مقدمة
يصنف علماء الاجتماع وسائل الإعلام
في خانة تصنيف أطر التنشئة الثانوية خلافا لمؤسستي الأسرة والمدرسة اللتين تنتميان إلى أطر التنشئة الاجتماعية الأوليّة والأساسيّة. وبذلك تكون وسائل الإعلام محدّدا مهما من محدّدات تنشئة الأفراد اجتماعيا حتى وإن كانت هذه الأهمية ثانوية وتشترك في الدور والوظيفة مع أطر اجتماعية أخرى مثل أصدقاء الجيل ودور العبادة وغيرهما. ونفترض أن قوة البعد الاجتماعي للعملية الاتصالية والإعلامية والوظائف الاجتماعية المهمة، التي تقوم بها وسائل الإعلام على غرار التنشئة الاجتماعية (la socialisation) والاندماج الاجتماعي (lصintégration sociale) ، هي التي أعطت المشروعيّة العلميّة السوسيولوجيّة لقيام فرع داخل علم الاجتماع العام يسمى: علم اجتماع الإعلام.
ولكننا إذا أضفنا إلى هذا الاعتبار، تلك الحيرة المعرفية التي انطلقت مع بداية القرن العشرين والتي شهدت تساؤلات جديّة حول الماهية الجديدة للمجتمعات وأثر وسائل الإعلام الجماهيرية في التغييرات التي عرفتها ماهية المجتمع الحديث وما مصداقية ما يسمى المجتمع الجماهيري ثم وصف مجتمع المعلومات، إذا ما أضفنا عامل هيمنة وسائل الإعلام اليوم على الحياة اليومية للأفراد والمجتمعات، إلى أي حدّ يمكن القبول بالتصنيف السوسيولوجي لوسائل الإعلام الجماهيرية كمؤسسات للتنشئة الاجتماعية الثانوية؟
لقد خيّرنا استهلال هذه المقالة الأوليّة والاختزالية بطرح تساؤل نعتقد في مشروعية التفكير فيه بالرغم من أنه لن يستأثر إلا بعنصر من عناصر تحليلنا، على اعتبار أن مشروعيته كتساؤل يستند إلى مؤشرات تدعمه(1)، ستجد صداها عند مقاربة مكانة وسائل الإعلام من منظور التحليل البنائي الوظيفي وأيضا النظريات النقديّة التي تهتم بالتأثيرات الاجتماعية لوسائل الإعلام وكيف أنها تخدم العلاقات الاجتماعية القائمة أكثر على التنافس والصراع والهيمنة وذلك مقارنة بخصائص البناء الاجتماعي المنظور إليه بنيويا ووظيفيا من زاوية التعاون والانسجام.
كما أن اختيارنا لهذين الباراديغمين(2) أساسا لا يعني إغفالنا مثلا لباراديغمي الفردانية المنهجية والتفاعلية الرمزية حيث يمكن الاعتماد عليهما في نقد النظرتين. مع العلم أن التركيز على النظرية البنائية الوظيفية(3) والمدرسة النقدية يعود إلى أن كلتا النظريتين قد اهتمتا تاريخيا بمسألة وسائل الإعلام الجماهيرية كنظم اجتماعية إضافة إلى أن معظم الأبحاث ونماذج الاتصال العلمية المتعلقة بوسائل الاتصال والإعلام، هي ذات خلفية وظيفية أو نقدية أو الاثنين معا.
لذلك، فإن هذه المقالة ستستعين في تحديد كيفية تصور النظرية البنائية الوظيفية والنظريّات النقدية ليس فقط بالأسس الفكرية العلمية للنظريتين، بل وأيضا ببعض نظريات الاتصال التي رأينا مشروعية توظيفها في تحليلنا وذلك مثل نظرية الاعتماد على وسائل الإعلام ونظرية الاستخدام والإشباع ونظرية ترتيب الأوليات ونظرية الغرس الثقافي وبعض نظريات التأثير.
فكيف يمكن أن نفهم ونفسر وظيفة أو وظائف وسائل الإعلام وتأثيراتها المختلفة في المعيش اليومي للأفراد والمجتمعات عموما (مع بعض الإحالات القليلة على المجتمعات العربية)، من خلال محاولة تطبيق الأسس الجوهرية لنظريتي البنائية الوظيفية والنقدية، وهل من الممكن أن نخلص بعد ذلك إلى التلويح بأهمية فكرة مراجعة التطبيق السوسيولوجي لوسائل الإعلام واعتبارها من مؤسسات التنشئة الاجتماعية الأوليّة؟
يُعرف دينيس ماكويل (D. Mcquail) وسائل الإعلام بأنها مؤسسات تهتم بإنتاج المعلومات والأفكار والثقافة وتوزيعها على الناس تلبية لحاجياتهم الاجتماعية(4) وهي أيضا «الأجهزة الأساسية للعلاقات الاجتماعية»(5).
كما أنها- أي وسائل الإعلام- «الأداة الرئيسية لعملية الإعلام بكل خطواتها بدءا من اختيار الفكرة وصياغتها في رسالة ذات محتوى وشكل معين إلى أن نصل إلى جمهور المتلقين لتحقيق وظائف أو غايات معينة ذات علاقة بالفرد والمجتمع»(6).
واستنادا إلى هذه التعريفات المتقاربة، يبدو البعد السوسيولوجي لوسائل الإعلام حاضرا بقوة. فهي نظم اجتماعية تحتكم إلى ما تحتكم إليه أجزاء النظام الكلي من وظائف وعلاقات متبادلة، ناهيك عن دورها في تحقيق ما يسميه اميل دوركايم
(Emile Durkheim) مبدأ التساند الوظيفي. وقد حدّد بعض خبراء الاتصال والإعلام وسائل الإعلام الجماهيرية بأنها «مجموعة الوسائل والأدوات التي تسهل عملية النشر والتوزيع على نطاق واسع»(7)، علما بأن وسائل الإعلام التي نركز عليها في هذه المقالة إنما هي الصحافة المكتوبة والصحافة السمعية والبصرية(8).
1) البنائيّة الوظيفيّة: كليّة النسق والتكامل الوظيفي
تقوم النظرية البنائية الوظيفية ( Structuro-Fonctionnaliste) التي ظهرت على يد البريطاني هربرت سبنسر (Herbert Spencer) (1903-1820) على الجمع بين مفهومي البناء والوظيفة مع تأكيد ترابطهما المنطقي والآلي.
فهي نظرية توفيقية تُوظف مفاهيم البنائية والوظيفية قصد الترفيع من سقف إمكانات فهم المجتمع وما يتضمنه من وحدات ونظم وأنساق فرعية وما يستند إليه من علاقات اجتماعية تواصلية وتفاعلية.
وتحظى هذه النظرية التي ظهرت في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بتراكم فكري مكنّها بفضل خاصة أعمال تالكوت بارسونز (Talcott Parsons) وروبرت ميرتون (Robert Merton)(9) من أن تعرف تطورات عدّة وحركة نقديّة داخلية وذاتية تطال أحيانا المسلمات الأساسية، الشيء الذي جعل من باراديغم البنائية الوظيفية جهازا غنيا ومتنوعا، قادرا على الاستمرارية رغم أنه يندرج ضمن النظريات الكلاسيكية والمحافظة والشمولية.
ولعل أول خطوات فهم الإطار الفكري للبنائية الوظيفية، هو التعرف إلى أهم الرّوافد الفكريّة السابقة لظهور البنائية الوظيفية التي نهلت منها ومن ثمة صاغت تصوّرها للمجتمع وللفعل الاجتماعي بصفة عامة، من منطلق أن هذه النظرية هي ثمرة تفاعل آفاق فكرية مختلفة.
فلقد شكل المذهب الوضعي (Positivisme) الذي وضعه الفرنسي أوقيست كونت (August Conte) أحد الجذور الفكرية للبنائية الوظيفية حيث أخذت عنه معطى التوازن بين مختلف الأجزاء المكونة للاجتماعي.
وإلى جانب الفلسفة الوضعية التي تتعامل مع البنى الاجتماعية بوصفها «أشياء»، نجد رافد الاتجاه العضوي( la perspective organique) المؤسس على أبحاث تشارلز داروين(Charles darwin)(10) وأيضا هربرت سبنسر وغيرهما، الذي يصوّر المجتمع أي – الرافد العضوي- باعتباره « كائنا عضويا حيا، يتكون من مجموعة من الأجزاء التي يؤدي كل منها وظيفة لصالح بقاء الكل واستمراره حيا»(11)، بمعنى أن التفسير البيولوجي مُهيمن على كيفية تصوّر المجتمع والبعد الوظيفي لأعضائه حيث إن هذا التفسير يُشابه بين جسم الحيوان والمجتمع من ناحية العمل وتساند الأعضاء لضمان الحياة والاستمرارية وهو ما نجد له صدى في فكر دوركايم القائل بأن وظيفة العناصر الاجتماعية تتمثل في مساهمتها في الحفاظ على مجرى الحياة في المجتمع وأيضا رادكليف براون الذي يعرف الوظيفة بكونها «المساهمة في استمرارية البناء الاجتماعي وثباته»(12).
ومن علم الإحياء والبيولوجيا إلى علم الإنسان (Anthropologie) إذ استفادت البنائية الوظيفية من أبحاث مالينوفسكي(Malinowski) ورادكليف براون
«Radcliffe-Brown ومارغريت ميد (Margaret Mead) القائمة على أهمية القيم والثقافة والمعايير ودورها في تحقيق الاستقرار والتماسك والانضباط الاجتماعي(13). ويمكن القول إن التطورات التي شهدتها النظرية البنائية الوظيفية ذات صلة بالخصوص بالرافد الأنثربولوجي مهمة ونقطة تحول نوعي في بداية التقليص من هيمنة التمشي الإمبريقي
(une démarche empirique) رغم نقد روبرت ميرتون لمسلمة الاستقرار والتوازن التي تنطبق على المجتمعات البدائية أكثر من المجتمعات الحديثة والتي من خصائصها الدينامية والتعقيد وما قد ينتج عنهما من حالات عدم الاستقرار.
وفي ضوء هذه الروافد مجتمعة يمكننا فهم طبيعة الأفق الفكري والمفاهيمي للبنائية الوظيفية وإحالات مسلماتها الأساسية المتمثلة اختصارا في:
– يحكم الاستقرار والتوازن كافة وحدّات المجتمع التي تشكل مجتمعة كلا عضويا هو البناء الاجتماعي. بمعنى أن « تفسير وجود أي جزء من الأجزاء يتم بالنظر إلى الوظيفة التي يؤديهما في إطار الكل وأن فاعلية الجزء ذات صلة بمتطلبات الكل ومؤثرة فيه»(14).
– تؤدي أجزاء المجتمع وظائف وتخضع إلى مبدأ التساند الوظيفي والاعتماد المتبادل بين البنى والأنساق الفرعية للنسق الكلي.
استنادا إلى هذه الروافد والمبادئ والمفاهيم الأساسية، فكيف يمكن أن نحدّد تصور البنائية الوظيفية لوسائل الإعلام كنسق فرعي وجزء من كلية النسق؟
1-1 وسائل الإعلام أو «الأجهزة الأساسيّة للعلاقات الاجتماعيّة» :
من المهم التذكير بأن الاتصال من العمليات الاجتماعية الأساسية التي تقوم عليها حياة الأفراد والمجتمعات، وهو ما يفسر لنا توظيف علم الاجتماع وعلم النفس لعدد من النظريات أو النماذج الاتصالية على غرار نظرية التعلم مثلا.
فالاجتماعي يتجلى في كل أنماط الاتصال المتمثلة في الاتصال الشخصي والجماعي والجماهيري وغير ذلك، كما أن الفعل الاتصالي ببعديه الإنساني والاجتماعي شرط وجود المجتمع واستمراريته. ومن ثمة فإن أهمية وسائل الإعلام في صلة بالتراث الاتصالي الإنساني ولا تعني حداثتها بالمعنى التقني والتكنولوجي أن جوهر العملية الاتصالية المتكونة من باث ومتقبل ورسالة قد تغيرت. أي أن وسائل الإعلام تنضوي ضمن وسائل الاتصال وما ينطبق على العملية الاتصالية من عناصر وحاجات وتفاعلات مختلفة وكيف أنه – أي الفعل الاتصالي- يرنو إلى إشباع حاجيات الفرد وتوقعاته، ينطبق كذلك على العملية الإعلامية. وما الأهمية المتزايدة التي باتت تعرفها منذ عقود وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية إلا تعبيرا عن تزايد الحاجة إلى الإعلام وإلى تعقد الواقع الاجتماعي وتعمق تبعية الفاعل الاجتماعي اليوم إلى وسائل الإعلام.
واستنادا إلى فكرة كلية النسق واضطلاع الجزء بوظيفة داخل الكل، فإن وسائل الإعلام هي نظم اجتماعية ونسق فرعي يؤدي وظائف اجتماعية تساهم في تحقيق التوازن والاستقرار الاجتماعيين (15)على اعتبار أن المؤسسات الاجتماعية في التحليل الوظيفي تثبت النظام والتوازن داخل المجتمع. بمعنى أن وسائل الإعلام كجزء من البناء الاجتماعي هي متغير مستقل وعضو يساند وظيفيا النظام العضوي للمجتمع وينسحب عليه ما ينسحب على الأعضاء أو الأنساق الفرعية الأخرى. بل إن وسائل الإعلام في ضوء أفكار هربرت سبنسر تغدو مكونا رئيسيا وقاعديا للنظام العضوي الكلي وتحديدا لما يسميه «الجهازين العضويين» وهما الموزع والمنظم(16).
1-2 المعلومات: محرّك الأنشطة الاجتماعية
والحقيقة إن الفكرة المركزية التي أهلّت وسائل الإعلام إلى أن تكون نظما اجتماعية ذات دور مؤثر وقوي في حياة الأفراد والمجتمعات، تتعلق بكون وسائل الإعلام منتجة للرسائل المعلوماتية وإذا ما وضعنا في الحسبان حاجة الفرد الحيوية إلى المعلومات وكيف أن المعلومة أو الخبر «ركيزة كل نشاط اجتماعي»(17)، فإننا سندرك حتما سر العلاقة القوية والإلزامية اليوم بين الأفراد ووسائل الإعلام بحكم اعتماد الفرد عليها في اكتساب المعلومات التي تمكنه بدورها من فهم بيئته والتفاعل معها وفق ما وفرته له وسائل الإعلام من معرفة مؤطرة لسلوكه الاجتماعي ولطبيعة تفاعله.
وفي هذا السياق، يبدو لنا طرح التساؤل البسيط حول أسباب استخدام الناس لوسائل الإعلام من قراءة للصحف واستماع للإذاعات ومشاهدة للقنوات، قد تقودنا ليس فقط إلى تحديد دواعي الاستخدام ومبرراته وإنما أيضا إلى التعرف إلى طبيعة تلك الحاجات وعلى رأسها «الحاجة إلى التكيف مع الأفكار والممارسات والتقنيات الجديدة»(18) التي تقوم بتلبيتها. وتحديدا نشير إلى نظرية الاستخدام والإشباع التي كشفت عن العلاقة بين الاستخدام والإشباع في مجال وسائل الإعلام: إحدى الدّراسات التي قامت عليها هذه النظرية هي الدراسة التي أجراها بيرنارد بيرلسون (B. Berlson) سنة 1949 تتعلق بما مثله حدث توقف ثماني صحف عن الصدور لمدة أسبوعين بالنسبة إلى القراء وذلك بسبب إضراب عمال التوزيع في نيويورك. أظهرت هذه الدراسة التي أجريت قبل قرابة 65 عاما أن الصحف تؤدي عدة أدوار وهي تقديم المعلومات العامة وتفسير الأحداث وتقدم معلومات حول المال والطقس إضافة إلى أنها أداة للهروب من العالم اليومي(19).
والظاهر أن نتائج هذه الدراسة لا تزال ذات مصداقية إن لم تتأكد أكثر فأكثر باعتبار مضاعفة أسباب الاستخدام والحاجات الباحثة عن الإشباع في عصر تُهيمن عليه مشاعر وحالات القلق والخوف والاغتراب. كما يكشف التزايد الهائل التي أصبح يعرفه عدد القنوات الإخبارية، عن تخمة في الأحداث وتشابكها وازدياد الغموض، الذي ولّد بدوره حاجات نفسية وإدراكية متزايدة تبحث عن التفسير والفهم إذ العلاقة بين خفض الغموض وخفض التوتر عضويّة وجدليّة. ولعله من المهم ملاحظة أن الجمهور حسب الإطار الفكري لنظرية الاستخدام والإشباع ليس سلبيا . بل إن العلاقة مع وسائل الإعلام تحتكم إلى التفاعلية بين أهداف الجمهور ودور المتغيرات الوسيطة في تحديد هذه الأهداف وسعي وسائل الإعلام الجماهيرية التقليدية إلى إشباع مقاصد الجمهور وحاجياته.
توصل دينيس ماكويل (Denis McQuail) – الذي يعتبر وسائل الإعلام الجماهيرية في قمة الهرم الذي اقترحه للمستويات المؤلفة للحقل الاتصالي – إلى ضبط الحاجيات التي تلبيها وسائل الإعلام وهي تتوزع ما بين اكتساب الأخبار والمعلومات عن البيئة المحيطة وتحقيق الاندماج ودعم السلوك والاتجاهات، محدّدا في مقابل ذلك ومن صلب الحاجيات المعلنة وظائف الإعلام المتمثلة في تحقيق الفهم والمراقبة ودعم العلاقات الاجتماعية والتركيب الهوياتي الشخصي والاجتماعي للفرد ووظيفة الالتحام الاجتماعي والتفاعل الاجتماعي وأيضا وظيفة الترفيه(20).
وباعتبار أن إفراد «مساحة للترفيه هي من خصائص الحضارة الصناعية والتقنية»(21)، فإن التسلية تعد وظيفة أساسية من وظائف وسائل الإعلام وهي تلبي حاجة نفسية اجتماعية حيث تساعد التسلية الأفراد على مقاومة ما يتصف به اليومي من «ظلمة قاتمة»(22) حسب وصف ميشال مافيزولي (Michel Maffesolli) إذ يحدّد خصائص الحياة اليومية في «التناقض الوجداني وتعدد الدلالات والتبدلية وانعدام الأهمية والتكرار»(23)
فالترفيه أو ما يعبر عنه في نظرية اللعب في الاتصال الجماهيري باتصال المتعة يمثل أحد أهم أسباب « تعرض الأفراد إلى وسائل الإعلام للتحرر من ضغوط الضبط الاجتماعي»(24)
أما كاتز(E. Katz) ، فقط ضبط حاجيات الأفراد في خمس حاجيات كبرى هي الحاجيات المعرفية المتمثلة في اكتساب المعرفة والفهم والأخبار والوجدانية النفسية والشخصية والاجتماعية ومعالجة التوتر(25) وهو تلخيص بليغ يكشف إحاطة وسائل الإعلام بعدة وظائف تعالج مختلف أبعاد الفعل الاجتماعي.
ولمزيد تأكيد مركزية وظيفة تقديم المعلومات للأفراد وللجمهور في منظومة الوظائف الاجتماعية التي تؤديها وسائل الإعلام ، نذكر نظرية ترتيب الأولويات (26) التي ظهرت 1958 بانتباه من الباحث برنارد كوهين (Bernard Cohen) وهو ما يعني أن علاقة الفاعلين الاجتماعيين بـ«المعيش اليومي»(27) تُشكلها الرسائل المعلوماتية والثقافية التي تبثها وسائل الإعلام ممّا يكشف عن قوة تأثير وسائل الإعلام صحفا وإذاعات مسموعة ومرئية في حياة الناس اليومية وتغلغلها إلى درجة لعب دور تأطيري لأنماط السلوك الاجتماعي وذلك من خلال تركيز وسائل الإعلام على قضايا وأحداث بعينها وإهمال قضايا أخرى بمعنى أن وسائل الإعلام هي من يرتب انتقائيا مراكز اهتمام الرأي العام وتوجهه.
وفي هذا الصدد من غير الممكن القفز على دراسة هارولد لازوال (Harold Lasswell) ذات الجذور الوظيفية في مقاربتها لتأثير وسائل الإعلام الجماهيرية ذلك أن نظريته المسماة «إطلاق الرصاصة» أو «الحقنة المخدرة»، إنما تقوم على تأكيد قوة تأثير وسائل الإعلام على الجمهور وهي قوة شبهها بالرصاصة وتأثيرها – أي وسائل الإعلام- اعتبره مطابقا لتأثير الحقنة المخدرة. فأنموذج لاسوال للاتصال تكمن أهميته في إضافة عنصر التأثير (من؟ يقول ماذا؟ وبأي وسيلة؟ ولمن؟ وبأي تأثير؟) وهي الإضافة المدخل التي قدم في إطارها قراءة في تأثير الدعاية خلال الحرب العالمية الأولى منتهيا إلى مجموعة من الاستنتاجات وهي القوة الكبيرة لوسائل الإعلام في التأثير على سلوك الجمهور وكيف أن وسائل الإعلام هذه، هي أدوات لإدارة الرموز المؤثرة وتوزيعها على الرأي العام(28) .
إلى جانب قوة وسائل الإعلام من ناحية كونها مصدرا للمعلومات وموزعة لها وتطور أدواتها في الإحاطة السريعة وأحيانا الفورية لما هو حدث آني، فإنها تمثل مصدرا أساسيا اليوم في تشكيل رأس المال الرمزي للأفراد والجماهير وذلك من خلال أداء وظيفة نقل التراث الاجتماعي والتدخل في تشكيل المخيال والتمثلات الاجتماعية الشيء الذي يفيد أن التحليل البنائي الوظيفي لوسائل الإعلام قد استفاد وأصبح أكثر مصداقية مع الأعمال الوظيفية النقدية التي قدمها الوظيفيون الجدد تالكوت بارسونز وروبرت ميرتون. ونقصد بذلك أن نظرية تالكوت وكيفية فهمه لبنية الفعل الاجتماعي تنطبق كذلك على وسائل الإعلام التي تمثل نسقا فرعيا داخل النسق الكلي. من هذا المنطلق الذي يقارب فيه بارسونز الفعل الاجتماعي مقاربة لا فقط وظيفية وإنما خصوصا منظومية(29) أي أنه يفهم الفعل الاجتماعي كمنظومة اجتماعية كاملة أضاف إليها إلى جانب الوظائف السابقة الذكر وظيفة المحافظة على الأنماط والمعايير.
ربما ا الاستنتاج أن وسائل الإعلام تقوم بوظيفة ثقافية تربوية أحيانا معلنة وأحيانا غير ذلك وهي وظيفة استدعاء الثقافي للضبط الاجتماعي ممّا يعزز التحليل الوظيفي لوسائل الإعلام بحكم جوهرية المسألة الثقافية وتموقعها في جوهر ما هو اجتماعي سواء في أنماط سلوك الفرد أو الجماعات أو المجتمع . فالحياة الاجتماعية الإنسانية تتميز بوجود الثقافة والتقاليد الثقافية والواقعة الاجتماعية تنقل طرائق التفكير والشعور والتفاعل(30).
من جهة ثانية نعتقد أن وجاهة نقد روبيرت ميرتون لمبدأ التكامل والانسجام لم يُضعف المنظور البنائي الوظيفي لوسائل الإعلام، بقدر ما دعمه وجعله أكثر موضوعية وذلك لأن تنسيب مبدأ التكامل والتماسك الاجتماعيين أكثر تلاؤما مع طبيعة المجتمعات الحديثة التي تعاني أحيانا من عدم التكامل والتفكك والانحراف. لذلك، فإن تنبيه ميرتون في كتابه «عناصر النظرية والمنهج السوسيولوجي» إلى ضرورة الحذر من فكرة التكامل والانسجام للنسق الكلي والتشكيك فيها(31)، تدافع عنه ظروف نشأة السوسيولوجيا نفسها ، فلا يجب أن ننسى كون السوسيولوجيا هي إرثا للحداثة مع ما يعنيه ذلك من ظهور مشكلات اجتماعية جديدة تنتج بدورها حالات عدم الاستقرار أكثر من أوضاع متماسكة.
كما أن الحاجة إلى المعلومات والتفسير وخفض التوتر والغموض تعرف تصاعدا نوعيا في أوقات عدم الاستقرار والأزمات والأحداث الساخنة والحروب والنزاعات أكثر منه في حالات الاستقرار والتوازن الاجتماعيين حيث إن متابعة أخبار الصحف والإذاعات والقنوات التلفزية تصبح ممارسة ثقافية أساسيّة وتتضاعف كثافة التعرض إلى وسائل الإعلام السمعية البصرية الجماهيرية وذلك بحثا عن إشباع معرفي ونفسي واجتماعي(32).
إذن يمكن القول إن وسائل الإعلام وتحديدا الجماهيرية منها نظم اجتماعية مؤثرة إلى حد كبير في المعيش الاجتماعي اليومي للفاعلين الاجتماعيين الذين تربطهم بها علاقة اعتماد متقدمة حتى أن بعض الخبراء يرون في وصف «التبعية» أكثر دقة وتعبيرا عن طبيعة العلاقة التي باتت تحكم علاقة الأفراد والمجتمعات بالصحف والإذاعات والتلفزيونات وغيرها من وسائل الإعلام الجماهيرية ذات التأثير الجماهيري القوي.
1-3 لزوم الاعتماد المتبادل على وسائل الإعلام في المجتمعات الرّاهنة
إن فكرتي الاعتماد والاعتماد المتبادل هما أهم إضافات النظريات الشهيرة التي تحمل اسم «نظرية الاعتماد على وسائل الإعلام». فقد كشفت هذه النظرية التي مرت بعدة أطوار، العلاقة الدائرية بين الجمهور ووسائل الإعلام والمجتمع وأن ظاهرة الاعتماد على وسائل الإعلام إنما هي تعود إلى الوظائف التي تؤديها والمتمثلة حسب أصحاب هذه النظرية التي توصف بأنها نظرية «بيئية» ، في الإعلام والتعلم والإقناع والعلاقات العامة والتغيير الاجتماعي(33). ومن ثمة، فإن الفكرة الجوهرية في نظرية الاعتماد على وسائل الإعلام ذات الجذور البنائية الوظيفية تكمن في تأكيد قدرة وسائل الإعلام والاتصال على التأثير المعرفي والنفسي العاطفي وأيضا في طبيعة الممارسات بحكم امتلاك وسائل الإعلام للمعلومات وقيامها بالتوزيع والنشر. وإذا كانت هذه النظرية التي ظهرت في أنموذجها الأول سنة 1976، قد ركزت على مسألة المعلومات ومركزيتها في ظاهرة اعتماد الأفراد والمجتمعات على وسائل الإعلام ، فإن التطورات التي قدمتها عام 1994 (34) ، أشارت إلى فكرة أخرى أساسية هي مسألة الاعتماد المتبادل التي تتصل بدورها بمبدأ التساند الوظيفي لدوركايم بمعنى أن الروابط بين وسائل الإعلام كنسق فرعي ومستقبلي الرسائل المعلوماتية الإعلامية والنسق الاجتماعي الكلي، تستند إلى الاعتماد المتبادل الذي يساعد الفاعلين الاجتماعيين على فهم الأنساق الفرعية الأخرى كنظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية المكونة للمنظومة الاجتماعية العامة. بل إن هذا الاعتماد المتبادل بين وسائل الإعلام والنظم الاجتماعية الأخرى يكتسي طابعا إلزاميا(35) في المجتمعات الرّاهنة ذات الخاصية المرّكبة.
كما أن اعتماد الأنساق الفرعية الأخرى على وسائل الإعلام لا يمكن التغاضي عنه بدليل تواتر الربط بين دور وسائل الإعلام في التغيير الاجتماعي ومسائل التنمية والتقدم. بل إن وسائل الإعلام مثلت في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي خصوصا في دول العالم العربي المستقلة حديثا آنذاك أداة مهمة وأساسية للتحديث(36) ، ممّا يُعيدنا إلى المقاربة المنظومية التي وضعها تالكوت بارسونز لبنية الفعل الاجتماعي وتركيزه على البعد الثقافي. لذلك فإن انخراط وسائل الإعلام في المشروع التحديثي والعمل على نقل قيمه وأفكاره، إنما هو مسوغ إضافي لمكانة وسائل الإعلام الجماهيرية وقوتها لا فقط كمصدر للمعلومات بل أيضا كفاعل مؤثر في تشكيل منظومة قيمية ورمزية جديدة للأفراد والمجتمعات.
إذا كانت وسائل الإعلام من منظور البنائية الوظيفية، هي نسق فرعي يسهم في تحقيق التوازن والتماسك ويشبع حاجات الأفراد المختلفة إلى درجة حصول نوع من التبعية إلى وسائل الإعلام، فكيف تصوّر لنا المدرسة النقدية وسائل الإعلام وتأثيراتها؟
2- النظريّات النقديّة ونقد محتوى
وسائل الإعلام:
يعود تاريخ ظهور الأفكار الأولى التي قامت عليها النظريات النقدية إلى العشرينات من القرن الماضي وتحديدا عند تأسيس معهد البحث الاجتماعي في فرانكفورت سنة 1923. ومن ثمة فإنه بلغة السنوات تكون أطروحات النظريات النقدية المدافعة عن العقل وقيم العقلانية قد بلغت تسعة عقود عرفت فيها مراحل من الخفوت والنجاح.
ويُحسب للنظريّات النقدية ذات الجذور الهيجلية في خصوص النظرة إلى العقل ومفهوم الجدلية وأيضا الماركسية المؤسسة لمفهوم الهيمنة في علاقته بالثروة، ربط الصلة بين العلوم الاجتماعية والفلسفة .
وتشمل النظريات النقديّة اتجاهين تقريبا هما اتجاه مدرسة فرانكفورت
(L?547;Ecole de Francfort) والنظرية الثقافية النقدية وأيضا اتجاه نظرية الاقتصاد السياسي، مع العلم أن الخيط المنظم لهذين الاتجاهين، ينهل من المنطلقات الاجتماعية والفلسفة نفسها ويستند إلى المسوغات الأساسية للنظريات النقدية.
من جهة أخرى، لعله من المهم التذكير باهتمام مفكري النظريات النقدية بالتأثيرات السلبية لوسائل الإعلام ناهيك عن الصلة القوية التي ربما تربط بين ما يسميه روبرت ميرتون الوظائف الخفية والمعجم الأساسي للنظريات النقدية وخصوصا مفاهيم الثقافة الجماهيرية وتسليع الثقافة وخداع الجماهير وغير ذلك مع المفاهيم والمقولات الأساسية في الخطاب الفكري العام لمؤلفات ودراسات أصحاب الاتجاهات المنضوية تحت مشروع النظريات النقدية. وهي صلات وروابط سمحت لنا بافتراض تبني مدرسة فرانكفورت لموقف نقدي إزاء وسائل الإعلام الجماهيرية باعتبار الوظائف التي تؤديها في المجتمع الحديث الجامع بين التصنيع والاستهلاك، دون أن يفوتنا في هذا السياق تلك التقاطعات الموقفية بين هذا الموقف النقدي وما تستبطنه بعض نقاط النظريات الاتصالية والإعلامية المتعلقة بدور حارس البوابة أو القائم بالاتصال.
وفي الحقيقة، يبدو لنا أن فهم الإطار الباراديغمي للنظريات النقدية يتحقق بتحديد أهم المفاهيم ذات المركزية الفكريّة في مشروعها الحامل للصفة «النقدية» ذلك أن منطلقات النظريات النقدية، تُيسر للباحث التأصيل الفكري الاجتماعي والفلسفي لمواقف أصحاب مدرسة فرانكفورت من الثقافة السائدة عموما ومن وسائل الإعلام محتوى وتأثيرات.
2-1- ضد الوضعيّة والإنسان ذي البعد الواحد:
يمثل نقد الفكر الوضعي والتجريبي مرتكزا أساسيا من مرتكزات النظريات النقدية التي ترفض تأليه الواقع وحتمية « الكليات» وطمسها للفرد ولما هو فردي. وهي النقطة الأولى المؤسسة لتعارضها مع أهم مسلمات الاتجاه الوضعي الذي يشكل بدوره أحد الروافد الرئيسية للمنظور الوظيفي لوسائل الإعلام.
ولكن كيف تفهم «النظريات النقدية» النقد وماهي المبادئ المؤطرة لمواقفها والمعجم الثري بالمفاهيم والمقولات النقدية؟
يعد ماكس هوركايمر (Max Horkheimer) (1973-1895) أحد مؤسسي مدرسة فرانكفورت إلى جانب تيودور أدورنو(Théodore Adorno) (1969-1903)، وهو من صاغ اسم النظرية النقدية وذلك في كتابه « النظرية التقليدية والنظرية النقدية».
آلان هاو (Alan Haw) في كتاب له عنوانه «النظرية النقدية» يشرح مبررات إطلاق صفة «النقدية» على نظريات مدرسة فرانكفورت والنظرية الثقافية ونظرية الاقتصاد السياسي، ويقول إن هذا التوصيف مرّده «الربط بين بعض أفكار هيجل وتشديد كارل ماركس على طبيعة الوجود المادية»(37).
وعلاوة على أن النقد كما تمارسه اتجاهات النظريات النقدية هو ذلك النقد الذي يدافع على العقلانية ومكانة العقل وحرية الفرد أي النقد الذي يعكس تجسيدا للمبادئ الإنسانية الكونية التي نادى بها التنوير لذلك فإن هربرت ماركيوز (Herbert Marcuse) (1979 – 1898) يشدد على فكرة أن «التقويم النقدي… هو الحقل الفعلي للمعرفة»(38).
ففي ظل فهم مستندات الموقف الناقد للوضعية والمرتكزات الفكرية لفكرة النقد، نفهم الأسس الأخرى للنظريات النقدية والمتمثلة في إحياء دور التأمل وأهميته وذلك بوصفه عنصرا حيويا من عناصر العقل إضافة إلى مبدأ جدلية العقل والواقع وكلّها تفرعات لفكرة أساسية تتمثل في مركزية مفهوم العقل ومحاولات مدرسة فرانكفورت توسيعه وربطه بمفهوم الحرية، حيث تؤمن النظريات النقدية بقدرة العقل الإنساني ودوره في التحقيق الذاتي من خلال» الوعي الحر للذات بذاتها: وحدّه الإنسان يتمتع بالقدرة على الفهم … إن وجود الإنسان في حد ذاته يشكل سيرورة من التحقق الذاتي ومن نحت حياته وتصورها بناء على أفكار العقل»(39).
وبالنظر في هذه المرتكزات الفكرية للنظريات النقدية، يبدو واضحا دفاعها عن الفرد وعقله ووعيه الحر وحقه في التحقق الذاتي وهو ما نستنتج منه النقد الصريح للفكر الوضعي الذي حسب أعلام المدرسة النقدية ينتج أفرادا من بعد واحد، مع ما يعنيه ذلك من تعطيل للعقل وسلب للحرية حيث حتمية «الكلي» وضغط المؤسسات، وهو ما يفرز بدوره ظواهر عبر عنها مفكرو مدرسة فرانكفورت بـ»العقل الأداتي» و»التشيؤ» و»البعد الآحادي» وغيرها من الأفكار والأوصاف الحاملة لمضمون نقدي يدافع بالخصوص عن المنظومة القيمية للعقلانية وللحداثة كما بشر بها فلاسفة التنوير.
2-2- نقد الثقافة الجماهيريّة وتسليع الثقافة والهيمنة:
إن نقد النظرية النقدية للمجتمع الصناعي الحديث الاستهلاكي، حتم آليا نقد وسائل الاتصال باعتبارها نظم اجتماعية تساند وظيفيا أهداف ومصالح النظم الماسكة بالسلطة والثروة. ومن ثمة، فهي وسائل في خدمة الأطراف المهيمنة على مجالي السياسة والاقتصاد وناقلة لرموز ومعاني القوى المُهيمنة ممّا يدعم انتساب النظريات النقدية في جزء من أطروحاتها إلى المقاربة الماركسية وجدلية السيطرة على الثروة والسيطرة على المعنى أي جدلية البنى الفوقية والتحتية.
ومن الظواهر التي نقدتها اتجاهات النظريات النقدية، ما يتوافق إلى حد كبير مع مجال وسائل الاتصال وتحديدا وسائل الإعلام الجماهيرية ونعني بذلك مسائل الثقافة الجماهيرية المعبر عنها أيضا بالصناعة الثقافية وأيضا ظاهرة الهيمنة وما ينتج عنها من تأثيرات سلبية تساهم في تشييئ الجمهور وجعله متلقيا سلبيا يفتقد إلى التفاعل النقدي.
أ- ثقافة جماهيرية أم ثقافة أرباب السوق؟:
يقول فرانسيس بال(Francis Balle) إن « وسائل الاتصال هي تقنيات فقط وإن كيفية استخدام هذه التقنيات تحدّدها السوق»(40). ففي هذا السياق يمكن تنزيل موقف النظريّات النقديّة القائل بأن مفهوم الثقافة الجماهيرية أو الشعبية، ينطوي على مخادعة وأن هذه الثقافة الموصوفة بالجماهيرية لا علاقة لها بحاجيات الجماهير وبمشاغلهم فهي ثقافة لا تعبر عنهم ولا تمثلهم وإنما هي ثقافة تلبي حاجة المنتجين وأصحاب المصانع إلى الاستهلاك الوافر والربح السريع أي أنها الثقافة المواتية لثقافة السوق. فالثقافة الجماهيرية من المنظور النقدي هي ثمرة طبيعية لتعطيل العقل باعتباره مدخلا سمح بنشر الثقافة الجماهيرية التي من خصائصها «التنميط والابتذال وتغليب التسلية والدعاية وقهر العناصر الايجابية في الثقافة الشعبية كي تساير المطلوب والشائع»(41). كما تعتبر مدرسة فرانكفورت أن فكرة صناعة الثقافة التي قدمها لأول مرة ماركس هوركايم وأدونو في مقالهما المشترك «صناعة الثقافة: التنوير كخداع جماهيري»، هي انعكاس للواقع الاحتكاري الذي يركز على برامج التسلية والإعلانات مما يؤدي إلى نوع من الثقافة يعرف تداخلا وتشابكا بين الثقافة والتسلية والدعاية يطلق عليه تمويها الثقافة الجماهيرية وذلك بسبب «ظاهرة التطابق»(42) التي تصيب معظم أفراد الجمهور.
وإذا ما تعمقنا قليلا في صورة الجماهير وملامحها حسب مدلولات مفهوم الثقافة الجماهيرية، فإننا نعثر على خيط رفيع يذكرنا بتلك الصورة السلبية التي رسمها غوستاف لوبون (Gustave leBon) عن الجماهير:» إن عجز الجماهير عن التفكير المتعقل يحرمها من كل روح نقدية أي من كل قدرة على التمييز بين الحقيقة والخطأ وبالتالي من تشكيل حكم دقيق على الأمور… ومن وجهة النظر هذه نلاحظ أن الأفراد الذين لا يرتفعون فوق مستوى الجماهير هم عديدون»(43).
في حين أن أعلام النظريات النقدية يرون أن قدرة العقل هي الأصل في الأشياء وعكس ذلك ينضوي ضمن ثقافة الهيمنة وتأثيراتها السلبية. وفي هذه النقطة تكشف مدرسة فرانكفورت عن جزئية مهمة في مقاربة مفهوم صناعة الثقافة وهي أن هذه الثقافة « تقوم على إيديولوجيا أكثر من الثقافات السابقة» (44).
إن تطبيق أبعاد مفهوم صناعة الثقافة على المحتوى التي تقدمه وسائل الإعلام الجماهيرية، يجد صدى لا بأس به حيث من الصعب التقليل من ظاهرة حمى التسابق بين القنوات والإذاعات على تقديم برامج التسلية والترفيه وإقحام آلية الجوائز لاستقطاب أكثر ما يكمن من الجماهير وهي برامج وإن من المنظور الوظيفي تخفف من رتابة الحياة اليومية، فإن التركيز المفرط عليها وجعلها في صدارة محتوى الفضائيات والإذاعات قد كرس قيم الربح السريع وثقافة الاعتماد على الحظ إضافة إلى هيمنة المادة الإعلانية وتأثيرها بسبب تكرار بثها وتلاعبها بالعقول حسب تعبير بيار بورديو(Pierre Bourdieu)(45) على توجيه السلوك الاقتصادي للأفراد ففي هذا المعنى يتنزل مفهوم تسليع الثقافة لتيودور أدورنو الذي يرى أنه مع ظهور الرأسمالية أصبحت منتجات الصناعة الثقافية «كلها سلعة والربح هو كل شيء»(46)، وهكذا نفهم الترابط بين الثقافة الجماهيرية وصناعة الثقافة وما يعبران عنه من فرض لمفهوم التشيؤ الذي صاغه جورج لوكاش (G. Lukas) مع ما يفيده من ضرب لقيمة العقل التي يقوم عليها نقد النظريات النقدية.
ذلك أنه وفق هذه المنطلقات، تتمظهر صناعة الثقافة في إنعاش وسائل الإعلام الجماهيرية للجوانب الغرائزية في الإنسان أكثر من الجانب العقلي والعقلاني والنقدي فيه.
ومن اليسير ملاحظة انحياز وسائل الإعلام الجماهيرية إلى مفهوم الثقافة الجماهيرية وانخراطها في أكذوبة «الجمهور عايز كده» التي هي في الأصل انعكاس لثقافة نمط الصناعة السائد والمهيمن في المجتمعات الصناعية الاستهلاكية ونسبت خطأ للجماهير. من اليسر ملاحظة الانحياز والانخراط، عندما نقيس المساحة المخصصة لما يسمى في النظريات النقدية» الثقافة المضادة» التي تعبر عنها حسب تقديرنا البرامج التي تخاطب الفكر والتي تعتمد ما يعبر عنه أدونور «صدق المحتوى». بل إنه اليوم وبعد سنوات من انهيار الاتحاد السوفياتي ونهاية مرحلة التجاذب الايديولوجي وسيطرة القوة الرأسمالية على العالم من خلال العولمة، فإن بديل « الثقافة المضادة» الذي دافعت عنه مدرسة فرانكفورت بات يشهد تضييقات متزايدة على المضامين الدلالية والرمزية لمفاهيم « الخصوصية الثقافية» و»الاستثناء الثقافي»، وهو ما يعني أن وسائل الإعلام الجماهيرية اليوم أصبحت أكثر توظيفا من ذي قبل لفرض التنميط والتطابق الجماهيري والتشيؤ الذي ينتج عقلا أداتيا لا عقلا حرا وناقدا.
ب- الرموز المُهيمنة و» التلاعب بالعقول»:
حظيت مسألة الهيمنة في دراسات النظرية النقدية بمساحة مهمة من النقد. ولعل ستيوارت هول (Stuart Hall) من الوجوه البارزة التي قاربت وسائل الاتصال والإعلام مقاربة تقوم على نقد ظاهرة الهيمنة. وتتلخص مقاربة هول النقاط التالية:- محتوى وسائل الإعلام يروج لمصالح الطبقة المسيطرة على المجتمع.
– بحكم انحياز وسائل الإعلام إلى الجماعات المهيمنة، فهي تنتج رسائل إعلامية غير متوازنة وضعيفة المصداقية.
– يوظف محتوى وسائل الاتصال والإعلام الرموز والمعاني التي تخدم أفكار ومصالح الفئات المهيمنة ويتم إنتاجها بطريقة تضمن التأثير على الجمهور (47).
واستنادا إلى هذه التقويمات التي أشار إليها ستيوارت هول، فإن وسائل الإعلام تعمل من خلال المحتوى الذي تقدمه إلى دعم مراكز القوى سواء في السياسة أو في الاقتصاد، وخطورة الهيمنة في هذا السياق تكمن في مجموعة التأثيرات السلبية على الرأي العام وخصوصا على تشكيل الأفكار والمشاعر والمواقف والسلوك، باعتبار الدور الترميزي لوسائل الإعلام التي هي في إحدى وجوهها نصوص حاملة للأفكار المهيمنة وداعمة لها وفق آليات لغوية ومشهدية وتركيبة موغلة في التأثير. ولقد عبّر فرنسيس بال عن ظاهرة الاتصال والتأثير بوضوح عندما بيّن أن وسائل الاتصال وتحديدا وسائل الإعلام « لم تعد فقط تبادلا للحوار أو إقامة له بل التأثير على الغير بالتحديد ليبيعه شيئا ما ،لطبع فكرة معينة في ذهنه أو لإعطاء صورة تدفع إلى التعاطف مع رجل سياسي أو مؤسسة معينة»(48)
ولعل الدعاية من الأمثلة القوية التي شكلّت محور دراسات عديدة منذ الحرب العالمية الأولى، والتي تؤكد ظاهرة هيمنة السلطة السياسية على وسائل الإعلام. بل إن سارج تشاخوتين (Serge Thakhotine) يذهب إلى ما هو أقوى من الهيمنة عندما يعتبر أن الدعاية السياسية تقوم باغتصاب الجماهير!(49) حيث يستند الروسي تشاخوتين إلى تجربة بافلوف ( le schéma de Pavlov) جاعلا الدعاية) تقوم الدعاية هنا بدور الجرس في تجربة بافلوف في ارتباط شرطي بعملية التفكير وتحديد الاستجابة عند الإنسان. كما أن نعوم تشومسكي في تناوله للإنجازات المذهلة للدعاية أو في وصفه « الدعاية الديمقراطية المرعبة»(50)، إنما يكشف التأثير الايديولوجي للبرامج الدعائية ودورها الفعال في تغيير الرأي وفيما سماه هندسة العقل وفرض القبول فاضحا تبعية النظم الإعلامية للسلطة السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية في عملية ترويض الأغلبية(51)
( في حرب الخليج ثم في الحرب على الإرهاب..) رغم فك الارتباط ظاهريا بين وسائل الإعلام والدولة. وتبقى الدعاية السياسية، كأخطر آليات الهيمنة فاعلة خصوصا في المشاهد الاتصالية التي تكون فيها التعددية والديمقراطية السياسية ضعيفة ، فالغالب على وسائل الإعلام الجماهيرية للبلدان العربية، التركيز على وجهة النظر الرسمية للنخبة السياسية الحاكمة. وليس عفويا أن يكون الموقف الرسمي كلمة الختام في البرامج السياسية.
وإذا كانت الدعاية مثالا على هيمنة السلطة السياسية على وسائل الإعلام، فإن الاتجاه الثاني في النظريات النقدية يلح على أن المؤسسات الإعلامية هي في المقام الأول مؤسسات اقتصادية والمهيمنون على اقتصاد وسائل الإعلام هم ميكانيكيا المهيمنون ثقافيا والمتحكمون في محتوى وسائل الإعلام.
ولقد بينت عديد الدراسات التي اعتمدت منهجية تحليل مضمون وسائل الإعلام العلاقة بين المحتوى ورأس المال والتأثير الجماهيري. لذلك فإن كلتا الهيمنتين ينتج عنهما هيمنة رمزية وثقافية. فوسائل الإعلام الجماهيري، نظم تتميز بقوة التأثير وسرعته بشكل يجعل عملية بناء للمعنى لدى الجمهور تمر وجوبا من خلال وسائل الإعلام(52) وهو ما أثبته نظرية الغرس الثقافي والدّراسات الميدانية الكثيرة التي قام بها جورج جربنر(G.Gerbner) وزملاؤه حيث خلصت أبحاثهم إلى قوة التلفزيون وتأثيره في السلوك الاجتماعي وأيضا ربطت – هذه الأبحاث- بين كثافة التعرض لوسائل الإعلام والتلفزيون بصفة خاصة واكتساب المعاني والمعتقدات والأفكار والصور الرمزية حول الواقع …وهيمنة الصور التلفزيونية على سلوك الأفراد(53). ولا تفوتنا في سياق تناول الهيمنة الرمزية للتلفزيون وتأثيراتها الاجتماعية على السلوك التذكير بالكم الهائل من الدراسات الميدانية التي أجريت حول العلاقة السببية القائمة الذات بين مشاهدة لقطات العنف واكتساب سلوك العنف لدى الأطفال والشباب(54).
كما أن تأثير القنوات الدينية على السلوك الديني للشباب اليوم في المجتمعات العربية من الفرضيات القوية التي تدعم مشروعية تبنيها،التزايد السريع الوتيرة لعدد القنوات الدينية من جهة وأيضا تحول مشاهدة هذه القنوات إلى ممارسة ثقافية أساسية لدى فئة الشباب بشكل خاص، وتجمع كل هذه الأمثلة على تأكيد تأثير وسائل الاتصال الجماهيرية.
إن نظريات التأثير الايديولوجي والثقافي الرمزي التي مهدّت لها ظاهرة صناعة الثقافة المنتجة للجمهور السلبي هي ذات جذور سوسيولوجية نقديّة، وربما يساعد متغير تراجع نسب الأمية اليوم في إعادة في تنسيب ظاهرة التأثير وتنسيب النقد داخل مدرسة فرانكفورت.
ذلك أن ارتفاع معدل التمدّرس وما رافقه ولو بشكل متفاوت من تنام للتفكير النقدي ، يفترضان مراجعة التأثير وتدقيقها من خلال ربطها موضوعيا بالمتغيرات وذلك لأهمية دور المتغيرات الاجتماعية في تحديد السلوك والمواقف. ولتدعيم فكرة ضرورة الربط بين تأثير محتوى وسائل الإعلام والمتغيرات الاجتماعية، نشير إلى بعض نتائج الدّراسات الميدانيّة لنظريّة الاعتماد على وسائل الإعلام ومنها أن غير المتعلمين يقضون وقتا أطول في تعرضهم لوسائل الإعلام وأيضا تعرض أصحاب الدخل المنخفض أكثر من المستويات الاقتصادية الأخرى لوسائل الأعلام.
كما أن تنزيل توصيف مدرسة فرانكفورت الجمهور بالسلبية في ضوء الفردانيّة المنهجية (Lindividualisme méthodologique ) ، سيقودنا إلى نقد فكرة الجمهور والمشيّأ والسلبي التي تتقاطع مع المبادئ العامة للسوسيولوجيا الكليانية التي ترى سلوك الفرد نتاجا « لضغوطات البنى الاجتماعية»(55). فالفرد بالنسبة إلى رايمون بودون
(Raymond Boudon) يتمتع بالاستقلالية وليس صحيحا كونه رهين حتمية المؤسسات الاجتماعية :» إذا نظرت إلى الواقع البشري يكون من السهل أن ترى وجود العديد من الحالات غير المحتومة»(56).
إن الجمهور كوحدة رئيسة في النسق الفرعي لوسائل الإعلام ،تتميز بالتركيب والتعقيد من الصعب التعامل معه أي الجمهور- وكأنه عنصر صلب ومغلق ومتجانس .لذلك فإن إطلاق صفة السلبية على الجمهور يعد توصيفا يفتقد إلى الدقة والعقلانية والنسبية ويتجاهل البناء الرمزي للفرد . فالجمهور يتفاعل مع محتوى وسائل الإعلام سلبا أو إيجابا أكثر مما يتأثر بها. ونعتقد أن مقاربة علاقة الأفراد بوسائل الإعلام من منظور التفاعلية الرمزية(Linteraction Symbolique) قد يكون أكثر مواكبة للتغيرات التي عرفتها هذه العلاقة. كما يعني إيثار مفهوم التبادل (Léchange) النظر إلى التفاعلات الاجتماعية بوصفها صيرورة وليست معطى جاهزا(57). بل إن مفهوم «التواصل» مع الآخرين والمؤسسات الاجتماعية ، تُحدّد طبيعته ثقافة البيئة الاجتماعية المحدّدة بدورها للأدوار 58 من جهة وأيضا عملية الفردنة ذاتها التي تؤثر في وظائف المؤسسات الاجتماعية وتقلص من طابعها الكلياني وتظهر الفاعل الاجتماعي ذو الخبرة أكثر فعلانية من جهة أخرى.
ولقد أظهرت نتائج نظرية التأثير المحدود أن «جمهور وسائل الإعلام لم يعد سلبيا في علاقته بوسائل الإعلام ، يقبل ما تعرضه له ويتأثر به في إطار مفهوم العزلة . بل أصبح الآن يتصف بأنه ايجابي ونشط»(59). ونستنتج ممّا سبق أن تأثير وسائل الإعلام ليس معطى حتميا يتحقق دون ايلاء أي اعتبار للخصائص الثقافية للجمهور دون أن ننسى أن رصيد وسائل الإعلام في خصوص كيفية تغطية الحروب مثلا أو تسويق المنتجات وغير ذلك ، قد أصبح يشكل خبرة متميزة من أهم فوائدها التعاطي بحذر مع محتوى وسائل الإعلام السياسي منه تحديدا وهو ما أشار إليه فرانسيس بال بقوله إن الإعلام بعد ووترغيت وإيران غيت قد دخل عصر الشك وظهرت كلمة «التضليل الإعلامي» من جديد(60).
3- وسائل الإعلام اليوم: مؤسسة من مؤسسات التنشئة الأوليّة؟
بعد محاولة أولى في تحديد علاقة وسائل الإعلام بالأفراد والمجتمع من منظوري البنائية الوظيفيّة ومدرسة فرانكفورت، قد يكون من الممكن إعادة التفكير في وسائل الإعلام بوصفها إطارا أوليا من أطر التنشئة الاجتماعية. ذلك أن حجم اعتماد الأفراد على وسائل الإعلام ومزاحمة وسائل الإعلام لمؤسستي الأسرة والمدرسة، يُحتمان إعادة تقويم نظم وسائل الإعلام داخل البناء الاجتماعي. فليس خافيا، ما باتت تعرفه مؤسسة الأسرة اليوم من تغييرات في شكلها ووظائفها وأيضا أزمة مؤسسة المدرسة بالمعنى السوسيولوجي. وفي المقابل تفاقم مظاهر العزلة الاجتماعية وتراجع الروابط الاجتماعية التقليدية، فإن وسائل الإعلام الجماهيرية قد غنمت من هذا التراجع وعرفت تصاعدا مذهلا إلى درجة أصبحنا نتحدث معها عن الانفجار الفضائي والإنسان الجماهيري والمجتمع الجماهيري والمخيال الجماهيري .
لقد أصبحت الحاجة إلى المعلومات والفهم مضاعفة ومصيرية وحيوية في عالم
تغلب عليه العلاقات الإقليمية والدولية المتوترة المعقدة.
إن كل خصائص الحياة الاجتماعية الخاضعة إلى عولمة نمط حياة المجتمع الصناعي الاستهلاكي، قد تؤدي إلى اعتبار وسائل الإعلام الجماهيرية التقليدية تضطلع بوظيفة مهمة في الواقع الاجتماعي اليومي أكثر من تلك الوظيفة المتخيلة افتراضيا حيث إن ظاهرة الاعتماد المتبادل مكنت نظم وسائل الإعلام من «الاستيلاء» على جزء من جاذبية وظائف النظم الاجتماعية الأخرى .
لقد بلغ حجم نشر الصحف اليومي في العالم اليوم أكثر من 400 مليون صحيفة وتجاوز عدد القنوات الفضائية في العالم 5000 قناة، كما يوجد قرابة 7000 إذاعة أف أم على الأنترنات 61، وهي أرقام تؤكد مجتمعة مركزيّة وسائل الإعلام الجماهيريّة التقليديّة في حياة الأفراد والمجتمعات وتغلغلها في المعيش اليوميّ الاجتماعي على نحو يدعم ما يمكن وصفه التبعية المقصودة للفرد في حياة يوميّة يستأثر فيها التلفزيون والراديو والصحف بعدد مهم من ساعات اليوم الواحد . إضافة إلى انتشار وسائل الإعلام الجماهيريّة في الفضاءات كافة الخاص منها والعموميّ.
1- المؤشرات المقصودة تتصل بحجم الإقبال على وسائل الإعلام الجماهيرية: عدد قراء الصحف ونسب مشاهدة التلفزيون وكثافة التعرض للتلفزيون و تأثيرات وسائل الإعلام في سلوك الأفراد ومواقفهم…
2- يعرف توماس كون (T.Kuhn) الباراديغم بكونه إطارا من الفكر يهيمن على جماعة علمية معينة. انظر:
Cabin (Philippe) et Dortier (Jean-François), La sociologie: histoire et idée, Paris, Sciences Humaines éditions, 2000, p.341.
3- لعله من المهم الإشارة إلى أن مفهوم البناء الاجتماعي مسلمة كبرى من مسلمات النظرية الوظيفية وأن هذا المفهوم ذاته أيضا يمثل موضوعا رئيسيا من مواضيع واهتمامات علم اجتماع الإعلام.
4- العبد الله (مي)، نظريات الاتصال،دار النهضة الحديثة،بيروت،2006، ص171.
5- Terrou (Fernand), Linformation, Paris, P.U.F., 1974, p.6.
6- العبد الله (مي)، المصدر السابق، نفس الصفحة.
7- Terrou (F.), Ibid, pp.7-9.
8- يضع الخبراء قائمة مطولة من وسائل الإعلام وهي الكتاب والخطبة والندوات والمؤتمرات والأسواق والمعارض والصحافة والإذاعات والتلفزيون ووكالات الأنباء. انظر: عطية (جبارة) ،علم اجتماع الإعلام، دار عالم الكتب للنشر والتوزيع،الرياض،1985، ص114-115-116.
9- يعتبر كل من تالكوت بارسونز وروبيرت ميرتون من أهم وجوه ما يسمى «الوظيفيون الجدد»
10- تولي النظرية التطورية أهمية للعوامل البيولوجية وصلتها بقوانين عمليات التطور بالمعنى الفيزيائي.
11- ليلة (علي)، «الوظيفية»، موسوعة علم الاجتماع،الدار العربية للكتاب، تونس، 2010، ص857.
12 Radcliffe-Brown) A.R. (, Structure et fonction dans la société primitiveت, Paris, ditions de Minuit, 1972,pp.282-284.
13- ليلة (علي)، المصدر السابق ، نفس الصفحة.
14- المصدر السابق، ص859.
15- عبدالعظيم (حسني إبراهيم)، «النظرية السوسيولوجية وقضايا الإعلام والاتصال»، الحوار المتمدن ،العدد 3402 بتاريخ 20 جوان 2011.
16- Mattelart) Armond et Michèle(, Histoire des théories de la communication, Paris ,Editions de la Découverte, 2004, p. 7.
17- Terrou (Fernand), L?547;information, Paris, P.U.F., 1974, p.47.
18- Mcquail (Denis) ,Communication ,London et New york ,Longman, 1978,p. 156.
19- انظر :Severin (Werner J.) ,tankard (James W.) ,Communication theories ,Longman ,2001, pp.293-294.
وأيضا: عبدالمجيد (محمد)، نظريات الإعلام واتجاهات التأثير، عالم الكتب، القاهرة ،2004، ص272.
20- انظر : Mcquail (Denis) ,ibid. ,pp.23-31-96-174.
Severin (Werner J.) ,tankard (James W.) ,ibid. ,p.295.
21- Terrou (Fernand), L?547;information, Paris, P.U.F., 1974, p.60.
22- Maffesolli (Michel), la conquête du présent: pour une sociologie de la vie quotidienne, Paris, P.U.F, 1979, p.14.
23- Ibid, pp. 80-81-96.
24- عبد المجيد (محمد)، المصدر السابق، ص275.
25- Severin (Werner J.),tankard (James W.) ,ibid. ,pp. 296-297.
26- Ibid.,p.219.
27- يرى ميشال مافزولي مؤسس مركز دراسة الراهن واليومي أن الحياة اليومية تتكون من الرومانسي والوهمي والوجداني والعاطفي والعدواني والمألوف والخيالي… انظر pp. 74-86. Maffesolli (Michel), ibid.,
28- Mattelart) Armond et Michele(, ibid , p. 19.
29- في كتابه «المنظومية الاجتماعية» الصادر سنة 1951، يساند تالكوت بارسونز أطروحته التي يقدم فيها مفهوم المنظومة الاجتماعية معتبرا أن استقرار هذه المنظومة يشترط تلبية أربع وظائف وهي:
– التكيف مع المحيط الذي يؤمن بقاء المجتمع.
– متابعة الأهداف لأن المنظومة لا تقوم بوظيفتها إلا إذا اتجهت صوب هدف ما.
– اندماج الأعضاء.
– المحافظة على الأنماط والمعايير وبذلك فإن إضافة بارسونز تكمن في النظرة المنظومية للفعل الاجتماعي وفي أن كل منظومة ثانوية لا بد من أن تقوم بهذه الوظائف. انظر : Cabin (Philippe) et Dortier (Jean-François),ibid, p.109.
30- Radcliffe-Brown) A.R.(, Structure et fonction dans la société primitiveت, Paris, ditions de Minuit, 1972,p.40.
31- Cabin (Philippe) et Dortier (Jean-François), ibid., p.112.
32- جاء في استطلاع للرأي أُجري بتاريخ 28 أفريل 2011 وشمل 1828شخصا أن 91 فاصل 4 بالمائة من التونسيين أصبحوا بعد ثورة جانفي 2011 يهتمون بالأخبار مقابل 42 فاصل 5بالمائة فقط قبل الثورة. انظر :الموقع الالكتروني لوكالة تونس إفريقيا للأنباء
www.tap.info.tn
33- العبد الله (مي)، المصدر السابق، ص190-226.
34- للتوسع انظر: المصدر السابق ،ص226-243.
35- المصدر السابق، ص186-187.
36- يعرف عبد الوهاب المسيري التحديث بأنه «إعادة صياغة المجتمع بحيث يتم استبعاد المعايير العقلية العلمية المادية التي تتفق ومعايير الحداثة» انظر: المسيري (عبد الوهاب)، العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، دار الشروق، الطبعة الأولى، القاهرة، 2002، ص 62.
37 – هاو (آلن)، النظرية النقدية: مدرسة فرانكفورت، ترجمة ثائر ديب، منشورات وزارة الثقافة السورية،دمشق،2005، ص17.
38- Marcuse (Herbert), Lhomme unidimensionnel, Paris, Minuit, 1965, pp.118-124.
39- Marcuse (Herbert), Raison et révolution, Paris, Minuit, 1968ت,pp.60-68.
40- Balle(Francis)ت, Les médias,Paris, P.U.F, اQue sais-je ب, 2004,p.118.
41- حيدر إبراهيم (علي)، «مدرسة فرانكفورت»، الموسوعة العربية لعلم الاجتماع، الدار العربية للكتاب، تونس، 2010، ص740.
42- بوتومور (توم)، مدرسة فرانكفورت، ترجمة سعد هجرس، دار أويا، الطبعة الثانية، طرابلس ،2004، ص94.
43- le Bon (Gustave), Psychologie des foules, 8E EDITION, Paris, PUF, 2003, p.52.
44- Marcuse (Herbert), ibid., p.36.
45- تناول بورديو مسألة تحكم التلفزيون في الاجتماعي .انظر:
Bourdieu( Pierre), Sur la télévision, Paris, Raisons dagir, 1986, pp.80-84.
46 – هاو (آلن)، المصدر السابق، ص86.
47- العبد الله (مي)، نظريات الاتصال، دار النهضة العربية، بيروت،2006، ص197 200-.
48- Balle(Francis) ,ibid.,p.67.
49- Tchakhotine (Serge), Le viol des foules par la propagande politique,Paris ,Gallimard , 1992.
50- تشومسكي (نعوم) ، هيمنة الإعلام : الإنجازات المذهلة للدعاية، ترجمة الشهابي يحيى إبراهيم, دار الفكر ، 2003، ص14.
51- يوضح نعوم تشومسكي هذه الفكرة بضرب عدة أمثلة حول الدعاية والسلطة السياسية في الولايات المتحدة وكيف أنها تستخدمها بنجاح في فرض القبول عند المواطنين بسياسيات هي مرفوضة وغير مبررة ومن ذلك سياسة استخدام القوة العسكرية التي واكبتها دعاية تؤسس لاحترام القيم العسكرية. ويقول في هذا الصدد :» لذلك لا بدّ من غرس فكرة «احترام القيم العسكرية» في نفوس الشعب، كما قالت صحيفة واشنطن بوست بافتخار في أثناء هيستيريا حرب الخليج. ذلك أمر مهم. وإذا ما أريد خلق مجتمع عنيف يستخدم القوة في جميع أنحاء العالم لتحقيق غايات نخبته المحلية، لا بدّ من أن يكون هناك إعجاب مناسب بالقيم العسكرية وإزالة هذه المشاعر المرضية ضدّ استخدام القوة» انظر : تشومسكي(نعوم)،المصدر السابق،ص29-34.
52- أبرزت أطروحة دكتوراه أعدها الباحث خضر اللحياني عنوانها «أثر الفضائيات على المراهقين والمراهقات» أن 88 % من عينة البحث يرددون المفردات التي تستخدم في القنوات التلفزيونية والإعلانات.انظر الشرق الأوسط، 2ديسمبر 2012.
53- عبد المجيد (محمد)، نظريات الإعلام واتجاهات التأثير، عالم الكتب، القاهرة ،2004، ص330-333.
54- مثلا الدراسات النفسية التي قام بها G.Gerbner والتي منطلقها أن التقليد عنصر قوي في السلوك البشري خصوصا عند الأطفال.
55- Boudon (Raymond) , La logique du Social, Paris,Hachette,1979, pp.80-284.
56 Cabin ( Philippe) et Dortier ( Jean-François) , La sociologieت:histoire et idéesت, Paris, Sciences Humaines Editions, 2000, p.173.
57- Goffman (Erving), Les rites dصinteraction, Paris, Editions de Minuit, 1974, p.21
58- Ibid., pp. 15-20.
59- عبد المجيد (محمد)، نظريات الإعلام واتجاهات التأثير، عالم الكتب، القاهرة ،2004، ص251.
60- Balle(Francis) , ibid.,p.91.
61- انظر موقع المختصر للأخبار : www.almokhtsar.com
—————
————————————————————
—————
————————————————————
1