد اغتُصبت روحها وقُذفت في أقصى طبقات الجحيم من التنكيل والعذاب. ولم يعد لبدوي تائه في خضمّات الرمل المتحولة، من شجرة يستظل بها لغفوة مُستحقة في ليل الظهيرة القائم..
* * *
(…) «وإنك كالليل الذي هو مُدركي
وإن خلتُ إن المنتأى عنك واسعُ»
ليل النابغة الذبياني، ليل المذعور المحاصر من قبل ملك الحيرة، وهو يقذف سهام رعبه إلى قلب الشاعر الكبير في عصره وكل العصور، هذه السهام المسمومة التي انطلقت من جعبة الدسائس والأكاذيب بداية موغرةً قلب الملك الغضوب ذي المزاج الزئبقي المتقلّب.
لكن خوف الشاعر وجزعه من الخطر الملكي الذي يحاصره في الصحارى والحواضر، أبدع شعراً خالداً لكل زمان ومكان.
شعر الليل الشرس الممتد على مساحة العالم حيث لا عزاء ولا خلاص، فهذا الليل بقسوته اللامحدودة يتمدد بأشداقه الفاغرة ملتفاً نحو مخلوقاته، كما يلتف وحش أسطوري على ضحاياه في كهف مليء بالأشلاء والخفافيش…
* * *
(…) «ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي
بصبحٍ وما الإصباح منك بأمثلِ»
هذا الليل الطويل، الطويل وكأنه الدهر مضغوط في حيّزه وثناياه المحتشدة بالألم وهواجس الافتراس والموت، حيث يتفجر نداء جريح من حلم الشاعر وخياله نحو انبلاج صبح خلاص ما، ولو كان سراباً ووهما، لكن حتى هذا الوهم والسراب لا يلبث أن يتبدد هباء في سياق النداء الشعري المتوسل، إذ ان ذلك الفجر أو الصبح ليس بأقل فداحةً من ذلك الليل الأليل، بعتاده الثقيل وضباعه المنتنة…
بيت «الملك الضليل» هذا، بطاقته الدلالية وثرائه الذي لا ينضب معينه ينطبق على وجوه واحتمالات شتى من الضنى والعشق المأساوي والشقاء واليأس والغياب… لكن في هذه البرهة من تاريخ هذه التراجيديا الكونيّة والعربية على وجه الخصوص، في الإبادة والتهجير واجتثاث الكائن البشري من كينونته وأرضه التي تناسل فيها الأسلاف جداً بعد آخر، في سلالات لم تنقطع أواصرها منذ القِدم….
هكذا منذ «نكبة» فلسطين 1948 وحتى اللحظة كأنما تلك المأساة الكبرى، التي ارتكبها الصهاينة مدعومين من بلاد الحضارة والعالم الحر، شكلت التلخيص الزمني المكثف (مثل كثافة بيت امرئ القيس)، لما ستؤول إليه أحوال الأمة في الفترة الراهنة التي تنفجر بحاراً من الدماء والجثث والاقتلاعات… لكن هذه المرة بشكل أساسي، على يد احتلالات الداخل ومنطق الطغاة والتناحر والتشظي الذي لا يقيم أي وزن لأي قيمة أخلاقية أو فطرة انسانيّة، دعك من عقد الاجتماع والقانون والدستور الذي لم يعرف طريقه في دنيا العرب وأشباههم…
* * *
كيف ستكون حالة أولئك المشردين والمقتلعين من ديارهم وسط الصحارى والغابات وفي عرض البحار.. كيف ستقر عينٌ للأمهات والآباء وسط أشداق الخطر الهائج، وسط دوّامة الموت والاعصار؟
من ينجو من براثن هذا الموت المحقق سيظل ذلك الجرح العميق يفترس الأحشاء والذاكرة وعبر أجيال تتوارث هذه القسوة والثأر والدمار.
وضعية هؤلاء الذين قذفتهم حروب بلدانهم وفسادها، لا يقارن إلا من بعيد، بأولئك الذين همشتهم مجتمعاتهم، أو هم اختاروا هذا الهامش. ينامون، يصحون تحت أنفاق المترو ومحطات القطارات ووسط الهدير والقيء، حطام الزجاج المكسّر والحشرات، تراهم في الصباح الباكر، منتفخي العيون والعروق جرّاء السهر والكحول القوي ، وهم على الأرجح لا ينامون إلا خلسة نتيجة التعب الجاثم والإرهاق.
* * *
الأطفال مثل الأشجار عند هرمان هسّه، التي لا تعترف بالتفاصيل والتاريخ، بقدر التزامها بقانون القِدم وحده…. كذلك الأطفال لا يتبعون إلا غزيرة البراءة الأولى في انطلاقتها الفوضويّة التي لا تحدها حدود مسبقة أو قوالب ومواصفات… كنت ماراً على الشاطئ، حين رأيتهم يمارسون رغبة الهدم والبناء على الرمال المتحركة، وسط زوابع ريح آسيويّة، من غير ضجر، يبنون قلاعاً وبيوتاً وأنقاض بيوت. سمعتُ أحد الأطفال يقول لقرينه هل تؤويني هذه الليلة، لقد تهدم بيتي ولم يعد لدي جدار أو سقف ألوذ به؟
* * *
ترى كيف ستكون عليه أحوال أولئك البشر المقتلعين عنوة وقسْراً في الداخل والخارج بملايينهم المستعصية على العد والإحصاء، في المعسكرات والملاجئ والمخيمات في ذلك الليل الدموي المجرد من أي رحمة أو شفقة حتى ذلك التوّسل الطاعن في وهمه وسرابه.
كيف سيكون ليل المشردين والهائمين على وجوههم في صحراء العالم الجليديّة أو المفرطة الحرارة والهاجرة، الصحراء التي درستْ كل علاماتها وأعلامها، فلا شحيح ضوء في أفق مستعصٍ على النظر ولا تباشير محطة قادمةٍ تلوح…
* * *
«على الأقل سيكون الليل هادئاً» هكذا كتب أحد شعراء السورياليّة، غداة انتحاره. سينتهي الصخب والضجيج، الحيرة والأسئلة التي تمزق دماغ الشاعر وتفترس أحشاءه، ستنتهي جلبةُ الليل وحضوره الماثل الثقيل، بعد فعل الموت الاختياري الذي سيضع خاتمة لكل الوجود والموجود ربما… وربما ليس إلا تغيير عوالم ، كما عبر شاعر (المايا) في الحضارة اللاتينيّة التي كانت تلجم بطش ليل آلهتها بالقرابين الدمويّة والأضحيات. تلك الآلهة التي لا يخفف غليل انتقامها الصاعق إلا الدماء البشريّة المُراقة في المعابد والقصور والفيافي..
سيف الرحبي
* جزء من كتابة أطول والمقطع الشعري الذي بين مزدوجين من ديوان (رجل من الربع الخالي) لنفس الكاتب.