هل يمكننا أن نتصور فضاء دون مادة وأن ننسب إليه وجودا موضوعيا؟ لقد أقرّ «نيوتن» ذلك مميزا بين فضاء مطلق وفضاء نسبي يرتبط بهذا الجسم أو ذلك منظورا إليه كإحداثية Référentiel، ومقدّما دليلا فيزيائيا لإسناد هذا التمييز. ولقد واجهت فكرة الفضاء المطلق النيوتنية في البداية اعتراضات «لايبتنز» Leibniz و«باركلاي» Berkeley. فحسب لايبتنز، تتناقض النزعة الإطلاقية مع مبدأ العلة الكافية Principe de la raison suffisante ومن ثمة فإنها تتناقض مع المقتضيات الخاصة للعقلانية. أما «باركلاي» فإنه يرفضها على أساس مفترضات تجريبيةEmpirique وإسمية. Nominaliste فعبارة «الفضاء المطلق» هي عبارة جوفاء ودون معنى طالما أنها لا تحيل إلى شيء على صعيد التجربة الواقعية. ومن ثمّة يكون كُلّ من «لايبتنز» و«باركلاي» قد توصّلا عبر سبل تبدو متناقضة ظاهريا إلى نفس النتائج، ألا وهي أنه لا وجود لفضاء خارج العلاقات بين الأشياء. فمثل هذا الفضاء ليس له سوى وجود مثالي.
وتمتحن هذه الدراسة بالتتالي المذهب النيوتني ثم عمليات النقد التي وُجّهت إليه بالانطلاق من زاوية نظر علائقية Relationniste، حيث يهدف هذا الامتحان إلى بيان مدى مشروعية ذلك النقد في إطار الرؤية «الكلاسيكية».
النزعة الإطلاقية النيوتنية :
لقد كان نيوتن مقتنعا بأن الطبيعة تتضمن نظاما ما1: فهو لا يرى في قوانين الفيزياء مجرد أدوات للتوقع والمراقبة، بل يرى فيها ما سيسميه «منتسكيو» Montesquieu فيما بعد بـ»العلاقات الضرورية النابعة من طبيعة الأشياء»(2). فالعالم في نظره يتمتع ببنية موضوعية وثابتة: هي موضوعية، من حيث أنها لا تتأتى من نظام فكرنا ولا من زوايا النظر التي يمكن لملاحظ ما أن يتخذها بالانطلاق من موقع محدد. ثم إنها غير قابلة للتغير، لأنها مادامت تشكّل الشرط الصوري لكل الظواهر الذي لا مجال في غيابه لتغير توجهه قوانين محدّدة، فإنها تكون هي نفسها في حلّ من كل تغيّر. ولكي نتعرّف على هذه البنية الثابتة Immuable، لا بد من تمييزها عمّا في تمثّلنا يكون متصلا بالشروط الخاصة لتجاربنا المحلّية Locale . إذ تظل هذه التجارب تجارب ملاحظ مرتبط بفضاء متحرّك، لأنه فضاء مرتبط بالأرض ومن ثمّة بدوران الأرض حول محورها وحول الشمس. ولهذا السبب بالذات يتوجب التمييز بين فضاء نسبيEspace relatif ، زمان نسبىTemps relatif ، وحركة نسبية Mouvement relatif من جهة، وفضاء مطلق Espace absoluوزمان مطلق Temps absolu وحركة مطلقة Mouvement absolu من جهة أخرى.علما بأن هذه الحدود الثانية هي وحدها التي تشكل بنية العالم.
ولكن بأي معنى يمكننا الحديث عن زمان مطلق؟ ان ما يعنيه نيوتن بذلك هو الزمان الذي يفترض في قيسه أن يكون مستقلا عن الإحداثية التي تتم فيها هذه العملية: فلنفترض مثلا إحداثيتين اثنتين هما R وR’ ، وأن مصدريهماO وO’ قد تزامنا عند التوقيتto=O ، فانه إذا لوحظ حدث ما في R عند التوقيت t ، سيلاحظ الحدث نفسه في R’ في التوقيت t’=t. يُفترض في الزمان المطلق من جهة أخرى أن يكون منتظما Uniforme، أي أن ينساب باستمرار على نفس الوتيرة، وذلك خلافا للزمان المعيش Vécu. وبهذا الوجه، فإنه بالرغم من أنّ «نيوتن» يسميه ديمومة Durée ويجعل منه سيلا متواصلا Flux continuel، فإن ما يعنيه بذلك هو نقيض ما سيعنيه «برغسون» Bergson فيما بعد بنفس التسمية.
ولكن لماذا زمان منتظم؟ هذه الخاصية هي في الحقيقة لازمة عن مبدأ العطالة Principe d’inertie الذي يكون بموجبه الجسم الذي لا يتفاعل مع بقية الكون جسما عديم التسارع، أي أنه يكون إما ساكنا وإما متنقلا وفق حركة منتظمةMouvement uniforme . ولنفترض أنV ⃗ هي سرعة هذا الجسم (التي يمكن ان تكون منعدمة)،فان مبدأ العطالة يعني أن:
VT,(dv) ⃗/dt=0 ⃗
تكون سرعة المتحرك ثابتة Constante من جهة المقدار Grandeur ومن جهة الاتجاه Direction بوجه تتلاءم فيه أزمنة متساوية مع النقاط التي يقع عبورها بالتالي. فاذا كانت s هي المسافة المقطوعة، فإنه يمكننا أن نكتب بصفة اعتباطية dt/ds=cte أو ds/dt=cte. نحن نقف هنا على هذا الامتداد بالزمان Spatialisation du temps الذي سيعتقد «برغسون» فيما بعد أنه قادر بموجبه على إزاحة التداخل بين حقيقتين غريبتين الواحدة عن الأخرى. وبالتالي فإنّ انتظام الزمان – أي تلك الخاصية التي تجعله منسابا دائما علي نفس الوتيرة – يشكّل الشرط الذي لن يكون لمبدأ العطالة أية قيمة موضوعية في غيابه (علي الأقل في حدود الميكانيكا الكلاسكية). وفيما يشبه المفارقة، يكون هذا الزمان المنتظم الذي يمثل الشرط الصوري للتغير، زمانا أزليّا طالما أن إيقاعه ليس عرضة لأي تحوير. وهو ما يعني أن التغيّر الذي يجعله هذا الزمان ممكنا يجب أن يكون قابلا هو نفسه لأن يكون «تغيّرا دون تغيّر»(3). « Changement sans changement » ، أي حركة ليست في حقيقة الأمر بالحركة Un mouvement qui n’en est pas un ، بمعنى حالة état – أي تلك الوضعية التي يستقر عليها الجسم الذي يكون في حلّ من تأثير القوى الخارحية عليه.
يبدو مفهوم الفضاء المطلق للوهلة الأولى أكثر قابلية للفهم: فطالما أننا نستطيع أن نسمّيَ نسبيا ذلك الفضاء الذي تظلّ نقاطه ثابتة بالنظر إلى إحداثية ما تكون هي نفسها متحرّكة، فان الفضاء المطلق هو خلافا لذلك مجموع النقاط التي تظلّ ثابتة بإطلاق، بمعنى «مواضع مطلقة» « Lieux absolus » (4) أو قل أمكنة فارغة تكون مماهية لذاتها دائما. «فهُوَ هُوَ وثَابتً باستمرار»(5): هو ثابت لأنه لا وجود لشيء آخر(حيث وقع استعباد الأجسام) يمكنه أن يتحرك بالنظر إليه. وهو «هُوَ هُوَ», Similaire لأن العلاقات الموجودة بين النقاط التي تشكله هي علاقات لا تتغير. وبالفعل فإننا لا نرى كيف يمكن للمسافة الفاصلة بين نقطتين معينتين A وB أن تطول أو تقصر دون أن تكون هاتان النقطتان منتميتان إلي فضائين نسبيين متمايزين بدلا من انتمائهما إلى ذات الفضاء.
في إطار هذه الرؤية، تكون الحركة المطلقة هي مرور متحرّك ما من موضع ما مطلق إلى موضع آخر مطلق، خلافا للحركة النسبية التي تتحدد بالنظر إلى مرجعية معينة، والتي يمكنها أن تكون مجرد حركة ظاهرية Mouvement apparent . قد يبدو من الغريب هنا ان نضع الحركة المطلقة ضمن الشروط الصورية التي تحدد البنية الأزلية Immuable للعالم. إلا أن الحركة المطلقة هي إما حركة عطالية Mouvement inertiel ، بمعنى حالة، وإما حركة متسارعة Mouvement accéléré ، وفى هذه الحالة يجب أن تشكّل ظاهرة يمكن التعرّف عليها في كلّ الإحداثيات وأن تكون قوانينها قابلة للتحديد من قبل كل ملاحظ يتمتّع بملكة العقل. (سنعود الى هذه النقطة بأكثر دقة لاحقا عند استعراض وشرح تجربة السطل).
ومقارنة بالزمان المطلق والحركة المطلقة، يشغل مفهوم الفضاء المطلق مكانة متميزة. إنه الحامل الثابت Substrat permanent لكلّ الظواهر الفيزيائية باعتباره وسطا ثابتا وكونيا ومعقولا تماما. فمن حيث هو فضاء هندسيّ، فإنّه لن يمثّل سوى مجموعة من المواضع الفارغة والثابتة، ولن يكون مجموعا من الأجسام المترابطة وفق علاقات اعتباطية ولا يتوقف عن التنقل هنا وهناك دون وجهة محددة. فوصفه بأنه مطلق هو إذن إثبات لعدم قابليته للتغير بما هو حامل Support فارغ للتغيّر ولذلك التغير الخاضع لقوانين. ولكنه أيضا إثبات لواقعيته، بمعنى لوجوده خارج الفكر Existence extra-mentale.
ولكن هذا المفهوم الذي يبدو للوهلة الأولى الأكثر قابلية للفهم والأكثر ضرورة [للعلم] في الوقت نفسه، هو رغم ذلك الأكثر غموضا وإشكالا. فكل فضاء نسبي هو فضاء قابل للملاحظة بمعنى ما، لأنه مرتبط بمواضيع فيزيائية مشدودة إلي بعض نقاطه. أما الفضاء المطلق فهو خلافا لذلك فضاء لا تتسنى ملاحظته اطلاقا. وهو من جهة أخرى لا مادّي Immatériel باعتباره متميزا عن الأجسام، لكن دون أن يكون متعاليا Transcendant . انه يتميز بالوضع الغريب لكائن ليس بالموضوع الفيزيائي ولا هو كذلك بالموضوع الميتافيزيقي، رغم كونه يمثل شرطا لكل حقيقة فيزيائية بشكل عام: انه لا-وجود Non-être تقريبا، أو قل هو شبح Fantôme ، ولكن لا شيء في غيابه يكون قابلا للملاحظة.
غير أننا بتأملنا لهذا الأمر عن قرب سندرك انه لا حاجة لهذا المفهوم اطلاقا بالنسبة إلي المكانيكا الكلاسيكية. فإن كان التحديد التجريبي(6) Empirique لموقع شيء ما تحديدا نسبيا دائما وليس مطلقا، فلا حاجة أبدا في المقابل إلى معرفة موقع شيء ما في الفضاء المطلق للقيام بوصف حالة فيزيائية معينة أو تفسيرها تفسيرا ميكانيكيا.
ووفقا لمثال ل»ر. ب. أنجل» R .B .Agel7 فإنه سواء كانت رقعة الشطرنج في غرفة النوم او في قاعة الجلوس، فإن الحقيقة تبقى دائما هي هجوم الملكة السوداء على الملك الأبيض. أي أنه يتسنّى وصف تقلّبات اللعبة ومراحلها باستخدام نفس العبارات والاحالات سواء جرت المقابلة في لندن أو في روما أو في باريس. وبالتالي فانه بعيدا أن تكون نسبيّة الموقع عائقا أمام المعرفة الموضوعية، فإنها تشكّل في المقابل أمرا يمكن استثماره من اجل بلوغ هذه الموضوعية نفسها، وذلك عبر صياغة قوانين الطبيعة في لغة لا تعير الاهتمام لمسألة تحديد مواقع الاجسام.
يعني ذلك أن واقعية الفضاء المطلق تظل في حاجة الى الإثبات. وطالما أن قوانين الميكانيكا الكلاسيكية قابلة للتلاؤم في نفس الوقت مع النزعة الإطلاقية النيوطنية ومع وجهة النظر المقابلة التي تقرّ بأن الفضاء يتلاشى داخل العلاقات بين الأجسام، فإن هذا الاثبات يتّصل في حقيقة الأمر بالتأمل الفلسفي أكثر مما هو يتعلّق بالفيزياء في حد ذاتها. ولكن فضلا عن أنّ فيزياء القرن السابع عشر كانت تُسمَّى آنذاك فلسفة طيبعية Philosophie naturelle، فإنه يُفترض أن وجهة نظر «نيوتن» كانت تبدو له وجهة النظر الوحيدة التي تنسجم مع الإقرار الرّاسخ بأن الطبيعية تخضع لقوانين. ومهما يكن من الأمر فٌإن الدليل الذي حاول «نيوتن» بواسطته أن يثبت موضوعية الفضاء المطلق هو دليل فيزيائي.
يتجلى لنا كلّ من الفضاء والزمان من خلال ملاحظة الحركة. لذلك سوف يكون التسليم بحقيقة الفضاء المطلق في حدّ ذاته دليلا على بداهة الحركة المطلقة. والحركات نوعان: حركات عطالية Mouvements inertiels وحركات متسارعة Mouvements accèlèrés. ولكن يمكن أن نردّ كل حركة عطالية في احداثية معيّنة الى حالة سكون، إذ هي حركة ليست في حقيقة الأمر حركة. ولكن لا يمكن للحركة المتسارعة أن تتجلى بدورها بمثابة سكون – في احداثية تكون هي نفسها متسارعة – إلّا إذا تجلى هذا التسارع الثانى بوجه ما. فعند تسارع أو فرملة حافلة تنقل الركاب مثلا، يفقد الركّاب الواقفون توازنهم…، وهو ما يؤكّد، فيما يبدو، الحضور الحينيّ Présence momentanée والمحلّي Locale لقوة العطالة Force d’inertie ، أي حضور مقاومة في الجسم للتغيّر في حال état سكونه أو حركته. ومن ثمّة فإن الموضع الذي يجب ان نبحث فيه عن حجة وجود الحركات المطلقة هو امتحان الحركة المتسارعة.
ان تسارع الحركة Mouvement هو مقدار التغيّر في سرعتها Vitesse واتجاهها Direction . وبهذا الوجه فان أفضل تمثيل للحركة المتسارعة هو مثال الدوران Rotation حول مِحْوَرٍ ما، حيث يحدث تغيرٌ مستمرّ في اتجاه السرعة.
ولكن كيف يتسني لنا ان نتميز بين دوران مطلق Rotation absolueودوران نسبي Rotation relatif يتحدد فقط بالنظر الى نسق احداثية يكون هو نفسه متحركا؟ إن هذا التمييز هو ما يقدّمه «نيوتن» من خلال عرضه الدقيق لتجربة السطل:
«إذا حركتنا على الدائرة سطلا مشدودا إلى حبل إلى أن يصبح هذا الحبل من فرط التوائه غير قابل للانثناء، وإذا ما وضعنا بعد ذلك، أي بعد تركهما يتخذان حالة السكون، في هذا السطل ماءً وتركنا للحبل حرية التخلّص من الالتواء، فإن السطل سيكتسب بفضل ذلك حركة ستدوم طويلا. وفي بداية هذه الحركة سيبقى سطح الماء الذي في السطل مُسْتَوِيًا تماما مثلما كان قبل تخلص الحبل من الالتواء. ولكن فيما بعد، ومع مرور حركة السطل شيئا فشيئا إلى الماء الذي يوجد فيه، فإن هذا الماء سيأخذ في الدوران والارتفاع فى اتجاه أطراف السطل حيث سيصبح مقعّرا Concave مثلما كنت قد أثبت ذلك. وبزيادة حركته ترتفع أطرافه أكثر فأكثر إلى غاية اكتمال دوراته في أزمنة مساوية لتلك التي يُجْرِي فيها السطل دورةً كاملةً. سيكون الماء عندئذ في سكون نسبي بالنظر الى السطل. يدلّ اتجاه الماء نحو أطراف السطل على الجهد الذي يقوم به من أجل الابتعاد عن مركز حركته. ويمكننا بالانطلاق من هذا الجهد أن نعرف وأن نقيس الحركة الدائرية الحقيقية والمطلقة لهذا الماء والتي تتناقض تماما مع حركته النسبية. ففي البداية، عندما كانت الحركة النسبية للماء في السطل هي الأكبر، لم تُثِرْ هذه الحركة فيه أي جهد للابتعاد عن محور حركته، حيث أنّ الماء لم يرتفع نحو أطراف السطل بل ظل مستويا. وهو ما يعني أنه لم تكن له بعدُ حركة دائرية حقيقية ومطلقة. أمّا عندما نَقُصَتْ حركة الماء فيما بعد، فإن ارتفاعه نحو أطراف السطل يدل على الجهد الذى قام به من أجل الابتعاد عن محور حركته. يدلّ هذا الجهد الذي كان يتزايد باستمرار على تزايد حركته الدائرية الحقيقية. وأخيرا، كانت هذه الحركة الدائرية الحقيقية هي الحركة الأكبر عندما صار الماء في سكون نسبي بالنظر إلى السطل. أي أن الجهد الذي كان الماء يقوم به من أجل الابتعاد عن محور حركته لم يكن متأتيا البتة من نقلته Translation بجوار الاجسام المحيطة به، وهو ما يثبت أنّ الحركة الدائرية الحقيقية لا يمكن ان تتحدد بفضل مثل هذه التنقّلات»(8).
أي معنى يمكننا حمله على هذا الدليل؟ فالحركة النسبية للماء داخل السطل لا تنتج أيّ أثر ديناميكي، في حين أن السكون النسبي للماء يتجلّى بفضل أثر ديناميكي يبرز أكثر فأكثر بقدر ما يكون هذا السكون أكثر جلاء. هذا الأثر هو ارتفاع الماء على مدى التجويف الداخلى للسطل.
إذا أردنا أن نقف على معنى وقيمة هذا الدليل النيوتني، يجب علينا أن نتذكر المعادلة الأساسية للديناميكا La relation fondamentale de la dynamique والتي تُعَرّفُ القوّةَ على أنها حاصل ضرب الكتلة Masse في التسارع، وأن نأخذ بعين الاعتبار الشكل الذي يتخذه هذا التسارع في حالة الحركة الدائرية (أو بصفة –عامة الحركة المنحنية Mouvement curviligne ) التي تُمثّلُ الحركةُ الدائريةُ حالةً جزئيةً منها وتُمَثّلُ الحركةُ المستقيمةُ حدَّها الأقصى). فهذه الحركة تنقسم إلى مركّب يُسمّى مركّبا تمَاسّيّا Composante tangentielle لأنه يقع على الخط المُمَاسّ لمسار المُتحرك، و آخر يُدعي عاديا Composante normale لأنّه يكون عموديا بالنظر إلى المركب التماسّي ومُتجها نحو تجويف المسار. ولكلٍّ من هذين المُركّبين دلالة فيزيائية محدّدة. فالتسارع هو بوجه عام مقدار تغيّر السرعةTaux de changement de vitesse ، انه مشتقة السّرعة Dérivée de la vitesse بالنظر إلى الزمن: يتناسب التسارع التماسّي مع تغيّر في مقدار السرعة، في حين يتناسب التسارع العادي مع تغير في اتجاه السرعة. مما يعني أن الحركة المستقيمة ذات التسارع المنتظم Uniformement accéléré هي تلك التي يكون فيها التسارع التماسّي ثابتة Constante موجبة تماما، وهي تلك التي يكون فيها التسارع العادي منعدما: وعلى النقيض من ذلك فان حركة الدوران المنتظم هي تلك التى يكون فيها التسارع التماسي منعدما Accélération nulle والتسارع العادي الثابت قائما (Accélération non nulle).
وفي التجربة التي وصفها نيوتن يكون السكون النسبي للماء مصحوبا ببروز قوة نابذة Force centrifuge في صورة ارتفاع للماء على مدى السطح الداخلي للسطل. وتُفَسَّرُ هذه القوّة النابذة على أنها رد فعل ضد قوة جاذبة نحو المركز Force centripète تتمركز في المحور المثالي الذي يدور حوله السطل. وإذا قلنا قوة جاذبة نحو المركز فان ذلك يعني تسارعا نحو المركز، وبالتالي تسارعا عاديا في هذه الحالة.
ولكن لماذا يرى نيوتن في هذا التسارع تسارعا مطلقا وليس نسبيا؟ لأن بيان هذا التسارع بوضوح لا يحتاج إلى الاحداثية التي تدرس فيها هذه الظاهرة. فهذا التسارع بادٍ للعيان في احداثية الأرض التي يدور الماء بالنسبة إليها في نفس الوقت الذي يدور فيه السطل بوجه يتمّ فيه تغيير اتجاه سرعته النسبية باطراد. ولنفترض الآن أن هذه الحركة تُفحص بالانطلاق من احداثيةٍ دائرةٍ متصلة بإحدى هباءات molécule الماء، أي لنفترض أنها تُفحص من وجهة نظر ملاحظ ذي حجم ميكروسكوبي تكون حركة هذه الهباءة قد جرفته معها. هذا الملاحظ، سيغمره الشعور بعد قسط من الزمن بأنه قد قُذف به وأُلصِقَ على الجانب الداخلي من السطل. وإذا كان هذا الملاحظ فزيائيا فلن يتأخر في التفطّن إلى أن ردّ فعلٍ نابذٍ ضدّ قوةٍ جاذبةٍ نحو المركز يأخذه بعيدا عن المحور المركزي للسطل، وسيجد نفسه منساقا بصفة غير مباشرة إلى نفس الاستنتاجات التي يصل إليها الملاحظ الأرضي (ماكروسكوبي) : ألا وهي أن احداثيّته الخاصة هي بصدد التحرّك على الدائرة، الأمر الذي يدلّ على وجود تسارع عادي(9).
وفي مقابل ذلك، لم يكن ممكنا الحصول على نفس الاستنتاج بصفة مشروعة في الاحداثية المتصلة بهباءة الماء قبل أن يندفع الماء إلى التحرك مع السطل لأن الملاحظ الذي يوجد على هذه الهباءة لن يستطيع حينئذ قياس أي أثر ديناميكي يخوّل له الاقرار بدوران احداثيته. فالحركة النسبية للماء بالنظر الى السطل (حينما لم ينسق الماء بعدُ مع دوران السطل)لا تتجلى كحركة إلا في بعض الاحداثيات (الاحداثية الدائرة المتصلة بالسطل مثلا) وليس في كلها.
إن إقرار «نيوتن» لبداهة تسارعٍ مستقلٍّ عن الاحداثية المختارة يسمح له باستنتاج وجود تسارعات مطلقة. وإذا قلنا تسارعات مطلقة فإن ذلك يعني حركة مطلقة، ومن ثمة فضاء مطلقا.
لقد جعل «نيوتن» من الفضاء حقيقة فيزيائية باعتباره وعاء للأجسام: وبهذا المعنى فان سعيه إلى إقرار هذه الحقيقة بواسطة دليل فيزيائي (أي ديناميكي) كان مشروعا. ولكن هذا الصنف من الأدلة له وجهان: فإذ اكان يقدم الفضاء عبر ملاحظة حركات الأجسام، فكيف له أن يبين وجود كائن مستقل عن الأجسام أو «بدون علاقة مع الأشياء الخارجية»؟(10). يجب إذن بيان وجود الفضاء المطلق حتى إذا ما لم يكن فيه أي موضوع مادي –وهو ما اعترض كلّ من «لا يبتنز» و»باركلاي» على امكان القول به.
النزعة العلائقية لدى لايبتنز :
في الميكانيكا الكلاسيكية، تظلّ المسافةُ الفاصلةُ بين نقطتين مادّيتين في لحظة معينة ثابتة بتغير الاحداثيات. وهو ما يفترض كون الفضاء الفيزيائي إقليديّاEspace euclidien ، بمعنى متجانس homogène ومتماثل Isotrope ولامتناهٍ Infini. وتتجلى النتائج الفيزيائية لهذه الخصائص بشكل واضح على صعيد مبدأ العطالة Principe d’inertie. فإذا افترضنا نقطة مادية لا تفاعل لها مع بقية الكون و تكون متحركة وفق السرعة . v ⃗ فإن هذا المبدأ يعلن أن المشتقة (dv) ⃗/dt مساويةً للمُوجِّهِ عديم التسارع Vecteur Nul. ويدلّ تجانس Homogénéité الفضاء على أن هذا التساوي يمكن اثباته مهما كان وضع المتحرّك Mobile (تكافؤ كل نقاط الفضاء Equivalence de tous les points de l’espace). أما التماثل Isotropie فيدل على انطباق هذه العلاقة على كل سرعة v ⃗، أي مهما كان الاتجاه الذي يسير فيه المتحرك (تكافؤ كلّ الاتجاهات). ثم إن اللانهائية L’infinité تتأتى منطقيا من هاتين الخاصيتين:إذ أن الخط المستقيم الذي يستغرقه المتحرك يجب أن يكون قابلا لمدِّهِ بصفة لا محددة.
ولكن هذه الدلالات الفيزيائية لبنية الفضاء الإقليدي لا تظهر إلا عندما نأخذ هذا الفضاء في علاقته بأجسامٍ، حتى وإن أُخِذت هذه الأجسام في صورة نقاط ماديةّ. فخارج هذه العلاقة يرتد الفضاء إلى مجموع من العناصر متماهية كيفيا، لا تختلف فيما بينها إلا بمواضع بعضها بالنظر الى البعض الآخر. ولكن يظلّ من الصعب أن نتمثل ما عساه يعني هذا التنوّع في فضاء إقليدي. فلنفترض مثلا نقطتين اعتباطيّتين A وB :
A.
B.
يمكنني بالمناسبة أن أقرر أن A أعلى من B وعلى يسارها.غير أنني لا آخذ هنا بعين الاعتبار سوى قسم من الفضاء هو الذي تشغله هذه الورقة اطار الكتابة التي أنظر إليها في علاقتها بالمرجع الذي يمثّله جسمي . فكيف يمكنني أن أُميّز هاتين النقطتين في فضاء لا متناهٍ؟ إنني لا أعرف عن ذلك شيئا سوى أنهما نقطتان ضمن المجموع اللامتناهي للنقاط(11).
يبدو إذن أنه ليس لتنوع نقاط الفضاء من معنى إلا بالنظر إلى احداثية ما أي بالنظر الى جسم صلب لا يمكن تغييره :ولكن الفضاء المطلق قد تم تعريفه بالتحديد على أنه كائن مستقل جوهريا عن الأجسام .
سيكون الاستنجاد بمجرد نسق من المحاور Système d’axes يقع اختياره اعتباطيا – وليس الاستنجاد بإحداثية – عملا اعتباطيا لا فائدة منه. ذلك أنه حتى يكون لتحديد هذا المرجعRepère معنى مطلق يجب فقط أن تتوفر لدينا نقطة محددة يكون للمرجع بالنسبة إليها وضعية محددة. وفضلا عن ذلك فان المرجع لا يفعل شيئا سوى أنه يرمز إلى زاوية النظر التي تُتخذ في العالم التجريبي من قبل ملاحظ ما، أو قل هو يصوّر لنا احداثية ممكنة.
ليس لتنوع النقاط من معنى واضح إلا بالنظر إلى نسق فيزيائي مما يدل على أن عبارة «الفضاء المطلق» ليست لها دلالة فيزيائية.
ولكن لماذا لا نرى منذ البداية في الفضاء الفيزيائي كائنا لا يتجسد واقعيا إلا بفضل علاقات فعلية بين أجسام، ولا نرى في الفضاء الفارغ بناءً ذهنيا، بمعنى كائن ليس له إلا وجود مثالي؟
هي ذي الأطروحة التي انطلق منها «لايبتنز» لمعارضة النزعة الاطلاقية النيوتنية وكل نظرية تجعل من الفضاء حقيقة جوهرية .
ففي مراسلة مع «كلارك» Clarke، يعلن «لا يبتنز» عن جملة من الاعتراضات ضد «نيوتن» يؤسسها – ضمنيا على الأقل – على الهندسة التي اقتضتها الميكانيكا الكلاسيكية. ويمكن تلخيص هذه الاعتراضات بالطريقة التالية:
«إن الفضاء شيء مطلق الانتظام، وفي غياب الأشياء الموضوعة فيه لا تختلف نقطة من نقاطه في شيء عن نقطة أخرى من نقاطه»(12) .
من المشروع القول إن الفضاء الفارغ هو مجموعة من النقاط غير القابلة للتمييز Indiscernables : فهذه النقاط هي عناصر لا تختلف عن بعضها إلا إذا اكتسبت محمولات Prédicats متمايزة، بمعنى إلّا إذا ما أُخذت من زاوية أخرى عدا فكرة أنها تنتمي إلى نفس المجموع Ensemble أي إلى الفضاء المتجانس واللامتناهي للهندسة الإقليدية. ثمّ إنه باعتبارها قابلة للمناقلة فيما بينهما Permutables ، فإنها ستكون متماثلة .Identiques وينتج عن هذا التماهي كون الفضاء ليس شيئا في حدّ ذاته عدا أنه تصور فارغ لا موضوع له.
لكن فضلا عن التلميح الضّمني إلي البنية الإقليدية للفضاء، يكشف الدليل المذكور عن استنجاد «لايبتنز» بمبدأ عدم القابلية للتمييز Le Principe des indiscernables الذي كان قد قدّمه باعتباره أحد الأسس الرئيسية لنقده لـ«نيوطن». فما هي دلالة هذا المبدأ وكيف يمكننا تبرير استخدامه؟ للوهلة الأولى يبدو لنا باعتباره مبدأ منطقيا. غير أنه ليس من ذلك في شيء، إذ يتوجب علينا التمييز بين مبدأين يتشابهان ظاهريا:
مبدأ عدم قابلية تمييز المتماهياتPrincipe de l’indiscernabilité des identiques : اذا وجد شيئان متماهيان، فإن ما يصدق على أحدهما يصدق بالمثل على الآخر.
مبدأ تماهي غير القابل للتمييز Principe de l’identité des indiscernables : فإذا كان ما يصدق على شيء ما يصدق بالمثل على شيء آخر، فإن هذين الشيئين متماهيين. وفي صيغة أقلّ إبتذالاً: إذا تمتع شيئان بنفس الخصائص مطلقا فإنهما الشيء نفسه.
يمثل المبدأ الأول، حيث الهوية على اليسار وعدم القابلية للتمييز علي اليمين مبدأ منطقيا تتأتّى صلاحيته من كونه يعرض فكرة الهوية نفسها(13). أما الثانى – على الأقل في المعنى غير المبتذل الذى يحدّده له «لايبتنز» فهو مبدأ ميتافيزيقي. ولذلك فإن «لايبنتز» لا يشتقّه من مبدأ التناقض Principe de contradiction بل من مبدأ العلّة الكافية Principe de raison suffisante . فإذا افترضنا أن نقاط الفضاء واقعية، فإنه اذا كانت هذه النقاط غير قابلة للتمييز، سيكون اختيار إحداها لكي يوضع فيها جسم ما هو اختيار اعتباطي. ليس ثمة أية علّة كافية تبرر وضع هذا الجسم هنا بدلا من هناك. وبنفس الوجه فإننا اذا اضطررنا في لحظة ما الى تحديد المواضع النسبية للأجسام أحدها بالنظر الى الآخر، فإنه لن يسعنا رغم ذلك أن نبرّر لماذا يكون مجموع «المواضع» التي تشغلها الأجسام هو هذا الجزء من الفضاء و ليس الأخر Ceteris paribus .
« اذا افترضنا أن الفضاء هو شيء في ذاته (…) سيكون من المستحيل بالنسبة إلى الله– وهو الذي يحافظ على وضعيات الأجسام نفسها، بعضها بالنظر الى البعض – وجود علة تبرّر وضع الأجسام بهذا الوجه وليس بالوجه الآخر، علّة تبرّر عدم وضع كل شيء بصفة معاكسة، باستبدال ما هو في الشرق ووضعه محل ما هو في الغرب (مثلا)»(14)
يتعلق الأمر في هذه الفرضية بحالتين مختلفتين للأشياء états de choses -على رغم تماثلهما بنيويا- تدخل فيها نفس الأشياء المتمتعة بنفس الخصائص في نفس العلاقات. مما يدلّ على أن الأمر يتعلق بحالتين غير قابلتين للتمييز سيكون الاختيار بينهما اعتباطيا تماما. بل إن كل حالة ممكنة للأشياء ستدخل في تنافس مع عدد لا متناهٍ من النسخ مختلفة جميعا بعضها عن البعض دون ان يكون هذا الاختلاف قابلا للتحديد. إن كل عالم ممكن سيكون غير قابل للتمييز عن عدد لامتناهٍ من العوالم الأخرى يُشَكِّلُ بمَعيِّتها فئةً متكافئةً Classe d’ équivalence. ان الله لن يتصور عوالمَ ممكنةً وإنما فئاتٍ لا متناهية العدد من العوالم الممكنة: و لن يكون انتخاب العالم الواقعي الوحيد من بين هذا العدد اللامتناهى من العوالم الممكنة قابلا للإنجاز بالاتفاق مع مبدأ العلة الكافية . ولكن إذا لم يكن الفضاء شيئا خارج الأشياء، فان كل العوالم الممكنة ذات الفئة الواحدة ستكون متماهية وستزول الصعوبة:
«إذا لم يكن الفضاءُ […] شيئا في غياب الأجسام سوى امكانية وضعها داخله، فإن هاتين الحالتين اللتين يفترض في الواحدة أنها على ما هي عليه وفي الأخرى أنها على خلافها، لن تختلفا في شيء فيما بينهما. لأن اختلافهما لا يوجد إلاّ في الفرضية الخاطئة لواقعية الفضاء في حدّ ذاته. ولكن ستكون إحداهن في حقيقة الأمر هي الأخرى بالضبط ما دامتا غير قابلتين للتمييز، ومن ثمّة فإنه لا مبرّر للبحث عن علّة لاختيار هذه أو تلك»(15).
ليس هناك اذن فضاء حقيقي دون كون مادي. ليس الفضاء سوى «نظام للتواجد» « Ordre des coexistences » ، بمعنى أنه نسق علاقات ترصيفJuxtaposition لأجسام تعطى في وقت واحد . فلا يشكل الفضاء الخالص سوى مجرد امكانية : انه نسق العلاقات القابلة للتصور بين مواضيع ممكنة، ولذا فانه لا وجود له إلا على سبيل كونه كائنا مثاليا: إنه الصورة القبلية لكل العوالم الممكنة أو قل هو مجال «القابل للوجود»(16) « Existentiales » في الذهن الإلهي(17).
ولكن لماذا نندفع بقوة في هذه الحالة إلى تمثل الفضاء الواقعي كما لو كان مجموعا من المواضع المعطاة قبل وجود أي شيء، أي كما لو كان وعاءً سابقًا في وجوده على وجود المادة؟ يُفسّرُ «لاييتنز» ذلك بردّه إلى محدودية الفكر الإنساني وسلبيّته، ذلك الفكر الذي ينحدر فيه الذهن Entendement الى مستوى التخيّل Imagination : لدينا تمثّل فكري سليم للكميّة Quantité ، ولكن نظرا لعجزنا بعد ذلك عن استخراج كل النتائج المنطقيّة للتصورات التي بِحوْزَتِنا، فإنها –الكمّية- تَمْثُلُ لنا في صورة تَمَثُّلٍ حسّيٍّ غامض: ألا هو الامتدادL’étendue (18).
وبالتالي فإنّ عجز «نيوطن» عن ادراك دلالات مبدأ العلّة الكافية، الذي هو المبدأ الحقيقي للفيزياء، جعله يستسلم لجموح خياله واضعا بذلك وَهْمَ الفضاء الفارغ: الأمر الذي لا يدرجه في عِداد الفزيائيين الحقيقيين، وإنما في عِداد «محض رياضيين لا ينشغلون إلا بلعبة الخيال»(19)، ذلك أنهم لا ينشغلون إلا بمجرّد اشياء ممكنة، فلا يسعهم إلا أن يحترموا مقتضيات مبدأ التناقض. إلاّ أنّ مثل هذه المفاهيم «يتم تقويضها بفضل علل أسمى»(20).
من علائقية «لايبتتز» إلى علائقية «باركلاي»:
يُؤسس «لايبنتز» نقده لـ»نيوتن» على مبرّرات يستمدّها من الهندسة الإقليدية ومما يعتبره المبدأ الرئيسي لكل فيزياء علمية. على الأقل هو يدّعي ذلك. غير أن حُجَجَهُ في حقيقية الأمر ليست حجج فيزيائي ولا حتى حجج رجل منطق أو هندسيّ.
ففي المقام الأول يرتكز الدليل المستمد من مبدأ عدم القابلية للتمييز على الهندسة : إذ تكون المواضع غير قابلة للتمييز نظرا لكون الفضاء إقليديا، بمعنى متجانس و متماثل. إن عالمين ممكنين ومتكافئين هما عالمان غير قابلين للتمييز بينهما طالما أن الواحد منهما يمكن الحصول عليه عبر نقل الآخر، وطالما أن هذا النقل في الفضاء المطلق، ذلك النقل الذي يحتفظ ببنية وبأبعاد النسق، يُمثل تحوّلا لا تأثير له علي الموضوع المنقول. إنه يمثل تغيرا ليس في حقيقة الأمر كذلك. سيظل العالم هُوَ هُوَ مهما كانت الجهة التي ستُخَصّصُ له في الفضاء: ثمة هنا ثبات ناتج عن البنية الهندسية للفضاء في حد ذاته. ويمكننا المجازفة بالقول إنّ هذه البنية هي ما يجعله لا واقعيا(21). ولكن «لايبنتز» يستخدم مبدأ العلة الكافية لإثبات هذه اللّاواقعية. ورغم أنه يميزه عن مبدأ التناقض ويقدمه علي أنه أساس الفيزياء، فان استخدامه له هو استخدام منطقي.
ترتكز كل أدلّة «لايبتنز» في المستوى الأول على الاعتقاد في امكانية اختزال الفضاء في عملية بناء منطقي. إن تَخَارُجَ العناصر ِExtériorité mutuelle des éléments الذي يشكل أمرا أساسيا بالنسبة إلي الفضاء والذي يميّزه عن كل كثرة لا فضائية، يعود إلى التأثير غير المباشر للاختلافات الداخلية بيت الأشياء. فإذا حذفنا الأشياء فلن يبقى حسب «لايبنتز» سوى فكرة عناصر متعددة متساوقة الوجود عموما ولكنها غير قابلة للتمييز. ليس الفضاء الإقليدي إذن سوى مجموع في المعنى المنطقى والرياضي للعبارة. وهو مجموع يتحدد بالطريقة الأكثر تعميما وتجريدا أو فراغا: فإذا كنا لا نستطيع ان نعرف عن x وعن y شيئا سوى أنهما ينتميان إلى نفس المجموع E فان العنصر x لا يختلف عن العنصر y . يبدو أن «لايبتنز» يفترض أننا نستطيع القول اعتباطا «نقاط الفضاء» أو «عناصر من مجموع يتميز بالوضعP ، فلا تتنسى معرفة أي عنصر إلا من حيث هو يثبت ذلك الوضع P». وإذا كان «لايبنتز» يستبق التيار المنطقيLogiciste أو الشكلاني Formaliste الذي سيحاول فيما بعد تأسيس الرياضيات بأكملها على المنطق وعلى المجموعات Théorie des Ensembles ، فلا يعني ذلك فقط أن القضايا الرياضية هي مجرد نتائج لمبدأ التناقض، بل إنه يعتقد أيضا أنه بالإمكان إعادة بناء الفضاء ذهنيا دونما حاجة الى أي تأليف خارج الفكر Synthèse extra-intellectuelle.
يعني ذلك ان نقاط الفضاء الفارغ، اذا سلمنا بأن تخارجها الظاهري ليس سوى تضليل من عمل الخيال، هي نقاط غير قابلة للتمييز. ويمكننا بالتالي أن نَخْلُص إلى القول بالتناقض بين وجود الفضاء ومبدأ العلة الكافية. ومما يلفت الانتباه في استخدام «لايبنتز» لهذا المبدأ هو أنه يغنيه عن امتحان ومناقشة تجربة السطل. فلا طائل الآن فعلا من هذا الامتحان بعد أن تأكدنا من أن العالم الواقعي لا يمكنه أن يكون قد اختير اعتباطيّا من بين مجموع العوالم الممكنة. إن الفضاء لا وجود له لأن حقيقته لا تتلاءم مع حقيقة عالم ليس سوى تجلٍّ للعقل، هذا العقل الذي يجب ان يكون قادرا على اعادة بناء هذا العالم بشكل تام (على صعيد المبدأ أو حتّى واقعيا). ولكن إذا كان «نيوتن» قد حاول تبرير مفهوم الفضاء المطلق بالاعتماد على دليل ديناميكي فذلك لأنه كان يعتقد أن الواقع هو أولا ما يتجلى لحدسنا الحسي Intuition sensible .
غير أن النزعة الإطلاقية النيوتنية تصطدم باعتراضات أخرى موجهة خصيصا إلى محاولته جعل الحركة المطلقة حقيقة بديهية: وترتكز هذه الاعتراضات على الحاجة إلى إيجاد دلالة تجريبية لكل تغيّر يحدث أكثر ممّا هي تعبّر عن الحاجة إلى تفسيره تفسيرا عقلانيا مكتملا. والواقع أننا نعثر على صياغة اولية لهذه الاعتراضات لدى»لايبنتز» نفسه:
«يقال إن حقيقة الحركة مستقلة عن الملاحظة وأنه بالإمكان أن تتنقّل السفينةُ إلى الأمام دون ان يدرك من بداخلها ذلك. أرُدُّ بالقول إن الحركة مستقلّة عن الملاحظة L’Observation ولكنها ليست البتة مستقلة عن القابلية للملاحظة L’observabilité. فما لم يكن ثمّة تغيّر قابل للملاحظة observable، فلا حركة Mouvement اطلاقا، بل إنّه لا تغير Changement إطلاقا حينئذ»(22).
فليس لتصوّر الحركة المطلقة دلالة تجربية، ليس ثمة حركات قابلة للملاحظة عدا تلك التي تجريها الأجسام بالنظر إلى بعضها البعض.
هذا الانشغال بالبقاء في حقل التجربة هو الذي يغذي «علائقية «باركلاي»:
«… لا يبدو لي أنه بالإمكان حصولُ حركات أخرى عدا الحركة النسبية، حتّى أن تصور الحركة يقتضي تصور جسمين تتغير المسافة بينهما أو قل تتغير وضعية هذا بالنظر إلى ذاك. ومن ثمّة فإنه إذا لم يوجد سوى جسم واحد، فستستحيل عليه الحركة. إن ذلك لَيَبْدُو لي جدُّ بديهيٍّ من حيث أن فكرتي عن الحركة تتضمن ضرورةً (فكرة) علاقة ما Un rapport «(23)
تجعل الحوافز الأمبيريقية والحسية Sensualistes من علائقية «باركلاي» في حقيقة الأمر نزعةً متعارضةً مع علائقية «لايبنتز»: يقع هنا استخلاص نفس النتائج من مقدّمات متعارضة. إذا كان «لايبنتز» يصرّ على الاقرار بأن كل تغير يجب أن يكون قابلا للملاحظة، فإن ذلك يمثل دائما نتيجة لمبدأ عدم القابلية للتميز ولأساسه أي مبدأ العلة الكافية: إن تغيّرا غير قابل للملاحظة سيدفع الى القول بوجود حالات للأشياء غير قابلة للتمييز بعضها عن الآخر. وفي المقابل، إذا كان «باركلاي» لا يعترف إلا بالحركة النسبية، فذلك لكون التجربة المباشرة لا تكشف لنا عن أي شكل اخر من الحركة: تتأتى الفكرة الوحيدة التي يمكن وضعها حول الحركة من ادراك تغيّر في الوضعيات النسبيّة للأجسام المرئية – تنقّل الموضوع بالنظر إلى آخر أو بالنظر إلى جسمنا. اننا لا نتمثل الحركة اطلاقا باعتبارها تنقّلا يقع بالنظر إلى مجموع من الأماكن الفارغة تفترض ثابتة.
غير ان وجاهة هذا الدليل الثاني ليست بديهية إلا بالنسبة إلى من يقبل الافتراضات المسبقة للتجريبية دون تحفّظ. وهو الأمر الذي قد يقود إلى خطأ معارضة المصادرات النيوطنية عن الحركة المطلقة بواسطة مصادرات غريبة عنها. يجب أن نبيّن اذن أن فكرة الحركة المطلقة النيوطنية هي فكرة ذات اصول أمبيريقية رغم أنه ليست لها دلالة امبيريقية:
«بالإمكان القول إن شخصا على ظهر سفينة، لا يتحرّك بالنظر إلى جهاتها المختلفة، ولكنّه في المقابل يتحرّك بالنظر إلى الأرض… ولا يبحث البشر خلال حياتهم اليومية عن أي موضع آخر أبعد من الأرض لتحديد موضع جسم ما. فما هو ساكن بالنظر إلى الأرض يعتبر كما لو كان كذلك مطلقا. إلا أن الفلاسفة الذين يتميزون بفكر أعمق ويمتلكون مفاهيما أكثر دقة عن الأشياء يدركون أن الارض نفسها تتحرك. وبالتالى يبدو أنهم يعمدون من أجل تثبيت أفكارهم إلى تصور العالم المادي باعتباره عالما متناهيا يتمتع بحدود ثابتة لا يتسنّى اختراقها، هي أشبه بقشرة البيض، وتشكّل الموضع التى تتحدد بالنظر إليه الحركات الحقيقية. وأنا أعتقد أننا بتفحصّنا لتصوراتنا الخاصة سنجد أن كل ما في فكرتنا عن الحركة المطلقة لا يعود في الحقيقة إلاّ إلى ذلك «(24).
وبلغه أخرى فان الحركة المطلقة تتحدد تجربيا (امبيريقيا) باعتبارها حركة نسبية بالنظر إلى الإحداثية التي يمثلها نسق النجوم التي تدعى ثابتة («حدود» العالم أو مثلما سمّاها «أرسطو» كرة الثوابت la sphère des fixes التي رأى فيها «الموضع» le « lieu » بمعنى الغلاف الأخير للعالم). هذا التفسير الذي يقدّمه «باركلاي» هنا هو نفس التفسير الذي سيتبناه «ماخ» Mach فيما بعد(25) : فنسق النجوم الثابتة هو النسق الوحيد للأجسام السماويّة التي تبقى وضعياتها النسبيّة داخل رحابة الفضاء الفلكي هي نفسها بمرور الزمن. مما يعني أنه يتسنّى استخدام هذا النسق كنسق احداثية كونية، أي بمثابة إحداثية ملائمة. فلا يمكننا أن نلاحظ وجود حركات نكون أحرار في تسميتها «مطلقة» إلا بالنظر إليه، بشرط ان لا نخلط في استخدامنا لهذه العبارة . فالحركة التي نقول إنها مطلقة مُمَاهِيَة في حقيقتها إذن لحركة تَحصُل بالنظر إلى النجوم الثابتة، حتّى أنه لا يتسنى التمييز بين حركة مطلقة وحركة نسبية، فكل حركة هي تغيّر يحصل في المسافة الفاصلة بين جسمين.
وتبعا لذلك فان الصيغة القائلة « إن الفضاء مطلق لا علاقة له بالأشياء الخارجية»26 لا معنى لها. لأنّ تَمَثُّل الفضاء لا يمكن فصله عن تمثل الأجسام وعلاقاتها المتبادلة.
ورغم ذلك فإن الفضاء لا جسميّة لَهُ بصفة واضحة، إذ يعود تَمَثّله إلى تلك الفكرة السلبية تماما عن غياب بعض الإحساساتSensations :
«عندما أحرّك بعض أجزاء من جسمي، وتكون هذه الحركة حرّة دون مقاومة، فإنني أحكم بأن ثمّة فضاء. ولكن حين أجد مقاومة فإننى أقول إنه ثمة جسما «(27)
لا تعني كلمة «الفضاء» شيئا إذن سوى غياب المادة – أو بصفة أدقّ غياب إحساسات اللّمْس Sensations tactiles المتصلة بمادّة ما- ، غيابٌ يتمّ تأويله إيجابا على أنه امكانية حركة دون عائق ولا إكراه : إنه أسلوب مختصر للقول بأن لا شيء يعارض حركاتنا. يجب أن تكون كل القضايا التى تتضمن عبارة «فضاء» قابلة لأن تُشْرَحَ في عبارات تتحدّث عن حركات دون عوائق، وذلك دون ان تفقد أي معنى من معانيها. وسيكون لهذا الشرح الفضلُ في عملية تدمير وهم الفضاء في ذاته.
«… عندما أتكلم عن فضاء خالص أو فارغ، لا يجب أن يذهب في الظنّ أن عبارة «فضاء» تمثل فكرة يمكن تصورها خارج الأجسام والحركة، أو أنها متميزة عنها. غير أنه في حقيقة الأمر لدينا ميل إلى الاعتقاد في أن كل اسمٍ substantif يشكل فكرة متميزة تكون قابلة للفصل عن كل فكرة أخرى، وهو ما أدّى إلى عدد كبير من الأخطاء»28
هكذا يتمّ نفي الفضاء المطلق من خلال فكرة كائن مجرّد، ليس فقط غير موجود، بل وبالنسبة إلى إسمي متجذّر، شيء غير قابل للتصوّر. وبالتالي فإنّ «باركلاي» لا يرفض المطلقات النيوطنية باعتبارها غريبة عن كل تجربة واقعية بقدر ما هو يرفضها لعدم قابليتها للتلاؤم منطقيا مع السياق العام لفلسفته الخاصة. فالإسميّة مُتَضَمَّنةٌ مُسْبقًا في مفترضات النزعة الأمبيريقية : لا تتيح لنا التجربة إلا حالات فردية، في حين ان حدود Termes اللغة عامة ومجردة. وهو ما يفسر اعتقادنا بأننا نعثر بداخلنا على أفكار لا تتأتى من أي انطباعImpression . فنفي»باركلاي» للفضاء المطلق يرتكز على:
1 – نقد اللغة من حيث هي مُوَلّدٍ للأفكار الخاطئة Pseudo-idées .
2 – وعلى رفض تمييز «لوك» Locke بين الكيفيات الأوّلية Qualités premières والكيفيات الثانية Qualités secondes .
1 – أما نقد اللغة (29) فإنه يجذّر بعض التصورات التي نجدها لدى «لوك»، والتي من المؤكد انها مستلهمة من «أوكهام» Ockham. ف»لوك» يقر بأن للفكر البشرى قدرةً على التجريد يرى فيها شرط امكان اللغة(30). إذا ما تشكلت هذه اللغة فإنها تَتَمَرْكزُ فيما بين الفكر والعالم بمثابة غشاء من الضباب(31). غير أن»باركلاي» لا يقرّ بوجود هذه القدرة: إذ أن كل فكرة في نظره هي فكرة فردية Singulière وعَيْنِيّة في ذاتها. إنها لا تصير عامة أو إنه لا يبدو أنها تصير مجردة إلا بفعل الوظيفة التى تُعيّنُ لها بالنظر إلى أفكار أخرى فردية تحلّ محلها(32). أما التجريد الظاهري فإنه ينتج عن كوننا لا نعير اهتماما للكيفيات مجتمعة في نفس الفكرة(33). مثال ذلك أن المهندس الذي يرسم دائرةً على سبورة سوداء، لا ينتبه إلى اللّون المميّز للدائرة، ولكن لا يجب أن ينتج عن ذلك الاعتقاد أنه قادر على تمثّل دائرة بلا لون.
لا يتسنى الفصل بين هذه الكيفيات التي تُجَمِّعُهَا الفكرة دائما في داخلها إلا تحت تأثير استخدامٍ غير دقيق للّغة Usage non critique du langage . مما يدل على أن فكرة مجرّدة ليست سوى وهمٍ يُثيره الربطُ المعتادُ بين تمثّل عَيْنيّ وكلمة ما يتسنى بفضلها اثارة تمثّلات أخرى مشابهة أو إحداها بصفة اعتباطية. وبذلك يقع نفي الفضاء المطلق باعتباره موضوعا لا وجود له إلا على صعيد العبارة، فلا وجود له حتّى على صعيد الفكر: إذ لا يتسنى افراغ الامتداد من مضمونه الحسّي ولا كذلك فصل المكان عن الأجسام التى تملؤه إلا فى اللغة.
2)- يقود هذا التجذير لإسمية «لوك» إلى رفض الفكرة النيوتنية عن الفضاء المطلق. غير انه لا يكفي مع ذلك لنفي واقعية الفضاء بصفة عامة. فهذا النفي ينتج بصفة خاصة عن ردّ الكيفيات الأولى إلى الكيفيات الثانية، وهو ما شَكّلَ أحد أدلّة «باركلاي» على صحة نزعته اللامادية Immatérialisme .
كان «لوك»يميّز في الأشياء بين كيفيات ثانية تأخذ من جهة نسبتها إلى الذات (ألوان، روائح، مذاقات…)، وكيفيات أولى موضوعية إلى حد ما (امتداد وحركة بصفة خاصة)(34). ولكن إذا كان كلُّ تمثّل تمثّلا عينيًّا، وإذا كانت كيفيات شيء ما قابل للادراك، لا تقبل الفصل بينها إلا على صعيد الأسماء، فإن هذا التمييز لا معنى له. فالكيفيات الأولى لا تقبل الفصل عن الكيفيات الثانية(35) – ولقد كان «أفلاطون» يردد على لسان «سقراط» إن الشّكل «هو من بين كل الأشياء الموجودة، الشيء الوحيد الذي يصاحبُ اللّونَ دائمًا»(36). وبالتالي فإنه إذا كانت الكيفيات الثانية ذاتية، ستكون الكيفيات الأولى كذلك. فلا يتسنّى للامتداد أوللحركة أن يوجدا إلا فينا : ومن العبث أن نميّز على طريقة «نيوتن» بين فضاء مطلق موضوعي، وفضاء نسبي يعرض للحواس بمقتضى علاقته بالأجسام، ويكون هو ذلك الذي يخلط العوام بينه وين الفضاء الثابت» (37).
تؤسس هذا المبادئ العامة مقاربة حسّية خالصة للفيزياء، تلتقي ظاهريا مع نظرية «الفرضيات اللامجدية»« Hypotheses non fingo » النيوتنية. لِنَقُلْ على الأقلّ إنّها تلتقي مع التأويل الوضعي لهذه الصيغة. غير أنّ هذه النزعة الحسية تقود إلى نتائج مفارقيّة.
فاذا كانت كل حركةٍ حركةً نسبيةً فسيكون التمييز بين الحركة والسكون هو نفسه نسبيًّا. ورغم ذلك يحتفظ «باركلاي» بتمييز بين الحركة و السكون يبدو أنه لا يستمد مشروعيته من المرجع الذي يقع اختياره اعتباطيا:
« … يقتضي القول عن جسم ما إنه متحرّك أن يغير ذلك الجسم في المستوى الأوّل الوضع Position أو المسافة Distance بالنظر إلى جسم آخر. وفي المستوى الثاني يقتضى ذلك أن تؤثّر القوة Force أو الفعل Action الذي يمثل سبب هذا التغير في ذلك الجسم. إذا لم يتوفر أحد هذين الشرطين فإنني لا أعتقد أننا نستطيع الحكم في معنى يتفق مع الصواب bon sens ومع خصائص اللغة بأن جسما ما يتحرك. أنا أعترف في الحقيقة بأنه يمكننا الاعتقاد في أن جسما نشاهده يتحرك أو نراه يغير المسافة بينه وبين جسم آخر قد تحرك رغم أنه لا وجود لأية قوة تجري عليه فعلها (وأن نظنّ في هذا المعنى أن الحركة الظاهرية موجودة )، ولكن الأمر هو على هذه الحال لأننا نتخيل أن القوة التى تُسبّب التغير في المسافة تُجري فعلها على/ أو قل هي منطبعة في الجسم الذي نظنّ أنه يتحرك. وهو ما يبين في الحقيقة أننا معرّضون للخطأ بإقرارنا أن جسما ما يتحرك دون أن يكون في الحقيقة متحرّكا، وهو كلّ ما يتجلّى من خلال ذلك»(38).
هل يكون «باركلاي» هو لآخر بدوره مجنون لغة؟ إذا كانت كل حركة نسبيّة، فإنه لا وجود لدليل قاطع يبرّر القول بأن جسما ما يتحرّك، بل لن يتنّسى التساؤل عن الشروط التي تشرّع «القول عن جسم ما إنه يتحرّك».
وإذا كان «باركلاي» يثير هذا السؤال، فلكونه يُعرّفُ الحركة ضمنيا باعتبارها فعل قوة ما : إنّ جسما ما يحرّك جسما آخر بقدر ما يُجري عليه «فعله». يبدو أن «باركلاي» يفترض مسبقا أن الفعل يتمّ من جانب واحد، أو أننا على الأقل نستطيع -على صعيد التفاعل بين جسمين – أن نحدد بوضوح تلك الآثار التي يسميها الفيزيائيون الفعل ورد الفعل. ومع ذلك فإن نفي الحركة المطلقة يؤدي إلى نفي التسارع المطلق، ومن ثمة إلى نفي التمييز بين الفعل ورد الفعل. ولكن أي شرط يجب وضعه حينئذ لحركة الجسم «الذي تنطبق عليه القوة أو الفعل الذي هو شرط هذا التغيّر»؟ إننا لا نتبيّن ما يضيفه هذا الشرط الثاني إلى الشرط الأول، اللهمّ إلّا إبطال مبدأ العطالة.
لا شك أن «باركلاي» يريد أن يَصِلَ بين التصور الفيزيائي للقوة وجذوره التجربية . فإحساساتنا العضلية هي التي تقودنا إلى بناء هذا التصوّر: عندما أنقل موضوعا ما فأنا أُجري عليه قوّةً: وتقاس هذه القوة التي أُجريها عليه بالجهد Effort المبذول وبالإحساسات التي تثيرها فيّ ذاتيا(39). قد تحتفظ هنا فكرة الفعل الذي يُجريه جسمٌ ما على جسمٍ آخرَ بدلالةٍ أحادية ٍUnivoque . ولكن لا أساس لذلك في سياقٍ أمبيريقيّ حسّي. إذ يتسنى تأويل هذا الوعي بالجهد على أن نتيجة للتأثير الذي يُجريه فِعْلٌ مَا يُقاوِمُ ارادتي(40)، ما لم يكن تعبيرا عن اللقاء بين سلسلتين سببيّتين تجد احداهما مصدرها فيّ أنا و الأخرى في سببية غريبة عني.
لا يستعبد «باركلاي» هو نفسه هذا التأويل الأخير مع تحفّظٍ أساسي: وهو أن الموضوع (أي مجموع الأفكار العاطلة داخل الذهن) ليس هو ما يقاوم إرادتي، بل هو وعي آخر Un autre esprit يتجلى لي عبر هذه المقاومة الظاهرية للشيء. فالفعل اذن تُجريه ذاتية أخرى Une autre subjctivité تصير ذاتيّتي سلبيةً بالنظر إليها(41.
يبدو أن النزعة الحسية قابلة لتأويلين متعارضين. من جهة أولى، ونظرا لكونها تجعل من الاحساس بالجهد أصل فكرة القوة، هي تعطي معنى عينيا وأحاديّا للتمييز بين الكائن الذي يجري القوة وذلك الذي يتحمل أثرها. ولكن من جهة أخرى، ونظرا لكون الاحساس بالجهد يمثّل في الوقت نفسه شعورا بالمقاومة التي يعارضني بها الموضوع أو احساسا بتدخل سببٍ معارض لرغباتي، فان النزعة الحسية يمكنها أيضا ان تقود الى تنسيب Relativisation او حتى الى نفي التعارض بين الفاعل Agent والمنفعل Patient . وحده التأويل الثاني يتفق مع النزعة العلائقية: ورغم ذلك، يبدو أن التأويل الذي احتفظ به «باركلاي» في الفقرة 115 من مبادئ المعرفة الانسانية Principes de la connaissance humaine هو الأول.
ومن جهة اخرى تعيد عملية ردّ الحركة إلى فعل قوة ما اقحامَ المصادرةِ الكلاسيكيةِ التى بموجبها يستدعي كل تَغَيُّرٍ سببًا ما. ويعني ذلك إما نفي مبدأ العطالة كما ذكرنا سلفا، أو التخلي عن السعي إلى التمييز بين حركة عطالية وأخرى ناتجة عن التفاعل بين الأجسام. . ثمة هنا انكار جزئي على الأقل لتلك المبادئ التى أراد «نيوتن» ان يؤسس عليها فيزياءه: ففكرة جسم لا تفاعل له مع بقية الكون لا تبدو لـ «باركلاي» إلاّ بمثابة تجريد فارغ. مما يقود إلى رفض الصياغة العادية لمبدأ العطالة على الأقل.
يتجلى هذا الإنكار أيضا فى رفض اعتبار القوة (باعتبارها سببا) بمثابة موضوع فيزيائي. إذ لا سبب سوى الوعي(42) L’esprit43: إن معرفة القوى وضروب فعلها الحقيقة هي بهذا المعنى معرفة ميتافيزيفية. ويقر «باركلاي» بالإضافة إلى ذلك (وبالاتفاق مع نزعته الأمبيريقية) إنه خارج التغيّرات التى نكون نحن أنفسنا أسبابها، لا نستطيع أن ندرك أية قوة بشكل مباشر، اذ لا علاقة لنا مباشرة إلاّ بنتائج. ان القوة من حيث هي سبب، تقع خارج إطار قدرات الفلسفة الطبيعية ولا يجب ان يقع تمثّلها باعتبارها خاصية للأجسام: أي باعتبارها كيفية خفية Qualité occulte تتمتع بها الأجسام في حدّ ذاتها(44.
المماهاة بين الحركة و فعل القوة: الانشغال بعدم الفصل بين عناصر التجربة، ثم رفض اعتبار القوى كيفيات خفيّة ملازمة للأجسام، هذه الملامح المميزة لمذهب «باركلاي» تستبق هي الأخرى ظاهراتية Phénomenisme «ماخ» Mach. ، ويبدو بصفة خاصة أن الاعتراض على مبدأ العطالة -على الأقل في صيغته العادية- يستبق صياغة مبدأ «ماخ» الذي تنتج كل الآثار العطاليّة Effets inertiels بموجبه عن التفاعل بين الأجسام وعن توزّعها داخل الكون بأكمله(45).
رغم التعارض بين فلسفتي «لايبنتز» و «باركلاي» فإن كلّا منهما يرفض الإطلاقية النيوطنية بالانطلاق من مبرارت من نفس الطبيعة. فقد انقاد كلّ منهما إلى هذا الرفض تبعا للمنطق الداخلي لنسقه الخاص. إن إثبات وجود الفضاء المطلق معناه نفي مبدأ عدم القابلية للتمييز أو التقليص كثيرا من مدى صلاحيته. ويعني ذلك أيضا نفي انحصار العالم في العلاقة التى يحتفظ بها وعي لا متجسد Esprit désincarné مع تمثّلاته أو مع كائنات تشبهه. وبذلك يرتدّ العالم بالنسبة إلى «لايبنتز» كما بالنسبة إلى «باركلاي» إلى شبكة معقدة من الأنظار تلقيها الكائنات الواعية بعضها على الآخر، حتى أن الكون يتلاشى في غبار المونادات Monades او الإدراكات Perceptions .
إنه كون بلا مواضيع Univers sans objet ، بل قل إنه كون تتسنى معرفته دون المرور بمنعطف الفيزياء. فلا يقيم «باركلاي» و «لايبنتز» هذا النقد على امتحان تجربة السطل، بل على مبادئ عامة لا يريان ضرورة مكافحة استتباعاتها بالوقائع46.
بقي أن تشير إلى أن تجربة السطل لا تخوّل لنا استخلاص النتائج التي ادّعى «نيوتن» أنه قد استخلصها منها، فعندما كان الماء في سكون نسبي بالنظر إلى السطل، بدا فعلا أنه مُثَارٌ بحركة يكون تسارعها مستقل عن الاحداثية. ولكن هذا التسارع يظل مع ذلك متناسبا مع الأرض ونسق النجوم الثابتة: فمحور دوران السطل يمر عبر مركز الارض ولا يفهم هذا الدوران نفسه إلا بالنظر إلى شيء ما لا يدور أو يُفترض أنه لا يدور، أي النجوم الثابتة. فالتجربة لا تبيّن إلاّ شيئا واحد إذن: ألا وهو أن الحركة النسبية للماء بالنظر إلى الأرض وإلى النجوم الثابتة تستثير قوى نابذةForces centrifuges 47 . انها لا تتيح الحكم بأن هذا الدوران دوران مطلق. وبالتالي فإن دليل «نيوتن» يبدو بعيدا عن اثبات بداهة فضاء واقعيّ يمكن عزله عن العلاقات الفعلية بين الاجسام.
بهذا الوجه لا يبدو أن الفضاءَ، باعتباره حاملا للحقيقة الفيزيائية، قابلٌ للفصل عن هذه الحقيقة نفسها. ولكن لا يبدو في المقابل أن القوانين التي توجه سلوك المادة قابلة لأن تفهم خارج بنية فضائية ما. ربما كان ذلك هو المعنى الحقيقي لما ذهب إليه «نيوتن»: فلا يتعلق الأمر بإقرار حقيقة هذا الفضاء اللاّمادي لذاتها بقدر ما هو يتعلق بنفي حقيقة مادة دون حامل فضائي. وبالفعل فان حركة الأجسام تتحدد في جزء منها على الأقل بهندسة الفضاء حيث يشكّل قبول هذا التحديد من وجهة نظر كلاسكية اقرارا لصلاحية مبدأ العطالة: فالبنية الهندسية للفضاء هي التي تحدد مسبقا مسار جزيء حرّ.
لذا فان النقد العلائقي لـ»نيوتن» يظلّ ناجعا حول نقطة محددة: ألا وهي أنه لا يتسني وجود فضاء دون مادّة، أو بعبارة أدق، دون مضمون نتمثّله نحن باعتباره مادّة. ولكنّ النزعة العقلانية لا تقف عند نفي وجود فضاء فارغ، اذ هي تتمثل أيضا في الاقرار بأن الفضاء يذوب داخل العلاقات بين الأشياء إلى غاية التلاشي فيها. وذلك هو مظهرها الاكثر قابلية للمناقشة. فربّما توجّب التخلي عن مفهوم فضاء يقع اختزاله إلى مجرّد وعاءٍ، غير أنه يجب التخلّي ايضا عن مفهوم مادّة مستقلةٍ تماما عن الفضاء48.
الهوامش
1 Cf., par ex. Traité d’Optique, Livre III, question XXVIII.
2 De l’esprit des lois, première partie, livre I, ch. 1.
3 Koyré, Etudes newtoniennes, Paris Gallimard, 1980, p. 32.
4 Newton, Principes mathématiques de la philosophie naturelle, tr. Fr. par Mme du Chastelet, Paris, rééd. Blanchard, 1966, p. 8.
5 Ibid.
6 يجب ان نميّز هنا التّجْرِيبِيِّ (الأمبيريقي) Empirique عن التجريبيExpérimental ، لأن الأول يعني الاقتصار على استقبال معطيات التجربة الخالصة (Empirisme) في حين أن الثاني يفترض تدخل التخطيط المسبق للعقل: منهج تجريبي(Méthode expérimentale).
7 Relativity : the theory and its philosophy, Oxford, Pergamon Press, 1980, p. 44.
8 Principes mathématiques de la philosophie naturelle, p. 13-14.
9 هناك دليل مناظر أبرزه «آنشتاين»Einstein و «أنفيلد» Infeldفي L’évolution des idées en physiques, Paris, Payot, 1981, p. 144-145.
10 Newton, Principes mathématiques de la philosophie naturelle, p. 8.
11 أستعير هنا المحتوى الأساسي لهذا الدليل من «م. ميشال غورينا»M. Michel Gourinat (من درس ألقاه سنة 1970).
Lettre à Clarke du 25 février 1716, § 5. 12 . هذا الاستشهاد للايبنتز وكذلك الاستشهادات اللاحقة (ياستثناء صيغة مبدأ الهوية، الهامش 8)، مستمدّة كلّها من مراسلات «لايبنتز»-»كلارك». انظر مثلا: Leibniz, Œuvres, éd. L. Prenant, tome I, Paris, Aubier-Montaigne, 1972, p. 409.
13 ينتاب فكرة الهوية في فلسفة «لايبنتز» غموض ناتج عن الخلط بين هذا المبدأ الأوّل ومبدأ جوهرانيّة Substantialité المتماهيات (« eadem sunt, quorum unum potest substutui alteri salva veritate » ) الذي لا يتعلّق بالأشياءChoses بل بالحدود Termes الدالة عليها، والذي يمثل مبدأ لسانيا أو سيمنطيقياSémantique لا أساس لبداهته البتّة.
وأشكر هنا «جان فارنييه»Jean Varnier لكونه قد أثار انتباهي إلى هذا التمييز الثلاثي.
14 Lettre du 25 février 1716, § 5.
15 Ibid.
16 لا تفهم هذه الصيغةExistentiables بالنسبة الى تصور «لايبنتز» للكون مثلما يفهم «الوجود بالقوة»Etre en Puissance لدى أرسطو. فلا يتعلق الامر بمجرد وجود بالقوة بل بصيغة ممكنة للوجود في العقل الالاهي يمثل اتفاقها مع المبادئ الاساسية للعقل (عدم التناقض، العلة الكافية..) شرطا لفعل الخلق الالاهي نفسه. (المترجم)
17 Cf. Y. Belaval, Etudes Leibniziennes, Paris, Gallimard, 1976, p. 207.
Cf. Lettre de fin novembre 1715, §1. 18 يميز «لايبنتز» بين الرياضيات والفيزياء من حيث أن الأولى ترتكز كلّيّا على مبدأ التناقض (وهي الأطروحة التي يستبق بها «لايبنتز» التيار المنطقي)، أما الثانية فهي ترتكز على مبدأ العلة الكافية ( بقدر ما أن غياب التناقض في نظام الموجودات يمثل شرطا ضروريا ولكنه ليس كافيا). إن الارتميتيقا Arithmétique والهندسة Géométrieلا تتعلّقان الاّ بممكناتDes possibles: يكفي لتأسيسهما اذن احترام مبدأ التناقض، في حين انه يجب على الفيزياء ان تفسر علاقات واقعية بين الموجودات، مما يجعلها مرتبطة بالميتافيزيقا.
19 Lettre de la mi-aout 1716, § 29.
20 Ibid.
21 يكون الفضاء الإقليدي مَبنِيّا بالوجه الذي يجعل كل نقلة تتمّ فيه عديمة الأثر على صورة وأبعاد الموضوع الذي يتعرّض إلى تلك النقلة. ويتمثل استنتاج «لايبنتز» اجمالا في التالي: اذا كانت الهندسة (الإقليدية) صحيحةً، فان الفضاء غير موجود. (التأكيد هنا من عمل المترجم)
22 Lettre de la mi-aout 1716, § 52.
23 Berkeley, Principes de la connaissance humaine, § 112, tr. fr. M. Philips in Œuvres, I, Paris, P.U.F., 1985, p. 379.
24 Ibid., § 114, p.380.
25 Mach, La Mécanique, ch. II, VI, § 9.
26 Newton, Principes…, p. 8.
27 Berkeley, O.C., § 116, p. 382.
28 Ibid.
29 حول دور ودلالة نقد اللغة في مذهب «باركلاي»، انظر: Genevieve Brykman, Berkeley, philosophie et apologétique, Paris, Vrin, 1984.
30 Locke, Essai sur l’entendement humain, livre II, ch. XI, § 10.
31 Ibid. livre III, ch. IX, § 21.
32 Berkeley, Principes de la connaissance humaine, Introduction, § 12.
33 Ibid. introduction, § 16.
34 Essai…, livre II, ch. VIII, § 9-10.
35 Berkeley, O.C., § 10.
36 Platon, Ménon, 75 b.
37 Newton, Principes…, p. 8.
38 Berkeley, O.C., § 115, p. 381.
39 يقوم «باركلاي» في( 4-6 § De Motu ( بالربط فعليا بين فكرة القوة وتجربة الجهد.
40 إن الأطروحة القائلة إن الذاتيّة هي ما يتجلّى بمثابة فاعل ايجابي يمكن فهمها بسهولة أكثر في اطار معارض للنزعة الحسّية، مثل ذلك الذي يعارض فيه «مان دو بيران»Maine de Biran «كوندياك»Condillac .
41 في الفقرة 29 وما يليها من ،Les Principes de la connaissance humaineيقرّ «باركلاي» فكرة وجود روح آخر يتدخل ايجابيا في انتاج ادراكاتي والذي اكون سلبيا بالنظر إليه.
42 Ibid., § 26, cf. G. Brykman, O.C., p. 332 sq.
43 نترجم هناEsprit ب: «وعي» (Conscience )وليس ب : «روح»، لأنّ السياق ينسجم أكثر مع مفهوم الوعي بما يعنيه من قصديّة ولأن المقصود لدى «باركلاي» هو ما نسمّيه اليوم بالوعي.ثم إن مفهوم الروح يحيلنا الى سجلّ أوسع. (المترجم).
44 Cf. De Motu, § 28 et 29.
45 Cf. M-A. Tonnelat, Histoire du principe de relativité, Paris, Flammarion, 1971, ch. IX.
46 فيما يتعلق بـ «باركلاي» يمكن لهذه الملاحظة ان تكون مفاجئة. ورغم ذلك، فإن مصادرات أمبيريقية لا تعني حججا تستند الى تجربة فعلية، ولكنها تعني الايمان بانه من الممكن دائما ان نذهب من فكرة ما الى الانطباع الذي يُفترض أنها متأتية منه.
47 Cf. Mach, O.C., ch. II, VI, § 5.
48 Cf. J. Largeault, Philosophie de la nature, Université Paris-XII-Val-de-Marne, 1984, ch. VI sq.
دانيال لوييه
ترجمة: محمّد عادل مطيمط *