الهم الأول
الى ديمومة الشعر سعدي يوسف
أولا: سبعة اشخاص منحو الرؤوس يصغون الى قارئ كتاب “في محطة قطار وهمية” يفصلهم عنه تابوت ابيض.
ثانيا: سبعة ايام مرت والاشخاص السبعة ما زالوا ييصغون لقارئ الكتاب الذي يشير بكفه الى جهة الشمال “القطار آت” يلتفتون.. يمرق القطار بسرعة ضوئية الى الجنوب والرؤوس السبعة تتجه صوب ضجيج العربات.
ثالثا: سبع سنين انقضت والسبعة ما زالوا يصغون رافعي الرؤوس نحو الكتاب الذي استطال وانتفخ (يشير القارئ الى جهة الجنوب تتجه الرؤوس السبعة نحو السماء) لكن القطار يمرق والرؤوس السبعة ما زالت تحدق نحو السماء دون جدوى.
رابعا: سبعة مائة سنة مرّت والكتب تكدست حتى غطت قارئها. السبعة رؤوس اشتعلت شيبا واسوّد التابتوت.
خامسا: سبعة آلاف سنة اندثرت والسبعة استطاعوا حتى تعذرت رؤيتهم فلقد تركوا احذيتهم وطاروا.
سادسا: القارئ يتجه صوب المرآة الكانت معلقة في واجهة المحطة حتى يختفي فيها. التابوت بقيّ وحيدا معشوشبا ينتظر. تظهر كتابة على المرآة (يا قطار الشمال يا قطار الجنوب يا قطارا تجاوزني والحقائب”.(1)
سابعا:… سبع ثوان… القطار يقف سبعة رؤوس تطل من نوافذه السبعة. الجرس يقرع، ينشق التابوت ويخرج من داخله الشاعر جان دمّو وهو يستحم بالضوء يقرأ شيئا من اسماله “ماذا سنخلّف لأطفالنا في القرن المقبل.
هل سنخلف لهم سموما حارة. هل سنخلف لهم موتا جاهزا. هل سنخلف لهم جنائز”.
الهم الثاني
الاهداء الى الفنان الكبير قاسم محمد
(هروب العبَاره)
شبه مدينة كانت سموها في مساء محترق بالسيرة، نسبةً لسور القصب الذي احترق والكان يفصلها عن مدينة اثريه بابليه اسمها ساباط، ومع اندثار الذاكره وغبار الزمن القاسي اصبح اسمها صويره. مدينة الزعيم عبد الكريم قاسم ذو الجثة المفقوده.
ولأنها مدينة فتيه كانت صلتها بالعالم عن طريق عبَاره قديمه وحين يصاب محركها بالشلل تنقطع عن الصويره سبل الحضاره. من صحف ورسائل ومدرسي اللغه الانكليزيه وعلم الهندسة والفيزياء والكيمياء والبريد السري للحزب السري وبائع الحلوى النحيف الطويل الثرثار، الذي ومن المؤكد كان يعمل مخبراً للسلطه وإلا ماذا يجني من بيع (الداطلي) في مدينة تعودت الفواكه كأفضل حلوى.
في صباح منفلت من قبضة مساء موحش توقف كل شيئ وعم الهدوء لا صوت يقتحم هذا الصمت الا نباح الكلاب، كلاب زكيه مرضعة الكلاب، احتجاجاُ على الصمت لأنها تعودت ان ترضع وتغفو على ضجيج محرك العبَاره
– اي صباح هذا؟ ماذا جرى للعبَاره؟
هكذا تساءلت مرضعة الكلاب زكيه، وكان امامها رجل متمرد بالفطرة غريب الاسم هو عدنان البولوني، سمي بالبولوني لأنه يحتفظ بزجاجة خمر بولوني وحين تنفذ الزجاجه يملؤها بخمر محلي (عرق) ويدعي انه خمر بولوني وكان سبب تشبثه بهذه الزجاجه هو انها ارسلت له هديه من ابناء مدينة الصويره الذين يدرسون في بولونيا. اجابها عدنان بصوت مرتعش خوف من كلابها
– لقد تعطل محركها وجرفها التيار الى ساباط كي يقودها اوتونبشتم نحو المجهول انه نوح بابل
– سوف لن تهدأ كلابي ياعدنان البولوني
اجابته زكيه مرضعة الكلاب وامامها انتصب كلب مسعور وعلى ثديها التصق جرو صغير وخلفها جراء تصهل وتعوي ثم تنبح طلباً لحليبها الطازج، اما امهم (الكلبه الام) فلقد اوكلت لها مهمة حماية البيت من اللصوص (ابناء زكيه) ثم اردفت زكيه،
– ماذا دهاك لماذا لا تتكلم
– دعيني ارتشف شيئاً من فطوري انه قهوة الصباح، ارتشف عدنان شيئاً من خمرته ثم قال،
– ليس لي علاقه بهذا الامر مهمتي حماية المدينه من فيضان النهر ولسوف ابعث الى اصدقائي كي يزودوننا بمحركٍ بولونيٍ ان كان هذا يرضيك
اجابها عدنان وحاول ان يهرب لكن الكلاب احاطته من كل جانب ثم قال
– ها هو السيد هندي قادم ولسوف يفتي بفتواه
اقترب السيد هندي، وهو رجل مسن حافي القدمين يرتدي ملابس رثه وبيده عكازه تتبارك بها النساء اللواتي تجاوزهن قطار الزواج وكن يغسلن له قدميه ذات الشقوق التي ينام فيها الامل والرجاء. ينبثق السيد في احلك الظروف ويختفي لشهورِ دون وداع،
– قل لي ياسيد ماذا حدث للعبَاره. هكذا قالت مرضعة الكلاب وأجابها السيد
– لقد خاصمت العبَاره مدينتكم مدينة الزعيم
– لماذا ايها السيد المبارك؟ سألته مرضعة الكلاب أجابها السيد وهو يبعد الكلاب عن ثيابه
– يا زكيه ان العبَاره كانت تصغي لمهندسي الجسور الذين حملتهم للضفة الاخرى. ثم اردف قائلاً
– ابعدي الكلب عني لقد مزق ثيابي
صرخت زكيه
– انسحب يا ولد
انسحب الكلب عن موقع التحدي وبين اسنانه قطعة قماش صغيره من ثوب السيد هندي. ثم قالت زكيه
– تكلم انت في امان
– لقد قال المهندس لزملائه سنعود غداً كي نكمل تخطيط مكان الجسر كي نسعف اهل الصويره من هذه العبَاره القديمه.
هكا اجابها السيد ونبحت الكلاب نباحاً ليس له مثيل
– كيف ستنام كلابي دون ضجيج.
اجابته زكيه وهي حائره ثم اخرجت ثديها الثاني كي ترضع جرواً آخر لكن الكلاب افترشت الارض احتجاجاً ثم قال السيد
– لا تتعجلي الحروب قادمه وسيكون الضجيج رفيق لنا.
انتهز عدنان الفرصه وهرب نحو غرفته ثم اعتلى سطحها المطل على دجله، تلك الغرقه التي مُنحت له من قِبل بلدية المدينه كي يرقب النهر خوفاً من الفيضان. ثم رفع يديه كأي بطل منتصر وقال ساخراً
– هربت عبَارتنا وأخذت معها صلتنا بالحضاره من سينقذنا ونحن بحاجة الى عبَارة عديمة الاحساس بالزمن او جسر متحرك يبحث عن ضفة مفقوده في زمن مفقود
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – مقطع من قصيدة الشاعر سعدي يوسف.
رضا ذياب
مسرحي عراقي مقيم في كندا