يكتسي موضوع هذا المقال – كما يشي العنوان بذلك – مكانة أدبية وعلمية كبيرة, وذلك بالنظر إلى قيمته اللغوية التي قد تغري القارئ بمحاولة الاطلاع على جهود العرب في التأليف, وخبرتهم الاصطلاحية الواسعة فيه, وبخاصة في هذا النوع من مصنفات كتب الأمالي التي تضم ألوانا من الأدب واللغة والنقد والتاريخ, وزبدة الشواهد الشعرية والأدبية التي تقوم شاهدا على خصوبة الحركة العلمية والحضارية عند العرب. ويعد كتاب «الأمالي العمانية » للشيخ عيسى الربعي من بين غرر كتب الأمالي المغمورة الذي تم تحقيقه وإخراجه إلى الوجود سنة 1992م, وذلك بفضل الجهود المشتركة بين وزارة التراث والثقافة بسلطنة عمان, وهادي حسن حمودي محقق الكتاب (1). إلا أن هذا التحقيق – في نظرنا – بحاجة إلى مزيد من بذل الجهد سواء من حيث شرح المتن, أو ضبط الشواهد والتثبت منها, أو من حيث التعريف بالأعلام وتوثيق المصادر, وغير ذلك من الملاحظات التي تعرضنا لها في بحث جامعي حول هذا التصنيف (2). وإننا نرجو أن يثير هذا المقال همّة الباحثين بعامة, أو المحقق نفسه, لإعادة تحقيق هذه الذخيرة اللغوية في ضوء ما سندلي به من آراء وملاحظ تقويمية حولها. يتضح إذن من هذه المقدمة أن المقال سيتمحور حول نقطتين أساسيتين, أولهما التعريف بكتاب «الأمالي العمانية » ومادته العلمية, وثانيهما إبداء ملحوظات تقويمية حول تحقيق الدكتور هادي للكتاب. I. التعريف بكتاب «الأمالي العمانية «: يندرج هذا الكتاب ضمن مصنفات كتب الأمالي المعروفة في مجال الأدب واللغة والنقد, والتي تتميز بطابع التعدد والتنوع. وقبل الخوض في ملامسة هذا المصنف يجدر بنا الانطلاق أوّلا من تحديد مفهوم الأمالي مع تسليط بعض الضوء على أهم نماذجها العلمية. حصر المفهوم: إن لفظ الأمالي أو الإملاء يرتبط في الأصل, بمجموعة من الموضوعات التي قام بعض العلماء بإملائها على أسماع تلاميذهم. وهي تشبه المجالس, بل هناك من لا يرى فرقا كبيرا بينهما, فلقد «كان الطلاب في واقع الأمر يجلسون متحلقين حول أساتذتهم الذي يكون في العادة من كبار العلماء الثقات » (3). وقد عرف هذا النوع من التأليف – كما ذكرنا – خصوبة ملحوظة في ميدان الدراسات الأدبية والإسلامية حيث «تخصصت بعض هذه الأمالي في التفسير حينا والحديث حينا آخر واللغة والنحو حينا ثالثا «(4). 1) أنواع الأمالي: تنقسم هذه الأمالي من حيث أهميتها العلمية إلى أمال مشهورة وأخرى مغمورة. ومن بين كتب الأمالي المشهورة التي يمكن الإشارة إليها بإيجاز كتاب «مجالس ثعلب» المتوفى سنة (291هـ) الذي أطلق عليه أيضا «أمالي ثعلب» وهو أول كتاب أنشئ في هذا الميدان الأدبي ويليه «أمالي اليزيدي» المتوفى سنة (310هـ). ويليه «أمالي الزجاج» المتوفى سنة (311هـ) وهو أحد تلامذة المبرد وتلي هذه الأمالي الثلاثة «أمالي جحضة البرمكي» المتوفى سنة (324هـ) ثم تليه من حيث الزمن أمالي أبي بكر بن الأنباري المتوفى سنة (328 هـ) وهناك أيضا كتاب «الجوهرة» (5) لابن دريد المتوفي سنة (321هـ) الذي عده المؤرخون واحدا من الأمالي المرموقة، وحتى أحاديثه ذات الشهرة الواسعة تعتبر كذلك نوعا من الأمالي, وتوجد متفرقة في ثنايا كتاب من أشهر كتب الأمالي وهو «الأمالي » ابي علي القالي المتوفى سنة (356هـ) ثم هنالك أمالي الشريف المرتضي المتوفى سنة (436هـ), وأمالي هبة الله بن الشجري المتوفي سنة (542هـ), وبأمالي هذا تختم الأمالي المشهورة, وبالطبع هناك أمال غير مشهورة «لأن أكثر الشيوخ والمحدثين والعلماء والمؤيدين كانت لهم مجالس أملوا فيها أماليهم»(6) ومنها الأمالي قيد الدرس للشيخ عيسى بن إبراهيم الربعي. فمن هو الشيخ عيسى الربعي ؟ 2) التعريف بالمؤلف: في حقيقة الأمر لا يوجد لدينا من أخبار هذا المؤلف ما نستطيع معه إيراد المعطيات الكافية لبيان نشأته وموقعه الاجتماعي واتجاهه اللغوي, ولكن مع ذلك وبالاستناد إلى كتابه المشهور «نظام الغريب «وكتابه الحالي «الأمالي العمانية «يظهر أن الشيخ الربعي كان فقيها (7) ولغويا واسع الاطلاع, وحافظا لعيون الشعر العربي, وشاهد ذلك قول صاحب «هدية العارفين»: عيسى بن إبراهيم الوحاظي (8) اليمني المتوفى سنة (481هـ) (9) له نظام الغريب في اللغة (10). وكتاب نظام الغريب هو الأثر الوحيد الذي عرف به الربعي في مختلف المصادر المتوفرة لدينا, ونظام الغريب في اللغة لعيسى بن ابراهيم الربعي المتوفى سنة (480هـ) أفرد فيه ذكر لغات الأشعار واقتصر عليها, ومختصره المسمى «تحفة البلغا من نظام اللغا» لجمال الدين يوسف بن عبد الله القاهري(11). ويقول ياقوت الحموي: «عيسى بن ابراهيم الوحاظي لا أعرف حاله إلا أنه مصنف كتاب «نظام الغريب في اللغة» حذا فيه حذو «كفاية المتحفظ» وأجادها, وأهل اليمن مشتغلون به»(12) ويقدم لنا السيوطي(13) بعض المعلومات العامة عن شيخنا الربعي منها أنه أخو العالم اللغوي اليمني «إسماعيل ابن ابراهيم الربعي» وبأنه كان رأس الطبقة في اللغة, وعليه المعول في اليمن كما يذكر الذين أخذوا عنه ومنهم , زيد بن الحسن الفارسي(14). وعموما تتفق هذه المصادر في تعريفه بأنه «فقيه, نحوي, لغوي توفي سنة (480هـ) ببلدة أحاظة» أو وحاظة من آثاره «نظام الغريب في اللغة»(15) لكن السؤال الذي يقود إليه سياق الحديث هو هل حقا لم يصنف الشيخ الربعي سوى هذا الكتاب ؟ إن الجواب يكمن في هذا الأثر الجديد «الأمالي العمانية» الذي – ربما – يؤشر إلى احتمال وجود آثار أخرى ما تزال غميسة, وهي بحاجة إلى المزيد من امتشاق سيف الجد, وخوض غمار الحفر في تضاريس التراث العماني(16) الغني بفوائد تقرأ وعجائب تستقرأ. 3) خلفية تأليف الكتاب: يعد كتاب «الأمالي العمانية» من بين آثار الشيخ الربعي. ويظهر هذا واضحا في حديث المؤلف نفسه حين أشار إلى كتابيه معا أي «الأمالي العمانية» و«نظام الغريب » في مقدمته لهذه اللأمالي حيث قال : «كتبت في مستهل الصبا مختصرا اقتصرت فيه على المستعمل من غريب اللغة وما قالته العرب, وتدا ولته في أشعارها وخطبها وتجاذبته في أمثالها ومقاماتها ومخاطباتها وقد شهر بحمد الله»(17) فالمؤلف هنا يشير بوضوح إلى كتاب نظام الغريب وزمن تأليفه وموضوعه ثم ينتقل إلى إضاءة ظروف تأليف كتابه الآخر «الأمالي العمانية «والهدف منه قائلا «ولما دخلت (عُمـان) في خروجي من اليمن خائفا أترقب, بعد أن وقعت الفتنة سنة تسع وخمسين وأربعمائة حظيت بما لا أستحقه ونلت ما أرجو أن أكون أهلا له من جميل الوفادة, وطلب الإفادة, فصحت عزيمتي على أن أملي تفصيل ما سبق أن أوجزت وأضيف إليه ما أعانني – تعإلى جده – على حفظه مما هو من شاكلته, جاريا على وفق مادته ولا أوسع من المقال, ولا بلوغ لطرف اللغة, وسميته «الأمالي العمانية «تيمنا بالاسم واعترافا بالفضل».(18) ومن هذه الإضاءة نتعرف إلى ظروف تأليف الكتاب المرتبطة بالفتنة التي قام بها الداعي الفاطمي علي ابن محمد الصليحي الذي قتل سنة (459هـ), كما أننا نستشف العلاقة بين الكتابين, حيث إن كتاب «الأمالي العمانية» هو تفصيل وتطوير لكتاب «نظام الغريب» والتفصيل والإضافة هو ما يشكل أهمية هذه الأمالي العمانية, وللمزيد من الدقة فقد ذكر المؤلف اسم كاتب هذه الأمالي وزمن كتاباتها بقوله: «وقرأه علي قراءة ضبط وتصحيح, الوجيه المتقن زيد بن الحسن (19), في مجالس منتهاها ليلة السابع والعشرين من رمضان المعظم سنة إحدى وستين وأربعمائة وقد كتبه عني شفاها فأجزت له روايته سفرا وحضرا(20) ومتصفح «الأمالي العمانية» يلاحظ أن الكتاب يهتم بجمع المدلولات اللغوية والاستشهاد عليها, وهو بذلك ينخرط في التمهيد لوضع المصطلحات اللغوية لأن «محاولة التعرف على المدلولات في معظم الأحيان سابقة للخبرة الاصطلاحية من حيث هي تصورات معرفية وتقنيات لغوية تتصل جميعا بصياغة الدوال للمفردة العربية».(21) 4) مضامين الكتاب ومادته العلمية : تتوزع مضامين مادة الأمالي العمانية إلى أبواب مختلفة تجمع بين الحديث عن اختلاف الإنسان وصفاته, من حسن وقبح وحب وعداوة, ومراحل حياته من شبابه وشيخوخة. وبين جمع المدلولات اللغوية وخصائص الحيوان والجماد والنبات, كأسماء الخيل والبغال والإبل والظباء, وأسماء النعام والحمر الوحشية والأسود والذئاب, وأسماء الحلي والفضة والذهب, وأسماء العسل واللبن واللحم, وأسماء الشمس والقمر والسحاب والرياح, وأسماء النخل والأشجار والمراعي والنبات والرياح, وأسماء القفار والموت والقبور, وأسماء الدواهي والدهر, إلى غير ذلك من الأبواب المختلفة والقيمة التي تدل على شمولية ثقافة المؤلف, وغزارة إنتاجه اللغوي والأدبي . وبحسبنا هذه المعطيات الموجزة التي رسمنا من خلالها جسدا وصفيا لتقريب شكل الكتاب ومادته العلمية في هذا الحيز المحدود الذي تفرضه طبيعة المقال العلمي. 5) منهجية المؤلف : ينهج الربعي في أماليه نهجا معجميا واضحا في مصنفه وذلك من خلال سرد الألفاظ التي ترتبط بحقل معين, وذكر معانيها بتركيز وإيجاز مع الاستشهاد على بعضها من الشعر والقرآـن والحديث والأمثال, مما يدفعنا إلى اعتبار هذه الأمالي معجما لغويا في معاني الألفاظ, وكتابا أساسيا من كتب الثقافة الأدبية العامة, وذلك لما تضمنه من إحالات على عدد من الأشعار المغمورة أو المجهولة لقدامى الجاهليين والإسلاميين الصحابة . وعلى هذا الأساس يمكن القول إن «الأمالي العمانية» كتاب في اللغة أولا والأدب ثانيا. فأما من حيث طريقة الأداء فقد كان الربعي في طريقة تقديمه لمعاني الدوال المعززة بالشواهد أحيانا مقتفيا سبل من سبقوه من مؤلفي المصنفات اللغوية والأدبية حيث يعمد إلى تحديد الموضوع ثم سرد المفردات الدالة عليه بدون ترتيب (22) بل ومن خلال ما يمكن أن نسميه تداعي الأفكار ولاسيما أن صاحبنا يعتمد على حفظه وذاكرته في أماليه هذه. ويبقى تحديد الموضوعات وتنجيمها في أبواب من أكبر ميزات الربعي المنهجية غير أننا قلما نجد نسقا مطردا ومتماسكا في عرض هذه الأبواب, إذ يمكن الحديث عن وحدة موضوعية لاعضوية . ومما يلفت النظر في عمل الربعي, اهتمامه الخاص بالروايات الشعرية الشاذة, وكأنه يدعو إلى توثيقها, وضرورة الاعتداد بها, وعدم إغفالها, حتى لا تتعرض للاندثار والإهمال, وهذا يوازي أيضا حرصه على الاستشهاد بنصوص عدد من الشعراء المغمورين أو المجهولين, إلا أنه لم يكن يعنى بذكر أسانيده ومصادره لأنه كان يهدف أساسا إلى جمع الألفاظ وشروحها اللغوية وحفظها وصونها من الضياع, مما جعله في بعض الأحيان يسرد مجموعة من المفردات بدون شرح, أو بشرح غامض, مكتفيا بالإحالة على معناها العام كقوله : «من ذلك العلجان : شجر يرعى, والعرار والرمث, والشكاعى والخزامى والبقل والعرفج والنصي والارطى (23)», أو قوله : «والأقحوان والخزامى والنمام والياسمين والنسرين والمنثور والبنفسج النرجس واللينوفر والأذريون, كل هذه رياحين البساتين»(24) في حين تحتاج كل هذه الدوال إلى شرح وتعريف ولو موجز. 6- تحقيق كتاب «الأمالي العمانية» (ملاحظ تقويمية): ذكرنا في صدر هذا المقال أن تحقيق الدكتور هادي تخللته بعض النقائص التي لا تقلل من المجهود الكبير الذي بذله فيه، ويمكن تقديم أمثلة عنها كما يأتي : 1) هناك نقص ملحوظ في فهرسة مواد الكتاب، إذ أن الفهرس الذي ذيل به المحقق هذا المصنف ابتعد بعض الشيء عن التحقيق العلمي الرصين، الذي يفرض فهرسة الآيات القرآنية, والأحاديث الشريفة, والأمثال, والأعلام, والأمم, والقبائل, والبلدان, وفهرسة الشعر وقوافيه, إلى غير ذلك من المسائل اللغوية والأدبية, وهو جهد مطلوب، ومجهود محمود، يسهل على الباحث الاطلاع على ما يريد من موضوعات الكتاب. 2)سوء توظيف الهوامش, حيث لجأ المحقق إلى طريقة استشراقية غير مريحة تتمثل في تجميع الهوامش في آخر الكتاب, وهذه الطريقة قد تصلح لمقال بمجلة ولكنها غير صالحة للتحقيق الذي يتطلب إثبات الهوامش بطريقة فورية في أسفل الصحيفة. ونعتقد أن لجوء الباحث إلى هذه الطريقة المتعبة ليست اختيارا منهجيا موفقا . وحتى مع وجود هذه الهوامش فهي تكاد لا تتعدى شرح بعض الكلمات المشروحة في النص الأصلي, حيث يعيد المحقق شروح الشيخ الربعي, وهو عمل يمكن أن يوصف «بفتح الأبواب المفتوحة». وفي بعض الأحيان يقدم شروحا للكلمات لا تتناسب والمعنى الذي يفضي إليه السياق. وأحيانا قليلة يسهب في شرح بعض الكلمات التي لا تحتاج شرحا. 3) لم يقم الأستاذ المحقق بتخريج عدد من الأبيات الشعرية والأحاديث, والأمثال, وكدليل على ذلك, الهامش 795 الصحيفة 153 السطر 9 , ورد فيه, قالت امرأة من العرب في ولد عقها (حتى إذا هـض كالفحال…) فقد شرح المحقق بعض كلمات البيت, دون التحقيق والتدقيق في اسم هذه المرأة ظنا منه أنها مجهولة مع أنها شاعرة معروفة عند العرب وهي أم ثواب ذكرها المبرد في الكامل وترجم لها عمر رضا كحالة (25) (أعلام النساء1/186). 4) كثيرا ما يحيل المحقق على لسان العرب مكتفيا بذكر أصل الكلمة دون الإشارة إلى معناها أو إلى الجزء والصفحة, وقد لا يكون هذا أمرا ضروريا, ولكننا نؤاخذه على ذلك لأن الظاهر أنه لا ينظر في اللسان إلا نادرا, والدليل هو أن هذا المعجم قد تضمن نصف الشواهد الشعرية التي ذكرها الربعي مع كثير من التغييرات في رواياتها لا نجد لها أثرا في هوامش المحقق, وقد أشرنا إليها في تضاعيف بحثنا سالف الذكر. 5) هنالك مجموعة من الأحاديث والأمثال في الكتاب ككل, لم يخرجها المحقق, ونموذج ذلك هذه الأمثال : «أحشنا وسوء كيلة»(26) والمثل : «الخلة خبز الإبل والحمض فاكهتها». (27) والمثل: «من دون ذلك خرط القتاد»(28). كما أنه لم يخرج حديث أبي بكر الصديق (ليألمن أحدكم النوم على الصوف الأذربي..(29) مع أن هذا الحديث معروف في مختلف المصادر المتخصصة والعامة, ككتاب «الكامل» الذي تضمن شرح هذا الحديث وغيره من الشواهد, ونستغرب حقا كيف أن دارسا في مجال التحقيق لا يكون كتاب «الكامل» من مصادره الأساسية. والغريب. أنه لم يقم بتخريج أي حديث في الكتاب كله ما عدا حديثا واحدا لم يخرجه ولكنه اكتفى بتحليل مضمونه، ويتضمن الإشادة بأهل عمان. 6) إن التعريف بالأعلام يبقى القضية الغائبة في هذا العمل، مع أنها ضرورية لأي تحقيق، لكن الأستاذ أهملها تماما كما أهمل غيرها من أحاديث وأمثال وبحور شعرية وغيرها. 7) لقد ادعى المحقق أنه قام بمقارنة بين كتاب نظام الغريب وكتاب الأمالي العمانية, غير أنه لم يشر إلى كتاب «نظام الغريب «ضمن قائمة مراجعه, ثم إنه لم يعلق على أي تخريج لنص من كتاب الأمالي العمانية يتضمن إشكالا أو مخالفة لكتاب نظام الغريب. نعم لقد أشار في المقدمة إلى عبارة يتيمة يقول فيها بأنه قد وجد الأبواب الثلاثين الأولى, ويعني بها أبواب الأمالي العمانية, تختلف اختلافا بينا عن كتاب نظام الغريب, لكنه لم يتحدث عن مظاهر هذا الاختلاف(30) مع أن المؤلف نفسه يعتبر هذه الأمالي مجرد توسيع لكتابه الأول «نظام الغريب», مع ما تقتضيه – بالطبع – ضرورة المراجعة من إضافات. وعلى العموم فتحقيق الدكتور هادي، شابته بعض الهنات غير المبررة، على الرغم من محاولته تسويغ ذلك بالتذرع بكثرة أشغال (31) المحقق,لأن البحث العلمي كما هومعروف لايعترف لنا معشر الباحثين بتلك الذرائع. ولكن- ومع ذلك- لا يمكننا أن نغمط المحقق حقه فيما بذله من جهود واضحة يشكر عليها، وعلى رأسها الإسهام في إخراج هذا العمل إلى النور, الذي يشكل إضافة ثمينة إلى المكتبة العربية والإسلامية. خاتمـة في نهاية هذا المقال, اعتقد أنه قد اتضح للناظر في هذا العمل مكانة الشيخ الربعي واتساع عباءته اللغوية, وقصة كتابه الأمالي, وخطة تأليفه, وأهمية هذا النوع من المصنفات في الأدب العربي. وهو أمر جدير ولاشك بالانتباه إلى نتائجه المتعددة, خاصة منها تلك الثروة اللغوية الغنية بتعدد الدوال والمدلولات, التي تؤكد خصوبة اللغة العربية ومرونتها على استيعاب مختلف المصطلحات والألفاظ حتى الدخيل منها, كما رأينا ذلك مع أسماء الرياحين من نرجس ونسرين وياسمين وغيره. ومن النتائج كذلك حسن الاصطفاء المتمثل في تلك المختارات الشعرية التي عزز بها الربعي شروحه اللغوية خاصة منها المغمور والشاذ والنادر, الشيء الذي يطرح علينا بجدية قضية الروايات الشاذة أو النادرة, وضرورة الحفاظ عليها والتعامل معها. ولعل في هذا مما يعلي من قيمة هذا الكتاب وغيره من كتب الأمالي الأخرى, ويمنحها فرادة ودلالة نوعية كرافد تراثي, ومصدر جليل في حفظ اللغة والثقافة العربية العامة. وفي الخلاصة, يمكن اعتبار هذه الأمالي وثيقة تاريخية لجهود اللغويين العرب المخلصة في خدمة اللغة العربية وحنكتهم في جمع مادتها ومتونها اللغوية , وجمالية ذوقهم في اختبار نصوصها الأدبية ووثيقة فنية لمعالم التأليف الأدبي في القرن الخامس الهجري, الذي بلغ خطوة مهمة في التنظيم, من مظاهرها تصنيف المباحث إلى موضوعات ثم تنجيمها في أبواب محددة. الهوامـش : 1) انظر «الأمالي العمانية » للشيخ عيسى بن إبراهيم الربعي, تح : د. هادي حسن حمودي, وزارة التراث القومي والثقافة, سلطنة عمان – 1992م. 2) بحث مرقون لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة موسوم بدراسة لكتاب «الأمالي العمانية» إعداد : محمد بن العياشي, إشراف الدكتور أحمد حدادي, كلية الآداب, وجدة.1996 3) «مناهج التأليف عند العرب «لمصطفى الشكعة : 341, دار العلم للملايين, بيروت. 4) المرجع نفسه : 341. 5) انظر : «نظرة تاريخية في حركة التأليف عند العرب في اللغة والأدب », للدكتور أمجد الطرابلسي : ص : 29, دار قرطبة للطباعة والنشر, الدار البيضاء, ط 5 – 1986م. 6) «مناهج التأليف عند العرب » : 542. 7) انظر «طبقات فقهاء اليمن » لعمر بن علي الجعدي : 126, دار الكتب العلمية, بيروت – 1981م. 8) نسبة إلى بلدة باليمن «وحاظة », وهنالك من يكتبها أحاظة نسبة إلى أحاظة بن سعد بن عوف (انظر معجم البلدان لياقوت الحموي : 363. 9) تذكر معظم المصادر أنه توفي سنة (480هـ) وهو ما نرجحه. 10) «هدية العارفين, أسماء المؤلفين, آثار المصنفين » لإسماعيل باشا البغدادي. مج : 1 , ص : 807 , استانبول – 1981م. 11) «كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون » لحاجي خليفة (مصطفى بن عبد الله) : مج 2 , ص :. 107 دار العلوم الحديثة بيروت 1959م 12) «معجم الأدباء » لياقوت الحموي : مج 8 , ج 15 , ص : 146 , دار الفكر , 1980م. 13) «بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة » لجلال الدين عبد الرحمان السيوطي : مج 2 , ص : 2/ 235 , تح : محمد أبو الفضل إبراهيم , دار الفكر 1979م. 14) هو إسماعيل بن إبراهيم الربعي , كان عالما باللغة , صنف فيها القصيدة المشهورة ب «قيد الأوابد » , وله أشعار وترسلات حسنة , مات بعد أخيه عيسى بأيام سنة (480هـ) انظر ترجمته في بغية الوعاة 1/ 442 , الأعلام : مج 1 , ص : 307. 15) «معجم المؤلفين » لعمر رضا كحالة : مج : 4 , ص : 8/18 دار إحياء العربي , بيروت. 16) لسلطنة عمان أثر متميز في الدراسات اللغوية العربية. وتكفي الإشارة هنا إلى جهود الخليل ين أحمد في معجمه «العين «, وابن دريد في «جمهرة اللغة «, والعوتبي في معجم الإبانة , وكل هؤلاء العلماء تربطهم صلة وثيقة بعمان , هذا فضلا عن معجم السلطان قابوس للأسماء العربية حديثا الذي يؤكد هذه العناية اللغوية قديما وحديثا. 17) انظر «الأمالي العمانية » : 13 18) نفسه : 13. 19) ترى من يكون هذا الوجيه المتقن زيد بن الحسن ؟ ألا يفترض أن يكون أحد اللغويين البارزين في عمان عصرئذ . 20) الأمالي العمانية : 13. 21) المصدر نفسه : 5.
كاتب من الجزائر