باتريس بافيس- ناقد فرنسي
يوسف أمفزع- مترجم وكاتب مغربي
يعتبر مفهوم «الجستوس le gestus» من بين المفاهيم الكبرى في النظرية البريشتية، ولكنه ليس الأكثر شهرة بالتأكيد، ويعود الفضل في هذا التقدير الكبير لفاعلية مفهوم الجستوس إلى النزعة الثنائية المفارقة التي تميزه. ومع ذلك، وعلى الرغم من أنه يظل أداة مفهومية قليلة الاستخدام، سواء في الممارسة أو على مستوى النظرية، إلا أنه يشكل أحد المفاهيم الأكثر دقة وإنتاجية في وصف كيفية تصور الممثل، والمخرج، والمتفرج للحركات الجسدية بأبعادها الجماعية.
وقد يبدو مفهوم الجستوس صارم الإحالة الإجرائية على المستوى التقني، وبالتالي يعد سهل الاستخدام، والاعتماد العلمي، أو في إمكانية إعادة تحديده، وتعريفه ضمن أورغانون بريشت بعامة. ومع ذلك، فإنه مفهوم يرتبط بكامل العرض ككل، ويستجوب التقليد المسرحي في عموميته، ويجبرنا على تحديد مكانة الجسد في إنتاج وتلقي الحدث المسرحي.
حاولنا نهاية سبعينيات القرن الماضي بتفاؤل كبير، إعادة بناء وظيفة الجستوس في إنجاز الإخراج المسرحي، مشددين على العلاقات التوازنية التي يحدثها المفهوم بين الشخصية والفعل. وقمنا بدراسته ضمن المنظومة البريشتية لتحديد أسسه، وطرائق اشتغاله1. وفي المقابل، يصير هذا الوصف البنيوي الآن، غير مجد تماما، لأنه يبدو واضحا إذا ما أخذنا على عاتقنا إعادة قراءة وربط المفاهيم الرئيسة لبريشت، حتى ولو كانت في الواقع مجرد نظرية مصنوعة داخل المنزل، أو صُنعت من قبل المؤلف لتفسير وتبرير إنتاجه الخاصة.
وفي نهاية القرن العشرين، ومواكبة للذكرى المئوية لميلاد هذا الكاتب المسرحي الذي أثر بشكل كبير في التاريخ المعاصر للمسرح، يبقى لنا أن نقرر ما إذا كان مفهوم الجستوس ما يزال مفيدا لتحليل الإخراج المسرحي، سواء أكان ذلك في مسرحيات بريشت، أو في العروض المعاصرة. وقبل أن نقوم بهذا الاستقصاء، يجب أن نتذكر أن بريشت لم يحدد مفهوم الجستوس مرة واحدة وإلى الأبد في تعريف جامع مانع، بل منحه باستمرار وظائف جديدة ومتجددة، وتناوله بشكل متعدد، مرات عديدة من وجهة نظر الممثل، والمخرج، والمتفرج.
وظائف الجستوس
الحية عند بريشت
يشير مفهوم «الجستوس»gestus في أحد معانيه الأولية، إلى العلاقة الاجتماعية التي يقوم الممثل بتأسيسها بين شخصيته وبين الشخصيات الأخرى، أي «المجال الذي تتخذ فيه الشخصيات مواقفها الاجتماعية التي تسمى المجال الجستي. وتحدد مواقف الجسد، والنبرة، وتعبيرات الوجه اعتمادا على الجستوس الاجتماعي، وكذا الشخصيات التي تعترض، وتثني على بعضها البعض، وتعلم بعضها البعض وما إلى ذلك.»2 وبالتالي، يوفر مفهوم الجستوس مفتاحا لفهم المواقف الجسدانية، واللهجات، وتعابير الوجه، وبمعنى آخر، إدراكا للجسد بأكمله في أبعاده البصرية والصوتية.
ولكن كيف يمكن للجسد أن يعبر عن العلاقات الاجتماعية، ويشكل هذه العلاقات المعقدة والاستراتيجية؟ وكيف يمكن أن يكشف عن أصول الطبقة والمجموعة الاجتماعية؟ وكيف للجسد أن يحدد مسائل وصراعات الأفراد؟ ومن خلال ترك هذه المهمة للممثل، يتعرض بريشت، وجميع مخرجي أعماله، لتهمة التعميم، والتجريد، والتبسيط التعليمي. ومع ذلك، لا يجب على الممثل الركون إلى الغموض، الوقوع في العمومية، أو المفاهيمية، أو الميتافيزيقيا، بل يجب عليه أن يُظهر أفعالًا ملموسة وفردية:
يقول بريشت: «قد يكون كاتب النص، يتحدث عن «الصراع» أو «الغش»، إلا أن الممثل يُظهر صراعا محدد المعالم والقسمات؛ كأن يحارب من أجل قطعة خبز، أو غش فريد من نوعه. فهل يعلم الجمهور شيئًا آخر عنه؟ فيكون الجواب بالنفي طبعا، لأن الممثل يعلم السلوك والموقف فحسب، أو أي شيء منهجي يسير على منواله، لأنه يتصور الهدف المكلف بإنجازه، والمحدد له بشكل مباشر، ولا يقدم نظرة عامة عن الإيماءات البشرية، ولا يُظهر الإنسان في جوهره3»
ولكي يظهر الإنسان الحقيقي والمحدد المعالم، يتوفر للممثل وسائل فيزيائية، وبخاصة فضائية مشهدية، فهو يبتعد عن شخصيته عبر كشف بنياتها، وإشاراتها المتعددة التي تنم عن مدى غرابتها؛ ويبتعد عن الكلمات التي ينطقها، كما لو كان يريد أن يبتعد بشكل أفضل عما يتم قوله، ويفضل الإيماءة على الكلمة، إذ «ليس بالكلمات، بل بالإيماءات4». ويوجد أيضًا مع الكلمة جملة حركية، حتى عندما يخرج الممثل المتعة التي يشعر بها عند نطق الكلمات، أو يجعلها ضمن شكل مريح خاص به، ومنظمة وفقًا لإيقاعه الخاص، أو تبعا للمسافة الجمالية والتخييلية.
إن التغريب الحاصل بين الشخصية والكلمة، خطوة أولى في عملية تباعد الممثل عن الملاحظة الخارجية، حيث إنه سيقف قريبا موقف المخرج، في انتظار وجهة نظر المتفرج الخارجي تماما، أو المتفرج. ويعبر هذا التباعد عن سلوك المتحدث، والذي تسميه اللسانيات «المتلفظ»، حيث تغدو «اللغة الطبيعية، لغة لحظة اعتمادها على الجستوس، وإظهارها مواقف المتحدث التي تعكس الشخصية أمام الآخرين5.»
تتحول المواقف بسرعة، فبعد موقف المتحدث عبر بياناته، نتجه إلى الموقف السياسي، والأخلاقي، والنقدي للفنان من عمله، سواء أكان ذلك بالنسبة للممثل، أو للكاتب الذي قد وثق نصه لأجل لمخرج، ثم للممثلين. ومن المفترض أن يكشف هذا الموقف عن نضج سلوكه، مثل «سلوك الموسيقي تجاه نصه، وسلوك المقدم أمام عرضه، حيث تظهر درجة نضجه السياسي، وبالتالي الإنساني6.»
يتم تأكيد نضج الممثل سياسيا كلما كانت قابلية نقله سهلة للمتفرج، وكان هذا الأخير قادرا على اعتمادها، ويصل مفهوم الجستوس بالفعل إلى الانفصال عن الممثل، ليصير رؤية خارجية لدى المخرج، أو للمتفرج عن الممثلين. وينتهي الممثل في النهاية، لينظر إلى نفسه بوصفه جسدا خارجيا لتتضح الأشياء أمامه. وهذا هو الفارق الرئيس بين نظريات الجسد الأخرى، فنظرية الجستوس قابلة للفهم والتلاعب من الخارج، بينما تم تصميم واختبار «الإيماءة النفسية» لميخائيل تشيخوفMikhaïl Tchékhov، أو «فعل الجهد» لرودولف لابان Laban Rudolf من الداخل عن طريق مستخدميها.
لا يمر هذا الانزياح لمفهوم الجستوس من الداخل إلى الخارج، ولكنه يتسع ليشمل كل حدث مسرحي، وينتقل من جسد الممثل إلى وعي المتفرج بدون خطورة على الممثل الذي يجد نفسه أحيانا مقتصرا على دعم سطحي ومؤقت، وعلى المتفرج الذي يفقد بسرعة الاتصال مع البعد الدافعي، واللاواعي للموضوع المرغوب فيه. وبصورة متناقضة، يمكن للجستوس أن يُعرض الجسد للتكميم، كما لو أن الرسم الدقيق للإيماءة بين البشر، يكبت المخطط الخفي للجسد، ورغبته اللاإرادية للإشارة، لينقلها إلى جسد-عقل المتفرج.
أيرفض الجسد الجستوس؟
لم تعد نظرية الممثل ما بعد البريشتية، تشير بشكل كبير إلى مفهوم الجستوس، بل تركز على الإشكاليات الأكثر شمولية. ولكنها الأكثر غموضا في مصطلحاتها المتعلقة بالجسد أو الجسدانية. فالإيماءة، وبالتالي مفهوم الجستوس، تذكر بنظام مُشفر بدقة من الإيماءات، على غرار فن الخطاب والعواطف في القرنين السابع عشر والثامن عشر، أو التقاليد الشرقية للعب، بينما يشير الجسد إلى كتلة غير منتظمة إلى وجود لا يمكن وصفه، وإلى أنثروبولوجيا عامة.
ورغم تحذير بريشت، يظل مفهوم الجستوس في كثير من الأحيان توضيحا مجردا لعلاقة أو تناقض اجتماعي، وهو تقنية مصممة لإثبات فرضية. ولا يكون جسد الشخصيات في هذه الحالة هي الغاية ذاتها، أو قارة تستكشف، بل هو مجرد حامل للرموز، وبناء اصطناعي يختفي فور قراءته من قِبل المتفرج. وهكذا، يمارس مفهوم الجستوس سيطرة مطلقة على الجسد، حيث يسيطر الأفراد على غرائزهم وتجاوزاتهم، ويسود النظام الاجتماعي للجسد.
ولم يعد هناك شيء يهدد نظام الرموز، كما كان الحال في مسرحيات بريشت إبان مرحلة الشباب، من قبيل مسرحية «بال Baal»، أو «في غابة المدن Dans la jungle des villes». كما لو أن الشاب بريشت الذي يحب الفوضى جماليا، كان يتعين عليه ليصبح ماركسيًا جيدًا وحقيقيًا، التنازل عن الشر، والفوضى، والرغبات الجنسية، والجسد بدون قيود… وكما لو أن الجسد أصبح في شكل مفهوم الجستوس المسيطر، جسدا مروضًا ومطيعًا، ومقبولًا اجتماعيًا، أي خاضعا لصراع الطبقات، وليس لصراع الغرائز.
يعكس الجسد الزائد والمفرط الذي تحول إلى جستوس بدقة عالية العلاقات الاجتماعية، ويترجم إلى نظام رمزي مرئي وقابل للقراءة. ويقدم مفهوم الجستوس جسدا مسترخيا، وربما مكبوتا، ومسيطرا عليه بذهن مرتب، وخاضعا لتنظيم متناغم للمجموعة الاجتماعية. ويُطلب منه دائمًا أن يظهر احترامًا، ويتجمد في جماليات معينة، وضمن لوحات متحركة، حيث لم تعد العواطف والغرائز بحاجة إلى التجلي في الفضاء والزمان، حيث وجدت لحظة توازن متحركة. ويبدو الجسد محتجزا إلى الأبد بشكل مشابه للوحة جروز Greuze التي علق عليها ديدرو Diderot، حيث يتم تجميد الصراعات في ثلج وجهة النظر الخارجية.
أدى هذا الرفض المحافظ للجسد الغرائزي والجنسي، لصالح إيماءات ترمز للجوانب الاجتماعية والثقافية وللسميائيات الاجتماعية، إلى إثارة الجدل بين المنظرين المتأثرين بالسيكولوجيا، مثل جان فرانسوا ليوتار Jean-François Lyotard (1970)، وجيل دولوز Gilles Deleuze (1983)، أو جورج فيجاريلو Georges Vigarello (1978) الذين اعترضوا على النموذج الرمزي الذي يحكم نظرية الجستوس.
وحسب هؤلاء، فإن السميائيات بالإضافة إلى الماركسية، تقومان بتحويل العالم إلى علامات، مما يقلل من دور إبداعية الخشبة والجسد في الوصول لدلالة نهائية وثابتة، بدلًا من جعلهما مكانًا مفتوحًا لتدفق الاندفاعات والطاقات. ولكن هذا الانتقاد الموجه للجسد المثالي للممثل المعتمد على نظرية الجستوس، يأتي من الممارسين الفعليين للحركة، وبخاصة من الراقصين، أكثر من المخرجين والمنظرين. فبتقييد الاستخدام الدافعي والطاقي والفردي للجسد، يُحْرَمُ الجستوس من أي إحساس حركي بالحركة نفسها، ويعيد تقسيم القدرة والإنجاز بين الجسد والعقل.
ومع ذلك، يرفض الراقصون والممثلون الآن أن يكونوا مجرد أجساد لعقول مخرجي الوعي. ولا يريدون أن يكونوا أنفسهم مشغلين لآلاتهم، ولا يمثلون فكرة أو جسدا غريبا يتعين عليهم فقط تطويعه وطرده، حيث إن جسدهم مركزي ولا يقبل القسمة، ويسعون بذلك إلى تجاوز الثنائية التي حاول المجتمع بأسره الحفاظ عليها. ومن هنا، تتجلى الصعوبة في قبول الإرشادات مثل التغريب أو الجستوس، لأنهم يكرهون أن يضعوا أنفسهم خارج أنفسهم، ليحكموا عن تأثير إيماءاتهم.
ويفيد الجستوس الارتفاع المفاجئ في شرف المفهوم، والتمرد على فاعليته الذي يتم قمعه بسرعة في الأساس. وبريشت نفسه الذي لا يتوانى أبدًا عن اللعب بالأوراق، ويبدو أنه يدعم الممثلين من خلال توجيه نصائح لهم، بعدم تجسيد كلمة الكاتب تحقيقا، أو فكرة المخرج إنجازا على الدقة.
الممثل والتجسيد
ينتقد بريشت المخرجين الذين يجبرون الممثلين على تجسيد أفكارهم، ولم يكن يحب سماع أن الممثلين يجب أن يصيروا في خدمة كلمة الشاعر. ولذلك، فإن لكتاب القصة والممثلين مهمة مشتركة لتقديم أحداث القصة بطريقة مسلية ومفيدة. وبالفعل، قد تكون هناك آراء مختلفة بين الممثلين وكتاب القصص، بالنسبة للدور الاجتماعي الذي يجب أن يلعبه العرض.
يجنب هذا التناقض في الوظيفة الاجتماعية للتمثيل مفهوم الجستوس من أن يصبح مفهومًا أحادي الأبعاد، حيث إنه يفتح الباب لمناقشة مفتوحة حول نظريات الجسد المعاصرة التي كما يمكن أن نتخيلها، فإنها لا تقتصر على البعد الاجتماعي للحركة. ولن أشير هنا إلا إلى بعضها، وتلك التي فكرت في الوظيفة الاجتماعية للجسد، مثل «تقنيات الجسد» لموس Mauss، أو مفهوم الهابيتوس عند بورديو Bourdieu، أو الجسد الجنسي كما يتحدد عند ديموند Diamond.
تقنيات الجستوس الجسدية
نشر مارسيل موس الأنثروبولوجي الشهير سنة 1934، في الوقت نفسه الذي قدم فيه بريشت نموذجه السردي، مقالًا مخصصًا لتقنيات الجسد، وهذه «الطرائق التي يعرف بها الناس، مجتمعًا بعد مجتمع، بطريقة تقليدية، كيف يستخدمون أجسادهم.»7 وتظهر التقنيات الجسدية، بصمة الثقافة المحيطة على الأجساد والعقول، ولكنها لا تشير على الأقل بشكل مباشر إلى التناقضات الاجتماعية المتجسدة في الحركة.
وستصير هذه الأنثروبولوجيا المقترحة للتقنيات الجسدية، مصدر إلهام كبير للناس في المسرح الغربي مثل جروتوفسكي Grotowski، وباربا Barba، وسوزوكي Suzuki، أو منوشكين Mnouchkine الذين يهتمون بفهم كيفية تأثر الفنان بالتقنيات الجسدية في الحياة اليومية، والأكثر من ذلك، بتلك التقنيات المتعلقة بتقاليد الأداء الخاصة بهم ضمن الثقافة الشعبية والمحلية بعامة.
ولا يتعلق الأمر بالنسبة لهؤلاء الفنانين، بالتركيز على علاقات القوة بين الشخصيات التي يمثلونها، بل يتعلق بمراقبة المبادئ المشتركة للأنثروبولوجيا المسرحية على مستوى «ما قبل التعبير pré-expressif» (باربا)، أي «قبل» تحديدات كل ثقافة بشكل محدد، وبالأحرى «قبل» حدوث التناقضات الاجتماعية المتجسدة في حركات الجسد.
الجستوس والهابيتوس
يأخذ بيير بورديو فرضية مارسيل موس عن تقنيات الجسد، لكنه يضعها في سياق أقل عمومية من الأنثروبولوجيا، فتغدو أكثر توجها نحو السوسيولوجيا. وبالنسبة له، تُعتبر الثقافة تاريخا مجسدا، ومتجسدا باعتباره طبيعة ثانية، وبالتالي، منسية كتاريخ نفسه.
يجمع مفهوم الهابيتوس بين الاتجاهات الجسدية والنفسية، والتي تحددها سلسلة من العوامل الاجتماعية وتتجلى في الأجساد، والأذواق، والميل، والأهواء، حيث إن الهابيتوس «نتاج لاستيعاب سلسلة الانتظامات التربوية»8، ويُقارن بالجستوس الذي يجسد التحديدات الاجتماعية. ذلك أن «الهابيتوس بنية مُنظَّمة ومُنظِّمة، ويُشجِّع في الممارسات والأفكار مخططات عملية بنائية، ومستمدة من استيعاب هذه البنيات الاجتماعية التي تنتج عن العمل التاريخي للأجيال المتعاقبة.»9
يلعب الهابيتوس أدوارا طلائعية في تفعيل الجستوس مسرحيا، حيث يأخذ الهابيتوس وينظم بطريقة سوسيولوجية استخدام الجستوس البريشتي المحدود، ويوجهه نحو التصرفات الحركية التي تم إنشاؤها للمسرح. ونظيرا للجستوس نفسه، يواجه الهابيتوس أصولًا اجتماعية مختلفة، وليس مجموعات عرقية مختلفة.
ويجدر بنا أن نلاحظ أن الإشارة إلى العرق التي تعتبر شائعة في النسوية الأنجلوسكسونية، وتجعل منها أحد العوامل المحددة للهوية، تولي أهمية إلى جانب الجنس والجندر والطبقة والعمر. وتُعتبر في النظريات الأوروبية موضوعة بحساسية، ومشكلة، ومركبة، وربما عنصرية بسهولة، مما يؤكد التأكيد الأوروبي -على الأقل حتى نهاية السبعينيات والثمانينيات- على الاهتمام بالسوسيولوجيا بدلًا من الأنثروبولوجيا.
وخلافا للفنان الشرقي، أو المتأثر بتقنيات شرقية مثل باربا، وجروتوفسكي، وبروك Brook، يكون الممثل الغربي عادةً على دراية تامة بأن جسده مشفر codifié اجتماعيا، حتى لو كان ذلك ببساطة يجسد شخصية بهوية محددة اجتماعيا، في حين يتميز الفنان بالتقنيات الجسدية التي اكتسبها على مدار سنوات من التدريب والأداء.
يفهم الممثل الغربي دوره بالمعنى الإنجليزي فقط للمصطلح «جزء»، أي كجزء وتقليد متناهٍ للأدوار والحياة الاجتماعية. ويتحكم ويجسد شخصية عن طريق تقليد مواقف من الحياة الاجتماعية، الحقيقية أو المتخيلة، وبالتالي دائمًا ما يواجه المجتمع الذي «يقلده» ويندرج ضمنه. وبشكل متناقض، كلما تقنن في الإشارات الاجتماعية، كلما أدرك بمهارة دعوة المسرحية للهابيتوس من خلال جستوس محدد، كلما شعر أحيانا بالقيود والاستغلال والتعميم عبر جستوس واضح وبسيط، يُكوِّن علامات لا يمكن فصلها عنه.
متأثرًا بالأيديولوجيات، وحذرًا من أي تمثيل اجتماعي، يشعر الجستوس البريشتي أنه أكثر دقة وتفردًا من الهابيتوس، حيث إنه أكثر تركيبا ودلالة متعددة المعاني، وأشد تعقيدًا من جسد موهوب من التقاليد الشرقية، أو «جسدا مقدسا» بأسلوب جروتوفسكي. وإضافة إلى ذلك، هناك أزمة هوية جنسية تفرضها النسوية من خلال نقدها لتبسيط الجستوس غير محدد الجنس، أي غير الجنسي، أو متعدد الجنس، من خلال تحديد الهوية الاجتماعية المحايدة في مظاهرها الجنسية، أو عبر الجستوس التقليدي، وبحثها عن الجسد المجنسن، أو المجندر.
الجستوس والجسد الجندري
تقارن إيلين دايمون Ellen Diamond على سبيل المثال، في مقال متزن عن «نظرية بريشت النسوية»، بين الجستوس والحجة التي تقول إنه لا يكشف عن جنس جسد الممثل أو الممثلة، «فبريشت يظهر العمى النموذجي لجميع نظريات الماركسية بشأن تكوينات الجنس، ونظرية النسوية. ومع ذلك، تصر على وجود الجسد الجنساني، وعلى نظام الجنس أو النوع، وعلى مشكلات الرغبة.»10
يتجلى السؤال بالطبع، في كيفية «وجود الجسد الجنساني». فهل يتعلق الأمر بإظهار الفارق بين جستوس الرجل والمرأة، أو بالحفر في الفجوة كل الوسائل، وبالتمييز مع بعض النماذج النمطية، بين عامل وعاملة، وبين رب العمل وربة العمل؟ أو يجب أن لا يكون هذا الفارق عرضيا أو حدثيا، أو يجب أن ندركه في اجتماعية اللبس والجسد، أو يجب أن يثبت أن العمل نفسه، سيتجسد بطريقة محددة بشكل خاص لدى الرجل أو المرأة.
نتذكر أنه في عالم بريشت، يظل الجستوس مفهوما غير مفصل، حيث يهدف فقط إلى تمثيل العلاقات الاجتماعية تقليديا، وعندما تتحقق الأم الشجاعة من صحة قطعة نقدية عن طريق عضها، لا نرى شيئا أنثويا أو ذكوريا بشكل نمطي في هذا الإيماء، بل يجب أن يعبر كل شيء عن سلوك تاجر أو تاجرة، والجستوس موجود هنا فقط ليقترح سلوكا اجتماعيا واقتصاديا، يتجاوز الجنسانية ويعبر عن الطموح والشك.
وإذا كنا نريد أن نظهر كيف يتأثر كل جنس أو بالأحرى كل نوع، بشكل محدد بسلوك اجتماعي، وملموس بشكل جسدي بآثار انحرافهم الاجتماعي، فعلينا أن نجد بعض الدلائل على السلوك التي تكون أنثوية بشكل معين، أو ذكورية بشكل أفضل. ولكن ما هو الأنثوي أو الذكوري؟
لا يمكننا تعريفهما بشكل متجاوز للثقافة أو للجنس أو للطبقة الاجتماعية، فتخصص لكل سياق تاريخي ولكل حالة اجتماعية سياقها، وخصائص وطرق تكونها، وتصويرات متعددة ونسبية للوجود. ومن ثم، سيكون اختيار الدلائل الخاصة دائما ونسبيا، وسيعتمد على النماذج النمطية في تلك اللحظة، وعلى تحشيد مضحك لكل جنس يهدف إلى إظهار فارق واضح ومطلق بأي ثمن.
وبالتالي، فعندما نعزز الصور النمطية، وهو ما يتفوق فيه المسرح، نخاطر بتعزيز تقسيم الأدوار الجنسية، وتأكيد الفروقات عن طريق إزالة تاريخيتها، وهو ما يتناقض تمامًا مع منهج نسوي يهدف إلى تفريق الأدوار الاجتماعية بشكل متفهم.
وفي كتاب ميخائيل تشيخوف «إلى الممثل» To the Actor الذي يتحدث عن الإيحاءات النفسية، يشير جان بريندرغاست Prendergast Jane إلى الطابع الذكوري لتلك الرسوم التوضيحية للإيحاءات النفسية عن الكتاب. وتقترح بريندرغاست أن يتم تنفيذ هذه الإيحاءات النفسية من قبل النساء، لكي لا تضطر إلى تشكيل أجسادهن على نموذج ذكوري وفي مواقف ذكورية، مثل استخدام القوة، والجسم الضخم.
ونتيجة لذلك، يحصل هذا الأمر لأكثر الممثلات وصولا للشخصية، وسهولة في تحقيق الإيحاءات نفسها، وكذا العواطف، والتغيرات في الجسد، والمواقف، والتوترات، والطاقات. وتثير هذه السيرورة صورا نفسية وجسدية مختلفة، أكثر تكيفا مع تجربة الممثلات اليومية.
يمكن أن نقوم بتجربة مماثلة باستناد إلى الوصف اللفظي لثماني حركات للجهد في نظرية لابان، والتي صيغت بنفس الطريقة للرجال والنساء. ومن خلال تنفيذ حركة جهد من قبل أفراد من جنسين مختلفين، يمكننا ملاحظة ما إذا كانت المعايير ميكانيكية وفيزيولوجية فقط، أو إذا كانت الفروق في التشكيلة الجسدية -بالإضافة إلى الصور الجسدية- تؤثر على نتيجة حركة الجهد وكيفيتها؛ وبالتالي، سنعرف ما إذا كانت هناك حركات جهد، تكون أكثر ميلًا نحو الذكورية أو الأنثوية.
أخيرًا، سيكون من المفيد أن ننطلق من الصور في كتاب «العمل المسرحي» الذي اختاره بريخت لتوضيح وتصنيف اللعب التغريبي أو الجستوس. ومن خلال تجسيد هذه السلوكيات من قبل شخصيات من الجنس الآخر، وسنرى التعديلات المحتملة، وربما أيضا تحولات الخطاب الاجتماعي الذي ينقله الجستوس، وسيُعلّمنا هذا العمل العملي المبتكر حول فارق الجنسين من النظريات المسبقة حول الجسد الجنساني.
وقد نصل إلى استنتاج أنه في هذه الطرق الثلاثة لاستخدام الجسد والعقل في اللعب التغريبي، وحركة الجهد، والجستوس، حيث نلحظ تغييرات تتناسب مع عادات وتقاليد مختلفة، ولكن هذه التغييرات محددة، وبقدر ما هي من ممارسة الحياة اليومية -مثل تقنيات الجسد والهابيتوس- بقدر ما هي من توقعات المراقبين/ المتفرجين.
النوارس الخرساء
أكدنا فاعلية الجستوس في المسرح منذ 1997 في مارلي لو رواي Marly-le-Roy، عندما قمنا بإخراج مسرحية النوارس/ الخرساء «M(o)uettes»، وهي مسرحية عبارة عن متابعة/ بديلة، ومحتملة لمسرحية «النورس» لأنطون تشيخوف، مع توزيع مكون من نساء فقط، حيث كان عليّ أن أقوم بتمثيل خمس شخصيات نسائية، وخمس أخرى ذكورية.
ومن خلال عدم رغبتنا، وعدم قدرتنا -ولهذا السبب- في إعطاء توجيهات تمثيلية للممثلات اللواتي يقمن بتجسيد الرجال، لاحظت الخمس ممثلات كن يجسدن شخصيات تريبليف Treplev، وتريغورين Trigorine، وميدفيدينكو Medvedenko، ودورن Dorn، وسورين Sorine، ويبنين تدريجيًا الدور المسرحي، كما لو كن يشاهدن من الخارج، ولا يجب عليهن أن يتصورن أنهن الشخصية. ولكن يمكنهن اختبار الدور باستخدام الوسائل المتاحة لديهن بجسدهن، ومع الفكرة التي لديهن أيضا عن الشخصية الذكورية.
إنهن لا يحاولن إخفاء أنوثتهن بكل تكلفة، أو على الأقل، يكون شعورهن قليل، وتصبح أصواتهن أكثر جدية وتوترا، وتصبح خطواتهن أكثر قسوة واضطرابا، ولا تأتي أي لحية كاذبة لتحجب الوجوه ذات السمات الأنثوية. ومع ذلك، يستخدمن بعض التقاليد النسائية المعتادة للتنكر، ويعدن بناء الشخصية ذكوريًا -وبالتالي بدون تحديد للرجل- باستخدام مؤشرات بسيطة، مثل شكلهن وهن يتحدثن ويرقصن ويجذبن. ويقتبسن ويعدن البناء بدون إصرار مفرط، وبدون رغبة في السخرية، وبدون تضخيم مبالغ فيه لسلوك الرجال، ويسعين للعب اللعبة، وتجسيد الشخصيات، وإعطائهم الفرصة.
يتمثل التنكر بالنسبة لهن في عدم الإزعاج، عبر لعب دور الرجال، والتركيز على متعة الأداء. وفي هذه الورشة التي تعتبر للمبتدئ، يكمن التوجيه الأول والرئيس في اللعب، قبل التفكير في الشخصية وجنسها. وعلاوة على ذلك، فكل شخصية في النوارس/ الخرساء «M(o)uettes» تُعرف في البداية فقط بإحدى الحركات الثمانية للجهد عند لابان.
وفي بحث عن اللمسة النفسية التي تميز كل شخصية، يأتي في مرحلة لاحقة عندما تبدأ الممثلات في تقديم النص وتفسير شخصياتهن. ونظرًا لأن المسرحية لا تركز كثيرًا على العلاقات الاجتماعية أو المهنية، ولا تقترح جستوسا لا مفر منه، فإن الممثلات يملن إلى التقيد بالتفاعلات الجسدية والرقص، والجهود الفعالة.
ونتيجة لذلك، لا يتم عرض الفارق، أو حتى الصراع بين الجنسين الذي يشكل موضوع المسرحية، بوصفها بناء اجتماعيا يتبع الجستوس، بل كفضاء نفسي وميتافيزيقي عالمي. وهذا التعامل مع الصراعات البشرية، وهذه اللمسة الشاملة للتقديم، تتماشى مع موقفنا الخاص في هذا المشروع، حرصًا على عدم الظهور بموقفي السيد كمؤلف، أو مخرج، أو مدرس، أو مسؤول عن التمثيل، أو موظف تقريبًا. ونحن لا ننخرط في التفاصيل، ولا نعطي مفتاحا أو تفسيرا مخفيا، بل نقتصر على التنظيم، والسيطرة على المعنى ككل.
ولا نتدخل سوى لتحديد مسارات محتملة للتحركات، واقتراح توزيع للشخصيات، أو ما يسمى بداعي التسوية، أو الترتيب حسب تعبير بريشت، وهو ليس له علاقة بدواعي الجستوس الذي يكشف ويؤكد ديناميكية الحركات والانفعالات. ولا نسحب الأوتاد، بل نرسم الإطارات («إننا نرسم الخطوط»)، بمعنى رسم المسارات وتحديد الحدود.
ولأجل إظهار التفاوت، فإننا نجري تجربة لنسختين متناقضتين: أولا، نجمع الشخصيات في مركز مكثف لنستكشف، ونفرق الممثلات في جميع الاتجاهات؛ ثانيا، نوزع الشخصيات من البداية ونجمعها خلال المشهد حتى الاندماج الكامل، ثم نرسم المسارات في الفضاء والزمن، مما يضطرنا إلى تخيل تصميم عام، استنادا إلى رسم هندسي يتبع مخططا واضحا، ونية متفق عليها عن وعي. «إننا نرسم الخطوط»، وهذا كل ما نفعل، ولكن بتصميم محكم!
ينتج عن ذلك عدة دروس، فالعمل أو الجهد، يعد القاعدة التي يتم من خلالها رسم كل شيء؛ أما الجستوس فموجود دائما، لكن بوصفه سلاحا سريا، غير مرئي وفردي، ولا مفر منه، فهو يظهر أمامك بشكل واضح. أما الجستوس كما نرى، ليس بدون خطر عندما يُدرس بعناية، حيث إنه الأداة الوحيدة في نظرية اللمس التي تقدم شرحا شاملا للمواقف المسرحية، ولكنه يعرض الممثل والمخرج لخطر تقييد البحث، وفقا لأنماط صارمة للغاية. وهذا الانطباع يتبدى من خلال استعراضه، أو استخدامه، أو استبداله في الممارسة المعاصرة، من خلال ما يقوله السفنكس الصامت (الوحش أو التنين المجنح) لأوديب الأصم: احذر على عينيك! ثم احذر زوج عينيك!
أورثوذوكسية الجستوس البريشتي
يحتل الجستوس في الجمالية البريشتية -كما رأينا- مكانًا يتزايد تأثيره، قبل أن يتحول إلى صيغ نهائية تقريبا في «الأورغانون الصغير» (1963)، وفي الإخراجات النموذجية المسجلة في كتاب «نموذج للعمل المسرحي» (1967)، وهذا الكتاب يقدم فكرة واضحة نسبيا عن اللمسات، والأداء الباهت لإخراجات بريشت.
هذا ما يؤكد على الخطر الذي أشار إليه الكاتب، ويكمن في أن الملاحظات والصور من التجارب الإخراجية الأصيلة، تجعل الإبداعات المستقبلية عاجزة عن الإنتاج. وهذا بالفعل ما حدث في ألمانيا الشرقية خمسينيات القرن المنصرم، وفي العديد من البلدان التي استوردت البريشتية مع رفض واستياء المتفرجين الذي يقعون في خيبة توقع، وأحيانًا من المخرجين أيضًا. وقالت جوان ليتلوود Joan Littlewood سنة 1994 مستاءة من بريشت: «إن بريشت هذا سيئ، فقد كنت مضطرة لأقدم «أم الشجاعة»، وكانت هذه المسرحية مملة، لأننا كنا بحاجة إلى المال. وكان يرسل امرأة لتغيير أي إيماءة، لم ننتجها بشكل صحيح.»11
ومع ذلك، لم تكن ضغوط الأصولية البريشتية، تؤثر بقدر كبير على المخرجين المسرحيين مثل جان داستي Jean Dasté، وجان ماري سيرو Jean-Marie Serreau، وبينو بيسون Benno Besson، أو جورجيو ستريلر Giorgio Strehler، مثلما كانت تؤثر على المنظرين المقربين من الماركسية مثل دور Dort، وبارت Barthes، ودوفينيو Duvignaud، وفريق المسرح الشعبي Théâtre populaire بأكمله. وكانت للأصولية وتداعياتها المأساوية على الإبداع الحر خالية من أي مذهب، وغالبا ما تكون نتيجة لفهم ضعيف لمفهوم الجستوس، والخوف من أن يؤدي إلى تجعيد، وتعطيل قراءات المسرحيات المستقبلية، وكتابة المسرحيات المعاصرة.
بالنسبة لأقوى المخرجين، مثل جوان ليتلوود أو جورجيو ستريلر، وروجيه بلانشون Roger Planchon أو أنطوان فيتيز Antoine Vitez، فإن التغريب والجستوس، لم يقمعا الإبداع على الإطلاق. وعلى سبيل المثال، لم يشر ستريلر في مذكراته عن الإخراج إلى هذه المفاهيم للحديث عن عمل الممثل. ومع ذلك، يصف الطريقة التي يبتعد بها الممثل عن اللعبة، ويضع نفسه خارج العرض قائلا: «والممثل، من خلال تغيير معين في النبرة، أو أي حركة معينة، غالبا ما يُستخدم لهذا الغرض تغييرٌ في كل من اللهجات والحركات -لديه تشكيلات واختيارات لا حصر لها- ليبرز من خلالها التباعد، أي أن الممثل يضع نفسه خارج ما يمثل في ذلك الوقت.»12 ويبدو أن بريشت، قد أعجب بالحسية والخفة في حياة جاليلي التي قام بإخراجها ستريلر الذي لم يكن يهتم بدقة الجستوس، والأصولية الماركسية أو البريشتية.
وفي ستينيات القرن العشرين – بدءًا من 1964، مع إنتاج وإخراج بيتر بروك لمسرحية بيتر وايس Peter Weiss «مارات/ساد» على المسرح والشاشة التلفزية – حاولنا توليف اللامحتمل بين الجستوس البريشتي، والاندفاع الحيوي الأرتوي (نسبة إلى أرتو) والغروتوفسكوي (نسبة إلى غروتوفسكي)؛ وفي الواقع، شهدت هذه الفترة أزمة الماركسية، والتخلي عن الدراما البريشتية.
بداية من أوائل سبعينيات القرن العشرين، توقف الجستوس والتباعد عن كونهما وحدة قياس لا غنى عنها لتقييم الوظيفة الاجتماعية للعمل الفني. وشهدت السبعينيات بعد نهاية الأوهام التي رافقت العقد الستيني، بداية حقبة دائمة من فقدان السياسة لوهجها الأيديولوجي. وأدت تجارب ما بعد الحداثة للأداء الفني، أو للعروض المسرحية «المفتوحة» إلى نهاية المسرح الناشط سياسيا أو الملتزم في مواقفه، فأصبح الجستوس محل الاستبدال بالإثارة، أو بالإشارة التصورية.
وفي سنوات الثمانينيات من القرن العشرين، عادت بعض الاهتمامات بالتاريخ، لكنها لم تتخذ موقفًا واضحا تجاه الجستوس، إلا أنها انفصلت عنه نهائيا، أو تجددت بشكل كبير في تجربتين رئيستين: الرقص المسرحي لبينا باوش Pina Bausch وأعمال هاينر مولرHeiner Müller . وقبل أن نتحدث عن النهضة التي عرفها الجستوس البريشتي معهما، من الجيد العودة للحظة إلى بدايات ترانزتياتر Tanztheater لكورت يوس Kurt Jooss التي تتزامن تاريخيًا وثقافيًا مع عمل بريشت، حيث تظل هذه الفكرة حية في المسرح المعاصر.
الجستوس بين بيرتولد بريشت وكورت يوس
قام كورت يوس سنة 1932، بإبداع نص فرجوي أدائي يسمى «درجين تيش Dergriïne Tisch» (الطاولة الخضراء). وحقق هذا الباليه القريب من البانتومايم نجاحا كبيرا، وأشار بشكل مبكر إلى رعب الحرب من خلال عرض المجموعات المختلفة في صراع رجال رأس المال، والدبلوماسيين حول الطاولة المغطاة بالسجادة الخضراء، والجنود، والمدنيين، والضحايا، والمقاومين، وغيرهم. ويبرز تفاعل هذه المجموعات بوضوح من تلك الرقصات التي تروي الحكاية بشكل مثالي مثل سلسلة الكوارث، وتوفر البنى التكوينية للصور المتحركة التي تحاط بنقاشات رجال الأعمال.
ومع ذلك، على الرغم من أن الرسالة بلا شك سلمية، إلا أن الجستوس الأساسي، والموقف السياسي للباليه، لا يفرضان نفسهما على المشاهد كما في مسرحية الأجيت-بروب أو درس في العبثية، أو النصوص الكبرى لبريشت، حيث يتم تنظيم القوى الأيديولوجية بناءً على الرسالة السياسية. والسبب بسيط: الحركة في الرقص، والإيقاع، والموسيقى، والأجساد في العمل الفني التي لها دور أساسي، مما يجعل فك الرموز السياسية أمرا صعبا.
وهكذا، يذوب الجستوس في الحركة، ولم يعد يتجسد في لوحة متحركة، أو في طبيعة صامتة ذات حواف دقيقة. وبدلًا من ذلك، يحصل على طاقة، وسلاسة، ودينامية تحقق قبولًا مؤثرًا من المشاهد. وتتكون القصة المنظمة في حلقات رقصية من مقدمة وختام تشكل المفتاح، سواء بالنسبة للموسيقى أو السياسة، فلكل حلقة من حلقات الحرب، مفتاح يحمل الجستوس السياسي العام للعمل بأكمله.
وعليه، ففي الوقت الذي اخترع فيه بريشت الجستوس، أخذ هذا الأخير معانيَ جديدة تمامًا، وانقاد فن الساحة في اتجاه يعيد فيه الروح إلى رقص الفعل والبانتومايم، ويخلق نوعًا جديدًا من الفن المسرحي، هجينا في تكوينه، وتحالفه الظاهر بين التفكير والطاقة، أو الرقص المسرحي. ويصبح الجستوس دافعًا متجسدًا: ليس نفسيًا بحتًا مثلما هو الحال مع ستانيسلافسكي، أو اجتماعيًا مثلما في أورغانون بريشت. ولكنه نفسي-فيزيائي، ومصنوع من الإجراءات الجسدية والرقصية: «فالدافع هو ما يوجه الطاقة نحو الحركة.»
الجستوس من بيرتولد بريشت إلى بينا باوش
تعتبر بينا باوش التي كانت تلميذة لكورت يوس في فولكسوانغشوله Folkswangschule في إيسن، نفسها ملتزمة بمبدأ مشابه، حيث إن إبداعاتها في الرقص المسرحي، تجمع بين الأداء التمثيلي والحركة النقية، ما بينها لحظات من التمثيل المسرحي، ولحظات من الحركة النقية؛ إذ تكون العلاقة مع الواقع أحيانًا وثيقة وتمثيلية. وأحيانًا يبدو أن الأجساد تتفاعل وتختفي في إحساس حركي، يشبه النشوة تقريبًا.
وفيما سماه إدواردو سانجوينيتي Eduardo Sanguinetti بـ»علم النفس الجسدي للحياة اليومية»، والذي يتعلق بعلم نفس الحياة اليومية لفرويد، تفحص بينا باوش العادات العصبية، والتكرارات والالتزامات في أجساد البشر لتشخيص مشاكل الأزواج، وصعوبات الحياة في المجتمعات المعاصرة. إن جوهر هؤلاء الأزواج ليس محللا، ولا يُرسم مرة واحدة للأبد، بل يتم امتصاصه، وتصغيره، وتسلسله في الأجزاء الدقيقة، وغير الملحوظة، في الأخطاء والإعادات، والانخفاضات، والصعود في الحياة اليومية للأزواج.
بهذا الشكل في عرض «بلوبار Blaubart» عند سماع أوبرا بيلا بارتوك، لا يُظهر قتل زوجة باربا بلو في مشهد مباشر ومحسوم، بل يقتصر على بعض الحركات القهرية التي تنقطع باستمرار في لحظات الحنان، والعادات الخاصة بمحبي الموسيقى؛ إنه يُعلن، ويُنفذ، ويُكرر من خلال أفعال تلقائية حيث لا يستطيع الرجل والمرأة، التمسك بمواقفهما، وأن يلتقيا بغض النظر عن حبهما ونواياهما الحسنة. وبدلًا من تقديم اللحظة المثالية التي تعبر عن عدم لقاء باربا بلو، وزوجته الشابة التي تعاني من مشكلة خطيرة في التواصل، تكرر بينا باوش وتفكك نفس السلسلة، بما في ذلك العناق أو الفراق بطريقة مشابهة لفرانسيس بيكون، في سلاسل من الشظايا المفصولة.
وهكذا، يظهر انقطاع الدافع الذي يقف وراء كل هذه التجليات المتسلسلة للحب والتفاهم الضعيف، فالانقطاعات لا تهدف إلى رسم الجستوس بشكل نقدي ومتناقض ليخبرنا عما يجب عدم فعله. وإنما يوفر انطباعًا جسديًا بالإجبارية، وشعورًا -لدى الراقصين والجماهير على حد سواء- بالدوار والإغماء، وحتى بالنشوة. وهكذا، يُؤجل الجستوس، مثلما يُؤجل الحل الكارثي أو الكوميدي الذي يتصف بكونه حلا مستحيلا، وغير قادر أن يتحقق إلا كنتيجة لدافع بدون هدف.
وعلى هذا الأساس، فإن الرقص المسرحي من يوس إلى باوش، يُجدِّد الجستوس الذي أصبح قابلًا للفهم بشكل مفرط، وبالتالي مملًا. ذلك أنه يعيد له قوته من خلال ربطه بحركية وإيقاع الجسد، وهذا درس لن ينساه الإخراج المسرحي.
الجستوس عند هاينر مولر
إنهم يتأثرون بقلق مماثل من عدم تجميد الجستوس في تحديد جاهز ومؤطر، حيث إن هاينر مولر عندما أخرج مسرحية «الصعود الذي لا يمكن مقاومته» لآرتورو أوي Ui Arturo، وهو تحية أخيرة للأب المحبوب والمكروه، والعمل الأخير الذي ربما يعتبر صناعيا وبسيطا قبل وفاته وربما وصيته.
ومن هذا العرض يبقى لدينا المزيد من الصور عن الجستوس. وعلى سبيل المثال، صورة من الدقائق الأولى لمارتن ووتكي Martin Wuttke الذي قام بدور البطولة وشارك في التمثيل، عاري الصدر ولسانه أحمر، ولديه شنب يشبه شنب أدولف هتلر، حيث يمشي على خشبة المسرح في بيرلينر أنسامبل Berliner Ensemble، وهو يتنقل في موقف كلب شرس ومرتبك، وجاهز للعض، ولكنه مرتعب، ويتوقف أمام الجمهور، ثم يرفع رأسه، ويعطي يده، فيصير جاهزا لكل شيء.
وبعد هذا البرولوج الكلابي أكثر من كونه محبوبا، وقبل أن يصبح بغلا، يتحول الكلب إلى بشر، ليستعيد وضعه الثنائي، ولكنه يحتفظ بنبرات أقرب إلى النباح من الكلام، ويقلد الصوت الحيواني والخشن الذي كان يتحدث به هتلر إلى الجماهير لجمعهم وحثهم على القتل. ويؤثر هذا الصوت اللاإنساني، على المستمع على المستوى الداخلي، ويحاول إغواء الغرائز الأساسية، ويستحضر وحشية وعنفًا مكبوتين، تمزج بين العدوانية والخضوع. فتمثيل شخصية أوي/هتلر يتم رسمه بشكل رائع، وجاهز لابتلاع المسرح.
ولكن من يستعد للهجوم بالضبط؟ والأهم؛ ومن يمتلك هذا الكلب الخبيث؟ هل هو دوغزبرو Dogsborough (هو كلب آخر مشهور)؟ أو ثلاثة رأسماليين جشعين في المقدمة؟ أو للشقراء الفاتنة، العارية تحت معطف الفراء؟ أم لبعض ثقوب الزهور؟ ولا يوجد شيء، يرتبط مع السياق والشخصيات الأخرى، سواء أكانت خيالية أو تاريخية.
يجب على المشاهد أولا تجربة الوحشية والإنسانية المنحطة تقريبا بشكل جسدي، وستأتي فترة التفكير لاحقًا، على الرغم من الإشارات المتكررة إلى الشخصيات التاريخية للنازية التي غالبًا ما تكون غامضة بالنسبة للجمهور الشاب في الوقت الحاضر. وصوت ووضعية الكلب المطيع، ستبقى أكثر تحفيزًا -كما لو كانت موجودة معمليًا- من الجستوس البريشتو-ماركسي.
يمكن التنازل الظاهر عن العقلانية والتفسير لأسباب كثيرة. أولًا، قد يُنظر إلى الجستوس على أنه جاف، وغير قادر على إقامة رابط معنوي بين النازية وألمانيا الموحدة. ثانيًا، قد تكون المسرحية أكثر قدرة على التعبير عن رعب الحيوانية، والقذارة من الذات، والدعوة إلى الغير من الجوانب العقلانية، ورفض الآخر من الأنماط النمطية الفاشية والنازية. أضف إلى ذلك، أنه قد يمكن استخدام المعالجة بالصدمات الأكثر فعالية في الثقافة الألمانية أيام التسعينيات، من استخدام الأنماط الأيديولوجية لنقل رسالة معينة.
يركز هذا النص على أن العرض المسرحي لا يهدف إلى تمثيل واقعي ودرامي للعنف، بل يتميز بتجميل المشهد والسخرية الحساسة وراء الحملة، بالإضافة إلى تصرف الممثلين تجاه النص والشخصية، مما يؤمن بعدا آمنا للعرض. وغالبًا ما يتحدث الممثلون مباشرة إلى الجمهور دون التفاتات، ويوجهون إليه كلامًا يمتلئ بالغناء شبه اللوري في أسلوب يشبه جوقة قديمة.
ويتضمن هذا الجهاز الملحمي والتطهيري، تجربة عاطفية مكثفة تجعل الشخص يشعر بالرعب قبل أن يثير الاشمئزاز، ويدفع إلى التفكير. وبالرغم من أنه ليس بعيدا كثيرا عن مفهوم الجستوس والتباعد كما فهمهما بريشت في نهاية حياته وكمخرج مسرحي، فإن الفارق يكمن في أن مولر يختصر ويعيد صياغة الكثير من الإحساسات الجسدية، والخوف غير المنطقي، والانطباعات المألوفة في مشاهد قصيرة، مما يجعل الجمهور يختبر الحوافز التجسيدية، والتاريخية بوصفها ضغطا للمواد التاريخية والأسطورية.
يُشار إلى اقتباس الجستوس «Zitatgestus» أو الإشارة إلى الاقتباس، فيما يتعلق بـمولر كشكل متقدم جدًا13، فتصورات الجستوس ما بعد الحداثي الأكثر راهنية -خطر النيونازية- منه إلى تولي هتلر السلطة. وهذا ما يتجلى في «بانكتوم punctum»، وهي إشارات مباشرة ومؤلمة ومحددة إلى نقاط حساسة في التمثيل، مثل حقنة توجه للمتفرج قصد إيقاظه، وتسعى إلى تحقيق تأثير مضاد إذا ما أمكنها ذلك. وينجح مثل هذا التحرك العلاجي بعض الأحيان في إعادة إحياء الكتلة الهائلة من أعمال بريشت التي تبدو ميتة إلى حد ما.
تركيب
عندما يُستخدم الجستوس بطريقة مُحافظة، على الطريقة التقليدية، كما في الثلاثينيات، والأربعينيات، أو الخمسينيات، يظهر الآن كأداة قديمة نوعًا ما، تفتقر إلى الحيوية والتأثير. فزمننا مُرهق من دروس التاريخ، ومن تبريرات الأيديولوجيا، ومن الإجابات الجاهزة التي مازالت ترتبط بالبريشتية، بغض النظر عن التجديدات التي طالتها، كصينية الطعام المتشققة للشيوعية.
يناسب زمننا أكثر التحلي بنزعة ما بعد الحداثة، وكل ما يمكن تجربته دون حل للصراعات، دون أمل في تغيير العالم. وبدلًا من الدروس المنهجية، والشرح الاجتماعي، وتبسيط الجستوس، فإن الكثير منا يفضل الانتقال إلى لحظة الإضاءة المفاجئة وغير المتوقعة، وإلى تجربة الكون المتناقض والحيّ في ذات الحين.
ما تغير جذريًا، ليس العالم وتناقضاته، بقدر ما هو جستوس استقبال الجمهور المشبع في نهاية هذا القرن. ولم يعد لديه الصبر لمشاهدة البناء التاريخي والأيديولوجي الذي يأخذ مكانه، ويريد الحل على الفور، ولم يعد بسبب «الانتظار المرهق للنهاية»، بل لأنه مقتنع لكونه لم يعد بحاجة للبحث، لأن الخبراء والحواسيب قاموا بكل الحسابات.
وإذا استمر الجستوس أو تجدد، فكأنه يقاوم على الرغم من نفسه، وذلك لأنه يوافق على إعادة إدخال الطابع المادي في التمثيل الميمي، والدينامية والحافز النفسي-الفيزيائي الذي يبدو أنه يمكن أن يوفره فقط للرقص أو المسرح الجسدي على خطر استيعابه. لتحل محله الحركة النقية، وتقنيات بذل الجهد للابان، أو الاشتغال السيكوفيزيولوجي، والبيوميكانيكي لستانيسلافسكي Stanislavski ومايرهولد Meyerhold. أما نجاح المسرح الراقص لبينا باوش، وماجوي ماران Maguy Marin، أو موريس بيجار Béjart Maurice، وانتعاش المسرح الجسدي والميمي المستمد من ديكرو Decroux، كلها أدلة ملموسة على إرث بريشت في قلب المتمردين المتقدمين في العشرينيات والثلاثينيات.
وإذا كان الجستوس مهدد بالضعف والاندثار في النظرية والممارسة، فذلك لأنه افتقد جرأة تلك الطلائع، ورغبته في قول الأشياء عن العالم بطريقة تجعله يتغير، فالعدو للطلائع الجريئة والسياسية لم يعد له راهنية، لأن المسرح البرجوازي انتفى، منذ أيام شباب بريشت، بل هو المسرح الذي يعتمد من جهة على الصور، والقادر على استيعاب الجسد وتعبيره الاجتماعي في جماليته الفتاكة؛ ومن جهة أخرى، فالمسرح الجسدي والرقص المسرحي، ينتميان لتصورات الجسد والحركة، وإلى نمط تمثيلي مختلف تمامًا، حيث يكون الجسد، بدلًا من الجستوس، أكثر دفعا وتحفيزا، وقادرا على الظهور بشكل مفاجئ وتدمير كل خيال.
ومن ثمة، فالرقص المسرحي والطرائق الجسدية الجديدة للتأثير النفسي-البدني، مثل تلك التي يقدمها مولر على وجه التحدي، تعتبر العدو أو على الأقل، التحدي الموجه للمسرح السياسي المبني لا سيما على الجستوس والبريشتية. وهذه الأشكال الجسدية المرنة للتعبير، تتيح للجسد متسعا للتلاعب، وقد جددت -وليس أفنت- المسرح السياسي الذي اعتمد في الماضي على الديالكتيك والجستوسية.
أما الآن لم نعد في الثنائيات ضمن الفكر الجدلي للتفسير، وفي الجستوس التوضيحي. ذلك أننا نتطلع إلى وحدة للتعبير الكامل والحركة المتجسدة، ونبحث عن جسد يتألق في اللحظة التي يحترق فيها، كما الضحية في فكر أرتو الذي مازال يشير من جحيمه، كما العروض الفنية التي -من ستانيسلافسكي إلى جروتوفسكي- تنفذ فعلا، يكفي في ذاته.
هل يجب أن نحتفظ بالجستوس في حالة سبات في انتظار الحدث الكبير؟ وهل يجب أن نعطي إجازة للجسد البيولوجي لنتمكن من التحكم بالجسد الاجتماعي والثقافي بشكل أفضل؟ ثم هل يجب أن نضحي بحركة الأعضاء من أجل حركة رؤوس الأموال؟ وهل احتضر جسد الجستوس بوصفه علامة اجتماعية على إنسان يتصف بالاختلاف؟ وهل استبدلت المحفظة الإلكترونية القلب ومنطقه؟ ربما، بل دون أن ندرك ذلك.
إننا بحاجة لذلك، إذا كان هناك وقت للاختيار بين مسرح ناشط سياسيا ومتحمس للغاية، حيث تكون الأجساد مميزة بتلك الإيماءات الواضحة، ومسرح إما افتراضيا بشكل كلي، وهادئا كصورة جميلة، أو جسديًا بحتا، بلا ترابط اجتماعي وبلا أفكار خلفية؟ ولنأمل أن لا يتحقق ذلك. وثمة آمال أن في غدنا المحبط، سنكتشف مسرحًا للإيماءة، يجمع بين دقة المعنى اللفظي، وقوة التأثير النفسي المتجسد.
الهوامش
– معجم بافيس، [1978] 1985.
– بريخت، 1967: المجلد 16، الصفحة 690.
– بريخت، 1992: المجلد 21، ص 395.
– بريخت، 1967: المجلد 15، الصفحة 375.
– م. نفسه، ص 482.
– م. نفسه، ص 484.
– مارسيل موس [1934] 1990، ص 365.
– بيير بورديو، 1994: 172.
– م. نفسه، ص170.
– إيلين دايمون 1988: ص 89.
– مستشهد في تومبكينز وهوليدج، 1997: 107.
– جورجيو ستريلر 1980: 106.
– ماكلين، 1996: ص13.
Bibliographie:
BARTHES, Roland (1980), La Chambre claire. Essais sur la photographie, Paris, Cahiers du cinéma.
BOURDIEU, Pierre (1994), Raisons pratiques. Sur la théorie de l’action, Paris, Éditions du Seuil.
BRECHT, Bertolt (1963), Petit Organon pour le théâtre, Paris, L’Arche.
BRECHT, Bertolt (1967a), Gesammelte Werke, Frankfurt am Main, Suhrkamp.
BRECHT, Bertolt (1967b), Modellbuch Theaterarbeit, Berlin, Henschelverlag.
BRECHT, Bertolt (1992), Werke, Berlin und Weimar/Frankfurt am Main, AufbauVerlag/Suhrkamp Verlag.
DELEUZE, Gilles (1983), L’image-mouvement, Paris, Éditions de Minuit.
DIAMOND, Ellen (1988), «Brechtian Theory/Feminist Theory », The Drama Review,
Spring, p. 82-94.
HASTRUP, Kirsten (1996), «Incorporated knowledge», Mime Journal, n° 4, p. 2-9.
LYOTARD, Jean-François (1970), Discours, figure, Paris, Klincksieck.
LYOTARD, Jean-François (1973), « La dent, la paume », dans Jean-François LYOTARD, Des dispositifs pulsionnels, Paris, Union générale d’édition, p. 95-104.
MACLEAN, Hector (1996), «Gestus in Performance : Brecht and Heiner Muller».
Manuscrit inédit.
MAUSS, Marcel ([1934] 1990), «Les techniques du corps», dans Marcel MAUSS,
Sociologie et anthropologie, Paris, Presses universitaires de France, p. 363-386.
PAVIS, Patrice ([1978] 1985), «Mise au point sur le gestus», dans Patrice PAVIS, Voix et
images de la scène : vers une sémiologie de la scène, Lille, Presses universitaires
de Lille, p. 83-92. [D’abord paru dans Silex, n° 7, p. 68-76.]
PAVIS, Patrice (1997), « Le gestus brechtien et ses avatars dans la mise en scène
contemporaine ». Texte présenté au colloque « Van Brecht tot Bernadetje », à
Anvers, en août. Inédit.
PAVIS, Patrice (dir.) (1999), La dramaturgie de l’actrice, Bruxelles, Éditions Degrés.
STREHLER, Giorgio (1980), Un théâtre pour la vie, Paris, Fayard.
TOMPKINS, Joan, et Julie HOLLEDGE (dir.) (1997), Performing Women/Performing Feminisms: Interview with International Women Play-Wrights, Australian Drama Studies Association Academic Publications, n° 2.
VIGARELLO, Georges (1978), Le corps redressé, Paris, Delarge.
الإحالة الكاملة لأصل المقال بـ:
Patrice Pavis : Le gestus brechtien et ses avatars dans la mise en scène contemporaine, L’Annuaire théâtral, Revue québécoise d’études théâtrales, Numéro 25, printemps 1999, p. 95–115.