أحمد الصَّغِير
دخل الروائي حسام العادلي(1) عالم الرواية المصرية، مغامرا باللغة، والخيال، عابرا للمعاني المباشرة، وباحثا عن لذة السرد، ولذة الكتابة الروائية خاصة. يقف العادلي على جسور ممتدة الأمكنة والأزمنة، متسلحا بأدواتها السردية والفنية التي تنتج جماليات متعددة، محاولا امتلاك صوته المائز في بناء العالم الروائي في الرواية المصرية الحديثة، لم ينجرف العادلي -كأبناء جيله من الروائيين التجريبيين- إلى تهويمات حداثية في الكتابة السردية، بل يكتب دائما عما يخصه، وما يعرفه، وما يلمس جراحات البشر، والمكان والزمان أيضا، فجاءت رواياته تحمل خصوصية الصعيد، الأهل والتراث والتدفق المعرفي المنسوج بعناية الفنان المدقق.
يعد حسام العادلي من المستشارين المبدعين في عالم الرواية العربية الحديثة، حيث يستمد من روح الأدب وحكمته طرائق متعددة للوصول إلى الحقيقة، حيث تبدو صورة العالم الروائي تاريخية بالأساس في روايته “نجع بريطانيا العظمى”، حيث يتجه الروائي حسام العادلي إلى التاريخ، لإعادة اكتشاف الشخصية المصرية، وهويتها في النصف الأول من القرن العشرين ما قبل ثورة يوليو 1952م، وما بعدها، حيث يبدو العالم الروائي منسوجا بعناية فنية، خالصة ومخلصة للتاريخ الحديث في مصر، بل نلاحظ مدى العمق الروحي بين العادلي وتسجيل اللحظات التاريخية التي شهدتها مصر منذ المشهد الأول الذي يحمل عنوانا لافتا (قناة السويس شركة مساهمة مصرية)، يسجل العادلي من خلال العنوان السابق لحظة تمفصلية في تاريخ مصر الحديث، حيث يشير من خلالها إلى التحول السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي بدأ مع سقوط الملكية المصرية، وإعلان الجمهورية. بل حاول الكاتب أن يرصد الأجواء الاجتماعية والنفسية من خلال شخصية زين، الحفيد الطموح الذي يحاول أن يسترجع مجد أجداده وعائلة السعداوية من خلال جده السيد السعداوي الكبير. وقد اعتمد الكاتب على روح الكتابة السردية التي تقوم بإغراء المتلقي الذي لا يتحمل أجواء الحداثة السردية وتناقضاتها الفنية والمعرفية. فلجأ إلى استعادة المتلقي من خلال روح الرواية العربية في ألقها اللغوي والمعرفي والخيالي، بل في ظني يعد الروائي حسام العادلي واحدا من أهم كتابنا المعاصرين في عالم الرواية التاريخية تحديدا لأنه اتكأ على استعادة الهوية من خلال روح السرد المغلف بالتاريخ والحكايات الشعبية وطقوس القرية في الصعيد.
بناء الرواية:
نجع بريطانيا العظمى (الدار المصرية اللبنانية/ القاهرة 2021) عنوان الرواية الجديدة للكاتب الروائي حسام العادلي، جاءت الرواية في أحد عشر فصلا/ مشهدا متسعا، تنطق فصول الرواية، بتفاصيل الشخصيات والأماكن والأزمنة، فقد حمل عنوان الرواية صورة المفارقة السياسية التي تشير إلى الصعيد/ نجع السعداوية، بعاداته وتقاليده العريقة، وثقافته الممتدة عبر الأجيال، وبريطانيا العظمى التي كانت تحتل بلادا واسعة في قارتي آسيا وأفريقيا، وأوروبا، لا تغيب عنها الشمس من الشرق إلى الغرب، وهو عنوان تهكمي بالأساس، فهو يشير إلى مدى السخرية التي لجأ إليها الكاتب في التعبير عن تماهي السلطة السياسية المصرية المتمثلة في العمدة السيد، وبريطانيا التي يمثلها هاريس، فقد توهم العمدة “السيد” بأن نجع السعداوية جزء من بريطانيا العظمى، لوجود الكامب الإنجليزي متمثلا في هاريس. حيث تكشف الرواية عن صورة العلاقة بين العمدة السيد والخواجة هاريس البريطاني، وما بينهما من تاريخ دموي مشترك، فقد كان السيد رجلا من رجال هاريس في النجع. على الرغم من كراهية هاريس للمصريين، حيث كان يصفهم بصفات شديدة القسوة، مفادها “أن المصريين ينكرون فضل بريطانيا على بلادهم” حيث تبدو اللغة سلطة حاكمة، تحمل رؤية بريطانيا الدونية تجاه الشعب المصري. كما نلاحظ التوجه السيميائي في بنية العنوان، فهو عنوان إشكالي هزلي ثقافي، لافت، حيث يصبح العنوان لافتا وجاذبا، مثيرا للمتلقي، بل يطرح العنوان أسئلة جوهرية في بنية الرواية، منها ماذا حدث في نجع بريطانيا العظمى؟ ولماذا اختار الكاتب هذا العنوان تحديدا؟ وما العلاقة بين النجع وبريطانيا؟ وستحاول الدراسة الكشف عن إجابات لهذه الأسئلة السابقة، لأن الكاتب احتفي بالتناقضات البشرية بين طبيعة النجع وطبيعة بريطانيا، واتفقتا في السلطة والرغبة في الامتلاك، فكل منهما يشبه الآخر في الاحتلال، فقد احتل العمدة السيد النجع بلفظ غير مقصود من الخديوي، واحتلت بريطانيا البلاد بطموحها ورغبتها في السيطرة على الشعوب الفقيرة. وقد أعلن الراوي العليم عن الأسباب المباشرة وراء نجع بريطانيا العظمي من خلال قضية مقتل الشيخ أبو الجود على يد حسانين ابن العمدة، فيقول الراوي العليم: “الوفديون، راق لهم اعتلاء موجة الشَّجْب، والإنكار على حساب الإنجليز، راحوا يصفون بشاعة الجريمة ويهولون من دلالاتها، صوروها على أنها دنشواي الجديدة، رسموا عنها كاريكاتيرا تحريضيا: فلاحا -رمزا لحسانين- يلبس جلبابا فوق رأسه قبعة إنجليزية، ممسكا بسكين يقطر دماءً وفي يده الأخرى لسان الشيخ المقطوع، خلفه يافطة النجع مكتوب عليها “نجع بريطانيا العظمى”(2). نلاحظ أن الكاتب قد اعتمد على تجسيد الصراع السياسي بين الوفد من جهة والإنجليز من جهة أخرى، مستخدما فن الكاريكاتير في إثارة الشعب ضد بريطانيا، وكأن حسانين/ بريطانيا، صورة للظلم والقسوة والعنف الذي يقوم به جنود الاحتلال في مصر. وفي ظني أن الصورة البصرية التي يطرحها العادلي، تمثل البؤرة المركزية للسرد في الرواية، وقد انبثقت عنها أحداث فرعية كثيرة داخل الرواية.
بنية الشخصيات:
تمثل الشخصية بنية مركزية في الرواية بعامة، ورواية نجع بريطانيا العظمى بصفة خاصة، اتكأت الرواية على شخصيات مركبة مثل شخصية ( زين، الحالم والضعيف، والمتناقض في الوقت نفسه، وشخصية السيد (العمدة)/ سلطة، وشخصية هاريس السكير، ابن الخادمة، وتزوج ابنة عائلة أودونيزي الإنجليزية العاشقة لضابط فرنسي، وشخصية الشيخ أبو الجود/ المعارض لسلطة العمدة، والشيخ الطشطوشي/ الثقافة الشعبية، وشخصية الضابط أنور صدّيق المتناقض أيضا المنتصر لوطنيته وبلاده في النهاية، ملتزما بتعاليم الأم الفلاحة السمراء/ مصر) وفي ظني أن توظيف العادلي لشخصياته كان توظيفا واقعيا/ فنيا بالأساس، لأن كل شخصية تمثل جزءا مهما في بناء العالم الروائي، منسوجة بعناية، وأريحية في حركتها الممتدة من بداية الرواية إلى نهايتها، وهو ما يدل على الحس الإنساني الجواني الذي ولج من خلاله إلى روح الشخصية من الداخل، فهو لم يلامسها من الأسطح الشفيفية فقط، بل تلبسها وراح ينسجها بعناية لينتج من خلالها، دلالات واسعة، تمد العمل الروائي بالقدرة على تمثل العالم الخارجي نفسه الذي تعكسه الرواية.
الرواية والتاريخ:
يحتفي الروائي حسام العادلي في روايته بالتاريخ المصري الحديث، بحثا عن الهوية المصرية في عصور التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، حيث تبدأ الرواية من خلال السارد العليم وذلك ما قبل ثورة يوليو/ العهد الملكي وما بعدها من تحولات سياسية في النجع/ مصر، فالنجع رمز فني للوطن الذي كان يعاني في ظل الاحتلال البريطاني لمصر، ومن ثم نلاحظ ارتكاز العادلي على انفتاح الرواية على السردي التاريخي، لما للتاريخ من دور هادف في قراءة الواقع والمستقبل على حد قول العادلي نفسه في حوار معه يقول: “التاريخ هو الأب الشرعي للمعرفة والأساس الذى يقيم عليه أي مفكر أو أديب مشروعه ونظرته الإبداعية والفلسفية، دراسة التاريخ بخلاف أنها ممتعة وملهمة تعطى للمتأمل فيها رؤية محكمة عن الواقع ونظرة استشرافية للمستقبل، ولكن للأسف الدراسات التاريخية في الوطن العربي والعلوم الاجتماعية إجمالا مهملة في الشرق الأوسط، ولا تحظى بالقدر الكافي من الاهتمام الذى عساه يمنح الرؤى الاستراتيجية الكثير من الوضوح في المشهد السياسي العالمي”. ويمكن لنا معرفة الأسباب الفنية التي جعلت العادلي يتجه إلى التاريخ لأنه في ظني يعد التاريخ مساحة فنية واسعة حافلة بالحقائق والمعارف والوقائع التي تتشابه مع الواقع أو المستقبل، لأن الواقع ابن التاريخ الماضي والمستقبل يولد في ظني من رحم التاريخ. “حيث يجمع النقاد على أن العلاقة بين التّاريخ والرواية علاقة إشكالية حيث تتداخل وتتشابك بينهما الكثير من الخطوط، خاصّةً وأنّهما يعتمدان على الكثير من المكوّنات المشتركة، كالإنسان، والزمان، والمكان؛ والطابع السردي، فما من رواية إلّا وتقوم -كالتاريخ- على بنية زمنية تاريخية تتشخص في فضاء مكاني، وتمتد من الماضي إلى لحظة الكتابة وقد تتجاوزها إلى المستقبل، وكذلك التّاريخ. ولا تاريخ دون قصّ كما قال كروتشه، فهو نوع من الرواية لأحداث وقعت في الماضي، ونمط من الحكاية عن أشخاص وظواهر وأحداث اجتماعية واقتصادية وسياسية، ولعلّ هذا ما دفع بمحمود أمين العالم إلى القول: بأن الرواية هي تاريخ متخيل داخل التّاريخ الموضوعي(3). ومن ثم تصبح رواية نجع بريطانيا العظمى رواية تاريخية بالأساس، تتلبس روح الواقع الذي نحياه، مستعينة بروح نجيب محفوظ عندما اتخذ من التاريخ، رمزا للإشارة إلى الواقع الكابوسي أثناء العصر الملكي والبريطاني في ذلك الوقت، وبناء عليه فإننا نقول: إن التداخل النوعي بين التاريخ والرواية هو تداخل فني بالأساس، فالتاريخ في الرواية ليس هو التاريخ المجاني المباشر بقدر ما هو تاريخ يمنح الكاتب رؤى متسعة للدخول في عالم الخيال من خلال الشخصيات والمكان والزمان والأحداث المتخيلة التي تحمل فلسفة الكاتب تجاه تحولات الهوية لدى المصريين محافظين على الخصوصية الثقافية في ظل التعددية الثقافية الواسعة.
بناء السرد:
اللغة السردية للعالم
يعتمد الروائي حسام العادلي على طرائق سردية متنوعة، فقد جاء السرد مشحونا بتفاصيل إنسانية وتاريخية واجتماعية وسياسية عديدة، فنلاحظ سيميائية المفردات اللغوية التي يستخدمها العادلي، وهي مفردات تنتمي إلى حقل دلالي واسع يحمل خصوصية البيئة/ الصعيد، وسردياته/ ثقافاته التراثية، فيقول على سبيل المثال: “اندفعوا يليسوهم بالطين وروث البهائم، جذبوا شواربهم المفتولة …… ووضعوا العصي في ….) يتحرك السرد بطريقة سحرية داخل الرواية، فالفعل ( لَيّسَ/ لَيَّسوهم) لا يستخدم بشكل مباشر إلا في بيئة الصعيد، تحديدا من خلال التركيب المجازي لطبيعة الفعل/ ليَّسَ، وكأنَّ هؤلاء المطاريد الذين يرهبون أهالي النجع، وهم في الحقيقة ليسوا سوى مجموعة من الخوارج عن حدود القانون، بل يثيرون الفوضى، والنهب والسلب، بل يهددون المجتمعات. ومن ثم فقد جعل الكاتب الفعل (ليَّسَ) في مقدمة التركيب السياقي، للكشف عن العمق الثقافي للكاتب من جهة، ورغبة أهل النجع في سحق وطمس هؤلاء المطاريد. وتتجلى اللغة السردية في قوله: “وزَّعَ الفقرَ على الجميع، فلم يسمح لأي نفر أن يجمع مالا، أو يملك حيازة زراعية معتبرة، ركل جميع عائلات النجع خارج أية مسؤولية حكومية”، تحمل هذه العبارة علامات سيميائية مهمة في ظني، لأنها بقدر حمولاتها المشهدية على صياغة التعبير المجازي، فتدل على خشونة السلطة السياسية التي يمتلكها العمدة (السيد) ومدى سطوته، محاولا امتلاك كل شيء في النجع، كي ينفرد وحده بالسلطة دون منافس أو معارض لسياسته في قيادة النجع. نحن إذن أمام تجسيد حقيقي للعالم الذي تطرحه الرواية بشكل تخييلي وتاريخي في الوقت نفسه. كما تبدو صورة السرد الوصفي الذي اعتمد عليه العادلي في حديث الراوي عن المطاريد، فيقدم من خلال لغة مدهشة صورة مطاريد الجبل الذين ينزلون على نجع السعداوية بأنهم (هُلُوفٌ مُلَثمون فوق جياد سوداء، يشقون الظلام، في أيديهم بنادق محشوة بالرصاص، وزكائب طامعة(4)، تتجسد عناصر السرد السينمائي في المشهد السابق من خلال انتقاء المفردات المشهدية على سبيل المثال (هلوف) ملثمون / جياد سوداء ، يشقون الظلام ، بنادق محشوة بالرصاص، زكائب طامعة) يبدو لي أن كل مفردة تجسد صورة/ لقطة سينمائية بالغة الدلالة للقدرة على الكشف عن هؤلاء الملثمين/ المطاريد .
بنية الفضاء/ نجع السعداوية:
يعتمد الروائي حسام العادلي على بنية الوصف لدى السارد العليم بتفاصيل الفضاء/ المكان الروائي، ملتحما بالفضاء الجغرافي والمكاني في الصعيد، حيث يبدو المكان في العمل الروائي بنية مؤسسة لخصوصيته الفنية، حيث إنه يمنح النص الأدبي رؤية جوهرية للمعنى، ويفتح آفاقًا متجددة لانهائية، لاتساع الدلالة في سياقاتها المتغيرة، فقد يكون المكان هو المعنى الذي نبحث عنه، وهو في الوقت نفسه يسكن في خلايانا الداخلية. ومن ثم يعتمد العادلي على الذاكرة البصرية في الدخول لمعالم المكان الحقيقي، فقد طرح الكاتب صورة نجع السعداوية، بشخوصه وعاداته وتقاليده، من خلال لغة استبصارية فضائية للحياة في الصعيد، فيقول: “السعداوية- أو آل سعد الله: هم جميع من تنتهي أسماؤهم باسم “سعدالله” جدهم الأكبر الشيخ سعدالله السعداوي؛ المزارع ميسور الحال، نسيب العمدة القديم للنجع، أنجب من زوجته -شقيقة عمدة النجع وقتها- أربعة ذكور أشداء أجداد السعداوية الحاليين”(5). يطرح العادلي في صورة موجزة تاريخ السعداوية ونسبهم في النجع، وفي لحظة كاشفة عن طريق الصدفة صار محمود شيخ الغفر عمدة أثناء مرور الخديوي في رحلته إلى أًسوان، عندما علم من مقربيه أنه تم القبض على المطاريد، فطلب الخديوي مقابلة شيخ الغفر وولده السيد. كما يكشف المكان الروائي عن الحياة في النجع وخارجه أيضا حيث تتجلى صورة القاهرة من خلال الحفيد زين الذي ذهب إلى القاهرة، ليلتقي بعمه حسانين في سوق روض الفرج، لشراء قصر مستر هاريس من ابنته كارمن. ونلاحظ أن الراوي العليم يقوم باستدعاء أحداث الرواية من خلال زين الشخصية المتناقضة التي تعيش في الوهم/ الماضي، متمردة على الواقع الجديد، ثورة يوليو 1952، ساخطا على السلطة الجديدة لأنها سلبته هيبته على النجع من خلال أبيه حسن ابن العمدة السيد، ويمكن القول: إنَّ رواية نجع بريطانيا العظمى هي رواية مكانية تاريخية، لأنها تضرب في عمق الإنسانية وتحولاتها المكانية بين النجع من جهة، وبريطانيا من جهة أخرى.
البناء الرمزي:
اتكأ العادلي على استخدام الرمز في بنية الرواية، حيث نلاحظ أسماء الشخصيات المطروحة في الرواية مثل (زين- السيد- حسانين- محمود- هاريس- كارمن- ماري أودونيزي- رزق- العساس- الشيخ أبو الجود- الطشطوشي- سوق روض الفرج-…..) ومن الملاحظ تجلي الصورة السيميائية الرمزية في استخدام أسماء شخصيات الرواية، فكل اسم يحمل رمزا للإشارة إلى دلالات معينة خارج العالم الروائي، كما أن الرمز يكتنز سرديات كثيرة وشخوص وعلامات تاريخية وشعرية؛ “حيث يقوم الرمز على قدرة اللفظ على التداعي، ذلك أن الألفاظ لا يتأسس بعضها على بعض، بل تتلامس، كأنها قطع فسيفساء.. عوضٌ لاستعارات يظهر عدد هائل من المعاني الجانبية في الألفاظ قوامها الرفد وبيانات التطابق”(6). وقد تجلى الرمز في رواية نجع بريطانيا العظمى من خلال أشكال متنوعة، منها الرمز بالاسم والرمز المكاني والزماني، والرمز بالأحداث التاريخية، .. وغيرها. فالسيد هو رمز للسلطة ولم يأت اسمه مجانيا في الرواية فهو كان سيد النجع وكبير السعداوية، زين (المحنتك) المتناقض الواهم، وزين اسم له بعده الثقافي في الصعيد، وهو رجل زين أو عيل زين، مليح يحمل ثقافة الصعيد وتراثه الشعبي. الشيخ الطشطوشي، الذي يمثل السلطة الدينية التي كانت تدافع وتبرر تصرفات العمدة السيد، ورزق كبير المطاريد وهو اسم مشهور في الصعيد لخفته وخطفه وسلبه، وكثير من المطاريد يحملون الاسم نفسه. الشيخ أبو الجود الزعيم السياسي الذي يجود بعلمه وفضله وأفكاره على أبناء النجع، فكثيرا ما يجود برأيه وتفتحه السياسي على أهله، وهو يمثل جبهة المعارضة في النجع بعدما تم تحديد إقامته في النجع. إن جل هذه الرموز التي اتكأ عليها العادلي في بناء روايته إنما هي رموز تمتح من الواقع الجنوبي الذي يحمل خصوصية ثقافية واجتماعية راسخة، حيث أصبح الرمز لديه يحمل سرديات كبرى مكتنزة بالأحداث السياسية والاجتماعية والتاريخية.
خاتمة:
وفي النهاية يمكن القول بأن هذه المقاربة النقدية حول رواية (نجع بريطانيا العظمى) للكاتب حسام العادلي، هي مجرد قراءة أولى ذاتية، اتخذت من العالم الروائي الذي شكله الروائي العادلي بطرائق سردية واسعة، حيث توصلت الدراسة إلى أن الروائي حسام العادلي، يصنع عالما موازيا للحياة الواقعية من خلال كتاباته الروائية، بل يحفر بقوة في تاريخنا وهويتنا، وعلاقاتنا الإنسانية المشحونة بالحب والكراهية والصراع، والفوضى. كما تحمل الرواية رؤية العالم نفسه لدى الكاتب، لأنه ينطلق من أرضية فلسفية وهي أن عالم الرواية الواقع البديل الذي يمكّن لنا معرفة حقائق الأمور الخفية والمختفية وراء التاريخ.
الهوامش
(1) حسام العادلي، روائي مصري، وقاض، ورئيس محكمة بوزارة العدل المصرية، ولد في بني هلال، المراغة، سوهاج 1982، انشغل بالكتابة الأدبية، و من أهم أعماله الروائية (أيام الخريف، ونجع بريطانيا العظمى، ومجموعة قصصية بعنوان لمحات)، حيث تذكر موسوعة ويكيبيديا تعريفا بالكاتب، فتقول: حسام العادلي (2 أغسطس 1982 – 13 شوال 1402 هـ) قاض، وروائي مصري، تخرّج في ليسانس الحقوق في عام 2003 جامعة أسيوط. صدر له مجموعة قصصية عام 2014 بعنوان لمحات، ورواية «أيام الخريف» في عام 2018 عن الدار المصرية اللبنانية وعن نفس الدار صدرت أحدث رواياته «نجع بريطانيا العظمى» في عام 2021.
(2) حسام العادلي: نجع بريطانيا العظمى ، الدار المصرية اللبنانية ، القاهرة ، 2021، ص74.
(3) زياد الأحمد: مقال بمجلة الجديد، لندن، 2020.
(4) حسام العادلي: نجع بريطانيا العظمى، ص20ــ21ـ
(5) نجع بريطانيا العظمى، ص ،20.
(6) .تزيفتان تودوروف: نظريات الرمز، ترجمة: محمد الزكراوي، المنظمة العربية للترجمة، مركز دراسات
الوحدة العربية، بيروت،2012 ص.353.