وطني الذي عرفته
أكاد لا أعرفه
وطني الذي رأيته
أكاد لا أراه
وطني الذي غادرته
أكاد لا أغادره!
***
في الأربعين
يقف المرء فجأة
أمام المرآة:
من منا خذل الآخر؟!
في الأربعين
يصير الضوء لعنة
والليل جدلاً بلا لغة
والشيب حقلاً
تنضج ثماره على مهل ..
في الأربعين
ينوء الوطن
رويداً رويداً
ويذوي الحنين
وراء الأنين
وراء الحنين
كقرص مسكن!
***
وطني الذي لم أعرفه
وعرفته!
كلما كبرتُ صَغُر ..
كلما هطلَ المطر
حدثتْ أشياء غريبة
كأن لم تحدثْ:
لون الأبنية يتغير
ورائحة الأرض
وكلام الناس
ومن يكلمهم ..
كلما هطل المطر
بكى وطني أكثر
وتذكر من بقي على الأرض
من نام تحتها
وبكى ..
كلما هطل المطر
ارتفعت درجة حرارة السماء
وارتعش الأطفال بردانين
ودون علم أحد
ولا حتى الفقراء
ازداد الفقر!
***
إلى متى يا وطني
تهجرني؟
أبحث عنك تحت مخدتي
فلا أجد غير ظلك
أغلق باب الغرفة
فتخرج من بخار فمي
وتختفي في الحال ..
إلى متى يا وطني
سوف تتوارى هكذا
بغباء؟!
***
كل المحيطات
دموع الذين هاجروا ..
ركبوا القوارب والسفن الثقيلة
ونسوا أنهم يطفون
على حزن الوطن
***
في العالم يصنعون القصيدة
من الكلمات
أما في وطني فمن الوقوف
أمام باب المدرج الخامس
بجامعة دمشق
بانتظار حبيبتي
في يوم ماطر
***
وطني الذي عرفته
كما لم أعرف
كم هي بيضاء ضحكتك
كم هي سمراء حبيبتي .. ابنتك
كم أنا أحبك
وأفرح ..
ولكن، كم هو مر أيضاً
فراق ذلك الجسر
الطيني
قبل أن يبنوا مكانه
كذبة
من الإسمنت المسلح!
عبد الله الحامدي شاعر سوري مقيم في قطر