محطة
الثانية عشرة ليست بالوقت المتأخر جدا في محطة سيارات الأجرة بالمدينة، والدليل أن قطا بنيا لا يزال يتمسح في صندوق تجميع الملابس القديمة القريب ، والسائقين لم ينهوا آخر شوط في لعب الورق لهذه الليلة. ومع ذلك فلا أحد يتوقع أن يأتي زبون ما في مثل هذا الوقت الذي ليس بالمتأخر جدا . حين ينهون اللعب سيخرجون مناماتهم من السيارات المصطفة ويفترشونها كيفما اتفق وسينامون، ولكنهم الآن يلعبون ويلوح أحدهم لشرطي وقف أمام مقهى مجاور وطلب كوب شاي. حركة السيارات بدت قليلة جدا ولكن إنارة الشارع لا تزال مضاءة .المدينة فقدت ضجيجها إلا من ستة سائقين يلعبون الورق وسابع منكمش في فراشه كعصفور يفكر في ابنته البعيدة التي أرسلت زوجته قبل قليل بأن حرارتها مرتفعة وزجاجة خافض الحرارة الوحيدة الموجودة بالمنزل فارغة..
الخطام
في أقصى نقطة في عمق وادي الهجر توجد فتاة ضئيلة لا يمكن أن تكون قد تجاوزت العاشرة من عمرها ، تسكن قرية جبلية صغيرة جدا عالقة على خاصرة جبل ضخم يشرف على بلدة وادعة تقع عند نهاية المنحدر. ثمة طريق جبلي يلتوي بين الصخور يربط بين البلدة وتلك القرية التي تظهر كلطخة في وسط جرف صخري عملاق ، حين تبدأ شمس النهار في الانحدار تفك الفتاة خطام حمار رمادي مربوط في شجرة «شحس» معمرة بالقرب من مأوى الأسرة. يسير الحمار خلف الطفلة الصغيرة دون تردد ، وبعد ساعة تقريبا يكونان قد وصلا عبر الطريق الملتوي إلى البلدة في الأسفل حيث علي بن صروخ قد جز كمية مناسبة من العلف ووضعها على الجدار المحاذي للزقاق الضيق الذي تسلكه الفتاة كل يوم . حين يراها قادمة يترك ما كان يقوم به ويذهب ليضع لها كومة العلف على ظهر الحمار ثم يربطها جيدا كي لا تقع ، في تلك اللحظة تنشغل هي بمراقبة الأطفال يلعبون أمام البيوت الصغيرة في البلدة.
بعد أن تغرب الشمس تلم الأمهات في البلدة الصغيرة أطفالهن من أمام البيوت المتلاصقة ويغلقن أبوابهن جيدا بعد أن يتمنين لبعضهن ليلة هادئة ، في حين طفلة صغيرة لا تزال في منتصف طريق جبلي مظلم ترجو حمارا رماديا أن يكف عن عناده ويتحرك من مكانه لتصل القرية قبل أن يغفو قطيع العنزات الصغير.
سعيد الحاتمي / كاتب من عُمان