لعلّ أغنية مارسيل خليفة هي إحدى الإشارات القليلة إلى قدرة الروح فينا الآن على النهوض. فعندما كنّا نستثني التعبير الثقافي من شموليّة ما تعرّض له الوقت العربي من انهيار عام، كنّا ندافع عن أمل شخصي في حماية منطقة من الروح يصعب اجتياحها بالدبّابة او بالعزلة.
لقد أغلق القلب حتّى صرنا ندهش من تحمّل عصفور سماء. وسط هذا الخراب كانت أغنية مارسيل خليفة تنتشل القلب والأجنحة من الركام. كانت قوتّها الهشّة هي قوّة الحياة في حصار السؤال والجواب، فيها وجدنا قدرة المأخوذين إلى الموت على الغناء، وعلى إبداع مستوى للواقع نمتلك فيه حريّة افتقدناها فيما سبق من كلام وإيقاع. البسيط ينفجر منّا لتفكيك المعقّد في الوعي والعاطفة. والواقع، حين يغني أحد مستوياته بهذه البساطة يفتح نافذة للرجاء. في أغنية مارسيل خليفة خبز للكلام وشيء واضح من جدوى ومن جمال ينفع.
كنت – على سبيل المثال – أعلن لأمي الحب من زنزانة. ولكن لم تدرك هي ولا أنا ادركت فاعليّة هذا الاعتراف إلى أن فضحته أغنية مارسيل وفتحته على ما هو أوسع من علاقة شخصيّة ومن لحظة سجن. وهكذا ردم مرسيل خليفة الهوّة التي وسعها الشعراء بين القصيدة والأغنية، وأعاد الى العاطفة المغيبّة حضورها المنقذ للمصالحة بين الشعر الذي مجّد ابتعاده عن الناس وانصرفوا عنه. وهكذا طوّر الشعر أغنية مارسيل خليفة كما طورت أغنية مارسيل علاقة الشعر بالناس، ومعه صار الشارع يغنّي ولم يعد الكلام في حاجة الى منبر، كما لا يحتاج الخبز الى مكبّر صوت.
محمود درويش