سيناريو: فرانكو سوليناس
وجيلو بونتيكورفو (تتمة العدد السابق)
مدة عرض الفيلم:
ساعتان ودقيقة.
سيناريو:
فرانكــو سولينـاس
وجيلوبو نتيكورفو
انتاج:
انطونيو موسو
ياسف سعـدي
منتج منفذ:
فـريـدبايـكـــر
موسيقى:
إينيــو موريكــون
جيلوبونتيكورفو
سيناتوجرافي:
مارسيللو جـاتي
اعتبر فيلم «معركة الجزائر» من قِبل طائفة من أبرز النقاد فيلماً وثائقياً قوياً جداً، يجسد المواجهة الشعبية ضد القوى المحتلة. إنه فيلم كلما يراه المشاهد يشعر أنه تعبير صادق طازج عن تجربة نضال شعب. إنه فيلم سياسي رفيع المستوى عن نضال الشعب الجزائري من أجل الاستقلال من الاستعمار الفرنسي. وقد حاز على جائزة أفضل فيلم في مهرجان فينيسيا السينمائي عام 1966.
صُور الفيلم بمعظمه بطريقة العودة إلى الوراء، (Flash Back) وقُدم وكأنه ذكريات علي لابوانت (ابراهيم حجاج) أحد قياديي جبهة التحرير الذي اعتقل أخيراً من قِبل الفرنسيين عام 1957. قبل ثلاث سنوات كان علي لصاً انضم إلى المنظمة السرية حتى يساعد في تخليص القصبة من الشرور المرتبطة بالحكومة الكولونيالية. الفيلم يتابع نضال الثائرين والخطوات الشديدة التي مارستها الحكومة الفرنسية لتقاوم ما أصبح سريعاً ثورة وطنية عارمة. بعد العودة إلى الوراء يقتل علي، آخر قيادات الجبهة، ويتحول الفيلم للتركيز على نقطة أخرى تقود إلى اعلان استقلال الجزائر في 1962.
يبقى فيلم بونتيكورفو حتى اليوم انتصاراً لقيم الانتاج الواقعي. فالفيلم صور في مواقعه في الجزائر واستخدمت المواقع الحقيقية في الحي الأوروبي والقصبة التي حمت (جبهة التحرير). الفيلم أعاد بناء الحقيقة المقنعة وهو لا يتضمن أي جزء وثائقي أو إخباري خلال ساعتي العرض. كل شيء صُور تصويراً حياً حتى مشاهد الاضطرابات حيث يقابل البوليس المتظاهرين المدنيين.
أحدث فيلم «معركة الجزائر» في فرنسا خلافات سياسية كان من شأنها أن منع عرض الفيلم لمدة خمس سنوات. الموضوع كان مثيراً للخلاف بسبب تعدد وجهات النظر حول إلى أي جانب انحاز الفيلم. شعر العديدون في فرنسا أن الفيلم كان متعاطفاً مع وجهة النظر الجزائرية وربما كان هذا سبب عدم عرضه لفترة طويلة.
قال: «بونتيكورفو الجزائريون لم يضعوا أية عراقيل في طريقنا، لأنهم كانوا يعلمون أنني سأعمل بشكل أو بآخر فيلماً موضوعياً حول القضية.»
السلطات الفرنسية التي كانت حساسة تجاه القضية الجزائرية منعت عرض الفيلم ثلاثة أشهر، كما منعت تهديدات الجماعات الفاشية عرضه لمدة اربع سنوات، رغم محاولة بونتيكورفو أن يصنع فيلماً محايداً سياسياً.
* * *
63. مقهى مشروبات خفيفه. شارع ديسلي. خارجي/داخلي. نهاراً.
مشرب، شارع ديسلي، على زاوية ساحة بوجون.
صندوق الموسيقى يعزف بأعلى صوته. إنه مشرب للشباب. هنالك ضوضاء شديدة واضطراب وكثير من الضحك. الفتيات يرتبن خططاً ليوم الأحد.
تدخل جميلة وتتحرك نحو صندوق الموسيقى الموجود في الزاوية بالقرب من الباب. هنالك بطاقات معلقة على الحائط لحضور مسرحيات مختلفة. تتوقف جميلة للنظر إليهم وتقرأ الأسطر السفلى. تضع كيس أدوات التحميل أرضاً. تنهض ثانية تنظر حولها، وتدفع الكيس إلى خلف صندوق الموسيقى بقدمها…
64. الطيران الفرنسي. بناية موريتانيا. داخلي. نهاراً.
البيت الأبيض، بناية موريتانيا. الطابق الأرضي برمته مملوء بمراكز التذاكر واستراحة انتظار لخطوط الطيران. هنالك بعض الموظفين، والمضيفات وبعض المسافرين. تمر زهرة من الباب الزجاجي الكبير في المدخل وتذهب إلى مكتب للطيران الفرنسي، تأخذ دفتر المواعيد ثم تذهب وتجلس على مقعد عند الحائط المقابل. تجلس وتضع حقيبة شركة الطيران على الأرض أمامها، وتبدأ في تصفح دفتر المواعيد وبين الفترة والأخرى تنظر حولها. وتستخدم كعب حذائها في دفع الحقيبة اسفل المقعد.
تنظر إلى الساعة الكهربائية الكبيرة المعلقة في منتصف الغرفة؛ إنها السادسة إلا اربعون دقيقة.
65. مقهى شارع ميشليت. داخلي. نهاراً.
إنها السادسة والرابعة والاربعين كما تشير ساعة القهوة.
العقرب الآخر يتحرك. هنالك تقريباً نفس الناس. ما زال الرجل العجوز يجلس على كرسي البار، متابعاً حواراته.
حقيبة حسيبة ما زالت عند قدميه، العقرب الثاني ما زال يسابق. طفلا في الخامسة يعطي عملة معدنية للنادل:
الطفل: جيلاتي…
مراقبة الأب والأم منتشيان. يبتسم النادل للطفل ويشير إلى الآلة الحاسبة. يخاطب الطفل بنفس النبرة التي يخاطب بها الكبار الأطفال:
النادل: عليك أن تذهب إلى هناك اولاً… ثم عد اليّ.
يصل العقرب الثاني إلى الخامسة والعشرين، ثم الثلاثين.
يذهب الطفل إلى المحاسب ويدفع. يبتسم المحاسب له ويعطيه الإيصال.
المحاسب: يا لك من طفل جيد …
يعود الطفل إلى النضد. النادل كان قد جهز له الجيلاتي ويناوله إياها. الطفل يقف على اصابع قدميه.
66. قهوة ميشلت. انفجار. داخلي.
العقرب الثاني، الانفجار: اجساد تتطاير في الهواء، أذرع سيقان، دخان ابيض، صراخ.
اجساد قذفت إلى الخارج، الأبواب فكّت من مكانها، الشبابيك تكسرت، فراغ.
يراقب الناس من شبابيكهم، المارون يقتربون، ينحنون ليشاهدو المتكومين على الأرض.
وجوه مذهولة ميالة إلى الشك. لا أحد يتكلم. فقط صراغ وبكاء. صفارات سيارات الإسعاف تقترب. يصل رجال الإطفاء والبوليس…
67. مقهى مشروبات خفيفة. شارع ديسلي. خارجي. نهاراً.
صفارات سيارات الإسعاف على شارع ديسلي، سيارة تلي الأخرى.
من المقهى، تذهب الناس نحو الأبواب ليشاهدو سيارات الإسعاف التي تتسابق باتجاه ميدان بوجون. يخفت صوت الصفارات المبتعدة. يعاود صندوق الموسيقى صوته العالي: «بريجيت باردو، باردو….»
يعاود الناس دخول البار، يتحادثون، ليتناولو مشهياتهم. انها السادسة والخمسون: الإنفجار.
68. مقهى مشروبات خفيفة. انفجار. خارجي. نهاراً
تطاير صندوق الموسيقى نحو منتصف الشارع. هنالك دماء، قطع لحم متناثرة، اشياء نفس المشهد الذي كان في المقهى؛ الدخان الأبيض والصراخ، البكاء، صرخات الفتيات الهستيرية. احداهن فقدت ذراعها واخذت تركض حول المكان، تصرخ فاقدة الأمل. من المستحيل السيطرة عليها. صوت سيارات الاسعاف يسمع ثانية. مجموع الناس، رجال الإطفاء، البوليس، سيارات الإسعاف جميعها تهرع نحو المشهد من ميدان بوجون.
تصل سيارات الإسعاف إلى شارع ميشليت.
إنها محملة بالموتى والجرحى. اضطر اقرباء الجرحى ان يخرجوا والد الطفل الذي كان يشتري الجيلاتي يبدو فاقداً للوعي: إنه لا يدرك شيئاً. يشدونه بالقوة، يبقى الطفل هناك رأسه الأشقر كتلة من دم.
يحاول البوليس تنظيم هذه الفوضى فيضطر لأن يصرخ، يدفع، يهدد يتجمع الجرحى حول سيارات الإسعاف. أحد الضباط يرسل السيارة الأولى.
الضابط: كم الوقت؟
رجل البوليس: سبعة الا ربع.
يذهب الضابط إلى سيارة الإسعاف الثانية، يشد رجلاً حاول الصعود بالقوة، يصفق الباب، يصرخ إلى السائق. وجهه شاحب ومسحوب؛ شرايين رقبته منتفخة.
الضابط: اذهب، بحق الله!
تغادر السيارة والآن، يسمع الانفجار الثالث عن بعد. إنه مسموع بوضوح وبشدّه من منطقة موريتانيا.
يتوقف في منتصف حركته الأخيرة، وكذلك كل الآخرين، الذين شلهم الخوف، غير قادرين على التحرك مرة أخرى، والقبول بمثل هذه الحقيقة للمرة الثالثة. كذلك في ميدان بوجون، الناس هناك لا يستطيعو الحركة. جميعهم ينظرون في نفس الإتجاه وجوههم تبدو متماثلة من الرعب، يختلفون في مدى شعورهم بالعجز، متماثلين في حزنهم العميق.
69. شارع. المدينة الأوروبية. خارجي. نهاراً
تظهر الشمس، ثم تختفي وراء السحاب الأسود. تهبّ ريح باردة. إنها العاشرة صباحاً، والمدينة الأوروبية لها نغمتها العادية السريعة القيمه التي تعيشها كل يوم في مثل هذه الساعة. ما عدا ذلك الرعب المكتوب على وجوه كل إنسان. ذلك الرعب بقي مصحوباً بالريبة واليائس والعجز.
تتحرك دوريات الجنود ورجال البوليس حول المدينة، تفتش الجزائريين وبعض الأوروبيين، توقف السيارات والشاحنات والأوتوبيسات والتراموايات التي يسدونها من ابوابها الأثنين.
عند مدخل كل حانوت، يفتش صاحب الحانوت كل زبون قبل أن يسمح له بالدخول.
يقوم بذلك في منتهى الأدب ويظهر ابتسامة ولكن يبحث بانتظام في كل حقيبة، وكل لفافة.
وفي البارات يفعلون ذلك ايضاً، وفي المكاتب، وفي الورش … والآن بما أن الوقت بعد الظهر المتأخر، فهم يفعلون ذلك في المواخير، ودور العرض، والمسارح.
70. شارع ليمون. خارجي، غروب الشمس
صبي جزائري صغير في الثالثة عشر أو الرابعة عشر من العمر يلبس صندلاً بلا كلساتن وسروال يصل إلى ركبتيه يسير بسرعة وهو يحمل صندوقاً كرتونياً مربوطاً بحبل. الوقت الغسق.
تراه امرأة اوروبية وهو يمر أمامها، تنظر إليه، وتتبعه بنظرتها. على الممر هنالك بعض الشباب. تشير المرأة إلى الصبي الجزائري، وتقول شيئاً. السير مزدحم. كلماتها غير واضحة. ينده واحد من الشباب على الصبي الذي اصبح الآن بعيداً ثلاثين قدماً.
الشاب: اسمع، ايها الجرذ الصغير….
يستدير الصبي لثانية من الزمن، وجهه خائف، ويسرع خطاه. يتبعه الشاب فيبدأ الصبي بالركض. فيبدأ الشاب في الركض أيضاً ويتبعه الآخرون والناس المارون أيضاً.
يشكلون عصابة صغيره وهم يصرخون. يدخل الصبي مسرعاً إلى شارع جانبي، يرمي علبته، ويركض إلى الأمام.
بينما يلاحق بعضهم الصبي، يقف الآخرون حول الصندوق. يفسحون مكاناً يبحثون عن رجل بوليس، عسكري، ضابط تبدأ دائرة بالتشكل حول الصندوق. تصل دورية. أحد الجنود لديه عداد جايجر يتحرك قرب الصندوق، وبحذر يضع العداد فوقه، ثم يتوقف عن حذره ويتناول الحربة ويقطع الحبل ويفتح الصندوق: ليمون.
71. زاوية الشارع. خارجي. غروب الشمس.
احيط بالصبي من كل مكان، رمي ارضاً، رفس، ضرب بالشماسي إلى ان انهك ولم يعد قادراً على حماية نفسه. لم يعد يتحرك إنه ملقاً على الأرض، ميتاً. الهواء رمادياً الآن، وببطء تتحد كل الألوان لتشكل الرمادي. الأضواء مشتعله في المدينة يتناقض مع بياض القصبة الموجوده في الأعالي. السماء ما زالت صافيه، صور الجبال الجانبيه السوداء والشواطئ المستقيمه على البحر، والبحر نفسه الذي يبدو وكأنه يابسة حتى يصل إلى الأفق حيث يخرج القمر بين السحب.
المنادي: «بعد مناقشات مطوله فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة قررت برنامجها للمناقشات المقبلة:
(1) إعادة توحيد كوريا.
(2) نزع السلاح.
(3) المسألة الجزائرية.
تقدمت كولومبيا باقتراح أن النقطتين الأولى والثانية فقط سيناقشان اليوم.
ومع ذلك، فإن الأمم الأفرو-اسيويه اعترضت مؤكدين على الأهمية التي يولونها للمسألة الجزائرية…»
72. واجهة بحرية. خارجي. نهاراً 10 يناير، 1957
تهلل الجماهير الأوروبية، عيونهم مشعة، افواههم مفتوحة، يصرخون ويصيحون، وأسنانهم بيضاء تلمع في الشمس. يصفقون طرباً على جانب البحر في الجزائر، الأطفال مرفعون ليروا المشهد، وهم يلوحون بالأعلام الصغيرة، يسير المظليون من الفصيل العاشر بخطى عسكريه إلى الأمام.
المنادي: «لقد ترأس السيد ريموند لوفوفر، المفتش العام للإدارة اجتماعاً حيث اتخذت قرارات مهمة هدفها المحافظة على النظام العام وحماية الأشخاص وممتلكاتهم. وبشكل خاص فقد تقرّر استدعاء القسم «العاشر» من المظليين إلى الجزائر حيث انهم حتى الآن ما زالو يعملون في مكافحة العمل العدائي في نجد كابيرو. وسيكون القائد العام للفصيل العاشر مسؤولاً عن حفظ النظام في الجزائر. وسيكون تحت أمرته لتحقيق هذا الهدف كل الإمكانيات المدنية والعسكرية المتاحة للدفاع عن هذا الموقع.
يقف ماسو والمسؤولون على شرفات مبنى الولاية
يمشي المظليون مشية عسكريه، اكمامهم ملفوفة إلى أعلى، ووجوههم محروقة من الشمس.
رشاشات، بنادق بازوكا، شعر حليق، عيون صبيان يغنون، خطوات صامته، فرقة بعد الأخرى.
كوكبة التنين «قبعات سود» تمر …
«القبعات الحمر» من الفوج الثاني لمظليي المستعمرات…
«الطواقي» استعراض الفرقة الثالثة، على رأس هذه الفقرة الكولونيل ماسو. إنه طويل، رفيع، فوق الخمسين. شعره رمادي رقيق، وجه نحيل، عيون زرقاء، وجبهة عريضه، وجهه محاط بالثنيات. ولولا أنه يلبس هذا الزي ويحمل السلاح ووجهه لفحته الشمس وطريقة مشيته وصوته القوي عندما يملي الأوامر، فإنه لا يبدو جندياً ولكن رجل مثقف.
تمر الفرقة الثاثة لمظليي المستعمرات الآن أمام الحاكم.
يدير ماسو رأسه قليلاً :
ماسو: الفرقة الثالثة! انتباه لليمين … يمين!
المنادي:
اسم العائلة: ماسو
الاسم: فيليب
مولود في رين مايو 3؛ 1906؛ الدرجة: لويتنان كولونيل،
دراسته: هندسة من اليولي تكنيك.
الحملة: الحرب العالمية الثانية، معركة مقاومة النازية، حركة المقاومة؛ الحملة الايطالية، حرب الهند الصينية، الحرب الجزائرية…
73. فيلا رئاسة الأركان. داخلي. نهاراً.
داخل فيلا في رئاسة الأركان العسكرية نرى عبر نافذة واسعة في الطابق الأول غرفة إستقبال. هنالك حوالي العشرين ضابطا يجلسون في صفوف كراسي وكأنهم في محاضرة.
امامهم ماسو وهو يتكلم بينما يقف أمام احد المكاتب.
خلفه لوح اسود وبالقرب منه خريطة كبيرة عليها رسم توضيحي هرمي، خلايا، سهام، علامات مصلبة وفوقهم العنوان: هيكلية جبهة التحرير، حزام الحكم الذاتي الجزائري.
صوت ماسو لا اثر فيه للنبرة العسكرية أو التقليدية. نبرة صوته ليست قاسية ولا باردة وإنما هي لطيفة مبهجة؛ تشع منها سلطة فوقية مردها العقل وليس المكانة.
ماسو: النتيجة انهم خلال الشهرين الفائتين وصلوا إلى معدل 4.2 هجوم في اليوم، بما في ذلك الهجوم ضد الأفراد والمتفجرات. طبعاً، أسباب هذا المشكل هي كالعادة: أولاً، العدائية؛ ثانياً أسلوب تحطيمه … هنالك 80.000 عربي في القصبة. هل هم جميعهم ضدنا؟ نعرف انهم ليسوا كذلك. في الحقيقة، انها أقلية صغيرة التي تتحكم بالخوف والعنف. هذه الأقلية هي عدونا ويجب أن نعزلها ونحطمها…
وبينما هو يتكلم، يذهب نحو النافذة وينزل الستارة. يقطع، كلمته، ويشير إلى باقي النوافذ:
ماسو: انزل تلك هناك ايضا…
يقف اثنان او ثلاثة ضباط ليقوموا بالمهمة.
في خلفية الغرفة هنالك آلة سينما. بالقرب منها وقف أحد المظليين ليقوم بتشغيلها.
تنزل كافة الستائر وتدريجيا تظلم الغرفة.
في هذه الأثناء يعود ماسو للكلام:
ماسو: إنه عدو يبدل مكانة فوق واسفل السطح بأساليب تورية رفيعة المستوى وخطط مبتكرة … إنه عدو مجهول خفي يختلط مع آلاف الآخرين الذين يشبهونه.
نجده في كل مكان: في حواري القصبة؛ في شوارع المدينة الأوروبية وفي اماكن العمل.
يقاطع ماسو نفسه مرة ثانية ويشير إلى خلفية الغرفة التي اصبحت مظلمة.
ماسو: انطلق، يا مارتن.
يدير مارتن آلة العرض. على الحائط الأبيض بمحاذاة الخريطه والرسم البياني تظهر صور القصبة. هنالك الحواجز والأسلاك الشائكة، والستائر المعدنية، الجزائريون الذين يخرجون ويدخلون، رجال البوليس والعساكر الذين يتفحصون الوثائق ويفتشون احد الناس. بين الفينة والأخرى تظهر لقطات مقربة من الصور، مكبّرة بحيث تغطي أدق التفاصيل، لقطات مقربة للوجوه، صور ثابتة تستمر فقط لبضع ثوان.
ماسو: هاكم فيلما التقطه البوليس، كانت الكاميرات مخبأة في مخارج القصبة. اعتقدو أن هذه الأفلام قد تكون مفيدة وفي الواقع إنها مفيدة لأنها تبرز فوائد بعض الأساليب. أو، على الأقل عدم كفايتها.
نرى الآن حسيبة والجنود الذين يغازلونها، وهي تضحك، وتمزح، تغازل بطريقة مثيرة وتمر من على الحاجز.
ماسو: اخترت هذه الأفلام لأنها صورت في الساعات التي سبقت بعض الهجمات الإرهابية. وهكذا، فبين كل هؤلاء العرب، رجالاً ونساء، هنالك من هم مسؤولون. ولكن من هم هؤلاء؟ كيف نستطيع التعرّف عليهم؟ السيطرة على الوثائق مهزلة: الشخص الذي لديه كل شيء منظم قد يكون الأقرب إلى الإرهابي.
يشد جزائري بعيدأً وهو يحتج، يرفس، محاولا تحرير نفسه. ثم يتغير المشهد، هنالك مخرج آخر للقصبة، وجزائري يجري تفتيشه.
ماسو: (يبتسم)
لاحظوا حدس المصور. لقد ادرك ان داخل ذلك الصندوق لا بد ان يكون هنالك شيء مهماً، وتوقف ليركز عليه.
تكبّر الصورة. العلبة الصغيرة التي يحملها الجزائري على كتفه نراها بالتفصيل. تفتح. العلبة مليئة بالثعابين؛ الجندي الذي كان يريد فحصها يقفز مبتعداً.
ينفجر الضباط الموجودون في الغرفة بالضحك.
ماسو (ضاحكاً) قد تكون القنبلة مخبأة هناك في اسفل مزدوج. من يدري؟ لن نعرف ابداً.
يستخدم احد الجنود فوهة رشاشة ليغلق الصندوق استطاع احد الثعابين القفز إلى خارج الصندوق ويسقط أرضاً. يخاف الناس ويبتعدون. يضحك الآخرون وبينهم عمر الصغير الذي يبدو طفلا صغيرا عاديا يسلي نفسه.
ماسو: هذا يكفي، يا مارتن …
تفتح الأضواء ثانية في الغرفة. يقف ماسو ثانية بالقرب من المكتب، وينتظر لحظة حتى تخمد اصوات التعليقات.
ماسو: يجب ان نعاود البدء ثانية من الصفر. ما لدينا من معلومات هو فقط ما يتعلق بهيكل المنظمة. ولسوف نبدأ من هذا …
يأخذ مؤشراً خشبياً من المكتب حتى يتمكن من شرح وتوضيح الرسم البياني، بينما يتكلم بنبرة صوت محددة كأستاذ جامعة.
ماسو: إنها منظمة لها شكل هرمي مقسمة الى مجموعة من القطاعات على رأس الهرم اركان التنظيم. يتحرك نحو اللوح الأسود، ويتناول بعض الطباشير وببطء وهو يتكلم، يوضح كلامه.
ماسو: القائد العسكري المسؤول عن الجسم التنفيذي، يجد الشخص المناسب ويسميه لتحمل مسؤولية قطاع: رقم واحد. وبدوره رقم واحد يختار إثنان آخران: رقم اثنان ورقم ثلاثة….
وهكذا فهم يشكلون المثلث الأول.
كتب على اللوح رقم واحد واسفله تاركاً مسافة صغيرة بينهما رقم اثنان وثلاثة. يجمع الثلاثة ارقام بخطوط فيشكل مثلث.
ماسو: والآن رقم اثنان ورقم ثلاثة يختاران بدورهما رجلان لكل منهما … رقم اربعة وخمسة، وهكذا …
يكتب ماسو الأرقام الجديدة، واضعاً إياها على السطر التالي. ثم يوحد رقم اثنان مع اربع وخمسة، وثلاثة مع ستة وسبعة، مشكلاً مثلثنين جديدين.
كتب ماسو أرقاماً أخرى ووصلها بتلك الموجودة على الخط السابق وهكذا شكل مثلثا آخرين. والآن اللوح تغطى بمسلسلات من المثلثات التي تشكل هرماً كبيراً.
ماسو: الأسباب وراء هذه الهندسة هي ان كل ملتزم سيعرف فقط ثلاثة أعضاء من كل التنظيم الحزبي: قائده الذي اختاره والاثنان الذان اختارهما هو بنفسه…
الاتصالات تتم فقط بأوامر كتابية … لذلك فنحن لا نعرف اعداءنا: لأنه، عمليا، هم أنفسهم لا يعرفون بعضهم البعض.
يترك ماسو اللوح ويتقدم مقترباً من الضباط. نبرة صوته تتغير. الشرح انتهى الآن. سيعطي إرشاداته….
ماسو: ان تعرفهم يعني ان تتخلص منهم. وكنتيجة لذلكن فإن الخاصية العسكرية تصبح ثانوية بالنسبة للأسلوب البوليسي.
اعرف اننا لسنا مغرمين بهذه الكلمة، ولكنها الكلمة الوحيدة التي تشير تماماً إلى نوع العمل الذي علينا القيام به.
علينا أن نقوم بالتحقيقات اللازمة حتى نتابع من زاوية إلى أخرى في الهرم كله. السبب وراء هذا العمل هو المعلومات. والأسلوب المتبع هو الاستجوابات. والاستجوابات تصبح وسيلة إذا ما أديرت بطريقة بحيث دائماً تحقق نتائج، أو بالأحرى جواب. اثناء الممارسة، فإظهار انسانية كاذبة يقود فقط للسخافة والعجز. انا متأكد ان جميع الوحدات ستفهم وتتجاوب تبعاً لذلك. ومع ذلك، فالنجاح لا يعتمد فقط علينا. نحن بحاجة لأن تصبح القصبة في متناول يدنا. يجب أن ننخل كل ما بها … ونستجوب كل واحد. وهنا حيث سنجد انفسنا وقد عرقلتنا مؤامرة من القوانين والتعليمات التي ما زالت تطبق وكانما الجزائر هي مدينة للإجازات وليست ساحة حرب. لقد طالبنا ببطاقة بيضاء. ولكن من الصعب الحصول عليها. لذلك فمن الضروري أن نجد عذراً لتشريع تدخلنا وجعله ممكناً. من الضروري أن نخلقه نحن …
هذا المبرر. حتى لا يقوم اعداؤنا بالتفكير به هم انفسهم، وهذا ما يبدوهم فاعلون.
74. حارة في أعلى القصبة. خارجي. نهاراً
إنها ليست أغنية، ولكن نوع من الجوقة المتكلمة، تجمع اصوات شابة، أصوات مهموسة من الحنجرة، عالية ومنخفضة في آن. وسكون مفاجئ يوقف الصوت. إنها رتيبة؛ ولكنها مجرد ترداد، دائما بنفس نموذج النبرات .. عالٍ، منخفض، ثم، سكون .. وهذا يجعلها تتحول نفسهاً إلى تصميم رئيسي، يصل إلى نغمة حماسية، فيحصل على مدى ومهابة. الصوت يملأ الحواري، يرتفع إلى مستطيل السماء العالي، ويتحرك مبتعداً وكأنما المقصود أن يسمعه الجميع.
الحارة ضيقه ومنحدرة، لها حيطان مفتتة، وحزم من العشب والقمامه. تقع في الإطار الخارجي للقصبه.. الريف خلفها. يسير جزائري بخطوات واسعة، طفل في الخامسة من عمره خلفه، يتحرك بسرعة، يتعثر من وقت لآخر على الرصيف؛ رغم انه لا يبكي، فهو ينادي والده بين الفترة والأخرى الذي يسير قبله ولا يستدير. ترتفع الجوقة من خلفهم إنها مفككة. يقفان امام باب، لقد وصلا يفتح الباب فيدخلان.
75. مدرسة القرآن. داخلي. نهاراً.
غرفة رحبة، كأنها دكان أو اسطبل. هنا ايضاً على الأرض والرصيف، هنالك بقع من العشب. إنها باردة. الحيطان غير مطلية. والشبابيك مغطاة بالواح خشبية. السقف مصنوع من قرميد مغطى بطبقة بيضاء.
هنالك حوالي عشرين ولداً من خمس إلى ثماني سنوات يجلسون على الأرض. المدرس أمامهم؛ وهو يجلس ايضاً. إنه يجود الآيات بصوت خفيض، تقريباً همساً، والجوقة تعيدها.
مدرسة القرآن: مكان قديم خالٍ من الكماليات.
الجزائري الذي دخل يمسك الولد من يده ويصحبه إلى المعلم الذي يقف الآن؛ الجوقة تتابع، الأولاد الآخرون. لا ينظرون إلى الإثنين الذين دخلا تواً.
يحيى الجزائري والمعلم بعضهم البعض، وقد وضعا ايديهما على قلوبهما، ثم إلى افواههما. في نفس الوقت يتناول المدرس ظرفاً من تحت ثوبه ويسلمه للرجل الآخر.
الخطيب: «إلى جميع المجاهدين! بعد سنتين من النضال المرير في الجبال والمدن، حقق الجزائريون نصراً بيّناً. لقد وضعت الأمم المتحدة المسألة الجزائرية في جدول اعمالها المقبل. ستبدأ المناقشة يوم الاثنين، 28 يناير. تبدأ يوم الاثنين، لمدة ثمانية أيام، ستدعو جبهة التحرير إلى إضراب عام، جميع العمليات أو المحاولات المسلحة تتوقف. نحن نطلب من جميع الملتزمين ان يتحركوا لإنجاح تنظيم الإضراب».
يخفي الجزائري الظرف داخل ثوبه، ثم يقدم الولد للأستاذ الذي يتركه يجلس مع الأولاد الآخرين، يعود الأستاذ إلى مكانه ويجلس، ويقترح جملة جديدة؛ تتابع الجوقة تردادها.
يترك الجزائري المدرسة.
دعم جماعي للإضراب العام.
79. واجهة بحرية. خارجي. نهاراً
عند الواجهة البحرية، يقف بائع صحف في الثانية عشرة من العمر، حافي القدمين. صوته رنان إلا أنه مرح، يبتسم.
بائع الصحف: لوموند، لوموند! اضراب عام! … اضراب!
يشتري بعض الأوروبيين الصحيفة، بنصف قلب وهم يتذمرون غير موافقين. يبقى الولد في حالة مرحة، يضع النقود في الشنطه القماشيه المعلقه في كتفه. ويشكرهم.
والآن يمر امام شحاذ، رجل جزائري كبير يتكئ على عكاز.
يغمزه الصبي، وهو يتابع الصراخ:
بائع الصحف: اضراب!
الخطيب: خلال ثمانية ايام الإضراب، لا تترددوا على المدينة الأوروبية او تغادروا القصبة. اوجدوا مبيتاً في بيوتكم للفقراء والشحاذين والأخوة الذين لا بيوت لهم. خزنوا ما يكفيكم من الطعام والماء لثمانية أيام!».
80. شوارع القصبة ودكاكينها. داخلي/ خارجي. نهاراً
هنالك جو غريب داخل القصبة. الناس تحيي بعضها البعض في الشوارع؟ ازيز اصوات كثيف، حالة نفسية احتفالية، شعور بالأخوة، والأولاد الذين يستغلون الموقف يلعبون ويتراكضون في كل مكان.
الدكاكين على غير عادتها مزدحمة. يدخل الناس ويخرجون، محملين بالمؤن. في الدكاكين ايضاً هنالك حالة احتفالية ايضاً. وكأن هذه المؤن مأخوذة لرحلة في الريف. واصحاب المحلات أيضاً مرحون. وفقراء المشترون، بدلاً ان يدفعوا، يسلموا بطاقات مختومة بختم جبهة التحرير.
81. حاجز القصبة. خارجي. نهاراً. غروب الشمس. الأحد. 27 يناير، 1957.
عند اواخر بعد الظهر، عند حواجز شارع دولالير، وشارع ديفان وشارع مارنجو. منافذ الخروج من القصبة مهجورة تماماً، بينما تتدفق مداخل المنافذ بالناس. هنا أيضاً جو من المرح والسعادة والتعليقات الذكية والضحك والنظرات التهكمية نحو الجنود والبوليس بوجوهه الباردة، الجهمة وقبعاته الفولاذية ورشاشاته… الذي يقفون عند المدخل دون أي تدخل.
هذه الصورة مقربة ومركزه عبر عدسات منظار.
82. قصر حكومي. خارجي/ داخلي. غروب.
أحد الضباط المظليين ينظر إلى الحواجز في شارع ديفان من شرفة في القصر الحكومي. وماسو بجانبه.
ماسو: لا أحد يغادر، أيه؟
يعطيه المظلي المنظار.
الضابط: كلا، إنهم يتابعون الدخول، الجرذ.
ينظر ماسو من المنظار ويعلق بصوت خفيض، مبتسما.
ماسو: جرذ في المصيدة، اتأمل ذلك …
الضابط: ولكن هل تعتقد ان الإضراب سوف يتسع؟
ماسو: بلا ادنى شك.
خلف الضابطين، عبر نافذة مفتوحة، نرى غرفة. هنالك مائدة كبيرة، وحولها، ضباط آخرون برتب عالية من مختلف فرق القوات المسلحة وبعض الرسميين المهمين بثياب مدنية.
احد الجنرلات الذي يدير ظهره للشرفة، يستدير وينادي
ماسو:
الجنرال: ماسو! ماسو، اسماً …
ماسو: اسماً؟
الجنرال: نعم، اسماً للعملية.
يحرك ماسو المنظار من على الحاجر ويستدير ببطء حول ساحة الحكومة، إلى أن يصل إلى علامة دعائية لنوع من الشامباين والذي هي الآن، عند الغسق، تضيء بنغمة متقطعة: كوردون … أحمر.
يتوقف ماسو ثم يستدير نحو الغرفة، ويدخل مبتسماً:
ماسو: شمبانيا…. لا بأس؟
يردد الضابط بلا وعي:
الجنرال: شمبانيا … شمبانيا.
(ثم بصوت مقتتع) عملية شمبانيا، نعم، حسناً.
83. حاجز شارع ديفان. خارجي. مساءً.
عند حاجز شارع ديفان، هنالك اقبية غير متجانسة رتيبة، مثيرة للأعصاب. هنالك شحاد أعمى. بشرته فاتحه، طويل ونحيل، ذقنه طويلة، ذراعاه مفتوحتان، في يده عصا. يصل أخيراً إلى المدخل، يحاول أن يجد الطريق، ولكنه لا يستطيع. يحاول ثانية وثانية بعصاه، متابعاً بلا توقف اغنيته الحزينة، إلى أن يأخذه رجل بوليس من يده الخالية، ويضع يده بقسوة على الشاشة المعدنية.
رجل البوليس: تابع سيرك! تابع!
يحتج الشحاذ ويهز عصاه بطريقة تجعل البوليس يضطر إلى الانحناء ليحمي نفسه من العصا. يشتم رجل البوليس بحقد وبقسوة.
يبدأ أحد الجنود بالضحك. يعاود الرجل الكبير الغناء ويتجه إلى الأمام متكئا على الشاشة الفولاذية. على الجانب الآخر من الحاجز خلف المربع، هنالك مجموعة من الفتيات المحجبات اللواتي رأين الرجل العجوز، ويبدو أنهن كن ينتظرنه.
تذهب اثنتان منهن ليقابلانه. وتأخذ كل واحدة أحد ذراعيه. بمجرد ان تلمس يديه. يثار الرجل العجوز ثانية حتى الفتيات يضحكن ثم تتكلم احداهن معه بصوت عالٍ وببطء.
يبدو أن الرجل العجوز فهم. وقد اقتنع. يتمتم بأمور لطيفة ويدعهن يصحبانه.
84. حارة القصبة. باب امامي. خارجي. ليلاً
حارة ضعيفة الإضاءة. مجموعة من الرجال العاطلين عن العمل والشحاذين يقفون امام أحد الأبواب.
واحد من المرافقين الثلاثة ينظر في قائمة ما ثم إلى اثنين من المجموعة. يشير لهم بالدخول.
85. منزل قادر. داخلي. ليلاً.
باحة داخلية.
في الباحة الداخلية هنالك رجل كبير ينتظرهم ويستقبلهم ببشاشة.
يحيوا بعضهم بالطريقة الجزائرية التقليدية.
الباحة الداخية والشرفة
وعلى الشرفة ايضاً واحد ينظر باتجاه الباحة الداخلية. يقف قادر على الشرفة ومعه رجل في الأربعين من العمر، يلبس ملابس أوروبية كتفاه رفيعتان وصدره غائر. وجهه حساس، جبهته عالية وشعره وعيناه سوداوان. عيناه لطيفتان ينمان عن تفكير رفيع ويبرقان بالتهكم.
انه بن مهدي أحد الأربعة اعضاء CCEاللجنة التنفيذية المركزية.
قادر (مخاطباً إياه) انهم شحاذون وعاطلون عن العمل وبلا مأوى. لقد نظمنا الأشياء بطريقة بحيث انه خلال الاضراب سيكونون ضيوفاً على العائلات الأخرى التي تملك بيوتاً وسوف نؤمن مأوى فيما إذا قامت انتفاضات… ولكنني لم اعرف انهم سوف يحضرون إلى هذا المنزل ايضاً. ان هذا خطأ.
بن مهدي: لماذا؟
قادر: لأنك انت ايضاً موجود هنا. من الأفضل لك ان تنتقل إلى بيت آخر.
يتحرك بن مهدي بعيداً عن الحاجز.
بن مهدي: حسناً … انت الذي عليك اتخاذ القرار.
يتبعه قادر في الشرفة.
قادر: كلا، لو كنت أنا الذي يقرّر، ما كنت لتكون في الجزائر الآن.
ينظر بن مهدي اليه، مبتسماً.
بن مهدي: لماذا؟ اليس هذا من الحكمة؟
يبتسم قادر ايضاً، ويكرّر:
قادر: هذا ليس من الحكمة في شيء.
في نهاية الشرفه، هنالك بناء يرتفع قليلا إلى أن يتساوى مع السلالم التي تؤدي إلى الطابق الأسفل. هنالك غرفة كبيرة؛ نرى عبر الباب المفتوح الداخل المضيء. الحيطان مغطاة بالواح من الأجر وعند اسفل واحد من الحيطان الأربعة هنالك فتحة مربعة الشكل تقود إلى مكان اختباء.
غطاء مكان الاختباء، مربع من حائط سميك، موضوع على احد الجوانب. يقوم علي لابوانت بتغطيته بالآجر.
وعلى الجانب الآخر من الغرفة بمحاذاة الباب، هنالك بضعة احواض من الإسمنت وحظيرة لمياه الشتاء. يظهر قادر عند الباب.
قادر: علي، عليك ان ترافق بن مهدي إلى بيت الأشجار لا يجيب علي فوراً. ينتهي من وضع آخر آجرّة ثم يستدير نحو قادر.
علي: لماذا؟ الن ينام هنا؟
قادر: كلا، من الافضل أن لا يفعل. البيت ملآن بأناس جدد.
ينهض علي، يمسح يديه بسرواله، وفي نفس الوقت ينظر متفحصاً العمل الذي أنجزه.
علي: هاك واحد آخر جاهز. يا له من مخبأ!
إنه فعلاً يبدو حائطاً. سوف اوسخه قليلاً يصبح ممتازاً.
هل انظر إلى داخله؟
يتناول قادر رشاشاً من أحد الأحواض ويقذفه إلى علي، الذي يلتقطه.
قادر: كلا، اذهب الآن. الوقت اصبح متأخراً.
يخرجان نحو الشرفة. يفتح علي رشاشه بحيث تنزلق الرصاصة نحو ماسورة الرشاش.
قادر (مخاطباً بن مهدي)
انهم عائلة ملتزمة منذ القدم. كل شيء سيكون جيداً، سترى … تعال، يا علي، أسرع.
بن مهدي: حسناً. سأراك غداً.
يودعون بعضهما البعض ويتعانقان. قفز علي فوق حائط الشرفة نحو الشرفة الثانية. تبعه بن مهدي؛ انه الآن أقل خفة ويتحرك بقليل من العناء.
يقول له قادر من الحاجز:
قادر: المرور من على الشرفات يأخذ خمس دقائق… ومع علي لابوانت ستكون بأمان…
يختل توازن بن مهدي وهو يقفز، ويتمسك بعلي حتى لا يسقط.
بن مهدي: ولكنه هو الذي لن يكون آمنا معي …
يتحرك الشخصان من شرفة إلى شرفة، ويختفيان في الظلمة.
86. مناظر القصبة وشرفاتها. خارجي. ليلاً.
في الظلمة أمامهما، يظهر إنعكاس معدني وصوت حاد عدائي لجزائري يسمع.
يجيب علي على كلمة السر.
يتقدم شاب من الظلال. هو أيضاً يحمل رشاشاً.
يتعرف إلى علي ويحييه. يتابعان علي وبن مهدي …
87. بيت الأشجار، شرفة. خارجي. ليلاً
حتى يصلون إلى شرفة منفصلة عن الأولى بحارة عرضها عشرة أقدام.
علي: ها هي … لقد وصلنا …
يحدق بن مهدي بالفراغ تحتهم، ينظر إلى علي، ويأخذ نفساً عميقاً.
بن مهدي: ليس بعد …
تسلق علي الحاجز، وأخذ ينظر حوله مركزاً بانتباه للحظة، ثم يقفز نحو الفراغ، فيصل إلى الجانب الآخر. ينحني، يبحث عن شيء في الظلام، ويرفع نوع من المعبر المؤقت. يسلمه لبن مهدي ويقومان معاً بوضعه بين الشرفتين.
علي: انتبه الآن.. إذا لم تكن تعرف كيف يعمل، فمن الأفضل ان تجلس على اللوح وتتحرك إلى الأمام هكذا …
بن مهدي: فلنحاول…
يحاول ان يقف على اللوح ولكنه لا يملك الثبات اللازم.
لا يستطيع ان يمسك توازنه. فيفعل كما نصحه علي؛ يجلس على اللوح منفرج الساقين ويستخدم قوة ذراعيه، ويدفع بجسده إلى الأمام. يتوقف في منتصف الطريق ويرتاح دقيقة من الزمن.
بن مهدي: شيء جيد أن لا أحد يتبعنا…
علي: انها مسألة عادية…
وعندما يقترب بن مهدي يساعده علي على النزول إلى الشرفة.
علي: من الأفضل إذا ما نزلت أنا أولاً، لأتأكد أن كل شيء مقبول …
وبدون ان ينتظر الجواب، يتحرك نحو السلالم التي تقوده إلى الطابق الأسفل، حركاته صامته ورشيقة.
ينحني بن مهدي من الشرفة وينظر باتجاه المدينة الأوروبية والبحر. في الميناء، منارتين مضيئتين وشعاعهما الطويل المتلألئ يتحرك ببطء نحو القصبة…
عندما يعود علي لابوانت، لا يزال بن مهدي متكئا على حافة الشرفة. يبدو أنه لا يسمع صوت خطوات علي أو صوته.
علي: كل شيء على ما يرام … إنهم ينتظرونك…
يتحرك علي بجانبه ويستدير بن مهدي وينظر نحوه
بن مهدي: ما رأيك في الإضراب يا علي؟
علي: اظن انه سيكون ناجحاً…
بن مهدي: نعم، انا اعتقد كذلك ايضاً … إنه منظم بشكل جيد … ولكن ماذا سيفعل الفرنسيون؟
السؤال والجواب كلاهما يبدوان واضحين لعلي
علي (يرفع اكتافه) انه واضح. سيفعلان كل ما في وسعهما ليفشلوه.
بن مهدي: كلا، سيفعلون اكثر من ذلك. لقد اعطيناهم الفرصة ليفعلوا أكثر بكثير. هل تفهم ما أعني؟ بدءا من الغد لن يتلمسو طريقهم في الظلام بعد الآن، كل متجر وكل عامل يضرب سيكون عدواً معروفاً كمجرم اعترف بجرمه … وباستطاعتهم التحرك نحو الاتهام.
هل فكرت بهذا؟
استمع علي بانتباه. الجهد الذي يبذله في سؤال نفسه عن معنى هذه الكلمات واضح على وجهه.
علي (يهز رأسه) كلا …
بن مهدي: ولكن قادر قال لي أنك لم تكون مؤيداً للإضراب.
علي: كلا، وكذلك رجالي أيضاً.
بن مهدي: لماذا؟
علي: لأنهم قالوا لنا اننا لا يجوز ان نستعمل السلاح، الآن، عندما يكون الوقت ملائماً.
بن مهدي: هذا صحيح… الحروب لا تكتسب بالإرهاب، لا الحروب ولا الثورات. الإرهاب بداية ولكن بعد ذلك فعلى الناس التصرف … هذا هو سبب الإضراب.
وضرورته: أن يحرك كل الجزائريين، يقوم بإحصاء اعدادهم ويقيس قوتهم …
علي: لنظهرهم للأمم المتحدة، اليس كذلك؟
بن مهدي (يبتسم قليلاً) نعم … نعم. والمشكلة أيضاً تتضمن الأمم المتحدة. لا أدري كم قيمتها، ولكن بهذه الطريقة سنعطي الأمم المتحدة إمكانية تقييم قوتنا.
يتنفس علي بعمق، وبشكل عفوي غير مقيد، يراقبه بن مهدي ويبتسم ويقول:
بن مهدي: هل تعرف شيئاً يا علي؟ البدء بثورة شيء صعب، ومن الأصعب أن تتابعها. واصعب شيء هو الفوز بها. ولكن. ولكن فقط بعد ذلك، عندما نفوز، تبدأ المتاعب الحقيقية.
يربت على ظهر علي بمحبه بيده ويتابع، مبتسماً:
بن مهدي: على أي حال هنالك الشيء الكثير الباقي لنقوم به .. انت لم تتعب بعد يا علي اليس كذلك؟
ينظر علي اليه بدون أن يستجيب لتهكمه.
علي (بغير إدانة) كلا!
88. منازل مختلفة. القصبة. خارجي. فجراً. 28 يناير 1957.
إنه فجر رمادي دخاني، امتصاص بطيء لليل. ضوء معتم ينتشر، ويرش رذاذه الصاقع ليتحول إلى شيء شفاف. ويعيد اكتشاف خطوطه الأولى ومنظورة وأخيراً، الشمس ذلك الضوء الذهبي الذي يوقظ كل الجزائريين. وإلى الشمال البحر. وإلى الجنوب الجبال والقصبة، تقع في منتصف الطريق على الشاطئ. ما زالت القصبة خاملة، متوقعة، في اليوم الأول من هذا الإضراب.
ما زال المظليون في أماكنهم، واحد وراء الآخر على مسافات متساوية مثل توصيلات سلسال طويل جداً معلقين في كل حارة، منتشرين في كل شارع جانبي، ملتوين بين المربعات، متسلقين السلالم، منقسمين، مجتمعين ومستطيلين مرة ثانية.
السكون كامل. الأشكال المموهة الجامدة تبدو وكأنها جزء من الأرض.
ثم هنالك هسهسه قصيرة وحاده، مئات من الصفارات معاً.
إشارة صوتية تطلق الأشكال الجامدة: يبدأ الهجوم.
تدفع الأبواب لتسقط أرضاً، طلقات، صرخات، طلقات بندقية، طلقات رشاش؛ الأبواب فتحت او كسرت، الساحات، البيوت، الغرف هوجمت. الرجال الذين يحاولون الهروب والمحتجين ويحاولون انقاذ انفسهم.
الأصوات: طبعاً .. انا كنت ذاهباً للعمل.
89. مخبأ بن مهدي. داخلي. فجراً.
بن مهدي داخل المخبأ. من الخارج، يساعده رجل عجوز ليضع مربع الحائط على المداخل، ثم، وفي الأماكن بين الآجر يضع معجونا من الصمغ مخلوطا بغبار الفحم الأسود. عندما يقترب المظلي يجد كل شيء في مكانه.
ما زالوا يمسكون بالرجال، يضربونهم يجرونهم، مخبأ اسلحة، يدفعون الرجال على السلالم.
الجنود: امشوا، امشوا، ايها الجرذان الصغار! انهضوا إلى العمل!
90. القصبة. شوارع. خارجي. صباحاً
يتعلق النساء بعضهن ببعض بعد الضرب. مهرب واحد باتجاه الشرفات. تسمع زئير الهليكوبترات الذي يصمم الآذان وهي تطير عكس الريح. ابوابها مفتوحة ويجلس المظليون على الجانبين وسيقانهم متدلية إلى اسفل ورشاشاتهم على ركبهم كل طائرة هليكوبتر لها مكبر صوت مفتوح على آخره بحيث ان هدير الموتور مضروب بمئات اضعاف صوته الأصلي.
تطير الطائرات منخفضة ثانية وتحيط بالشرفات.
يتطاير الجزائريون هاربين رعباً، لانتفاضة بدأت تذوي وتخف وطأتها، انطلقت الميكروفونات تفتح وتقفل. افرغت الشرفات، أوقف الرجال، ضربوا وسحلوا؛ الزم جميع الرجال بالخروج في الحواري والشوارع والساحات فرض على كل رجل ان يدير وجهه إلى الحائط ويداه مرفوعتان إلى أعلى.
91. دكاكين. ابواب مخلوعة. خارجي. صباحاً.
شاحنة تعود إلى الخلف، حبل مربوط إلى محور العجل ومن ناحية أخرى إلى مقبض احد الأبواب. يسرّع الموتور وتخرج غيوم دخان المحروقات.
يفتح المقبض الباب على مصراعيه وكأنه علبة سردين، نوافذ الدكاكين محطمة بضربات من العاب الرشاشات والنضد والأرفف كلها تتطاير في الهواء، والبضائع متناثرة في الشوارع، لعبة، حماس انفعالي…
يراقب الجزائريون ولكنهم لا يتدخلون يركض بعض أصحاب المحلات نحو المشهد يصرخون يائسين، بينما يجر الآخرون بعيداً رغم أنفهم، يعنفون ويصفعون ويدفعون ويجبرون على فتح دكاكينهم.
92. دكان سكاكر. داخلي. صباحاً
يدفع احد اصحاب الدكاكين ليقف وراء النضد، ينهض، وهو يرتجف خوفاً.
يطلب منه احد المظليين كيساً من الحلويات، يدفع بأدب يبتسم يربت على رأسه الأصلع ويسأله بظرف:
المظلي: والإضراب، يا صديقي؟
ثم يأخذ بتوزيع الحلويات بين الأولاد الذين يقفو في الخارج.
93. دكان الحلويات. خارجي. صباحاً
يأخذ الأولاد الحلوى بصمت، دون ان يشكروه، ثم يأكلونها ببطء، ووجوههم غير حميمة وباردة …
94. مركز الحكومة. خارجي. صباحاً
السماء السوداء، الأشجار، الإشارات الدعائيه… الشريط الأحمر … تمثال شخص يمتطي حصاناً، راديو سيارة مكبر صوت..
مكبر صوت: «انتباه، سكان القصبة ! جبهة التحرير تريدكم ان تتوقفوا عن العمل. جبهة التحرير تلزمكم بقفل دكاكينكم بالقوة. يا سكان القصبة، انتفضوا ضد أوامرهم. فرنسا هي بلدكم. اعطتكم فرنسا الحضارة والرخاء. مدارس وشوارع ومستشفيات. يا سكان القصبة، اظهروا حبكم لبلدكم الأم بأن ترفضوا إطاعة أوامر الإرهابيين. ايها الجزائريون، عودوا إلى العمل!».
ثم موسيقى جزائرية، نغم مرح وله ايقاع؛ يجبر الجزائريون على ترك القصبة صفوفاً صفوفا، ويدفعون باتجاه الشاحنات العسكرية التي تكدست في الجانب الجنوبي من الساحة، وهي ما زالت تروح وتجيء.
95. القصبة. ممر. خارجي. صباحاً.
في هذه الأثناء المظليون من الأقسام السيكولوجية يقومون باختيارهم الأول عشوائياً أو عن سابق تصميم واضعينهم عند أدنى شك. يقيمون الرجل بمظهره أو تصرفاته. يوقفوا الجزائريين عند بوابة الخروج ويهاجمونهم بكمية كبيرة من الأسئلة:
اصوات المظليين: من انت؟ ما اسمك؟ عملك؟ اين تعمل؟ لماذا أضربت عن العمل؟ اجبروك على ذلك، ايه؟ … كلا … قل الحقيقه! انت وعدتهم، صحيح؟ إذا انت الذي اراد ان يضرب. هل انت تابع لجبهة التحرير؟ تعال، أجبني ! هل انت خائف من ان تقولها؟ لا بأس، لا يهم الأمر.
الجزائري لا يجيب، ولكنه يحدّق في عيون المظلي.
المظلي يستدير نحو رفاقه ويصرخ:
المظلي: جاك! …. جاك! … واحد آخر نحو قيادة الأركان!
يوقف الجزائري ويدفع نحو الشاحنة.
مكبر الصوت: «انتباه، جزائريين! جبهة التحرير الجزائرية تريد ايقافك عن العمل. جبهة التحرير تجبركم على اغلاق دكاكينكم. جبهة التحرير تريدكم ان تجوعوا وتقودكم إلى البؤس. ايها الجزائريون، عودوا لعملكم…!»
96. المرفأ. خارجي. نهاراً
المرفأ مهجور والرافعات متوقفة. سفينة محملة تتمايل بكسل في حبالها نهايات الحاملات مليئة بالمؤونة. …
الحجارة الكلسية جفت، والجسور خالية، الاشرطة المتدلية تتأرجح ببطء من بكراتها. السكون يسيطر على حوض السفن… ثم، يقترب صوت الآليات، غيوم من الغبار، يدفع العرب خارج الشاحنات، نحو ساحة السفن.
شوارع الجزائر. خارجي. نهاراً.
يسود في شوارع المدينة الأوروبية جو من الخوف والشك.
تغلق درف شبابيك الدكاكين حتى منتصفها. يقف اصحاب الدكاكين في الممرات، جاهزين للإقفال.
ابواب البيوت الأمامية مغلقة. هنالك عدد من المارين المسرعين ولكن ليس هنالك سيارات، التراموايات متوقفة؛ وعلى جوانب الشارع أكوام عالية من الزبالة، وبالقرب المقشات الطويلة الخاصة بعمال نظافة الشوارع الجزائريين.
مظلي: اكنسوا، يا ابنائي، اكنسوا.
جزائري، بتعبير رفيع ومظهر راقٍ، يقول، وهو يعذر نفسه:
الجزائري: لا أعرف كيف، سيدي، انا آسف …
يدخلون المقشة بين يديه، ويصرخون فيه:
المظلي: تعلم!
مكبر صوت: «ايها المواطنون الفرنسيون! يا اوربيو الجزائر! إن الإضراب الذي دعت له جبهة التحرير فاشل. لا تخافوا. عودوا إلى أعمالكم. الجنرال ماسو يضمن سلامتكم، الجيش سيحميكم!»
شوارع الجزائر. خارجي. نهاراً
تتقدم سيارة جيب محملة بمكبر للصوت، صف من الشاحنات العسكرية محملة بالجزائريين.
في كل شاحنة هنالك مظليون يحملون رشاشات إلى جانبهم. يقف الجزائريون مزدحمين مع بعضهم البعض واحد مواجه للآخر.
بعضهم يرفع اعلاماً وشعارات:
* سأعمل لأنني حر.
* نحن أحرار.
* الجيش – السكان – السلام
* الجيش يحمي حقوقنا.
تستدير الشاحنات عند منعطف، يقفز شاب من آخر شاحنة، يقع، ينهض ثانية، وينطلق راكضاً.
يصرخ احد المظليين به ليتوقف، اصواتهم تختلط مع صوت مكبر الصوت.
يتابع الجزائري الركض. ينفجر صوت انطلاق رشاش، ثم رشاش آخر.
ينكفئ الجزائري إلى الأمام وقد التوى ظهره، ورفعت ذراعه. يسقط أرضاً.
99. مكتب الحاكم. غرفة الصحافة وبيت السلم. داخلي. نهاراً
ضوضاء، ارتباك في غرفة صحافة مكتب الحاكم. صوت آلات الطباعة، حشود من الصحفيين في غرفة الهاتف. إنهم يحاولون نقل اول الأنباء.
اصوات متنوعة
يسمع صراخ بمختلف اللغات.
احد الصحفيين: نحن الآن في اليوم الرابع والإضراب مستمر، بدعم كامل من السكان العرب. المدينة هادئة جداً. رغم ذلك … هادئة … هل انت اطرش؟ المدينة مسالمة.
في الاحياء الإسلامية، في ضواحي المدينة، في القصبة … مع السلامة، سنتصل ثانية، انا مشغول.
من خلال الباب المفتوح، يمكننا رؤية ماسو وهو يمر بصحبة ضابط آخر. يراه بعض الصحفيين ويركضون وراءه.
يتبعه آخرون، اربعة او خمسة يحاولون إيقافه.
الصحفيون: كولونيل؛ كولونيل .. سامحنا، كولونيل، جملة واحدة … نحن لا نعرف شيئاً لقد وعدتنا بمؤتمر صحفي… والآن هنالك لقاء مع الحاكم.
الصحفي الأول: هل تخبرنا ما الذي يحدث؟
ماسو: لا شيء، لا شيء بتاتاً. ما زلنا نزن الموقف.
يتحركون نحو الأرضية ويبداون صعود السلالم التي تقود إلى الطابق الثاني. يجد الصحفيون صعوبة في التلازم مع ماسو.
ماسو: انظروا حولكم. لقد وضعت كل شيء بين ايديكم.
اذهبوا وانظروا بأعينكم انتم.
الصحفي الثاني: الاضراب ناجح؛ ولكن …
ماسو: كلا. لقد فشل في تحقيق أهدافه.
الصحفي الأول: عصيان ؟
ماسو: عصيان.
الصحفي الثاني: ولكن كانت جبهة التحرير تتكلم عن إضراب كاستعراض للقوة…
ماسو: وانت تصدق جبهة التحرير؟
الصحفي الثاني: كانوا مقبولين ظاهراً هذه المرة. اضراب عام يعطي مصداقية للأمم المتحدة.
ماسو: الأمم المتحدة بعيدة جداً، يا سيدي. من الأسهل ان تُسمع الآخرين صوتك بالقنابل. لو كنت مكانهم لاستعملت القنابل.
الصحفي الأول: عصيان مسلح … ولكن ما هو بالضبط؟
الضابط: إنه عصيان مسلح …
لقد وصلا إلى ارضية الطابق الثاني، يسرعان ويقفان أمام باب كبير، حيث تكتب اشارة الوالي.
يتابع ماسو في نفس الوقت الكلام.
ماسو: انها مرحلة لابد منها في الحرب الثورية؛ من الإرهاب يخطو الانسان للعصيان… مثلما يمر الإنسان من الحرب الفدائية الواضحة نحو الحرب الحقيقية، والأخيرة هي عنصر تقرير المصير…
الصحفي الثالث: ديان بيان فو؟
ماسو: بالضبط.
يحدّ ماسو بالصحفي. ليرى إذا ما كان هنالك اي تهكّم في تعليقه، ولكن وجه الصحفي كان خاليا من التعبير.
ماسو: في الهند الصينية انتصرو هم.
الصحفي الثالث: وهنا؟
ماسو: هذا يتوقف عليكم.
الصحفي الرابع: علينا؟ انت لا تفكر في إقحامنا بأي شكل، هل تفكر في ذلك يا كولونيل؟
يضع ماسو يده على يد الباب ويبتسم للصحفيين.
ماسو: كلا! لدينا ما يكفي من المقاتلين. عليكم فقط أن تكتبوا، وجيداً، إن امكن.
الصحفي الأول: ما المشكلة إذاً؟
ماسو: الدعم السياسي. احياناً يكون موجوداً واحياناً لا …. واحياناً ليس كافياً. ماذا كانوا يقولون في باريس البارحة؟
الصحفي الخامس: لا شيء … سارتر كتب مقالة أخرى … يعبر ماسو بالحركات وكأنه يقول: «انظر ماذا أعني؟»
في نفس الوقت، يفتح الباب. ولكن قبل أن يدخل استدار ثانية نحو الصحفيين.
ماسو: هل يمكنك ان تشرح لي لماذا يولد السارتريون كلهم على الجانب الآخر؟
الصحفي الخامس: إذا انت تحب سارتر، يا كولونيل…
ماسو: ليس تماماً، ولكنه اقل جاذبية كعدو.
100. مركز الحكومة حاجز عند شارع دوديفان. خارجي. غروب الشمس
مركز الحكومة عند الغسق والجانب الآخر من الحاجز ساكناً، ما عدا عيون النساء الجزائريات غير المغطاة تنتظر رجالها.
تتابع الشاحنات الوصول: يجبر الرجال على النزول ويسمح لهم بدخول القصبة. هنالك جو حزين لعدم عودة كل الرجال. ينظر النساء نحوهم يتفحص وجوههم بدقة.، من أول واحد وحتى الأخير بلمحة واحدة، ثم ببطء .. كل وجه على حده بعض النساء ويميزن ازواجهن أو اشقاءهن او أبناءهن ويركضن ليلاقونهن …
ولكن البعض الآخر يتابع السؤال عن الأخبار بأصوات منخفضة حزينة.
اصوات شفاه منخفضة: هل رأيت محمد؟ اين؟ متى؟ لماذا لم يعد؟
صوت همهمة ثابت بالعربيه؛ الصوت الرتيب للبوليس الذي يتكلم بمكبر صوت المنادي.
المنادي: جبهة التحرير تريد إيقافكم عن العمل. جبهة الترحير تجبركم على اقفال دكاكينكم، يا سكان القصبة، خالفو اوامرهم. اعطتكم فرنسا الحضارة والرخاء: المدارس، الشوارع، المستشفيات، يا سكان القصبة، اظهرو حبكم لبلدكم الأم بأن لا تطيعوا أوامر الإرهابيين.»
مكبر الصوت موصول بأحد اعمدة الحاجز. ويخرج منه شريط طويل معلق به مكبر صوت. صوت رجل البوليس خشن وممل؛ يتوقف عن الكلام وينحني ليضع الميكرفون على المائدة أمامه. ينهض، يشعل سيجارة، ويتحرك مبتعداً بضع خطوات. طفلان يقفان بين النساء وخلف احصنة الحاجز الخشبية.
إنهما ينتظران هذه اللحظة.
ينحنون، ويبدو أنهما يلعبان، ولكن احدهما يرفع السلك الممدد إلى أعلى ما يستطيع عن الأرض. يدخل عمر الصغير سلكاً تحته، نهايته القصوى معكوفة كالسنارة. يحركه نحو سلك المكبر الملفوف والمرمي على الأرض. ينجح في التقاطه ويشده غليه ببطء. تفتح لفات السلك فيطول، ويمتد، إلى أن يبدأ جهاز المكبر بالتحرك على الطاولة، إلى أن يصل حافة المائدة ويسقط…
يرسل الصوت صدى في المكبر، ولكن لا ينتبه له أحد ينتظر عمر الصغير ثانية، ثم يبدأ في الشد ثانية. يجر المكبر على الأرض – صوت همهمة … يقترب منهم، انشاً وراء إنش، إلى الأمام، تحت السلك الملفوف، إلى ان يتمكن الأولاد من اخذه، ويختفون وهو معهم خلف النساء.
المكبر: « ايها الجزائريون !! ايها الاخوة! لا تخافوا! ستحرر الجزائر. تشجعوا، ايها الاخوة! قامومو ! لا تستمعوا إلى ما يقولونه لكم … ستحرر الجزائر…»
الصوت ليس عدائياً، ولكن لطيفاً، إلى حد ما مقطوع النفس ومسرعاً.
يمتد إلى كل الساحة، بحيث يستطيع الجميع الاستماع إليه جيداً: يتوقف الناس عن ما يقومون به من أعمال ليستمعوا. إنهم عاطفيون، متفاخرين او غاضبين، وينظرون نحو السماء حيث يبدو ان الصوت ينتشر من هناك، وكأنما هذه الكلمات يجب ان تكتب هناك عالياً.
يلاحظ الضابط ببطء ما حدث، وينظر نحو مكبر الصوت، السلك، ويلتقطه الآن وهو يشتم، بشدة ويهزه، يستسلم السلك، ويخرجه من مكبر الصوت.
مكبر الصوت: «ايها الإخوة …»
لم يعد الصوت يسمع، لا مزيد منه، صمت.
صمت، إلا ان هنالك ما تغير في عيون النساء.
السترة التي تغطي النصف الأسفل من وجوههم تبدأ فجأة بالإهتزاز، وتتماوج وكأنما هزها النفس، ريح خفيفة. لم يعد هنالك جو من الحزن، او الصمت.
لولولولو
وتبدأ الزغاريد تهاجم الهواء، تغزوه، تهزه، تجعله يصعق وكأنها شحنات كهربائية، او صوت ريح على حقل قصب جاف او صوت مئات بل آلاف الأظافر وهي تحك زجاج شباك …
101. مركز قيادة المظليين. خارجي. نهاراً
مظلي: واحد، اثنان، ثلاثة، اربعة… إلى الداخل! تقدموا! الخمسة جزائريين المشار إليهم يجبرون على النهوض، يؤخذو، يدفعوا، ويحضرو إلى داخل منزل مهجور وهو مركز قيادة المظليين.
الجزائريون الباقون، حوالي المائة منهم، يجلسون أرضاً، في الخلاء امام المنزل، ويتابع مظلييو الكتيبة الأولى حراستهم برشاشات موجهة نحوهم …
فجاة نسمع من الفيلا، موسيقى اغنية فرنسية تنطلق بأعلى صوت.
ينظر الجزائريون إلى بعضهم البعض بعصبية. وحتى أحد المظليين الشباب يبدو منزعجاً.
المظلي الأول (يستدير نحو مظلي آخر) ماذا يفعلون؟
المظلي الثاني (مبتسماً) يرقصون في الداخل …
قيادة المظليين. فيلا. داخلي. نهاراً.
يسرع احد المظليين عبر الممر يحمل مسجل ويدخل إلى غرفة حيث يوجد ضباط وجزائري.
نرى الغرفة الملاصقه بحيطان بيضاء وبالوعه من خلال باب مفتوح. يجلس المظليون على الأرض، يدخنون ويتبادلون الحديث مع بعضهم همساً.
يضع المظلي المسجل على المائدة. الجزائري عار حتى الخصر. علامات التعذيب ظاهرة. وجهه متورم ورطب. يضع الضابط الكرسي بالقرب منه، ويساعده على الجلوس، ثم يدير المسجل.
يخاطب الجزائري الذي يرتجف:
الضابط: استمر ! تعالى … اعد كل شيء من البداية، ثم سندعك تذهب. الاسم …
الجزائري: سيد احمد.
الضابط: الاسم الثاني.
الجزائري: سايل.
الضابط: من أية منطقة انت؟
الجزائري: المنطقة الثانية…
الضابط: المنطقة الثانية… اشرح بشكل افضل…
الجزائري المنطقة الثانية، القصبة، غرب الجزائر.
الضابط: ايه «مجموعة»؟
الجزائري: المجموعة الثالثة
الضابط: المجموعة الثالثة. ما هو المطلوب منك؟
الجزائري: اوه … مسؤول عن القسم السادس.
103. فيلا. قيادة المظليين. داخلي. نهاراً.
في غرفة في الطابق الأرضي، ينحني كابتن فوق خريطة واسعة يكتب اسم سيد احمد سايل في احد المربعات اسفل الهرم … في نفس الوقت، نرى المظليين عبر الشباك الواسع، يحضرون جزائريين آخرين نحو الفيلا، ومباشرة بعد ذلك تسمع الموسيقى والأغاني مرة ثانية عالية جداً.
104. حارة القصبة. خارجي. ليلاً.
ليلاً، ظلام، ابواب مقفلة. القصبة صامته. يسير المظليون بلا صوت على جزمهم الكاوتشوكية. دوريات.
بطارية مضادة تبحث عن رقم باب، ثم تتوقف. ينقر الباب بأدب. ضوضاء في الداخل. اصوات.
صوت جزائري: من انت؟
المظلي: سيد احمد … سيد احمد سايل.
يفتح الباب. ويدخل المظلي بعنف.
105. حارة أخرى. قصبة. خارجي. ليلاً.
حارة أخرى في القصبة، مظليون آخرون.
باب آخر يفتح عنوة، ويدخل عنوه.
يتجمع الجزائريون مع بعض في ساحة مضاءة بأضواء كهربائية. إنهم يستجوبون.
106. شارع القصبة. خارجي. نهاراً. مطر.
يوم غائم، رذاذ مطر خفيف، شارع منحن، موسيقى جزائرية مجموعة من الزوافي تسير اثنين اثنين في القصبة، عبر الحوراي، توقف، يعزفون موسيقاهم، ويتحركون إلى الأمام ثانية، مبدّلين الموسيقى الجزائرية بأغنية فرنسية.
خلفهم، صف من الحمير محملين بسلال مملوءة بالرزم والشنط، ومظليون مرحين يتبادلون المزاح، وهم يوزعون المؤونات للنساء الجائعات والأولاد، الذين يقفون خجلين امام منازلهم، عيونهم مخفضة إلى الأسفل وحركاتهم قاسية ومتحيّرة.
الراوي: «في الجمعية العامة للأمم المتحدة لم تحز اي من المشروعات المقدمة للنقاش الأغلبية اللازمة، اخيراً تم التوصل إلى موافقة على قرار يستثني أي شكل من التدخل المباشر من قبل الأمم المتحدة بما يتعلق بالمسألة الجزائرية. وقد حددت جمعية الأمم المتحدة لنفسها فقط بالتعبير عن أملها، ضمن روح التعاون سيوجد حل سلمي، ديمقراطي عادل يتلاءم مع مبادئ الأمم المتحدة المتوفرة في دستورها.
رتابة الكلمات الأخيرة غرقت وفقدت. انها الآن تمطر بشدة. وبدأت المياه تجري على الحارات المنحنية.
الحيطان رمادية، مبللة، ابواب المقاهي والدكاكين مغطاة بالإشارات المعلقة عليها.
هذه الدكان تؤيد اضراب جبهة التحرير. امر الوالي بإقفالها إلى ان تصدر أوامر أخرى.
توقفت فرقة الزوافي مرة ثانية، والآن هم يعزفون «La Vie En rose» «الحياة الوردية»
107. فيلا. قيادة المظليين. داخلي. فجراً
في بعض اجزاء الفيلا هنالك جرامفون يعزف «La Vie En rose» (الحياة الوردية)
في الغرفة في الطابق الأول، عبر الشباك الواسع، يظهر بياض الفجر. المائدة الصغيرة عليها البيره والترموس. عينا ماسو والضباط الآخرون مثبته على الرسم البياني حيث يعلم الكابتن إشارات صغيرة اسفل الهرم، المشهد لا حركة فيه، تعبيراتهم جامدة. يبدو كل واحد غير قادر على الحركة، وقد غلبهم الفتور الخامل الذي يتبع ليلة بلا نوم. إلى أن يكسر ماسو جمود المشهد.
ماسو: جيد …. عمل جيد …. والآن نستطيع جميعنا أن نذهب لننام.
وبينما يتحرك هو مع الآخرين يتابع:
ماسو: نهاية الإضراب لا تغير شيئاً. سيبقى التوجه كما هو وزعوا على رجالكم نفس التقسيم يجب ان نبقى في القصبة: اربع وعشرين ساعة
ماسو: يجب ان نلتصق بها ونعمل بسرعه!
ثم يستدير نحو الضباط وهو يبتسم، ويقول بنغمة صوت مختلفة:
ماسو: هل اصيب احد منكم بالدودة الشريطية؟
يجيبه الضباط بـ «لا» ويضحكون
ماسو: الدودة الشريطية هي دودة يمكنها ان تنمو إلى مالا نهاية. هنالك آلاف القطع. باستطاعتك اتلافها كلها؛ ولكن طالما ان الرأس باقياً، فلسوف تعيد إنتاج نفسها فوراً. هذا هو حال جبهة التحرير الجزائرية. الرأس هو القيادة العامة مؤلف من اربعة اشخاص. إلى أن نتمكن من التخلص منهم فسنبقى دائماً نعيد منذ البداية.
وبينما هو يتكلم، يأخذ ماسو محفظته من جيبه الخلفية، يفتحها، ويخرج اربع صور.
ماسو: وجدت هذه في ارشيف البوليس. إنها صور قديمة، ولكني صنعت منها صوراً مقرّبة. رامل .. سي مراد .. قادر .. علي لابوانت.
يجب ان نطبع آلاف النسخ ونوزعها على الرجال.
في هذه الاثناء، الصور توزع حولنا.
هنالك صوراً مأخذوة من بطاقات الهوية أو مكبره من صور جماعية، الأشكال ليست واضحة إلى حد ما، باهته، تبتسم، مسالمة ….
108. قيادة جبهة التحرير. المخبأ. داخلي. نهاراً
في الضوء الباهت بالكاد تضاء الوجوه الأربعة. الظلال تغطي تعبيراتهم: قادر، علي لابوانت، رامل، سي مراد.
إنهم متجمعون داخل المخبأ، يجلسون ارضاً، بلا حركة، تحدق عيونهم إلى الأمام، تنفسهم ثقيل.
من الخارج، ضوضاء، اصوات تبهت مع بعد المسافة. سكون.
ثم، نقرة لطيفة، عبارة بالعربية. يتنفس الأربعة الصعداء ينظرو إلى بعضهم البعض ثم يبتسمون قليلاً.
يحرك علي الآجرة الموضوعة ضمن حلقة حديدية، وهي التي تقفل المخبأ. ثم يدفع بقدمه مربع الحائط: فيدخل الضوء بقوة. إنه ليس ضوءا كهربائيا بل ضوء نهار.
يقفل ويفتح قادر عيناه ليعودها على الضوء، ثم يخرج على الأربع؛ وراءه يخرج رامل، ثم الآخرون. يتركون المخبأ الذي بناه علي في بيت الغسيل على الشرفة.
109. مجموعة البنايات حيث بيت قادر. خارجي. نهاراً
الجميع لديه رشاشات. رامل طويل جداً وقوي البنية. حوالي الثلاثين من العمر.
سي مراد اكبر بقليل من رامل. حركاته بطيئة ومحددة، نظراته تعبر عن الصبر والسلطه. جميله تنتظرهم.
جميلة: يمكنكم الخروج. الشكر لله. كان هنالك الكثيرون هذه المرة، حوالي العشرة. يعيد علي إقفال مكان الاختباء.
قادر: مظليون؟
جميلة: نعم.
قادر: ماذا تعتقد؟ هل جاءوا إلى هذا المكان مستهدفينه او عفواً.
جميلة: كلا., عفواً. سألوا بعض الأسئلة، ولكنهم لم يقتربوا من أحد.
خرج علي من بيت الغسيل. الشمس مرتفعة وطائرات الهليكوبتر تظهر واحدة تلو الأخرى في عرض السماء.
وفي بعض الشرفات البعيدة يمكن مشاهدة معسكرات المظليين المؤقتة. انهم يحرسون القصبة من الأعالي.
ضجيج الموتورات واصوات مكبرات الصوت تسمع بوضوح وهم يقتربون من المنزل
مكبر الصوت: «انتباه ! انتباه! يا سكان القصبة! بن أمين الإرهابي قد أعدم هذا الصباح. وقد اعتقل كراره نور ماندين بو سالم علي قد اعتقل. وقد اعتقل بالكاسيل موسى. يا سكان القصبة! لقد هزمت جبهة التحرير. ثورو ضد من تبقى من الإرهابيين الذين يريدون الضغط عليكم لتتابعو صراعاً دموياً بلا جدوى. يا أهالي القصبة، الإرهابي بن امين قد اعدم. ساعدونا لنبني جزائر حرة مسالمة.
يا سكان القصبة، جبهة التحرير قد هزمت. ثورو ضد من تبقىمن الإرهابيين الذين يريدون إلزامكم بمتابعة نضال دموي لا جدوى منه.
إنتباه! إنتباه! يا سكان القصبة! الإرهابي بن امين قد اعدم هذا الصباح. كراره نورماندين قد اعتقل. بوسالم عالم قد اعتقل. بالقاسم موسى قد اعتقل.
يا سكان القصبة جبهة التحرير قد هزمت …. «
يدوي الصوت وهو يبتعد ولا يعود يسمع. في نفس الوقت تخرج سيدة من الطابق الأسفل وهي تحمل صينية وفناجين وابريقا من الشاي.
ينظر علي إليها بسرعة، ولكن بعد ذلك يراقبها عن قرب اكثر فيرى إنها تبكي. عندما تمر بجانبه يوقفها، ويضع يده برفق على كتفها، ويسألها بالعربية لماذا تبكين.
حوار بالعربية بين علي والسيدة.
تهز المرأة رأسها، تحاول أن تبتسم، ولكنها لا تقول شيئاً. ثم تدخل إلى بيت الغسيل بصمت وتبدأ في تقديم الشاي.
قادر: من الأفضل ان ننقسم، لتزيد حظوظنا. يجب ان تبدل مخابئنا، ونغيرهم باستمرار … في هذه الاثناء، يجب ان نقيم علاقات جديدة، ونضع بدلاً لأخواننا الذين اعتقلو، نعيد تنظيم أقسامنا.
علي (مقاطعاً إياه) نعم، ولكن علينا ايضاً ان نظهر لهم اننا ما زلنا موجودين.
قادر: حتماً. بأسرع ما يمكن.
علي: كلا، فوراً. الناس فقدت معنوياتها. اترك هذا لي …
قادر: كلا. ليس انت، أو أي واحد منا. طالما نحن احرار، ستبقى جبهة التحرير قائمة في القصبة.
إذا استطاعوا ان يأخذوننا ايضاً، لن يبقى شيء … ومن اللاشيء يأتي اللاشيء.
رامل (متدخلاً): ولكن ايضاً من الضروري القيام بشيء ..
قادر: ونحن سوف نقوم بشيء، لا تخاف. بمجرد أن نعاود تشكيل الصلات.
مراد: وتحركاتنا؟
قادر: بالنسبة لهذه ايضاً علينا أن نغير الأساليب.
110. الملعب البلدي. خارجي. نهاراً. فبراير 10 ، 1957.
الملعب البلدي مليء بالناس. هنالك مباراة كرة قدم بين فريقين اوروبيين. لقد قارب النصف الأول على نهايته. من فوق علي يمين المكان المخصص للضيوف هنالك انفجار ضخم.
تناثرت قطع اللحم البشري في الهواء، دخان، سميك أبيض … صرخات مرعوبة. يحاول الناس التحرك بعيداً بسرعة انهم يندفعون، ويدفعون ويصطدمون ببعضهم البعض… ثم يعود الهدوء.
تسمع صفارات سيارات الإسعاف.
النقالات، الموتى يحملون بعيداً، وعدد من الجرحى.
111. مكتب الحاكم. قاعة الصحفيين. داخلي. نهاراً. 25 فبراير.
يقف بن مهدي امام الصحفيين والأغلال مكبلة يديه واقدامه لا يلبس ربطة عنق. يبتسم قليلاً ونظرته تهكميه. خلفه يقف مظليان يحملان رشاشات جاهزة. الصورة ما زالت لبرهة من الزمن؛ ابتسامة بن مهدي ثابتة، وكذلك عيناه وكل وجهه. وميض، طقطقة الكاميرا.
الصحفي الأول: سيد بن مهدي … الا تعتقد انه من الجبن استخدام سلال النساء وشنطها لحمل المتفجرات التي تقتل العديد من الأبرياء؟
يرفع بن مهدي كتفيه بطريقته المعهودة ويبتسم قليلاً.
بن مهدي: الا يبدو لك انه من الأكثر جبنا اسقاط قنابل النابالم على القرى غير المسلحة، إلى ان يكون هناك اكثر بألف مرة ضحايا ابرياء؟ قطعاً لو كانت لنا طائراتكم لكان الأمر اسهل بكثير لنا. اعطونا قنابلكم ويمكنكم اخذ سلالنا.
الصحفي الثاني: سيد بن مهدي … برأيك هل لجبهة التحرير أي حظ في أن تغلب الجيش الفرنسي؟
بن مهدي: برأيي، إن لجبهة التحرير حظاً في التغلب على الجيش الفرنسي اكثر مما للجيش الفرنسي في إيقاف حركة التاريخ.
قاعة الصحفيين في مكتب الحاكم مزدحمة بصحفيين من كافة الجنسيات. وعلى الجوانب والممرات نجد مصوري فوتوغرافيا ورجال كاميرات.
يقف بن مهدي في مواجهتهم، يقف على مرتفع خشبي منخفض.
يجلس ماسو بجانبه على مائدة صغيرة. ينهض ماسو الآن، ويشير إلى اثنين مظليين. صحفي آخر يسأل سؤالاً آخر:
الصحفي الثالث: سيد بن مهدي، لقد قال الكولونيل ماسو انك قد اعتقلت صدفة، عملياً عن طريق الخطأ. في الواقع يبدو أن المظليين كانوا يفتشون عن واحد اقل منك اهمية. قل لنا لماذا كنت في تلك الشقه في ديبوسي ليلة البارحة؟
يتحرك المظليان وتحركا إلى الأمام وأخذ بن مهدي من ذراعيه. وفي نفس الوقت كان يجيب.
بن مهدي: استطيع فقط أن أقول لكم انه كان من الأفضل ألا أكون هناك بتاتاً.
ماسو (يتدخل) هذا يكفي، أيها السادة. لقد اصبح الوقت متأخراً وجميعنا لدينا ما نعمله…
ينظر بن مهدي نحوه بسخرية.
بن مهدي: هل انتهى العرض هنا؟
ماسو (مبتسماً) نعم، لقد انتهى … قبل ان يصبح مخادعاً.
يقود المظليون بن مهدي بعيداً. يتحرك بعيداً بخطوات قصيرة، بقدر استطاعته بسبب الحديد حول كاحلة. يستدير ماسو نحو الصحفيين ويبتسم مرة ثانية.
112. مكتب الحاكم. قاعة الصحفيين. داخلي. نهاراً 4 مارس.
يقف الكولونيل ماسو. على وجهه ابتسامة قصيرة، لا يتحرك عيناه يقظتان، ولكن بشكل ما نصف مغلقتين بسبب وميض الكاميرا.
الصحفي الأول: كولونيل ماسو … الناطق الرسمي للوزير المقيم، السيد جورلين قال أن «العربي بن مهدي انتحر في زنزانته، شنق نفسه بقطع من قميصه، الذي استعمله ليصنع منه حبلاً، ثم وربطه بأعمدة شباك زنزانته.» وفي كلمة سابقة، نفس الناطق حدّد انه: «… بسبب ما عبر عنه بن مهدي سابقاً عن امكانية هروبه عند أول فرصة تتاح له، كان من الضروري ابقاء يديه وقدميه مربوطتان بشكل دائم.» في رأيك أيها الكلونيل، في مثل هكذا حالات هل يستطيع انسان ان يمزق قميصه، وتحويله الى حبل، وربطه في عامود الشباك ليشنق نفسه؟
ماسو: يجب أن توجه هذا السؤال للناطق الرسمي باسم الوزير الذي ادلى بهذه الأقوال… أما بالنسبة لي، فسأقول كانت لي فرصة الإعجاب بالقوة الأخلاقية والذكاء والمثالية غير المتأرجحة التي أظهرها بن مهدي. لهذه الأسباب، بالرغم من تذكري الخطر الذي مّثله، لا أتردد في تكريم ذكراه. لقد قيل الشيء الكثير.
الصحفي الثاني: كولونيل ماسو ..
مؤخراً «ليس» فقط عن النجاحات التي حققها المظليون، ولكن أيضاً عن الأساليب التي طبقوها… هل تستطيع أن تخبرنا شيئاً عن هذا؟
ماسو: النجاحات التي حققناها هي نتيجة هذه الأساليب. واحد يحقق الآخر والعكس بالعكس.
الصحفي الثالث: سامحني، ايها الكولونيل. لدي انطباع انه ربما بسبب حكمتك الزائدة يقوم زملائي بمتابعة سؤالك نفس السؤال التلميحي والذي لا يمكنك الإجابة عليه إلا بنفس الأسلوب التلميحي. اعتقد انه من الأفضل أن ننادي الأشياء بأسمائها الصحيحة؛ إذا كان يعني احدهم التعذيب، فعليه أن يدعوه تعذيب.
ماسو: أنا أفهم. ما هو سؤالك؟
الصحفي الثالث: الأسئلة قد سئلت. انا أود فقط بعض الإجابات المحددة، هذا كل شيء.
ماسو: لنحاول أن نكون محددين إذاً. كلمة «تعذيب» لا تظهر ضمن أوامرنا .. تكلمنا دائماً على الاستجواب كالوسيلة الوحيدة ذات القيمة في العمليات البوليسية المواجهة ضد الاعداء المجهولين. اما بالنسبة لجبهة التحرير الجزائرية، فهم يطلبون أن يترك أعضاءهم، في حالة الاعتقال، ساكنين لمدة اربع وعشرين ساعة، ثم، قد يتكلمون وبذلك فإن المنظمة تكون قد حصلت على الوقت الكافي لتحول أية معلومات اعطيت إلى شيء عديم الفائدة… اية نوع من الاستجوابات علينا أن نختار؟ .. تلك التي تستخدمها المحاكم في جريمة القتل التي تمتد إلى أشهر؟
الصحفي الثالث: القانون في كثير من الأحيان غير كافٍ، ايها الكولونيل
ماسو: وهؤلاء الذين يفجرون القنابل في الأماكن العامة، هل هم ربما يحترمون القانون؟ عندما سألت بن مهدي هذا السؤال تذكر ما أجاب؟ كلا، ايها المحترمون، صدقوني، انها دائرة جهنمية. ونستطيع أن نناقش المشكلة لساعات دون الوصول إلى أية نتيجة. لأن المشكلة ليست هنا. المشكلة هي: جبهة التحرير الجزائرية تريدنا أن نترك الجزائر ونحن نريد أن نبقى. والآن، يبدو لي انه، بالرغم من اطياف متنوعة من الآراء، كلكم توافقون على ضرورة بقائنا. عندما بدأت الثورة، لم يكن هنالك حتى ظلال للآراء. جميع الصحف، وحتى صحف اليسار كانت تدعو لإخماد الثورة. ولذلك فقد ارسلنا إلى هنا لهذا السبب تماماً. ونحن لسنا مجانين ولا ساديين بل رجال محترمون. والذين يدعونا فاشيين اليوم، ينسوا منجزاتنا التي قمنا بها من أجل المقاومة. والذين يدعوننا نازيين، لا يعرفون انه من بيننا هنالك من بقي بعد داشو وبوشنوالد. نحن جنود وواجبنا الوحيد ان ننتصر. لذلك لنكن محددين، اريد الآن أن اسألك سؤالاً: هل على فرنسا أن تبقى في الجزائر؟ إذا اجبت بـ «نعم» فعليك أن تقبل كل النتائج الضرورية.
113. بيوت القصبة. حادثة تعذيب. داخلي. نهاراً
القصبة، غرف نوم، مطابخ، حمامات.
ضوء أبيض، شديد؛ وجوه جامدة، اشكال مجمدة في منتصف حركتها.
نساء، أولاد … عيون زجاجية … حيوانات تقاد للذبح.
مظليين، كل حركة من حركاتهم تقاسم تماماً، تحقيق الكمال.
رجل جزائري يستلقي على مائدة، ذراعاه وكاحلاه مقيدان بأحزمه.
جزائري على شكل دولاب، عامود حديدي في منحنى ركبه، كاحلاه مربوطان برسغيه.
أسلاك كهربائية متدلاة من مولدها، كماشات ممتدة وذراعي شوكاتها مفتوحتان، نهاية الاسلاك ممسوكة بشوكات الكماشات توضع على الجسد العاري، الأجزاء الأكثر حساسية: الشفاه، اللسان، الأذنان، الحلمات، القلب، الأعضاء الجنسية… صنابير، انابيب مطاطية، دلاء، قموع، يجبر الفم على ان يفتح، يبقى مفتوحاً بأسفين ووضع انبوب مطاطي داخل الفم واسمال بالية في المحيط، ماء بطن منتفخ .. التعذيب محدد بكل التفاصيل، وكل تفصيل يشير إلى اسلوب يؤخذ على حده ويعاد جمعه.
114. حارة القصبة العليا. خارجي. نهاراً.
تجويد القرآن في مدرسة القرآن مثل الصراخ الذي لا يتوقف، مثل ارادة البقاء العنيدة التي تبدو منتشرة عبر القصبة.
ينظر عمر الصغير إلى أعلى غريزياً. وجهه الصغير. اصبح قاسياً صموتاً مثل شاب يافع يدخل بعد ذلك إلى المدرسة.
115. مدرسة القرآن. داخلي. نهاراً
الأولاد يجلسون على البسط، بلا حراك، شفاههم فقط هي التي تتحرك. هنالك ضوء مسلط عليهم، والمدرس يجلس في الظل.
جوقة دينية.
يقترب عمر الصغير من الأستاذ الذي يهز رأسه رافضاً. يخرج عمر إلى خارج المكان.
116. شوارع القصبة. دوريات. خارجي. نهاراً
دوريات من المظليين تجوب القصبة، خوذ، رشاشات، اجهزة راديو صغيرة محمولة، كلاب بوليسية..
ينصب المظليون مكبرات صوت على زاوية كل شارع.
مظليون يحملون الفراشي ودلاء الألوان يدهنون ابواب القصبة بارقام كبيرة. ومن وقت لآخر تسمع اصوات الرشاشات عن بعد.
يقف جزائريون مستندين إلى الحائط وايديهم مرفوعة. رجل ميت على بعد بضعة اقدام، شاب جزائري يقلبه المظليون ويفتشوه. يستدير احد الأولاد بعيون خائفة.
يذيع أحد المظليين اسم الرجل الميت على الراديو المحمول.
117. القصبة. شوارع اخرى. خارجي. نهاراً
يتلقى مذياع سيارة وينقل الأسم؛ ثم يعاد اذاعة الاسم على مكبرات الصوت المتناثرة عبر القصبة.
مكبر الصوت: «يا سكان القصبة! الثورة تضعف يومياً. الإرهابي بن أمين قد أعدم. قاسم موسى قد اعتقل. كان قائداً للقطاع الثاني في جبهة التحرير الجزائرية. يا سكان القصبة! الإرهابيون ليسوا اخوتكم الحقيقيين. اتركوهم لأقدارهم. اعتمدو على حماية الجيش الفرنسي. اشجبوا الإرهابيين ومثيري الشغب. تعاونوا معنا لاستعادة السلام والرخاء في الجزائر…»
118. اربع نساء. شارع – خارجي. نهاراً
اربع نساء، يحجبن وجوههن، يقابلن دورية من المظليين في شارع صغير. اثنان من المظليين يوقفان آخر امرأة، ويرفعان ثوبها فيكشفان عن اقدامها وكاحليها … وهما كاحلي رجل. يمزقان غطاء وجهها.
الرجل هو علي. في نفس الوقت، هنالك نار رشاشات.
يسقط المظليين ارضاً. يتمسك علي بسلاحه الذي يظهر عبر فتحة عباءته. يرمي المظليين الآخرين انفسهم ارضاً يهرب الثلاث نساء الآخرين بينما يتابع علي اطلاق النار، ثم يركض مبتعداً.
يهرب الأربعة عبر الشوارع الضيقة والحواري، ويصعدن سلالم ويقفزن من شرفة لأخرى. خلفهم صراخ وصفير ونار رشاشات تسمع. وبالاقتراب اكثر… نباح كلاب.
119. ساحة بها بئر. خارجي. نهاراً.
يدخل الأربعة إلى الساحة. رفاق على الثلاثة يرفعون نقابهم هم ايضاً. إنهم قادر ومراد ورامل.
تركض امرأة لتغلق الباب بينما يقود رجل الأربعة نحو فتحة مخبأة ببعض الصناديق.
والآخرون الموجودن في الساحة من نساء وأولاد، مشغولون هم الآخرون بالمساعدة، بصمت وبسرعة في جو مشحون من الدعم للهاربين الأربعة. وعن قرب تسمع … نباح كلاب وخطوات مظليين متسارعة …
تركض امرأة نحو الباب وتنثر كفاً كبيراً مملوءاً بالفلفل تحت الشقوق.
120. ساحة في الشارع بها بئر. خارجي. نهاراً.
مجموعة الملاحقين من المظليين والذين يمسكون الكلاب البوليسية بسلاسلها… يبطئون امام الباب.
كلاب تنبح.
الحيوانات تشم الأرض، ثم تتحرك مع المظلين جنباً إلى جنب.
121. حمام عربي. داخلي. نهاراً.
يدخل عمر الصغير غرفة البخار الكبيرة. يتحرك نحو المدير ويسلمه ظرفا. يخبئه المدير بسرعة تحت النضد.
المنادي: «إلى جميع مناضلي جبهة التحرير! اعيدو تنظيم انفسكم! خذو أماكن من سقط واعتقل من اخوانكم. اخلقوا صلات جديدة! هذه لحظات خطيرة. قاوموا أيها الإخوة! الهيئة العامة تترك لكم حرية أخذ اية خطوات هجومية ضرورية.
122. منزل في القصبة. داخلي. نهاراً.
جميع سكان المنزل. الرجال في صف على شرفة الطابق الأول، أيديهم مصلبة فوق رؤوسهم، ظهورهم نحو الحائط، بينما يحرسهم المظليون برشاشات موجهة نحوهم.
يقود اثنان من المظليين فتاة جزائرية إلى الأمام، تبدو مرهقة، وبالكاد تستطيع السير، عيناها نصف مغمضتين.
يقفان امام الرجل الأول ويسألانها:
المظلي: هل هذه واحدة؟
المنادي: «قلوبنا منكسرة بسبب هكذا غضب، منازلنا مباحة، عائلاتنا مذبوحه، أيها الأخوة، ثوروا.
الحقوا الرعب بالمدينة الأوروبية!»
123. شوارع جزائرية. خارجي. مساءً.
المدينة الأوروبية، مساء. البيوت مضاءة. والناس أنهت أعمالها. انهم يذهبون إلى البارات ودور العرض، او للتمشي أو يتجمعون على موقف الحافلات.
صريخ صفارة سيارة اسعاف على أعلى مداها، سيارة اسعاف تسير بسرعة مخيفة.
يتحرك الناس جانباً، يقفزون إلى الممرات الجانبية.
تنكمش السيارات نحو اليمين، وتتوقف.
يفتح باب سيارة الإسعاف، ترمي جثة إلى الخارج، تسقط وتتدحرج إلى الشارع.
يتراكض الناس نحوها، إنها لمرافق في المستشفى يلبس ثوباً أبيض وقد غرزت سكينة في رقبته.
يزداد صوت الصفارة كثافة، سيارة الإسعاف أصبحت الآن بعيدة.
124. سيارة اسعاف. خارجي/داخلي. مساءً
في سيارة التاكسي هنالك صبيان جزائريان. شعرهما اجعد، قمصانهما رثة ممزقه. انهما يعرقان؛ عيناهما مفتوحتان على وسعيهما، يحملقان.
الصبي السائق بالكاد يصل ارتفاعه إلى المقود. يتلوى يلتقط به بصعوبة. والآخر لديه رشاش.
ملاحظة بالعربية وهو يصرخ ليسمع صوته فوق صوت صفارة الإنذار.
يترك السائق أحد يديه عن المقود ويضعها على لوحة السيارة محاولاً كل المفاتيح ليعثر على مفاتيح الإضاءة. الإضاءة العالية.
والآخر يجلس الآن جاثياً على ركبتيه على المقعد. ينحني حتى خصره من الشباك المفتوح ويبدأ في إطلاق النار.
125. طريق سيارة الإسعاف. خارجي. مساء.
تتالى الصور واحدة بعد الأخرى بنغمة دائخه؛ مفاجئة، رعب، احدهم يسقط. طلقات رصاص. صفارات سيارات الإسعاف.
126. عربة إسعاف. خارجي/داخلي. مساءً.
لم تعد هنالك ذخيرة. ترك الرشاش في المقعد الخلفي لسيارة الإسعاف. ما زالت صفارة السيارة على اشدها. والسيارة تسير بسرعة مخيفة تسابق الريح.
لم يعد الصبيان يعرفان ماذا يعملان، واين يذهبان والصبي الذي يسوق عيناه تقريباً مغمضتان. وكأنه دائخ يصلوا إلى مربع.
صفارة سيارة الإسعاف. يشير الآخر نحو اليسار.
127. مأوى حافلات. خارجي. مساءً.
الناس متجمعون في مأوى للحافلات. الصبي الذي يسوق لا يفهم أو لا يريد أن يفهم.
الآخر يصرخ له مرة تلو الأخرى، نفس العبارة، ثم يرمي نفسه على المقود ويديره في ذلك الاتجاه.
يقترب من مأوى الحافلات اكثر فأكثر. اصيب الناس بالشلل. لا وقت لديهم ليتحركو. لقد داسهم وتكسّرت سيارة الإسعاف بعد أن صدمت عاموداً.
على الأرض، وحول المكان، جثث الموتى والجرحى. اجساد الصبيان اصبحت بلا حراك وجباههم استقرت على الزجاج الأمامي المسحوق. ولكن صوت سيارة الإسعاف لم يتوقف، وسمع، حزيناً ومليئاً بالشجن.
128. منزل رامل. موقف سان فينسانت دو بول. خارجي/داخلي. نهاراً 26 أغسطس.
موقف سان فينسانت دو بول، ظهراً.
طائرات هليكوبتر تحوم في السماء ومظليون يملأون الحارة وجوههم شاحبة ومتوترة، عيونهم مفتوحة فتحة واسعة ايديهم متمسكة برشاشاتهم، هنالك سكون غريب. ثم حركة خلف الحارة، صوت وتحية مقتضبة، لقد وصل ماسو وهو يخاطب أحد الضباط:
ماسو: الآن ليس وقتاً للأبطال، اعطني مكبر الصوت. يأخذ ماسو مكبر الصوت في يديه ويقترب من باب مفتوح. عبر الباب يمكن رؤية الساحة الداخلية للبيت حيث تتمدد اربعة جثامين لمظليين هناك.
يقف رامل وسي مراد على شرفة الطابق الأول خلف الدرابزين منتظرين. وهكذا فباستطاعتهم مراقبة الباب والساحة والسلالم التي تقود من الشرفة إلى الشرفة العلوية.
وعلى الشرفة العلوية هنالك مظليون آخرون يواجهون الشرفة. وبين الفترة والأخرى يطلقون طلقاً من رشاشاتهم. يسمع صوت ماسو في مكبر الصوت.
ماسو: رامل … سي مراد استخدموا عقلكم. إذا ما استمررتم هكذا، فلا اريد ان اكون مكانكم عندما يلقي القبض عليّ … لأن القبض سيلقى عليكم في نهاية الأمر، وانتم تعرفون ذلك ايضاً. استسلموا إذا ما فعلتم هذا فوراً، فأعدكم انكم لن تصابوا بأذى وستحاكمون محاكمة عادلة هل تسمعانني؟
ينظر رامل وسي مراد إلى بعضهما البعض
مراد: من الذي يتكلم؟
ماسو: ماسو. الكولونيل ماسو.
مراد: نحن لا نثق بك. ايها الكولونيل. تعال إلى الأمام أظهر نفسك.
برهة من الصمت.
ماسو: وانا أيضاً لا أثق بكم. أولاً قفوا حتى استطيع ان أراكم. وابقوا ايديكم ثابتة وفي مرمى النظر.
يتردد مراد برهة من الزمن، ينظر إلى رامل، ثم:
مراد: حسناً. ولكننا نريدك ان تعدنا بمحاكمة عادلة مكتوبة. أعطنا وثيقة مكتوبة، يا ماسو ومن ثم سوف نستسلم.
ماسو: كيف سأعطيكم مثل هذه الوثيقة؟
مراد: سننزل سلة من الشباك …
ماسو: حسناً. سأكتب هذا الإقرار…
يظهر مراد لرفيقه القنبلتين الزمنيتين الموجودتين على الأرض أمامه. يأخذ واحدة ويبدأ في تحضيرها ويدير ميكانيكيتها.
في نفس الوقت، يقول لرامل بالعربية ليذهب ويجد السله يزحف رامل متجاوزاً الأبواب المغلقة جميعها، ويسأل عن السلة.
يفتح احد الأبواب وتظهر سيده عجوز. تناوله سلة وحبلها ملفوف.
مراد (دون ان يستدير) جريدة ايضاً، او قطعة من الورق..
يحضر رامل له السلة والجريدة. يشحن مراد القنبلة. الموقوته وصوت تكتكتها حاد وواضح.
والآن عليه ان يحرك اليد الثانية. يدا مراد لا يرتجفان. نظرته صاحية، مركزة. رامل يراقبه دون أن ينطق بكلمه؛ خوفه واضح.
دون أن يتحرك، عيناه ملتصقتان بعداد القنبلة.
مراد (بصوت عالٍ) هل انت جاهز ايها الكولونيل؟
ماسو: نعم … ولكن دعني أراك أولاً.
يحرك مراد أحد عقارب الساعة ليسبق الآخر بدقيقة.
مباشرة بعد ذلك يضع القنبلة المسطحة المستطيلة في اسفل السلة.
تبدو السلة فارغة. قطعة الجرائد تحمي اسفلها. يقول مراد لرامل لينهض، رشاشاتهم مرمية على الأرض. في هذه الأثناء يبدأ مراد في العد لنفسه بصمت، شفتاه تتحركان: واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة …
من الشرفة العلوية يستطيع المظليون ان يروا رامل ومراد يقفان في مكان غير بعيد، ويداهما الخالية تستقر بالقرب من السلة على الدرابزين.
يصرخ احد المظليين:
المظلي: نحن نراهم. باستطاعتك المجيء.
يبدأ مراد في إنزال السلة ببطء شديد.
مراد (يعد)
60، 59، 58، 57، 56، 55، 54، 53….
يدخل ماسو إلى الساحة مصطحباً ضابطاً وبعض المظليين.
ينظر إلى اعلى باتجاه الشرفة، يبتسم، ويريهم ورقة مطوية.
ماسو: ها هي … تعلمون انني عندما اعطي وعداً، احافظ عليه …
مراد لا يجيب، ولكنه ينظر إلى ماسو وكأنه يحسب المسافة والزمن، ويبطئ اكثر نزول السلة.
يتحرك ماسو بضع خطوات إلى الأمام، وكأنما يذهب إلى السلة المعلقة على الجانب الآخر من الساحة، ولكن فجأة تبدو عليه الحيرة لثانية من الزمن، وثم يبدل رأيه. يستدير نحو أقرب مظلي، ويعطيه الورقة.
ماسو: انت اذهب …
يبقى وجه مراد بلا حراك. وعليه ظل خيبة امل. يرى ماسو وقد عاد بخطواته نحو الباب، والآن هو محاط بمجموعة من المظليين…
مراد: (يعد) 25، 24، 23، 22، 21، 20، 19..
توقفت السلة عن الحراك على بعد ياردتين من الأرض. وحتى يصل إليها فعلى المظلي ان يخطو فوق جثث رفاقه الميتين، وجهه اصبح اشد قساوة، وصل إلى السلة، ومد ذراعه، ورمى الورقة إلى داخلها. السلة لا تتحرك، المظلي ينظر إلى أعلى.
المظلي (يتمتم) بسرعة، أيها العكروت الأسود!
يبتسم مراد له. ويتمتم شيئاً بالعربية، جملة لا يتمكن من إنهائها، لأن الآن اسمع… الانفجار.
129. شارع كاتون 4. منزل فتحية. داخلي. ليلاً 2 سبتمبر.
شارع كاتون رقم 4. الساعة 11 بعد الظهر. غرفة واسعة سيئة الإضاءة مملوءة بالمظليين واحدهم محمول على حمالة. ثلاثة او اربعة آخرون جرحى يجلسون على الجانب المقابل للغرفة وينتظرون دورهم ليحملوا بعيداً.
مظليان عند الباب ينظرون إلى الخارج بين الوقت والآخر. وهم متنبهون، جاهزون برشاشاتهم المعلقة على جوانبهم. وعلى الجانب الآخر للغرفة مقابل الباب، يقف الجزائريون سكان المنزل إلى الحائط. ماسو أمامهم يسأل مجموعة من النساء:
ماسو: من بينكم فتحية؟
ترفع امرأة في الأربعين من العمر عيناها نحوه.
ماسو: هل أنت هي؟
تومئ المرأة برأسها بنعم.
ماسو: اصعدي السلالم وقولي لقادر انهم إذا لم يستسلموا فسننسف كل شيء.. هل تفهمين؟
تومئ المرأة مرة ثانية علامة نعم، ودون ان تنتظر المزيد من الكلمات، تتحرك نحو الباب، صامتة، ساكنه. يتبعها ماسو ويدفع ويتقدمها.
ماسو: حاولي أن تقنعيه، إذا كنت مهتمة بمنزلك … انتظري دقيقة… هل تريدين أن تقتلي؟
يحرك الباب ويقول بصوت عالٍ: قادر انظر فتحية قادمة … لن اطلق النار…
ثم يتنحى جانباً ويترك المرأة تمر.
ماسو: تابعي…
خارج الباب هنالك مصطبة صغيرة، ثم سلم عالٍ وفي نهايته، ممر. تتسلم فتحية السلالم التي تمتلئ بالمجلات القديمة، بصناديق الذخيرة. والحيطان مقطعة من اطلاق النار، السقف يوازي ممر السلم بنفس الإنحناءة، في جزء من المسافة. ولكن في أواخر بضع ياردات يستقيم إلى الخارج وينخفض ليصبح افقياً.
ارض المخبأ مفتوحة. في الداخل زهرة وقادر.
تكرر فتحيه بالعربية ما قاله ماسو لها.
يستمع قادر إليها ثم يجيب، وهو ايضًا بالعربية. ثم يبتسم.
قادر: حسناً.. باستطاعتك الآن أن تقولي للكولونيل لينسف كل ما يريد. اذهبي، الآن.
تذهب فتحية إلى اسفل السلف، وتدخل ثانية إلى الغرفة.
فتحية (مخاطبة ماسو) هو قال بإمكانك أن تنسف أي شيء تريد … وتعود، ثانية، وتنضم إلى النساء الأخريات.
يبدو على ماسو التعب، لقد فقد شيئاً من وزنه، انه عصبي. يستدير نحو رجاله، ويبطء وهو يعطي الأوامر، يبدأ المظليون بالتحرك.
ماسو: عودو إلى حيث يوجد الآخرون.
جهزى البلاستيك. يجب أن يوضع على سقف السلم تحت مكان الاختباء… فتيل طويل ملفوف … خذو غطاء لكم … استمرو في اطلاق النار اثناء العمل. بسرعة! افرغو المنزل دعوهم يخرجون منه، ثم دققو في الغرف ثانية … اسرعو!
يعطي قادر زهرة علبة كبريت، تذهب إلى خلف مكان الاختباء حيث توجد رزمة اوراق. تشعلها، ثم تعود إلى قرب قادر الذي يتحرى خزان رشاشه.
لم يعد هناك سوى طلقتين. بيوت الخرطوش الخاوية مبعثرة حول المكان. يستدير قادر نحو زهره، ويبدأ في الكلام، ولكن كلماته تغيب تحت صوت الطلقات.
على قادر وزهرة أن يخطوا إلى الخلف قليلاً، لأن الطلقات تضيء على حافة الفتحة.
يتوقف إطلاق النار. من السلالم نهاية فتيل طويل مرمية في الممر. النهاية الأخرى داخلة في شحنة بلاستيكية معلقة في سقف السلالم، تحت مكان الإختباء.
زهرة وقادر يستطيعان ان يريا اثنتان أو ثلاثة ياردات امامهم، إلى اسفل، نحو الممر، حيث تشتعل نهاية الفتيل فتلمع وتحترق.
قادر أيضًا خسر وزنه، ذقنه طويلة. ينظر نحو الفتيل ثم نحو زهرة. تمر ثانية صمت. والآن زهرة أيضاً تنظر نحوه فيقول قادر بهدوء بصوته العادي:
قادر: لا يفيد احد ان نموت هكذا …
لا تساعد احد …
ينحني من مكان الإختباء.
قادر (يصرخ):
ماسو! إذا اعطيتني وعداً إنك لن تلمس أحداً من الناس الآخرين في المنزل، فسنخرج.
130. سيارة عسكرية. داخلي. ليلاً.
داخل سيارة عسكرية.
في المقعد الخلفي، يجلس ماسو بجانب قادر المقيد اليدين. تجلس زهرة في المقعد الأمامي، بين السائق وبين أحد المظليين والذي يحمل بيده مسدس. يضاء داخل السيارة بأضواء سيارة جيب تتبع السيارة مباشرة على بعد بضع ياردات. صمت. ينظر ماسو نظرات سريعة نحو قادر، والذي يحدق مباشرة أمامه. ويظهر غاضباً منكسراً.
ثم يتكلم ماسو بنغمة بشوشة، وكأنه في حوار أصدقاء.
ماسو: لو تركتني انسفك، لخيبت أملي فيك، يستدير قادر نحوه، ويجيب، محاولاً أن يتكلم بصوت له نفس مستوى اللامبالاة.
قادر: لماذا؟
ماسو: لبضعة شهور كانت صورتك قابعة على مكتبي ومعها دزينات من التقارير عنك… وبشكل طبيعي، فأنا اشعر انني أعرفك إلى حدما. لم تبدو لي بتاتاً يا قادر انك من النوع الذي يميل إلى الأعمال اللامجدية.
لا يجيب قادر فوراً، ثم يتكلم ببطء وكأنه يعبر عن نتائج شكوكه، وجهه نظر جديدة.
قادر: يبدو عليك أنك ممتن لأخذي حياً…
ماسو: طبعاً أنا كذلك.
قادر: هذا يثبت أنني كنت مخطئاً. بوضوح لقد قيمتك اكثر بكثير مما يجب.
ماسو: كلا. دعنا نقول أنك قدرت عالياً صواب تقديري. ولكن من الناحية العملية، فليس ممكن الكلام عن نقاط قوة. فالآن انتهت اللعبة. جبهة التحرير قد انهزمت.
استدارت زهرة فجأة إنها تصرخ وتتكلم بسرعة بالعربية بقسوة وقوة.
ماسو لا يفهم ويستدير نحو قادر ليسأله بأدب، ولو بشيء من السخرية:
ماسو: ماذا تقول؟
قادر: إنها تقول علي ما زال في القصبة.
131. شاطئ مزدحم. خارجي. نهاراً
نظرة علي لابوانت غاضبة، ثقيلة، لا حراك يحرك رأسه ببطء بطريقة بحيث تتحرك نظرته بنصف دائرة.
شاطئ أبيض، رمال ناعمة، بحر شفاف، اجساد تتمدد تحت الشمس، جلد الفتيات الذهبي، فتيات في البيكيني، شباب شهواني مبتسم بأرداف ضيقة، وعضلات معتنى بها، شباب مرح، سعيد بطبيعته، مما يحسد عليه الأولاد يبنون قصورا رملية قرب حافة المياه، الشاطئ له شكل نصف قمر وعلى جانبية صخور …
أحد في شهر سبتمبر، دافئ وهادئ. علي يتكئ على الحائط. إنه يلبس عباءة صوف بيضاء. عيناه فقط بارزتان… عينا نمر جائع مستقر على ممر، يبحث عن فريسة بريئة. عينان تشعان الآن، عينان قاسيتان، توتر يوسع البؤبؤ.. ثم بعد ذلك الهدوء، هدوء مقبض، توتر كافٍ، المكان جيد، والضحايا لا يمكن ان يكونوا افضل من ذلك.
يتحرك علي، يترك الحائط، يقطع الشارع نحو شاحنة نظافة كبيرة من شاحنات المدينة، تلك الشاحنات المعدنية التي لا نرى فيها فتحات.
شاب جزائري على المقود. منظف شوارع، انه يتكئ بوجهه النحيل على المقود. يداه قذرتان، ولا يمكن إزالة قاذورات سنين العمل عنهما.
يصعد علي إلى التاكسي، وتتحرك الشاحنة وتغادر.
شاحنة النظافة. داخلي. نهاراً
اسم منظف الشارع صادق. يبدو خائفاً. ينظر حوله، ويتردد قبل ان يتكلم.
صادق: إذا الشاطئ جيد يا علي.
سكون، ينظر صادق نحوه مرة ثانية، منتظراً، ولكن علي لا يجيب.
ينظر علي مباشرة نحو الشارع الذي يستحم باشعة الشمس، القطران الذي كان يبدو سائلاً، والفيلات التي تحيط بالجزائر، اشجار الليمون والدفلي… ثم يتكلم، دون أن يستدير نحو صادق. يتكلم همساً، عيناه تحدق إلى الأمام مباشرة.
علي: نحتاج إلى اثنين زيادة، اكبرهم.
صادق: والآخرون؟
علي: الآخرون … دعنا ننتظر ونرى.
يبقى صادق صامتًأ إلى حين.
صادق: لقد بحثت، يا علي، حتى في المكان الذي أعمل به. لا شيء. الذين لم يعتقلوا غادرو الجزائر وذهبوا إلى الجبال … والآخرون لا يريدون أن يسمعوا عنها .. إنهم خائفون…
لا يجيبه علي. سكون.
علي: الا تستطيع أن تسرع أكثر؟
صادق: نعم، أكيد … هنا.
يضع صادق الشاحنة على السرعة الثالثة، ويسرع الموتور، ثم يحركها ثانية إلى السرعة الرابعة. تزداد سرعة الشاحنة. الطريق مستقيمة، ضواحي مدينة الجزائر اصبحت مرئية.
صادق: إذا لم نجد آخرين… فهل سنلغيها؟
يستدير علي فجأة ينظر نحوه ولكنه لا يقول شيئاً.
يشعر صادق بهاتين العينين تنظران نحوه ويحاول ان يبرر نفسه.
صادق: لا نستطيع أن نزرعهم جميعاً بانفسنا…
يخاطبه علي بصوت جاف غير مبالٍ.
علي: ليس عليك ان تزرع شيئاً. عليك فقط ان تحملهم. هذا كل شيء.
133. شارع عبد الرامس. منزل علي. خارجي/داخلي. ليلاً.
ليلاً. في 3 شارع عبدالرامس، شرفة الطابق الأول تتلألأ نيران المواقد. النساء يطبخن في الخارج على المواقد المبنية من الأوعية الصفيحية الفارغة. إنهم يطبخون أمام أبواب بيوتهم. الممرات مضاءة.
يمشي علي على الشرفة، يمر على محمود وزوجته الذين يتكلمان همساً لوحدهما متكأين على الدرابزين. إنها ليلة دافئة مليئة بالنجوم. يزيد محمود بعض الكلمات الهامسة لزوجته، ما زال يتكلم همساً، رقيقاً. ثم يتبع علي الذي توقف أمام الباب.
134. غرفة علي. داخلي. ليلاً
في الغرفة نجد عمر الصغير الذي يقطع بعض الصور من كتاب فكاهي.
بمجرد أن يرى علي عند الباب، يتوقف، يغلق كتابه، يضع المقص في جيبه. يبدو عليه الخجل لالتقاطه وهو يقوم بلعبة طفولية:
في مركز الغرفة هنالك ستاره تقسم الغرفة، مفتوحة حتى منتصفها إلى الجانب. وفي الجانب الآخر، حسيبة تطبخ. خلف حسيبة يلصق السرير مكان الاختباء مفتوحاً. يدخل علي. يبدو تعباً عرقاناً. يخلع عباءته ويرميها على الكرسي ويضع رشاشة على المائدة.
علي (يستدير نحو عمر الصغير) تعالى اسرع. اذهب لتنام. غداً سيكون لدينا نحن الأربعة عمل كثير نقوم به:
محمود، حسيبة، انت وأنا.
يبقى محمود بلا حراك عند الباب، تتوقف حسيبة عن الطباعة. وتقترب منهم. عمر لا يقول شيئاً، ولكن هنالك نظرة مكتفية في عينيه. لا يستطيع أن يمنع نفسه من مد يده لتمسك بالرشاش.
يجلس علي إلى المائدة يبعد الرشاش عن عمر، ويتابع كلامه، ما زال يخاطب عمر.
علي: لأننا لم نجد أحد آخر، فإن صادق سيحضرنا إلى هناك في الشاحنة. تخرج أنت أولاً وتزرع القنبلة حيث اقول لك… ثم تعود إلى هنا بسرعة. ولكن احذر من ان يلحقك أحد.
ثم تخرج حسيبة، وبعدها محمود. ثم سأزرع أنا ما تبقى. سيعرفون أننا ما زلنا أقوياء.. ستكون متأكداً من ذلك.
135. غرفة علي. داخلي. فجراً. 7 اكتوبر 1957.
الغرفة سيئة الاضاءة بضوء صغير على الجانب الآخر من الستارة. هنالك فراشة على المائدة وعمر الصغير مستلقياً عليها، نائماً.
علي مستلقيا ًعلى فرشة فوق الأرض، بكامل ملابسه، ورشاشة بجانبه. عيناه مفتوحتان، وهو يستمع إلى صوت موتور بعيد. ينظر إلى ساعته، ينهض، ويذهب ليفتح الباب. في الخارج يرى الضوء الرمادي الأول للفجر. يسمع الصوت بوضوح أكثر. ويبدو أنه يقترب اكثر.
يعود علي إلى عمر الصغير، يبقى ينظر إليه لمدة دقيقة ثم يهزه بعنف. ينهض الولد فوراً. إنه يرتجف، وكأنه كان نائماً بأعصاب مشدودة، ويقفز بسرعة من على الطاولة. عيناه مفتوحتان، ولكنه ما زال نعساً.
يبتسم علي برهة من الزمن ويمرر أصابعه في شعر عمر.
علي: عمر، عمر. تعال، استيقظ بسرعة أيها الصغير. اليوم ستشاهد ألعاباً نارية.
يبتسم الولد ايضاً ويسترخي وجهه، ثم يشرق. في نفس الوقت، يمد يده ويربت على جانب علي.
يدخل محمود إلى الغرفة من الشرفة. انه يحمل صينية وعليها اربعة فناجين من القهوة.
محمود: لقد دنا الوقت، اليس كذلك.
علي: نعم
ثم يستدير علي نحو الستاره وينادي:
علي: حسيبة…
حسيبة: أنا جاهزة.
يجلس علي ويلبس زوجا من الأحذية الخفيفة، عمر الصغير انتهى من اللبس.
إزيح الستار، تظهر حسيبة، وقد لبست ثيابها.
محمود: سمعت صوت شاحنة قبلاً..
علي : وانا أيضاً. ولكنني لا أظن انه كان صادقا.
وإلا فإنه كان سيكون هنا الآن..
تلبس حسيبة ثياباً أوروبية، قميصا وجوبا.
تقترب من المائدة وتأخذ قدحاً من القهوة.
حسيبة (تبتسم) كيف حال زوجتك الآن؟
وجه محمود خالٍ من التعبير، يهز رأسه.
محمود: لا بأس…
ينتهي علي من ارتداء حذائه. يأخذ فنجاناً من القهوة. في نفس اللحظة، يسمع من خارج الباب. اطلاق نار من رشاش.
يذهل الأربعة.
علي (يصرخ) إلى الداخل ! إلى الداخل!
واحد تلو الآخر يتحركون نحو مكان الاختباء.
تظهر زوجة محمود على الباب. وجهها يلفه اليأس، ولكنها تتحرك بحذر، وبسرعة وبدقة. تغلق الباب. تضع فناجين القهوة على الصينيه وتخفي كل شيء في البلاعة.
تذهب إلى الناحية الأخرى من الستارة. يدخل علي المخبأ. الثلاثة الآخرون في الداخل. يدفع علي قطعة الحائط المتحركة نحوه، وتساعده المرأة.
ثم تتناول علبة صفيح من على مائدة الليل، انها مملوءة بالبلاستر المخلوط بغبار الفحم. تفرد المرأة المعجون في المفاصل بين أجر الحائط. واغلاق مكان الاختباء. وفي نفس الوقت، صراخ، طلقات رصاص، وخطوات مظليين تسمع.
بمجرد أن تنتهي، تنزلق المرأة في السرير تحت الملايات. يدخل المظليون عنوة نحو الغرفة وهم يصرخون، ويفرضون على المرأة أن تقف. يشدونها إلى الخارج نحو الشرفة.
136. ساحة عبد رامس. خارجي. فجراً.
يشدّو زوجة محمود إلى الأسفل من الشرفة العليا نحو مركز الساحة، حيث يقف كل سكان العمارة… رجال نساء، أولاد … جميعهم وايديهم إلى الحائط امام ناظري المظليين الذين يحرسونهم.
ينخفض رأس صادق. يمر في الشرفة بين مارك والقائد. يقف أمام الباب.
القائد (يتمتم بنعومة) هنا؟
يهز الجزائري برأسه موافقاً. يدخلون.
137. غرفة علي. داخلي. فجراً.
يشير صادق نحو الستارة. القائد يشير له بأن يذهب إلى هناك.
يشير الجزائري إلى بقعة في آخر الحائط.
يتفحصه القائد وبسبابته، يتفحص المادة اللاصقة الطازجة.
ينحني ويضع اذنه على الحائط. يبتسم وهو يستمع إلى … التنفس الثقيل.
إنه نفس التنفس الذي فور سماع ماسو له، انحنى بنفس الشكل مثل القائد. ينهض الكولونيل وينظر حوله.
اربعة مظليون جاهزون برشاشتهم الموجهة نحو مكان الاختباء.
والآخرون يجهزون عبوات بلاستيكية على الحائط، كلها موصلة إلى فتيل واحد.
وفي أحدى الزوايا، صادق، يلبس عباءته وثوب التخفي العسكري يجلس على كرسي.
انه يراقب المشهد بعينيه المفتوحتين على وسعيهما: إنه يرتجف جسده متراخياً إلى الأمام. يبدو وكأنه لا حياة فيه، بلا أعصاب. ولولا وجهه لبدا وكأنه كومة من الخرق البالية.
ماسو (مخاطباً القائد) كل شيء جاهز؟
القائد: نعم، سيدي.
ماسو: لم يجب؟
القائد: كلا يا سيدي. صمت تام.
ماسو: ظننت كذلك. كان واضحاً.
ينحني ماسو ثانية ويقرب اذنه من الآجر. ينهض ثانية.
يبقى دقيقة في هذا الوضع، ضائعاً بأفكاره.
ماسو (بصوت عالٍ محدّد)
علي … علي لابوانت. سوف ننسفك.
دع الآخرين يخرجون، على الأقل الولد. سنضعه في مدرسة إصلاحية.. لماذا تريده ان يموت؟
يتوقف ماسو ويهز رأسه. يستدير نحو القائد:
ماسو: دعنا نذهب …
احد المظليين يفك رزمة من الفتيل.
القائد: خذها إلى اسفل هناك حتى تصل إلى الخارج…
المظلي: نعم، سيدي..
وقف ماسو امام صادق. ينظر إليه.
ماسو: هل هذا ما زال هنا؟ … خذوه بعيداً.
اثنان من المظليين يمسكون الزبال من تحت ابطه ويرفعونه تقريباً كلياً ويقودونه بعيداً.
ماسو على وشك الخروج، ثم يستدير ويأخذ مكبر الصوت. من القائد، ويضعه على فمه.
ماسو: علي! علي لابوانت! سأعطيك ثلاثين ثانية أخرى، ماذا تتأمل ان تربح؟ لقد خسرت على أي حال. ثلاثون ثانية. يا علي، تبدأ الآن.
138. مخبأ علي. داخلي. فجراً.
عينا علي لابوانت تحدق في القطعة المربعة التي تغطي المخبأ. نظرته صموته حزينه. الآخرون يراقبون علي.
شفاههم نصف مفتوحه. صدورهم ترتفع وتنخفض بتنفس متعب.
علي: (بصوت عميق مستسلم) من يريد الذهاب؟
يضغط عمر الصغير ذراع علي. يبدو وكأنه ابن مع أبيه .. يأخذ محمود رأسه بين يديه ويضغط عليها.
حسيبة: ماذا ستفعل؟
علي: انا لا اتعامل معهم.
139. غرفة علي. داخلي. فجراً.
ينظر ماسو إلى ساعته. لقد مر ثلاثون ثانية. تحرك ليترك المكان إلى الخارج. المظليين الأربعة برشاشاتهم ما زالوا في الغرفة.
القائد (يخاطب مظليا آخر) ابق أنت عند الباب لترسل إشارة للآخرين. عندما اناديك، جميعكم تنزلون..
140. شارع عبد رامس. خارجي. صباحاً.
ارتفعت الشمس إلى علو الشرفات.
الشرفات مكتضة بالناس.
الحارة فارغة والفتيل فقط هو المرئي. يصل إلى مكان صغير خال مليء بالمظليين. وصل إلى المكان اثنان من الكولونيلات وجنرال.
هنالك مظلي جاهز آلة تصوير ضوئية ليصور الأنفجار.
الجو العام جو استعراض. اثنان من المظليين وصلوا نهاية الفتيل بالتيار الكهربائي.
وعلى الشرفة، هنالك نساء جزائريات، وأولاد وشيوخ.
عيونهم لا تتحرك. واحد منهم يصلي. هنالك جو من الاثارة.
هنالك ايضاً زوجة محمود؛ عيناها تبدوان خاويتين يخرج بسرعة خمسة مظليين، ويمرون بالحارة نحو المكان الخالي.
يرسل القائد الإشارة، ويبدأ المظلي بخفض الوصلة ببطء. عيون الجميع لا تتحرك. الكاميرا جاهزة. ولكن الانفجار لا يحدث
المظلي يسب، يفحص السلك. جاهز، يا بيبر؟
القائد: ارجعوا إلى الوراء!
يرد بيير بأن يتمتم شيئاً. وفي نفس الوقت يداه تتحركان بعصبيه حول الأسلاك.
141. مخبأ علي. داخلي. صباحاً
ينحني علي لابوانت على عمر الصغير وكأنه يريد تغطيته. توقفت حسيبة عن التنفس، عيناها مفتوحتان على مصراعيهما محمود يبكي.
صورة واحدة، ثانية والآن
الانفجار.
142. شارع عبد رامس. خارجي. صباحاً.
يسقط المنزل بغيمة بيضاء وكأن اساسه قد انتزع فجأة
يتحرك ماسو وباقي الضباط بعيداً، خلفهم صدى الانفجار يسمع تباعاً، ثم صريخ، اوامر، وزغاريد معزولة.
الجنرال: وهكذا فإن الدودة الشريطية لم يعد لها رأس.
هل اكتفيت يا ماسو؟ في الجزائر كل شيء يجب أن ينتهي.
ماسو: نعم، اعتقد انه لن يكون هنالك كلام عن جبهة التحرير لبعض الوقت.
الجنرال: نأمل أن يكون إلى الأبد.
يقاطع جنرال آخر.
الجنرال الأول: من داخل قلوبهم هم ناس طيبون. كانت لنا علاقات جيدة معهم لمائة وثلاثين عاماً…
ولا أدري لماذا لا نبقى هكذا.
الكولونيل الثاني: نعم، ولكن الجزائر هي ليست المدينة الوحيدة في الجزائر.
ماسو (يبتسم) ياه، بالنسبة لهذا الأمر فالجزائر ليست البلد الوحيدة في العالم ….
الجنرال (مبتسماً) طبعاً، مؤكد … ولكن بالنسبة لهذه اللحظة، لنكن مكتفين بالجزائر! في الجبال عملنا دائماً اسهل.
تدريجياً يتحرك الضباط في الشارع المنحني نحو سياراتهم الجيب، وملاحظاتهم تذوى وتضيع.
143. شوارع القصبة. مظاهرات. خارجي. نهاراً ديسمبر 1960.
مثل صيحات الطيور، صيحات آلات من الطيور البرية، تكتسح الزغاريد وتهز السماء السوداء. جوجوجو… وفي الأسفل في القصبة فعباءات الجزائريين البيضاء، مثل الانهار، الفيضانات عبر الحواري واسفل السلالم عبر الشوارع والساحات تطير بإتجاه المدينة الأوربية.
144. قاعة الصحافة.. مكتب الحاكم. داخلي. نهاراً
في قاعة الصحفيين، يأخذ الصحفيون الهواتف بالقوة، يصرخون بأعلى صوتهم. صحفي انجليزي:
الصحفي: لا أحد يعرف ماذا كان ممكن أن تكون الذريعة. الحقيقة انهم يبدو قد اطلق لهم العنان دون سابق انذار … اتصلت هاتفياً بلوزان .. نعم، لوزان، تكلمت مع قائد في جبهة التحرير في المنفى. لا يعرفون شيئاً هناك.
145. شوارع الجزائر. مظاهرات. خارجي. نهاراً/ليلاً
في المقدمة، المراهقون، فتيان وفتيات صغار السن افواههم مفتوحة على وسعها، عيونهم تشتعل، يضحكون، اذرعتهم ممتدة فوقهم، يرتفعن وينخفضن متلائمين مع النغمه.
اصوات: الجزائر! مسلمة! الجزائر مسلمة!
يقفز المظليون إلى اسفل الشاحنات ويركضون إلى الأمام. يركض رجال البوليس إلى الأمام، الجنود، والزواوي و CRS….
ينتشرون في حلقات حماية على شكل أسفين وعلى تكوّن سلحفاة حتى يقسموه، ويفرقوهم، ويعيدونهم إلى الخلف…
ولكن المتظاهرين لا يتراجعون او ينقسمون. يتابعو الضغط إلى الأمام، يدفعون الفرق ويواجهونهم.
الأصوات: الحرية لبن بللا
الحرية لبن بللا
الأوروبيون يغلقون أبوابهم ويرخون ستائرهم. هم ايضاً، صغارهم، الأكثر تصميماً، يتجمعون في جماعات محاولين مجابهة الجزائريين. انهم اقل عدداً ولكنهم مسلحون.
اول طلقات المسدس ترسل صدى في الشوارع، من النوافذ. يسقط بعض الجزائريين، ولكن الآخرين يتابعون التقدم. إنهم يركضون الآن، متبعثرين.
اصوات: تحيا الثورة! [ يحيا الأنصار!]
سيارات الجيب، الشاحنات، صفارات الإنذار، القنابل المسيلة للدموع، نيران الرشاشات.
ثم الصهاريج، ابراج الدبابات تتحرك ببطء بحركة نصف دائرية يطلق حامل الرشاش النار أول طلقة في الهواء.
اصوات: تحيا الجزائر!
تحيا الجزائر!
في هذه الأثناء تغرب الشمس وظلال الليل تظهر.
صوت الصحفي الانجليزي (بعيداً)
اليوم الحالة اكثر شدة. رغم الضغط من المجموعة الكولونيالية الأكثر تشدداً يبدو أن الحكومة أعطت أوامر مشددة بعدم استخدام السلاح إلى في الحالات الطارئة. ولكن بعد ظهر اليوم جرت محاولات لدخول المدينة الأوروبية بالقوة: وكنتيجة لذلك، كانت هنالك أول الضحايا… والآن عاد الهدوء، بالرغم من أنه ما زالت تسمع من القصبة هذه الصرخات… المتنافرة المنغمة، الكابوسية….
ثم بعد ذلك، من وقت لآخر، في هذا الليل المظلم الآن. صرخات غاضبة «يويوس» زغاريد.
146. الشوارع الجزائرية. اعلام. خارجي. نهاراً
هذه الصرخات تابع رنينها حتى اليوم التالي.
اليوم التالي كان مشمساً، المشهد يبدأ ثانية كاليوم الذي قبله. ما عدا أنه …
صوت الصحفي الانجليزي (بعيداً)
هذا الصباح وللمرة الأولى، ظهر الناس بأعلامهم الخضراء والبيضاء ونصف قمر ونجمة.
آلاف الأعلام. لا بد انهم قاموا بخياطتها طوال الليل. أعلام كما نقول. العديد منها قطع من ملايات، قمصان، شرائط، قطع قماش قديمة… ولكن على أي حال فهي أعلام.
الاف الأعلام الجميع يحمل الأعلام معلقة باعمدة او بعصي او يلوحون بها في ايديهم وكأنها مناديل، يلوحون بها في وجوه المظليين الكابية وعلى اقنعة الجنود السوداء.
الخطيب:
«لقد مرت سنتان كان لابد منهما، خسائر لا حد لها من الطرفين، وثم في 2 يوليو، 1962 تحقق الاستقلال ولدت الأمة الجزائرية.
اصوات: تحيا الجزائر!
تحيا الجزائر!
تحيا الجزائر!
النهاية
ترجمة: مها لطفي