مبارك العامري*
1 – بعثـر مراياك
إذا مَا اعْتَرضَكَ الحَيْف
أَوْ سَدَّ دَرْبَكَ الأَسَى
بَعْثِرْ مَرايَاكَ
في أَحْشَاءِ الزُرْقَةِ
وامْضِ كَمَا نَفَسٍ طَويل
كَيْ لا يَرى نَشيجَكَ أحد
طَافِيَاً على فَمِ الرِيح ..
اشْطُبْ أخْطَاءَ الصَحْوِ
دُفْعَةً واحِدَةً
وهَادِنِ الوَجَعَ
نَاوِلْهُ مُسَكِّناً
واطْعِمْهُ مِنْ سُهَادِكَ
لأنَّ ثـمَّةَ جلاَّداً
رَابِضاً في قُعْرِ الَّليْل ..
بِوميضِكَ النَاحِلِ وَحْدِهِ
شُقَّ عَصَا الطَاعةِ
فَكُلُّ سَكينَةٍ خَوَاء
وكُلُّ بَوْصَلَةٍ زَيْف ..
كُنْ غَيْهَبَاً
واسْتَلَّ مِنْ مِفْرَقِ الجُنونِ
شعْرة النشْوَة..
أَنْسِنْ افْتَراضَاتِكَ العَصِيَّةَ
أَنْسِنْهَا
ولا تَعْبَأْ بِزعيقِ الأَدْمِغَة
فَعَلى مُرْمى رَفَّةِ جَفْنٍ
يَقْطُنُ الوجُودُ والعَدَمُ
في غُرْفَةٍ واحِدَة ..
كُنْ جَارِحاً
كَحَدِّ شَفْرَة
وحِينَ يَمُدُّ القُبْحُ عُنُقَه
اسْفِكْ دَمَهُ
ولا تُبَالي
فَمَا أكثر ضَحَايَاه ..
وإِذا شَفَّكَ الوَجْدُ
لا تُسَاوِمْ
ولا تُمَهِّدْ لِخَطْوِكَ
فَرُبَّمَا يَقْطَعونَ
وَريدَ الشَهْقَةِ
وَهِيَ في مَهْدِهَا ..
سَافِرْ في عَيْنَيْ من تُحِبْ
احْمِلْ زَوَّادَتَكَ
واوْغِلْ حَتَّى اللُّجَّةِ
كَيْ لا تَكونَ مِنَ الخاسِرين ..
2 – موزارْت
يَقْتَحِمُ موزارْت عُزْلَتي :
مَطَرٌ نَاعِمٌ يَغْمُرُ الروحَ
تَنْبَجِسُ اليَنَابيعُ الأثيرَةُ
ألْوَاناً مِنْ ضِيَاء
اصَّاعَدُ في سَمَاءِ أحِبَّتي
أدْخَلُ غَيْمَةً نَائِيَةً
أسْبَحُ في سَديمِهَا
أُعَانِقُ نَجْمَةً
كُنْتُ أرْنُو إليْهَا مِنْ شُرْفَةِ القَلْبِ
تَلُفُّني غِلالَةٌ مُضَمَّخَةٌ
بِعِطْرِ امْرأَةٍ أحْبَبْتُهَا
لَكِنَّهَا رَحَلَتْ
وبَقِيَ أريجُهَا عَابِقاً
في ثَنَايَا الذاكِرَة ..
أَهيمُ بَاحِثَاً عَنْ ذَاتي
عَنْ أَنَايَ العُلْيَا
لا شَيْءَ
سِوَى جَسَدٍ يَتَشَظَّى
وقَلْبٍ يَخْفُقُ بِقَسْوَة
وموزارْت ..
3 – دراجة
في سن العاشرة
اصطحبني أبي معه
إلى السوق،
سوق مطرح لا غير،
فوقفت متسمراً كالمصلوب
أمام دراجة هوائية في محل
لم أنبس بكلمة
لكن أبي اشتراها على الفور
رغم شظف العيش ..
اليوم من نفس السوق
اشتريت لابني الصغير
دراجة جديدة
فلمعت عيناه فرحاً
لكني بكيت ..
4 – مَطَرُ الطُفولَة
قَطَراتٌ تِلْوَ أُخْرَى
تُخَاتِلُ أكُفَّنَا الصَغيرةَ
فَتَنْزَلِقُ
بين َ الأصَابِعِ الرَهِفَةِ
مَزْهُوَّةً بانْحِدارِهَا
عَلى صَخْرَةٍ صَقيلَةٍ
كَانَتْ قِبْلَةً لِعَاشِقَيْن ..
تُسْكِرُنَا الرائِحَةُ
حين تَنْفُثُهَا
مَساماتُ الطِينِ
فَنَهيمُ عَلى وُجوهِنَا
نُطَارِدُ أطْيَافَ الفَرَحِ
بفِخَاخِ البَراءَةِ
ثُمّ نَمْرُقُ كَالبُروق ..
لَمْ تَكُنْ راحَاتُنَا الطَريَّةُ
كَافِيَةً للزَخَّاتِ السَخِيَّةِ
فَنُشرعُ أجْسَادَنَا الغَضَّةَ
للوابِلِ المِدْرَار ..
كَانَ الضُمُورُ يَرْتَجِفُ
تَحْتَ بَيَاضِ البَرَدِ
والثِيَابُ المُبَلَّلَةُ
تَشُفُّ عَنْ أضْلُعٍ نَحيلَةٍ
لَمْ تُلَطَّخْ بَعْدُ
بِوَحْلِ المُراهَقَة ..