جورج ضرغام *
جدران مطلية بمخيلة غراب.
بيوت عرجاء تخبئ خلخالها في جيب عاصفة متسولة.
نهود مشنوقة على باب عاصمة النحيب.
صهيل نافق من عيون بنات الجن.
أشجار حمراء مسكونة بروح دجاجة شريرة،
تفقس فساتين تزقزق لسهرة تتثائب.
ظللان يتشاجران خلف وردة:
أيهما لص، وأيهما تاج لخليفة الموتى.
بحر يفك أزرار قميصه لعارية مرجومة
تحصد شعر صدره لذاكرة صلعاء.
قشر بيض ملاك باهت
ضاجع زنجية مسلوقة.
ويد مجروحة تغسل بقع نسيانها
بحمامة ثلجية،
ثم تغزل قفازًا نقيا من صوف
الوحي لمناقير الفراغ:
سيحمل كل منقار خصلة ملفوفة
من شعر حزين،
خاتمًا لزفاف الأصابع البعيدة..!
ورأيتُ شفاةً تسقي الفنجان رملاً..
ثم تقرأ طالعه:
سترفع نساء القبيلة نهودهن الخاثرة
على قبعة الحيات
كرايات ماكرة لإحباط الكفوف.
ورأيتُ شاعرًا يخصي بندقية تائهة،
ويمسحها عصًا عاقرًا لنبي
يرسم الحدود بصرخات نيئة!
ورأيتُ عصافير تتقيأ أحذية موسيقية
لرؤوس غرقى البحر المزواج.
ومسامير تنزف.. دقوا في ساقها رجلاً حافيًا،
خلع حذاء الخطيئة، ووقف دهرًا
يمسك صورة حبيبته خلف كوابيس مكسورة.
ونايًا سحريًا يثقب حناجر الريح
في التفاسير،
ويخبئ نحل الأنوثة.
ورأيتُ الصيف رجلاً أصفر
يضاجع الشمس من ثقب أفكارها.
ورأيتُ حصان لعاب يولد من شفة العتمة،
وزوجها مترجم لسان المطر الفصيح لصغار النهود الحافية.
كان يحبل على رائحة القهوة بمعركة خاوية،
وزجاجة شعر حامض،
وتوأمين:
أحدهما ملاك حارس لأكتاف المدينة،
والآخر تمثال مذبوح لمرضعة الفزع.
ورأيتُ عائلة عيون مقضبة بشعر
منسدل من شلال ملائكة،
كانت مثبتة على أسنة أنياب
تتنهد. قلتُ ألمّعها
بما تبقى في جوفي من البئر وعرق القبيلة.
لكن صرختْ الحجارة، وبعض أحذية غارقة في قاعي
فانتفضتُ، وتركتها بضمائر
مسوسة، كي أفيض
لشقوق أرامل قلبي. لكني
ألتفتُ فجأة فوجدتها
شموعا معتمة..أشعلتها بزفيري
لاقرأ صورتي واضحة
في ذهن مقهى الملل:
كنتُ طائرًا للماء منذ أن خُلقتُ
من لعابك،
ومتُ حين تعريتُ لثلج أخر الأغنيات!!