– 1 –
بمناسبة صدور ترجمة جديدة ل-(لوليتا) (*) LOLITA للكاتب الروسي »فلاديمير نابوكوف« ترجمة »موريس كوتوريه« التي طرحت مؤخرا في المكتبات الفرنسية: يتساءل المثقفون في مجلة »الفيجارو« الفرنسية عن ضرورة هذه الترجمة. هل هي ضرورية أم انها كمثل الكثير من الظواهر.. متأثرة بالموضة.
(لوليتا/ ضوء حياتي, نار كبدي, خطيئتي, روحي, لو, لي- تا, رأس اللسان يصنع ثلاث ضربات على طول سقف الفم وعند الثالثة يصطدم بالأسنان.. لو.. لي.. تا تقريبا كل شيء هنا في هذه الفقرة.
هذه القصيدة النثرية بلغة مزهرة مزدهرة.. متلاحقة وموسيقية, مرنة ولامعة تحت طلاء عباراتها المفرحة تخبأ وراءها كتاب قاس وجميل.
لنذهب في رحلة, لنأخذ المحيط, أكواعنا مستندة على سوار باخرة نابوكوف
عرفت لوليتا (نبضة) تحت شكل وصف نثري حميمي ساحر Lenchanteur التي كتبت في نهاية عام 1939 في فرنسا وكان آخر نص في اللغة الروسية لنابوكوف.
أما الرواية فقد انتهت في نهاية 1955 وقد لاقت رفضا من اربع دور للنشر في أمريكا وأخيرا نشرت في فرنسا في دار اسمها (اولمبيا برس) رئيسها موريس جيروداس .GIRODLAS
إلا أن السفارة الداخلية في عام 1956 أصدرت بيانا بمنعها ثم تراجعت عنه في عام 1958 أي سمح بنشرها وها هي تصدر في امريكا وتصبح أفضل مبيعات BEST SELLER بعد رواية (ذهب مع الريح).
هذا الكتاب الذي أحدث هذه الضجة في القرن العشرين يتساوى في خصائله الأسلوبية وموضوعه الشائك مع كتاب ؛مدام بوفاري«.
أبعد من القصة التي نستطيع ان نختصرها بغباء إلى ؛رجل في الأربعين من عمره يقع في حب فتاة مراهقة) انه كما يقول الكاتب نفسه: ؛تراجيديا ولا أثر للغواية الايروتيكية كما لا أثر للأخلاقيات أو أنه عمل (تصوري) يدعو إلى وفرة جمالية لمعرفة مشاعر الكائن في مكان ما وفي طريقة أخرى للوجود حيث ينشأ الفن في حدود العادي والمألوف).
الفقرة الأولى لرواية نابوكوف مشهورة جدا كشهرة مقدمة كتاب (أنا كارنينا تولوستوي) او (أوليس/ جيمس جويس) الترجمة التي ذكرت هي للمترجم ؛كاهان« الأخر الصغير لموريس جيودياس التي طبعت في دار نشر »جاليمار« عام 1959.
»نابوكوف« الذي كان كثير الدقة- وهذا اقل ما يمكن أن يقال عنه- قد تابع بشكل قريب خطوة خطوة ترجمة هذا المشروع الضخم. لكن عندما خرج الكتاب في أمريكا وأخذ ذلك النجاح العظيم فقد اهتمامه بالترجمة الفرنسية- طبعا تستطيع فهمه.
ولكن في رسالة كتبها نابوكوف إلى موريس جيرودياس مؤرخة في 14 مايو 1975 نجد تعديل الترجمة التي قام بها »كاهان« على سبيل المثال: (كابلين) لم تكن مطلقا القبعة التي أتخيلها وهذا هو أقل الأخطاء فداحة.
في نفس الرسالة يضيف في صفحة 23, لم يفهم المترجم بأني ألمح الى أنابل لي عند »إدجار الن بو«: »لا يوجد تاج من شوك ص24 البطاقة البريدية خطأ (في الطريق المقعر متوجة ابدانها بمسورة) وهذا هنالك 3 صفحات على هذا المنوال وبناء على ذلك يجب إعادة القراءة لمحو هذا الخطأ وإعطاء النص حجمه الأصلي.
مضت 40 سنة بين ترجمة كاهان وترجمة ؛موريس كوتوريه.
ولكن من هو موريس كوتوريه?
أستاذ في الأدب الانجليزي والأمريكي في جامعة ؛نيس« في فرنسا ورئيس لا بل الرأس المحرك لدار نشر (بلياد) ترجم (دافيد بوج) والباهر لنابوكوف وهجم على لوليتا مع معاونيه اللغويين وأفضل الكتاب ما أعطى الفقرة الأولى ما يلي: (لوليتا نور حياتي, نار كبدي, خطيئتي, روحي لو ليي تي- تا يمشي رأس اللسان ثلاث خطوات على سقف الفم ليدق بعد الثلاثة على الأسنان, لو- ليي- تا) ال ليي مهمة جدا لمعنى النص, ففي النص الأصلي LO-LEE يوجد شدة على الحرف الثاني, يفسر نابوكوف ذلك بقوله: ؛أول حرف يجب أن يكون مثل لوللييتو, اللام مائلة وحساسة و؛ليي« ليست حادة, حتى انه يذهب بالقول إلى ان الأسبان والايطاليين قادرون على لفظها ونطقها بهذه الرشاقة وهذا الإحساس ونفهم بأن الكتاب قديم مليء بالترجمة السطحية وهذا ما يعطيه شرعية الترجمة إعادة ترجمته.
في مقالة عن نابوكوف تحت عنوان (نابوكوف وسلطوية الكاتب) يعرض ؛موريس كوتوريه« المشاكل التي واجهها في نص »تابوكوف«.
(ان ترجمة نابوكوف إلى اللغة الفرنسية ليست بهذه السهولة المتصورة وأنا بنفسي قد واجهتها وخبرتها, فهنالك نصوص عوملت بشكل أسوأ من غيرها بشكل عام ورواية لوليتا بشكل خاص. فالنص عند نابوكوف مكثف وضيق بأصداء عديدة حيث يتوجب على المترجم ان يكون قارئا جيدا دقيقا ومنتبها, كما يتوجب عليه أن يلم بثلاث لغات تلك التي يلم بها نابوكوف وهي الروسية والفرنسية والانجليزية لفهم المراجع والتركيبة اللغوية للكلمات التي يستخدمها.
الأمثل إذن كما يقول هو عن نفسه بترجمة اوجين اوفيجين (وضع الترجمة والنص الأصلي في الصفحة المقابلة ولكن هذا يجعل من الكتاب سميك) في الوقت نفسه لابد وأن القارئ سيندم على هذه الجملة المأخوذة من النص الأول للترجمة بشكل أولي بالطريقة التالية (الأسلوب التصويري دليل على قاتل متمكن) جملة رائعة, مباشرة, حادة للأسف أصبحت الترجمة الجديدة كالآتي:
(باستطاعتكم إعطاء ثقتكم لقاتل لكي تحصلون على نثر مقطر)
جملة ثقيلة ربما?
نعم نحن القراء الفرنسيين لـ(لوليتا) بالترجمة الأولية لدينا الكتاب بصفحات متآكلة وسيصبح من الآن فصاعدا مهجورا على رف المكتبة كما تهجر سيارة قديمة مليئة بالذكريات في مقبرة السيارات, كنا قد اعتدنا على مقاعدها العتيقة المريحة ذات الجلد المهترئ المحفوف وهكذا كانت ترجمة »كاهان«.
أما اليوم فلدينا سيارة فخمة مع سائقها (موريس كتورية) فدعوه يقودنا (الى أبعد من الصنوبر) لنكتشف علام كبيرا آخر لنابوكوف الماهر.. لو – ليي- تا .Lo-LI-TA
بمناسبة الترجمة الجديدة ل-(لوليتا), لفلاديمير نابكوف, طرح السؤال: فيما اذا كانت الترجمة خاضعة لتأثير الموضة.. فكل الترجمات لها صيغة العصر الذي ترجمت فيه.
الخيانة المخلصة أو الإخلاص الخائن
هناك أسئلة أدبية عسيرة لا يوجد لها أجوبة منذ زمن طويل.
منذ أن بدأنا نترجم النصوص, لم نصل لحالة مرضية.. ما هي أفضل ترجمة?.. هل هي تلك التي تقبض على روح العمل وتبنيه, مع حرية التصرف بالمعنى الأدبي, كما فعل أميوت (Amyot) مع بوتارك (Butarque) ومع لونج (Longus), وبودلير (Boudlair) ومالارميه مع ادجار آلان بو..
أو تلك الترجمة التي تعامل النص بشكل جدي وقريب وبطريقة مدرسية كتلميذ دؤوب?.. انه من الصعب أن نستحوذ على رأي صارم وحاد بشأن هذه المسألة العويصة, فالأدب- والترجمة جزء منه- هو فن لكل التطبيقات, مثله مثل الفن العسكري حسب نابليون. وهكذا نجد أنفسنا مفضلين خيانة (أميوت) و(بودلير) على عمل تمييع الألوان الذي طبقته السيدة (داسيه) على الألياذة والأوديسة من أجل اخلائها من عنفها ومن حسيتها.
بأحسن النيات, وضعت هذه المرأة الفاضلة العفيفة, السخافة والميوعة في لغة الحديد والنار.. لغة هوميروس.
ذاب ملح الأتيك (Attique) تحت مياه الجرن المقدس, مما جعل نص هوميروس بهذه الطريقة العقيمة, أشبه بالقصصية الأدبية العاطفية, مثله مثل (روميو وجولييت), عندما تبنتها السينما من قبل زيجرلي (Zejjerelli), لقد أخضعت مسرحية شكسبير لتحولات وتغيرات جعلا منها شاحبة ولائقة للقصص المصورة.
بالطبع هناك حكم مسبق لصالح الترجمة من قبل كبار الكتاب:
جيد (Gide) مترجم كونارد
جيونو (Giono) مترجم ميلفيل (Melville)
جان دوتور مترجم موهرت (Mohrt)
لقد أعطى هؤلاء الكتاب ترجمة ممتازة لأمثالهم من الأدباء الانجليز, ولكن هنا أيضا يجب أن نأخذ النصوص بشكل منفرد, أي كل نص على حدة فمهما بلغ اعجابنا بالكاتب جيونو, نفضل الترجمة الجيدة القديمة الخاطئة- بشكل مقصود- تلك التي سبقت ترجمة كاتب (من أجل تحية ملفيل).
يقال ان رواية زفيج (Zweig) المترجمة من قبل الفير هيلا (Alvir Hella), أو أركان الحكمة السبعة, ل- ت.اتش.لورنس, او رواية كونار, هي أعمال مليئة بالأخطاء والفجوات, ويجب إعادة ترجمتها بأي ثمن. أليس هذا هما سطحي للغاية?.. اذ ان هذه الكتب قد سلمت لقرائها وكانت مليئة بالنار والحياة, فما هم ان تسربت بعض الأخطاء إليها?
يوجد في بعض الأحيان ادعاء وغرور غير واع في الترجمة البالغة الدقة.
في مقدمة بوريس دو شولزر (Boris De Scholzer) في ترجمته للتحفة الأدبية التي هي الحرب والسلام, قال باختصار: بأنه حس ن أسلوب الكاتب الروسي, فقد كانت لغته في بعض المقاطع ركيكة, ولكنه يصر بالاعتراف على انه لم يستطع ان يظهر الموهبة التي هي منشأ تلك الكتابة الشيطانية.
الترجمة مثل أفكارنا, لا تستطيع الهرب مما هو دارج, أي الموضة (كلاسيكية- رومانتيكية- رمزية), كل منهم كانت له فكرته عن الترجمة الجيدة, تلك التي تشبه على الأكثر طريقة تفكيرهم وكتابتهم, وهذا عليه أن يجعلنا أكثر تواضعا, فكل حقبة تفتخر ظانة انها تملك مفتاح الحقيقة, وحقبتنا طبعا لا تختلف.
كنا في الماضي نقرأ (البحث عن الزمن المفقود), وبدون أن نقرأ الهوامش والتفسيرات الموجودة في أسفل صفحات الكتاب, اليوم سنعتقد بأنه كتاب غير مشرف لنقصانه منها.
صحيح, في الماضي, لابد أننا كنا بسطاء الطوية والفهم, وفي الكتاب كنا لا نبحث عن أكثر من المتعة.
– 2 –
اميرتو كر ورقاص ساعة فوكو
ضمن اطار مؤتمرات رولاند بارت – التي جرت في جامعة جيسيو في باريس طرح الباحث في أصل اللغة والروائي الايطالي اميرتو اكر نظرية جديدة حول الترجمة مأخوذة من تجربته الشخصية كروائي مترجم ومترجم.
(علنا نفهم بان الترجمة هي النشاط الذي ينقل النص من لغته الطبيعية- الأصلية الى لغة أخرى بتلك الطريقة التي نسميه بها (النص- الهدف) له نفس معنى (النص- المرجع), من اجل تعريف الترجمة الجيدة والمقنعة نقول:
بأنها التي تنتج نصا معادلا أو موازيا للنص الأصلي, ولكن لتحديد كلمة مواز- مساو نقول غالبا بأنه ما تبقى على قيد الحياة من الترجمة المرضية- المقنعة وهكذا وكأننا ندور في حلقة مغلقة.
كما انه باستطاعتنا الجزم بأن أهمية الترجمة تنبع من التأويل- التعليل.
الترجمة لا تنشأ بين لغتين بل بين نصين فإذا كان النص حكائيا- قصصيا- يعتمد على حدث ما فعلى الترجمة ان تضع اصبعها على نفس الحدث الموجود في النص الأصلي.. مثلا:
إذا كان جوليان في الأحمر والأسود قد أطلق رصاصتين من مسدسه على السيدة رينال ولم يصبها الا في الطلقة الثانية فعلى كل الترجمات بكل اللغات ان تذكر بانه قد أطلق طلقتين وليس طلقة واحدة وإلا فكيف للقارئ ان يتساءل – كما يفعل الواقعيون عن مصير الطلقة الشيطانية الأولى?!
ومع هذا كنت قد سمحت لمترجمي بتغير المعتمد عليه أو المرجع في رقاص ساعة فوكو حاولت إظهار عجز أحد شخصياتي للنظر إلى العالم خارج إطار العبارات الأدبية.
في أحد الفصول يوجد نص وصفي لمنظر طبيعي قيل من قبل هذه الشخصية يستخدم فيه جملة شهيرة في الأدب الايطالي كمرجع ولكنها مجهولة عند القارئ الفرنسي الذي لن يستطيع أن يفهم ما هو مقصود منها- فطلبت من مترجمي أن يحذفها نهائيا أي ان يمحو بشكل تام النص- الأصل ووضع بدلا منه جملة لمارتين Lamartin كمرجع بحيث تصبح الاشارات والتلميحات الأدبية مفهومة للقارئ الفرنسي.
صحيح أن هذه الترجمة خائنة تماما ولكنها تخدم وبشكل كامل ما أريد أن أقوله, وإذا كانت الترجمة صحيحة مئة بالمئة لأصبح ما أريد قوله غامضا.
وهكذا من خلال ترجمة غير مخلصة يستطيع المترجم أن يوحي بالمعنى والبعد الأدبي للنص الأصلي.
—
* مترجمة عن نص: جان ماري روار, من الأكاديمية الفرنسية.
مرام المصري كاتبة، ومترجمة من سوريا مقيمة في باريس