عزان المعولي
عزان المعولي
تزخر المكتبة العُمانية بنفائس المخطوطات ومكنونات الآثار، ولا يسعنا إلا أن نقف عندها بعظيم الامتنان للجهود الهائلة التي بذلها علماء أهل عُمان وكتبة المخطوطات وناسخوها ومن ساهم في جمعها وحفظها والاعتناء بها جيلا عن جيل، حتى قيَّض الله لها أن تصل إلى من نذروا أنفسهم ومالهم من أجل الحفاظ عليها بترميمها وتصنيفها في المكتبات وأرشفتها بالوسائل الرقمية الحديثة والعمل على تحقيقها ودراستها، ومن بين هذه المخطوطات كتاب نادر في موضوعه ومنهجيته، فهو يتناول علم الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم من خلال تعقيبه وحاشيته على متن كتاب الناسخ والمنسوخ لمؤلفه أبي القاسم هبة الله بن سلامة بن نصر بن علي البغدادي المقري. فيسرد فيه كتاب الناسخ والمنسوخ .لابن سلامة البغدادي ويعقب على متنه برأي علماء المدرسة الإباضية ويضع عليه إضافات من كتب إباضية أخرى، وقد أسماه كتاب المبين ليدلل على تبيينه لكتاب الناسخ والمنسوخ.
وإن المتتبع لمصنفات العُمانيين لتتكشف له بما لا يدع مجالا للشك حقيقة ندرة تأليف العُمانيين في مجالات علوم القرآن، واقتصارهم على السؤالات والجوابات المتناثرة في الجوامع والموسوعات الفقهية، ولعل في ذلك إجلالا للقرآن الكريم من الخوض فيه لما عُرِفَ عنهم من الحرص على تنزيه الله وإجلاله خشية الزلل والخطل، يحمل الكتاب في منهجيته دلالة واضحة على التواصل المعرفي بين المدارس الإسلامية وتسامح المذهب الإباضي وأهل عُمان مع غيرهم من المذاهب وهو أشبه بدراسات المقارنة الفقهية في وقت مبكر، ولعل هذا ما تميزت به المدرسة الإباضية فقها واعتقادا، فالمطلع على الكتب الإباضية يجد حرصا على معرفة الرأي الآخر في المذاهب الإسلامية المتعددة واحترام علمائها وإجلال رأيهم وترجيحه في أحيان كثيرة على رأي العالِم الإباضي.
المؤلف
مما يؤسف له أن نسخ المخطوطات التي وقفنا عليها لم تذكر اسم المؤلف، إلا أننا نستطيع من خلال ثنايا الكتاب تقدير الحقبة التي عاش فيها وذلك عن طريق تتبع حياة العلماء الذين نقل عنهم والمصنفات التي أضاف منها ونقل عنها، وبالرجوع إلى سيرة مؤلف كتاب الناسخ والمنسوخ الشيخ أبي القاسم هبة الله بن سلامة البغدادي نجد أن المصادر تشير إلى أنه توفي في سنة 410 للهجرة، ويتضح أيضا أن صاحب الرواية الذي روى كتاب الناسخ والمنسوخ حسب المخطوطات العُمانية المتوفرة للكتاب هو الشيخ عيسى بن خلف الأندلسي، وعلى الرغم من ندرة المعلومات عن هذه الشخصية إلا أن المرجح أنه قد عاش في القرن الرابع الهجري.
وبالنظر إلى العلماء الذين ذكرهم مؤلف الكتاب والكتب التي أضاف منها، نجد أن من أبرز العلماء الشيخ عبدالله بن محمد بن بركة السليمي، فقد نقل عنه المؤلف من خلال كتابه الموسوم بجامع ابن بركة، ومعلوم أن ابن بركة كان معاصرا للإمام سعيد بن عبدالله بن محمد بن محبوب الرحيلي الذي كانت إمامته بين عامي 320 و 328 للهجرة، وهذا يعني أن ابن بركة قد عاش في القرن الرابع الهجري1، وينقل المؤلف أيضا عن الشيخ أبي جابر محمد بن جعفر الأزكوي والشيخ أبي المؤثر الصلت بن خميس الخروصي وكلاهما من أبرز علماء عُمان في القرن الثالث الهجري.
ويشير المؤلف إلى رسالة للشيخ محمد بن خالد البهلوي -وهو من علماء القرن الخامس الهجري- بقوله: «ومن غيره وجدت أنا في رسالة محمد بن خالد البهلوي قال..»، وهكذا تتكرر في هذا الكتاب عبارات «ومن غير الكتاب»، «ومن غيره» إلا أننا لا نستطيع أن نجزم إن كان هذا من عمل المؤلف في إشارة إلى إضافة من عنده على كتاب الناسخ والمنسوخ لابن سلامة، أو هو من إضافات النساخ للتدليل على إضافة من عندهم على كتاب المبين، إلا أننا نرجح أنه من إضافة المؤلف لقوله في بداية المخطوط: «قال الناظر في هذا الكتاب لما نظر… وزاد فيه شيئا من آثار أئمة المسلمين والفقهاء المهتدين ما بان له طريقه واتضح حقيقه، وما خفي عليه ولم يعرف العدل فيه وقف عن الرد عنه، وزاد فيه زيادات مفهومة وآثارا مبينة منظومة وترجمه بكتاب المبين»، وأيضا لاقتصار هذه الإضافات على علماء القرن الخامس وما قبله، ولو كانت من إضافات النساخ لوجدنا إضافات لعلماء الحقبة الزمنية التي نُسِخَتْ فيها مخطوطات الكتاب، والله أعلم.
ويذكر المؤلف في معرض الحديث عن أحكام الغنيمة أن لديه كتابا آخر بعنوان «الأدلة والبراهين» فيقول: «وقد فسرت هذا وقسمة الغنيمة في كتاب الأدلة والبراهين..»، إلا أننا هنا أيضا نثير ذلك التساؤل الآنف الذكر من حيث عدم استطاعتنا الجزم بأن هذا من قول المؤلف أو من نقولاته من الكتب التي أضاف منها، والذي نراه أقرب للصواب أنه من قول المؤلف إذ لو كان هذا القول منقولا لأضاف لنا ما فُسِّر من أحكام أخرى في كتاب الأدلة والبراهين، ولم أعثر على عنوان مخطوط أو مطبوع لمؤلف عُماني باسم كتاب الأدلة والبراهين، والمعروف هو كتاب الدليل والبرهان لأبي يعقوب الوارجلاني –من علماء إباضية المغرب– ونحن نستبعد أن يكون المؤلف هو ذاته إذ لا يوجد ذكر للعلماء المغاربة في هذا المخطوط، في حين تتكرر عبارات يرد فيها ذكر لأهل عُمان من مثل قوله: «في قول أصحابنا من أهل عُمان» وقوله: «وعرفت أن قتال أهل عُمان كله دفع لأن عُمان قيل إنها كلها مصر واحد والله أعلم»، وغيرها من الإشارات، فلعل الأيام القادمة والمشتغلين على التحقيق وجمع المخطوطات يكشفون لنا مستقبلا عن هذا الكتاب وعن مؤلفه.
وقد تطرق الباحث المحقق سلطان بن مبارك الشيباني في بحثه المعنون بـ»الأكلة وحقائق الأدلة، أنموذج مصنفات علم الجدل والمناظرة» إلى أن كتاب الأدلة والبراهين للقاضي نجاد بن موسى المنحي حيث قال: «هذا الكتاب معدود في المفقودات إلى الآن، أحال إليه [القاضي نجاد] في البصائر والإرشاد فقال مثلا في ص178 في الرد على بعض فرق الشيعة: وقد أثبتنا الاحتجاج عليهم مستقصى في كتاب الأدلة والبراهين، وقال في ص244 عند ذكر إمامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه: وقد شرحنا الأدلة على إمامته وبرهناها، وأوضحنا في ذلك البراهين وبيناها في كتاب الأدلة والبراهين بتوفيق رب العالمين»2.
وبهذه الإضافة فنحن لا نستبعد أن يكون القاضي نجاد هو مؤلف كتاب المبين في ظل الخلط الحاصل والواضح بين نص المؤلف وبين الإضافات من غير الكتاب كما دللنا على ذلك في مواضع آنفة، ولعل ما يعضد احتمالية ذلك أن القاضي نجاد بن موسى عاش في القرن الخامس ومطلع القرن السادس، وهو ما يتوافق مع ترجيحنا للفترة التي عاش فيها مؤلف الكتاب حسب ما بيناه آنفا.
عليه ومما سبق يمكن الاستنتاج أن مؤلف هذا الكتاب عاش في القرنين الخامس والسادس وذلك لاقتصار النقولات على العلماء السابقين للقرن السادس الهجري، حيث لا توجد إضافات من كتب علماء القرون اللاحقة، وإذا كنا لا نستطيع الجزم بأن القاضي نجاد بن موسى هو مؤلف هذا الكتاب إلا أن المعطيات التي تطرقنا إليها ترجح ذلك ولا تستبعده، والله أعلم بالصواب.
الكتاب
يسمي المؤلف عمله بكتاب المبين وقد وردت هذه التسمية في مقدمة الكتاب وخاتمته كما سيأتي ذكره، وكلمة المبين هي اسم فاعل من أبان يبين فهو مبين بمعنى واضح ظاهر، ومنه قوله تعالى {إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ}3، وأبان الشخصُ إذا وضح كلامه وأفصح عن مراده وبين في قوله، ومنه الآية {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ}4، قال ابن منظور: «بان الشيءُ بيانا أي اتضح فهو بَيِّن، وكذلك أبان الشيءُ فهو مبين.. وقالوا بان الشيء واستبان وتبين وأبان وبين بمعنى واحد5»، وبهذا يتضح أن المؤلف أراد بهذا العنوان أن يبين للقارئ ويوضح له ما جاء في كتاب الناسخ والمنسوخ للشيخ هبة الله بن سلامة، وما أضاف عليه من تعقيبات وزيادات.
يبتدئ المخطوط بفقرة من كتاب الناسخ والمنسوخ لمؤلفه ابن سلامة البغدادي برواية أبي موسى الأندلسي، ثم يعقب مؤلف كتاب المبين على كلام أبي القاسم بن سلامة ويوضح سبب تأليفه لهذا الكتاب حيث جاء في الكتاب: «قال الناظر في هذا الكتاب لمَّا نظر، وأجال فكره فيه واعتبر، وجده من أحسن الكتب تأليفا، وأثبتها نظما وتصنيفا، في الفن الذي قصد إليه والمعنى الذي نظمه فيه، إلا أن فيه أشياء أنكرها فروى ما عرفه ولم يرَ إسقاطه من الكتاب، لأنه قد صار أثرا مؤثرا وكتابا محبَّرا، وزاد فيه شيئا من آثار أئمة المسلمين والفقهاء المهتدين ما بان له طريقه واتضح حقيقه، وما خفي عليه ولم يعرف العدل فيه وقف عن الرد عنه، وزاد فيه زيادات مفهومة وآثارا مبينة منظومة وترجمه بكتاب المبين، فمن وقف عليه تبين له ما ذكره فيه، وعلى الله توكلي واعتمادي، واعتصامي وإرشادي».
ويمكن لنا أن نستخلص من مقدمة المؤلف عدة إشارات تخبرنا عن مبدأ التسامح الذي يبديه المؤلف واعترافه بالفضل والعلم لمؤلف كتاب الناسخ والمنسوخ رغم اختلافه عنه في المذهب حيث يقول في وصف الكتاب: «وجدته من أحسن الكتب تأليفا، وأثبتها نظما وتصنيفا»، ويوضح أنه وجد في الكتاب ما ينكره وهو سبب تأليفه لهذا الكتاب، وفي كلامه فائدة تدلل على إدراك المؤلف لأهمية حفظ النص الأصلي لكتاب الناسخ والمنسوخ حيث إنه لم يسقط منه ما لم يوافق توجهه الفكري بل أثبته وحفظه واكتفى بالتعقيب عليه بما يعرفه ووقف عن التعقيب على ما لا يعرفه وهو قوله: «فروى ما عرفه ولم يرَ إسقاطه من الكتاب، لأنه قد صار أثرا مؤثرا وكتابا محبَّرا..».
أما في خاتمة الكتاب فيختتم المؤلف كتابه بقوله: «تم الكتاب المبين بحمد الله ومَنِّهِ بجميع الزيادات التي زدتها والإضافات التي أضفتها إليه، مبينا كل شيء في موضعه بجملته ومترجما كل شيء بنعته وصفته، وأنا ضعيف عن التأليف وأقل عن الترتيب والتصنيف، إلا أني رجوت من الله المعونة عليه وأن يدخر لي المثوبة والأجر فيه بمنه وفضله وسعة كرمه وطَوْله، وحسبنا الله ونعم الوكيل والحمد لله رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على رسوله محمد النبي وآله وسلم».
وتدلل هذه الخاتمة على تواضع المؤلف وتلك هي السمة المعهودة عند علماء المسلمين عامة وعلماء المذهب الإباضي خاصة، فعبارة قوله: «وأنا ضعيف عن التأليف وأقل عن الترتيب والتصنيف» تتكرر في مخطوطات الإباضية بصيغ مختلفة تتفق في معناها الذي هو إظهار قلة المعرفة تواضعا لله سبحانه وتعالى وتنبيها للقارئ أن كل رأي يحتمل الصواب ويحتمل الخطأ وأنه اجتهاد من المؤلف يريد به رضوان الله سبحانه وتعالى.
يتناول كتاب المبين موضوع الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، وذلك بإدراج تعليقات وزيادات على كتاب الناسخ والمنسوخ للشيخ هبة الله بن سلامة، في محاولة لتبيين رأي علماء المذهب الإباضي في مسائل الناسخ والمنسوخ والآيات الناسخة والمنسوخة، وتبرز أهمية هذا الكتاب وقيمته الفكرية في ندرة تأليف الإباضية في هذا المجال المهم من علوم القرآن الكريم، حيث إننا لا نكاد نجد في التراث الإباضي كتابا مخصصا في علم الناسخ والمنسوخ، مع التأكيد على أن مسائل الناسخ والمنسوخ عند الإباضية مبثوثة في كتب الموسوعات الفقهية والعقدية وكتب تفسير القرآن الكريم.
يبدأ الكتاب باقتباس كلام الشيخ أبي القاسم هبة الله بن سلامة، ويشير المؤلف إلى ذلك بعبارات مثل: «قال الشيخ» ثم يضع تعقيبه بعبارة: «قال الناظر» ويقصد بها نفسه، أما في الزيادات والحواشي فيفتتحها بعبارات مثل: «من غير الكتاب» و»من غيره» و»زيادة» و»وجدت من أثر غير هذا» وغيرها من العبارات، وبهذا يسرد المؤلف كتابه في دقة متناهية تحفظ حق النص المقتبس وتدلل على تحري المؤلف لأمانة النقل وحفظ حق مؤلف كتاب الناسخ والمنسوخ.
يأتي الكتاب على صورة أبواب حيث يبدأ المؤلف في تعداد سور القرآن الكريم وعلاقتها بالناسخ والمنسوخ، ثم يفصل في معنى الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، إلى أن يبدأ في الباب المسمى «الناسخ والمنسوخ على نظم القرآن» بتفصيل أحكام الناسخ والمنسوخ في الآيات حسب ترتيب السور القرآنية، ويبين المؤلف رأي المذهب الإباضي في العبارات التي يقف عليها ويضيف عند نهاية سرده لكتاب الناسخ والمنسوخ ما شاء من الزيادات والحواشي الموضحة والمبينة لأحكام الناسخ والمنسوخ.
ونجد في هذا السياق أنه من الواجب علينا توضيح ما ورد في الكتاب من أن آية السيف –وهي قوله تعالى: -{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ}–6 قد نسخت بعض الآيات فقد ورد في الكتاب حكاية عن قول بأن آية السيف نَسَخَت في القرآن مائة وأربعا وعشرين آية، واختتم المؤلف ذلك بقوله: «وكل ما في القرآن من قوله {فَٱعْفُ عَنْهُمْ}، و{أَعْرِضْ عَنْهُمْ}، و{فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ}، وما شاكله منسوخ بآية السيف»، ولم ينكر مؤلف كتاب المبين هذا الرأي ولم يعقب عليه، ونوضح هنا أن مؤلف كتاب المبين قد سرد في زياداته آراء أخرى تؤكد أن آية السيف منسوخة، وهنا نقتبس بعض ما جاء في هذا الصدد، فيقول «زيادة من غير الكتاب قوله {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} يعني القرآن فإن كره بأن يقبل ما في القرآن فأبلغه مأمنه، يقول رده إلى وطنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون توحيد الله وكان هذا من أمرهم، فلما أسلمت العرب طوعا وكرها صارت آية السيف منسوخة، نسختها الآية التي في البقرة قوله تعالى {لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}7 فرفع السيف عن المشركين من أهل الكتاب إذا أقروا بالخراج، قال أبو الحواري حدثنا مقاتل قال لولا هذا لكان ينبغي للمسلمين أن يقاتلوا المشركين من غير أهل الكتاب أبدا حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقبل منهم غير الإسلام أو القتل».
ومن ذلك أيضا الزيادة التي أضافها المؤلف في قوله: «ومن غيره وجدت أنا في رسالة محمد بن خالد البهلوي قال فلما أكمل الله شرائع الإسلام وتم الوحي بكماله أنزل الله على النبي صلى الله عليه وسلم {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}8 ونسخ آية السيف فقال {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} هكذا وجدت والله أعلم..، قوله {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.. الآية، قال بعض إنها محكمة، وأن عمر عرض على مملوك له الإسلام فتركه ولم يُكْرِهْهُ..»، هذا ما لزم بيانه والله أعلم.
المراجع والمصادر المذكورة في الكتاب
يتضح من خلال استعراض هذا المخطوط أن المؤلف قد اعتمد على عدة مصادر أساسية عند علماء المذهب الإباضي، حيث يعد مؤلفو هذه المصادر من أبرز علماء أهل عُمان خاصة والمذهب الإباضي عامة، ويعود لهم الفضل في تأسيس أهم أصول المدرسة الإباضية من الناحية العقدية والفقهية، إلا أن المؤلف يكتفي في أحيان كثيرة بذكر أسماء العلماء دون الإشارة إلى المصدر الذي استند إليه في زياداته أو تعقيباته، وبالرجوع إلى الكتب المطبوعة التي ألفها العلماء المشار إليهم في هذا المخطوط فقد تبينت بعض المراجع التي اعتمدها المؤلف في زياداته ولم يذكر عناوينها، فيما خفي علينا بعضها الآخر ولعلها تتضح لاحقا مع اجتهادات المحققين وتقدم حركة البحث والتحقيق كما نأمل ذلك إن شاء الله تعالى.
إن من أهم الكتب التي نقل عنها المؤلف وأشار إليها في بعض زياداته هو كتاب جامع ابن بركة لأبي محمد عبدالله بن محمد السليمي الأزدي وقد سبق ذكره في هذا المقال، ويأتي ذكر الكتاب باسم «جامع أبي محمد» أو «زيادة قال أبو محمد»، ويتضح من تسلسل زيادات الكتاب أن المؤلف نقل منه أكثر من غيره من المصادر الأخرى، ومن أهم المصادر الأخرى التي نقل عنها المؤلف كتاب جامع ابن جعفر لأبي جابر محمد بن جعفر الأزكوي، ولم يشر المؤلف إلى الكتاب واكتفى بقوله: «زيادة، ابن جعفر»، وقد اتضح من خلال البحث أن الزيادة من كتاب الجامع لابن جعفر، وهو من أهم المصادر الإباضية المعتمدة في كتب الجوامع والموسوعات الفقهية.
وقد اقتبس المؤلف أيضا من كتاب جامع أبي الحسن لعلي بن محمد البسيوي –من علماء القرن الرابع الهجري– ومن كتاب الدراية وكنز الغناية ومنتهى الغاية وبلوغ الكفاية في تفسير خمسمائة آية لأبي الحواري محمد بن الحواري -من علماء القرن الثالث الهجري- ونقل المؤلف أيضا من رسالة لمحمد بن خالد البهلوي الذي سبقت الإشارة إليه في هذا المقال، ولا توجد أية معلومات عن هذه الرسالة، فلعل الأيام القادمة تبرز شيئا عنها بفضل جهود الباحثين والمحققين وتقدم سبل البحث والربط الرقمي بين المكتبات.
نسخ المخطوطات
توجد مخطوطات الكتاب التي اعتمدنا عليها في دار المخطوطات العُمانية بوزارة الثقافة والرياضة والشباب، وقد قامت الوزارة بأرشفة نسختين منها ورفعها على الموقع الشبكي للوزارة وتزويدنا بهاتين النسختين دعْما من الوزارة لغرض البحث والدراسة، وهما مسجلتان برقمي 144 و256، وهناك نسختان أخريان مسجلتان برقمي 4917 و5203، وقد اطلعت على هاتين النسختين الأخيرتين ورقيا في مقر الوزارة بإجراءات ميسرة وداعمة لأغراض الدراسة والبحث والتحقيق.
كما تحتفظ هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية بنسخ رقمية لعدة مخطوطات للكتاب، وهي المخطوطات التي جمعها السيد محمد بن أحمد البوسعيدي في مكتبته الكائنة بولاية السيب بمحافظة مسقط وهي مسجلة بالأرقام 376 و418 و858 و862، وتتيح الهيئة للباحثين الاطلاع على المخطوطات الرقمية فقط بناء على تنسيق مسبق معها وبمقرها الكائن بمحافظة مسقط، إلا أن الهيئة لا تمنح نسخا رقمية مجانية من المخطوطات المتوفرة لديها، الأمر الذي يصعب على الباحث والمحقق سعيه لضبط النص وتدقيقه وتحقيقه ودراسته.
ونشير هنا إلى أن جميع النسخ المذكورة تختلف من حيث ناسخها وتاريخ نسخها والموضع الذي نسخت فيه ووضوح الخط وجودة الحفظ، وقد اعتمدنا على المخطوطتين المتاحتين رقميا بدار المخطوطات العُمانية بوزارة الثقافة والرياضة والشباب، وقد اطلعت على جميع المخطوطات التي ذكرتها سالفا هنا بما فيها نسخ المخطوطات المحفوظة في مكتبة السيد محمد والمؤرشفة لدى هيئة الوثائق بعد أن حصلت مؤخرا على نسخ منها من الباحث المحقق سلطان بن مبارك الشيباني، وحاولت إعادة التدقيق فيها أملا في العثور على إشارة قد تعين في معرفة مؤلف الكتاب على وجه اليقين أو تضيف معلومات جديدة عن الكتاب، فلم أجد بينها فوارق ذات أهمية يمكن أن تضيف إلينا شيئا جديدا سوى ما فصلناه في هذا المقال.
الهوامش
المنتدى الأدبي، قراءات في فكر ابن بركة البهلوي، ص11-12.
الشيباني، الأكلة وحقائق الأدلة، أنموذج مصنفات علم الجدل والمناظرة، ص6.
سورة الصافات، الآية 106.
سورة الزخرف، الآية 52.
انظر: ابن منظور، لسان العرب، ج13، ص67.
سورة التوبة، الآية 5.
سورة البقرة، الآية 256.
سورة المائدة، الآية 3.