تقديم :
لم يعد دور المتلقي في «جمالية التلقي» دورا سلبيا في علاقته بالنصّ، بل أصبح مشاركا في صنع جمالياته. تشكّل أبحاث هانس روبيرت ياوس في جامعة كونسطانس بألمانيا الإطار المكاني العام لهذه النظرية بعدما أصبح النموذج القديم غير قادر على الوفاء بالمتطلّبات الحديثة للتّفسير والتأويل، واستكناه آفاق الأعمال الأدبية السّابقة. إنّها وضعية إبستيمية جديدة أرادت تغيير قوانين الإشتغال في الخطاب النّقدي من خلال «إبدال» جديد يعيد النّظر في العلاقة بين الأدب والتَّاريخ، وإعادة هذا الأخير الى الواجهة في الدراسات الأدبية على أساس عقد نوع من الصّلة الحيوية بين الأعمال الماضية واهتمامات الحاضر.
عندما نشر ياوس دراسته تاريخ الأدب كتحريض L’histoire littéraire comme provocation(1967), فقد أراد بذلك إدخال « تغيير إبدالي» في تخصُّصه العلمي: أن يجد في مقابل التاريخ الأدبي التَّقليدي و«نزعاته الجوهرانية»، التأريخية الحقيقية للأدب عبرإدخال بُعد القارئ. ومن ثمّ، فقد شيَّد « جمالية التلقّي» كنظرية توفيقية تطوّر وتنتقد بعض مواقف الشّكلانيين الرّوس وبنيويي براغ، دون أن تغفل استلهام الهيرمينوطيقا الكاداميرية والنّقد الأدورني (نسبة الى تيودور أدورنو ) للإيديولوجيات. ومع ذلك، لم تستطع أبدا أن تملأ الهُوَّة الفاصلة بين «القارئ الضمني» والقارئ الواقعي، وأدارت ظهرها عن قصد للتَّاريخ الاجتماعي عن قصد كي تحافظ في هيرمينوطيقا «التجربة الأدبية» على وحدة الموضوع Sujet الجمالية.
النصّ المترجم :
يعتبر هانس روبيرت ياوس ( 1921-1997) المتخصِّص في اللُّغات الرومانية والمنظِّر الأدبي واحدًا من الممثِّلين الأساسيين لمدرسة كونسطانس، ارتبطت هذه الصّفة بمكان شهير (مدرسة كونسطانس التي تم َّتأسيسها في نهاية سنوات الستينيات 1969)، كما ارتبطت بسلسلة من الأسماء ( ياوس،ولفكانك إيزر، راينر وارنين….) و بمفهوم معيَّن : هو القطيعة مع الجمالية التقليدية للإنتاج و«تغيير الإبدال» الذي يضع القارئ في مركز النَّظرية الأدبية.
وجب الحرص على التَّعريف بشكل سريع جدًّا بمدرسة كونسطانس وجمالية التلقّي : تدقيقا تعتبر هذه الأخيرة، المشروع النَّظري لهانس روبيرت ياوس في نهاية سنوات الستّينيات 1960، وفي سنوات 1970، لكنَّها تعيَّن أيضا، بالمعنى الواسع جدًّا، عدَّة تيَّارات تركِّز على العلاقة بين النصّ والقارئ : كمجموعة أعمال راينر وارنين Rainer Warning المعنونة بـ جمالية التلقّي. يجمع هذا الكتاب نصوصا لياوس، ولفكانك إيزر، وراينر وارنين،وكذلك أيضا هانس – جيورج كادمر، وفيليكس فوديكا وميكائيل ريفاتير وستانلي فيش.(1) يحدِّد راينر وارنين في مقدِّمة الكتاب موضوع جمالية التلقِّي باعتبارها دراسة لـ«صِيغ ونتائج اللِّقاء بين المُؤَلَّف والمرسل إليه» و«تجاوز الأشكال التَّقليدية لجمالية الإنتاج والتَّصوير، التي تتَّهمُها بإدامة النزعات الجوهرانية التي تُجووزت منذ مدَّة طويلة»(2). يصبح هذا التَّعريف بالجملة مشكوكا فيه، في الوقت الذي يقترح مصطلح «المرسل إليه» أن جمالية التلقِّي تتبلْور انطلاقا من منظور المؤلَّف وليس القارئ: افتراض تم َّ تشييده في حالة ولفكانك إيزر أو راينر وارنين نفسه، بينما يبقى إشكاليا فيما يخصُّ ياوس. تَفْصِل هوَّة عميقة بين جمالية الآثار wirkungs?sthetik) (عن جمالية التلقِّي، كما تنفصل نظرية المرسل إليه Adressat) (عن نظرية المتلقِّي Rezipient ) ). تفسِّر هذه الإختلافات بأن «مدرسة كونسطانس» ( لم يكن هذا المصطلح من جهة أخرى إلاَّ تسْمية خارجية، كما يشدِّد على ذلك وارنين ) (3) قد وُسِمت بكونها تشكِّل جماعة ذات اهتمامات علمية ظهرت في سياق الإصلاح الجامعي الألماني أكثر منها مجرّد وحدة نظرية. عرفت هذه المدرسة بمشروع تأسيس علم للأدب يقطع الصِّلة بالفيلولوجيا الألمانية التقليدية، «بواسطة تأسيس شعبة علم للأدب، الأولى من نوعها، (…) والإنعطاف نحو نظرية للتلقِّي والآثار التي تمَّ إدخالها بواسطة دراستي ياوس» تاريخ الأدب كإثارة» (1967 ) وّبنية نداء النّصوص» ( 1970) لولفكانك إيزر(4) لن يركَّز تحليلنا على الخصومات النظرية التي تعبِّر عن نفسها في خضمّ «مدرسة» لم تزعم أبدًا الوحدة، ولكن بالأحرى سنركّز على التّوجُّهات المختلفة بشكل مفارق والتي تظهر في المشروع نفسه لجمالية التلقِّي، كما طوَّرها ياوس في منشوراته الأساسية، من «البيان» الأوّل لسنة 1967 إلى كتابه لسنة 1982، «التجربة الجمالية والهيرمينوطيقا الأدبية».(5)
.I النظرية الأدبية للإثارة :
سيؤكِّد ياوس، في وقت لاحق، سنة 1982 أنَّه استهدف الـ«قطيعة مع المواضعات المهيمنة للمشروع العلمي» (6) في مادَّة الأدب : ينتظم هذا المشروع السِّلبي حول مفهوم «تاريخية الأدب»، الذي يعارض مفهوم الضد – تاريخي L’anhistoricité المتعلّق بالتَاريخ الأدبي الغريب عن « تاريخ الفن «كما هو الشَّأن بالنِّسبة لـ«تاريخ الفن»(7).
تراجع التَّاريخ الأدبي والنَّزعات الجوهرانية:
كشف رولان بارث سنة 1963عن «الأيديولوجيا الوضعانية للنَّقد الجامعي الفرنسي»(8). يقصد ياوس بعنونة درسه الإفتتاحي بجامعة كونسطانس» تاريخ الأدب كتحريض من أجل علوم الأدب «تمييز تاريخ آخر للأدب، عن التَّاريخ الأدبي التَّقليدي، الذي تهيمن عليه» المواضعات الصَّنمية»، «العلِّيات المزيَّفة»(9) و«المعرفة العتيقة الخالصة». «لن نجد أبدا تواريخ للأدب إلاَّ في رفوف مكتبة البورجوازية المثقَّفة، بسبب نقص في وجود معجم للأدب ملائم جدًّا، رفوف يتمُّ تصفُّحها خاصَّة من أجل ايجاد جواب عن أسئلة مسابقات أدبية»(10). كُتُب تتلخَّص في « أقنوم من سلسلة مونوغرافيات ) منشورات غير منتظمة في شكل دراسة مفصّلة عن موضوع أو شخصية معيّنة تستكمل وتنجز في شكل مجلَّدات ) لاتحمل من التَّاريخ غير الإسم»(11). تكتفي هذه الفصول التَّالية المنتظمة حسب التَّرسيمة الشَّهيرة «الإنسان والكتاب» بتتبُّع خيط التَّسلسل الزَّمني، وتضيف بعض التّلميحات الفضفاضة إلى «روح الزَّمن»، يبدو أنَّ اختيار» الأعمال الكبرى « ينطلق من تلقاء ذاته، وأنَّ المعايير الجمالية التي تتحكَّم فيها لا هي شرعية ولا مصرَّح بها فقط.يستشهد ياوس بريلكه : «من وقت لآخر يأتي فيلٌ أبيض».
ومن ثم، فقد هيمنت على التخصُّص العلمي مفاهيم «أقنومية» أو «جوهرانية»، حيث يعيد ياوس رسم شجرة نسبها (12).
تشكِّل بالنِّسبة لياوس الخصومة بين القدماء والمحدثين منعطفا حاسما سيجعل ممكنا تشكيل تاريخ للفنّ. إذْ سيدفع «الخصام» الشَّهير الذي أعلن موت النزعة الكلاسيكية الفرنسية «القدماء» كما «المحدثين» الى تقرير مشترك : « لايمكن أن يقوَّمَ كلاًّ من الفن العتيق والفن المعاصر على ضوء نفس الإتقان، لأنَّ كل حقبة لها مفهومها الخاص نحو كلِّ ما هو جميل» (13). ومن ثم، تسِم «الخصومة» الإنتقال من الجمال المطلق الى الجمال النِّسبي. وبعد ذلك، تستكمل عصور الأنوار الإنتقال بين «تعدّدية التّواريخ» و«فلسفة التَّاريخ» (14). يعتبر وينكلمان Winckelmann أيضا أنَّ الفن َّ العتيق له قيمة النَّموذج، لكنَّ إتقانه مفقود بشكل لايمكن استرجاعه. يولِّدُ هذا الوعي التَّاريخي عند شيلر أنَّ فكرة جمال الفن القديم ترتبط بصلة وثيقة بهذا الانتماء للماضي : «ليس الجمال الموضوعي للشِّعر اليوناني نفسه، ولكن بالأحرى الفقد غير القابل للإصلاح لإتقانه الطَّبيعي هو الذي يؤسِّس ما يشكِّل بالنّسبة لنا مِثَالاً» (15).
يذهب هيردر بعيدا جدًّا أكثر من وينكلمان بتوسيع «زمنية» تاريخ الفن في كلِّ الحقب، وبمعارضة «المثالية الهيلينية» بـ«التعدُّدية التَّاريخية للجماليات الفردية»(16). إنَّه يحضِّر بذلك العبور من الفكرة الكونية لعصر الأنوار l’Aufkl?rung إلى تعدُّدية الكلِّيات التَّاريخية، إلى» تاريخ الفرديات الوطنية في تعدُّديتِها «( همبولدت ) (17).
يضع جيرفينيس Gervinus في كتابه تاريخ الأدب الشِّعري الوطني للألمان شيئا فشيئا هذه الفكرة «في خدمة الإيديولوجيا الوطنية»(18). إنَّ رفض التصوُّر الكوني للتَّاريخ، الذي وصفه كادامر باعتباره كرد فعل ضدَّ الرُّؤية الهيجيليّة للتّاريخ (19)، دفع بمؤرِّخي التيَّار التَّاريخي لمعالجة الحقب كدوائر مفصولة. ومن ثمّ، تطرح مسألة التحامها، فلا» القاعدة الأساسية لكتابة التّاريخ، التي يجب على المؤرّخ بحسبها أن يمحُوَ نفسه أمام موضوعه ويعمل على إظهاره بكلِّ موضوعية» (20)، ولا الشَّرعية اللاهوتية التي جاء بها ليوبولد رانك تحمل فكرة «مباشرية كل الحقب أمام اللَّه» بإمكانها أن تجد حلَّاً لها. يحيل ياوس هنا على نقد مثالية موضوعية رانك Rankeبواسطة درويزن Droysen. يحتج ياوس على إمكانية تبنِّي المؤرخ وجهة نظر الإله حول التَّاريخ حيث يضع موضع الشكِّ فكرة دراسة الماضي باعتبارها فكرة فاقدة للأهمِّية تماما: «ما أنجز لا يهمُّنا ليس فقط أنَّه كذالك،ولكن بسبب أنه لا يزال كذلك بمعنى من المعاني، ولأنّ ذلك لا يزال يحدثُ أثرًا.»(21) تنطبق هذه الحجج التي جاء بها درويزن،من وجهة نظر ياوس، كذلك على نقد المناهج «الوضعية» للتَّاريخ الأدبي التَّقليدي وموضوعيتها المزعومة. يؤسِّس الاعتراض على كلِّ «اهتمام معرفي» علمنتها الخادعة.
الطَّابع الحدثي للعمل الأدبي
لا يزال يهيمن في الجمهورية الفيدرالية الألمانية في نهاية الستِّينيات 1960 من القرن العشرين في مجال التَّخصُّص العلميّ كلاّ من التّاريخ الأدبي «الوضعي»، والمنهج «المحايث» لدراسة النُّصوص. ومن ثمَّ، يكتسي الأخذ بعين الإعتبار الضرورة الـ«حيادية» للمؤرِّخ الأدبي – حسب ياوس- حمولة جديدة. «إنَّ المؤلِّف الذي يضع نفسه بين قوسين غير واثق من أنَّه لن يرفع افتراضاته الجمالية الخاصَّة إلى صفِّ المعيار الجمالي السرِّي، ولا أن يجعل معنى النصّ القديم حداثيا بدون الوعي به» (22)
لايحدِّد ياوس «وجهة نظر» المؤوّل كوجهة نظر ذاتية أو كوجهة نظر محَدَّدة اجتماعيا : إنَّه يلحُّ خاصَّة على انخراط المؤوِّل في حقبة معيَّنة. تشير الأسطر الأخيرة في دراسته حول مسرحية إيفيجيني Iphigénie إلى الطَّابع العامّ جدًّا الذي يسنده لمفهوم «وجهة النَّظر» المؤوِّل هاته : «حتَّى ولو كانت حقبة غريبة عن الأسطورة ومتنوِّرة كما حقبتنا فلايمكنها إلاَّ أن تخضع لهذا الإشكال الذي طرحته مسرحية إيفيجيني الكلاسيكية وأجيالها القادمة : إشكالية معرفة أيَّةُ أسطورة نحن مسجونون فيها، بدون أن نعي ذلك» (23)
يشدِّد درويزن على وجوب تصوُّر الفعل التَّاريخي «على ضوء الدلالة التي اكتسبها» مع مرور الزَّمن و« الآثار» التي أحدثها. يوَسِّع ياوس مفهوم الحدث هذا ليشمل تاريخ الأدب، بتعريفه العمل الأدبي بواسطة «وحدته» و«آثاره». يتضمَّن إدخال مفهوم الحدث رفض كلّ ما يتعلَّق بـ «ميتافيزيقا الجمال اللاّزمني». ينتقد ياوس مفهوم العمل «الكلاسيكي» الذي يحيل إليه كادامر، فهو لايرى فيه غير «نزعة جوهرانية» بالمعنى الدَّقيق للمصطلح : تتصرَّف الأعمال الأدبية الكبرى كجواهر Substances حقيقية لن يكون للزَّمن وتعاقب الأجيال من القُرَّاء أيَّة سلطة للإمتلاك عليها. تنضاف هذه «النَّزعة الدُّوغمائية الجمالية» إلى النَّزعة الوضعية في الإعتقاد بوجود معنى مطلق للأعمال الأدبية ويمكن الوصول إليه بسهولة. لايقابل ياوس ذلك بفكرة وجود معنى منفتح واعتباطي بشكل خالص، ولكن بوجود تاريخية خاصَّة بالمعنى وبالقيمة الجمالية للأعمال الأدبية. بوصفنا العمل كحدث فردي، فإنّنا نتحرَّر ليس فقط من كلِّ تصوُّر معياريٍّ للفنّ، ولكن خاصَّة من كلِّ «المفاهيم الأقنومية للتُّراث»، التي تفترض «استمرارية ميتافيزيقية» للموروث الثّقافي الغربي. يفَكِّر ياوس هنا في إرنست كورتيوس ومفهومه حول الروسم (المكان المشترك) Topos « إن معرفة الاستمراريات لايعفي من مجهود الفهم التَّاريخي»(24) في مقالته التراث التّاريخي والوعي الحداثي في الحاضر، ينكر ياوس مثلا أن ّ مفهوم الحداثة يمكن أن أن يتمَّ اعتباره كموروث من العصور القديمة.
جمالية التلقّي لهانس روبيرت ياوس
لم يكن ياوس هو أوَّل من أدخل مصطلح «التلقِّي» في النَّظرية الأدبية : طوّر « بنيويو براغ « قبل ذلك بأربعين سنة نظرية للتلقِّي. تعتبر جمالية التلقِّي لياوس نظرية توفيقية حيث تتمُّ استعارة عناصرها – في غالب الأحيان بطريقة صريحة – من منظِّرين آخرين.
من أجل الوصول الى «التَّاريخية المُغرية للأدب» يعرِّف ياوس أوَّلا المفهوم ضمن منظور سانكروني لكنَّه يرفض أن يعود به إلى الشروط التاريخية للإنتاج الأدبي – الى السِّيرة الذَّاتية للمؤلِّفين، وإلى «المعلومات الإقتصادية والإجتماعية»25 التي تعيد العمل إلى بعده المحاكاتي. تتحدَّد تاريخية العمل داخل « السِّلسلة الأدبية « الوحيدة، كما علاقة الإنقطاع أو الإستمرارية التي تربط النصّ بالمعايير الأدبية لزمنه (معايير الأجناس الأدبية، الشعريات، إلخ). وبالإنتاجات الأدبية الأخرى في الزّمن الحاضر أو الماضي.
من أجل تحليل التَّاريخية في بعدها الدياكروني، يحيل ياوس أساسا على نظرية «التطوُّر الأدبي» التي طُوِّرت من طرف الشكلانيين الرُّوس ( فكتور شلوفسكي، بوريس إيخنباوم، يوري تينيانوف…..) الذين يزيحون مفهوم «التَّقليد» Tradition لصالح رؤية دينامية للـ«تَّطوُّر»، رؤية موسومة بالإنقطاعات العنيفة و« الإنتاج الذَّاتي الجدلي الموَلِّد لأشكال جديدة» ( بوريس إيخنباوم )، والتي ستكون هي بدورها موضوع سيرورة نزعة قياسية، ثمَّ يأتي بعد ذلك دور إهمالها، إلخ.ومع ذلك، لايمكن تاريخية الأدب أن تُسْتَنْفَذ في نظر ياوس في مجرَّد « توالٍ لأنساق جمالية شكلية» 26. كما أنّ تاريخ الأدب لا يمكن أنْ يختزل في مجرَّد تاريخ للمؤلِّفين والأعمال الأدبية. لايكون لهذه الأخيرة تاريخا إلاَّ في الوقت الذي تقرأ فيه : «وحده توسيط القارئ يُدخِل العمل الأدبي في أفق التَّجربة المتحرِّكة لاستمرارية معيَّنة»(27). التقليد «يفترض التلقِّي»، وَ«النَّماذج الكلاسيكية نفسها لاتكون حاضرة إلاَّ عندما تكون موضوع تلقٍّ ما».تعتبر سلسلة التَّلقّيات، وليست سلسلة الأعمال هي من يشَكِّلُ الخيط الرّابط بالنِّسبة للتَّاريخ الأدبي.
قام جان موكاروفسكي Yan Mukarovsky وخلفه فيليكس فوديكا Felix Vodicka في سنوات العشرينيات 1920 (البنيويان الممثّلان لمدرسة براغ)، بتحليل دور التلقِّي في تشكيل دلالة العمل الأدبي حسب راينر وارنين، ومن ثمَّ، تجد جمالية التلقِّي أصلها في « النَّزعة البنيوية لبراغ»(28). يؤرَّخ نص فوديكا الذي تمَّت استعادتُه في أنطولوجية وارنين، تاريخ تلقِّ الأعمال الأدبية المؤرّخ بسنة1941. لم تَتِمْ ترجمة بنيويو براغ الى اللُّغة الألمانية إلاَّ في سنوات السَّبعينيات 1970 ؛ فقد اعترف ياوس أنَّه على صلة بمعرفة أعمالهم قبل أنْ تتمَّ ترجمتها، ولكنّه يؤَكِّدُ على أنَّ نظريته الخاصَّة قد تمَّت بلورتُها قبل أنْ يكتشف هو نفسه فوديكا – هي مصادفة ستبرز الصَّلاحية.29)
ينطلق فوديكا من نفس النَّتيجة المُلاَحظة التي توصَّل إليها ياوس، لا يمكن أن يوجد عمل بدون «تحقُّق» concrétisation في إدراك جمهور معيَّن. تمَّت استعارة مفهوم «التحقُّق» من رومان إنجاردن ونظريته الفينومينولوجية للأدب 30،غير أنَّ فوديكا منحها معنى جديدا : فقد بيَّن ضدًّا على التَّصوُّر السُّكوني لإنجاردن بأنَّ مختلف تحقُّقات العمل تَنْتُجُ عن التوتُّر بين العمل وجمهوره، الذي يعتبر أساس «التطوُّر الأدبي». يمكن للأعمال الجديدة أن تعدِّل فهم الجمهور ؛ كما أن تحَوُّل المعايير يمكنه أن يثير بالنِّسبة لها تحقُّقات جديدة للأعمال القديمة.
وجد ياوس نفسه في مواجهة إشكالية لم يجد فوديكا لها حلاًّ : لايمكن للقارئ أن يُستوعب في المكان المجَرَّد حيث يتحقّق إنجاز إنتقال المعايير الجمالية. إذا كان القارئ هو الحلقة المفقودة بين السِّلسلة الكرونولوجية للأعمال الأدبية، والتَّاريخ بالمعنى الخاص،يجب بالضَّرورة الأخذ بعين الإعتبار اندماجه في التَّاريخ غير الأدبي لمجتمع معيَّن : « إنَّ تطوُّر الأدب كما اللُّغة، لا يتحدَّد من وجهة نظر محايثة، بواسطة العلاقة بين السَّانكرونية والدياكرونية الخاصَّة به، ولكن أيضا بواسطة علاقته بالسَّيرورة العامَّة للتَّاريخ» . (31)
يتفادى فوديكا الصُّعوبة باكتفائه المُجَاورة بين المظاهر الجمالية ( ثقل المعايير التّقليدية، تأثير الأعمال الجديدة، إلخ. ) و«السُّوسيولوجية»، كما في المقتطف التَّالي : «بمجرَّد ما يندمج عمل ما في سياق جديدة للإدراك ( وضعية لغة معدَّلة،افتراضات أدبية جديدة، بنية اجتماعية معدَّلة، نسق جديد للقيم الفكرية والعملية، إلخ.)، يمكننا الإحساس كما لو أنَّ الخصائص الفعّالة جماليا الخاصّة بالعمل الأدبي لمْ تُدرك من قبل بهذه الطّريقة» (32).
لم يأْت لا فوديكا ولا ياوس بوصف دقيق لسيرورة « التحقُّق « و الإسهام الخاصّ بالمعايير الأدبية والعوامل الخارج- أدبية المساهمة في بلورة معنى معيَّن للأعمال الأدبية. في كتابه جمالية التلقِّي. حصيلة وسيطة، يؤكِّد ياوس مع ذلك،وبشكل صريح جدًّا على «أسبقية « « القارئ الضِّمني» (33) على القرّاء الواقعييّن. الدَّليل الذي يتوسَّل به هو من طبيعة «منهاجية» – في الوقت الذي يعتبر من السُّهولة جدًّا دراسة دور القارئ الضِّمني الذي يجب أن نمنحه الأولوية « الهيرمينوطيقية « : أيْ « تمييز السَّنن الخاص بنمط القرَّاء المحدَّدين تاريخيا واجتماعيا عن السَّنن الخاص بدور القارئ المحدَّد بواسطة النصّ الأدبي، وهكذا يكون المطلب المطلق لتحليل متنوِّر هيرمينوطيقيا لتجربة القارئ. وبما أنَّ الدَّور الضِّمني للقارئ يُمكن قراءته في بنيات موضوعية للنصّ، وأنّه أكثر قابلية للإدراك مباشرة من الدَّور الصّريح للقارئ، خاضع لشروط ذاتية ومعطيات اجتماعية غالبا ما تكون خفيَّة، يجب أن نمنح له أولوية الولوج المنهاجية، لأنَّه بسهولة قابل للتَّوضيع». (34)
إنَّها مفارقة «الهيرمينوطيقا التّنويرية» لجمالية التلقِّي إذْ تطالب بضرورة الأخذ بعين الإعتبار لتاريخية الحدث الأدبي،وتتراجع أمام صعوبة إدراكه. يبدو أن ياوس ظلّ سجينا للتَّصوُّر الدَّائري للتَّاريخ الذي كان قد انتقده عند الشّكلانيين الرُّوس : «يمكننا أن نطبِّق على الشَّكل الأدبي أو على الوحدة الفنِّية ما كان يقوله درويزن بخصوص فردانية الشُّعوب : «إنَّها تتغيَّر في الوقت الذي يكون لها تاريخ ما،ويكون لها تاريخ في الوقت الذي تتغيَّر هذه الشُّعوب». (35)
ينتقد ياوس في كتابه الحصيلة الوسيطة Bilan Intermédiaire دراسة تجريبية تدور حول تلَقِّ نصّ بريخت لدى تلاميذ شباب للتّعليم الثّانوي الثِّقْني والعامّ. يكون الإهتمام بمثل هذا البحث الإستكشافي من وجهة نظر ياوس قابلاً للإهمال، في الوقت الذي لايستند على «قرَّاء حقيقيين»، بعبارة أخرى على أفراد لهم حساسية اتجاه المظاهر الأدبية لنصٍّ ما : « إنَّ تحليل تلقيّ النُّصوص الأدبية لا يمكنه أن يزْعم بمجد النَّزعة «التَّجريبية» إلاَّ في الوقت الذي يأخذ فيه بعين الإعتبار جماليا تجربة تمّ توسيطها إعلاميًا médiatisée.» (36) يضيء هذا الإعتراض مفهوم القارئ عند ياوس. تؤدّي إمكانية تمييز «القرَّاء الحقيقيين» عن القرَّاء الذين لايستحقُّون هذه التَّسمية إلى وجود معايير تمييزية مجحفة ناتجة عن تعريف القراءة «الحقَّة»، خاضعة لتوسيط جمالي «جيِّد» . يتراجع ياوس أمام نتيجة ممكنة لا «تغيير إبدال» أدخلته جمالية التلقِّي : صهر المعنى في التنوُّع غير قابل للتّحكَّم فيه للقرَّاء «غير –الشَّرعيين».
أفق التوقُّع
يؤكّد ياوس «أنَّه أدخل في التَّأويل التَّاريخي – الأدبي مفهوم «أفق التوقُّع»(37)، وهو المفهوم الذي يجد أصله عند هوسرل. لقد لجأ هانس جيورج كادامر قبل ياوس إلى مفهوم أفق التوقُّع لوصف السيرورات التَّاريخية لـ«انصهار الآفاق» (Horizontverschmelzung) و«تغيُّر الأفق» (Horizontwandel)، كما أنّ فوديكا كان قد تحدَّث عن « آفاق الإهتمامات والمعارف».
لم يحدّد ياوس المفهوم بطريقة أحادية. إنَّه يميِّز مابين «أفق التوقع التّاريخي والإجتماعي» و«أفق التوقّع الأدبي» ؛ كما أنه من جهة أخرى، فقد عارض « أفق التوقع المتضمّن بواسطة النصّ بـ«أفق توقُّع القارئ»؛ كما أنّه في موضع آخر فقد أعطى تعريفا محدَّدًا لـl’Erwartungshorizont أفق التوقع باعتباره «نسقا لإحالات قابل للتحديد الموضوعي ينتج بالنسبة لأي عمل في اللحظة التاريخية التي ظهر فيها عن ثلاثة عوامل أساسية: تمرس الجمهور القبلي بالجنس الأدبي الذي ينتمي إليه هذا العمل، ثم شكل وطيمة تفترض معرفتها في العمل، وأخيرا التّعارض بين الّلغة الشعرية والّلغة العملية». (38)
يعتر ف ياوس في الحصيلة الوسيطة بضرورة توضيح المصطلح، ويقترح تمييز ( طبقا للتَّقابل بين الأثر /التلقّي ) الأفق «الأدبي المتضمّن بواسطة العمل الجديد» والأفق الإجتماعي التي تحدّده بيئة معيَّنة محيطة به و«يضبطه الإنتماء الإجتماعي والبيوغرافيا»(39). للمفهوم وظيفة معيّنة : الانطلاق ذهابا بين القراءة الفردية والذّاتية والتلقّي بالمعنى الخاص « لايكون لطرح سؤال ذاتية التَّأويل وذوق مختلف القرَّاء من معنى إلاّ إذا حدَّدنا أيُّ أُفق عبر- تذاوتي للفهم يحدّد بموجبه أثر النصّ»(40). تتحدَّد معالم هذا الأفق عبر –تذاوتي للتلقّي في العمل نفسه : « أنَّ العمل الأدبي حتى في حالة ظهوره للمرَّة الأولى،لايتقدَّم كجدَّة مطلقة في صحراء خالية من الإخبار،لكنه يهيئ جمهوره بواسطة إشارات،وعلامات صريحة أو خفيّة،وخصائص مألوفة لشكل مخصوص من التلقِّي». (41) إنَّ الأفق «الإجتماعي» سيتمُّ إهماله فيما بعد «لا أنكر أنَّه بإدخال مفهوم أفق التوقُّع، أنَّني أظلُّ خاضعا كذلك لأُصوله الدَّاخل –أدبية، وأنَّ قياس المعايير الجمالية (السنن) التي يمكننا أيضا إعادة تشكيلها من أجل جمهور أدبي معيَّن يمكن بل يجب أن تقسَّم سوسيولوجيا، حسب مستويات توقُّع مختلف الجماعات، والطّبقات أو الفئات، وأن نعود بها إلى حاجات الوضعية التاريخية والاقتصادية التي تحدّدها» (42)
يرتكز هنا أيضا هذا التنكُّر المفارق للأهداف النظرية التي تمّ تأكيدها على الأقلّ على كفالة هيرمينوطيقية : «تساؤلي،- يكتب ياوس – موجَّه نحو هدف هيرمينوطيقي أكثر بساطة».
نظرية متعدِّدة للأشكال
لقد أعطى الجيل الشاب لـ «مدرسة كونسطانس» للـ أنطولوجيا التي ظهرت سنة 1978 عنواناً دالاًّ» تاريخ التلقّي أو جمالية الأثر – (43) كما لو أنّ التّسمية نفسها لـ«جمالية التلقّي» قد انفجرت تحت تأثير تناقضاتها الدَّاخلية.
من بينها وليست أقلَّها أهمّية ، تكمن في تعريف جمالية التلقِّي كهيرمينوطيقا. إذا كان المسار الذي نقطعه من كتاب التّاريخ الأدبي كتحريض 1970 وكتاب التّجربة الجمالية والهيرمينوطيقا 1982 يسم العبور من «جمالية التلقّي» إلى «الهيرمينوطيقا الأدبيّة»، فلن نكون قادرين على التحدّث عن قطيعة تؤدّي إليها إثبات بعض الإحراجات – لأنّ ياوس قد حدَّد إجمالا موضع مقاربته المنهجية في إطار الهيرمينوطيقا، وذلك بتأكيده أنَّه يجب على «مؤرِّخ الأدب» « أنْ يؤسِّس حُكْمه الخاصّ وهو واعٍ بوضعيته الحالية في السِّلسلة التَّاريخية للقرَّاء»44، لقد كان يؤشّر على توَجُّه مزدوج : تاريخي وتأويلي. إنّ تسليط الضَّوء على سلسلة التلقِّيات الماضية لا يستجيب لاهتمام تاريخي بشكل استثنائي، ولكنّه يستجيب ل» مشروع واع بتأسيس معيار يتضمّن (….) مراجعة نقدية، بل هدم المعيار الأدبي التّقليدي» (45)، وعنذئذ ينافس الطُّموح «المتواضع» للهيرمينوطيقا الإبداع الأدبي : «سيكون الباحث إذن مبدعا ويمكن مقارنته بالكاتب، كمبدع لتوقُّعات جديدة» (46)، إنّ هويّة « القرَّاء في هذا المشروع الهيرمينوطيقي» – كما وَجب على «تغيير الإبدال» أن يضعها في مركز اهتمام النظرية الأدبية – تجد نفسها محدَّدة : يتعلَّق الأمرقبل كل شيء بالكاتب ( باعتباره قارئا «منتجا» لكتاب آخرين ) والنَّاقد،مضاعفه الجامعي.
جدلية السُّؤال والجواب :
تتخذ هذه المواجهة المفضلة بين النصّ و«قرّائه الكبار» شكل «هيرمينوطيقا السُّؤال والجواب». من جهة، لايمكن للنصّ أن يعتبر كمونولوج كاتب يجيب في عمله عن أسئلة طرحها هو بنفسه (فهو يقيم علاقة حوارية مع نصوص معاصرة أو سابقة). ومن جهة أخرى، لاتتشكل دلالة النص قطعًا هي الأخرى في مونولوج للقارئ : النص «يتكلَّم» هو أيضا، إنَّه الحدّ الملموس الذي أُسند إلى اعتباطية التَّأويلات. لايتطوَّر الحوار بين النصّ وقرائه بطريقة فوضوية : تتمفصل الأسئلة والأجوبة، وتتأسَّس التلقِّيات على تلقِّيات سابقة. إذ تظلُّ مع ذلك دائما مفتوحة ولايمكن أن تنتهي مع النزعة القياسية لتأويل ما.
يستعير ياوس الزوج المفهومي سؤال / جواب من كادامر، لكنه يقلب السيرورة الحوارية التي وصفها هذا الأخير. بالنسبة لكادامر، فإنّ النصّ نفسه هو « الذي يطرح سؤالا على المؤوّل»، إنّ «فهمَ نصّ ما،يعني فهم هذا السُّؤال»(47). أمَّا عند ياوس فعلى العكس من ذلك،» ينطلق سؤال التلقِّي (….) من القارئ ليتَّجِهَ نحو [النصّ] ؛ بعكس ذلك، لانسقط فقط في النزعة الجوهرانية للأسئلة الأدبية والأجوبة التّابثة ؛ بل نتجاهل أيضا أنَّ إمكانات الطَّابع الفنّي تتجاوز السُّؤال المطروح وجوابه المباشر»(48). عندما يتّخذ القارئ مبادرة الحوار، و يطرح سؤالا ؛ حينئذ فقط يبدأ العمل في الإنوجاد. بخلاف كادامر، لايعتقد ياوس من جهة أخرى في مباشرية الحوار :يتمّ دائما توسيط هذا الأخير إعلاميا بواسطة تقليد تأويلي.
إنّ قلب علاقة سؤال / جواب لمْ يتمّ تأكيدُها بكل صرامة من طرف ياوس. يؤدِّي العمل مرَّة دور السُّؤَال، ومرَّة أخرى دور الجواب في « تأمّل هيرمينوطيقي ينفتح بسؤال مطروح على جواب موروث من تقليد تأويلي، يعود الى السُّؤَال الأصلي، معاد تشكيله أو مصاغ بشكل افتراضي، ويعود بنا من خلال تغيّر أفق التحقّقات، إلى السّؤال المُرَاجَع الذي يجب أن يُطْرح اليوم أو الـ“ الضّمني بالنسبة لنا ”، والذي على أساسه يمكن للنصّ أن يجيب ضمنيا بالنّسبة لنا أو ألّا يحمل جوابا ». (49) إنّ «الجواب» هو تارة جواب النصّ نفسه، وتارة جواب « التقليد التّأويلي» ؛ أمّا السُّؤال هو تارة «سؤالنا» ( «المنبثق من الوضعية الحاضرة» )، وتارة أخرى «سؤالا مُضَمَّنًا من أجلنا» (بواسطة جواب النصّ أو بواسطة تقليد التَّأويل ؟). نصطدم هنا بصعوبات مصطلحية لاتقاوم (50).
يصف ياوس في دراسته «إيفيجيني» لراسين و«إيفيجيني» لجوته السلسلة التاريخية لتلقِّيات عمل جوته. سيكون السُّؤال المطروح بواسطة عصرنا على عمل جوته هو كالتَّالي : هل يحتاج العقل دائما إلى أساطير جديدة ؟ علينا أن نقرأ في نص جوته جوابا سلبيا عن هذا السُّؤال. لكن من يطرحه ؟ يعتبر ياوس في الظَّاهر أنَّه هنا يكمن «السُّؤال الأصلي» الذي «يحدِّدُ مبدئيٍّا كما محتواها كلّ الدلالات المملوءة فيما بعد». لقد بحث جوته حسب ياوس، بشكل واع جدًّا على أن يكتب مسرحية موجَّهة ضدَّ إيفيجيني لراسين ولكنّه من جهة أخرى، لاحظ « أنَّه في تاريخ التلقِّي، لم يفرض هذا التَّأويل نفسه كتحقُّق». (51) تظهر هذه الدلالة «الأصلية» للعمل للمرَّة الأولى، في الواقع، في كتاب حول راسين لرولان بارث وفي نص أدورنو «النزعة الكلاسيكية لإيفيجيني لجوته « اللّذان يحيلان عليها باستمرار. نستعيد هنا بعض الإفتراضات:
– يُفهم التلقِّي كأحد المقولات «الإنتاجية» للقرَّاء ( المؤلِّفين والنقَّاد ) ؛
– في الخضَمّ نفسه لهذه المقولة المحدَّدة، يتمُّ تجنُّب سؤال اختيار النقّاد (بارث وليس رايمون بيكار،وأدورنو وليس Benno von Wiese) وخصوماتهم المحتملة.
أخيرا، يمكن لفكرة أنَّ التَّأويل الرّاهن بإمكانها أن تستعيد البعد « الأصلي « للعمل (سواء تحت أشكال سؤال أو جواب معيّن ) تعود لإخفاء الجرْد التاريخي للتلقّيات من أجل أن في المشهد حوارا يتجاوز القرون. – في الخيط الناظم للدراماتورجيا الهيرمينوطيقية الكاداميرية.
الإدراك الجمالي، إنتاج الأعمال الفنّية والتَّطهير
نشر ياوس سنة 1972دراسة بعنوان تقريظ صغير للتجربة الجمالية. يتأسَّس العبور من جمالية التلقّي إلى نظرية التّجربة الجمالية على توسيع مفهوم الجمالية. «لايحيل هنا مفهوم الجمالية هنا فقط على علم الجميل أو على الإشكال القديم لجوهر الفن، ولكن على السؤال المهْمل لمدّة طويلة لتجربة الفن، بمعنى الممارسة الجمالية (…) كنشاط للإنتاج،والتلقّي والتّواصل.»(52)
تنطلق دراسة تقريظ صغير للتجربة الجمالية من التّقرير التّالي : تتمّ إدانة متعة العمل الفنّي -هذا المظهر الوجودي للتّجربة الجمالية- بالإجماع، في الفلسفات المعاصرة للفنّ، و» نقد تجريد الوعي الجمالي « عند كادامر،وفي نظرية السّلبية عند أدورنو. تعود شجرة نسب هذه الإدانة إلى «التباسات تلقّي النّزعة الأفلاطونية» : من جهة، تمنح للفن ملَكتها المتعلّقة بـ«التّوسيط لمافوق المحسوس» شرفه السّامي ؛من جهة أخرى، يعتبر الفن في وضع الخلل الأنطولوجي بسبب ارتباطه بالمعنى. مفهومان متعلّقن بالتّجربة الجمالية يُولدان من هذا التّوزيع الأوّلي : من جهة، تقليد ترتليان (كاهن قرطاجنة أب علم اللاهوت في الكنيسة اللاتينية،من حيث فضله على تقدّم المصطلحات اللاهوتية،وأحد المدافعين المسيحيين الأوائل) Tertullien، سانت أوغسطين، بوسيي، روسو، كادامر، أدورنو ؛ من جهة أخرى، عصر النّهضة، والكلاسيكية الألمانية، وتبنّيهما فكرة «الوظيفة المعرفية للفن» وهي فكرة يتقاسمها معهم ياوس.
يقوم الإدراك الجمالي بـ«معارضة الإدراك المتقهقر واللّغة الخاضعة للإقتصاد الثّقافي بالوظيفة المبدعة والوظيفة النّقدية للّغة الخاصّتين بالتجربة الجمالية»(53). يُشَيِّد ياوس مفهوم إنتاج الأعمال الفنيّة Poiesis انطلاقا من النّظرية « الشعرية « لفاليري ؛ إذْ تتجاوز السّلطة المبدعة للفنّان الحدود بين الفنّ والواقع حيث «تدمج المتفرِّج نفسه في تشييد الموضوع الجمالي». (54) أخيرا، يوسِّع ياوس المفهوم الارسطي للتَّطهير ليشمل نظرية الوظيفة التواصلية للفنّ. كما يعيد ياوس تأهيل المفاهيم «الشَّاذَّة» ( المناقضة للرّأي السّائد ) التي تسند للعمل الفنِّي وظيفة ديداكتيكية وقيمة إقناعية. لا يعتبر مفهوم الوظيفة التواصلية هنا أيضا مجرَّدا من الالتباسات إذْ يحيل بالفعل عند ياوس على التواصل الأدبي المحض بين العمل وجمهوره، كما يحيل في نفس الوقت بالنّسبة للعمل على إمكانية، «أن يعطي معايير إلى الفعل العملي بدون أن يفرضها، لدرجة أنّه فقط الإجماع حول المواضيع المدركة هو الذي يمنح لها قيمة الضرورة»(55) : يكتشف ياوس في دراسته «تماثلية العقد الإجتماعي لروسو»(56) إبدال الوظيفة الإجتماعية للأدب المعياري وغير الملزم في نفس الوقت.
تخصّص نظرية الإدراك الجمالي –الإنتاج –التطهير استبعاد المفهوم نفسه للتلقّي والمفهوم المؤشكل لـ«تاريخية الأدب». إنّ العبور من «التلقّي « الى التجربة الجمالية»، يعني مغادرة العالم المتحرّك للقرّاء للإلتحاق بالفضاء الحرّ للقاء الذات الجمالية بالعمل الفنّي. تدافع دراسة تقريظ صغير للتجربة الجمالية بالفعل عن الرّؤية المتحرّرة للمنطقة الفنية ضد فلسفتين للفنّ المضادّ : من جهة ضد النزعة السلطوية للهيرمينوطيقا الكاداميرية التي تنخرط تبعا لهيدجر، في الكشف عن الحقيقة. ومن جهة أخرى، ضد التّهديد الذي يضْعف الجمالية الأدورنية ( نسبة لتيدور أدورنو )، التي تثقل عل العكس من ذلك كاهل العمل الفنّي بشكّ الجَزْم، والكثافة الإّيديولوجية (57). يبحث كلاّ من تقريظ متعة الفن و « العقد « الجمالي، عن تحديد أرضية يتِمُّ الحفاظ فيها على وحدة الذات الجمالية. فهل استطاع ياوس أن يصل إلى بناء فضاء معيّن ؟ ربّما إنَّ تحليلا دقيقا جدًّا للعلاقة بـ«النظريات الماركسية» المتعلّقة بالأدب، وبجمالية السّلبية، وبالشكلانيين الرّوس،وبنيويي براغ، وبهيرمينوطيقا كادامر قد تسمح بالجواب عن هذا السّؤال.
II. تكوُّنات. سجالات :
ياوس، «المدرسة الماركسية» ونقد الإيديولوجيات:
اختزلت في نظر ياوس «نظرية الانعكاس» لجورج لوكاتش ولوسيان كولدمان – يصنّفها في خانة المدرسة الماركسية – «التعدّدية الملموسة للأعمال والأجناس في عوامل دائما متماثلة، وفي أقنومات مفهومية». ( الفيودالية، ماقبل -الرّأسمالية،، إلخ)(58). غاصت نظرية الإنعكاس من وجهة نظر ياوس في « تناقضات صارخة»: فلكي يفسّر لوكاتش كيف يمكن لعمل أن تستمرّ قراءته بعد زوال المرحلة السوسيو اقتصادية التي تطابقه، كان عليه أن يلجأ إلى مفهوم «غير جدلي ولا مادّي»، هو مفهوم « الكلاسيكية». «مفهوم تمّ قياسه على أساس الوضعية ضد- الطبيعية مبدئيا للنّظرية الماركسية، بحيث لايمكن لاختزاله في المثالية المحاكاتية للنّزعة الواقعية البورجوازية إلاّ أنْ يُعتبر كتراجع نحو نزعة مادّية جوهرانية» (59) . لقد لاحظ ماركس بنفسه في كتابه «مدخل إلى نقد الإقتصاد السّياسي» «العلاقة غير المتكافئة بين تطوُّر الإنتاج المادّي (…) والإنتاج الروحي»(60). وحده مفهوم « التّفاعل بين المؤلِّف والجمهور» – حسب ياوس – هو القادر على أن يعيد إلى مفهوم « الجدلية « كلَّ حمولته في مجال الأعمال الأدبية. « يخلق موضوع الفنّ _ مثل أيّ منتوج آخر – جمهورا ذا حساسية فنّية وقادر على تذوق الجمال. لا يخلق الإنتاج إذن فقط موضوعا من أجل الذّات، ولكن يخلق ذاتا من أجل الموضوع « : إنّ ياوس وهو يذكر هنا جملة ماركس هاته من أجل أن يشهد على الاستلهام الجدلي الخاص لجمالية التلقّي، لا يبدو أنّ هذا الإستشهاد يؤكّد الإفتراض النظري المناقض له، أعني أولوية الإنتاج على التلقّي. بدون شك يكون لمعنى الجملة أهمّية أقلّ بالمقارنة مع الإحالة بالمعنى الخاص إلى ماركس، حيث يمكن أن تكون الوظيفة هي إثبات أنّ نقد نظرية الإنعكاس ليست إملاء مبدئيا بواسطة الحوافز الايديولوجية، ولكن بسبب اختلاف نظري.
بعد عامين من ظهور المؤَلَّف الأخير لأدورنو النّظرية الجمالية بعد وفاته،انتقده ياوس في دراسته تقريظ صغير باعتبار أنّه أهمل في فعل « تغيُّر أفق التلقِّيات»، إمكانية أن تصبح السِّلبية تأكيدا. ورغم ذلك فقد اعترف بأنّ هذا المظهر لم يتم تجاهله كلّيا من طرف أدورنو، الذي استعمل في كتابه فلسفة الموسيقى الجديدة المصطلح نفسه للـ«تلقّي» («حتّى بعد استعماله بمعنى الإستقلال اللامحدود، فبعد رفض التسلية، لايهمل الواقع الخارجي عن الوعي غير المتحرّر المتعلق بالأعمال الأدبية تلقّيها») (61).
ينتقل نقده من ذاك الحين فصاعدا إلى أرضية وظيفة الأدب : «لسنا مجبرين على رؤية والتعرّف مبدئيا على الوظيفة الاجتماعية للأدب في السلبية، ولكن في المقام الأوّل في تشكيل المعنى الذي يفرض نفسه موضوعيا»(62). إنّ تشديد ياوس على الوظيفة المعيارية للأدب، تجعله يضع بشكل مفارق بين قوسين سؤال التلقّي؛ إذ يظهر محتوى النصّ كمعطى، كما يحوي النصّ نموذجا تواصليا معيَّنًا يمنحه سلطة ممارسة أثر معيَّن. ألا يمكن أن يكون ذلك شكلا أقلّ جدلية لـ«نظرية الإنعكاس» التي تجعل هذه المرَّة من القارئ المتلقِّي السِّلبي للمثير stimulus الأدبي ؟ تبيّن ذلك دراسته ليونة الموقد la douceur du foyer بطريقة مثالية. إنّ ارتكاز هذه الدّراسة على ندوة عمل جماعي، فإنّها تحلّل الوظيفة التواصلية للشّعر انطلاقا من متن يتكوّن من سبعمائة قصيدة فرنسية لسنة 1857، ولكن بدون الإحالة أبدًا الى الصِّيغ الفعلية لتلقّيها.
ترمز «ليونة الموقد» إلى حرارة الأسرة البورجوازية وإلى اللّيونة الثّابتة لقيمها. يعرّف النّموذج التّواصلي بشكل مفارق هنا كأداة لـ«الإخفاء الإيديولوجي»، الموجَّه إلى تأكيد (..) قيمة المعايير الإجتماعية « المنقولة» من جيل الى جيل، تشرح للخلف والمدافعين ضدًّا على اعتراضات مجموعات أخرى أو طبقات مهمّشة».(63) تجد في نفس النصّ هذه الوظيفة الأدبية مع ذلك نفسها في وضع الإيحاء بطريقة إيجابية عندما يبرز ياوس قيمة أهمّيتها بالنّسبة «لقارئ شابّ وغير متمرّس أيضا» حيث تجد «التجربة المستقبلية» نفسها بذلك «مجسّدة قبليًّا» (64). ومن ثمّ، يجد البعد المعياري للعمل الأدبي مدَافَعًا عنه ومشجوبًا في نفس الوقت بسبب تأثيره الإيديولوجي الواضح جدًّا.
إنّ شرح هذا التناقض يحتاج الى التذكير بموقف ياوس اتّجاه التّاريخ الاجتماعي للقارئ الذي يؤكّد الشّرعية، بل الضّرورة و الإستحالة الهيرمينوطيقية، حيث ينكر في نفس الوقت المفهوم نفسه وذلك عن طريق إعطاء تعريف حصري جدّا للـ«قارئ الحقيقي». كيف يمكن شرح هذه المفارقة ؟ لماذا يقضي ياوس بضرورة استدعاء ماركس، وموضعة نظريته الخاصّة في الموروث النّقدي لأدورنو؟ (65) لا يظهِرُ بدون شك، هذا الالتباس الشّخصي بُعْدَه المنسجم إلاّ في الوقت الذي ندركُه كموقف في الحقل الثّقافي الألماني لمابعد 1968 : كلُّ شكل من «الإثارة» اتّجاه النّظرية الأدبية التّقليدية يحيل على هذه الحقبة القريبة من النّظريات الماركسية، أو أنّها تُبْنَى في هذه المجاورة.يقدّم ياوس نفسه كمحَرّض لـ«تغيير هذا الإبدال»، لايمكن لياوس ببساطة أن يتجاهلها وبشكل خالص، مخافة تبنّي موقف محافظ عن قصْد. يرتسم تلقّي النزعات الماركسية بواسطة ياوس بشكل أقلّ في نمط معيّن من قراءة النُّصوص (سترجع إليها «الأولوية الهيرمينوطيقية») أكثر من موقعه كقارئ واقعي داخل حقل ثقافي فكري.
الشكل الأدبي والإبتكار
ياوس والشّكلانيين الرّوس :
ظهر الملخّص الأوّل المخصّص الشَّكلانيين الرّوس في الولايات المتَّحدة الأمريكية سنة 1955 (فكتور إيرليخ،الشكلانية الروسية.التاريخ – المبادئ )، ثمّ بعد ذلك التّرجمة الألمانية سنة 1964. نشر تزيفتان تودوروف سنة 1965 في فرنسا أنطولوجيا خاصّة بالشّكلانيين الرّوس، بعد أربع سنوات تلتها في ألمانيا أنطولوجيا جيرجي ستريدتر (66) Jurij Striedter. إذا كان ياوس وهو يناقش أطروحات التيار الموسكوفي (نسبة الى موسكو) في الطّبعة الأولى المنشورة بعنوان تاريخ الأدب كإثارة (1967 )، فإنّه بذلك يعتبر من الأوائل الذين اعترفوا بأهمّية النّظريات الشّكلانية في الجمهورية الفيدرالية الألمانية.
(البقية بموقع المجلة على الانترنت)
لقد عرض في المقام الأوّل البديهية الشكلانية الكبرى التي يعَيِّنها تودوروف كـ«نظريّة موسَّعة للشّكلانيين الرّوس منذ 1916»(67) :وهي التّعارض بين اللّغة الشّعرية واللّغة العملية. يكتب ياوس مايلي :» تمثّل اللغة في وظيفتها العملية باعتبارها سلسلة غير أدبية، كلّ التَّحديدات التّاريخية والإجتماعية للعمل الأدبي، فقط في تمييزها النّوعي ( الإنزياح الشّعري ) وليس في علاقتها الوظيفية بالسّلسلة غير الأدبية حيث توصف وتحدد بها كعمل فنّي» (68). يجد هذا التّعارض أصله،إذن، بين «السلسلة الأدبية» والسّلسلة غير الأدبية « عند الشّكلانيين الرّوس. كما يتضمّن هذا التّمييز انتباها خاصًّا يُمنَح « للإدراك الفنّي» ( الذي يقود الى بلورة مفهوم « التبعيد «) : إذْ لم يعد « تلقِّي الفنّ» يختلط أبدا مع المتعة السَّاذجة للجميل « .، لكنَّه يفرض أن « نميِّز الشّكل» و«نكتشف الإجراء» (69). ومن ثم، يعيد ياوس تأويل النّظريات الشّكلانية على ضوء إشكالية التلقّي، التي تحتلُّ مكانة هامشية في متن الشّكلانيين. (70)
يعطي ياوس الأفضلية للحقبة الأخيرة من إنتاج الشكلانيين الرّوس، يفسح من خلالها المنظور» السّانكروني « خاصّة المتعلّق ب» التّعارض بين اللّغة الشّعرية واللّغة العملية» (71) المجال لتحليل «دينامية التطوّر الأدبي «، والتّوالد الذّاتي للأشكال الجديدة»(72) . ومن ثم، يوصف تاريخ الأدب كـ«سيرورة تسمها انقطاعات مفاجئة، وثورات مدارس جديدة وصراعات الأجناس المنافسة» (73). يلحّ ياوس على تصوّر يعتبر هو التّعالق الذي يخصّ مفهوم التّأريخ الأدبي، ويتضمّن رؤية جديدة للعلاقة بين السّانكرونيا والدّياكرونيا : إنّهُ «لاتزامنية التّزامن» إنّ الفكرة السانكرونية الخالصة التي تتوضّع فيها روح حقبة ما تعتبر وَهْمًا.
يشكّل مفهوم « التطوّر الأدبي» هذا بشكل ما الطّرف المقابل لـ«نظرية الإنعكاس» للوكاكش: إذْ يُعارض مفهوم «الإنزياح» تماما فكرة التّماثل بين البنيات الإجتماعية لإنتاج الأعمال وبنيتها الدّاخلية. ومع ذلك، يرفض ياوس اختزال تاريخية الأ دب في جدلية للأشكال الجديدة : «اعتبار العمل الأدبي في تاريخيته، بمعنى في خضم التّاريخ الأدبي المحدّد كتعاقب للأنظمة لا يعني أيضا اعتبار العمل الفنّي داخل التّاريخ،في الأفق التّاريخي لبلورته،ووظيفته الإجتماعية وأثره التّاريخي» (74)
يصوغ ياوس كذلك في دراسته تاريخ الفنّ والتّاريخ نقدا لمفهوم الإبتكار، الذي « قُنِّن «من طرف الشَّكلانيين الرُّوس. إنّ جِدّة عمل أدبي لا تكون قابلة للإدراك جملة، وبالضّرورة في أفق نشرها الأوّل»(75)، حيث «لا يعتبر الجديد فقط مقولة جمالية» ولكنّه يصبح أيضا « مقولة تاريخية، عندما يجد التّحليل الدّياكروني للأدب نفسه مقوداً الى التّساؤل عن أيّ من العناصر التّاريخية تصنع جديد جِدَّة الظَّاهرة الأدبية»(76). لقد أخطأت النَّزعة الشَّكلانية وهي « تختزل الطَّابع الفنِّي للعمل الأدبي في الإبتكار كمعيار قيمي فريد» (77). نقد مفارق، في الوقت الذي يعبّرعن ذلك ياوس بنفسه، ويقول «يمكن أن يُقاس الطّابع الفنّي للعمل الأدبي تبعا للمسافة الجمالية التي تفصله عن توقُّعات جمهوره الأوَّل» (78). ومن جهة أخرى، يصبح لمفهوم «القيمة الفنِّية « عند ياوس تعريفين آخرين مختلفين تماما : إنَّها تتعلَّق بـ«حكم القرون» (تقرِّر « سلسلة التَّلقِّيات» في الدّلالة التَّاريخية للعمل وتُظهر تراتبيته الجمالية» (79). أو كذلك بدرجة «انفتاح أو تبعيّة [العمل] للتلقّي» (80).
يتبلور مفهوم « الإبتكار « عند الشَّكلانيين الرُّوس تبعا لنفس إفتراضات نقد مفهوم «السِّلبية عند أدورنو. من منظور التلقّي، لن تكون للإبتكار والسّلبية قِيَمًا مطلقة، لكن ياوس إذْ يرفض بالخصوص إعطاء الإمتياز بالأولوية للبُعد السّلبي، والهدّام للأدب، فإنّه يبحث عن إعادة تأهيل القيمة المعيارية. يعتبر عمل ليونة الموقد La Douceur Du Foyer مثالا موضِّحا لذلك. لقد كان ياوس واعيا بالمخاطر الملازمة لهذا القلب الذي يعود لإعطاء الشّرعية بشكل خالص وبسيط للمحتويات التي يصفها بنفسه كمحتويات «إيديولوجية» أو البعد الإنتاجي المكرّر لإحدى الأشكال الأدبية. يتعرّض دفاع «اللّذة الجمالية» في دراسته تقريظ صغير لنفس الخطر : إنّ الكشف عن التحيُّز الزُّهدي لإحدى فلسفات الفنّ، وإرادة تخطيط حدود فضاء الإرادة الحرّة للذّات الجمالية،يعني نقل « التّجربة الجمالية» إلى مكان مجرّد، حيث لا تعرّض لذَّة الفن نفسها أبدا لخطر الإحالة إلى عروض استهلاك الإقتصاد الثّقافي. لاتقع التحيّزات « الزّهدية « لروسو و أدورنو – كما يؤكّد ذلك ياوس – في أفق تأمّل حول أخلاقية الفنّ ؛ بل إنّها تنتجُ عن استيعاء لرابط لايمكن فصلُه بين الأعمال الفنِّية وتلقِّيها في مجتمع معيّن، حيث تأتي لتدعِّمَ الإدِّعاءات (المظاهر الكاذبة)، في لحظة معيّنة من التَّاريخ.
الدَّائرة الهيرمينوطيقية : ياوس وكادامر
يعترف ياوس في مقدِّمة دراسته التَّجربة الجمالية بقوله « يقتضي مبدأ نظرية التّجربة الهيرمينوطيقية لكادامر (…) البحث في تاريخ التأثيرات عن سبيل للوصول الى الفهم التَّاريخي،كما يعتبر الأساس الذي أعطته للوحدة الهيرمينوطيقية للفهم، والتّأويل والتطبيق هي بمثابة افتراضات منهجية غير قابلة للنّقاش، بدونها سيكون مشروعها غيرقابل للتّفكير» (81). إنّ شجرة النّسب الكاداميري الذي طالب بها ياوس تقدِّم نفسها تحت شكل مفارق لنقد كادامير الذي سيعود ل»يتذرَّع بكادامر ضدّ كادامر» (82).
يقول كادامر سيبلغ الطَّابع الكوني للكائن التَّاريخي ذروته في «الكلاسيكي» أن يكون كائناً حاميا في خرائب الزَّمن» (83). يجعل ياوس من هذا المفهوم الهدف الأساس لهجوماته ؛إنّ نظرته الإستعادية حول خصومات القدماء والمحدثين تتَّخذ هدفا لها البرهنة – ضدًّا على كادامر- بأنَّه لايوجد قطعا أيّ نموذج كلاسيكي قادر على أن يطالب بمعيارية فوق زمنية. حسب هذا الأخير، وعلى العكس من ذلك «يدلّ المعنى المعياري الحاضر في مفهوم الأدب الكوني على أنَّ الأعمال التي تنتسب لهذا الأدب تبقى ناطقة حتى ولو كان العالم الذي تتوجَّه إليه قد أصبح شيئا آخر» (84).
إنّ حافز « إعادة تأهيل التُّراث «عند كادامر يذهب بالموازاة مع نقد عصر الأنوار L›Aufkl?rung « إذ يعتبر الحكم المسبق الأساسي لعصر الأنوار هو الحكم المسبق ضدّ الأحكام المسبقة بصفة عامّة ومن ثم، خلع التّراث من عرشه» (85) . إنّ مفهوم « الحكم المسبق الحقيقي « لكادامر – كما يكتب ياوس – « يجعل التَّاريخ جوهرانيا لفائدة قمْع كلّ ما يذهب ضدّ التيَّار، وكلّ جديد متمرِّدْ، ولكلّ من لم يكن له نجاح ما» (86). يبدو مع ذلك، أن النّقد الذي يخضع له ياوس من جهة أخرى، مفهومي « السّلبية» و«الإبتكار» وجب أن يكون قد اسْتُلْهِم بقُوَّة من طرف إعادة الــتّأَهيل Réhabilitation الكاداميرية للـ«حكم المسْبَق».
إنّ ياوس برفضه أنطولوجيا العمل الفنّي، التي لاتدرك الفنّ كموضوع لجمالية معيّنة، ولكن كمكان لـ«مطْلَب الحقيقة» (87) . و«إدامة سلطة القول المباشر» (88)، فإنّه يسلّطُ الضَّوء على «انفتاح الدّلالة». إذا كان كادامر يشدِّد عى أولويَّة تاريخ الآثار («نحن خاضعين دائما ومسبقا لآثار تاريخ التَّأْثيراث») (89)، فإنَّ ياوس يصف التلقِّي كسيرورة يشارك فيها القارئ مشاركة حيوية في بلورة دلالة النُّصوص. بالنّسبة له، إنّ حركة التراث tradition» تبدأ مع المتلقِّي» (90). يبدو أنّ هذا النّقد لايتَّضح أّنَّه مُؤَسَّس بما فيه الكفاية، في الوقت الذي يحدِّد كادامر بنفسه في كتابه الحقيقة والمنهج vérité et méthode بأنّ « فعل الفهم ليس فقط موقفا لإعادة الإنتاج، ولكنَّه موقف إنتاجي»، وأنّ « إدراك المعنى الحقيقي (..) لا يجد اكتماله في مكان ما، ولكنّه في الحقيقة يعتبر سيرورة لانهائية»(91). بل يلاحظ فضلا عن ذلك أنَّه « حتّى التّقليد نفسه الأكثر أصالة والأكثر طبيعية لايُنجَز بطريقة طبيعية بفعل سلطة مُداومة ما يوجَدُ هنا ؛ إنّه يحتاج الى أنْ يُؤَكَّدَ، يُدْرَك ويُحَافظ عليه» (92). وعلى العكس من ذلك، يمكننا القول أنَّ فكرة «محتوى « الفنّ التي ستنتقل الى أبعد من أجيال القرّاء، هذه النّزعة «الجوهرانية « التي ينتقدها ياوس عند كادامر، تجد نفسها في مضمر بعض أعماله الخاصّة : تشهد على ذلك مثلا دراسته لإيفيجيني Iphigénie ، حيث يُسْند ياوس للمؤَوِّلين الحداثيين تبيان الـ«محتوى» أصليّ للعمل.
يكمن الإختلاف الحقيقي بين ياوس وكادامر بدون شك حول مفهوم علم الأدب.إذْ يقتضي « مطلب تحليل متنوّر هيرمينوطيقيا لتجربة القارئ «، بالنّسبة لياوس، كما رأينا ذلك منح « أولوية منهاجية» لـ «دّور القارئ الضّمني»، « المقرأن في البنيات الموضوعية للنصّ». (93) – ومن ثم، الإتجاه نحو بديهية كتاب خطاب المنهج، «من البسيط الى المركّب» – الذي سيذهب بنا ذلك مباشرة الى اتّخاذ موقف ضدّ الهيرمينوطيقا الكاداميرية، في الوقت الذي لاتطمح فيه هذه الأخيرة الى توْضيع objectivation منهج ما، ولكن بالأحرى الى كشف « محتوى الحقيقة «. يرفض كادامر على غرار هيدجر أن يتموْقع في أرضية «العلم» ويصف «الموضوعية» كوهم موضوعي. « إنّ الأحكام المسبقة والمفاهيم القبلية التي تشْغل مساحة وعي المؤَلِّف فهي باعتبارها كذلك لاتترك له حرّية التّصرُّف» (94)؛ «نحن باستمرار متموقعون في التراث، وهذه الكينونة المتموقعة ليست سلوكا قابلا للتّوضيع، إلى درجة أنّ ما يقوله التُّراث يمكن أنْ يُفَكَّرْ فيه كآخر،كشيء أجنبي» (95). ومن ثمّ، يتموقع المؤوِّل في حلقة أنطولوجية معيّنة : « إنّ حلقة الفهم (…) تصف فعل الفهم كلعبة تداخل بين حركة التّراث وحركة المؤوّل (..)؛وبذلك لايعتبر قطعا حقلا « منهجيا « في شيء ولكنّه يصف لحظة أنطولوجية بنيوية لفعل الفهم». (96) على العكس من ذلك، بالنّسبة لياوس،لايقصي الأخذ بعين الإعتبار الوضْع التّاريخي للمؤوِّل الموضوعية العلمية، لكنَّه الشَّرْط نفسه. إنّ نفور كادامر من المنهج، والرّؤية المتعالية التي يحملها اتجاه «علم الأدب» (97)، والمتعالقات الهيرمينوطقية للنّقد الهيدجري للتِّقنية (98) توجد بطريقة ضمنية في أعمال ياوس، في غياب أيّ منهاجية صريحة لتحليل النّصوص الأدبية.
إذا كان ياوس يلحُّ على البعد التَّواصلي للعمل، ويعرِّفُه كنَاقِل للمعيار، فإنَّه يضع نفسه في الموروث المباشر للمفهوم الهيرمينوطيقي التُّراثي للتَّطبيق Anwendung الذي يجد أصله في الهيرمينوطيقا اللاهوتية وتوضيحه في كتاب الحقيقة والمنهج. يحيل هذا الشَّكل من شرعنة الأدب بواسطة وظيفته المتعلّقة بالتَّماسك الإجتماعي التي تتَأَكَّد وراء النّسبية التّاريخية للأحكام الجمالية، على فكرة « جماعة (مجموعة) الأحكام القبليّة « : يكتب كادامر : «يُنْجز معنى الإنتساب، بمعنى لحظة التّراث في الموقف التّاريخي – الهيرمينوطيقي،بواسطة مجموعة الأحكام المُسبقة المُؤَسِّسة « (99)، لايجهل ياوس الدّلالة الخاصّة التي تعود لمفهوم «المجموعة» ( الجماعة ) في تاريخ تلقّيها، وبالخصوص تحت راية النزعة النّازية. لايتَّخِذ نقده لل» نّزعات الجوهرانية « معناه إلاّ من منظور القطيعة مع ماض ألماني معيَّن. يجد هنا بدون شكّ مأْزق تعريفاته ل» أفق التوقُّع « أصله: لماذا، لم يتخلّى، عنذئذ،عن مثل هذا المفهوم ؟
باعتراف ياوس رسميا بانتمائه لقواة waffen-ss (?افن اس اس هي منظمة عسكرية نازية تابعة ل شوتزتافل أسست في بداية الثلاثينات من القرن، مستقلة تنظيميا تحت قيادة المباشرة لهاينريش هيملر, كانت من القوات القتالية وحراس في معسكر الاعتقال( خلال بداية الحرب العالمية الثّانية (100)، فقد كشف بذلك مؤخّرا الخلفية البيوغرافية التي تُعْطي بالنّسبة له اهتماما خاصًّا لرفض مفهوم « التّراث الوطني « فقد صرّح لمجلّة عالم الكتب Monde des Livresفي حوار منشور في شهر شتنبر لسنة 1996 بقوله : « حاولت جاهدا إعادة صياغة البنية القديمة للجامعة الألمانية « ومعارضة « كلّ حدس بالعودة الى فكرة الوطنية أو العِرْق كحامل دالّ في العلوم الإنسانية « .
إنّ هذه الوثيقة التي تحتلّ مكانة خاصّة في السّلسلة المركّبة للإثارات « و « التقريظات « التي بواسطتها بحث ياوس عن تحديد أطراف الشَّكل المتفرّد للنّزعة النَّقدية المحافظة، ستوجّه إلى تكسير «الصمت» الذي لايعرّفه مبدئيًّا مثلما تُعرّفُه هي ، ولكن كما يفعل « الأساتذة الكبار»(101). إذا كان كلام ياوس موضوعا تحت شعار المضاعفة، واللّا فهم الجذري اتّجاه ماضيه الخاصّ (ماض « شاب وقد أصبح غريبا»، حيث لايقدر أن «يتعرّف على نفسه فيه»)، فإنّه يضع النّازية في إطار ما ينفلت من الهيرمينوطيقا ( « سيكون فعل الفهم طريقة لقبول ذلك « ). سيرتبط «صمت « الهيرمينوطيقا « برفض فهم ما ليس إنسانياً « وسيعارض اللغة « المحفوفة بالمخاطر « التّحليلات التّاريخية والسّوسيولوجية « حيث «يقتضي الإتقان فيها شرح كلّ شيء «.
لايحتاج هذا التَّأويل عند ياوس باعتبار انبثاقه من مكان محايد حيث بإمكانه أن يعبِّر بكلّ سياديّة – كما لو أنّ وضعه لايمنح، بالنّسبة له، اهتماما موضوعيا لرفض الإستكشافات « التَّاريخية والسّوسيولوجية « – التذكير بتخيُّله لفضاء حرّ حاول فيه رسم حدود سلامة الذَّات الجمالية – ضدًّا على توضيعات التَّاريخ الإجتماعي للقراءة.
جامعة باريس 12
المعهد الألماني
شارع الجينيرال دوكول
94010 كريتيل سيديكس
هوامش :
1 RainerWarning (éd.), Rezeptions?sthetik, München, 1975.
2 Ibid,, p. 9.
3 Ibid.
4 Hans-Robert Jauss, sthetische Erfahrung und literarische Hermeneutik,Francfort, 1982, p. 19-20. ياوس هو مؤلّف كتاب
L’histoire de la littérature comme provocation. تاريخ الأدب كتحريض
5 .لن نتناول هنا الدراسات الجماعية لمجموعة البويطيقا والهيرمينوطيقا Poetik und Hermeneutik ،حيث يتجاوز تحليلها إطار هذه الدّراسة. ومن ثمّ، لم يعد يندرج العمل الأخير لياوس Wege des Verstehens (1994) أسئلة الفهم بالنّسبة له في مشروع جمالية التلقّي
6 Jauss, ?sthetische Erfahrung und literarische Hermeneutik, op. cit.
, p. 736.
الإحالة على هذا الكتاب في الحروف التالية سنختزل
AELH
وزّعت الترجمات الفرنسية في كتابين : )
Pour une esthétique de la réception, trad. C. Maillard, Gallimard, 1978, et Pour une herméneutique littéraire, trad. M.Jacob, Gallimard, 1988.)
7. يعيد ياوس تأويل العبارة المأخوذة عن روني ويليك وأوستن وارين( Theory of literature, New York, 1955).
8 Roland Barthes, Les deux critiques, in Essais critiques, Paris, 1964.
9 Jauss, Literaturgeschichte als Provokation der Literaturwissenschaft, Francfort, 1970 (désormais abrégé en LaP), p. 217.
ستختزل الإحالة على هذا الكتاب في الحروف التّالية :
LaP
, p. 217.
10 Ibid., p. 144.
11 Ibid., p. 216.
12 أنظر ?sthetische Normen und geschichtliche Reflexion in der Querelle des Anciens et des Modernes (1964) ; Literarische Tradition und gegenw?rtiges Bewu?tsein der Modernitdt (1965) ; Schlegels und Schillers Replik auf die Querelle des Anciens et des Modernes (1967) ; Literaturgeschichte als Provokation der Literaturwissenschaft (1967) ; Geschichte der Kunst und Historie (1970) ; Die kommunikative Funktion des Fiktiven, in ?sthetische Erfahrung und literarische Hermeneutik (1re éd., 1977)…
13 LaP, p. 210.
14 Ibid.
15 Ibid., p. 96.
16 Ibid., p. 211-214.
17 Humboldt, ?ber die Aufgabe des Geschichtsschreibers (1821), in Werke,Darmstadt, 1960, t. l,p. 602.
18 LaP, p. 149.
19 Hans-Georg Gadamer, Wahrheit und Methode, Tübingen, 1960, par exemple p. 186.
20 Gervinus, Geschichte der poetischen Nationalliteratur der Deutschen, inSchriften, Berlin, 1962, p. 123.
21 Droysen, Historik : Vorlesung über Enzyklop?die und Methodologie der Geschichte, Munich, 1967, p. 35.
22 LaP, p. 184-185.
23 AELH, p. 735.
24 LaP, p. 153.
25 Ibid., p. 155.
26 Ibid., p. 167.
27 Ibid., p. 169.
28 R. Warning, Rezeptions?sthetik als literaturwissenschaftliche Pragmatik, inRezeptions-?sthetik, op. cit., p. 10.
29 Jauss, Rezeptions?sthetik, Zwischenbilanz. Der Leser als Instanz einer neuen Geschichte der Literatur, in Poetica, t. 7, 1975
RZW ستتمّ الإحالة على هذا الكتاب في هوامش المقالة بالحروف المختصرة التّالية
, P- 327.
30 Roman Ingarden, Das literarische Kunstwerk, Halle, 1931.
31 LaP, p. 167.
32 Felix Vodicka, Die Rezeptionsgeschichte literarischer Werke, inRezeptions?sthetik, éd. par R. Warning, op. cit., p. 71.
33 . « يتحدّد القارئ الضّمني بالنّسبة لولفكانك إيزر باعتباره « طابع فعل القراءة المنخرط في النصّ « (…)، والمدرك كشرط لأثر ممكن، يوجّه بشكل مسبق ترهين الدّلالة، ولكن لايحدّدها «. أنظر Iser,Der implizite Léser. Kommunikationsformen des Romans von Bunyan bis Beckett,Munich, 1972).
34 RZW, p. 337.
35 LaP, p. 230.
36 RZW, p. 332.
37 LaP, p. 200.
38 Ibid., p. 174.
39 RZW, p. 336.
40 LaP, p. 176.
41 Ibid., p. 175.
42 تعليق في نهاية دراسة حول إيفيجيني
AELH, p. 750
43 Rezeptionsgeschichte oder Wirkungs?sthetik, Konstanzer
Diskussionsbeitrâge zur Praxis der Literaturgeschichtsschreibung, éd. par Heinz-Dieter Weber, Stuttgart, 1978.
44 LaP, p. 171.
45 Ibid., p. 170.
46 Ibid., p. 201, note 138.
47 Gadamer, Wahrheit und Methode, op. cit., p. 352.
48 Racines und Goethes Iphigenie, in AELH, p. 740.
49 Ibid.
50 نجد مثل هذه التقلّبات المصطلحية عند مؤيّدين آخرين للهيرمينوطيقا، على سبيل المثال chez Odo Marquard (Frage nach der Frage, auf die die Hermeneutik die Antwort ist, in Abschied vom Prinzipiellen, Stuttgart, 1981, en part. p. 118-119).
51 Racines und Goethes Iphigénie, op. cit., p. 728.
52 Jauss, Rezeptions?sthetik und literarische Kommunikation (abrégé désormais en RulK), in Auf den Weg gebracht, Festschrift Kiesinger, éd. par H. Sund et M. Timmermann, Constance, 1979, p. 387.
53 AELH, p. 165.
54 Ibid., p. 117.
55 Ibid., p. 29.
56 Ibid., p. 30.
57 حول موقف ياوس بخصوص كادامروأدورنو أنظر :
AELH, p. 26 et 28
58 LaP, p. 158.
59 Ibid.
60 Marx/Engels, Werke, t. XIII, Berlin, 1959, p. 640 (LaP, p. 159).
61 Adorno, Philosophie der neuen Musik, in Gesammelte Schriften, t. 12, Francfort, 1970, p. 24.
62 AELH, p. 50.
63 La douceur du foyer, AELH, p. 771.
64 Ibid., p. 755-756.
65 Ibid., p. 29.
66 J. Striedter, Russischer Formalismus, Munich, 1969.
67 T. Todorov, Critique de la critique, Paris, 1984, p. 18.
68 LaP, p. 165.
69 Ibid.
70 أنظر T. Todorov, op. cit., p. 31-32
( يحيل شكلوفسكي باستمرار على مفهوم « التّبعيد « (ostranenie)؛لكن باستثنائه هو،لايعتبر ذلك هو تعريف الفنّ عند الشّكلانيين «، « إنّ موضوع الدّراسات الأدبية عند الشّكلانيين – هم يتفقون كلّهم على ذلك – هي الأعمال نفسها وليست الإنطباعات التي تتركها هذه الأخيرة عند قرّائها « ) أنظر أيضاPeter Bürger, Vermittlung, Rezeption, Funktion. ?sthetische Théorie und Méthodologie der Literaturwissenschqft, Francfort, 1979, p. 103.
71 LaP, p. 166.
72 Boris Eichenbaum, Aufs?tze zur Théorie und Geschichte der Literatur,Francfort, 1965, p. 47.
73 LaP, p. 166.
74 Ibid., p. 167.
75 Ibid., p. 192.
76 Ibid., p. 193.
77 Ibid., p. 192 ; أنظر أيضا voir aussi AELH, p. 160.
78 Ibid., p. 240.
79 Ibid., p. 170.
80 Ibid., p. 240.
81 AELH, p. 26.
82 Ibid.
83 Gadamer, Wahrheit und Methode, op. cit., p. 273.
84 Ibid., p. 154.
85 Gadamer, op. cit., p. 255.
86 LaP, p. 233.
87 Gadamer, op. cit., p. 156.
88 Ibid., p. 274.
89 Ibid., p. 284.
90 LaP, p. 234.
91 Gadamer, op. cit., p. 282.
92 Ibid., p. 265.
93 RZW, p. 339.
94 Gadamer, op. cit., p. 279.
95 Ibid., p. 266.
96 Ibid., p. 277.
97 صرّح كادامر في حوار له بخصوص سنوات تَعَلَّمه بقوله : « ثمّ بعد ذلك درست علم الأدب – كان ذلك شيئا سيّئا بالنّسبة إليّ «. (Entretien avec Dieter Mersch et Ingeborg Breuer,Süddeutsche Zeitung, 10 février 1990).
98 «يشكّل التَّأْويل المجرّدْ من تقنيته رهانا فلسفيّا بالخصوص « (Entretien de Jacques Leأنظر حوار جاك ريدر وفيليب فوركت مع هانس جيورج كادامر Rider et Philippe Forget avec Hans-Georg Gadamer, Le Monde, 10 avril 1981).
99 Gadamer, op. cit., p. 279.
100 أنظر ملحق عالم الكتب حوار مع موريس أولاندر Le Monde des Livres (entretien avec Maurice Olender), 6 septembre 1996, et la Frankfurter Rundschau du 28 mai 1996.
سينخرط ياوس في سن السابعة عشر من عمره في جهاز فافن ا ساس في سنة 1939 وسيقود مجموعة مؤلّفة من مائة وعشرين رجل على الجبهة الشّرقية.
Jauss s’engagea à dix-sept ans dans la Waffen-SS, en 1939, et dirigea une compagnie de 120 hommes sur le front de l’Est. حوار في جريدة «عالم الكتب» الفرنسية شتنبر 6
الملحق الثقافي لجريدة « العالم «
1996
101 حوار مع الملحق الثقافي لجريدة « العالم « عالم الكتب. لايذكر ياوص فقط هيدغر، بل يذكر كذلك كادامر. أنظر :
(sur ce dernier, voir Theresa Orozco, Platonische Gewalt. Gadamers politische Hermeneutik der NS-Zeit, Hambourg, Argument, 1995 ; Isabelle Kalinowski, ?tat des gardiens et gardiens de l’?tat, Liber 30, mars 1997).
مصدر هذه المقالة هذا الرّابط الإلكتروني
Référence électronique
Isabelle Kalinowski, « Hans-Robert Jauss et l’esthétique de la réception », Revue germanique internationale [En ligne], 8 | 1997, mis en ligne le 09 septembre 2011, URL : http://rgi.revues.org/649
Auteur
Isabelle Kalinowski
Enseignante à l’Université de Paris XII
Articles du même auteur مقالات الكاتبة :
* « Voyageurs dans un paysage » Deux versions du poème « Der Wanderer » de H?lderlin (1797 et 1800) Paru dans Revue germanique internationale, 7 | 1997
* L›histoire, les fantômes et la poésie dans le Romancero
Paru dans Revue germanique internationale, 9 | 1998
* La sociologie des religions indiennes en France et en Allemagne au début du XXe siècle : Essai sur le régime des castes de Célestin Bouglé (1900-1908) etHindouisme et bouddhisme de Max Weber (1916-1917)
Paru dans Revue germanique internationale, 7 | 2008
مقالة مترجمة من طرف الأستاذ سعيد بن الهاني
1
إيزابيل كالينوفسكي ترجمة وتقديم : سعيد بن الهاني