كتب يوسف العاني في المرحلة التي سبقت الثورة العراقية عام (1958) مجموعة من المسرحيات الاجتماعية القصيرة التي يغلب على أكثرها الطابع الكوميدي الساخر. وقد لاقت هذه المسرحيات منذ البداية إقبالاً شعبياً منقطع النظير. وأعيد تمثيلها مراراً في بغداد والمُحافظات العراقية الأخرى .
ومن هذه المسرحيات :
1ـ رأس الشليلة 1951 2ـ حرمل وحبّه سوده 1952 3ـ أكبادنا 1953
4ـ تؤمر بيك1953 5ـ فلوس الدواء 1954 6ـ ستة دراهم 1954
7ـ آني أمك يا شاكر 1955 .
وأكثر هذه المسرحيات ذات لغة شعبية بسيطة، ولكنها لا تخلو من عمق في دلالاتها ووعي بالضرورات الفنية للكتابة المسرحية وأهدافها الاجتماعية. وهي تجمع بين البساطة والرمز. وموضوعاتها قريبة من فهم الناس، وشخصياتُها واضحة لا تخضع لظروف طارئة ، و لا لمواصفات جاهزة. والفعل الدرامي فيها ينمو على نحو طبيعي وفق مسيرة مترابطة لكل مكونات العمل المسرحي .
وهكذا، تخلّصت هذه المسرحيات لأول مرة ربما، من تجميع الحالات وافتعال الأحداث وملامسة واقع الناس وبعض مشكلاتهم وتصوراتهم بما فيها من حيوية في اللغة ورغبة في التغيير والتطلع إليه. ولذلك اعتبرت هذه المرحلة في مسرح العاني مرحلة تأسيسية للاتجاه الواقعي الانتقادي في المسرح العراقي.
والعاني يجمع في هذا المسرح بين الواقعية في العرض والتصوير، مع شيء من الكوميديا النابعة من تصادم المواقف، و الهادفة إلى السخرية من النظام الاجتماعي القائم. وهو أمر برع فيه العاني كاتبا وممثلا براعة كبيرة.
وبذلك يكون العاني قد أضاف دماء جديدة إلى الحركة المسرحية في العراق. وهو أمر كانت هذه الحركة بأشد الحاجة إليه بعد إغراقها في الحديث عن الوقائع التاريخية الماضية، والموضوعات الرومانسية المحلقة على الصعيد الأخلاقي ذي الطبيعة الإنشائية أو النظرية الحالمة .
وكما يقول علي الراعي، فان وجود كاتب كبير مسألة ضرورية للحياة المسرحية في أي بلد. ففي مصر، مثلا ، كان هذا الكاتب هو توفيق الحكيم الذي تمتع بالموهبة والاستمرارية معاً. أما في العراق فكان هذا الكاتب هو يوسف العاني الذي ضمن لنفسه شرطي توفيق الحكيم: الموهبة والاستمرار، وزاد عليما شيئا آخر مهم، و هو التمثيل؛ فهو أقرب من غيره إلى رجل المسرح . (1)
والفترة الزمنية التي استهل فيها العاني كتابته الدرامية كانت امتدادا للمناخ السياسي الخانق الذي هيمن على البلاد في أعقاب انتفاضة كانون الأول (1941 ) التي قادها الجيش ورئيس الوزراء رشيد عالي الكيلاني ضًّد الاحتلال الإنجليزي، والعائلة الملكية الحاكمة. وقد كان فشل هذه الانتفاضة وهرب زعمائها سببا من الأسباب التي جعلت السلطة تشتد في مقاومة التيار الشعبي والأحزاب الوطنية، ولاسيما اليسارية منها، ووضع مصائر الناس بيد الفئات الرجعية والإقطاعيين و الوجهاء .
ونجاح مسرحيات العاني على المستوى الشعبي راجع إلى أنها حاولت أن تعرض بصدق الواقعين : واقع بسطاء الناس، وواقع الدولة وأجهزتها وما يحيط بها، وما فيها من فساد وفقدان للعدالة.
ففي (رأس الشليلة) يعرض علينا العاني موضوعًا شعبيا هو كشف البيروقراطية التي تعشعش في دوائر الدولة. حيث يتجاهل الموظفون بتعُّمد مشكلات البسطاء من الناس ، ويهتمون، بدلا من ذلك، بمن يحمل كارت التوصية. وينهي العاني مسرحيته هذه بأن ينتقم أحد المراجعين المنهكين لنفسه بأن يعثر على بطاقة توصية سقطت من جيب مراجع أخر، فيقدمها إلى المدير ويكون لها فعل السحر في الاهتمام به و انجاز معاملته .
ونفس الشئ يحدث تقريبا في مسرحيتين أخريين للعاني كتبهما عام 1954 هما (ستة دراهم) و(فلوس الدوا = الدواء). ففي المسرحية الأولى يفتتح المشهد الأول على ثلاثة مراجعين في غرفة الانتظار بعيادة أحد الأطباء ، أحدهم أخرس ، و الآخر امرأة تحمل طفلة مريضة ، والثالث مراجع لا يملك ثمن الفحص كاملاً، لأنه يعتقد أن عيادة الطبيب ملحقة بالمستشفى الحكومي الذي رأى الطبيب نفسه يعمل فيه. وحين يرفض الطبيب أن يتقاضى أجرة ناقصاً يضطر المراجع المسكين أن يذهب إلى بيته بحثا عن الدراهم الستة الناقصة. ولكن قبل أن يغادر العيادة ينتهز فرصة انشغال الطبيب فليلتقط من فوق مكتبه بطاقة دعوة لحفلة ساهرة كان الطبيب قد تعب في الحصول عليها، يلتقطها ثم يعود والنقود في جيبه ليلقيها أمام الطبيب مع البطاقة الممزقة انتقاماً من غطرسة الطبيب وقلة إنسانيته.
إن شخصية الطبيب في هذه المسرحية تنتصب قوّية كريهة كما شاء لها المؤلف. في حين تقف الشخصيات الأخرى، مثل شخصية صبري خادم الطبيب لتمثِّل كل الفضائل والطيبة التي تنقص خصمها. وشخصية هذا الخادم خصوصاً مثال للطيبة وحب الخير والتعلّق بالناس حتى إذا كانوا من طبقة اجتماعية أخرى، ومن خصومه. فهو مثلا يحب ابنة الطبيب التي ربّاها و أصبح لا يطيق فراقها. في حين أن الطبيب وابنته يطردانه من الدار ، ويقابلان إخلاصه و حبه بضحالة عاطفية غير مستغربة من أمثالهما. وذلك لان صبري كان السبب في سقوط كلب الآنسة ابنة الطبيب و كسر رجله ، مع أن الخادم كان قد سقط هو الآخر مع الكلب و أصيب أيضا. وهكذا لا يشفع له حبه وإخلاصه لأنه اعتدى على إحدى قيم الطبقة البرجوازية التي يخدمها : تعُّلقها الشديد بالكلاب .
فإذا وصلنا عام 1955 فإننا نبلغ مرحلة مهمة من مراحل تطور العاني. ففي هذا العام كتب مسرحيته المعروفة (أنا أمك يا شاكر) . وهي مسرحية سياسية بامتياز. وفيها يدخل بقّوة وجسارة في قلب المعركة الوطنية التي كانت تدور في العراق إذ ذاك لتحقيق التحرر والاستقلال على الصعيدين الداخلي والخارجي. إنه يضع لأول مّرة فكرة النضال في موقع الصدام مع السلطة. وملخلص المسرحية يتمثل في :
عائلة عراقية تتكون من أم وأبنائها الثلاثة .الأول (شاكر) قُتل في السجن، ولكن صورته تُسيطر على المشهد طيلة المسرحية. وها هو الابن الثاني (سعدي) يُقاد إلى السجن إيضاً بسب اشتراكه في إحدى المُظاهرات. أما ابنة العائلة الوحيدة (كوثر) فتختبئ، ولكن عملها السّري وتحّركاتها تظل تُمثّل كل إمكانيات المستقبل بالنسبة لهذه العائلة. أما (أم شاكر) فتقف، بقامتها المديدة وإيمانها الذي لا يتزعزع بحتمية الثورة الوطنية وضرورة انتصارها لتُمثَّل نموذجاً جديداً للمرأة العراقية… نموذج لا ينثني ولا يُذلّ، بل يجعل كل هذه المواجهات الدامية طريقاً لانتصاره. إنها تهتف بلهجتها العراقية المحببة (آني أمك يا شاكر)، لن ينالوا مني، ولن أدّخر في سبيل الوطن أي شيء …
وفي إصرارها ووضوح موقفها يكون العاني قد استجمع تاريخاً طويلاً للنضال الوطني العراقي ممثلاً بهذه الشخصية الشعبية التي تحملت أعباء النضال جيلاً بعد جيل وحاولت أن تعبّر عنه. إنها أم للجميع كما يبدو من حوارها مع الطبيب فؤاد صديق العائلة الذي تعتبره ابنها، كما أن شاكر وسعدي وكوثر أبناؤها.
أما في الجانب الآخر فيقف الخال الجبان (قادر) وابنُه الجاسوس اللذان يمالئان السلطة ويسكتان على الاضطهاد الذي تتعرض له عائلة أم شاكر، حرصاً على مصالحهما.
ويقبض البوليس على كوثر بعد أن خرجت من مخبئها بعد سماعها بمقتل أخيها الثاني فن السجن. وعند ذاك تقف (أم شاكر) وحيده إلا من جارتها (أم صادق) التي تقف معها تساندها في محنتها.
هكذا يُعبر العاني في هذه المسرحية وغيرها عن تفاؤله بإمكانية التغيّر. ويحاول أن يكتب، بطريقته، تاريخ نضال الشعب العراقي قبل الثورة.
غير أنه يجب الاعتراف به أن هذا اللون الجديد من المسرحيات كان يجمل معه بعض عوامل الضعف أيضا. إذ لم يكن يخلو من مواقف ميلودرامية وعاطفية، و أحيانا من روح شعاريه لفظية. كما أن العاني لم يخرج فيه تماما من ثنائية الخير والشر المعروفة في المسرحية الميلودرامية العراقية والعربية على صعيد بناء الشخصية أو المواقف العامة. مع ان المرء يظل يشعر رغم ذلك أن المؤلف سيكون قادراً على كتابةٍ درامية أعمق وأكثر خصوبة، وأن هذه يمكن أن تمثل البداية الحقيقية لإنتاج مسرحي عراقي أكثر نضجا وتوازنا ومعرفة بمسالك الدراما الجادة. وهو ما سيفعلُه يوسف العاني، في الواقع، في مسرحياته الهامة التي سيكتبها عقب 1958 بعد أن تزداد تجربتُه ويتعمَّق إطلاعُه على بعض نماذج المسرح العربي والأوربي أو بعض جوانبه.
أما في مسرحيته المتقدم ذكرها فإن أثر الدراما الأوروبية فيها يظل عاماً، وإن كان المؤلف نفسه لا يخفي تأثره بالواقعيين الروس خصوصاً مكسيم غوركي في روايته (الأم) والمسرحية المأخوذة عنها من قبل الكاتب الألماني بروتولد بريخت. ومن الواضح أن العاني قد حاول أن يجعل من أم شاكر مقابلاً لبولوجيا pelaguee في المسرحية الروسية ..أما كوثر فتحتل موقعا مقابلا لـ sachemlea المناضلة في الحزب، والتي تُحاول كوثر أن تُعرّي مثلها واقع التسلط والفساد داخل النظام السياسي والاجتماعي القائم .
أما سعدي المسجون مثل Pavel فيحتل، هو الآخر، موقعا مركزيا في المسرحية العراقية حتى إذا كان أغلب ما نسمعه ونعرفه عنه لا يأتي عن طريقه هو نفسه. هذا فضلاً عن التشابهات العامة التي تنتظم المسرحيتين. والمتمثلة أساسا بالنموذج الفردي القادر على إعطاء المثال على مقاومة النظام السياسي القائم.
إن كل هذه التماثلات بين المسرحية العراقية والروسية لم تأتِ اعتباطا.لأن العاني كان قد اطلع على رواية غوركي والمسرحية المأخوذة عنها وتأثِّر بها. ولكن عمل العاني يحتفظ مع ذلك بأصالته. فمثلما كانت بولوجيا بطلة غوركي روسية ، ظلت أم شاكر يوسف العاني من لحم ودم عراقيين. (2)
وهكذا، فرغم أن أعمال يوسف العاني المكتوبة قبل الثورة العراقية عام 1958 قد لقيت إقبالاً لدى عرضها بعد الثورة لا يقل حماسا عن ذلك الذي لقيته قبلها، فإنها لم تكن كافية للتعبير عن روح المرحلة التي تلتها، وعن التغيرات الدراماتيكية التي حدثت في بنية المجتمع العراقي فيما بعد. فضلاً عن أن هذه الأعمال نفسها كانت تشكو، كما أوضحنا، من نواقص عديدة على المستويين الفني والآيديولوجي.
لقد كان على يوسف العاني أن يعاود الكتابة، غير أنه، ومثل غيره من الكتاب العراقيين، ما كان لديه في حينها ما يقوله غير أن يهتف (أهلاً بالحياة). وهو عنوان أول مسرحية كتبها بعد الثورة.
وهي مسرحية ليست جديدة تماماً، لا في تاريخ كتابتها، ولا في موضوعها. فقد بدأ العاني بكتابتها عام 1957 في منفاه بلايبزغ بألمانيا الشرقية، ثم أكملها بعد الثورة وقدمتها فرقة المسرح الفني الحديث ببغداد عام 1960 واشترك المؤلف نفسه في تمثيل أحد الأدوار فيها.
وملخص المسرحية أن جاسوساً شريراً، اسمه (عطا) يحاول الزواج من ابنة عمه الفتاة الطيبة البريئة فوزية. فيوافق أبوها مكرهاً على هذا الزواج احتراماً للتقاليد. مع أنه يعرف أن الفتاة تكره ( عطا ) لانحطاطه وفساده، من ناحية، ولأنها ترتبط، من ناحية أخرى، بعلاقة حب مع صديق لأخيها اسمه رجب. وكفتاة شرقية تخضع (فوزية) في النهاية لإرادة أبيها. غير أن أخاها يرفض هذا الزواج رفضاً قاطعاً، ويشجع أخته على الرفض والصمود. فما كان من ( عطا ) إلا أن تحول من خاطب متودد إلى عدو منتقم . فهو يستخدم وسائله الخبيثة لاعتقال فوزي وإرساله إلى السجن بدعوى أنه مناهض للسلطة التي يعمل (عطا) لحسابها .
وتتخاذل الفتاة وتضعف إرادتها حتى تكاد تستسلم للابتزاز وتفكر جدياً في الزواج من ابن عمها إنقاذاً لأخيها. غير أن الرفض يأتي هذه المرة من الأب الذي يغير موقفه ويعيد الفتاة إلى صلابتها، فتعاود الرفض رغم الضغوط الكبيرة التي يمارسها ابن عمها والمحيطون به لإجبار الفتاة على الزواج ضدّ إرادتها .
وحين يبدأ فصل المسرحية الخامس تشعر فوزية بالانتصار، وتعد العدة للزواج من حبيبها السابق رجب. لأن الثورة قد انتصرت وحطمت النظام القديم، وأطلقت سراح فوزي ورفاقه من السجن. وجاء دور الجاسوس ( عطا ) ليقع تحت رحمة فوزي الذي صار يشغل منصباً في الإدارة الحكومية الجديدة يستطيع معه أن يرسل ( عطا ) إلى السجن .
موضوع المسرحية، إذن، وكما ذكرنا ، ليس جديداً . ففوزية تكاد تكون امتداداً لكوثر بطلة العاني في (أنا أمك يا شاكر) التي سبقت دراستها في الفصل السابق. ولولا العامل الخارجي المتمثل بالثورة التي أطلقت (فوزي) من السجن لكان من الممكن أن تنتهي المسرحية نهاية تراجيدية كتلك التي انتهت إليها المسرحية السابقة؛ وإن كنا نرى أن دائرة الصراع هنا أوسع، والحوار القصير الموظف بذكاء لخدمة التطور الدرامي يجعل هذه المسرحية أكثر اقتراباً من المفهوم الحديث للدراما؛ على الرغم من أن وجود ( الثورة ) في الفصل الأخير، وما تبعه من تبدل سريع في المواقف، كان عنصراً خارجياً، ولم ينبع من التطور الداخلي في المسرحية. بحيث يبدو أن الهدف من الإشارة إليه قد جاء لإدخال تعديل جوهري في تطور العقدة وإنهاء المسرحية نهاية سعيدة وإيجاد حل للأزمة الاجتماعية التي ناقشتها المسرحية .
وقد أثبت التطور اللاحق للأحداث أن مثل هذا الحل مؤقت ومصنوع فعلاً. فالثورة لم تحدث التغيير المنشود في التركيبة الاجتماعية والنفسية القائمة .
وقد جاء انفجار الصراع بين أطراف الحركة الوطنية ليؤكد هشاشة الحلول المطروحة في مثل هذه المسرحية. وهو ما أجبر يوسف العاني على الصمت أولاً ، ثم مغادرة البلاد ثانياً.
وكانت الفترة الواقعة بين 1963 – 1967 أطول فترة يقضيها العاني خارج العراق وأشدها صعوبة. وهو نفسه يحدثنا عن هذه الفترة من حياته قائلاً:
« خرجت من العراق إلى بيروت . أيامي الأولى كانت أسود أيام .. عاطل بلا عمل .. أمتلكني خاطر بأنني عاجز لا محالة عن الكتابة أو التمثيل .. الوقت خريف .. هل يكون هو خريفي أيضاً»(15)
هكذا كانت الأزمة مزدوجة عند الكاتب ورجل المسرح. أزمة موضوعية يتعرض لها البلد، وأزمة ذاتية يتعرض لها كاتب يبحث عن إيجاد طريقة للتعبير بشكل جديد. فقد أحس العاني أن أسلوبه السابق القائم على السخرية وفضح عيوب المجتمع والانتصار للطبقات المسحوقة فيه، لم يعد كافياً. وكان لا بدّ لأسلوب العاني أن يخضع للتأثير الذي مارسته عليه التجارب المسرحية العربية والأوربية التي عاشها وقرأ عنها في هذه الفترة من حياته. وكان أبرز هذه التجارب التي مارست على العاني تأثير كبيرا ً يتمثل في اثنين هما:
ـ مسرح الرحابنة في لبنان، حيث عمل العاني معهم فترة من الوقت
ـ ومسرح يربخت، الذي تعرّف عليه عن كثب خلال إقامته في برلين الشرقية فترات متقطعة.
وقد ظهر هذا التأثير، ولا سيما البريختي، في أعمال العاني التالية، وخصوصا في مسرحيتيه اللتين كتبهما فيما بعد، وحظيتا بنجاح كبير واعتبرتا خطوة مهمة ليس في مسرح العاني فقط، وإنما في المسرح العراقي كله أيضا، ونعني بهما (المفتاح) و(الخرابة).(16)
غير أنه يلزمنا، قبل أن نتناول هاتين المسرحيتين بالدراسة، أن نشير إلى مسرحية أخرى كتبها العاني قبل كتابته لهاتين المسرحيتين. وهذه المسرحية هي (صورة جديدة) التي تعتبر مرحلة إنتقالية في التطور الدرامي لهذا الكاتب.. مرحلة مراوحة بين أسلوبه التقليدي القديم، وأسلوبه الجديد المتأثر ببعض الاتجاهات الأدبية الحديثة في الدراما.
كتب العاني صورة جديدة عام 1964 وقدمتها فرقة المسرح الفني الحديث عام 1967 بعد عودته إلى بغداد. والفكرة التي استولت على العاني في هذه المسرحية هي قضية الصراع بين القديم والجديد التي عالجها الكاتب في أكثر من نص من نصوصه. غير أن المؤلف كان مشغولاً، وهو يحاول هذه المرّة ملاحقة تطور المجتمع العراقي، بتوضيح حقيقة مؤداها: أن القديم لا يحافظ على قدمه، كما أن الجديد لا يستطيع أن يلغي القديم. ولا بدّ من جعل الخشبة ميداناً للصراع بينهما. إنه يعرض لنا في هذه الدراما شريحتين اجتماعيتين مختلفتين داخل عائلة واحدة:
أب من الطبقة المتوسطة ذو تقاليد شرقية صارمة، وابن شاب متطلع للجديد، ويحاول أن ينظر إلى الحياة بمنظار آخر.
وتبدأ المشكلة حين يرفض الأب فكرة الابن في الاستقلال عن أبيه بفتح متجر جديد إلى جانب متجر العائلة، ويرى في هذا العمل تهديداً له. في حين يحاول الابن، عبثاً، إقناع أبيه أن استقلاله الأقتصادي ليس تهديداً له، ولا إلغاء لتقاليد العائلة في التعاون والعمل المشترك. بل هو محاولة للتطور وإظهار القدرة الذاتية أمام الآخرين.
ويترافق هذا الصراع ذو الطابع المادي مع صراع آخر ذي طابع فكري وسياسي يدور بين الابن وأبيه. والمسرحية لا تقدم ذلك بطريقة مباشرة، بل تدمجه، على طريقة العاني، بالجو العائلي وملابساته ( خطبة ، زواج ، ممانعة ) .
والجديد في هذا العمل، على مستوى المضمون والمحتوى الاجتماعي والسياسي، هو أن المؤلف نقل الصراع إلى داخل العائلة العراقية، بعد أن كانت هذه العائلة كلها بشيوخها وشبابها ضد السلطة. أي أن ميدان الصراع أصبح داخلياً بعد أن أنتفت، ولو على نحو مؤقت، ضرورات المواجهة مع السلطة بقيام الثورة التي قضت على النظام القديم.
أما على مستوى الشكل، فالجديد في هذا العمل يتمثل في تقسيمه إلى لوحات، يحمل كل منها عنواناً منفصلاً : ( المشكلة، الخطوبة، العقدة، الضوء، الموقف، الزواج، النتيجة..).
وإذا كان هذا التكنيك يحمل، كما يقول د. جميل نصيف، نفَساً بريختياً، فإن المسرحية لم تتجاوز ذلك إلى ما هو أكثر. فهذه اللوحات وعناوينها لم تغيّر تغييّراً جذرياً في البناء التقليدي للمسرحية. فهي ليست مستقلة تماماً، وكل لوحة أو فصل من فصول المسرحية يمهد للفصل الذي يليه حتى الفصل السابع أو اللوحة السابعة التي تنتهي بها الأحداث إلى المصالحة التقليدية بين الابن وأبيه والمحيطين بهما.
وحين تعلق في غرفة الاستقبال بالدار (صورة جديدة) للعائلة بدل الصورة القديمة التي سقطت وانكسرت، يشعر المشاهد برغبة الكاتب في الإشارة إلى التبدل الذي حصل في محيط العائلة. وهو تبدل ليس من السهل الاقتناع به، لأن الصورة ظلت تجمع الجديد والقديم في إطار واحد: الابن وأبيه وأمه، ثم ابنة العائلة وخطيبها الذي كان مرفوضاً من قبل الأب بسبب آرائه التحررية. ومع ذلك، فإن المسرحية تقدم في أسلوب بنائها، كما ذكرنا، إرهاصاً بتأثّر العاني بمسرح بريخت الملحمي بشكل خاص. هذا التأثر الذي سيبرز بشكل أكبر في مسرحيتيه المهمتين اللتين سبقت الإشارة إليهما، أعني (المفتاح) و(الخرابة) .
ففي هاتين المسرحيتين خصوصاً مدّ العاني ببصره إلى التراث الثقافي والفولكلوري العراقي، موزعاً مادته الدرامية الواسعة على مشاهد تركيبية متداخلة وممتدة في الزمان والمكان. إننا لا نجد هنا البناء التقليدي التراجي – كوميدي الذي برع العاني في إنتاجه والتأليف بين عناصره في المرحلة السابقة، واستلّ أغلب شخصياته من الحياة اليومية. بل نجد مسرحاً ذا طبيعة درامية أوسع وأغنى. ومفهوم العقدة التقليدية يختفي ليحل محله بناء ملحمي ذو طبيعة ايديولوجيه وتعليمية واضحة. كما أن عناصر النقد والسخرية موجودان أيضاً، ولكن ليس على الطريقة الانطباعية، الطبيعية السابقة، وإنما على أساس النقد المبني على موقف فكري ملتزم بشكل أكثر وضوحاً وتحديداً.
وقبل أن ندرس هاتين المسرحيتين لا بدّ أن نذكر شيئاً عن علاقة العاني بمسرح بريخت.
إذ يرجع تاريخ أول مرة رأى فيها العاني مسرحية لبريخت تقدم باللغة الألمانية إلى عام 1958 ، حينما رأى مسرحية بريختية على مسرح برلين، وقد ذهل العاني خصوصاً بأداء الممثلة( هيلينا فايكل) زوجة بريخت ، وهي تؤدي دوراً في هذه المسرحية.
يقول العاني بهذا الصدد :
« كان على وأنا أشاهد الأداء الفذ لهذه الممثلة أن أمسح من رأسي كل ما تعلمته من مبادئ التمثيل والإخراج الساذجة».
وقد دامت صلة العاني بهذا المسرح فترة طويلة ، وربطته مع هيلينا فايكل صادقة متينة. ولعل من المفيد أن تنقل هنا جزءاً من الحوار الذي دار بينه وبين هذه الممثلة الألمانية في أول لقاء بينهما لنتعرف على السبب الذي يشده إلى مسرح بريخت :
«ـ لماذا تريد التعرف على مسرح بريخت ؟
لأنه مسرح تقدمي وجديد .
وسياسي.
بالضبط.
وهل تمارس السياسة .
السياسة جزء من حياتنا . والفن لا بد أن يشمل كل مجالات الحياة.»(17)
ومن بريخت تعلّم العاني أيضا أن المسرح يجب يثير الرغبة في المشاهدين للتعرف على الواقع دون الحاجة إلى تقديم صور كثيرة عنه؛ وأن على المسرح توفير متعة الإحساس بالرغبة لتغيير هذا الواقع. ويجب أن لا يكتفي المشاهد بالتفرج السلبي على مشهد تحرير برومثيوس من أغلاله، بل يجب أن نحس – كما يقول– بضرورة المشاركة في تحريره.(18) ومن أجل ذلك كان على العاني أن يستخدم تكنيك التغريب البريختي المعروف.
« هذا التغريب – يقول العاني – هو وضع فاصل بين الخشبة والصالة، وتمكين المشاهد من ممارسة النقد لما يجري على الخشبة».
ولكي يتوفر شرط التغريب هذا فلا بد للممثل أن يرفض الوسائل التقليدية في التمثيل. أي تلك التي تحتّم عليه الاندماج الكامل بالدور الذي يمثله. وهو، أي التغريب، لا يثير في رأي العاني ذهن المشاهد دون أن تتوفر للممثل دقة الملاحظة والإتقان العالي للحركة. عند ذاك فقط، يمكن أن يتحول التغريب إلى أسلوب فني وإلى ينبوع للسرور. والتعليم في المسرح – يضيف العاني – ممكن حيث تكون التسلية ممكنة. (19)
هذه المفاهيم وغيرها من التي أخذها العاني عن مسرح بريخت الملحمي ستجد انعكاسها ليس في المسرحيات التي سيكتبها العاني فيما بعد ، بل سيحاول تطبيقها في بعض الأدوار المهمة التي سيلعبها في بعض مسرحيات بريخت التي قدمت في بغداد في مرحلة لاحقة، كما سنرى ذلك فيما بعد.
مسرحية المفتاح
في هذا العمل المهم يلمس المتتبع لتطور مسرح العاني أن ما أخذه من مسرح بريخت وبعض التجارب الحديثة الأخرى في المسرح الأوروبي والعربي موظف في هذه المسرحية. فقد أكتسب المؤلف من مسرح الرحابنة في لبنان طاقة التعبير بالشعر الشعبي واستخدام الغناء في البناء الدرامي. واكتسب من بريخت، إضافة إلى ما تقدم، طريقة استخدام الأسطورة والحكاية الشعبية في التأليف الدرامي. وفهم من قراءته ومشاهداته للمسارح الأوربية الحديثة، أن المادة السياسية لا تقدم بالضرورة على نحو مباشر، وإنما يمكن أن تقدم تحت غطاء رمزي ، من شأنه أن يعمق المضمون، ولا يسبب للمؤلف حرجاً مع الرقابة. وهو أمر كان ضرورياً في الفترة التي قدمت فيها المسرحية من قبل فرقة المسرح الفني الحديث ببغداد عام 1968. أي بعد عام واحد من حرب حزيران مع اسرائيل التي اعتبرت نتيجتها هزيمة للانظمة العربية كلها.
فمثل غيره من المثقفين عاش العاني محنة افتقاد الحرية والديمقراطية في البلاد. ومثل غيره كان يعلق آمالاً كبيرة على ثورة تموز 1958. لكن الثورة انحرفت عن مسارها وأصابها ما أصابها. بحيث بدا الأفق مسدوداً،أحياناً ، أمام الكاتب، والحياة عقيمة.
وما يعرضه علينا العاني في هذا العمل هو قصة الزوجين العقيمين اللذين عجز العلم الحديث (علم أوروبا والعالم المتحضر عموما) أن يعطيهما جواباً شافياً لعقمهما، فانطلقا في رحلة طويلة قادتهما إلى أعماق التراث، بحثاً عن حكمة الأجداد. هذه الحكمة التي تقول إن الأجداد وحدهم قادرون على أن يهبوهما ما عجز العلم الحديث عن إعطائهما إياه.
إنها، إذن، قصة الزمن الصعب الذي تحول فيه كل شيء إلى جفاف وعقم. وعلى العكس من مسرحياته السابقة، جعل العاني التاريخ الاجتماعي العام ميداناً للصراع. وأصبح الصدام واقعاً ليس بين الأبناء والآباء داخل العائلة الواحدة، بل بينهم وبين القوى الاجتماعية المتسلطة في الحاضر والماضي.
بطلا المسرحية (حيران) و (حيره) يحاولان في رحلتهما داخل التراث الفولكلوري والشعبي، الرجوع إلى الأصول.
أما مرافقهما (نوار) الذي يمثل الشباب المؤمن بسحر العلم، فيظل عاجزاً عن إقناعهما بسلوك طريقه. ومع ذلك فهو ينساق معهما في رحلتهما الطويلة في الماضي دون أن يكون مقتنعاً بما يحاولان.
يفتتح العاني عمله هذا بأغنية شعبية معروفة، تشكل قراءتها وفهمها مفتاحاً لفهم هذا العمل :
(يا خشيبة نودي نودي
وديني على جدودي
وجدودي بطرف عكا
يعطوني ثوب وكعكة
والكعكة وين أضمها
أضمها بصنيديقي
والصندوق يحتاج مفتاح
والمفتاح عند الحداد
والحداد يحتاج فلوس
والفلوس بجيب العروس
والعروس بالحمام
والحمام يحتاج قنديل
والقنديل ببطن البير
والبير يحتاج حبيل
والحبل عند القصاب
والقصاب يحتاج…
……… الخ )!!
هذه الأغنية الشعبية شائعة في العراق يرددها الأطفال دون أن يعرفوا معناها تماماً. ولها نظائر في بلدان عربية كثيرة. والسلسلة الطويلة من الوعود التي تحملها الأغنية لا تقود إلى الهدف الذي ينشده حيران وحيره: أن يكون لهما طفل وأن يتمتع هذا الطفل بضمانات كافية حينما يكبر. ومرحلة بعد مرحلة يكتشف الزوجان العقيمان أنهما يطاردان الأوهام. وحين يحصلان في النهاية على المفتاح الذي يفتحان به الصندوق يجدانه فارغاً.
ولكن وسط هذه الخيبة ينبثق فجأة نور جديد.
يقول حيران : « قلت لا فائدة لن أنجب طفلاً دون ضمان، فتفاجئه الزوجة قائلة : إن الطفل هنا !» .
فقد حملت به ( حيره ) أثناء البحث دون أن تدري. وحين علمت به أخفت الخبر عن زوجها فترة من الوقت. والآن وقد وصل الطفل، رغم كل شيء، فقد وجب على الثلاثة: حيران وحيره ونوار أن يغيروا من أساليبهم في الحياة. عليهم أن يسرعوا لمواجهة الموقف الجديد. وتنتهي المسرحية والكل يركض فوق الخشبة: الباحثون الثلاثة ، والحدّاد ، وصاحب الثور، وكل من أشترك في المسرحية من الأحياء، ما عدا الوصيفة. فهي تظل جامدة بلا حركة لأنها، وكما يسميها المؤلف، لا تنتمي إلى المستقبل الذي يركض هؤلاء باتجاهه.
ولقد أراد الكاتب أن يقول هنا : إن الماضي وحكمة الأجداد وحدهما لم يعودا قادرين على إيجاد الحل لعقم الحياة التي نعيش فيها. وما دام الأمل الذي يمثله رمز الطفل موجوداً، فلا بدّ أن نواصل البحث باتجاه آخر.
والمزج بين سحر الماضي وكآبة الحاضر هو الذي يعطي، على كل حال، لهذا العمل جاذبيته الخاصة. والتي تستعصي أحياناً على التلخيص. فهي رحلة بحث عن الذات المفقودة موضوعة في إطار عرض مسرحي ناجح. ويبقى الهدف هو نفسه الذي بحث عنه يوسف العاني في مسرحياته الاجتماعية السابقة: الإنسان ويحثه عن طريق يتقدم فيه خطوة أخرى إلى الأمام. والنصر دائماً مكفول لهذا الأنسان في النهاية. وكأنه، هذه المرة ، ليس نصراً سهلاً كالذي عرفناه في المسرحيات الاجتماعية السابقة. وإنما هو نصر صعب، ولا يكفي فيه بذل الجهد، وإنما لا مندوحة فيه من اختيار الطريق الصحيح، وتوفير وسائل الوصول إليه.
هذا مخلص شديد لهذا العمل الدرامي الذي أعتمد فيه المؤلف على أغنية شعبية.
ولننظر الأن كيف جرى استغلال هذه الأغنية،
فالمسرحية مقسمة حسب هذه الأغنية – الحكاية إلى ثلاثة أقسام رئيسية:
1- القسم الأول : توجيه الدعوة إلى الأجداد للمساعدة في إيجاد حل للعقم الذي تكشف عنه الزوجة في بداية المسرحية .
2- القسم الثاني : يتضمن رحلة البحث الطويلة بين سلسلة من الوعود والمراحل المختلفة التي يحيل أحدها للآخر. وعلى هذا القسم بنى المؤلف اللوحات الأساسية في عمله. والترابط الموجود بين هذه اللوحات المعتمدة على الحكاية الشعبية يمكن أن يعكس مفهوم الترابط الاجتماعي وضرورة التعاون بين الجميع للوصول إلى الهدف النهائي. ولكن الخيبة المترتبة على اكتشاف أن الصندوق موضع البحث كان فارغاً، يبرز السؤال الملح عن جدوى البحث إذا لم يكن هدف الطريق المؤدي إليه واضحا.
3- أما القسم الثالث والأخير، ففيه دعوة وأمل . ويتمثّل في الحكاية بسقوط المطر وظهور الحشيش في البستان، وبمعادلة الموضوعي ( الطفل ) الذي ينبت أخيراً في أحشاء ( حيرة ) الباحثة عن هذا الأمل.
وفي تعليقه على السبب الذي دفعه لاختيار هذه الأغنية يقول العاني :
«باختياري لهذه الأغنية، التي لم يكن أحد يفهم مضمونها تماماً أن أسقط الوهم الذي سحر بصائرنا طويلاً. هذا الوهم الذي يحملنا على البحث عن أشياء لا وجود لها في الواقع».(21)
وهذا التعليق يذكرنا، على نحو مدهش ، بالسبب الذي دفع توفيق الحكيم لاختيار تلك الأغنية الشعبية المصرية التي بنى عليها هو الآخر مسرحيته (يا طالع الشجرة) :
«طالع الشجره
هاتلي معاك ……. بقره
تحلب ……. وتديني
بالمعلقه ……….. الصيني
والمعلقه ….. انكسرت
يا مين …… يدوايني
يا طالع الشجره
هاتلي معاك …… بقره
تحلب ………. تعشيني
فى الكوره ….اصلها…. صيني
والكوره دي .. انكسرت
يامين ,,,,,,,,, يعشينى
مشيت لبيت الله
لقيت حبيب الله
قاعد على منبر
تحته بساط اخضر .. إلخ»
فهل يجوز لنا أن نقول بأن العاني قد تأثر في اختياره للأغنية الشعبية العراقية بالمؤلف المصري؟
إن ذلك ممكن إذا عرفنا أن المؤلفين كليهما قد أنخرطا في التناقضات التراجيدية الواقعة بين الحياة والموت والحاضر والماضي في الحياة العربية بما تنطوي عليه من عقم وافتقاد للشعور بالأمان. وقد كان كلاهما حريصاً على أن يرينا أن البحث عن حلّ للخروج من الأزمة الخانقة كان محاطاً في حينها بالشك واللاجدوى، حتى إذا كانت قراءة العملين تكشف لنا أيضاً عن فروق كبيرة بينهما. ففي حين تُصنّف مسرحية الحكيم ضمن مسرح العبث، يتجه العاني، كما رأينا، بأبصاره إلى مسرح بريخت الملحمي، حيث التركيز يجري على النواحي الفكرية والآيديولوجية ، وليس إلى بيان العبث واللاجدوى الكامنة في الوضع البشري جملةً، وفي حال إنجاب الزوجة بشكل خاص، كما يتبدى في حوار الزوج مع الدرويش في المسرحية المصرية :
«الزوج : حياتها كانت عبثا …أسقطت ثمرتها …. ولم تعش إلا على وهم الأمومة
الدرويش : إنها ليست عبثا..مادمت ستقدمها غداء شهيا لشجرتك.
الزوج : صدقت من هده الوجهة هى نافعة.
الدرويش : إذا كان هناك عبث ففي حياة الشجرة.
الزوج : كيف؟… الشجرة؟
الدرويش :إنها تأتي بزهر هي لا تشمه، وبألوان هي لا تشاهدها، وبثمر هى لا تأكله، ومع ذلك تكرر هدا العمل العابث كل عام
الزوج : هذا ليس عبثا، هذا عمل نافع.
الدرويش : بالنسبة إليك أنت؟
الزوج : طبعا.
الدرويش : اعترف إذا أن ما تسميه بالعبث هو بالنسبة إليك أنت….
الزوج : تريد أن تقولإن حياة امرأتي كانت لها معنى؟
الدرويش : معنى كل كائن داخل كيانه داته…لا داخل رأسك أنت…»
والإطار الملحمي المتأثر بالمسرح البريختي لدى المؤلف العراقي يتبدّى بأشكال مختلفة في هذه المسرحية. ووجود الراوية في بداية المسرحية، على سبيل المثال، هو أسلوب بريختي معروف. كما أن وجود هذه الأغنية وغيرها من الأغاني الشعبية مأخوذ عن مسرح بريخت أيضاً، كما يصرّح بذلك العاني نفسه. وطريقة البحث عن الحقيقة التي شغلت معظم لوحات المسرحية تذكرنا ببعض الدرامات البريختيه، خصوصاً تلك التي رجع فيها بريخت، هو الآخر، إلى بعض الأساطير مثل (الإنسان الطيب من سيتشوان) التي اعتمد فيها بريخت على أسطورة صينية ، تقول بأن ثلاثة من الآلهة قد نزلوا إلى الأرض بحثا عن (إنسان طيب) لعله لا يزال موجودا على هذه الأرض. فهل يكون أبطال يوسف العاني الثلاثة الباحثين عن الحقيقة هم المقابل للآلهة الثلاثة الباحثين عن الغرض نفسه ، أو عما هو قريب منه، في المسرحية الألمانية؟
ذلك ممكن فيما يتصل بالإطار العام الذي ينتظم المسرحيتين، ولكنه لا يتعدى ذلك إلى التفاصيل التي نجح فيها العاني، رغم كل شيء، في أن يخلق دراما حقيقية ، فيها من العناصر المحلية ما يجعل الدارس يعتقد أن المؤلف قد وفق في توظيف ما تأثر به عن طريق هذا العمل أو غيره من أجل كتابة نص درامي فيه من عوامل الأصالة والذكاء ما يكفي لنجاحه وتميّزه.
مسرحية الخرابة
في بحثه عن شكل مسرحي جديد، ومندفعا بالنجاح الذي حققته مسرحيته المفتاح، كتب العاني مسرحية جديدة هي (الخرابة). وهي دراما لا تتناول مشكلات محلية فقط ، بل تحاول أن تطرح قضايا كثيرة ذات طابع شمولي، موجودة في عالمنا الحاضر، ولكن لها أيضاً امتدادات وأمثلة في التاريخ المحلي والتراث الإنساني .
وهكذا تحدثت هذه المسرحية الطويلة (جزأين كبيرين) عن فيتنام والجزائر وفلسطين، وكلكامش الرافض لغواية عشتار وأساليبها الخبيثة، وعن الحاج نجم البقال أحد أبطال ثورة العشرين ضد الأنجليز في العراق، وعن العالم الاستعماري المسلح، وعن تلك الفتاة الصغيرة ابنة الخادم خليل، وكيف رفض أبوها العمل في بيت البيك، لئلا يدفع أبنته للبيك ثمناً لبقائه في داره … الخ .
وقد أراد العاني بجمعه بين مشكلات محلية وعالمية على بساط واحد، أن يوضح أنه من العبث أن نقول إننا معزولون عن العالم (25) . كما أن مشكلات واقعنا الراهن ونماذجه الخيرة والرديئة تجد لها أمثلة ونماذج في تارينا القريب والبعيد. فما يحدث الآن هو حلقة أخرى من حلقات تاريخ الصراع الأبدي بين الخير والشر في هذا العالم.
والمكان الذي تجرى فيه أحداث هذا العرض المسرحي يلفت النظر حقاً. فهو مكان شعبي يجمع مظاهر وحيوات مختلفة. والمؤلف يقول إن الأساس الذي أخذ عنه هذا العمل هو مقهى قديم في مدينة النجف يسمى الخرابة. وكانت تقدم فيه مساء كل يوم مشاهد تمثيلية مرتجلة يجري تطويرها باستمرار، كما يجري فيه تقليد الشخصيات المعروفة في المدينة، وتعاد بعض الأحداث والحكايات. أي أن ذلك المقهى كان، بأختصار، المرآة التي ترى فيه المدينة نفسها وتستعيد ، على نحو ساخر ، بعض صورها وما كان يجري في مجتمعها.
وقد حاول المؤلف الذي ظلت صورة هذا المقهى الشعبي راسخة في ذهنه، أن يوسّع من رقعته، ويضع عليه مشاهد وأشخاصاً ليسوا من تلك المدينة الصغيرة فقط، وإنما أيضا مما كان يقع في أجزاء كثيرة من هذا العالم.
وهناك ، في الواقع، نوعان من الشخصيات في الخرابة : شخصيات الخرابة الأصلية. وهي تعيش ضمن عالم خاص، هو عالم البساطة والصدق والقيم الأصيلة، حيث نجد المناضلين والثائرين من أجل قضايا الناس في أجيال مختلفة.
(الأول) و(الثاني) و( الثالث) هم شخصيات محررة ولا أسماء محددة لها. ولكنها عند العاني خلاصة للقيم الثورية ومثال النقاء والطيبة والشرف، أما (الواحد) و(الواحدة) فهما شخصيتان محوريتان أيضاً، ولكنهما على العكس، يمثلان الشر القائم في العالم الخارجي وما يتبعه من طغيان واستغلال أخلاقي ومادي.
العالمان لا يلتقيان، وأهل الخرابة الأصليون يحاولون منع ( الواحد ) و ( الواحدة ) من دخول عالم الخرابة، لأنهما سيزيدانه خراباً، وينشران سمومهما فيه لأنهما ينتميان إلى عالم الخراب الحقيقي. و داخل هذه الخرابة الشاي يظل شاياً، والماء المغلي يظل ماءً مغلياً، ولا يختلط العنصران قط. ولكن ( الواحد ) ينجح، مع ذلك، في دخول هذا العالم المسحور ويمتزج بين سكانه تتبعه تلك ( الواحدة ) سليطة اللسان، والمحامية القادرة على قلب الحقائق قلباً.
وحين تحدث المواجهة بين العالمين، تقع أمام الجمهور المندهش محاكمات متبادلة يجري خلالها عرض مشاهد ورواية قصص وأشعار، يحاول كل فريق أن يقنع المشاهدين من خلالها بعدالة قضيته. وخلال ذلك تعرض علينا نماذج بشرية وقصص من عالم الشر المحيط بالخرابة : خادمة عرجاء يُدنّس شرفها، زوجة فلاح يُراد الاستيلاء عليها عنوةً من قبل سيدها الإقطاعي. وحين تقاوم تُضرب حتى الموت، وينال زوجها عذاب الأقطاعي وجلاوزته .. فلاح ثائر يظل يبشر خلال أحاديثه الدينية بالتغيير حتى يسجن .. ممثل يعمل في مسرح مليء بالثقوب، ومتشرد يعيش على الفضلات التي تجلبها له صاحبته الخادمة العرجاء غنية …. الخ.
وحين تنتهي كل هذه المشاهد والتمثيليات يكون أبطال الخرابة الأصليون ( الأول ، والثاني ، والثالث) قد قدموا البراهين على عدالة قضيتهم، وهم يطالبون الجمهور الجالس في الصالة بالمساعدة على إعادة الستار الرابع، لأن إزالته لم تجلب لسكان الخرابة إلا الشر.
هذه الدراما هي، في جوهرها ، نوع من الفنتازيا التي تفيد من أشكال مسرحية متعددة، بينها المسرح الوثائقي، والمسرح الشعبي، ومسرح العرائس. وتعرض علينا من خلال ذلك مشكلة الخير والشر في وجوهها وجوانبها المختلفة: الاجتماعية، والسياسية، والأخلاقية …
إنه، بكلمة أخرى، ما يمكن تسميته (المسرح الشامل). وهو مسرح – كما يعرّفه المؤلف – واسع في الأشكال الفنية التي يستخدمها، وكثرة المصادر والوثائق التي يعتمد عليها (اقتباس بعض المشاهد من مسرحيات أخرى، قراءة نصوص من كتب قديمة وحديثة، عرض لقطات سينمائية .. ألخ). كما أن مخرجي هذه العمل استخدما صالة المسرح ومدخله لإقامة معرض لصور ووثائق عن ثورة العشرين والحرب الجزائرية والفيتنامية، وصور لبعض العمليات الفدائية في فلسطين. كما قسّما المسرح إلى قسمين رئيسيين يضمان مسرحين يجري على أحدهما تمثيل المشاهد المختارة باعتباره مسرحاً داخل مسرح.
وبما أن الطريقة البريختية صارت منذ الآن هي الطريقة المفضلة لدى العاني، فقد كان على الممثل أن يجمع، كما يقول مخرجا المسرحية، بين طريقة ستاستلافسكي، وطريقة بريخت في آن معاً.
فالمَشاهد التي يظهر فيها يوليوس قيصر وكلكاش، مثلاً، هي مشاهد يجري تقديمها بطريقة كلاسيكية، ولكن المُشاهد سرعان ما يُفاجأ في أجزاء معينة منها بموقف كوميدي وهو في قمة انفعاله بالمشهد. وهذه المشاهد غالباً ما تحتل جانباً من الخشبة ( مسرح داخل مسرح ) ولكنها قد تتوسع في حالات معينة فتحتل الخشبة كلها. وهي على كل حال لوحات غير منفصلة تماماً، بل موضوعة لخدمة الغرض العام للمسرحية وبنائها الدرامي العام إلى حد ما، وتوضيح الإطار التاريخي للوثائق المعروضة في الصالة والثيمات الرئيسية في المسرحية. وتجدر الإشارة هنا أيضاً، أن أن مخرجي المسرحية قد اهتما اهتماماً خاصاً بالموسيقى والديكور الذي كانت أجزاء منه قابلة للتغيير وفق ما يتطلبه المشهد.(26)
وليس من شك في أن هذا النوع من المسرح هو مسرح ملتزم ومتأثر بالمسرح السياسي الأوروبي الذي ظهر بين الحربين، سواء تعلق الأمر بمسرح بريخت الذي سبقت الإشارة إليه، أم بالمسرح الوثائقي؛ إذ يبدو أن العاني قد أطلع عليه أيضاً خلال وجوده في ألمانيا الشرقية (27) وقد ظهر تأثير هذا المسرح في عمل العاني هذا بالذات. وهو تأثير يمكن إجماله في النقاط التالية :
1- إن هذا العرض الشامل متأثر دون شك بتلك العروض التجريبية التي خلقها بسكاتور بألمانيا في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، وكتب بحماس عنها في كتابه المعروف (المسرح السياسي ). ويرد على الذهن هنا على نحو خاص عملان مهمان:
الأول الذي كتبه ألفونس باكيت ( 1944 – 1881) ويتناول إضراب عمال شيكاغو للمطالبة بحقوقهم وتحديد ساعات العمل بثماني ساعات يومياً.
والثاني يتمثّل في مسرحية ( رغم كل شيء ) التي أعدها بسكاتور مع كاسبارا عام 1925 ، وقال عنها بسكاتور: إنها عمل كلي يجمع عناصر كثيرة، وأن الإخراج والموسيقى نابعان من طبيعة النص نفسه .
2- وبالإضافة إلى هذا الاستخدام للوثائق والنصوص والمشاهد التمثيلية من قبل المؤلف العراقي، فإن المعرض المقام داخل الصالة وخارجها طيلة فترة عرض المسرحية، هو أمر مأخوذ عن بسكاتور أيضاً. إذ أن المخرج الألماني الشهير قد أقام مثل هذه المعرض الوثائقي خلال عرض مسرحيته المشار إليها.(29)
أما عرض لقطات سينمائية عن الحرب كخلفية للأحداث تشرحها، أو تعلق عليها، فهو الآخر كما رأينا – من اختراع بسكاتور أيضاً.
واللقطات السينمائية التي اختارها العاني وجعلها خلفية لبعض المشاهد التمثيلية، وتعرض بشاعة المستعمرين في قتلهم وتعذيبهم للمواطنين، وبعض الأحياء التي قصفتها الطائرات في الجزائر وفيتنام، هي في الواقع لقطات تشبه تلك التي أختارها بسكاتور لمسرحيته المذكورة أعلاه .
وهذه الطريقة في المزاوجة بين المسرح والسينما سيتكرر استخدامها في مسرحيات عراقية أخرى. ولكنها في مسرحية العاني التي نحن بصدد دراستها لم تكن ناجحة تماماً، إذ إنها أثارت امتعاض بعض النقاد الذي كتبوا عن المسرحية، بأعتبار أن بعض اللقطات السينمائية بدت زائدة، أو أنها لم تكن دائماً في توافق هارموني مع ما كان يجري على الخشبة (31).
1. وأخيراً، فيما يخص ديكور مسرحية العاني، يظهر احتمال آخر للتأثر بمسرحية بسكاتور. فقد شرح لنا بسكاتور كيف قسّم الخشبة، لدى عرض هذه المسرحية، إلى مسرحين يفصل بينهما حاجز واطئ. وهو عين ما فعله مخرجا المسرحية العراقيان، كما تقدم. ورغم أن العاني قد أدخل في مسرحيته عناصر محلية كثيرة حاول فيها التغطية على اقتباساته، فإن التركيب المتشعب لهذه المسرحية قد جعل مسألة مدى أصالتها مطروحة للتساؤل. خصوصاً أن الإفراط في تضمين النصوص والمشاهد التمثيلية المقتبسة على طريقة المسرح الوثائقي، قد عرّضت وحدة العمل للضياع وأدخلت عليه شيئا من الهجنة والتشتت. وربما كان هذا هو السبب في اختلاف وجهات النظر التي واجه النقاد بها هذا العمل لدى عرضه ببغداد عام 1970 .
وربما كان هذا أيضاً هو السبب الذي دفع يوسف العاني إلى العودة إلى أسلوبه القديم في كتابة مسرحياته التالية. ونعني بذلك مسرحيتيه (الشريعة) و(الخان).
فرغم أنهما حافظتا، على نحو ما، على الشكل الملحمي وتوسيع رقعة الحدث الدرامي، إلا أنهما كانتا ميّاليتين أكثر للالتزام بالشكل التقليدي لتطور العقدة وبناء الشخصية الشعبية ذات الملامح الدرامية المصنوعة بدقة وذكاء. وهو ما برع به العاني في مسرحياته الاجتماعية السابقة. ولهذا نجد أن دراستهما لا تضيف شيئا إلى ما قلناه سابقا عن هذا النمط من المسرحيات، لأنهما لا تكشفان ، في الواقع، عن شيء جديد في تطور هذا الكاتب المسرحي العراقي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
* ولد يوسف إسماعيل العاني في مدينة الفلُّوجة القريبة من بغداد عام 1927 ، وبسبب موت والده المُبكّر فقد انتقل ليعيش في بيت عمه التاجر ببغداد. وفي عام 1949 دخل كلية الحقوق, وقدَّم أول تجاربه المسرحية فيها , وبعد إكماله للحقوق دخل معهد الفنون الجميلة ببغداد، ولكنه لم يُكمل دراسته فيه لأسباب سياسية .
1- علي الراعي ، المسرح في الوطن العربي ، سلسلة عالم المعرفة ، الكويت، ص 358
2- في مقال كتبه في مجلة الأكاديمي التي تصدرها أكاديمية الفنون الجميلة , أجرى بدري حسُّون فريد مقارنة بين مسرحية يوسف العاني هذه ومسرحيتين أخريين إحداهما لكاتب إيرلندي وأخرى لبريخت ، أنظر بدري حسون فريد، دور الأم في ثلاث مسرحيات ، مجلة الأكاديمي ، بغداد، ع 3 السنة الثالثة 1978.
انظر, مقدمة يوسف العاني مسرحياتي الصادر عام 1959 , بغداد , ص (هـ ـ ع).(4ـ 5ـ6), مقّدمة صلاح خالص لمجموعة يوسف العاني المسرحية رأس الشليلة الصادر 1954 ببغداد . j (7ـ8ـ9)ـ انظر مقدمة صلاح خالص المسرحيات
الصادر عام 1955 ببغداد 10ـ أصدرت وزارة الأعلام في العراق عام 1979مجلَّداً في 466 صفحة ضمِّ مختارات من أعمال أدمون صبري , مع مقدّمة بقلم الشاعر فوزي كريم.11ـقاص عزله النقاد , مقابله أجراها مع أدمون صبريAdman Sabri12
الشاعران مالك المطّلي وفوزي كريم ,مجلة إلف باء بغداد ,11- 1973.
وقد ورد في هذه المقابلة أن بعض قصص المؤلف ومسرحياته قد تُرجمت إلى الروسية كما أُعد عنه أطروحة دكتوراه بجامعة موسكو . 13ـ ألف باء (مجلة )11-1973.
14ـ من مسرحياته المحفوظة 1ـ عودة المهنَّدب2ـ قيس وليلى في القرن العشرين3ـ ماكو شغل 4ـ قصص كلوبترا 5ـ لو بسراجين لو بالظلمة
(أني أمك يا شاكر).(انظر بدري حسّون فريد , دور
(1). حينما قامت الثورة المصرية عام 1952 ، كان هذا المسرح الميلورامي يلفظ أنفاسة الأخيرة ، حتى أن عدد الرواد في إحدى مسرحيات يوسف وهبي التي قدمت قبل الثورة مباشرة بلغ إحدى الأماسي خمسة أشخاص فقط . ( أنظر بهذا الصدد ، نحو مسرح عربي )
(2). هي مسرحية نفوس التي أعدها ضابط عراقي عن مسرحية تركية لم يذكر اسمها أو أسم مؤلفها . وقد أخرجهاللفرقة الشعبية عام 1952 ( أنظر ، مقابلة، مجلة )
(3). نشرت هذه المسرحية بمجلة ( بيروت ) عام 1954 ، ولكنها لم تمثل ببغداد إلا غي عام 1958 .
(4).
(5).
(6). يذكر أن أول حكومة شكلت بعد الثورة كانت تضم وزيرة ، هي التي تعتبر أول أمرأة تحتل مثل هذا المنصب في الشرق العربي .
(7).
(8). من الطريف أن أحد الباحثين العراقيين حاول أن يجري مقارنة بين المسرح بعد الثورة الفرنسية والمسرح بعد الثورة العراقية . وقد عرض لنا مسريحيتين قدمتا عشية الثورة الفرنسية وهما : و
وهما مسرحيتان تتناولان ، كما يقول هذا الباحث ، إنتصار الإرادة الثورية ضد أعداء الثورة . أما ما يتعلق بالمسرح العراقي فإن الباحث أنتهى ، بعد أستعراض سريع لبعض العروض المسرحية ، إلى النتيجة التالية :
(9).
(10).
(11).
(12). تحوي بغداد الأن بالإضافة إلى ذلك ثلاثة مسارح رسمية حديثة وهي المسرح الوطني ، ومسرح الرشيد ، ومسرح المنصور ، ويتسع كل منها لحوالي ألف شخص . وقد ضمت أكثر المحافظات العراقية بنايات مسرحية حديثة . هذا إضافة إلى بعض المسارح الخاصة ببعض الفرق وأشهرها مسرح بغداد الخاص بفرقة المسرح الفني الحديث .
(13). يضم قسم المسرح جناحين ، أحدهما متخصص باعداد الممثل والآخر بالإخراج المسرحي. ويبدأ التخصص في هذه الأكاديمية بعد إكمال الطالب سنتين من الدراسة النظرية العامة لفنون الدراما، ويقبل فيها خريجو الدراسة الأعدادية وكذلك خريجو معهد الفنون الجميلة. والمسرح الخاص بهذه الأكاديمية يسهم هو الآخر في تقديم أعمال درامية ذات القيمة الفنية سواءً كانت هذه الأعمال عراقية أو عربية أو أوربية .
(14). ربما يكون من المفيد الاشارة هنا إلى الدور الأيجابي الذي لعبه تلفزيون بغداد في أول الثورة في تشجيع بعض الفرق المسرحية . فقد تم نقل بعض أعمال هذه الفرق مباشرة إلى الجمهور ، كما سمح لبعض الفرق أن تقدم أعمالها على الشاشة الصغيرة ، وتحصل من جراء ذلك على أرباح جيدة . ويذكر أن أول محطة تلفزيون في العراق أقيمت عام 1954 ، وهي أول محطة تلفزيونية تابعة للدولة تقام في الشرق العربي .
(15).
(16). لا بد أن نشير إلى أن العاني قد كتب بعد هاتين المسرحيتين ، عملين آخرين هما : الخان ،الشريعةولكننا نفضل أن لا ندرسهما هنا بسبب أسلوبهما الذي ينتهي إلى أسلوب العاني التقليدي الذي سبقت دراسته في المرحلة الأولى .
(17).
(18).
(19).
(20).
(21).
(22).
(23).
(24).
وقد أشار هذا المؤلف في كتابه أعلاه إلى العلاقة التي تربط بين مسريحتي الحكيم والعاني ص 64 .
(25). أنظر ما يقوله المؤلف بهذا الصدد في تعليقة على هذه المسرحية ،.
(26). وضع الموسيقي والألحان لهذه المسرحية الفنان طارق حسون فريد ، وعمل الديكور والملابس الفنان ضياء العزاوي ، وقد قدم أول عرض للمسرحية على مسرح قاعة الخلد ببغداد في 12 / 4 / 1970 .
(27). من المعروف أن الحدود بين المسرح الملحمي والمسرح الوثائقي ليست كبيرة أحياناً. فهما ينطلقان من فلسفة سياسة واحدة تقريباً ، وقد وجد بريخت نفسه أن بعض أعمال بكاتورذات «طبيعة ملحمية». مما دفعه إلى استغلال بعض هذه الأعمال كما هي الحال في التي أفتتح بها عمله في مسرح عام 1928 ببرلين .
(28).
(29).
(30).
(31). أنظر على سبيل المثال ،، المسرح العراقي بين تطور الواقع وتطور المدارس الحديثة ، ص 138 .
1