1. الرواية والدنيا
الرواية فن دنيوي، فهي تنشد إقامة صلة مع العالم بواسطة التمثيل، وفيه يترتّب شأنها، بداية من التفكير بها وصولا الى تلقّيها، مرورا بكتابتها وتأويلها. وموضوعها الإنسان في أحواله المختلفة، وقد آل إلى مخلوق سردي يعيش الحياة كما يعيش نظيره الإنساني الدنيا. ولا يراد بهذا القول بأنّ الرواية تستنسخ العالم، فالأصوب أنها تتولّى تمثيل أحداثه المتناثرة بحبكة تجعله قابلا للإدراك والفهم، باقتراح صور لفظية دالّة عليه، وبذلك تُسهم الرواية في إثراء فهم العالم، ولكنّها ليست مرآة له؛ فعالمها الافتراضي ينبّه القارئ إلى ما في عالمه من تجارب وخبرات، وأحلام وأوهام، وأخطار جسيمة، ومسرّات عظيمة؛ فتلتقط ما غاب عن الإنسان في العالم، وما ظلّ جاهلا به لقصور في حواسّه، أو لأنه غير قادر على استيعاب صوره المتفرِّقة، فتتولّى هي إعادة تشكيلها بما يلبّي حاجته للمعرفة، وقدرته على الإدراك. وسواء قامت الرواية على التخيّل الافتراضي، أو أنها اعتمدت البحث وسيلة لها، فقصدها اختزال العالم إلى جملة من الصور السردية التي تساعد القارئ على استكشاف ذلك العالم.
إنّ دنيوية الرواية تنزع عنها أية وظيفة لا صلة لها بالعالم، فيبطل أي بحث يتنكّر لتلك الصِلة. وينتج عن تعدّد صور العالم في الأذهان تعدّدٌ لصوره السردية في التخيّلات. ويهدف تأكيد الترابط بين الرواية والعالم إلى نزع الوظيفة الأيديولوجية عن الرواية، وإبطال الوظيفة الوعظية لها، وحمايتها من الدفع بها إلى غير ما ابتدعت له. وصف “يوسا” المجتمع الذي لا يعنى بالأدب بأنه “مجتمع همجيّ” لأنه يخاطر بحريته؛ فالأدب كان، وسيبقى، واحدا من القواسم المشتركة للتجربة البشرية، فمن خلاله يتعرّف الناس على أنفسهم وعلى سواهم بصرف النظر عن اختلاف وظائفهم، وأنماط حياتهم، وأماكنهم الجغرافية والثقافية، أو حتى ظروفهم الشخصية، فلا شيء يحمي الإنسان من غباء الكبرياء، والتعصّب، والفصل الديني والسياسي والقومي، أفضل من تلك الحقيقة التي تظهر دائما في الأدب العظيم”(1).
وما دامت الرواية تقترح مقتربا لأحداثها غير مقترب الوثيقة، فسوف يتأدّى عن ذلك خدش هيبة التاريخ. ومصدر الهيبة مراعاة شروط الميثاق المبرم بين المؤرّخ والقارئ وقوامه إيراد الحقيقة والتصديق بها. ليس من الصحيح وصف الكتابة السردية بأنها انحراف عن الطريق القويم للنظر إلى أحداث الواقع كما ينبغي، فهي استلهام للتجارب الاجتماعية والتاريخية الكامنة فيه وليس توثيق لها. ومعلوم أنّ الكاتب شخص متعدّد الانتماءات يتولّى جزء منه الانشغال فقط بأمر الكتابة، وذلك هو “المؤلّف الضمني” المتواري فيه. يقوم المؤلّف الضمني ببناء عالم متخيّل لا يشترط فيه مطابقة العالم الحقيقي، فكثير من المؤلّفين الضمنيين يكتبون عن عوالم يجهلها الكتّاب الحقيقيون، ويمارسون عادات لا يقبلون بها، بل يتخيّلون عوالم، ويختلقون شخصيات، وينتجون أفكارا لا تَمِتْ إلى بلادهم، وعصورهم، بأية صلة، وذلك هو الخيال المطلق الذي لا يجوز تقييده بقيد مرجعي يملي عليه ما لا يتوافق مع حاجة روايته. ومادام المؤلّف الضمني هو خالق العالم الافتراضي، فهو غير مطالب بمحاكاة واقع مجتمع الكاتب كما هو، بل مجاوزته إلى عالم مفترض يرتبط بالعالم الأول على سبيل التأويل. وإلى كلّ ذلك تقطع الكتابة السردية نفسها عن الواقع الحقيقي للكاتب حينما يتولّى رواة يبتكرهم المؤلّف الضمني يقومون بترتيب ذلك العالم المتخيّل. وهؤلاء، في غالبيتهم، منفصلون عن المؤلّف الضمني إلا في حال الكتابة السيرية، سواء كانت ذاتية أو روائية، فيكون العالم الافتراضي مبتعدا عن عالم الكاتب بدرجتين في الأقل: درجة المؤلّف الضمني، ودرجة الراوي، عليما كان أو مشاركا.
2. المجتمع السردي
أقصد بالمجتمع السردي، ذلك الخليط المتفاعل من الشخصيات في العالم الافتراضي الذي تتضارب فيه الآراء، والمواقف، والأفعال حول موضوع ما أو تتفق حوله. وهو مجتمع متنوع يختلف من رواية الى أخرى، ومن روائي الى آخر، ومن عصر إلى عصر، من ناحية العلاقات البينية للشخصيات أو المواقع الفاعلة لكلّ منها في عالم السرد، أو من ناحية المواقف إيجابية كانت أو سلبية، وهي تشقّ طريقها في العالم الافتراضي؛ فمجتمع روايات دوستويفسكي هو غير مجتمع روايات تولستوي، ومجتمع روايات كافكا غير مجتمع روايات محفوظ؛ والعلاقات الرابطة بين شخصيات مجتمع رواية “يوليسيس” تختلف عن العلاقات الرابطة بين الشخصيات في مجتمع رواية “البحث عن الزمن الضائع”، فالمجتمع السردي في كل رواية، صغيرا كان أو كبيرا، يختلف في هذه الرواية عن تلك للكاتب نفسه. وتتباين المجتمعات السردية بين رواية وأخرى بحسب عدد الشخصيات؛ فمجتمع راوية “الحرب والسلام” الذي يتألف من نحو خمسمئة شخصية، يختلف عن نظيره في رواية “البحث عن الزمن الضائع” الذي يتألّف من نحو ألفي شخصية، وتختلف فيما بينها من ناحية زمن الأحداث. وأحداث روايات السلالات، مثل “ملحمة الحرافيش” و”أولاد حارتنا” لمحفوظ، و”آل بودنبروك” لتوماس مان، ورواية “جودت بيك وأبناؤه” لأورهان باموك، و”أسرة تيبو” لروجيه دوغار، تختلف كليّا عن روايات الأفراد، مثل “الجحيم” لهنري باربوس، و”بطل من هذا الزمان” لليرمنتوف، و”غاتسبي العظيم” لفيتزجيرالد. وتختلف الروايات من ناحية الموضوعات العامة، فـ “الساعة الخامسة والعشرون” لجورجيو، تختلف في موضوعها عن “البحث عن وليد مسعود” لجبرا، وهذه تختلف عن “موسم الهجرة إلى الشمال” للطيب صالح.
على أنه يلزم التحذير من المقايسة بين المجتمع السردي والمجتمع المرجعي؛ فتلك المقايسة تقوم على مطابقة عالمين: متخيّل وواقعي، والأخذ بها في وصف المجتمع السردي والحكم عليه يجعل من المجتمع الواقعي معيارا لصحة أحوال المجتمع السردي؛ كما لا يصحّ جعل المجتمع السردي معيارا لصواب المجتمع الواقعي؛ لأنه في الحالين يقع تزوير في الوصف، وخطأ في النتائج لا تفيد السرد، ولا تنفع الواقع؛ إنما يمكن الإفادة من التفكير في أحوال المجتمعين المتجاورين بالتأويل الذي يقوم على إثراء المعرفة المتبادلة بينهما، وليس إقرارها. يخضع المجتمع السردي لنوعين من التأثير من ناحية الإرسال، ومن ناحية التلقّي؛ تأثير مصدره المؤلّف الضمني الذي يحمل آراء الكاتب، وهو يقوم بتركيب ذلك المجتمع بوسائل السرد على سبيل التخييل، فيتولّى توزيعها على الشخصيات حسب أدوارها في العالم الافتراضي، ثم يتوارى من غير أن يعلن عن نفسه مباشرة؛ إنما تتولّى الشخصيات التعبير عن آرائه التي تقتضيها أحوال ذلك العالم، غير أنّ الشخصيات قد تنشق عن المؤلّف، فتأتي بأفكار لم تخطر له قبل أن يشرع في الكتابة، وفي أثنائها. وكذلك تأتي بتأثير مصدره القارئ الضمني، الذي يستجيب للإشارات النصية، في ضوء الأحوال الثقافية لمجتمع القرّاء، فيعيد بناء ذلك المجتمع بحسب إدراكه، ومعرفته، وذوقه، وخبراته. وبعبارة أخرى، فالمؤلّف يقترح عالما بالإرسال يتولّى القارئ تجسيده بالتلقّي، وينشط المجتمع السردي كلّما نجح الاثنان في بناء مكوّناته من طرف الأول، أو في صوغ معناه من قبل الثاني.
ولا تستقيم وظيفة السرد من دون تحويل الأفكار الى أشكال حكائية، أي، نَظْم الكلمات بحيث تكوّن صورا في مخيّلة القارئ، الذي يتولّى إثراءها بتصوّره الخاص عنها. يُحيي القارئ تلك الصور بخياله، فيقع تحويل الحكايات اللفظية إلى حكايات صورية. ولكن ليست الرواية بحكاية، بل هي عالم متنوّع من الأفكار، والآراء، والشخصيات، والأحداث، تنتظم في إطار حكائي، فتكون الحكاية بؤرة تصدر عنها أو تنجذب اليها عناصر السرد كافة. الرواية، بعبارة أدق، مجموع من الأحداث ما وقع قطّ في أي وقت من الأوقات، غير أنّ من يقرأها، يتوهم أنها حدثتْ بحقّ وحقيق؛ فبالسرد يتولّى الروائي تنظيم العالم المبعثر من حوله بخطاب لغوي، ولكي يتمكّن من ذلك، يلجأ إلى أمرين: الانتقاء واصطناع الحبكة؛ فهو ينتقي، من ناحية، ما يراه داعما للعالم الافتراضي الذي ابتكره، ويقوم من ناحية ثانية، بالعثور على نقطة تتماسك فيها مكوّنات ذلك العالم، وذلك هو التحبيك الذي يدرج في إطار مترابط، مكونات يتعذّر سبكها في العالم المرجعي.
يفيدنا “نورثروب فراي” في رسم ملامح العالم الافتراضي، الموازي للعالم الواقعي، بتحديده وظيفة اللغة عبر التاريخ؛ إذ حدّد ثلاثة أطوار، للغة في علاقتها بالفكر: الطور الاستعاري، وفيه يتعذّر فصل الألفاظ عمّا تحيل إليه، فثمة تلازم بين الدال والمدلول في اللفظ والمعنى، والطور الكنائي الذي بان الانفصال فيه بين عالم اللغة والعالم المرجعي. وفيه يمكن الحديث عن عالمين متجاورين، أحدهما مجازي، والآخر واقعي. وأخيرا، الطور الوصفي، الذي أصبحت فيه معطيات العالم الواقعي، دليلا على صحة العالم اللغوي، أي أن الطبيعة أمست معيارا لصحة العالم الافتراضي. وبعبارة أخرى، فقد أوجد الطور الاستعاري تطابقا بين عالم اللغة والعالم المرجعي، وأنشأ الطور الكنائي تجاورا بين العالمين، وأخضع الطور الوصفي عالم اللغة لعالم الطبيعة. وبهذا فعلاقة اللغة بالفكر، ومن ثمّ بالتخييل، مرّت بأطوار عدة، لها صلة بوظيفة اللغة وبالوعي الإنساني، أي بالتمثيل الذي تقوم به اللغة، من المماثلة إلى المجاورة، إلى الوصف. وذلك ما أكّده “فراي” بقوله “في الطور الاستعاري للغة، حيث لم يوجد حسّ ضئيل بالاستنتاج الاستنباطي أو التجريد، فإن أغلب البنى اللفظية، تتّخذ شكل قصة. وفي القصة، تكون القوة الدافعة، هي الرابطة بين الشخصيات والأحداث، وغالبا ما تكون أفعال الآلهة – الذين هم ممثلو الاستعارات – هي هذه الرابطة في هذا الطور من اللغة. وفي الطور الكنائي، تظلّ البنى اللفظية تنطوي على سرود وحكايات، وتظلّ تقرأ في توال بتقليب سلسلة من الصفحات حتى النهاية، غير أن الشكل السردي النموذجي في هذا الطور هو المفهومي، أو ما يسمّى في العادة بالمحاججة. وفي الطور الثالث أو الوصفي، فإن ما يقترح التوالي في السرد، هو السمات المتوالية في كلّ ما يوصف. ومع ذلك لا توجد متوالية فعلية بمعزل عن المتوالية التي تقدمها الكلمات”(2).
يصحّ القول بإن العالم الافتراضي الذي يصطنعه السرد متصل بالتعبير الكنائي للغة، وبالتفكير المرتبط به، فهو يتولّى ابتكار عالم متخيّل مجاور للعالم الواقعي. غير أنه لا قيمة للعالمين، إن لم يتولّ التأويل الربط فيما بينهما، لإنتاج معرفة بالاثنين معا، وهي معرفة ظنيّة، تقوم على الترجيح الذي يثريهما، وبذلك، يستقيم عالم السرد، منشّطا للعالم الواقعي، ومنبّها لما فيه من المحاسن والمساوئ. وفي ضوء ذلك، يقع تعديل معنى العالمين. وطبقا لـ”هايدن وايت”، فإن “السرد ليس مجرد شكل خطابي حيادي قد يستخدم أو لا، لتمثيل الأحداث الحقيقية، من حيث هي سيرورات تطوّر، بل ينطوي على خيارات أنطولوجية، ومعرفية، ذات استتباعات آيديولوجية، بل حتى سياسية متمايزة “؛ ذلك أنه “يشكّل نظاما فعالا على نحو خاص للإنتاج الخطابي للمعنى، يمكن بواسطته تعليم الأفراد، أن يعيشوا علاقة خيالية مع ظروف وجودهم الواقعية، أَي علاقة غير واقعية، لكنها ذات معنى للتشكيلات الاجتماعية، التي يجبرون على عيش حياتهم فيها، وتحقيق مصائرهم كذوات اجتماعية”(3).
تصلح فرضية “فراي” لوصف علاقة العوالم المتخيلة بالعوالم المرجعية، والغاية من الأخذ ببعض أركانها، مدّ الصِّلة بين الطرفين على سبيل الاغتناء والإثراء، لأنه يتعذّر ابتكار عوالم متخيّلة من فراغ خال من الأحداث، والشخصيات، والموضوعات. ولا أقول بإقحام هذا في ذاك قسرا، إنما الاهتداء به ليتمكن المتلقّي، من التقاط خيوط العلاقة، بين عالم يدركه بالحواس، وآخر يتوهمه بالخيال. ولو اكتفى الانسان بالعالم المحسوس لما ظهرت الكتابة السردية، وما كان المرء بحاجة إلى عالم مواز لعالمه، يجد فيه ما يصعب الإحاطة به في عالمه، وهو أمر ثبت تعذّر وقوعه. ولقد تفاعلت الصِّلة بين العالمين، وأفاد هذا من ذاك، إما بزيادة معرفة الانسان بعالمه، أو بمدّ الآداب السردية بكثير من الأحداث، والوقائع، والأفكار، ولَم يعرف التاريخ انقطاعا بينهما، ولن يحدث، غير أن الإفراط في تخييل السرد للعوالم المرجعية، أثار ضغينة المفكرين والفلاسفة، بداية من أفلاطون وصولا إلى ديكارت.
3. كبح التخيّلات السردية.
نظرت الثقافة الرسمية بازدراء للتخيلات السردية، وسعت إلى تقويض وظيفتها، ومنها الفكر العقلي الذي يهدف إلى ربط الظواهر ببعضها، واعتماد المقايسة دليلا منطقيا لتحصيل الحقائق. ففي سياق نقد المعرفة الموروثة، ذمّ “ديكارت” التخيلات السردية، وحذّر منها. قال: “مَنْ أسرف في التطلّع إلى ما كان يحدث في العصور الخالية، ظلّ في العادة شديد الجهل، بما يقع في زمانه. وفوق ذلك، فإنّ القصص، تجعلنا نتخيّل ممكنا ما ليس ممكنا من الحوادث. بل وإن أصدق التواريخ، إذا لم يغيّر من قيمة الأشياء، ولم يزدها، كي يجعلها أجدر بأن تقرأ، فإنه على الأقل، يكاد يهمل دائما أدنى الظروف شأنا، وأقلّها شهرة: ومن ثمّ، فإن ما يبقى لا يبدو كما هو، والذين يتّخذون مما يستنبطونه منها أسوة لأخلاقهم يكونون عرضة للوقوع في الغلو الذي وقع فيه فرسان قصصنا، وللتطلّع إلى ما فوق طاقتهم”(4).
من أجل أن يكبح ما حسبه ضررا مصدره التخيّلات السردية رفع ديكارت من شأن العقل في تحليل الواقع، والحكم عليه؛ فهو المعيار الذي في ضوئه ينبغي تعديل التخيّلات، وذلك هو الطور الوصفي للغة الذي أشار “فراي” إليه. وحسب رأيه فإن الإكثار من شيء كالإقلال منه؛ فالإسراف في التطلّع إلى الماضي، يجعل صاحبه جاهلا بعصره، والانكباب على التخيّلات السردية، يقتلع المرء عن عالمه الحقيقي، ويدفع به إلى العيش في عالم لا وجود له، فلأن “القصص تجعلنا نتخيّل ممكنا ما ليس ممكنا من الحوادث” نحاكي شطط أبطالها، ونتوهم المحالات وقائع، فلا تكتفي الروايات بخداع القرّاء بتخيّل وقوع ما يتعذر وقوعه من الحوادث، بل إنها بمحاكاة الأفعال المحالة لأبطالها تجعلهم يتطلّعون إلى ما هو فوق طاقتهم، وذلك هو “الوهم”. وكما قال “داريوش شايغان”، فقد خلط ديكارت بين الخيال والوهم، فرأى “أنّ الخيال هو الوهم بعينه”(5).
بربط الخيال بالوهم، أجهز ديكارت على فعالية الخيال في العصر الحديث؛ لأنّ الخيال نوع من الوهم؛ فاشترط الملاحظات العيانية والعقلية بديلا عن التخيلات في معرفة العالم. والحال هذه، فليس يجوز معادلة المعرفة الواقعية بالعالم، بالمعرفة التخييلة عنه، فهما خطّان متوازيان، وطريقان يساعدان في إدراكه، وفي معرفته. وتمارس اللغة دورا في الأولى، على غير ما تمارسه في الثانية. إن حبس معرفة العالم بالشرط العقلي للمعرفة، واستبعاد التخيّلات باعتبارها مصدرا للأوهام، أفقد العصور الحديثة عنصرا مهما من عناصر التأويل الثقافي للعالم، وهو ما حاولت الرواية إعادة الاعتبار له.
ردّ “كونديرا” على تحذير ديكارت: بتأثير من العقلانية الديكارتية، نُظر لميراث ثربانتس باحتقار، فقد دفعت العلوم بالانسان إلى دهاليز شبه مغلقة، وأمسى الإنسان الذي ارتقى مع ديكارت إلى مرتبة “سيد الطبيعة ومالكها”، مجرّد شيء بسيط في نظر القوى التقنية، والسياسية، والتاريخية، التي تجاوزته، وارتفعت فوقه، وامتلكته، ولم يعد له أية قيمة، وقد انكشف أمره، وأصبح نسيا منسيا”. فلولا الرواية، لدفع الإنسان إلى عالم مغلق، فهي التي تولّت الغوص في أعماقه، واستكشاف وعيه بنفسه وبالعالم: اكتشفت الروايات، واحدة بعد أخرى، بطرقها الخاصة وبمنطقها الخاص، مختلف جوانب الوجود: تساءلت مع معاصري ثربانتس عمّا هي المغامرة، وبدأت مع ريتشاردسون في فحص ما يدور في الداخل، وفي الكشف عن المشاعر السرية للمشاعر، واكتشفت مع بلزاك تجذّر الإنسان في التاريخ، وسبرت مع فلوبير أرضا، كانت حتى ذلك الحين مجهولة، هي أرض الحياة اليومية، وعكفت مع تولستوي على تدخل اللاعقلاني في القرارات، وفي السلوك البشري. وهي تستقصي الزمن، أي اللحظة الماضية، التي لا يمكن القبض عليها مع مارسيل بروست، واللحظة الحاضرة، التي لا يمكن القبض عليها مع جيمس جويس. واستجوبت مع توماس مان دور الأساطير التي تهدي. صاحبت الرواية الإنسان على الدوام، وبإخلاص، منذ بداية الأزمنة الحديثة. واكتشاف ما يمكن للرواية وحدها، دون سواها، أن تكتشفه، هو ذا ما يؤلّف مبرّر وجودها. إن الرواية التي لا تكشف جزءا من الوجود لا زال مجهولا، هي رواية لا أخلاقية. إن المعرفة هي أخلاقية الرواية الوحيدة(6).
4. ضرورة الكذب السردي
لست من القائلين بإحلال المعرفة السردية محلّ المعرفة التاريخية، فوظائف الكتابة السردية، غير وظائف الكتابة التاريخية؛ لأن التاريخ يقوم على عقد يفترض الصدق بين المؤرخ والقارئ. وفي حال أخلّ المؤرخ بمضمون ذلك العقد، لأيّ سبب، يكون قد خان العلاقة مع قارئه، وتجاهل وظيفة الكتابة. وترتب على ذلك أخطاء ملموسة، لها نتائج خطيرة، أقلّها التزوير، أو الاغفال، فيما لا ينصّ ميثاق السرد على الصدق، ولا يشترطه، غير أنه لا يتعمّد إنكاره، حتى لو كانت الكتابة من نوع التخيّل التاريخي. وليس من الحكمة أن يبحث القارئ عن تحقّق أحداث السرد في الواقع كما هي، وإن تمحّل في ذلك، فهو من سوء التأويل، الذي لا يقبل في عالم السرد؛ لأن مقتضيات الخطاب السردي، لا تقوم على الدقة، والموضوعية، والتقريرية، والتوثيق، بل تتوارى الأحداث الحقيقية وراء المجازات، والرموز. ولعلها تكون أحداثا متخيّلة، تتصل بأحداث العالم الواقعي، على سبيل الايهام، فالتمثيل السردي لا يشترط تطابقا بين العالمين.
لا يترسّم الروائي خطوات المؤرّخين، حذو الحافر بالحافر، لكنه يهتدي بالخطوط العامة لجهودهم، من غير أن يلزم نفسه بما يقومون به. فعمله هو استخلاص التجارب الاعتبارية، ما يعطي لروايته معنى ووظيفة. ولا يتطابق الكتّاب في رؤيتهم للواقع، الذي يشكل مرجعية لأعمالهم السردية. ما يتحصّل عليه القارئ من رواية غير ما يتحصّل عليه من بحث في التاريخ الاجتماعي، فالرواية تجمل له ما يطويه ذلك التاريخ من أسرار وخفايا، ومن أحزان ومتع، ومن عدالة أو ظلم، وهو ما يتعّذر وصفه بالبحث الدقيق، ويصعب رصده بالتاريخ. وباختصار، فيما يجعل التاريخ القارئ مشرفا على تيار الأحداث، يجعله السرد يخوض فيه، وعند هذه النقطة، فلا فائدة من السؤال عن الحصيلة المعرفية، بل السؤال عن تشكيل صور ذهنية عن الأخلاق، والعادات، وأنماط العيش، والحريات، والاستبداد، والكراهيات، والتحيّزات، وغير ذلك من الركائز الاجتماعية الكبرى التي يقع تمثيلها وليس تقريرها.
إنّ مجانبة الصدق، والايهام بالحقيقة، تغذّي الكاتب بأحد أسرار الكتابة السردية، والاغراق في الكذب السردي يضفي صدقا على الوقائع، فتتلّون التجارب السردية بألوان متعدّدة، وتأخذ مكانها في نسيج النصّ بأساليب متنّوعة. وفي التعبير عن هذا المعنى، قال “موراكامي”، إن “الروائي هو محترف سرد الأكاذيب”(7)، وهو ما انتهى إليه “كالفينو” بقوله “إنّ الروائيين يحكون عن ذلك الجزء من الحقيقة القابع في قاع كل كذبة”. وهذا ارتياب صريح بمصداقية من يدعّي قول الحقيقة من كتّاب الرواية “لديّ شكوكي الكبيرة تجاه الكتّاب الذين يدّعون قول الحقيقة الكاملة عن أنفسهم، وعن الحياة، والعالم بأسره، وأفضّل البقاء في جانب الكتّاب الذين يحكون عن الحقيقة، وهم يكشفون عن ذواتهم، باعتبارهم أعظم الكذّابين في العالم”(8).
وقد يكون التصديق بالمتخيلات السردية مصدر خطر على الكاتب. وحدث أن وقع الخلط بين العالمين: المرجعي والافتراضي، فحوسب بعض الكتاب على أعمالهم الأدبية، بتأويلها في ضوء الواقع. وقع ذلك لنجيب محفوظ في رواية “أولاد حارتنا”، حينما جرى تأويلها على أنها سيرة رمزية لبعض الأنبياء، فحظر نشرها بكتاب في مصر إلا بموافقة الأزهر غير أنها طُبعت خارج البلاد، وما لبث أن كفرّ الكاتب، ووصم بالمروق عن الملة، واتهم بالإلحاد، وتعرض لمحاولة اغتيال كادت تودي بحياته. وقد نفى محفوظ نفيا قاطعا وجود أية صلة بين شخصيات الرواية والأنبياء، لأنها “تنتهي بتأكيد أهمية الإيمان، بوجود الذات الإلهية”. وحجّته هي، “إذا كانت شخصيات الرواية خيّرة، وتقوم بأدوار البطولة، فإن التفسير الموضوعي يؤكد، أنّ مؤلّفها ليس ضد الأنبياء، وليس لديه النية للإساءة إليهم”، لكنه اعترف باختياره أسماء شخصيات، موازية لأسماء الأنبياء، وجعل من المجتمع السردي، انعكاسا للكون، وكان يريد بذلك أن تكون القصة الكونية غطاء للمحلية(9).
ومن الصواب القول بأنّ ثربانتس، برواية الدون كيخوته، طرق باب الكذب السردي، وفتحه على مصراعيه، ودعا الروائيين لأن يوغلوا فيه من غير خوف؛ ففي السرد ينبغي أن تنقلب الأمور إلى أضدادها، ولكي تكون كاتبا مجيدا، فينبغي أن تكون كاذبا بارعا، وإن لم تتمرّس بالتكاذب، فسوف يلفظك عالم السرد، ويصمك بإحدى بأقسى التهم الشائنة بحقّ الكتّاب، وهي: الصدق. ولم يكن كذب ثربانتس مشينا بذاته، فهو هو كذب سردي برئ دفع بشيخ لم يثبت على اسم واضح إلى حلم يقظة رأى فيه نفسه فارسا، فشيّد من أوهامه بناء خياليا عاش فيه، وعمل على ألا تخذله أوهامه، وقد أضحت واقعا متخيلا أسمى عنده من الواقع الحقيقي، ومضى لا يثق في الواقع، ولا يعرض معتقداته للاختبار، متحاشيا أن تكذّبها الوقائع إذا أحسّ بأدنى خطر من ذلك، وهذا ما يلوذ به كثير من الناس حينما تتحدّى وقائع الحياة الأوهامَ العزيزة لديهم، فيصبح التصديق بها أكثر تحقّقا من التصديق بالواقع(10).
في سياق الحديث عن الكذب باعتباره سلوكا بشريا وضع “جاك دريدا” للكذب حدودا بقوله “من الضروري أن يكون الكاذب على علم بما يقوم به، وما ينوي القيام به، عندما يُقدم على الكذب، وإلا فهو لا يعتبر كاذبا”، فلا يكون الكلام كذبا إلا إذا قصد منه الخداع أو إلحاق الأذى، أو التضليل، لإشاعة اعتقاد يعرف الكاذب أنه خاطئ، وأضاف “الكذب يتخذ طابعا إنجازيا، وذلك لأنه يتضمن في الوقت نفسه وعدا بقول الحقيقة، وخيانة لذلك الوعد، ويرمي إلى خلق الحدث والدفع إلى الاعتقاد، في حين أنه لا يوجد أي شيء قابل للمعاينة، أو على الأقل بإمكان المعاينة احتواءه بصفة شاملة”، وانتهى إلى القول “الكذب فنّ لا يمكن له الاستمرار إلا من خلال ممارسة فنانين، خاصة منهم أولئك الذين يتعاطون الأدب، والذي يعتبر أحد فنون الخطاب، إلا أنه هو الآخر يجد نفسه مهدّدا جرّاء انحطاط مستوى الكذب”(11). ويمكن تبرئة التخيّلات السردية من تهمة الكذب؛ لأنها لا تندرج في إطار مفهوم الكذب طبقا للتصنيفات التي وضعها “روسو” للكذب “أن تكذب لصالح نفسك فهذا مستحيل، وأن تكذب لصالح الغير فهذا تدليس، وأن تكذب قصد إلحاق الأذى بالغير فهذا افتراء، وهذا هو أسوأ أصناف الكذب، وأن تكذب من دون قصد جلب مصلحة أو إلحاق الأذى بك أو بغيرك فأنت لا تعتبر كاذبا، وما تقول ليس بكذب، بل مجرّد تخيّل”(12). ومعلوم بأن روسو خصّص “النزهة الرابعة” من كتابه “هواجس المتنزّه المنفرد بنفسه”(13) لموضوع الكذب وضروبه.
وقد أباح دريدا الضرب من الكذب البرئ، الكذب السردي، بقوله “يمكننا أن نتخيّل ألف حكاية حول الكذب مختلقة، وألف خطاب مثقل بإمكانات الإبداع، تتمحور كلّها حول المظاهر الخدّاعة والخرافة والأسطورة، وإمكانية خلق أشكال جديدة للتعبير عن الكذب من دون أن تكون حكايات كاذبة؛ أي ما يمكن تسميته حكايات منافية للحقيقة، ولكنها تبقى بريئة، ولا تحمل أيّ أذى، وتجسّد مجرّد ظواهر خدّاعة كاملة للحنث وشهادة الزور، ألا يجوز لنا رواية حكايات بخصوص الكذب لا تحمل أيّ ضرر رغم ابتعادها عن الحقيقية؟ حكايات خرافية حول الكذب، والتي بالإضافة إلى عدم إلحاقها أي أذى بالآخرين، فهي قد تثير الإعجاب عند بعضهم، بل وقد تحمل لهم منفعة”(14).
وعقد دوستويفسكي فصلا صغيرا بعنوان “لا ينقذ الكذب إلا الكذب” في كتابه “يوميات كاتب” تطرّق فيه لأهمية الكذب السردي في رواية “الدون كيخوته” التي تقوم بكاملها على الإمعان في توهّم أمر لا حقيقة له، وخلص إلى أن “الكذب ضروري من أجل الحقيقة، فكذب على كذب يفضي إلى الحقيقة(15) . يريد بذلك الإشارة إلى غوص دون كيخوته في بحر التخيلات التي جعلته يعبر عن القيم التي يؤمن بها، وبهذا طرحت الرواية أمرا يكاد يكون غير مسبوق في تاريخ الآداب السردية، فبطلها يقوم بتعديل سلوكه وأفكاره في ضوء سلوك أبطال روايات الفرسان، أي أنّه جعل من معايير العوالم الافتراضية، وهي عنده تقاليد الفروسية، معيارا لتصحيح العوالم الواقعية، فأمسى الخيالي رقيبا الواقعي، وراح بالسرد يختبر صحة الواقع، فيتولّى الواقع تمثيل التخيلات السردية؛ لأن دون كيخوته يريد إنزالها منزلة الوقائع المؤكّدة، وهذا قلب للتصورات السائدة في كون الآداب السردية هي التي تتولّى تمثيل العوالم المرجعية، ظهر ذلك بالتدريج حينما شرع الكتاب في صوغ هوية دون كيخوته. فقد غاص النبيل “ألونسو كيخانو” في عوالم روايات الفرسان، فاضمحلّ عالمه بحيث لم يعد موضوع اهتمام من طرفه. وقع استبدال بين عالم واقعي ما عاد يرى، وعالم خيالي جرى اعتباره حقيقة مؤكدة، فخرج ذلك النبيل بسلاح الفرسان لكي يقوم بترميم عالم متهتّك، فيصلح عيوبه، وعلى وفق شروط العالم المتخيل ينبغي أن تكون صورة ذلك العالم. ولعله من المجازفة القول بأن هذا حدث فريد في تاريخ الآداب لا نظير له إلا في تاريخ الأديان، فالنصوص الدينية المعتمدة، في العقائد السماوية الكبرى، هي التي دعت إلى صوغ العالم الدنيوي على غرار عوالمها الافتراضية.
لعبت المقايضة دورا حاسما في توجيه حياة ذلك النبيل؛ فبالعالم الواقعي استبدل العالم الخيالي، وبالدنيا التي يعيش فيها استبدل دنيا روايات الفرسان، فعاش في عالم متخيّل مواز لعالمه ينهل منه تصوراته، وأفكاره، ومواقفه، في سعي منه للتطابق الكامل معه. وهذا الانزلاق من عالم إلى عالم آخر نتج عنه، صوغ هوية جديدة للشخصية، وحلول معايير متخيلة لصدق السلوك مكان معايير واقعية، وجرى توسيع المكان من سهل في مدينة إسبانية إلى وهم الترحل في أصقاع العالم، وإذ كان النبيل رجلا نكرة في بلاده، فقد أمسى أحد فرسان السلالة الذهبية التي تغنّى العالم بذكرها، فمن تقاليد تلك السلالة يمتح، ومن أعمالها الجليلة يستلهم، وما عاد قابلا للإقامة في قرية مجهولة الإسم، ولا قابلا باسم غير متفق عليه، فهو يصبو إلى هوية مرموقة، هوية فارس، يخترق بها الزمان والمكان، هوية الفارس دون كيخوته.
حلّ خليط من الجنون والتعجّل، محل الفطنة والتريث، واختفى الإدراك السليم، وأصبح العالم موضوعا للانفعالات النفسية التي يوقدها خيال جامح يدفع بصاحبه إلى الهلاك، فقد اضحملت قدرة ذلك النبيل على ضبط أفعاله، وبدأت نقطة التحول في حياته استجابة لذلك، وتخيّل نفسه مخلّصا للعالم من شروره، ولكي يكون عليه أن ينتحل دور فارس يطوف القفار ليثبت هويته الجديدة، بأفعال مجيدة مهتديا بما فعله أسلافه من سلالة أماديس الغالي، وقد أبدى استعدادا منقطع النظير لافتداء نفسه من أجل نصرة المظلومين، فيجهز على البغاة والطغاة، ويرغمهم على طاعته، وما لبث أن أصبح معرّفا بهوية فارس جوال. وبانتحال اسم “دون كيخوته” أصبحت له هوية، فالسرد هو الذي منح رجلا منسيّا هويةً يتعرّف بها حيثما حلّ، وأينما ارتحل، فالعجوز الأثرم، الأعجف، الهزيل، حمل لقب الفارس الحزين الطلعة، ثم لقب فارس الأسود، وقد نصّب نفسه مُقوّما لعالم يعجّ بالآثام. ومنها، وهذا على غاية من الأهمية، التقاء دون كيخوته في القسم الثاني من الكتاب بقرّاء القسم الأول بعد أن أدرج اسمه في تاريخ الآداب الفروسية، وأصبح فارسا يعرف الناس أخباره، ويتداولون أنباءه؛ فراح يكافح من أجل الحفاظ على صورته، ويرد عنه ضرر الصور السيئة التي ظهرت في كتاب نُحل عليه من مؤلّف مُغرض، فالسرد لم ينجح في ترقية حاله، بل جعله فارسا يتعقّب الناس أخباره، ويشيرون إليه بالبنان، فيبدي حرصا مفرطا في الحفاظ على صورته المهيبة فارسا جوالا.
وفي كلّ ما يخص تأليف الآثار السردية، فلا ينبغي تصديق الخدع التي يرميها المؤلّفون في تضاعيف كتبهم، فهي لا تتوخّى قول الحقيقة، إنما تعميق الإيهام بصدق وقائع سردية وليس وقائع تاريخية، وتلك من الوظائف الأساسية التي يقوم بها السرد في تركيب المادة الحكائية، وربطها بالعالم المرجعي، واستدراج القارئ إلى التصديق بها، ويجوز اعتبار الدون كيخوته مثالا على براعة الكاتب في إحداث بلبلة في تركيب المادة السردية، وهي بلبلة هدفت إلى إثارة السخرية، وتطويرها، فصلا بعد فصل، جرّاء التعارض المتنامي بين أفعال دون كيخوته وأقواله، وردود الفعل المسفّهة لأعماله، والمقدّرة لأقواله، فينخرط القارئ في هزل متواصل تثيره تلك الأعمال، وجدّ دائم تثيره تلك الأقوال، وهي تتعاقب بمنوال تكراري طوال الرواية، وتتضاعف المفارقة بينهما في القسم الثاني من الكتاب، في خلط مستويات السرد في كتابه؛ فبتقدّم الفصول تزداد نبرة السخرية، وتصاغ الحكايات بتماسك أكبر مما كانت عليه في القسم الأول منها، وتتضح شخصية دون كيخوته وتابعة إذ أصبحتا جزءا من تاريخ مقروء لدى طائفة كبيرة من الناس. غير أن الملمح الأكثر بروزا هو تعميق المفارقة الباعثة على السخرية، وهي مفارقة تولّت رسم حالة الانقطاع بين أفعال دون كيخوته وأقواله، أقواله الحكيمة، وأفعالة المخبولة “إنّ أفعاله كانت في كلّ لحظة تكذّب أٌقواله، وأقواله تكذّب أفعاله”(16)، فوقع عطب كبير في إيقاع حياته، لأن أقواله موزونة وفيها كثير من الحكمة، أما أفعاله فمجنونة لا تتوافق مع سياق الحياة الاجتماعية، ورحلته فارسا هي منازعة طويلة بين هذه وتلك.
5. من التخييل المحض إلى البحث السردي.
لم تبق الحال كما هي عليه في عصر ثربانتس، فقد طرأ تغيير على أسلوب تمثيل العالم المرجعي، ولم يعد ينظر للسرد باعتباره ذخيرة للمحالات، بل جعل من العالم موضوعا للبحث المجازي، وقد نُسب إلى “دانيال ديفو” رأيا مفاده، أنّ الرواية الحقّة هي التي تبرز الحقيقة إلى الوجود، وترويها كما هي، “أما تقديم قصة من الخيال فهذا جريمة جدّ فاضحة، وهو نوع من الكذب، الذي يفتح ثغرة في القلب، تنفذ منها الأكاذيب بعد استمرائها”(17). فإنْ تكتب، فيجب أن تُظهر الحقيقة الاجتماعية كما هي وإلا فأنت مضلّل، تلوذ بالخيال في عجز صريح عن قول الحقيقة، وتلك جريمة منكرة تستحق العقاب، وخداع أخلاقي يغري بإشاعة الأكاذيب في الأفئدة الطيبة.
كانت الرواية في أول أمرها سيلا من الأخبار التي اتخذت شكل حكايات متتالية تفتقر إلى الحبكة الناظمة لأحداثها، فلا يحكمها سوى إطار يجمع وقائعها المتفرّقة كيلا تنفرط، وتتفرّق. ظهر ذلك، بدرجة أو بأخرى، في “الحمار الذهبي” لأبوليوس، وفي “الديكامرون” لبوكاشيو، وفي “غرغانتوا وبانتاغروئيل” لرابليه، وفي “الدون كيخوته” لثربانتيس، وفي عموم روايات الفرسان، والسِيَر الشعبية؛ فالمؤلّف يورد جملة من الحكايات المتعاقبة في الأولى، ويأتي على ذكر حكايات متوالية في الثانية، ويعرض في الثالثة لأعمال عجيبة يقوم بها عمالقة في شتّى بقاع العالم، ويبسط في الرابعة مجموعا من المغامرات يقوم بها رجل تخيّل نفسه فارسا غايته اصلاح العالم، فما تكاد تنتهي حكاية حتى تبدأ أخرى، وبذلك انصبّ التركيز على رواية الأحداث، وليس على نسجها في تركيب محكم يجمع أطرافها، ويخضعها لصنعة دقيقة في السبك والصوغ. ولكن على الرغم من غياب النسج المحكم للحكايات في تلك النماذج، وفي نظائرها، فلا يغيب التطور الدلالي العام للموضوع، فكلّ حكاية تضيف لسابقتها معنى، وتعمّق دلالة، وبتراكم الحكايات الإخبارية يستقيم الموضوع العام للرواية.
شكّل رأي “ديفو” انعطافة بالغة الأهمية في موضوع الخيال، فقد جرت الآداب السردية من قبل، على الأخذ بالتخيّلات، التي تكاد تنقطع عن شؤون الحياة المباشرة، بداية بالآداب الملحميّة، ومرورا بالآداب الرعوية، وصولا إلى روايات الفروسية، فدرجت على توهّم الأحداث وخلطت الآلهة بالأبطال، والجان بالإنسان، ووقفت على هيام العشّاق، ومغامرات الفرسان، وما راعت السياق الزماني والمكاني لشخصياتها، التي كانت تحارب ليل نهار، أو تهيم عشقا في البراري، أو تقاتل السحرة، والأبالسة، والأشرار حيثما كانوا من غير كلل. وإذا برائد الرواية الإنجليزية، يرى الأمر جريمة مقصودة، فعلى الرواية، أن تكون مرآة للحقائق الاجتماعية، وإلا فستندرج في حقل الأكاذيب. فهذه الوظيفة التوثيقية، هي التي تخلع عليها الشرعية المطلوبة.
رفع ديفو احتجاجا صريحا بوجه التخيلات السردية، واقترح استبدالا جعل فيه حقائق الوجود، فالروائي الحقّ، والحال هذه، هو الذي لا يتمحّل في إيراد سيل من تخيّلات منقطعة عن الحياة، بل الذي يجعل معرفته العميقة بها، مصدرا له، وإلا كان مخادعا يستحق العقاب. ولا يمكن فهم هذا التلازم بين الرواية والحقيقة إلا في ضوء فهم وظيفة السرد في القرن الثامن عشر. ويلزم الانتباه إلى أهمية التحذير الذي أطلقه ديفو ضد مخاطر الخيال، وهو يذكر بتحذير سلفه ديكارت، وإذ افترض الفيلسوف، كما رأينا، خطرا ماحقا تأتي به أوهام السرد، فتضلّ الإنسان عن الحقيقة، التي ينبغي أن يستخلصها من تفكيره بالواقع، لا من الظنون المُحالة، فقد افترض الروائي تهديدا تمارسه التخيّلات المفرطة، فحرص في المقدمة التي وضعها لروايته “روبنسون كروزو”، على أنه دوّن “قصة حقيقية، ليس فيها أي مظهر خيالي”(18).
ولم يفت بعض الروائيين وصف الرحلة الشائقة التي نقلت الرواية من مستوى التخييل المحض إلى مستوى البحث السردي؛ فالظاهرة السردية تتمرأى في الواقع، وهو، في الوقت نفسه، مرآتها الخيالية. وكلما عبرت الرواية من عصر إلى عصر، نفثت سحرها في العالم، سواء عالمها الافتراضي، أو العالم الحقيقي الذي تكتب وتقرأ فيه. وبمقدار ما توحي بانكشاف أمرها، فإنها تضمر سرّها. ولقد أنكر “زولا” أهمية المخيلة في رواية القرن التاسع عشر، واعتبرها مثلبة لا يصحّ الثناء عليها، وأشار إلى بدء انحسارها منذ مطلع ذلك القرن، وبشّر بظهور الرواية القائمة على البحث في طبائع الانسان. فإذا كانت أحداث روايات ألكساندر دوماس، وأوجين سو، وبعض روايات هوغو، وجورج صاند، تبالغ في النهل من معين المخيلة، فلا ينتظر أحد ذلك في روايات ستندال، وبلزاك؛ لأن كفاءتهما السردية، قد قامت على “المعاينة والتحليل”، فهما “عظيمان لأنهما رسما ملامح حقبتهما، وليس لأنهما أبدعا حكايات”. ثم مضى في رسم مسار الانتقال من حقبة المخيلة في السرد إلى حقبة البحث. فقال إن ستندال وبلزاك قادا هذا التطور، وانطلاقا من أعمالهما “لم تعد المخيّلة شيئا ذا بال في الرواية”، وللتدليل على أهمية هذا التحول، نصح بالنظر إلى روايات فلوبير، والأخوين غونكور، والفونس دوديه، فضلا عن روايات ستندال وبلزاك، باعتبار أن مواهبهم في الكتابة السردية “لا تنبع مما يتخيّلونه، بل من قدرة كلّ منهم على تصوير الطبيعة بقوة”(19).
قَصَدَ زولا بـ”الطبيعة”، النهل من الطبائع الإنسانية في عصر من العصور، فمن هذه الطبائع، تستعير الرواية مادتها، وليس من التخيلات الخارقة؛ فالكاتب المجيد هو باحث في أحوال مجتمعه، وقادر على الاحساس بتلك الأحوال، والقول بأن روايته من عمل المخيلة، أصبح ذكرى منطفئة في تاريخ السرد، لا فائدة ترجى منها. وبالعودة إلى التحقّق من فرضية زولا، فيمكن مجاراته بفحص تلك الفرضية، في ضوء تاريخ السرد الفرنسي في القرن التاسع عشر، إذ قضى بلزاك على فكرة الخيال السردي، التي انحدرت إلى الأدب من الملاحم القديمة، والآداب الخرافية، حينما اعتبر مدونته بحثا في أحوال المجتمع الفرنسي، اذ قسم “الكوميديا الانسانية” الى دراسات في العادات، ودراسات فلسفية، ودراسات تحليلية. وضمن هذه الأقسام الكبرى، أعاد توزيع أعماله الكتابية، وبذلك سحب الشرعية من الخيال، ودفع بالبحث بديلا عنه. غير أنه بحث سردي، يختلف عن البحث التاريخي، أو الاجتماعي، يريد به كشف طبائع البشر، وعاداتهم، وأخلاقهم. ومنذ ذلك الحين، اتجهت الرواية إلى كونها أداة بحث مجازي، في أحوال الأفراد والجماعات، وتوارت هويتها القائمة على الأحداث غير المُحتملة.
6. خاتمة
لعلّ الرواية، دون سواها من الأنواع الأدبية، لها الكفاءة في استيعاب التجارب الإنسانية المختلفة، وتمثيل الهويات المتباينة، وعبور الحدود الثقافية من غير خوف أن تتعرّض للإعاقة في المسعى، وهي تتخطّى اللغات، والثقافات، أو تستوفي أحوال الإنسان حيثما كان، فطابع المرونة في مبناها، وفّر لها القدرة على ذلك، ولا يقصد أنها كتلة صلبة، تخترق الحواجز، ولا تتوانى أمام العوائق، فالرواية تلبس لبوس مرجعياتها الثقافية، ولا تنسخ بعضها، بل تتكيّف بالحوار مع أطياف النوع نفسه في سائر الآداب. وقد تمرّست بذلك عبر تاريخها، فصارت قابلة للمتغيرات، وما ثبت شكلها على حال، وتعدّدت قضاياها، وتنوّعت وظائفها، وبمرور الوقت، طوّرت قابلية في تنويع أساليبها، وأشكالها. ثم أنها دفعت بنفسها إلى ما هو أكثر من ذلك، حينما حملت معها الهويات الثقافية للأمم، وقامت بتمثيل الأحوال الاجتماعية للشعوب، وترحّلت بين اللغات والثقافات، وما حال دونها حائل. وما انكفأت الرواية عن أمر، ولا انصرفت عن واجب، فقد اخترقت الحواضر التقليدية، وحملت الثقافات الطرفية إلى كل مكان، ما يؤكّد براعتها في أداء وظيفتها السردية حيثما تكون. فما اكتفت بتمثيل المرجعيات الثقافية الحاضنة لها، بل أخذت في حسبانها مساءلة العوالم التي ظهرت فيها، بما في ذلك الأنظمة الاجتماعية والأخلاقية. ولقد تخطّت وظيفة التصوير إلى التمثيل الذي يستجمع شذرات من الأحداث، ولا يعكس واقعا صرفا، فيتولّى تركيبها بما يفصح عن أحوالها.
أصبحت الرواية سجلا اجتماعيا، لأنها اقترحت بحثا مجازيا في الصراعات السياسية، والمذهبية، والعرقية، بما في ذلك الهويات، والآمال، والحريات، وانخرطت في معمعة التاريخ الاجتماعي، وفي كشف مصائر المنفيّين، والمشرّدين، والمهجّرين، والنساء، وضحايا الحروب الأهلية، والاستبداد السياسي، والاجتماعي، والديني. وأمسى من الضروري، تغيير موقع الرواية من كونها مدوّنة نصّيّة إلى خطاب تعدّدي، منشبك بالخلفيّات الحاضنة له؛ فلا يسجّل السرد واقعا، أو يعكس حقيقة قائمة بذاتها، بل يقوم بتركيب عوالم متخيّلة مناظرة للعوالم الواقعيّة. وحيثما يدور الحديث حول العوالم السردية، فمن المناسب تأكيد القول، إننا بإزاء تمثيل بلاغي مضاعف، ليس من غاياته الوصف المباشر؛ إنما الإيحاء، والتلميح، والترميز؛ لأن الأوصاف التي يقدمها الكتّاب عن العالم، والصور التي يشكلونها عنه، لا تدلّ على أشياء حقيقية قابلة للتجسد المادي. ونتج عن هذا أن تزحزحت الوظيفة التقليدية للرواية من كونها حكاية متخيّلة إلى خطاب رمزي باحث في الشأن العام. أضحت الرواية سجلّا نتلمّس فيه ما يثير الهلع في النفوس عن البطانة المركّبة للجماعات القبلية، والمذهبية، والعرقية، والمصائر الفردية القاتمة للأشخاص، فهي “ديوان” كاشف للتوترات في مجتمعات تتوهّم بأنها طاهرة لا يأتيها الإثم على الإطلاق.
المراجع
بريستلي،. ج. ب
الأدب والإنسان الغربي، ترجمة شكري محمد عياد، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2000
ثربانتس، ميغيل
– دون كيخوته، ترجمة عبد الرحمن بدوي، دار المدى، بيروت، 1998
دريدا، جاك
– تاريخ الكذب، ترجمة رشيد بازي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2016
الدليمي، لطفيّة
– فيزياء الرواية وموسيقى الفلسفة، دار المدى، بغداد، 2016
دوستويفسكي، فيودور
– يوميات كاتب، ترجمة عدنان جاموس، دار أطلس للنشر، دمشق، 2017
ديفو، دانييل
– روبنسون كروزو، ترجمة أسامة إسبر، وزارة الثقافة، دمشق،2007
ديكارات، رينيه
– حديث الطريقة، ترجمة عمر الشارني، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2008
– مقال عن المنهج، ترجمة محمود الخضيري، دار الكتاب العربي، القاهرة، 1968
روسو، جان جاك
– هواجس المتنزّه المنفرد بنفسه، ترجمة بولس غانم، المنظمة العربية للترجمة، بيروت،2015
زولا، إميل
-في الرواية ومسائل أخرى، ترجمة حسين عجّة، أبو ظبي، مشروع كلمة، 2015
السماري، بدر (مترجم)
– حديث الروائيين، دار أثر، 1433ه
شايغان، داريوش
– الأصنام الذهنية والذاكرة الأزلية، ترجمة حيدر نجف، دار الهادي، بيروت، 2007
فراي، نورثروب
– المدوّنة الكبرى: الكتاب المقدّس والأدب، ترجمة سعيد الغانمي، كلمة، أبوظبي، 2009
كونديرا، ميلان
– ثلاثية حول الرواية، ترجمة بدر الدين عرودكي، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2007
النقّاش، رجاء
– صفحات من مذكرات نجيب محفوظ، دار الشروق، القاهرة، 2011
النماصي، راضي (مترجم)
– داخل المكتبة..خارج العالم، أثير، الدمام، 2016
وايت، هايدن
– محتوى الشكل: الخطاب السردي والتمثيل التاريخي، ترجمة نايف الياسين، هيئة البحرين للثقافة والآثار، المنامة،2017
وولف، فرجينيا
– القارئ العادي، ترجمة عقيلة رمضان، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للتأليف،1971
1 . بورغاس يوسا، لماذا نقرأ الأدب. انظر كتاب: داخل المكتبة..خارج العالم، ترجمة راضي النماصي، أثير، الدمام، 2016، ص 78- 88- 89
2 . نورثروب فراي، المدوّنة الكبرى: الكتاب المقدّس والأدب، ترجمة سعيد الغانمي، كلمة، أبو ظبي، 2009، ص80-81
3 . هايدن وايت، محتوى الشكل: الخطاب السردي والتمثيل التاريخي، ترجمة نايف الياسين، المنامة، هيئة البحرين للثقافة والاثار،2017، ص، 19، 21
4 . رينيه ديكارات، مقال عن المنهج، ترجمة محمود الخضيري، دار الكتاب العربي، القاهرة، 1968، ص114-115. ورد في ترجمة أخرى النص بالصيغة الآتية “أكثر القصص أمانة إن لم تحرّف الأحداث ولم ترفع من شأنها حتى تجعلها جديرة بأن تُقرأ، فهي على الأقل تكاد دائما تحذف منها أكثر التفاصيل خساسة وأقلها جللا: وذلك ما يجعل البقية لا تبدو كما هي، والذين يسيّرون أنفسهم طبقا للنماذج التي يستقونها منها، هم معرّضون للوقوع في شطط أبطال الروايات، ورسم أهداف تتجاوز طاقاتهم” انظر: رينيه ديكارت، حديث الطريقة، ترجمة عمر الشارني، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2008، ص55-56
5 . داريوش شايغان، الأصنام الذهنية والذاكرة الأزلية، ترجمة حيدر نجف، دار الهادي، بيروت، 2007، ص191
6 . ميلان كونديرا، ثلاثية حول الرواية، ترجمة بدر الدين عرودكي، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2007، ص18، 19، 20
7 . بدر السماري( مترجم) حديث الروائيين، دار أثر، 1433ه، ص15
8 . لطفية الدليمي، فيزياء الرواية وموسيقى الفلسفة: حوارات مختارة مع روائيات وروائيين، دار المدى، بغداد، 2016، ص323
9 . رجاء النقاش، صفحات من مذكرات نجيب محفوظ، دار الشروق، القاهرة، 2011، ص 49، 259، 382
10 . ج. ب. بريستلي، الأدب والإنسان الغربي، ترجمة شكري محمد عياد، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2000، ص297
11. جاك دريدا، تاريخ الكذب، ترجمة رشيد بازي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2016، ص 25، 31، 39
12. م.ن. هامش ص18-19
13. جان جاك روسو، هواجس المتنزّه المنفرد بنفسه، ترجمة بولس غانم، المنظمة العربية للترجمة، بيروت،2015، ص65-87
14. تاريخ الكذب، ص23
15 . فيودور ميخايلوفيتش دوستويفسكي، يوميات كاتب، ترجمة عدنان جاموس، دار أطلس للنشر، دمشق، 2017، ص604
16 . ثربانتس، الدون كيخوته، ترجمة عبد الرحمن بدوي، دار المدى، 1998، ج2، ص 439
17 . فرجينيا وولف، القارئ العادي، ترجمة عقيلة رمضان، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر،1971، ص103
18 . دانييل ديفو، روبنسون كروزو، ترجمة أسامة إسبر، وزارة الثقافة، دمشق،2007، ص 27
19. إميل زولا، في الرواية ومسائل أخرى، ترجمة حسين عجّة، أبو ظبي، مشروع كلمة، 2015، ص21، 22
عبدالله إبراهيم