خصوصية الشعر ضرورة ، ضرورة للشعر نفسه ،وحتمية هذه الضرورة يجب اعتمادها كأساسٍ في القصيدة ـ القصيدة التي تطرح نجوميتها وتُعلن تميزها بلا مُنازع. ومع قصيدة الشاعر اللبناني وديع سعادة ، تأخذ هذه الخصوصية طريقها في الاتجاه داخل هذه الخصوصية وتنفذ الى مكانتها التي تبدو،دائماً، وكأنها النجمة التي تشد البصر قبل أي شيء. ففي كتابه الصادر حديثاً عن دار(نلسن) في بيروت ، يواصل هذه الخصوصية ويشدّ من عزيمتها أكثر. وقد جمعَ أشعاره وقصائده في كتابين ضمن نسخة واحدة حملت العنوان التالي: «قل للعابر أن يعود نسي ظله هنا»(ويليه..) «من أخذ النظرة التي تركتها وراء الباب؟».
لم تتميز قصيدة الشاعر وديع سعادة من تلقاء نفسها ، ولا الشاعر استهدف هذا التميز، وأعتقدُ أن الشاعر هو نسيج ذاته، استطاع طبع ذاته في حروف قصيدته الى حد التماهي معها، وباتت قصيدته هي نفسها، هي شهقاته وتأوهاته وتعبه وغرامه … وهنا يمكن القول أن الشاعر نجح تماماً في بلورة المرآة التي يحاول الدخول أو الخروج منها الى أعماق ذاته. وكم تسعفهُ قصيدته بكل تعابيرها وتجعله يطلّ إطلالة هادئة جداً لكنها شاسعة جداً ، وقصيدته (النائم على الرصيف) تختزل الكثير مما يعتمل في وجدان الشاعر تجاه نفسه ، وما يعتمل داخل نفسه هو مسافة لا تنتهي في مناخها الأخير ، تأخذ طريقها الى أبعد ، الى حيث الإنسان والزمن وما يجمعهما ، فماذا تقول القصيدة:
« النائم على الرّصيف يفتح عينيه بين وقت وآخر
يحدّق بي
ويتمتم:ألا تعرفني؟
ألست أنا حين كنتُ أمشي؟
ألم نعبر الأرض معاً؟مرّات على الأقدام ومرّات في سهونا عن الأرض؟
ألم نغرق في النهر معاً؟
والنمال التي كانت على الدروب،كم مرّة رفعتْ أقدامنا عن الأرض وغيّرت وجهاتنا؟
أنظرُ الى النائم على الرصيف
ولا أعود أمشي
وينظر النائم على الرصيف إليَّ
ويعود الى النوم»
بهذه السلاسة في التعبير ، وبهذا الوصف الخاطف ، وبهذه اللغة الهادئة جداً يُحاول أن يقول الشاعر الكثير، وربما أفاض كلما ضيّق بالكلام واختصر، وربما يصل الى حد الإيماء في القول، وتبقى حروف قصيدته قادرة على تمتين المعنى والقصد.
يرسم الشاعر في قصائده الجديدة لوحات صورية فائقة الدّقة، وهذه الدّقة تكاد تكون اللون الجمالي الذي يغلِّف حروف كل قصيدة، وأحسب أن الشاعر يعتمد على هذه الصّورية بهدف تحقيق المشهد الجمالي الداخلي لدى نفسه أولاً ثم لدى القارىء ـ المُتابع لعملية البناء الصوري المشهدي الذي يُشيّد على مساحة اللغة والوعي في آنٍ معاً. هكذا أرادها الشاعر ، لغة مفتوحة ، مبنية على تفاصيل الشكل، جازمة بأصول معناها ، متوالية الحركات إن في التعبير وإن في التفسير الضّمني للقصيدة. وليس أكثر من التمادي في الوعي الذي يتوخاه الشاعر في هذه الوصفية المشهدية الصورية التعريفية، والتي تتناسل في ذاتها فتؤلف مشهدية أخرى متوالية، تكون كفيلةً بتأدية الصورة على أكمل وجه. ولأن القصيدة، هنا ،هي فعل مباشر نابع من أعماق الروح التي يتحرك بفضلها الشاعر، كأنه، وربما يُحاول أكثر وأكثر ، كأنه أراد امتلاك الحالة المقبلة القادمة الآتية المتقدّمة التي يتوقعها، وكذلك امتلاك الحالة القائمة الواقفة الهادئة الصامتة الخجولة التي يحاول معرفتها. واذا ما حاولنا الدخول أكثر الى جوّانية القصيدة، بكل ما تعني من دلالات حرة ومُقيدة، بكل ما تعني من تفاصيل سردية خاطفة، سنجد أننا أمام سيلٍ من المعنى المتدفّق الذّاهب سريعاً الى الى أصول الصورة . الصورة الشعرية هي المحور الأساس في هذا الوعي الصارخ الذي يضجّ ويتحرك ويُحلِّق في القصيدة، فلا يتردد الشاعر أبداً في بناء اللحظة العالية ، الشاهقة التي تطلّ على آفاق الحياة وروحه وقلبه ، ليصرخ صرخته الشعرية المدوية والتي تتردد عميقاً في كل وعيٍ يقترب من حقيقة الذات التي تنتج القصيدة ، ولعل قصيدته (تحاول أن ترفع يداً) تختزل كل هذه المشهدية ، وترفع جلياً اسم المضمون واسم الشكل واسم الطّيف الذي يواظب على وعي القصيدة . تقول القصيدة الكثير من الدلالات ، وهي دلالات الشاعر المستترة ، وفي كل مستتر يكشف الشاعر ما يريد أن يكشفه، وكذلك ، كأنه أيضاً يريد أن يستر ما يريد ستره، وبين الكشف والستر ، لا التّستر تبرز مفاعيل الأحاسيس الجيّاشة في فضاء الشعر والشاعر، فماذا تقول قصيدته (تحاول أن ترفع يداً) ؟ :
« للطريق رئة
وعيون
ودقات قلب ،
للطريق دقات قلب متعبة
ورئة
ملأى بغبار الدعسات
وعيون
تنظر الى الماشين عليها وتدمع
تحت أقدامهم
للطريق رئة تئن تحت ثقل الخطى
وعيون تفقأها الأقدام
وذراع مكسورة
ومع ذلك تحاول أن ترفع يداً
كي تحيّي العابرين».
حقق الشاعر بقصيدتة لغة التوازن التي تميل بالإتجاهين ووفق أصول الصورة الممكنه التي يمكن البناء عليها للوصل الى أبعد من دلالاتها وإشاراتها ورموزها. اتجهت قصيدته الى لونها الداخلي، ولم تكن سوى امتداد مفتوح على أفق مفتوح الى ما لا نهاية ، حيث لا يمكن الجزم بنهاية أخيرة أو ما يشبه الحد الفاصل بين شهقتين أو موتين.
غير أن القصيدة التي سلكها صاحبها وشاعرها كانت أداةً بيد الحضور والغياب، فقد ركّز الشاعر على جدلية الحضور والغياب في أغلب قصائده، ولعبت القصيدة لعبتها المثيرة في هذا السياق العام الى درجة أنها أوصلت التفسير والشرح والمعنى والقصد الى حدود الخيال الكبير ، الى حدوده القصوى ، حيث برزت التفاصيل الشاخصة التي تكاد تثبت الغياب الذي أراده الشاعر ليكون جواباً مباشراً على سؤال الحضور. فقد اشتغل الشاعر أو لعب لعبة تقنية بالغة الدقة ووظّفها في الهرم الكبير للقصيدة ، وكأنه أراد بهذا الحشد في اللعبة التقنية التي اختارها للغته أن تكون المسافة الطبيعية التي يمكن النظر والسمع والإحساس والذوق والتّذوق والشم واللمس من خلالها. الحضور والغياب وما بينهما وما يجول في محيطهما وما يتحرك في فضائهما … تفاصيل كثيرة حساسة حضرت في مفاصل القصيدة وركائزها ، وربما حاول الشاعر تذليل عقبات الوعي المفاجىء أثناء الكتابة ، خصوصاً حين يجد نفسه على مفترق الوعي الخطر، وحين يجد خطواته خارج مسافته الممكنة. فبرزت البساطة هنا ، في هذه اللحظة ، لحظة الصراع، صراع الوعي مع شؤون الحضور والغياب . ولم تكن بساطة بمعناها العابر السريع بقدر ما كانت بساطة مكثّفة ، تستحضر تجلّيات كثيرة تبدأ من الخيال الواقعي لتصل الى ذروة الخيال.
رسم الشاعر الغياب بلغة الحضور ، واستحضر هذا الغياب عن كثب ، كاد يوثّقه ويجعله نغمة حضور مُسلية تأخذ البال الى حافّة الظّنون الجميلة والمتعبة ، وقصيدة (غياب) ترسم المشهد أكثر ، فماذا تقول القصيدة ؟:
« ظنَّ أنه هو ذاك الماشي في الشارع
وقف وناداه: هاي ، أريد أن أقول شيئاً
لكنه لم يلتفت
وغاب.
ظنَّ نفسه هو ذاك الجالس في الحديقة
وقف ومشى إليه
ومشى الجالس في الحديقة
وغاب.
ظنَّ أنه المارّة كلهم هو
وصاح بهم: هاي ، أريد أن أقول شيئاً
لكنهم غابوا كلّهم
وغاب هو
ولم يقل أي شيء.
قصائد كثيرة في كتاب سعادة تحمل أثقالاً كثيرة ، وتكاد تكون هذه الأثقال من أنواع متعددة أي أنها أنواع وتفاصيل مرتبطة بأشياء الإنسان والحياة. ففي أغلب القصائد هنا ، قصائد الشاعر وديع سعادة، نجد مساحات وواحات وأشياء وعناصر وبشر وأماكن ، كلّها تتحرك وفق نظام معين ووفق نشاط متنوع، ويبقى الشاعر هو محور هذا النشاط وهذه الحركة التي تأخذ شكلها اللولبي في مفاصل معينة. وثمة قدرة تبرز هنا أيضاً، قدرة الشاعر على توظيف هذا النشاط لصالح الوعي الشعري الذي ينتابه، ولا يسقط في متاهة مُحتملة قد تنبت من سيلان اللغة أو من عقدها الوصفية السردية . ولأن قصيدته قديرة بلغتها الرشيقة ، ولأنها متمادية في بنائها الخاص ، أخذت حريتها في القول والفعل ، ولم تتقوقع ضمن نشاط محدود أو محدد ، إذ أن المشهد الشعري في القصيدة له تداعيات خارج القصيدة نفسها ، يأخذها الى مناخ آخر وكأن للقصيدة بقية خارج نطاق هيكلها اللغوي. وبذلك تكون قصيدة متحركة ، مستعدة لملاقاة الوعي الآخر عند ضفاف جديدة ، وأعتقدُ أن هذه النتيجة الشعرية هي إثبات شعري آخر تحققه قصيدة عربية حديثة.
لا شك أن قصيدة سعادة لها حيّز واسع في السِّياق اللغوي ، لكنها تنأى بعيداً ضمن حروف غير قليلة ، ضمن لغة يمكن أن تتأسس في ذاتها وتصير لغة خاصة جداً، وهذه النتيجة هي من أهم أسباب تميز القصيدة ضمن محيطها وحتى خارج محيطها. واذا ما حاولنا السؤال مُجدداً، هل تقصّد الشاعر هذا النشاط للوصول الى هذه اللغة الخاصة ، هذه اللغة الشعرية الطليقة التي تفي بغرض الشعر من حروفها الأولى ، نعثر أو نصطدم بجواب آخر مُتجدد أيضاً، يقول ويكاد يعترف بأن خير اللغة يكمن في وفرتها وتحوّلها وامتدادها الى الأرحب دون تكلّف ودون لهاث. وأحسب أن الشاعر يتحرك بلغته وفق ما تلفحه حروف القصيدة، وفق ما تلفح هذه الحروف بوهجها الذي يبدو مرافقاً للغة كأساس متين لها. ولأنها قصيدة مركزة على تفاصيل دقيقة جداً في حياة ووقائع الزمن والإنسان ، أخذت تكبر وتكبر وتنسج الصور والكلام في داخل المعنى لتصير مشهداً كاملاً متكاملاً لا يمكن حذف حرف واحد من أسسه، الأمر الذي جعلها هرماً يمكن الصعود إليه وبطريقة هادئة وصافية ومريحة للمتسلّق.
أناقة المعنى، وأناقة اللغة ، وأناقة الوصف الشعري، وأناقة السؤال، كلّ هذه الأناقة (الأناقات) حضرت في قصيدة الشاعر وديع سعادة، ولم تكن أناقة بالمعنى التقليدي بقدر ما هي أناقة ضرورية لتفعيل المشهد الشعري، ولتحويل الصياغة الشعرية وصرفها ضمن البهجة الكبرى. لقد فعلت هذه الأناقة فعلها الكبير، ونجحت في بناء الجسر الذي يمكن السير عليه بثبات الى أبعد حدود المعنى المُرتجى الذي تستهدفه القصيدة. أناقة حافظة وحامية للغة، تُساعدها على بلورة الصورة الشعرية، وتقدّم لها عوناً وصفياً مُزدهراً على طول الكلام وعرضه. ولأنها أناقة مرضية للشكل، شكل القصيدة وأساسها، ولأنها أناقة قديرة جداً وفاعلة في تفعيل وهج القصيدة،مرآتها الدّاخلية، ولأنها أناقة وعي شعري أكثر مما هي هندسة لغوية تثبت الشكل جيداً، لأنها كل هذا الحشد في المناخ الهادىء للقصيدة وما يحوطها، ارتسم المشهد الشعري على أكمل حقيقة، وبات يمكن رؤية المشهد بالعين المجرّدة، ذلك أن الشكل الذي ارتسمت داخله هذه الأناقة كان بمثابة العامل الحاسم الذي أوصل كل كلمة الى هدفها التفسيري التحليلي الشعري. أناقة كانت أكثر من ممكنة بعد أن تخطّت مستحيلات في سياق اللغة.
قصيدة لها دلالاتها الواسعة، لا تنحصر في تفسير أخير. إنها قصيدة الفعل الذي يقول الفعل قبل حدوثه، وتلاوة وقائع ما سوف يحدث، وإن كان لا بد من الجزم بما سيحدث، فلا تتردد قصيدة الشاعر بهذا الجزم. والمفارقة الجميلة أن هذا الجزم الذي ينبثق من المعنى، من داخل القصيدة، يتحوّل، بفعل شعري مفاجىء، يتحوّل الى واقع يكاد يكون حقيقة ممكنة . لا يتنبّأ الشاعر حين يفرط بالجزم الشعري لما سيحدث، ولا يقدم نفسه كمكتشف لما سيأتي بعد قليل أو بعد كثير، لكنه يقول، يشرح، يفسر، يجزم، ويترك مجالاً واسعاً للتأويل والدلالة والإشارة، يجمع كل الحشد الذي يتحرك في فكره وخياله وشعوره، ويطلق العنان للمعاني المتداخلة في ذاتها، يُهندسها ويدفعها الى الخارج لتقول، بدلالاتها، كل هذا الحشد، ثم يركن الى أفعال في الكلام الشعري، أفعال تحسم أمر القصد والمقصد، وبشكل سريع ومفاجىء. نرى القصيدة ترتّل حروفها، نرى القصيدة تتلو حروفها، نرى ونسمع القصيدة تغني حروفها، نرى ونسمع ونتحسس القصيدة وحروفها، نتذوّق طعم الكلام ولذته في حروف القصيدة، نقرا أكثر في وهج القصيدة…تأخذنا القصيدة أكثر، تعيدنا وتأخذنا وترسم خطوط حضورها خارج وداخل شكلها.
وإذا ما حاولنا تفسير الشرح أو تشريح قصيدة الشاعر، ندخل الى قصيدة (رفاق) التي صاغها كاتبها على نحو متشعّب ،مفتوح على دلالات وإشارات وتداعيات شتى، فماذا تقول القصيدة؟:
« لديك ما يكفي من ذكريات
كي يكون معك رفاق على هذا الحجر
اقعد
وسَلْهمْ بالقصص
فهم مثلك شاخوا
وضجرون
قصَّ عليهم حكاية المسافات
التي مهما مشت
تبقى في مكانها
أخبرهم عن الجني الذي يلتهم أطفال القلب
عن القلب الذي مهما حَبِلَ
يبقى عاقراً
حدّثهم عن العشب الذي له عيون
وعن التراب الأعمى
عن الرياح التي كانت تريد أن تقول شيئاً
ولم تقل
وعن الفراشة البيضاء الصغيرة التي دقَّت على بابك في ذاك الشتاء
كي تدخل وتتدفّأ.
لديك رفاق على هذا الحجر
لا تدعهم يضجرون
أخبرهم عن الخراف التي بلا راعٍ
وعن الراعي الذي بلا خراف
عن الراعي الذي ضلَّ والخراف التي تعرف الطريق
أخبرهم حكاية الذئب
وحكاية القبَّرة
وحكاية الغول
وإن لم يكن لهؤلاء حكايات فاخنرعها
اخنرع حكايات
اخترع ذئباً وجنّاً وخرافاً ورعياناً وفراشات
رفاقك مثلك شاخوا
ويقعدون على حجر صغير
اخترع لهم مسافات.»
في هذه القصيدة (رفاق) يحشد الشاعر كل شيء وكل مبرر وكل دلالاته، يحشد الأناقة التي تهيمن بجمالها على الصور الشعرية، يحشد التفاصيل الكثيرة التي تقدم ومضاتها المعبِّرة والمُضيئة. ونجد في هذه القصيدة كلّ الومض وكل الإلتماعات البرقية التي تكشف سرّ الكلام ، وكذلك نجد في القصيدة كلّ السّرد والشرح والقول المفتوح ، ولكن دون أن نذهب في متاهة السرد المُملّ، إنما نعثر في تفاصيل هذا السرد على ومضات نارية كاشفة. تكاد تكون هذه القصيدة مشهداً روائياً بومضات عابرة، وتكاد تكون تفسيراً شاملاً لمفهوم الحياة الذي يراود الشاعر، وتكاد تكون قصيدة مختزلة جداً ويمكن البوح من خلالها بصور الحياة الكثيرة. لقد قال سعادة في هذه القصيدة الكثير مما لا يمكن حصره واستحضاره ، وكأنه صرخ بصوت واحد، صوت مفتوح على افقٍ لا يمكن التكهّن بنهايته، وأحسب أن هذه القصيدة هي جزء من مسافة تعبير أرادها الشاعر كي لا يصل الى تفسير نهائي، بقدر ما حاول وسعى للقول والصراخ والبوح بصوت هادىء وخفيف، صوت صامت في أغلب الأحيان، لكنه وصل الى مسافات واسعة وأعطى حرية للوعي الذي انطلق منه الشاعر وما زال منطلقاً الى مسافة مستمرة. ويمكن القول أيضاً أن الشاعر يمارس حزنه بطريقة خاصة، ولكنه لا يتقصّد هذا الحزن بقدر ما أنه يسلِّط الضوء على المسافة التي يسلكها حزنه. والأسلوب الإستحضاري التبليغي التعريفي الذي يبرز في القصيدة هو جزء من كلّ، جزء بارز في تفعيل المعنى الشعري، جزء فاعل الى حد مؤثّر متمكّن يفعل الفعل ويجاهر به الى حد الجنون الكبير.
لقد نجح الشاعر في شد الانتباه الى هذه المساحة المشرقة التي تلفت الأحاسيس الكثيرة ،المشابهة لها والمتعارضة معها في آنٍ واحد.