تشهد مدينة صور الساحلية العريقة يوم 18 نوفمبر القادم حدثا هاما على المستوى العماني متمثلا في إقامة الاحتفال بالعيد الوطني السادس والعشرين المجيد، وهذا الاحتفال يأتي تجسيدا لمسيرة النهضة.. مسيرة الخير والعطاء التي يقود دفتها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله -.
فصور العفية ستكون في أبهي حللها وهي تستقبل قائد المسيرة وهو يدشن مرحلة جديدة في مسيرة النماء والاعمار في سلسلة العطاء الذي انطلقت أنواره يوم 23 يوليو المجيد من عام 1970م. فصور ليست مدينة فحسب فهي التاريخ والعراقة يضيف الاحتفال فيها وبها روحا وحياة المدينة التي شملتها عطاءات النهضة في كافة المجالات مدينة بما تعنيه الكلمات من دلالات. حيث المرافق والخدمات وقد تخطتها في كافة الجوانب، لهذا فالاحتفال هو احتفال بالانجازات سواء على أرض صور العفية أو أراضي السلطنة كافة.
تعتبر مدينة صور أهم مدن المنطقة الشرقية ولعبت دورا تاريخيا في حركة التجارة والملاحة في المحيط الهندي، ومن ثم اشتهرت ببناء السفن حيث كانت أنشط مراكز بناء السفن في الجزيرة العربية في القرن الماضي.
ويرجح وجود ميناء صور الفينيقي على الساحل الشرقي للبحر المتوسط حدوث هجرة كبيرة من الهجرات التي انطلقت من الجزيرة العربية الى الشام قبل الميلاد أو بعده، انتقل خلالها أجداد الفينيقيين من عمان الى الساحل الشرقي للبحر المتوسط.
والى جانب النشاط البحري وبناء السفن الشراعية تشتهر صور بعدد من المواقع الأثرية السياحية مثل الكهوف كما تشتهر بالصناعات الخشبية، وصناعة النسيج وتنتج العديد من الحاصلات الزراعية. جديرا بالذكر أنه يجري العمل لانشاء 3مناطق صناعية في صور كما أن مجمع البتروكيماويات ومصانع تسييل الغاز سيتم انشاؤها في المنطقة الشرقية وتصل تكلفتها الاستثمارية الى نحو 8 بلايين دولار.
وإن قيمة وأهمية ما تحقق خلال الستة والعشرين عاما من ملحمة البناء والتنمية، لا يرتبط فقط بحجم ما تحقق أو بالمدى الزمني الذي انجز خلاله، ولكن بما خلقه على هذه الأرض من تحول تاريخي، كسر أسرار العزلة ودك تراكمات التخلف، وأباد الانغلاق الى غير رجعة، وأعاد للتاريخ بياضه ونصا عته، وللانسان العماني وجوده وحيويته ولعمان مكانتها ودورها الحضاري المعهود.
وتتكامل على امتداد هذه الأرض الطيبة مرحلة بناء الدولة العصرية، وتستكمل أطرها التنموية والاجتماعية، والاقتصادية والسياسية والقانونية والدفاعية وغيرها لتقف خلالها عمان، وقد استعادت دورها وامتلكت تجربتها وحافظت على خصوصيتها وصانت هويتها وبعثت تراثها وتقاليدها، وقبل ذلك وبعده فانه خلال الستة والعشرين عاما الماضية شبت تجربة التنمية في السلطنة عن الطوق ويتوافر لها الآن جيل كامل من العقول المتفتحة والسواعد القوية، جيل نشأ وترعرع في كنف النهضة المباركة، يملك من مقومات الأداء الفعال، والرؤية الصائبة.
إن النقلة النوعية التي امتدت لتشمل كل جوانب الحياة في المجتمع العماني، والطفرة الكبيرة على مختلف المستويات خلال هذه السنوات المحدودة والتي بدأت منذ العام الأول للنهضة 1970 وانطلقت بشكل قوي مع بداية الخطة الخمسية الأولى للتنمية 1970- 1980، لم تتم بعصا سحرية، كما أنها لم تنشأ من فراغ ولكنها جاءت في الواقع كنتيجة منطقية لعمل علمي متكامل ولإرادة صلبة ورؤية صحيحة وايمان قوي بقدرة الانسان العماني، رعاها ووجهها وتعهدها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم بحكمة ودراية وبعد نظر، حيث حدد جلالته – حفظه الله – معيار التوازن وعنا هو النجاح وزاوج بينها في لحل مرحلة من مراحل التنمية وعلى نحو يدفع بالمسيرة دوما خطوات الى الامام على نحو متدرج بعيد عن القفز أو أساليب الصدمة، وبعيد بنفس القدر عن المحاكاة أو نقل تجارب الآخرين، وفي هذا المجال أكد حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم في نوفمبر 1981 "أن تكون كل تجاربنا وكل أعمالنا نابهة من صميم واقعنا العماني ومتوائمة مع القيم والتقاليد السائدة في مجتمعنا الاسلامي، ذلك ان التجارب الانسانية قد أكدت ولا تزال تؤكد في كل زمان ومكان ان اسلوب التقليد المجرد أسلوب عقيم وان أسلوب الطفرة أو القفز فوق الواقع العملي والظروف الموضوعية لأي مجتمع يؤدي دائما الى مخاطر جسيمة، لهذا نرفض التقليد ونرفض الأخذ بمذاهب وأنظمة الطفرة ونوفر أسلوبنا الواقعي في التفكير والتطبيق بعد أن أثبتت سيرتنا صحته وجدواه ونحن لا نخطوه إلا بعد دراسة عميقة وقناعة تامة ".
تمثل البعد الاستراتيجي في فكر جلالة القائد المفدى ليس فقط في الاحاطة والادراك العميق للواقع العماني في عام 1970 وما يتطلبه النهوض به من جهد وعمل دؤوب للخلاص من عوامل التخلف والاحباط ومواجهة التحديات العديدة التي أحاطت بالوطن، ولكنه تمثل كذلك في الدقة في تحديد الهدف المراد الوصول اليه، واختيار الوسائل والأساليب وطرق الاقتراب الفعالة منه.
في هذا الاطار حدد حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم قبل نحو ستة وعشرين عاما ملامح الطريق بقوله "خطتنا في الداخل أن نبني بلدنا ونوفر لجميع أهله الحياة المرفهة والعيش الكريم، وهذه غاية لا يمكن تحقيقها الا عن طريق مشاركة أبناء الشعب في تحمل أعباء المسؤولية ومهمة البناء ولقد فتحنا أبوابنا لمواطنينا في سبيل الوصول الى هذه الغاية وسوف نعمل جادين على تثبيت حكم ديموقراطي عادل في بلدنا في إطار واقعنا العماني العربي وحسب تقاليد وعادات مجتمعنا جاعلين نصب أعيننا تعاليم الاسلام الذي ينير لنا السبيل دائما".
وفي الخطاب الوطني بالعيد الرابع والعشرين المجيد أشار حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم الى أنه قد "بدأنا مسيرة البناء والتطور منذ فترة غير طويلة، كان سلاح هذا البلد خلالها في معركته ضد جميع عوامل التخلف، وفي مواجهة شتى التحديات هو ذلك العزم الجازم، والاصرار الحازم، الذي ابداه أبناؤه العاملون في مختلف الميادين، من أجل ضمان النصر والتغلب على العقبات والصعاب وبالجهد والتفاني والاخلاص في العمل، وبالتكاتف والتساند بين القيادة والمواطنين امتد عطاء النهضة الزاخر الى كل بقعة في أرضنا الطاهرة ".
ولأن بناء الانسان العماني وتكوين شخصيته المتكاملة وتثقيفه وصقله وتدريبه كان دوما في مقدمة الأهداف النبيلة والغايات الجليلة لمسيرة النهضة الزاهرة، فقد امتدت الأيادي البيضاء للنهضة في سباق مع الزمن تقيم المدارس، وتنشىء المستشفيات، وتبني الكليات ومعاهد التدريب كما تم انشاء جامعة السلطان قابوس عام 1986 تتويجا لجهد هائل في مجال التعليم وحتى الآن زودت جامعة السلطان قابوس البلاد بست دفعات من خريجيها في مختلف المجالات، ومما له أهميته ودلالته كذلك أن جلالة السلطان المفدى أعلن في خطابه التاريخي بمناسبة العيد الوطني الرابع والعشرين المجيد عن انشاء كلية للشريعة والقانون في مسقط تتولى اعداد المختصين في العلوم الشرعية والقانونية بمختلف فروعها وتخصصاتها، بالاضافة الى دراسة إقامة معهد "للقضاء العالي" في نزوى وهو معهد لاعداد القضاة الشرعيين والقانونيين الذين تحتاج اليهم المحاكم في المراحل التنموية القادمة.
ارتكزت ملحمة البناء والتنمية في وبوع هذه الأرض الطيبة منذ البداية على مفهوم المشاركة بين القيادة والمواطنين، واتاحة الفرصة على نحو متزايد أمام المواطن لتحمل المزيد من المسؤولية في توجيه عملية التنمية والاسهام في صنع القرار سواء من خلال المجلس الاستشاري للدولة في الفترة حتى 1991، أو هن خلال مجلس الشورى الذي بدأ في عام 1992، ويسير الآن بخطي ثابتة ومطردة للقيام بوظائفه البرلمانية والتشريعية في إطار فترته الثانية خاصة بعد تطوير عملية اختيار الولايات لمرشحيها وزيادة عضوية المجلس الى 80 عضوا للسماح بتمثيل عادل للسكان وفق ضوابط موضوعية، واتاحة الفرصة لمزيد من التفاعل والمسؤوليات التي يضطلع بها المجلس، ومشاركة المرأة العمانية للمرة الأولى عمانيا وخليجيا في عضوية مجلس الشورى – تشغل المرأة حاليا مقعدين من مقاعد المجلس.
ومما لا شك فيه أن تأكيد حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم في خطابه السامي بمناسبة افتتاح الفترة الثانية مجلس الشورى في 22 رجب 1415هـ الموافق 26 ديسمبر 1994 على "إننا ننظر الى مجلسكم كشريك للحكومة في العمل من أجل بناء هذا الوطن وخدمة مواطنيه من خلال الموارد المتاحة التي تنفق حسب أولويات مدروسة " يدفع بمجلس الشورى نحو آفاق أرحب وهو ما يتضح من اسهامه هذا العام في اعداد خطة التنمية الخمسية الخامسة 1996/ 2000.
إن الادراك العميق لطبيعة المجتمع العماني واسهامه الحضاري المتميز في مراحل تاريخية والايمان بضرورة وأهمية استعداداته لهذا الدور التنويري الفعال والحفاظ على هويته الوطنية وخصوصيته، كان وراء الحرص الذي ابداه جلالة القائد المفدى دوما في تحقيق توازن دقيق بين متطلبات التحديث واقامة دولة عصرية تأخذ بآخر ما توصل اليه العلم والتكنولوجيا في العالم وبين صيانة التراث العماني والحفاظ عليه وتحويله في الواقع الى ما يمكن تسميته بإطار مرجعي للقيم تستند اليه عملية بناء عمان الحديثة، وفي هذا الاطار تحديدا جاء تخصيص عام 1994م كعام وطني للتراث العماني، وفي هذا الصدد أكد جلالته – حفظه الله – في خطابه التاريخي في مدينة "نزوى" في 18 نوفمبر 1994 "انه بقدر ما حافظنا على أصالتنا وتراثنا الفكري والحضاري عملنا على الأخذ بأسباب التطور والتقدم في الحياة العصرية، لقد كان واضحا لدينا أن مفهوم التراث لا يتمثل فحسب في القلاع والحصون والبيوت الأثرية وغيرها من الأشياء المادية، وانما هو يتناول أساسا الموروث المعنوي من عادات وتقاليد وعلوم وآداب وفنون ونحوها مما ينتقل من جيل الى جيل، وان المحافظة الحقيقية على التراث لن تتم ولن تكتمل الا باعطاء كل مفردات هذا المفهوم حقها من العناية والرعاية. وقد نجحنا بحمد الله خلال السنوات الماضية في تحقيق جانب كبير من هذا الهدف الوطني النبيل ".
على أن من الأهمية بمكان الاشارة الى واحدة من أهم خصائص القيادة المستنيرة لجلالة السلطان المعظم وهي تلك المتمثلة في العلاقة بين جلالته وأبنائه المواطنين على امتداد هذه الأرض الطيبة، ومن المؤكد أننا في غير حاجة الى الحديث عما تتميز به هذه العلاقة ليس فقط من قوة وتدفق وتلقائية ولكن أيضا من خصوصية يلمسها الجميع داخل وخارج السلطنة وعبرت عنها الجولات السنوية السامية لجلالة السلطان المعظم في الولايات وكذلك لقاءات جلالته العديدة مع أبنائه في كثير من المناسبات الوطنية والدينية، فهذه العلاقة الحافلة بالولاء والوفاء من جانب أبناء الوطن حيال جلالته، والمتسمة بالحرص والسهر من جانب جلالة القائد لتحقيق كل ما يسعد أبناءه جسدت أحد مفاتيح القوة السياسية للسلطنة، خاصة وانها لم تقدم فقط القدوة لكل القيادات والمسؤولين على مختلف المستويات ولكنها كانت بمثابة أسلوب عماني متميز لتحقيق التنمية السياسية بالعمل على أرض الواقع، في الوديان وعلى سفوح الجبال وفي المناطق النائية والسيوح وغيرها، كما أنها كانت ولا تزال خط اتصال مفتوحا ومباشرا بين جلالته ومواطنيه يعبر من خلاله المواطنون عن استجابتهم وتفاعلهم مع توجيهات جلالة القائد المفدى ويشعر من خلاله المواطنون بوصولهم الى جلالة القائد مباشرة ودون أية حواجز إدارية أو بروتوكولية.
وانطلاقا من هذه الأرضية الصلبة، وعبر التواصل الدائم بين القمة والقاعدة، وبالنظر الى تحديات المستقبل كثيرة وكبيرة خاصة في ظل التيارات العاتية التي يمر بها العالم خلال هذه المرحلة، أكد باني نهضة عمان الحديثة على أن "الفكر المستنير والثقافة الواعية والمهارات التقنية الراقية هي الأدوات الفاعلة التي يمكن بها مواجهة هذه التحديات والتغلب عليها".
وفي هذا الاطار أكد جلالته – حفظه الله – في 18 نوفمبر 1994 على أن "التطرف مهما كانت مسمياته والتعصب مهما كانت اشكاله والتحزب مهما كانت دوافعه ومنطلقاته نباتات كريهة سامة ترفضها التربة العمانية الطيبة التي لا تنبت الا طيبا ولا تقبل أن تلقى فيها بذور الفرقة والشقاق". وبالفعل لفظت التربة العمانية الأصيلة أية محاولات من هذا النوع وأبت إلا أن تكون حاضنة لبذور الأمن والأمان والإستقرار والرخاء فقط.
واذا كانت العناية بالانسان العماني، باعتباره أداة التنمية وغايتها أيضا، واعداده للقيام بدوره وتأمينه في يومه وغده قد استحوذ على كثير من اهتمامات القيادة الرشيدة، فان بناء اقتصاد وطني قوي، قادر على النمو والتكيف مع مختلف المتغيرات اقليمية ودولية من ناحية، وقادر في نفس الوقت على تنويع مصادر الدخل القومي والحد التدريجي من الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل مع وضع أسس موضوعية لمزيد من الاعتماد على الذات في مختلف جوانب التنمية سواء عبر دفع عملية التعمين أو من خلال الاستغلال الامثل للموا رد المتاحة وتشجيع القطاع الخاص على القيام بدوره وتحمل عب ء أكبر في عملية التنمية من ناحية ثانية، قد ارتكز على تخطيط علمي مدروس ومتدرج استند عبر خطط التنمية الخمسية الاربع منذ عام 1976 وحتى نهاية العام الجاري على دعم قطاعات الانتاج الزراعي والثروة السمكية وارساء قاعدة واسعة لقطاع صناعي ينمو بخطي حثيثة من خلال خمس مناطق صناعية بالاضافة الى فتح المجال أمام تشجيع السياحة والحرف اليدوية والتقليدية واعطاء كثير من التسهيلات للقطاع الخاص وهو الأمر الذي ازداد عبر برنامج الخصخصة الذي سارت السلطنة خطوات فيه خلال الآونة الأخيرة.
ثم جاءت عملية تطوير قوانين التجارة، والاستثمار الأجنبي، واقامة الأجانب، وقانون العمل، ودراسة تطوير قانون خاص بالاستثمارات المالية، وزيادة رأس مال البنك المركزي العماني، وإنشاء نظام تأمين الودائع المصرفية فضلا عن تنشيط سوق مسقط للأوراق المالية وتنفيذ عملية الادراك المشترك بينها وبين بورصة البحرين في أول تجربة من نوعها في 25/ 4/ 1995، جاءت كلها لتزيد من قدرة الاقتصاد الوطني ولتؤهله في الحقيقة للمرحلة القادمة عبر توفير كل عناصر التطور والتقدم والجذب له.
جدير بالذكر أن جلالة القائد المفدى أشار في حديثه الشامل خلال لقائه مع شيوخ وأعيان ووجهاء محافظة ظفار في ختام جولته السنوية السامية في 30 يناير 1995 الى أن "التنمية وصلت كل
مناطق السلطنة بما في ذلك المناطق البعيدة والنائية.. وان التنمية موضوعة لها وحسب امكانية البلد السكانية وحسب التواجد السكاني". كما أكد جلالته على أن الحديث عن البطالة "هو حديث لا يستند على أساس مطلقا.. ولعشرين سنة قادمة ستبقى هذه الحقيقة قائمة.." وبينما أوضح جلالته أن "الجانب الاقتصادي هو هاجسنا الحالي " فانه أكد على أن الأساس في تبني أي مشروع تنموي يرتكز أولا وأخيرا على الدراسة العلمية لهذا المشروع وللجدوى الاقتصادية له وللآثار التي يمكن أن تترتب عليه في اطار أولويات الخطط الوطنية، وفي هذا الاطار وبرغم ضخامة ما تحقق خلال السنوات الماضية وفي مختلف المجالات فان الانسان لا يصادف أبدا مشروعا مظهريا أو تفاخريا هنا أو هناك، حتى عمليات التشجير والمساحات الخضراء التي أمر جلالته بزيادتها خدمة للبيئة وجه بأن تكون الأشجار المستخدمة فيها أشجارا مثمرة تعود بالنفع على المواطن وأن تكون قليلة الاستخدام للمياه كذلك.
وبالتوازي مع الفعالية على المستوى الداخلي والاستجابة الوطنية الرائعة مع توجيهات جلالة القائد المفدى، في ظل شعور المواطن واعتزاره بنفسه ووطنه وتاريخه، وفي ظل شعور وطني عميق يستند على الثقة يا لذات وبالقدرة على تعويض مراحل السبات والعزلة الماضية ارتكزت السياسة الخارجية للسلطنة والتي رسمها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم على رؤية متكاملة، اتسمت بالوضوح والصراحة في التعامل والرغبة في تطوير وتوسيع علاقات السلطنة مع مختلف الدول الشقيقة والصديقة على أساس من الاحترام المتبادل واحترام السيادة عدم التدخل في الشؤون الداخلية، والالتزام بالمواثيق الدولية، وفي الوقت الذي أمنت فيه السلطنة بالسلام كفاية، وهدف ينبغي تحقيقه، فانها أمنت كذلك بالحوار السلمي الموضوعي كسبيل عملي فعال لتحقيق ذلك من ناحية، وبأن تحقيق الأمن والاستقرار في هذه المنطقة الحيوية من العالم انما يعتمد بالدرجة الأولى على أبنائها وتعاونهم بحسن نية معا وحرصهم على حل مختلف المشكلات العالقة على نحو يحفظ هذه المنطقة بعيدا عن أن تكون دائرة للصراع الدولي على اي نحو كان.
وفي الوقت الذي قدمت فيه السلطنة نماذج سياسية عملية مضيئة سواء في داخل مجلس التعاون لدول الخليج العربية أو على المستويين الاقليمي والعربي فان اختيارها بما يشبه الاجماع لعضوية مجلس الأمن غير الدائمة لعامي 1994و1995 كان تعبيرا عن التقدير الذي تحظي به السياسة العمانية على كافة المستويات، كما أن قيام السلطنة بحل مشكلات الحدود مع جيرانها والتوصل الى اتفاقيات دولية موثقة حولها للمرة الأولى في التاريخ العماني، وكذلك دعمها الواضح والصريح لعملية السلام في الشرق الأوسط، ولزيادة فاعلية مجلس التعاون دفاعيا وأمنيا واقتصاديا كان له صداه الواسع على كل المستويات رسمية وشعبية.
وقد أكد جلالة القائد المفدى في خطابه التاريخي بمناسبة العيد الوطني الرابع والعشرين على أن "مواقفنا الثابتة التي أعلناها دائما ستظل هي المباديء الأساسية لسياستنا الخارجية ولتقييم تعاملنا مع الدول التي تلتزم بها كلها أو بجزء منها.. إن السلام مذهب آمنا به، ومطلب نسعي الى تحقيقه دون تفريط أو افراط ".
جدير بالذكر أن جلالته – حفظه الله – كان قد دعا في 18 نوفمبر 1993 الى "حل جميع المشاكل الاقليمية بالطرق السلمية التي تعطي لكل زي حق حقه.. ونحن نتطلع الآن الى احلال سلام شامل وعادل بين العرب واسرائيل يضمن المصالح والحقوق والمنافع المتبادلة لكل الأطراف كما ندعو الى بذل الجهود من أجل اعادة الأمن والاستقرار الى ربوع العالم المضطربة على أساس من العدل والانصاف واحترام حقوق الانسان ومبادىء القانون الدولي ".
وفي هذا الاطار كان طبيعيا أن تتمكن سلطنة عمان خلال فترة وجيزة من أن تحتل مكانتها اللائقة بين الدول وان تستعيد اسهامها وفعاليتها الخليجية والاقليمية وان تصبح مسقط ويحق واحدة من أهم عواصم المنطقة وبابا رئيسيا يطرقه الجميع للاستماع الى وجهات نظر وتقييم ورؤية باني نهضة عمان الحديثة والتي أثبتت الأحداث دوما مصداقيتها وبعد نظرها وقبل ذلك وبعده نأيها عن الانفعال أو سياسة رد الفعل.
وخلال الفترة الأخيرة شهدت مسقط نشاطا دبلوماسيا مكثفا يصعب الاحاطة به كاملا في هذا المقام، وقد تميز هذا النشاط بأنه يعكس المكانة الرفيعة التي يتمتع بها جلالته – حفظه الله – لدى مختلف القيادات خليجيا وعربيا ودوليا، كما تميز كذلك بأن خطوطه قد امتدت الى العديد من العواصم الهامة والمؤثرة على المستويات المختلفة، مما يضع السلطنة دوما في قلب الأحداث ويدعم دورها الايجابي على مختلف المستويات.
واذا كانت السنوات الست والعشرين الماضية قد تكاملت خلالها البنية الأساسية في مختلف المجالات، وتم تشييد فمرح دولة عصرية فتية، يتحمل فيها العماني المسؤولية في كل المواقع، واذا كان جلالته – حفظه الله – قد أوفى بوعده الذي قطعه عند بدء مسيرة النهضة المباركة،وتكاملت كل مؤسسات الدولة وتبلورت مختلف القوانين التي تؤسس لحياة آمنة مستقرة في إطار وحدة وطنية قوية، وبمشاركة المواطنين في تحمل المسؤولية وذلك عبر تأهيل القطاع الخاص بوجه عام والمواطن العماني بوجه خاص لتحمل كل المسؤولية والمشاركة في صنع القرار، ولتصبح عمان دولة أكثر فاعلية ونشاطا واسهاما في محيطها، تكرس جهوده لمزيد من البناء وكما اعتمدت المرحلة السابقة على المشاركة بين المواطنين والحكومة، فان المرحلة القادمة تعتمد بالضرورة على التكاتف والتفاعل وتحمل المواطن لمسؤولياته في تحقيق النمو الذاتي بعد أن شب عن الطوق وذلك في ظل الرعاية المستمرة للقيادة المستنيرة والعادلة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه –
وتأكيدا لذلك أكد جلالته حفظه الله في كلمته الى الامة يوم 2/6/95 بمناسبة انعقاد مؤتمر "الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني 2020" "إننا إذ نستهل مرحلة جديدة في سيرتنا المباركة، فإننا ننطلق من دعائم متينة ومقومات صلبة، نحو أفاق أرحب وطموحات أكبر وأشمل تتطلب منا جميعا أن نضع نصب أعيننا باستمرار المهام الجسام التي تواجهها هذه المسيرة في تقدمها المستمر، والمسؤوليات الكبيرة الملقاة على عاتق كل منا، ليس فحسب من أجل المحافظة على ما تحقق، وانما أيضا لاثراء نهضتنا بالجديد من الانجازات واغناء حضارتنا بالمفيد من تجارب العصر في مختلف ميادين الحياة، لكي نحقق لبلادنا بمشيئة الله المزيد مما نصبو اليه من نماء ورخاء ونحتفظ لها بمكانتها البارزة ودورها المتميز في عالم يتغير ويتقدم بسرعة ويختلف في طبيعته وفي ظروفه عما كان عليه في الحقبة الماضية ". وهكذا حدد جلالته معالم الطريق للمرحلة القادمة.
من المؤكد أن ملامح النهج السيامي على مستوى العمل الداخلي والذي يستمد من النهج الاسلامي القويم في الشورى لن تتضح على نحو كاف سوى من خلال الاشارة ولو باختصار شديد الى الجولات السنوية التي يحرص جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم على القيام بها سنويا وبانتظام منذ البدايات الأولى لمسيرة النهضة المباركة، والتي يجوب خلالها مختلف ولايات ومناطق السلطنة من أقصاها الى أقصاها، قاطما آلاف الكيلومترات، ومعايشا المواطنين في مناطق تواجدهم في قيعان الوديان وعلى سفوح الجبال وفي السيوح الممتدة بطول وعرض هذه الأرض الطيبة.
واذا كانت الطفرة الكبيرة في وسائل الاتصال في عالم اليوم تكفل للقيادة امكانية الاطلاع والاحاطة
بما يجري على أي بقعة على امتداد الوطن، ومتابعة كل الظواهر والتطورات، فان الاتصال المباشر بين القائد وشعبه يظل صيغة متميزة في آثارها ونتائجها، وفي تجاوزها كذلك لكل صيغ وأساليب الاتصال الأخرى.
إن الجولات السنوية لجلالة السلطان قابوس المعظم أصبحت بانتظامها واستمراريتها، والقيام بها في وقت محدد من كل عام – يسبق حلول شهر رمضان المبارك بعدة أسابيع – أصبحت بمثابة تقليد ثابت في الممارسة السياسية العمانية وأسلوب القيادة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، وهو تقليد ينطوي في جوهره العماني وتفقد أحواله بشكل مباشر حيث يقيم من جهة، ويتابع عملية التنمية في كل المواقع خارج العاصمة والوقوف على أوضاعها وانجازاتها على الطبيعة من جهة ثانية ومن هنا امتدت الجولات السنوية لجلالته لتغطي كل ولايات ومناطق السلطنة ودون استثناء وفقا للبرنامج المحدد لها في كل عام.
ولعله من الأهمية بمكان الاشارة الى أن الجولات السنوية ليست مجرد لقاءات بين جلالته والمواطنين في هذه الولاية أو تلك كما إنها ليست مجرد تفقد لمواقع انتاجية هنا أو هناك، ولكن مضمونها أعمق من ذلك بكثير اذ انها في جانب منها بمثابة تجسيد لقدوة تجسيد ممارسة المسؤولية والالتزام بمستوى أداء محدد لها من ناحية فضلا عن أنها في النهاية تمثل صيغة من صيغ العمل التنموي في بعدها السياسي، اي التنمية السياسية التي تعد الشريحة الاعلى في هرم التنمية من ناحية ثانية.
فالجولات السنوية في جوهرها حوارات متصلة بين القائد ومواطنيه، فهي تتجاوز في الحقيقة مجرد طرح لمشكلات هذه المنطقة أو تلك الولاية والعمل على حلها، لتصل الى مناقشة صريحة وواسعة لمختلف قضايا الوطن،والمواطن ومن ثم تمثل قناة أخرى من قنوات التفاعل بين القمة
والقاعدة تتوازى مع قنوات الاتصال والعمل الأخرى سواء على مستوى مجلس الشورى أو من خلال هياكل الحكم المحلي في الولايات. وعلى ذلك فانها عملية سياسية متكاملة.
ومن هذا المنطلق اكتسبت الجولات السنوية لجلالة السلطان المعظم أهميتها الكبيرة من خلال ما طرح خلالها من آراء ومن خلال تناولها للعديد من القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ذات الصلة بحياة المواطن كقضايا العمل، والتعمين وترشيد الانفاق وحتى غلاء المهور ودور الشباب، وشرح منطلقات التنمية وحث المواطنين على القيام بدورهم ومن خلال الرصيد الكبير والعميق الذي يتمتع به جلالته حفظه الله في نفس أبنائه فان استجابة المواطنين كانت دائما سريعة وملموسة
وعميقة الأثر كذلك.
واذا كانت الجولات السنوية تمثل فرصة يعبر خلالها المواطنون في مواقعهم وبوسائلهم المختلفة عن ولائهم وحبهم العميق لباني نهضة عمان الحديثة، اذ يتحول المخيم السلطاني في كل وقفة الى
ساحة التقاء واسعة يقصدها المواطنون من كل المناطق والولايات المحيطة والقريبة منه يأتون معبرين عن سعادتهم وفرحتهم وولائهم لجلالته ومتطلعين الى لقائه والتحدث معه وهو ما يحدث في العادة من خلال اللقاءات التي تتم في هذا الاطار وكذلك من خلال قيام أصحاب المعالي الوزراء والمستشارين المرافقين لجلالته بتفقد المناطق المحيطة ومن ثم تجرى عملية متابعة وتقييم لما تم انجازه والعمل على الحل الفوري لمشكلات قائمة، مع الاستفادة بحصيلة ما يتم تجميعه من ملاحظات وآراء في رسم صورة المستقبل واعداد الخطط بما يتلاءم مع احتياجات المواطنين وخبرة ما تم القيام به. وعلى ذلك مثلت الجولات السنوية لجلالته أسلوبا من أساليب نقل التنمية الى المناطق والولايات النائية خارج العاصمة، واشعار المواطن أن الدولة دائما معه، وتستمع اليه وعلى أعلى مستوى ودون أن يتحمل أي عناء في هذا المجال. اذا كانت مسيرة النهضة المباركة قد أعادت لعمان وجهها الحضاري ودورها النشط في محيطها فان ذلك ما كان يمكن أن يحدث لولا القيادة الواعية والمستنيرة لجلالة السلطان قابوس المعظم والأساس الحضاري القوي لعمان الأرض والشعب والذي سرعان ما كشف عن جوهره الأصيل عندما فجر طاقاته جلالته – حفظه الله -.
فمن المعروف أن عمان ليست دولة حديثة، ولكنها دولة قديمة قدم التاريخ ذاته وأسهمت في مراحل تاريخية عديدة قوة بحرية سياسية تاريخية مؤثرة امتدت علاقاتها وصلاتها الى الصين والولايات المتحدة بريطانيا وفرنسا في مراحل تاريخية مبكرة واستقبل سفراؤها باحترام في عواصم تلك الدول وغيرها قبل قرون من الزمن.
ومما لا شك فيه أن الخيط الأساسي الذي يمتد عبر حقب التاريخ المختلفة، ويربط النهضة العمانية الحديثة بمراحل الازدهار التاريخية لعمان يتمثل في الواقع في قدرة القيادة العمانية على تحقيق الوحدة الوطنية، وبناء القوة الذاتية، واقامة اقتصاد قوي على أساس من الأمن والاستقرار وادارة
السياسة العمانية ودراية على المستويات المختلفة.