طارق النعمان
ناقد وباحث مصري
سيزا قاسم حكاية حب وحكاية علم ومعرفة وثقافة، وهي أيضًا بالنسبة لي حكاية تلمذة وصداقة امتدت لما يربو على أربعة عقود دون أن تنقطع، منذ أن كنتُ معيدًا بقسم اللغة العربية، صحيح أنني لم أتتلمذ على يدي سيزا قاسم بالمعنى المباشر للتلمذة ولكنَّني تعلمتُ من كُتبها وتعلمتُ أيضًا من سلوكها، تعلمتُ من أحاديثها كما تعلمتُ أيضًا من صمتها. ولا شك أنني أنتمي إلى جيل محظوظ بعض الشيء حيث كان يمكن لنا أن نختار من نتعلم منهم ومن يكونون أساتذة لنا على مرأى ومسمع من أساتذتنا ومشرفينا المباشرين، بل إن هؤلاء الأساتذة العظام كانوا هم أنفسهم من يُوصُوننا بالتواصل مع من يرون أننا يمكن أن نفيد منهم من زملائهم الآخرين، سواء من داخل الجامعة ذاتها أو من خارجها. هذا ما كان يفعله أساتذة بقامة وقيمة عبد المنعم تليمة، وبقامة وقيمة جابر عصفور، وبقامة وقيمة نصر حامد أبو زيد، على العكس تمامًا من المشهد التَّعِس الذي أصبح يهيمن اليوم على الفضاء الأكاديمي؛ حيث تُعَدُّ على طلاب الدراسات العُليا في الماجستير والدكتوراه أنفاسُهم من قِبَل مشرفيهم، مع من يتواصلون وبمن يتصلون، هذا في الوقت ذاته الذي تقزَّمت وتضاءلت فيه القامات وتراجعت وانحسرت فيه القيمة.
والحقيقة أن هذه ليست المرة الأولى التي أكتب فيها عن سيزا قاسم، فقد كان من دواعي غبطتي أن جمعتُ العام الماضي (2023) ما تفرَّق وتناثر من مقالاتها في العديد من الدوريات والمجلات في كتاب بعنوان ’’شذور الذهب في التفسير والتاريخ والفن والأدب‘‘ وقمتُ بالتقديم له بقراءة ضافية نسبيًا في مجمل خطاب سيزا قاسم النقدي، بعنوان ’’قراءة في خطاب سيزا قاسم النقدي: المقارنة بوصفها استراتيجية معرفية‘‘. ومن الجدير بالذكر هنا أنه لولا أن الصديق والشاعر المتميز جرجس شكري كان مسؤولًا عن النشر في هيئة قصور الثقافة آنذاك لمَا كان لهذا الكتاب أن يصدر في ذلك التوقيت، وما كانت أيضًا سيزا قاسم قد رأت هذا الكتاب مطبوعًا قبل رحيلها، فله خالص الشكر على سرعة استجابته في نشر الكتاب، وأنه باستجابته تلك ساهم في إدخال السعادة على قلب هذه السيدة الجميلة والأستاذة الرائعة التي لطالما أمتعتنا وأسعدتنا بإبداعها النقدي وأثْرَتْ حياتنا الثقافية بكتاباتها الأصيلة والطليعية ومواقفها الإنسانية الراقية.
ولمن لا يعرف سيزا قاسم، فقد ولِدَتْ سيزا بالقاهرة عام 1935. وتعلمتْ في المدارس الفرنسية في كلية السكركير (القلب المُقدَّس)، حيث كانت ابنة لأسرة ثرية من جهة الأم ومن جهة الأب كذلك. فهي ابنة لأحد التجار الميسورين وهو أحمد قاسم، وكما تروي لنا، فقد أراد لها أبوها بعد إنهائها للمرحلة الثانوية بتفوق أن تتفرَّغ لتعلم الشؤون المنزلية، كأعمال الإبرة والخياطة والطبخ؛ إذ قال لها أبوها، على حد عبارتها، في المقابلة التسجيلية التي أجراها معها الصديق الحبيب والشاعر الكبير زين العابدين فؤاد، إنَّه قد ’’آن الآوان لتستعدي لحياة زوجية ناجحة‘‘؛ إذ أراد لها أن تصبح في المستقبل زوجة لائقة، وما إن سمعت سيزا عبارات الأب، وهي الطامحة والحالمة باستكمال تعليمها الجامعي، حتى انتابها الحزن والغم والبكاء. ولكن من حسن حظها، وحظنا أيضًا، أنه كانت تُوجَد علاقة نسب بعيد بين عائلتها وبين الأستاذة الدكتورة سهير القلماوي؛ ومن ثم تلجأ إليها سيزا من خلال إحدى القريبات، فلا تلبث أن تتدخل الدكتورة سهير القلماوي على الفور بمجرد معرفتها بالأمر، وتقابل الأب لتُثنيه عن موقفه التقليدي ذلك، فلا يملك الأب بدوره إزاء تدخل قامة بقيمة سهير القلماوي سوى أن يُذعِن ويتراجع عن موقفه ذلك ويسمح للابنة الطموحة للمعرفة والعلم أن تُكمل تعليمها الجامعي. وبالفعل تدخل سيزا قاسم قسم اللغة الفرنسية بآداب القاهرة، وتتخرَّج فيه عام 1957، وترغب أن تُكْمِل دراستها العُليا فتسجِّل الماجستير في قسم اللغة الفرنسية، إلا أن سهير القلماوي تعرف الأمر وتتدخل للمرة الثانية في تحويل مسارها تحويلاً مصيريًا؛ إذ تُقْنِعُها بأن الحصول على ماجستير ودكتوراه في مجال الأدب الفرنسي لا يتيح للمصريين في ظل حضور الأساتذة الفرنسيين أن يُحقِّقوا شيئًا ذا بالٍ أو شيئًا يُذكَر وأن الأجدى لها أن تلتحق بقسم اللغة العربية؛ بحيث يمكنها أن توظِّف بعد ذلك معرفتها بالآداب الأجنبية لخدمة الثقافة العربية. وعلى الرغم من أن سيزا كانت قد سجَّلتْ فعلًا الماجستير، فإنها تتخلى عن الأمر وتمضي دون أدنى تردد وتلتحق فعلًا بقسم اللغة العربية وتستطيع سهير القلماوي أن تُسْدِي خدمة جليلة لسيزا آنذك وهي أن تُلحِقَها مباشرة بالفرقة الثانية بحكم حصولها على ليسانس اللغة الفرنسية. وهكذا تدخل سيزا قاسم قسم اللغة العربية بآداب القاهرة ضمن دفعة كان من أنبغ وألمع طلابها عبدالمنعم تليمة وطه وادي من مصر ومحمد برادة من المغرب، وتحصل على ليسانس اللغة العربية عام 1960، وتُسجِّل الماجستير مع الراحل عبدالعزيز الأهواني بعد ذلك بعدة سنوات في كتاب ’’طوق الحمامة في الأُلْفَة والأُلَّاف‘‘ لابن حزم الأندلسي، وتحصل على الماجستير عام 1971.
لقد رسمتْ سهير القلماوي بنظرها الثاقب وبصيرتها النافذة مسارًا آخر لسيزا قاسم، مسارًا استشعرتْ فيه بِبُعْد نظرها أنَّها حتمًا ستتفرَّد وتُبدِع في إطاره إذا ما اكتملتْ لها أدواتُها التي تتيح لها التمايز والتميز. وهو أن تتعرَّف ثقافتها وحضارتها العربية وأن تُوظِّف معرفتها بالثقافة الفرنسية والإنجليزية لخدمة ثقافتها العربية، ولتصبح معرفة الآداب والثقافات الأجنبية نوافذَ جديدة تُطِلُّ ونُطِلُّ معها منها على الثقافة العربية، وهي رؤية تغيب للأسف عن الغالبية العظمى من أقسام اللغات في مصر والعالم العربي وعن الأساتذة العرب العاملين في تلك الأقسام فيما عدا استثناءات قليلة ونادرة، وتكاد تكون معدودة. ذلك أن معظم المنتمين لتلك الأقسام يتحوَّلون إلى أسرى لتلك الثقافات الأجنبية دون أن يفتحوا نوافذها على الثقافة العربية. إذ ينحصرون في نطاق تلك الثقافات وآدابها ليصبحوا دارسين من الدرجة الثانية أو الثالثة مُقَارَنَةً بأبناء تلك الثقافات والآداب الأصليين. هذا في حين أنَّهم لو فعلوا مثلما فعلت سيزا، لكان لهم ولهن شأن آخر في الثقافة العربية ولخدموا آدابها ولغتها وساهموا في تطوير الآداب العربية ودراستها، إلا أن ضعف العلاقة بالثقافة العربية والأدب العربي من جِهة، والشعور بالدونية تجاه الآخر من جهة ثانية، والنظرة الدونية/الاستعلائية أحيانًا تجاه الثقافة العربية ذاتها من جهة ثالثة تُشَكِّل كلها معًا عوائق معرفية وسيكولوجية حقيقية لإمكانية إفادة الثقافة العربية من أولئك المُتخصِّصين والمُتخصِّصَات في الآداب والثقافات الأجنبية. ولا شك أن نموذج سيزا قاسم نموذج ينبغي أن يتعلم منه المنتمون إلى أقسام اللغات الأجنبية في العالم العربي، وخصوصًا الأجيال الشَّابة الصاعدة التي يُؤْمَل فيها أن تكون أكثر وعيًا وانتماءً لتلك الثقافة من أساتذتهم. هكذا كانت ترى الراحلة سهير القلماوي وظيفة معرفة اللغات والثقافات الأجنبية؛ وبناءً على هذا وانطلاقًا من هذا الموقف الذي ورثته عن أستاذها العظيم طه حسين وجَّهت سهير القلماوي سيزا قاسم.
وتُخبِرنا سيزا قاسم عن أسباب عدم نشرها لرسالتها عن طوق الحمامة لابن حزم الأندلسي، إلا بعد ثلاث وأربعين سنة، حيث ناقشتها عام 1971 ولم تنشرها إلا عام 2014، ذلك أن المُشْرِف وهو الراحل عبدالعزيزالأهواني رأى أن ما أنجزتْه سيزا من مقارنات داخل الثقافة العربية يكفي؛ ومن ثم قرَّر ألا تُكمِل المقارنة مع النصوص الغربية التي كانت تعتزم المقارنة معها. وفي ظل هذا وقر في وجدان سيزا أن عملها منقوص ولم يبلغ بعد ما كانت ترتضيه له من الاكتمال والكمال، على الرغم من رضا الأستاذ المُشْرِف ولجنة المناقشة.
وبناء على ذلك تكاد سيزا أن تكون قد نسيت، أو على الأقل تناست، تمامًا تلك الرسالة حتى حدث أن تلقَّتْ رسالة عام 2011 من باحث سوداني كان يقوم بتحقيق نص ابن حزم، وهو د. أحمد محمد البدوي، يَسْتَفْسِر فيها عن مصير تلك الرسالة، وما إذا كان قد تم نشرها أم لا؟ وكما تقول ’’وعندما بلَّغتُه أنها لم تُنْشَر، أسِفَ لذلك، وحضَّني على نشرها، ولم أتحرَّك حتَّى قرأتْهَا الصديقة د. أمينة رشيد، في إطار بحثها في السيرة الذاتية؛ فشجعتني على الإقدام على نشرها، وكذلك فعل د. طارق النعمان.‘‘ (سيزا قاسم، طوق الحمامة في الأُلْفَة والألَّاف لابن حزم الأندلسي: تحليل ومقارنة ،ص 13)
وما بين الحصول على الماجستير ونشر الماجستير وحتى رحيلها، مرَّتْ سيزا في حياتها الثقافية والعلمية بالعديد من المحطات المهمة التي تنوَّعَتْ فيها ما بين مجالات شتَّى من خطاب الحب والعشق إلى الخطاب الروائي المعاصر على نحو ما يتجلَّى في دراستها البالغة التميز بناء الرواية في ثلاثية نجيب محفوظ ومقارنتها بكل هذا العدد الضخم من الروايات الغربية وكل هؤلاء الروائيين: أوجيني جرانديه لبلزاك، ومدام بوفاري لفلوبير، والمطرقة والفريسة لزولا، وثلاثية جلزورذي الفورسايت ساجا، والبحث عن الزمن الضائع لبروست، ومدام داللوي لفرجينيا وولف كممثلين لرواية تيار الوعي، إلى خِطَاب العَتَامَة وخِطَاب الشَّفَافِية، والمفارقة التي ينطوي عليها كلا الخِطَابين في علاقتهما بالنوع الأدبي، إلى الخطاب الديني، والتفسير على وجه التحديد بين مُفسِّرين وبلاغيين من أمثال الطبري والزمخشري والرُّمَاني، وعلماء علوم قرآن مثل الزَّرْكَشي والسيوطي، إلى الخِطَاب التاريخي لدى الطَّبري والمسعودي وابن خلدون، إلى التنظير لمفهوم الخبر في التراث العربي، إلى تحليل نماذج متنوعة من الخطاب السردي المعاصر، ما بين روايات وقصص قصيرة على نحو ما يتجلَّى في كل تلك الدراسات الشديدة العمق والتكثيف المُضمَّنة في كتابها ’’روايات عربية: قراءة مقارنة‘‘، إلى الشعر المعاصر على نحو ما هو في قراءتها الشديدة التميز والجِدَّة لكل من قصيدة، أو بالأحرى ديوان، ’’آية جيم‘‘ لحسن طلب، وديوان ’’أشياء ليس لها كلمات‘‘ لجرجس شكري، إلى نظريات السيميوطيقا وقراءة المكان والزمان من منظور سيميوطيقي في الشعر الجاهلي، إلى نظريات القراءة في الهرمنيوطيقا وفي التراث العربي على نحو ما تتجلَّى في شروح أو قراءات الشريشي للمقامات إلى خِطاب الصورة والفنون التشكيلية على نحو ما هو في كتابها ’’القارئ والنص: العلامة والدلالة‘‘، وفي قراءتها لصور ولوحات مارجو فييون عن النوبة، إلى السيميوطيقا وأحدث منجزاتها، إلى الصمت كخطاب يملك شفراته الخاصة، إلى المقارنة بين خطاب الجنون بين إزراموس وعقلاء المجانين للنيسابوري، ووصولًا إلى العلاقة بين التاريخ والرواية، فضلًا عن العديد من الترجمات المهمة في اللغويات، والنظرية الأدبية، والسيميوطيقا، وتحريرها أول وأهم كتاب صدر عن السيميوطيقا في العالم العربي، وهو كتاب ’’مدخل إلى السيميوطيقا: أنظمة العلامات في اللغة والأدب والثقافة‘‘ الذي صدرت طبعته الأولى عام 1986، والذي شاركها في تحريره صديقي وأستاذي الحبيب الراحل نصر حامد أبو زيد الذي فقدتْه جامعة القاهرة نتاج زحف قوى الظلام المنتظم على الأكاديميا المصرية. وهو الكتاب الذي أعادت إصداره في طبعة أخرى عام 2014، بإضافة قراءة ضافية ووافية لها عن أهم التطورات التي شهدها مجال السيميوطيقا منذ صدور الطبعة الأولى وحتى تاريخ صدور الطبعة الثانية. ولعلني أستطيع أن أزعم أن هذا السِّفْر القيم هو الذي عرَّف الثقافة العربية بالسيميوطيقا وفتَّح أبوابها المختلفة أمام كل طامح لمعرفة هذا المجال الجديد؛ ولذا لم يكن من قبيل الصُّدَف أن يُقرِّظ راحل عظيم بحجم شكري عياد هذا الكتاب بمقال كبير وأن ينعته بأنه ’’نمط جديد من التأليف: لا لأنه مجموع من عِدَّة مقالات لعدد من الكُتَّاب.. بل لأن هذه المقالات قد خضعت لتخطيط دقيق يحاول أن يُغطِّي جوانب موضوع جديد وصعب. ثم -وهذا هو الأهم- لأنه يُقدِّم طائفة مختارة من النصوص الأصلية في هذا الموضوع مُتَرْجَمَة بكثير من العناية ..‘‘ (مدخل إلى السيميوطيقا، ط2، ص 15).
لقد كان مدخل إلى السيميوطيقا حدثًا ثقافيًا بكل معنى الكلمة، ولا شك أنه لعب دورًا معرفيًا في توجيه أنظار العديد من الباحثين إلى هذا المجال الجديد، وكان مسؤولًا عن توجه العديد من الشباب نحو هذا المجال، وبالطبع ما كان لهذا أن يحدث لولا وعي سيزا قاسم بضرورة تحريك الجمود المنهجي الذي كان يرين على الثقافة العربية وخصوصًا النقد الأدبي ومجالات الدراسات الإنسانية بعامة، ولذا كان من الطبيعي أن تتوجَّه إلى أسماء بعينها للمشاركة في مثل هذا الكِتَاب، أسماء عُرِفَتْ بطليعيتها الثقافية والمعرفية.
إن هذه الطائفة من المقالات التي يُحدِّثنا عنها شكري عياد تمتد من بيرس إلى سوسير، إلى بنفنست، إلى تشومسكي، إلى مايكل رفاتير، إلى كير إيلام، إلى يوري لوتمان، إلى جان موكارفسكي، إلى أوسبنسكي وإيفانوف وتوبوروف، وهي تتوزَّع ما بين رصد أنماط العلامات، إلى سيميوطيقا اللغة، فسيميوطيقا الشعر، وسيميوطيقا المسرح، وسيميوطيقا السينما، وسيميوطيقا الفن، وأخيرًا سيميوطيقا الثقافة، وقبل كل هذه الدراسات المتنوعة المترجمة مساهمات عربية أصيلة وتأسيسية من فريال غزول، وسيزا قاسم، والراحلة الغالية أمينة رشيد، وعبدالرحمن أيوب، والراحل والصديق الحبيب نصر حامد أبو زيد. أعتقد أنه هكذا يمكننا أن نفهم عبارات شكري عياد، ولماذا استغرقتْ كتابته لمقاله عن هذا الكتاب ثلاثة أشهر، وكان يُقدِّر قبل أن يشرع في قراءة الكتاب أنه يمكنه أن يفرغ منه في أسبوع أو أسبوعين على الأكثر.
ولعله من المهم في خاتمة هذا المقال أن أنوِّه إلى أن سيزا قاسم كانت من أوائل المساهمين في التعريف بالبنيوية على امتداد العالم العربي من خلال رسالتها للدكتوراه التي ناقشتها عام 1978 ونشرتها عام 1980، وأنها كانت شريكة أساسية في التعريف بالنظريات والمناهج الحديثة والطليعية على امتداد حياتها سواء من خلال المساهمة بالكتابة والترجمة في مجلة فصول أو في مجلة ألف التي كانت شريكة في تأسيسها مع رفيقة رحلتها فريال غزول.
وختامًا، فلا بد من شهادة حق في حق سيزا وما كانت تكتبه سيزا وما كان يكتبه البعض حول نفس القضايا والموضوعات في نفس التوقيت؛ ذلك أن أيَّ مقارنة علمية واعية ورصينة ومنصِفة بين ما كتبته سيزا عن البنيوية ونظريات السرد في رسالتها للدكتوراه عن ثلاثية نجيب محفوظ وبين ما كان يُكْتَب في التوقيت ذاته سواء عن السرد أو عن البنيوية أو عن نصوص نجيب محفوظ ستكشف بوضوح مدى الفجوة ومقدار الفارق بين ما كتبته هي وما حاول آخرون أن يكتبوه. والفارق بعبارة موجزة هو قدر هائل من الاستيعاب والفهم والتمثل لكل مصطلح وكل مفهوم، في الوقت الذي كان هناك من يُبَغْبِغُون بما لا يفهمون اعتمادًا على ترجمات ممسوخة وشائهة وعلى بريق وسلطة المصطلحات الأجنبية، مع نوع من العجز الكامل عن إفهام القارئ لما يكتبون وما يحاولون تقديمه من مصطلحات أو مفاهيم. هذا فضلًا عن حضورها الخَلَّاق في الأوساط الأكاديمية والثقافية. لقد افتقدت الثقافة العربية أيقونة من الأيقونات النقدية الطليعية، أيقونة من الأيقونات الفريدة والمتفردة والقليلة والنادرة في حياتنا الثقافية العربية.