نادية هناوي
باحثة وناقدة عراقية
لفلسفة المفكر العراقي هادي العلوي مصادر ذاتية نمّتها القراءة الثاقبة في كتب الأدب والفلسفة الإسلامية وأمهات كتب الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة ومراجعها الإغريقية والرومانية. وعلى الرغم من ذلك لم يكن هادي العلوي صنيع فلسفة معينة أو رهين اسم فليسوف بعينه. فما كان من معتنقي مذهب الشك ولا من المائلين إلى الدوغماتية ولا من الواثبين على الماركسية أو المنغلقين عليها ولا من المتأسلفين بفكر اقتصادي أو المنضوين تحت اسم تقاني مدرسي لغوي أو علمي، بل هو كيان شكَّل نفسه بنفسه تشكيلا ذاتويا بفردوية خاصة هيأتها له جملة عوامل بيولوجية وأسرية ولغوية وفقهية وبلاغية ومعرفية. وباجتماع هذه العوامل معا امتلك هادي العلوي دعامتين مهمتين بهما غدت كينونته الإنسانية (فلسفية)، وهاتان الدعامتان هما:
دعامة الموسوعية التي حصنته من الهرطقة والمشيئوية، ودعامة الطهرانية التي حصنته من الموالاة والاتباع والتكتلاتية. أما حصيلة هاتين الدعامتين -اللتين هما وليدتا العبقرية الذاتية ومكتسبات البيئة المحيطةـ فكانت أن جعلت العلوي مؤمنا بالفلسفة كطريق للتنوير والتغيير مختارا مشروعه الفلسفي الخاص والمتمثل بالاشتراكية المعلمنة أو العلمية.
ولعل أوضح تعريف لهذه الاشتراكية أنها العيش بمشاعية واقعية ليس فيها تأطير مثالي وحماسة طوباوية في ممارسة الدور النقدي في توجيه الحياة بتوازن ومساواة، بعيدا عن التهويمات والأحلام وقريبا من العلمية التي بها يُفهم الواقع المادي. وهو ما تجلى في فلسفة هادي العلوي وفي ثلاثة ميادين معرفية: الميدان الأول هو التاريخ الإسلامي عبر مدارسة ما فيه من ثورات ووقائع وما مر به من خسارات وانتكاسات، والميدان الثاني هو الفلسفة الإسلامية والاستغوار المتعمق في منجزات أعلامها بدءا من الكندي حتى ابن رشد وابن خلدون، والميدان الثالث هو الفلسفة الغربية الحديثة متمثلة بماركس وإنجلز وهيجل وريكاردو وسان سيمون وهوسرل وغيرهم.
وقبل أن نغوص في تضاعيف اشتراكية هادي العلوي العلمية علينا أولا أن نؤطر مفهوم (الاشتراكية العلمية) عند أهم الداعين إليها والمؤمنين بفاعليتها وهو روجيه غارودي. وصحيح أن علمية الاشتراكية كفكرة فلسفية تم تقعيد أبعادها من لدن كارل ماركس وتبعه كثيرون سبقوا غارودي في التنظير لها، بيد أن لغارودي إلماحة خاصة في تبنيها وطرحها فكريا، وعن ذلك يقول غارودي: (حتى لا نكوّن فكرة خاطئة وجبرية عن الاشتراكية العلمية يهم كثيرا أن تكون لدينا فكرة واضحة عما هي الحقيقة العلمية وألا نظن أنه لا منجى لنا من التشكك ومن الاصطفائية إلا أن نلوذ بعقلانية معتقدية تضع الإيديولوجية في مقابلة العلم كما كان الديكارتيون يضعون الحقيقة في مقابلة الخطأ).1
وبهذا تكون علمية الاشتراكية هي منطقيتها كمذهب فلسفي لا يخلط بين العلم والسحر، والحقيقة والوهم، والمعتقد الأيديولوجي والفكر العلمي. والأساس في ذلك كله هو الوعي (أن تكون واعيا هو أن تكون في كل لحظة منفصلا عن ذاتك لا لتعرفها فحسب بل لتبدلها أيضا وهناك إذن مفارقة للإنسانية بالقياس إلى ذاتها).2
وتجيب الاشتراكية العلمية عن أسئلة عصرنا التاريخية والحياتية ناظرة إلى الحقيقة على أنها نسبية وليست مطلقة. وهذه النظرة هي التي تضفي السمة العلمية على الاشتراكية، وتجعلها تتمتع بالموضوعية والدقة في النظر والمقايسة والتشخيص لظواهر العصر ومظاهر الواقع وبمعرفية بحثية وجهاز مفاهيمي يعيد بناء تصوراتنا إزاء أوهام واعتقادات أو قناعات أو إطلاقات نظن أنها مطلقة وحتمية بجبرية قدرية.
ومن ثم لا تكون اشتراكية غارودي العلمية كالاشتراكية الماركسية، أولا لأنها تقر بالجدلية المادية التاريخية كحراك لا كحتمية، وآخرا أنها لا ترتكن إلى الصدفة والضرورة بقدر ما تأخذ بأساليب العلم وترتاد سبله متخذة من استقراء ما هو جزئي مفتاحا لاستنتاج ما هو كلي بعيدا عن أوهام الأيديولوجيا وأضغاث أحلامها الطوباوية. ومن هذا المنطلق تغدو اشتراكية غارودي العلمية تجريبية لا ترى في (الشيوعية مثلا أعلى ينبغي للواقع أن يصوغ نفسه على نموذجه)3
إن هذه التصورات التي ينطوي عليها مفهوم الاشتراكية العلمية، تبدو جلية الوضوح كاتجاهات وأهداف في ما تمترس عليه هادي العلوي في مشروعه الفلسفي بدءا من بواكير دراساته المنشورة مطلع ستينيات القرن العشرين، وفيها أولى تنظيم الإسلام للحياة الاقتصادية ومقومات اشتراكية الإسلام اهتماما، وأكد (أننا عند النظر إلى مفهوم الاشتراكية العلمية المدنية لا يمكننا الزعم أن تلك المبادئ تؤلف في ضوء المفهوم نظاما متكاملا وناضجا للاشتراكية بعناصرها وأبعادها المعروفة في هذا العصر)4 ورأى أننا بمفهوم الاشتراكية العلمية نتجرد من الانفعالات السائبة فيكون التاريخ نقيا وصفحة البحث فيه بيضاء. وما حاد العلوي عن خطه الفلسفي هذا ولا استبدله بغيره، بل ظل مواصلا السير عليه في دراسة مسارات الفكر العربي المتشظي واقعا وتاريخا.
وبالاشتراكية العلمية اجتنب هادي العلوي الولاء لاعتقاد ما، مؤمنا أن الإنسان لا يتغير آليا وإنما التغيير يكون بالثقافة والعلم والتقنية التي بها تحل مشكلاته. ولم ير العلوي في البنيوية طريقا للاشتراكية العلمية لما فيها من مناح دوغماتية وراديكالية لا تفلح في تحليل ظواهر المجتمع العربي وتشخيص المسببات ورصد الأبعاد.
فكان أن جمع في منهجه البحثي علوم الطبيعة بعلوم الإنسان وماهى العلم بالأدب وسعى إلى التيسير في علوم اللغة. وهو في ذلك كله لا يعتمد على كتاب مثل رأس المال ولا ينحاز إلى عالم أو فيلسوف بل لا يقر بقواعد نحو أو إملاء أو إعراب إلا بما يجده مقنعا ومنطقيا فكانت له وجهات نظر خاصة طبقها في كتبه ودراساته التي كانت بعض المجلات تنشرها مع تنويه إلى أن للعلوي وجهة نظر فيها وليست اختلالات في الكتابة والتهجئة.
ولأن جل غايته هي فهم قوانين التطور الاجتماعي، هضم العلوي المراجع الفلسفية بقديمها وحديثها واستقى منها ما يخدم توجهاته في الأخلاق والجمال والاقتصاد والتربية، ناظرا إلى كينونة الفرد كجزء من كينونة المجتمع.
ولقد منحت الاشتراكية العلمية هادي العلوي ميزات وممكنات أفاد منها في تعميق أفكاره وممارسة فروضه البحثية باتجاه حل المشكلات المعرفية سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية أو أخلاقية، فكان البحث العلمي هو غاية مشروعه الاشتراكي متخذا من الفلسفة صيغة حياة برؤى موضوعية وتصورات عضوية ومستلزمات تضمنت محايثات ومفارقات متناهية وغير متناهية وبكلية تحليلية، هدف من ورائها إلى كشف شرور الاحتكار والاستعمار والاضطهاد والانتهاز.
وإذا كانت الاشتراكية قد انتقلت عبر مراحل التفكير من الطوباوية إلى العلمية فإن الذي أضافه هادي العلوي إلى هذه الاشتراكية هو الأمل الذي يعززه الحلم بإمكانية جعل مساعيه الرامية إلى بلوغ نتائج واقعية بعينها ناجعة وحقيقية بلا أوهام أو تهويمات. وهذا الأمل لم يكن له في اشتراكية غارودي العلمية مكان وهو القائل: (ليس من فن للتفكير وسط دوامة الطوفان)، غير أن اشتراكية هادي العلوي العلمية كانت متفائلة بإمكانية جعل التفكير فن التعايش مع الأزمات من أجل مواجهة صنوف من دوامات الطوفان. ولعل أوضح صور هذه التفاؤلية تتمثل في العلوي نفسه الذي بالرغم مما تحمّله من وزر النفي والاضطهاد فإنه كان متطلعا إلى التغيير، مكترثا بالكشف عن خفايا التاريخ الإسلامي في وقائعه الأليمة ومغالطاته ومسكوتاته في زمن لم يكن من السهل فيه التفلسف أو بالأحرى ما كان من قيمة لمن يتفلسف فيه أصلا.
ويأتي تفاؤل هادي العلوي بالاشتراكية العلمية من رؤيته العملية للواقع كمركز فيه الإنسان مثال لأنا معطاء وخلاقة بحواس مؤنسنة وحقيقية في وظائفها، لا يتعارض داخلها الحلم بالمثال والفن بالعمل. وبهذا التصور تكون قيمة الإنسان من قيمة المجتمع وهو ما حرص هادي العلوي على تأكيده في كثير من كتاباته.
ولقد شذّب هذا التفلسف القائم على المواجهة والاستفزاز طاقات العلوي البحثية وجعله واعيا بحركة التاريخ. وما أن اجتاز خط الشروع حتى راح يتسابق مع الزمان، متطلعا بروح برومثيوسية نحو مستقبل مجتمع يبني اشتراكيته العلمية بصيرورة حاضر خصب لا توثين فيه ولا انتهاز أو احتكار ومن دون عدوى الجبرية وعقم الشعارات الجاهزة وغير العملية. فلم ينضو في حزب ولا تكتل في مدرسة أو اتجاه، بل ظل اشتراكي المذهب علمي التوجه، لا يكترث للأيديولوجيات، محاربا على عدة جبهات جدلًا ومدارسةً. والقاسم المشترك في ذلك كله هو مواجهة الشر بإطلاقيته المريضة ودرجاته الكارثية. فرفض العلوي الحتميات والسفسطة وآمن بالتغيير والتحول، وعادى الرأسمالية ودعا إلى المشاعية وعرّى عنف البروليتاريا الأعمى وحذر من العصبيات الفئوية والحزبية.
بهذا الشكل أكسبت الاشتراكية العلمية هادي العلوي روحا منضبطة وتجردا علميا وعقلا ناقدا، لا يبرر أو يدافع وإنما يشكك من دون استكانة.
وإذا كانت المادية الماركسية فلسفة نقدية مثالية، فإن اشتراكية هادي العلوي العلمية مذهب نقدي ومنهج فلسفي لا يريد للمادية أن تكون وحدها سلوكا يوقع الأفراد في الوهم المثالي بل معها الروح الحية بوصفها سلوكا آخر لتدعيم علمية النهج الاشتراكي من دون أن تتغلغل إليه بذرة شك أو حيرة. ولا تكون العلمية متجسدة إلا كانعكاس للواقع الموضوعي بكل ظواهره ومتغيراته، ولا مناص من رفد هذا الانعكاس بالتاريخ كحركة زمان مستمر هو بحاجة دائمة إلى المراجعة كأي علم من العلوم الإنسانية.
ومنطلق هذه المراجعة هو الإنسان وفعله الخلاق المبني على تطلع ذاتي نحو تغيير الواقع. والمفارقة ما بين علمية الفعل الخلاق وحلمية التطلع إلى نتائج هذا الفعل هي التي تولد إنسانا اشتراكيا مُعَلمنا هو ليس أسطوريًا كأوليس أو طوباويًا كدون كيشوت أو شرانيًا كفاوست.
وعلى الرغم من وضوح تأثير الماركسية على هادي العلوي بمختلف مفاهيمها، فإنه لم يكن ماركسيا بالمعنى اللينيني لأنه لم يرد أن يكون مؤدلجا بها، مسؤولا عن إخفاقاتها بل كان شديد الحذر من الوقوع في براثن الانشداد لصور من صورها الأيديولوجية. ومن هنا جمع في فكره الاشتراكي بين الماركسية ونبذها، فأدان الاشتراكية حين تكون مشاعية بإفراط وأيد الماركسية حين تكون كاشفة للضلال ومؤشرة على الأصالة. فكان بذلك اشتراكيا ذا روح علمية ناقدة بعقلية ديكارتية ولاهوتية سبينوزية ومعتقدية ماركسية جدلية.
وبعبارة أدق نقول إن اشتراكية هادي العلوي العلمية لم تعادِ المادية ولا تنكرت للجدل الماركسي، فلقد اتسمت كثير من مجادلاته ومحاوراته بمياسم مستقاة من هذا الجدل وفيه وجد عزاءه من الطوباوية والشمولية والبرجوازية وكسلاح به واجه التعصب والتطرف والانغلاق والقطعانية.
أما هدف العلوي من الاشتراكية العلمية فهو التغيير في كل شيء، وأساس هذا التغيير هو التثقيف المخطط والواعي باتجاه التخلص من خطيئتين هما بمثابة تبعتين تاريخيتين؛ الأولى هي التعصب والثانية هي الانتهاز. وهاتان الخطيئتان هما ألد أعداء الاشتراكية كونهما يحولان بينها وبين تطور الوعي بها والإيمان بقدرتها على نفع الفرد والمجتمع.
ومما فرضه فكر الاشتراكية العلمية على هادي العلوي أن تعددت نماذجه في الاقتصاد أو الاجتماع أو السياسة أو الأخلاق أو الفلسفة أو الجمال. وغايته بناء صورة متقدمة لوسائل إنتاج لا تثير فوضى صدامات فئوية ومصلحية ولا تقصر في تأدية الغرض المنوط بها وهو التسيير الذاتي للحياة بديمقراطية ومركزية متسقة وموجهة نحو احترام الملكيات فردية وجماعية عبر تنمية أساليب العيش والاستثمار بعدالة ومشاعية.
ولم يتخل العلوي عن السير في هذا المضمار في كل ما كتبه ونظّر له وطبقه، فكان واقعيا وهو يخطط بعلمية، واشتراكيا وهو يوجه الأذهان نحو الإيمان بفكر حر، فيه النقد طريق ضامن للتراكم والنماء.
ولقد أوصل تمسك هادي العلوي بالاشتراكية العلمية في سبر أغوار التراث العربي بأبعاده الدينية والسياسية والاجتماعية إلى رفض الهرطقة العقائدية في فهم المشاعية كما أن انغماسه في تلقي مبادئ الماركسية أوصله إلى التفكر في وجود حاجز كبير بينها وبين التطلعات المنادية بحياة جديدة، فلم تكن الأممية مرضية لهادي العلوي كونها لا تعالج عقلية العشائرية والطائفية والسحرية والأبوية التي بها تقمع حرية الفرد باسم مصلحة المجموع.
من هنا غدت الاشتراكية العلمية هي الملاذ من الرجعية والانحطاط والاحتكار والدجل، وفيها وجد العلوي النواميس التي تمكنه من إعادة النظر إلى كل ما هو تاريخي ولغوي وديني واقتصادي وسياسي، وبانفتاح ذهني هو عبارة عن اغتناء بالنظر ومراجعة للأصول وعودة إلى الينابيع في أبسط صورها الحية والمنقرضة مع التمتع بإيمان عميق بالقدرة على الاستزادة من الفكر الحر والإنساني.
فكان هادي العلوي باشتراكيته العلمية كيانا فلسفيا بروح ليبرالية وجسد ماركسي وذهن طليعي وواعٍ لا يقبل التكتل أو الانحياز ولا يؤمن بالكفاح والاحتراب كحل نهائي، متفائلا ببناء اشتراكية خاصة يتلازم فيها انتصار الثورة باضمحلال الاحتكار، وتشيع فيها الديمقراطية وتذوي الانتهازية بشمولية مجتمعية وشعبية.
ومثلما عمد الماركسيون إلى ملازمة السياسة بالاقتصاد كذلك تذهب اشتراكية العلوي إلى هذه الملازمة وفيها أولوية للاقتصاد من دون الولاء لسلطة أو الانشداد إلى زعامة أو شعار؛ فاشتراكية العلوي أبعد من أن ترتكن إلى ميدان واحد أو تطمئن إلى نظر أو تطبيق بل هي تقوم على الاجتماع والائتلاف والتقابل بموجبات تفرضها شروط ومواضعات، كرس هادي العلوي حياته لها، في سبيل تنوير الوعي العربي وتجديد آفاق البحث في التاريخ الإسلامي وتطوير منهجياته.
ومن هنا تأتي موجبات البحث في فلسفة هادي العلوي وخصوصية ما امتلكه فكره من عبقرية وطبيعة العوامل الموضوعية التي ساعدت في الإبانة عنه.
وفيما سيأتي عرض مفصل لأهم موجبات اشتراكية هادي العلوي العلمية، وسمات كل موجب منها وما أسفر عنه من رؤى وأطروحات.
1ـ موجب استعادة
اللقاحية والمشاعية
كانت اللقاحية واحدة من الموجبات التي ساهمت في تأكيد اشتراكية هادي العلوي العلمية ولها ميادينها الخاصة في التنظير والتمثيل، وبسببها صار للعلوي معجمه القاموسي الخاص به. واللقاحية مفهوم يحمل أبعاد الاشتراكية العلمية فهو يعني عدم الخضوع لسلطة الدولة أي رفض الإذعان للمراكز، ومن ثم هو أقرب إلى مفهوم الشورى كمشروع ديمقراطي عرفته العرب في بواكير الحكم الإسلامي. ورجع العلوي إلى جذر المفهوم فوجده سريانيا، ويعني ما وراء المدينة من ضواحٍ وأرياف بعيدا عن مركز المدينة أي سكان الحواشي الذين لا يخضعون لحكم حاكم، وبذلك تتقارب مفردة اللقاحية مع مفردة البداوة التي تعني اللاسلطة، والقول (قوم لقاح) يعني أنهم لا يدينون لسلطان. ومن هنا افترض العلوي أن العرب بطبعهم لقاحيون وأن ما من درب للتحرك التاريخي باتجاه تغيير هذا الطبع سوى سلوك درب النبوات5 ومنذ بدء الدعوة الإسلامية صارت اللقاحية أسلوب حكم معناه الطاعة المشروطة في تثبيت الدعوة والخلافة وبمشاعية إسلامية (جاءت من قريب عن مجتمع الجاهلية الذي اختلطت فيه مشاعية البادية مع بدايات ملكية تجارية ورعوية)6
ورأى العلوي أن المشاعية كسلطة لقاحية بدأت تشكلها بعد الهجرة إلى يثرب، وهي سابقة على مشاعية يسوع كما تعرضها الأناجيل وكذلك مشاعية حكماء الصين القدماء لان هذه المشاعيات جاءت بصور وتجارب متباينة تولدت من جراء الصراع بين أنماط الحياة التي عاشتها قارة آسيا بينما كانت الخلافة الراشدية مثالا للحكومة اللقاحية. ووجد العلوي في خلافة علي بن أبي طالب مثالا جيدا للمشاعية كتطبيق متبادل لمبدأ اللقاحية (الطاعة المشروطة) بين الخليفة والناس7. وإذا كانت اشتراكية ماركس في رأس المال مخضبة بالدم من هامتها إلى أخمص قدميها كما يقول هادي العلوي8 فان مشاعية اللقاحية جعلت الإسلام مطاعا كسلطة مشاعية واحدة فيها تشترك آسيا تاريخيا وجغرافيا وحضاريا.
وتتضح اللقاحية كفكر اشتراكي يؤمن بالمشاعية والعمومية في تعليقات العلوي على نصوص تراثية منها نص الخليفة علي (لا تكلموني بما تكلم به الجبابرة ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به أهل البادرة ولا تخالطوني بالمصانعة.. فإني لست من نفسي بفوق أن أخطئ ولا آمن ذلك من فعلي) وعقب العلوي قائلا: (ينفي النص أن يكون صاحبه معصوما، وصدور مثل هذا القول كما يفترض توثيقنا للنص عن أول إمام معصوم عند الشيعة هو رهان على فقدان التفسير الشيعي للآية دليله الشرعي كما أنه يرفع العصمة عن أعظم إمام في الإسلام لا يبقى مثلها لشخص آخر من خليفة أو سلطان أو قائد)9 بمعنى أن اللقاحية تفترض نفي العصمة.
ولقد تراجعت اللقاحية بمعانيها الاشتراكية مع الخلافة الأموية (الملوكية) التي كانت (شبه معزولة عن محيطها الإسلامي مما ألجأها إلى التمسك بالعصبية العربية في محاولة للحصول على قاعدة لسلطتها)10
وتراجعت اللقاحية أكثر مع تعالي البيروقراطية الإسلامية في ظل الخلافة العباسية و(ساهم فيها المثقفون السياسيون ذوو الأصل الفارسي لأنهم ورثة نظام إمبراطوري راسخ الجذور في تاريخهم وكانوا قد نقلوا التراث الإداري والسياسي للساسانيين وسعوا لإدخاله في نظام الدولة العباسية )11 ومثال العلوي على هؤلاء المثقفين السياسيين ابن المقفع وكتابه (الأدب الكبير).
ومع تراجع اللقاحية كنظام اشتراكية، غدت السلطة السياسية فاعلة ولم تعد للشورى أو الديمقراطية أية أهمية. ولأن الأدباء أقرب المثقفين إلى السلطة، تفشت ظاهرة المدح بينهم وخاصة الشعراء (وسجلُ الشعراء العرب في العصور الإسلامية غير مشرف بوجه عام قياسا على الأقل بالفئات الأخرى من المثقفين، لكن قدرًا من الفعل النقدي جرى على ألسنة أدباء الإسلام قد أوصل إلينا موروثا يستحق الذكر، ويمكن التنويه ببعض ما وردنا عن شعراء كالفرزدق والكميت وبشار ودعبل والسميسر الأندلسي والمتنبي وكتاب التوحيدي والوهراني ولكل من هؤلاء مساهمة في النقد السياسي تتفاوت في أهميتها وحجمها)12
هذا على مستوى الأدب الرسمي، أما على مستوى الأدب الشعبي، فإن العلوي أشاد بكتاب (العزلة ) للبستي و(مثالب الوزيرين) للتوحيدي و(نصيحة الملوك) للماوردي ومنامات الوهراني ومقاماته ورسائله التي كرسها للنقد والتشهير. ولم يتعمق العلوي في كشف الغلالة عن الأدب الشعبي وما فيه من تركات اللقاحية وبوادر المشاعية ومياسمها التي بسببها ظل هذا الأدب كقصص وسير ورحلات ومقامات غير خاضع للمنظومة الرسمية السياسية والثقافية.
وعلل المفكر العلوي أسباب شهرة أهل العراق بكثرة العصيان والشقاق بينما كان أهل الشام معروفين بالطاعة والهدوء النسبي بأنها ظروف كل منهما، لكن دور الوعي في إثارة التمرد وتأهيل نزعة النقد والاعتراض كان واضحًا في كتابات الأدباء المنحدرين من طبقات شعبية مما لمسه العلوي في تحليلات الجاحظ المتبصرة مثلا.
وإذا كان الفلاسفة قد تجنبوا -بحسب العلوي- المجابهة السياسية مع السلطة السياسية الشمولية، فإن المعارضة الأمتن والأشد جاءت من المتصوفة، فتبلورت كخط ثقافي متمايز في غضون القرن الثاني، بينما أخذ على مفكري الشيعة اعتمادهم (التقية) أي مبدأ عدم التحرش بالسلطة. ولشيوع هذا المبدأ في دراسة تاريخ الإسلام غدا (التراث الإسلامي ذا سلطان بوأه مكانة بين تراث الحضارات القديمة، وترتب على ذلك خضوع دراسته للرقابة الحكومية وصار على الباحث أن يتوقع الاستجواب من أية وجهة نظر قد لا تعجب جهاز الشرطة)13.
إن دعوة هادي العلوي إلى استعادة المشاعية تعني ضرورة بناء نظام اشتراكي لا تمييز فيه بين الديمقراطي والشعبي، وهو ما يراه العلوي ممكنا لان (الشرقيين أقدر على إقامته بالاستناد إلى تجارب ومفاهيم الحكم الشعبي العميقة في تاريخهم وآليات الديمقراطية الانتخابية التي استحدثها الغربيون داخل تشكيلتهم الرأسمالية)14 وتجدر الإشارة إلى أن للعلوي كتابا في المشاعية نشر بعد وفاته بعنوان (مدارات صوفية- تراث الثورة المشاعية في الشرق) 1997.
2 ـ موجب رفع القداسة عن
التاريخ السياسي
اهتمام هادي العلوي بالتاريخ الإسلامي جعله صاحب نظرات خاصة فيه، ولقد شغلته لفظة التاريخ مثلما شغله منهج المؤرخين، وأشكلت عليه حركة التاريخ الزمانية كما أثارته كثيرا فلسفاته، ولم يمنعه الاعتناء برسميّه العام من النظر إلى شعبيّه والمسكوت عنه.
فأما جذر التاريخ فوجده يعود إلى أصول سامية فيها لفظة التأريخ بالهمزة تعني القمر الذي له تسلسله الزماني الحسابي. أما لفظة التاريخ بالألف فأصلها في الفصيح ورخ ثم أبدلت الواو ألفا فقالوا أرخ بينما هي ترخ في الكلام العامي عند العراقيين ومنها اشتق المصدر التاريخ. وفضل العلوي استعمال التاريخ بالألف لأنه عام على التأريخ والتئريخ الذي هو خاص وملتبس، ووجد أن العرب استعملت لفظة المؤرخ للكاتب الذي ينسق الأحداث ويحللها تحريريا، أما لفظة الإخباري فاستعملتها للذي ينقل الأخبار ويرويها شفاهيا. وأول تاريخ كتبه العرب هو السيرة النبوية وكذلك الحديث الشريف. وأقدم كتاب في التاريخ هو تاريخ اليعقوبي ثم المسعودي، وأول المطولات تاريخ الأمم والملوك للطبري ثم الكامل في التاريخ لابن الأثير ثم البداية والنهاية لابن كثير.
وأما حركة التاريخ وفلسفته فكانت لها الأولوية في مشروع هادي العلوي نظرا لما في الدراسات الإسلامية من افتقار إلى أسس التفسير العلمي السليم للتاريخ، فتولدت عن ذلك (هوة عميقة تفصل بين ظواهر التاريخ والعوامل الحقيقية الكامنة وراءها. والظواهر مرتبطة بأسبابها، وحيث تضيع العوامل المحركة للحدث تضيع معالمه وأبعاده.. وهنا مكمن القصور الذي نتهم به مناهج الدارسين في مجال التاريخ الإسلامي)15، ودعا إلى ضرورة ربط التاريخ بالمجتمع وليس بالدين، لأن الدين ليس هو المحرك للظواهر التاريخية وإنما هي العوامل الاجتماعية. ووجد العلوي أن فلسفة التاريخ متأخرة في ظهورها في الإسلام، وأن عمل المؤرخ الإسلامي اقتصر على التاريخ دون علم التاريخ إلى أن جاء ابن خلدون الذي يرجع إليه تأسيس علم الاجتماع وعلم التاريخ وإلى حد ما علم الاقتصاد16، وإذا كانت الحضارة تراكم والتاريخ متسلسل فإن التراث هو الإسلام (ونحن ورثناه، وكل نهوض وتطور يبدأ من التراث).17
وميز هادي العلوي بين المؤرخين بوصفهم مشتغلين بالتأريخ ويحترفون التوثيق وبين الرواة بوصفهم مشتغلين بالتاريخ ويحترفون الرواية، وهؤلاء هم المتهمون بالانحياز وتعمد الكذب، يقول العلوي: (ومن استقراءاتي المديدة للمصادر لم أقف إلا على القليل من حالات الكذب والتزوير عند المؤرخ بل في الحقيقة إني وجدت المؤرخ رهينة للراوية ما لم يكن المؤرخ يمارس مهمة الداعية)18، ولكنه أكد وجود دوافع الكذب في كتابة التاريخ وأن الطبقات السائدة تزيف التاريخ في مراحل تخلفها وجمودها، واستشهد بما ذكره ابن خلدون في المقدمة عن أسباب الخطأ في الرواية، ومثّل بالشيخ المفيد على المؤرخ الداعية الذي ألف في التاريخ كتبا كلها من نسج الخيال وخياله خصيب وثري19، كما ضرب بالطبري مثلا على المؤرخ الحصيف الذي تحمله معاصرته أحداث ثورة الزنج على مخالفة نهجه الموضوعي.
وعن مناهج المؤرخين في تفسير التاريخ، تحدث العلوي عن فرقتين: الفرقة الجبرية التي ترادف بين قوانين التاريخ والقضاء والقدر. والفرقة الحتمية التي تقول بالقوانين المنظمة لحركة التاريخ وأن القوانين تجري على يد الإنسان فيحركها وتحركه في تبادل ديالكتيكي يكون فيه الإنسان حاكم التاريخ والتاريخ حاكما على الإنسان وهذا هو نهج الماركسية. ولقد رفض هادي العلوي الفرقة الجبرية التي جنح إليها (بعض المتمركسين لقلة بضاعتهم من الفلسفة والتاريخانية الجبرية تزين الدكتاتورية والحتمية تجعل تمثيل التاريخ بأيدي الجماهير)20
ولأن التاريخ علم كسائر العلوم الإنسانية له فرضياته وقوانينه ولا يجوز القفز عليها أو خرقها، كان هادي العلوي شديد التقصي لخروقات المستشرقين لهذه القوانين في كتاباتهم التي (تنطلق من التفسير الرأسمالي للتاريخ.. كخليط غير منسق من الأفكار، يتعايش فيها التفكير العلمي مع الدين والمثالية والنزعات الفردية ولهذا عجز الاستشراق عن تقديم تفسير علمي لظواهر التاريخ الإسلامي مع وجود عقدة التفوق والفلسفة الفوقية)21. وأخذ على المستشرق البريطاني برنارد لويس وهو يتناول موضوع المشاعية أنه (أهمل فيه جميع النصوص والروايات والمواقف المتعلقة بمبدأ الطاعة المشروطة وتمسك بموقف فقيه حنبلي واحد أفتى بطاعة غير المشروطة، وهذه لصوصية في علم التاريخ تتمشى مع لصوصية الغربيين في ميادين التجارة والاقتصاد، فالغربيون لا يسرقون الثروات المادية فقط بل والثروات الحضارية والروحية بتزويرهم المتعمد لتاريخ الشرق وإخفاء منجزاتها الحضارية وإبداعات مثقفيها ووعي جماهيرها المتمردة دائما على الظلم والعدوان من جانب الحكام)22.
وكما أخذ على مستشرقين آخرين دهائيات تأتي في سياق تجزئتهم النظر إلى الوقائع التاريخية كذلك أخذ على المؤرخين العرب قصورهم في التخلص من هيمنة المؤسسات الرسمية عليهم، بعكس المؤرخين الغربيين الذين تخلصوا من هيمنة الكنيسة فلم يخضعوا لمبدأ القداسة في فهم التاريخ وتمكّنوا من دراسة تاريخهم المتلابس مع الكتاب المقدس بأساليب مغايرة أعطت لعلم التاريخ مكانة لم يعهدها منذ ابن خلدون. وصار في وسع الغربيين أن يفسروا تاريخهم بعيدا عن القسر الديني وبمناهج حرة تعتمد ما سماه ابن خلدون طبائع الأشياء وسماه العلوي (قوانين التاريخ)23. وبهذا الشكل خلت الساحة للمؤرخين الغربيين كي يبحثوا تاريخنا على هواهم كتاريخ غير مقدس، لكنهم ظلوا في وعيهم ينظرون إليه على أنه تاريخ العدو.
وعلى الرغم من إعجاب هادي العلوي بفكر طه حسين وما فيه من نظرات جديدة استعاد فيها فكر ابن خلدون بكتابه في الشعر الجاهلي، فإن ذلك لم يمنعه من انتقاد طه حسين (الذي هز التاريخ المقدس للمرة الأولى في عصرنا الحاضر وكان إقداما جرب فيه حظه مع الفكر الراكد في حضن اللاهوت العثماني، وقد دفع ثمنه محاكمة قضائية وفصلا من التدريس في كلية الآداب وهو ثمن بخس على أي حال بالمقارنة مع مدفوعات الفكر الحر في الغرب في القرون الوسطى وعصر النهضة.. على أن طه حسين تراجع قليلا فأصدر طبعة أخرى لكتابه الأزمة حملت عنوان (في الأدب الجاهلي) وجاءت أوسع من الطبعة الأولى وأنضج، وقد حذف منها عبارات التكذيب المباشرة للنصوص الدينية ولم يغير شيئا غيرها. وظهر لطه حسين بعد هذا الكتاب معالجات لبعض الأحداث الكبرى في صدر الإسلام يتقدمها كتابه الفتنة الكبرى، واستعان في هذه الدراسات بشيء من المنهج المادي لا يصل به إلى التمركس وإنما استدعاه مزاجه العلمي الذي تبلور في الفكر الأوربي الحديث)24
أما أعمال طه حسين التاريخية الأخرى وما فيها من اهتمام بالفريق المظلوم القريب من قضايا الجمهور وتعاطفه معه ضد الارستقراطية الإسلامية فوجد هادي العلوي في بعض منها إعاقة بتأثيرات مزدوجة من الفكر الأزهري الذي ترعرع فيه أيام الصبا ومثاليات بعض المناهج السائدة في الغرب التي جعلت إسلاميات طه حسين أدنى في صرامتها العلمية. واحتفى العلوي بكتابات عباس محمود العقاد التي ناصرت إسلاميات طه حسين في السير والعبقريات. أما ما عداها من كتابات (فسماوية لا تتآلف مع مطالب البحث في التاريخ السياسي بل كانت تجري في الوادي المقدس)25.
وبالعموم فإن الكتابة في تاريخنا السياسي كانت تجري في سياق تقدم مكبوت بضديات عديدة واستثنى العلوي طه حسين وفيصل السامر، فهما كانا الأكثر استقلالا في أعمالهما العلمية.
وإعجابه بمنهج الأخير يأتي من تأليفه كتاب (ثورة الزنج) في أواسط الخمسينيات و(باعتناء من الحزب الشيوعي، ومنهج السامر ماركسي ليبرالي مع قدر ملحوظ من الموضوعية والرصانة يعكس شخصيته العلمية والاجتماعية الرصينة وتواضعه العلمي)26.
ومن القضايا الأخرى التي ناقشها العلوي تحت موجب رفع القداسة عن التاريخ السياسي قضية تكتيك الدعوة الإسلامية من النبوة إلى السلطة وقضية السقيفة والدلالات المستخلصة من بيعة أبي بكر ومعاني الخلافة والملكية والشورى وأنظمة الحكم الدستوري اللاحقة وقضية المواقف الارستقراطية للخلفاء الراشدين وقضية السياسة الدهائية عند مؤسس الدولة الأموية والدولة العباسية.
3ـ موجب فضح الرتل الخامس الإسلامي
تعني أطروحة الرتل الخامس الإسلامي (سيكولوجية تقديم الخدمات للعدو، وتعتمد على المعادلة المختلة بين طرفين ضعيف وقوي)27 وتنمو هذه السيكولوجية مع وجود حالة التبعية بين قوة متنامية وقوة آفلة. وتتنوع طرق هذه التبعية ومنها الأحادية للسلفية المسلمة التي تجعل من الصعب وجود لغة مشتركة بين الحركات الإسلامية وحركات التحرر كما لا وجود لصيغة منشودة للتفاهم بين المؤمن والعلماني على خلفية وطنية تحفظ للفريقين حقوقا سيكتسبانها بالنضال المشترك ضد الامبريالية28.
ولعل هذا الموجب هو الأكثر استدلالا على فرادة مشروع هادي العلوي الفلسفي، فهو في كل تحليلاته وآرائه لم يكن مع اليمين المحافظ السلفي ولا مع اليسار المعارض والليبرالي مواجهًا بشكل مباشر الفكر العربي المتعصب والقمعي، مؤمنا (بأن معضلتنا هي الطائفية وهي محور الاحتراب في آسيا كلها.. وثمة عقدة خطيرة أخرى ناتجة عن الإسلام تتمثل فيما سميته وجدانًا قمعيًا للجماهير المسلمة. إن الدين بقيامه على الإيمان هو من مقومات الشخصية القمعية )29.
وبسبب هذه المواجهة الفكرية تعرضت كتب العلوي إلى المنع وصودرت من التداول في بعض البلدان العربية ككتاب (في السياسة الإسلامية- 1974) (الاغتيال السياسي في الإسلام- 1988) وكتاب (من تاريخ التعذيب في الإسلام- 1986) وكتاب (شخصيات غير قلقة في الإسلام- 1995)30
وظل هادي العلوي في كل ما كتبه في التاريخ السياسي يقدم أفكارا مغايرة، غير متقيد بمدرسة أو منظومة كأي فيلسوف مستقل يجتهد في إنشاء فلسفة خاصة، فناقش مسائل فكرية شديدة المساس بأوضاع الأنظمة الشمولية في المنطقة العربية مثل ضرورة الدولة وتدخل الدولة وتأثيرها على الشعب والخروج على الدولة أو مبدأ مقاومة الطغيان والصلة بين الدين والدولة. وهو القائل: (إن العقيدة هي شر ما يملكه أهل العلم، وهي الرقيب الداخلي الذي لا يقل سوءا عن الرقيب الرسمي والمسؤولة عن تكوين الوجدان القمعي للأفراد ومصادرة حرية الضمير)31.
في تركيز العلوي على علاقة الأخلاق بالسياسة، وجد أن السياسة تتقدم على الأخلاق بالتجسس والكذب والاغتيال والرشوة ونقض العهود، وهو ما ساهم في جعل التاريخ الإسلامي سياسيا يماشي الحكام. ومن آراء هادي العلوي حول توطد العلاقة بين السياسة والأخلاق والتي أدت إلى مظاهر كثيرة، منها الرتل الخامس الإسلامي:
ـ أن الدعوة الإسلامية لم تكتمل بالنبي وحده وإنما بالكادر القيادي ببيعة أبي بكر والخلافة والملكية.
ـ أن مرويات السيرة النبوية (ليست كافية، ذلك أن تفاصيل حياة محمد توجد في محيط واسع يضم كتب التفسير بما فيها كتب أسباب النزول ومصادر الحديث والفقه ومصادر تاريخ الأدب والمؤلفات الأدبية بما فيها كتب المنوعات والكشاكيل فضلا عن تواريخ الصحابة وهي من الفصول المكملة للسيرة ولم يتوفر حتى الآن مصدر جامع لهذا الشتات)32 وكتاب المغازي لموسى بن عقبة هو أقدم تأليف في السيرة ولم يصل ولكن الواقدي والطبري استندا إليه. ومن مؤرخي الإسلام الذين أشاد بهم العلوي لأنهم ناهضوا السلطة ابن كثير وابن طالب المكي وعبد الله بن مبارك ومعروف الكرخي وعبد القادر الجيلي.
ـ أن مؤسسي الإسلام تجار في مجموعهم وكانت المدينة التي انطلقوا منها للتأسيس قد سبقتهم إلى تصدر النشاط التجاري في العربيا33.
ـ إذا كانت الثقافة الجاهلية ثقافة أدبية بحتة وشعرية في المقام الأول، والشفوية هي مادة الثقافة الجاهلية، فإن المراحل اللاحقة جعلت الشعر يخرج عن كونه سجلا لمضامين الحياة ومبادئ المجتمع وصار أقرب إلى السلطان وداخلا في السياسة.
ـ أن الثقافة العقلية صارت أدنى تطورا من غرارها الإسلامية وتطورت الثقافة الأدبية أسرع من الثقافة العقلية مما جعل عدد الشعراء والأدباء يكثر مقابل انعدام الفلاسفة، يقول العلوي: (إنني أجد صورة المعري والبسطامي وغيرهما في جان جاك روسو وفولتير وغولبرخ ويوهانسون ولا أجدها في أدونيس أو نجيب محفوظ أو طه حسين)34
واعتداد هادي العلوي بأبي العلاء المعري جاء من كونه ضحية من ضحايا الرتل الخامس الإسلامي وكشاهد إثبات على احتضار الحضارة الإسلامية، معتبرا كتابه (زجر النابح) هو بداية العد العكسي لهذه الحضارة باتجاه المصير الفاجع الذي انتهت إليه. ووصف العلوي الكتاب بأنه (وثيقة استسلام وقعها أبو العلاء بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن التنوير الإسلامي مسجلا تراجعه عن مشروعه.. وهو يتضمن المغزى نفسه الذي تضمنته فيما بعد وثيقة تسليم غرناطة التي وقعها الأمير أبو عبد الله وتسليم بغداد الذي وقعه المعتصم.. زجر النابح وثيقة مرور من نمط تلك الوثائق التي يوقعها بعض المناضلين في لحظة ضعف تحت حراب الشرطة.. إن المتهم في هذه القضية هم مكارثيو الإسلام الذين وقفوا بمؤسستهم المطلقة الصلاحية ضد إرهاصات التطور وكان مقدرا لها لو لم تكبح أن تقود العرب إلى موقع آخر غير موقعهم الراهن. وهذا الكتاب -زجر النابح- أحد المستمسكات الجرمية ضد أولئك الناس يكشف لنا عن جريمة إرهاب ارتكبت ضد فيلسوف مكفوف أعزل طاعن في السن معدوم النصير فأرغمته على الكلام ضد قناعاته.)35
ويذهب العلوي إلى أن الرتل الخامس الإسلامي توضح بشكل بارز مع سقوط غرناطة وما تلا ذلك من تهجير وتمصير كان لصالح الإسبان، فصارت تبعية الغرناطيين ضاغطة عليهم وتمثلت في وجود استعدادات فردية لتقديم الخدمات للغالب كـ (بداية لظاهرة أبعد مدى)36 جعلت من الأندلس (القناة الأرأس لانتقال علوم الإسلام إلى أوروبا .. ولم يقتصر دور الأندلس على الترجمة، فقد وفدت إليها أعداد من الطلاب درسوا في قرطبة وغيرها وعادوا إلى بلدانهم ليشتغلوا كحملة للعلوم الإسلامية.. تمثل الأندلس بهذا الدور ظاهرة انتقال الحضارة عن طريق الاحتلال والعدوان وهذه هي شواهد قسوة التاريخ التي يمكن أن نلمسها في تفكير معلمه كارل ماركس حين تحدث عن جرائم العدوان البريطاني على الصين بإنسانية بروليتارية صافية دون أن ينسى العواقب الطيبة لهذا العدوان بالنسبة لتطور الصين المقبل)37
واستمر هذا الرتل في أداء عمله في مراحل التاريخ اللاحقة فقدم الملاح أحمد بن ماجد السعدي النجدي خدماته لأسطول فاسكو دا غاما كي يتوغل في الشرق. وقبله مسلمون وضعوا أنفسهم في خدمة المغول وصولا إلى علاقات التبعية والسلفية الشيعية في إيران والعراق.
وفي هذا الصدد يكشف العلوي في دراسته (مصائر الاستلام المعاصر- معادلات السيادة والتبعية) عما في التاريخ السياسي الحديث من تطورات الرتل الخامس الإسلامي تحت مسمى (المثقفية الإسلامية) التي فيها يتضح الفارق بين قيادة الفقيه وسلوك الجماهير، مما نجده واضحا في ثورة العشرين، وعن ذلك قال العلوي: (إن قيادة ثورة العشرين الشيعية كانت أقرب إلى هوية لاهوت التحرير الناشط اليوم في أمريكا اللاتينية منها إلى الخط السلفي المنادي بإقامة حكم ديني على أساس الشريعة)38 وفي الوقت الذي فيه كانت (السلفية الشيعية في العراق مقموعة من العثمانيين وتصدت للاحتلال البريطاني وحاربته عند دخوله البصرة واستمرت تقاومه بعد أن أتم السيطرة على البلاد).39
4ـ موجب وراثة الماركسية
والداروينية لمادية القدماء
إذا كانت فلسفة هادي العلوي بالموجبات الثلاثة آنفا تصب في باب الاقتصاد والتاريخ السياسيين، فإن هذا الموجب يجعلها تصب في باب الفلسفة الإسلامية بشكل مباشر. وهذه الفلسفة هي الميدان الذي انجذب إليه هادي العلوي وأظهر فيه تميزا ملحوظا منذ بواكير كتاباته التي كان ينشرها في مجلات عربية كالآداب ومواقف. وأول كتاب ألفه العلوي في هذه الفلسفة كان (نظرية الحركة الجوهرية عند الشيرازي)1983 وتقوم أطروحته في الفلسفة الإسلامية على فكرة أن الفلسفة الغربية الحديثة وريثة ما خلفه الفلاسفة المسلمون وآخرهم ابن رشد الذي عده (آخر من حمل بجدارة لقب فيلسوف، فلم يخلفه من المشتغلين بالفكر الفلسفي من يضاهيه في مشرق العالم الإسلامي أو في مغربه)40 واستمر النشاط الفلسفي ولم يتوقف في عصور الظلام فكان أن ظهر نصير الدين الطوسي وأثير الدين الأبهري والأيجي وطاشكبرى زادة والتهانوي والجرجاني ثم بدأت (الإمامية منذ عهد الوكلاء الأربعة المسمى عصر الغيبة الصغرى تحيط نفسها بجو فكري كثيف وتجمع حولها جمهرة من رجال الفكر من فقهاء ومفكرين وأدباء وفلكيين وشراح فلسفة، وقد اتسعت المكتبة الشيعية حتى لتكاد أن تعيد إلى الأذهان ذكرى مثيلاتها في عصور الحضرة السالفة، كما أنشئ العديد من المدارس الدينية في حواضر الشيعة المقدسة في العراق وإيران)41 وصار اهتمامهم منصبا على المنطق وعلم الكلام والفلك والرياضيات وبتسامح واضح مع الدراسات الفلسفية، فلم يفرضوا خطرا رسميا عليها (سوى التزام البقاء داخل أسوار العقيدة، وضمن هذا الالتزام تطورت العناية بالفلسفة إلى مستوى هيأ لإقامة بناء فلسفي معقد كان موجها في الأساس لخدمة عقائد الإمامية ويشار إلى هذا البناء في الكتابات المعاصرة تحت اسم فلسفة العرفان النبوي، وهي مزيج غريب ومتعدد العناصر يلتقي فيه أفلاطون وأرسطو وأفلوطين وابن سينا والسهروردي وابن عربي)42.
ومما لاحظه العلوي على فلسفة العرفان الشيعية أنها لم تأت بجديد يميزها بالأصالة ولم تكن مساهمة في تاريخ الفكر الإسلامي، بل امتازت بكونها اتباعية تلفيقية وسمتها الاتساع وخصوبة الخيال الذي يرقى إلى مستوى الشعر لكن المضمون عقيم، يقول العلوي: (وقد لا أغالي إذا قلت إنها تمثل أضعف حلقات الفلسفة في الإسلام ولعلها أن تكون أقرب إلى تمثيل روح العصور المظلمة منها إلى استعادة عناصر الإبداع في تلك الفلسفة)43
ويأتي ظهور محمد بن إبراهيم المعروف بصدر الدين الشيرازي (1573 ـ 1640 م) ويلقب أيضا بصدر المتألهين أو الملا صدرا، بداية لفلسفة تؤسس لعصر النهضة العربية44 كما يذهب العلوي. وللشيرازي أربعون مصنفا في الفلسفة والدين منها شروح على كتاب الشفاء لابن سينا، وحكمة الإشراق للسهروردي الشهيد، ووجد العلوي في هذه الكتب آراء للشيرازي في الطبيعة والمادية مقتطعة من سياقها اللاهوتي وتحتوي على بعض مبادئ الديالكتيك وحدد عناصره في منهج الشيرازي الفلسفي التي بها يواجه الإنسان العالم بعلمية مسألتين: مادة الوجود وكيفية النشأة45 وبسبب ذلك رفض الشيرازي قانون عدم التناقض وقال بالروابط الوجودية بين الأشياء التي كان قد ناقشها فلاسفة الإغريق والرومان كطاليس وبرمنيدس وزينون وهيراقلطيس وابيقوروس وانكساغوراس وأفلاطون وأرسطو والكندي وابن رشد والمعتزلة. وصب العلوي ذلك كله في شكل نظرية فلسفية مستقلة سماها نظرية (الحركة الجوهرية عند الشيرازي)، وقارن بين ما تناولته الماركسية حول قانوني الصدفة والضرورة وبين مبدأ الحركة للشيرازي كهوية ومقولة وجوهر، وبحث عن قيمها النظرية وانتهى إلى أن فلسفة الشيرازي تندرج في تراث الفكر المادي التطوري الذي انتهى إلى الداروينية والماركسية كوريث تاريخي لمنجزات الماديين القدماء46 وما جاء بعد الماركسية من طروحات ألتوسير وغارودي ونظريات توينبي في صراع الحضارات ونشوئها.
وهذا البحث في تأصيل الفكر الفلسفي بحثا عن إسلامياته واستخلاص مصادره هو ما لم يسبق هادي العلوي فيه أي مفكر عربي إسلامي معاصر، بل إن العلوي لم يجد أي مفكر عربي يصح أن يوصف بالفيلسوف، فأدونيس مثلا (من كبار مثقفي العرب المعاصرين لكنه لم يترق إلى مرتبة مثقف كوني من طراز المعري أو الحلاج، وليس في الثقافة العربية من هو في حجم أدونيس حتى نبحث فيه عن صورة المثقفية الإسلامية الذاهبة، ويخلط المثقف العربي المعاصر بين الديني والروحاني ويعتبر الإيغال في الحسية نوعا من الإلحاد يعارض به الدين)47 وأخذ على محمد أركون أنه يتبع منهجيات مدرسة الحوليات الفرنسية والمدرسة البنيوية في تفسير الظواهر الإسلامية كما أخذ على آخرين انغلاقهم على تخصصاتهم كفيصل السامر الذي تخصص في تاريخ الإسلام السياسي أو حسين مروة الذي طبق المادية التاريخية في دراسة الواقع العربي.
إن هذه المآخذ وغيرها تدلل على ان هادي العلوي يجد في فلسفة العصور الوسطى الإسلامية أساسا فكريا مهما لا قيام لأي مشروع فلسفي معاصر من دونه، وأن أي تحديث في الفكر العربي لن يكون متحققا من دون إحياء ذاك الفكر الفلسفي القديم بعيدا عن قيود الأدلجة وضيق المناهج والتخصصات. وعلى الرغم من ضلاعة هادي العلوي في علم الاقتصاد والسياسة والتاريخ والاجتماع فإنه لم يثق بها ووجد فيها تضليلا وتخريفا وذرائعية وبنيوية مغرضة وانحيازية كالمثالية والبراغماتية والتوماوية الجديدة و الداروينية الاجتماعية.
وفي ضوء هذا الموجب في ردم الهوة بين الفلسفة الإسلامية القديمة والفكر العربي المعاصر تأتي دعوته إلى:
1) تجديد منهجية الفكر الإسلامي في دراسة الاستشراق الذي يدرسه المفكرون العرب على غرار المستشرقين المتخصصين في تاريخ الشرق ومن ثم يكون الاستشراق هو نفسه علم التاريخ الغربي. ورأى أن كتاب الاستشراق لإدوارد سعيد أخفق في الوصول إلى هدفه، والسبب أن علاقة المثقف العربي بالاستشراق متزعزعة بسبب رسوخ تقاليد استشراقية في داخل وعيه الثقافي48، ومما أخذه على إدوارد سعيد أنه لم يتخط القيود المنهجية للوسط الأكاديمي الذي انتمى إليه فوقع في العمومية المضخمة حين سحب تقريراته عن الاستشراق على كارل ماركس49.
2) تيسير النحو وتسهيل تعلم اللغة واستخدام اللغات الغربية، وهو الذي وصف اللغويين الذين يحرسون اللغة بقوة الأمر والنهي بأنهم يحرسون ضريحا لا كائنا حيا وأنهم بقيامهم بهذا الدور لا بد ان ينتهوا باللغة إلى الانحسار أمام تحديات البرهة الراهنة50، وحدد مشكلات التعبير اللغوي بالعلاقة بين العامية والفصحى والفقر اللغوي وأزمة المعاجم وإشكاليات لغة العلم. وهو من دعاة التخفيف من قيود الإعراب مع إهماله في لغة الصحافة والأدب والسياسة. وعد بين العامي والفصيح سمة مشتركة بين اللغات وأن الفجوة بين العامي والفصيح حصلت بسبب الجموح الارستقراطي في تسييج لغة الكتابة والكلام بأصول وتحريمات مبالغ فيها فضلا عن آراء أخرى في تأصيل تاء التأنيث والاشتقاق والتركيب والنحت وغيرها.
3) نصرة المرأة التي تمتعت في الحضارات السامية بمكانة في التشريع والحكم، انعكست في بروز التأنيث في لغاتها التي انبثقت في مجتمعات مشاعية ما بين الهلال الخصيب والجزيرة العربية كما كانت للمرأة في الجاهلية حريتها كفرد غير محكوم بدولة غير أن لا نصيب لها في الإرث وأن كراهية الأنثى لم تتعقد إلا بتأثير حالات الغزو السائدة في المجتمع الجاهلي51 إلى أن جاء الإسلام ومنح المرأة حقوقها. وتتبع هادي العلوي الأحكام والقضايا واستشهد بنصوص ومواقف تتعلق بالمرأة العربية. وأشاد بتجربة الصين الشيوعية في تحرير المرأة.. ومما أخذه على هذه التجربة قصورها في توفير فرص الزواج للمرأة.
الهوامش
-1 ماركسية القرن العشرين، روجيه غارودي، ترجمة نزيه الحكيم (بيروت: منشورات دار الآداب ، ط3 ، 1972) ص 71
-2 المصدر السابق، ص 132
-3 المصدر السابق، ص 80
-4 نظرات في كتاب مع الإمام علي من خلال نهج البلاغة دراسة، هادي العلوي، مجلة الآداب، العدد السابع، بيروت، 1963، ص 40.
-5 محطات في التاريخ والتراث، هادي العلوي (سوريا: دار الطليعة الجديدة، ط1، 1997) ص 111
-6 فصول من تاريخ الإسلام السياسي، هادي العلوي (قبرص: مركز الأبحاث والدراسات، ط2، 1999) ص 427
-7 ينظر: محطات في التاريخ والتراث، ص 89 ـ91
-8 المصدر السابق، ص 35
-9 المصدر السابق، ص 89ـ90
-10 المصدر السابق، ص 92
-11 المصدر السابق، ص 94
-12 المصدر السابق، ص 93ـ94
-13 كيف نقف من التراث الإسلامي دراسة، هادي العلوي، مجلة مواقف، العدد 11، 1970، ص 58.
-14 محطات في التاريخ والتراث، ص 121
-15 نظرات في كتاب مع الإمام علي من خلال نهج البلاغة دراسة، ص 36
-16 ينظر: محطات في التاريخ والتراث ص 31
-17 المصدر السابق، ص 35
-18 المصدر السابق، ص 7
-19 ينظر: المصدر السابق، ص 23
-20 المصدر السابق، ص 3ـ4
-21 محاولة استشراقية دراسة، هادي العلوي، مجلة المعرفة، العدد 66، 1967، ص 129.
-22 محطات في التاريخ والتراث، ص 100
-23 فصول من تاريخ الإسلام السياسي، ص 12
-24 المصدر السابق، ص 13
-25 المصدر السابق، ص 13ـ14
-26 المصدر السابق، ص 14
-27 محطات في التاريخ والتراث، ص 239
-28 ينظر: المصدر السابق، ص 278
-29 فصول من تاريخ الإسلام السياسي، ص 421 ـ422
-30 يقول العلوي: (شن رجال الدين الشيعة حملات مركزة على الكتاب الأول الذي صدر قبل هجرتي الاضطرارية من العراق وعقد خطباء الحسينيات مجالس مطولة للرد عليه وأشاع أتباع بعض الشيوخ أنهم قتلوني) المصدر السابق، ص 17
-31 المصدر السابق، ص 20
-32 محطات في التاريخ والتراث، ص 204
-33 ينظر: المصدر السابق، ص 270 ويطلق هادي العلوي اسم العربيا على شبه الجزيرة العربية وتحديدا نجد والحجاز .
-34 المصدر السابق، ص 140
-35 أبو العلاء المعري: مذنب أم بريء؟ دراسة، هادي العلوي، مجلة الكرمل، العدد 12، فلسطين، 1984، ص44ـ45.
-36 محطات في التاريخ والتراث، ص 241
-37 المصدر السابق، 226
-38 المصدر السابق، ص 259.
-39 المصدر السابق، ص 257. يقول العلوي: (توجت السلفية الشيعية هذا التصدي بثورة العشرين المسلحة وقد انهزمت أمام جيش الاحتلال المتفوق عليها بالعدة والتنظيم ولكن بعد أن اضطرته إلى الانسحاب وإقامة حكم محلي لدولة مستقلة شكليا) المصدر السابق، ص 257
-40 نظرية الحركة الجوهرية عند الشيرازي، هادي العلوي (لبنان: دار المدى للثقافة والفنون، ط2 ، 2007) ص 29
-41 المصدر السابق، ص 30ـ31
-42 المصدر السابق، ص 31
-43 المصدر السابق، ص 32
-44 ينظر: هادي العلوي حوار الحاضر والمستقبل، إعداد خالد سليمان وحيدر جواد (دمشق: دار الطليعة الجديدة، ط1، 1999.)
-45 ينظر: المصدر السابق، ص 41 ـ42
-46 ينظر: المصدر السابق، ص 166
-47 محطات في التاريخ والتراث، ص 14
-48 ينظر: الفكر العربي الإسلامي- ضرورة التجديد المنهجي- دراسة، هادي العلوي، مجلة مواقف، العدد 63 ، 1989.
-49 ينظر: الاستشراق عاريا- دراسة، هادي العلوي، مجلة الكرمل، العدد الأول، 1985.
-50 ينظر: المعجم اللغوي الجديد- المقدمة، هادي العلوي (سورية: دار الحوار للنشر، ط1، 1983) ص 5.
-51 ينظر: فصول عن المرأة، هادي العلوي (بيروت: دار الكنوز الأدبية، ط1، 1996)ص 18.