(1)
هكذا في لحظة تغيرت ملامح وجهي اليوسفي وها هو ذا يفارقني لأول مرة .
أول مرة هذه تبدأ دائما بالجز الأول للحظة الواحدة ، وهي ايضا الفارق الوحيد الذي أوجدني في مفترق الطرق هذا ، حيث تتداخل التيارات فيما بينها بعراك شديد بين أن أكون
وبين قي شراع مركبي ومصالحة همجية الرياح . . ولا أكون . أدرك أن العاصفة التي لا يوجهها المرء تلقي به وحيدا حيث يستقر القاع في القاع .أذكر أن أول مرة حين عاندت في ثورة قذائف الهواء لمحت على حافة الصمت كلابا مأجورة تنبح وكانت تحاول .. . اللعنة على الضجيج .
اللعنة على / كانت / تلك .
لماذا قرعى لنواقيس الذكرى وأجرجر الماضي نحو لحظتي ؟ هذه تبا له وإن /.. /. ها أنا الآن مغمورا في اللحظة مشدوها كأبله يراقب عرى عاهرة عجوز أشاهد ، بشاعة وجهي أمام ا لمرآة..
صرخت فيه بعيني .. أنت لست وجهي . عيناي حفرتان فارغتان إلا من هذا الشبح ، عليهما حاجبان أبيض سوادهما اللامع في يد "اسيان بيع " في سوق ا لنخاسة .
الأنف معقوف كقرن تيس هرم ، به حفرتان نتنتان برائحة دماء الجيفة.
الشفتان مشقوقتان من شدة المظما للصمت ، والأسنان جنزير يمضغ الهواء ، ومذاقه المحترق بالخوف لا يحسه اللسان الذي يثرثر كثيرا بالأسئلة ولا يتعب .
الاذنان واسعتان ينفذ لهما الصوت المثقل بتداخل الأشياء المهتوكة ، وعويل الأرامل ، وأسئلة ا لشحاذين ، حتى أثناء النوم المضغوط بالكوابيس التي تطرح ثقلها على جزئيات ذهني ببلادة القطط الجائعة وهي تموء.
يا إله كل شيء .. هذا ليس وجهي . قهقهت الصورة أمامي فوجدتني أقهقه بسخرية السيد من عبده .
أنا أسخر من نفس وهي تطرح السؤال .
أ أنا أنا ؟. . أهذا الشبح لي ؟ أضطربت دواخلي ، واعتراني الشعور بالتمرد ، فلملمت قواي ووضعتها في قبضة يدي ، وضربت بها وجهي الشبح الذي يواجهني مذعورا ومرتبكا في تمرده وهيجان غضبة فتكسر السطح المصقول وانقسم إلى أجزاء كثيرة . . لقد تناسل وتكاثر إلى أشباح بعد مضاجعة بين يدي وا لمرآه .
لعل منظر التهشم سرني فعاودت الضرب على الوجوه بكلتايدي وبقدمي أيضا التى صارت دقيقا زجاجيا. بفرحة نشوة القوة أخذت أنثره في جو الغرفة المؤكسدة برائحة تناسل السوس وقطع الأثاث الخشبي البسيط .
الآن غاصت الصورة في اللا شيء ، وشعرت بالجوع لمعرفة وجهي فغادرت ا لمكان وخرجت .
(2)
أريد وجهي اليوسفي .. هكذا صرخت في وجه كل من قابلني وأنا أذرع ضوارع المدينة التي تقع بين المالحة والمالحة ، هذه المدينة التي تعلف الورود لذوي أنكر الأصوات وتبزق القاذورات لتزيد من اتساخ ا لموجودات المكتومة كقمامة فقيرة يبول عليها كلب رافع رجله في كسل ملحوظ .
لكن ضجيج وقع الأقدام اللاهثة على الأرصفة خلف السراب غطى صراخي ولم يتبينه الا قليلا من الخلق ودون اكثرات . خاطبني أحدهم في عجل .
أبحث عنه في اتساع ميادين الشهداء أو في ضيق أزقة
الاستقلال أو أسال عنه قبر الجندي ا لمجهول .
نعبث كثيرا.تورمت قدماي . ذاب نعل الحذاء. كبر ، وجعت ولم أظفر به لانه لا يمكنه الذوبان في الاتساع كما أن الضيق لا يقدر عل اخفائه ولا يوجد جندي مجهول .
ازداد قلقي . ارهقني المسير. ملني البحث . وقرفت من هذا الشبح فاين ساجد وجهي اليوسفي ؟
(3)
كانت جمرة السماء فوق المدينة تنسل ببطء لا يشعره العائدون الى أقفاصهم الاسمنتية ، بينما مصابيح الشوارع المصلوبة على الأعمدة الحديدية ترسل في كبرياء شيطاني ضوءها الباهت كلما ابتعدت الجمرة عن ا لمدينة مخلفة بذلك برودا ، تجعل مواقد الدفء المنزلية تلتهم عيد ان الحطب لتمضغها النيران معبرة عن ذلك تراقص ألسنة لهيبها وطقطقة الحطب المجبول عل النار.. لكن جو المدينة بارد على البائسين مثلي .
المستديرة في فلكها تمضي .
الكلاب إلى القمامات الفقيرة تمضي .
الخلق إلى هدفهم أوإلى حتفهم يمضون.
وأنا وحدي الذي لا يمضي ..
جلست القرفصاء على الرصيف الرمادي أستشعر جوعي وأتحسس ملامح وجهي وأدندن في داخلي أغنية محنتي .
جاءني نفر من البوليس وأحاطو بي ، هزتني عصا أحدهم
الغليظة الطويلة وبعنف وغلظة سألني .
هيه . . أيها الشبح ماذا تفعل هنا ؟
تمتمت شفتاي الظامئتان بأحرف . . أتكوم عل نفس وأدندن أغنية بحثي . ركلني الآخر بحذائه الأسود الثقيل . – تبحث .. . عن أي شيء تبحث ؟
قلت دونما خوف.
عن وجهي اليوسفي .
واجهني كبيرهم ونظر لي باتساع
حدقتيه ، فلمحت وجهي فيهما واقتربت منه فحاول ردي عنه بيده ، فاستجمعت قواي ونهضت صارخا فيه . هات لي وجهي أيها السارق الوضيع وهممت بغرس أصابعي لاقتلاع عينيه .
(4)
دورك يا أستاذ. . ألا تريد حلاقة ذقن وجهك ، هكذا سمعت الحلاق يقول لي ويده تربت على كتفي ، هززت رأسى وأجبته .
-بلى.. بلى .
– يبدو أنك كنت شاردا في أمر ما. يبدو أن الأمر كذلك .
قلت له ذلك وقمت إلى كرسي الحلاقة وأنا أنظر الى ا لمرآة ،وبتمعن شديد ،لصورة وجهي اليوسفي .