لا تبك يا امرأ القيس
لا تقف أيها الشاعر باكيا
من ذكرى حبيب ومنزل
ولا تهلك أسى
فالذين رحلوا سوف يعودون ثانية
على مطيهم الى الرسوم الدوارس
ولسوف تسمع ضحك الفتيات في الهوادج
يسترقن النظر اليك من وراء الحجبا
وانت واقف مثل كاهن مجنون
كفر باللات والعزى
إذ فاضت دموع عينيه صبابة
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
لا تبك يا امرأ القيس وتجمل
وقل لصاحبيك الباكيين معك
أن ينصرفا الى حال سبيلهما
وثق أنه ما من خسارة في النهاية
ما دمت قادرا على الذكرى
في زمن النسيان .
ليلة الذئب
الا رب يوم لك منهن صالح
ولا سيما يوم بدارة جلجل
اذ الريح هبت فاختبأت بخدرها
وقلت لها: يا بنت لا تتدللي
تعالي وارخي فوق صدري ضفائر
تنام فأنسى أن حبك مقتلي
فقالت : يمين الله ما لي حيلة
فانك مهما تأمر القلب يفعل
عويل دمائي قد اقض مضاجعي
فقم واطفىء الحمي يجيش بمرجلي
فامضيت كل الليل في نار ليلها
ومت مرارا قبلما الليل ينجلي
فيا لك من ذئب يتيم مراوغ
يجوس الصحاري في بجاد مزمل
ويغوي العذارى فاضحا كل ليلة
مليكة حي أو أسيرة منزل
أمام الصنم الكاذب
على مسيرة سبع ليال من مكة
في تبالة
ركعت امام زي الخلسة ،
ذاك الذي كان يعرف كل شيء
هل كان يعرف كل شيء حقا
أم انك وثـقت بالالهة
لتكفر بها في النهاية ؟
لا احد سوف يدلك على الطريق
في هذه الليلة الظلماء
فاحمل فانوسك في يدك
واخرج الى البرية
منتظرا عرافا يخرج من اسطورة
او ملاكا مطرودا يهبط من الجنة
ليقول لك : ما من أكيد في حياتك
خطوط كفك لا تلتقي
ونجمتك في مجرة أخرى
اطلق النار على صنمك الكاذب
أكسر القداح وارمها في وجهه
الطريق الى البيزنطينية بعيد
وأنت بلا خارطة او بوصلة
نزهة في مدينة جاهلية
أصاح دع الصعلوك يبكي زمانه
فما همك الديجور ناء بكلكل ؟
هنا سوف نبني في الرياح خيامنا
ونضرم نيرانا بتلة حومل
خدع يا امرأ القيس الزمان وشأنه
وهل عند رسم دارس من معول ؟
تعال معي يا امرأ القيس ودعنا نكتشف ما تخبئه لنا الحياة ، ففي هذه المدينة الجاهلية كل شيء على ما يرام : حانات تمتد على طول شارع الكاهنات وبغايا مقدسات يرفعن الاعلام فوق سطوح منازلهن . لقد افرطنا في الشرب ونسينا ما كان ينبغي علينا ان نفعله منذ البداية . خذ سيفك اليماني، ذا القبضة الذهبية وارهنه عند موثق العهود اليهودي واشتر بذلة عصرية تليق بك . بعد ذلك سوف آخذك الى الحلاق ليقص لك شعر رأسك ويحلق لحيتك الكثة بالصابون ويهذب شواربك المضحكة . فبقليل من العطر وربطة حمراء وحذاء ايطالي من جلد الماعز سوف تبدو واحدا مثل الجميع وتضيع في الشارع بين الناس .
الحلة المسمومة
بعد كل هذه القرون أراك في أحلامي
على حصانك الذي تقطع به القفار
طالبا الجوار من أفعى تكشر عن نابها
هاربا من خلعاه فتاك
سيماؤهم في وجوههم
اذ لا معاقل تحميك
ولا حصون
اراك كنقطة في ذاكرة الزبد،
تمشط شعر الريح
بيد السراب
في اطلال معبد ضربه الزلزال
فتخل عنك الحظ
وانكرك حتى الشيطان
بعد كل هذه القرون
ثمة احد يأتي ويأخذني اليك كل ليلة
فندخل سوية على قيصر الروم
جالسا عل عرشه الابنوس تنحني أمامه فيضع يده على رأسك
ويقبلك في جبينك خالعا عليك حلته الذهبية
فترتديها قاصدا الحفلة
غير عارف بالسم الذي يسري في عروقك
سوف تموت يا امرأ القيس
المرة بعد المرة
نفسا نفسا
وما من طبيب يعرف دواء لدائك
الزائر الليلي
في الليل اذ تأتي الي جالبا في خرج ابائك
غييمة بيضاء
تدلقها أمام باب شقتي
وتدخل الصالة
مختبأ عن أعين الاعداء
انهض مسرورا اقول : مرحبا
أيا امرأ القيس ، ايا صديقي القديم
اجلس وحدثني عن الأيام قي قطارها الغادر!
ماذا جرى؟ ماذا رأيت أيها الشاعر؟
معاتبا تقول لي : اهكذا تستقبل الرفاق يا فاضل ؟
مرتبكا اغيب عنك لحظة
ثم أعود حاملا اليك كل ما معي من خمرة
في بيتي المسكون بالاشباح
نجرعها في حفلة الامرات والاحياء
نضحك من انفسنا
في الليل اذ نعبر وادي الموت في مملكة الظلال
يتبعنا الفرسان
مثل لصوص يوقدون النار في طريقهم ،
اثارهم تسفها الرمال
يحدقون خلسة فينا ويضحكون
لكنني اذ المح الدموع في عينيك
تضىء مثل انجم مرمية في الماء
امسحها مواسيا، أقول : لا بأس عليك أيها المجنون
كل الغيوم تنجلي في هذه الصحراء!
تنظر في صامتا ولا تقول اي شىء
منصتا للجرس الواهي الذي يدق في ماضيك
ثم تقوم مسرعا من دونما وداع
وتترك الصالة
منحدرا في ليلك الاعمى الى الشارع
وخلفك الاعراب
يعوون في الظلام