متى بدأت الرواية اليمنية في الظهور؟
انقسم النقاد والبحاث للنتاج الأدبي في اليمن حول البدايات الأولى لظهور الرواية اليمنية الحديثة إلى قسمين، ولابد من الوقوف عندها لأن التواريخ ستتضارب في الدراسات
(1) القائلون بأن رواية : «فتاة قاروت» أو «مجهولة النسب» للكاتب الأديب/ أحمد السقاف هي أول رواية يمنية: وأنصار هذا الاتجاه لا يفرقون بين النتاج في المهجر وبين النتاج في الداخل، واعتمدوا الجذور الأصلية للكاتب كمعيار، كما هو في مؤلف رواية «فتاة قاروت» نشير إلى نماذج من رؤى أنصار هذا الاتجاه:
الدكتور/ عبدالحكيم محمد صالح باقيس يعتبر مؤلفها/ أحمد عبدالله السقاف رائداً يمنياً في النهضة الثقافية والأدبية في المهجر الآسيوي، وريادته في الكتابة الروائية اليمنية، وله دراسات حول الرواية المذكورة، من ضمن ما ورد فيها «أنها صدرت في إندونيسيا باللغة العربية ثم ترجمت الى اللغة الإندونيسية غير أنها تسبق روايته الثانية «الصبر والثبات» التي صدرت عام 1929م بعام أو عامين.
كما أشار إلى أنها تناولت موضوعين رئيسيين، الأول نقد المجتمع العربي المهاجر وعلاقته بالسكان الأصليين وقضية التعليم، والثاني: العلاقة بالآخر، وأعدها من الروايات المبكرة التي تناولت الصراع الحضاري، ومسألة الهوية من خلال مستويين من العلاقة بالآخر هما : العلاقة بالآخر الغربي، والعلاقة بالآخر الشرقي(1).
الدكتور/ مسعود عمشوش له دراسة تحت عنوان المهاجرون الحضارم في «فتاة قاروت» «قراءة في أول رواية يمنية» وأرخ لها بسنة 1928م.
الكاتب الروائي / سامي الشاطبي أرجع اختيار عام 1927م لأنه شهد صدور أول رواية يمنية بعنوان «فتاة قاروت» للكاتب الأديب/ أحمد السقاف، واعتبره مهاجراً في إندونيسيا وأشار إلى أن الرواية اعتبرت في حكم المفقود، ولكنه أشار في نفس اللحظة إلى أنه يحتفظ بنسخة منها، وسبق أن نشر فصولاً منها في «صحيفة الثقافية»، خلال الفترة مايو ويونيو 2008م(2).
(2) القائلون بأن رواية «سعيد» للكاتب والأديب/محمد علي لقمان هي أول رواية يمنية: وأنصار هذا الاتجاه لا ينكرون وجود رواية «فتاة قاروت» السابق ذكرها ولكنهم وضعوا بعض المعايير التي يلتقون في بعضها ويبررون وجهة نظرهم بعدد من الحجج والبراهين.
فالدكتورة/ ابتسام المتوكل أشارت في دراسة لها أن عام 1929م يعد تاريخ ظهور أول الآثار القصصية المكتوبة، بقلم يمني في مدينة جاوة بإندونيسيا، حيث صدرت في العام المذكور قصتان طويلتان للأديب المؤرخ الصحفي أحمد بن عبدالله السقاف، وعلى الرغم من أن هذين الإصدارين القصصيين هما أول الآثار السردية المعروفة لكاتب يمني إلا أنها لم تعتمدهما في الحديث عن نشأة القصة اليمنية القصيرة لعدة اعتبارات منها:
ــ أن العملين ــ حسب الدكتورة المتوكل- يترددان في التجنيس بين القصة الطويلة والرواية كما هو في مؤلف «الحبشي» أوليات يمنية في الأدب والتاريخ، 1991م» الذي أشار إليها، رغم أنهما في حكم المجهولين في الأدب والقصص اليمني، وأنهما لم يتداولا في الساحة الأدبية اليمنية.
-الاعتبار الثاني: أن هذه الكتابة القصصية قد وجدت في بيئة غير يمنية وإن كان المؤلف يمنياً، واعتبرته من الأسباب الكافية حتى لا يتصل ظهورها بتوافر أسباب محلية لظهور الكتابة القصصية، ولهذه الاعتبارات استبعدتهما من البدايات الأولى للسرد اليمني، واعتبرت أن أول عمل قصصي روائي يمني رواية «سعيد» للكاتب/ محمد علي لقمان، وأرجعت ذلك إلى مارس1940م، معتمدة على دراسة المستشرق الألماني/ جونتر أورت «نشأة فن القصة الحديثة في اليمن» 1996م، الذي رجح تاريخ صدورها على إعلان نشر في صحيفة فتاة الجزيرة العدنية الأسبوعية في عدد مارس من السنة المذكورة(3).
الكاتب الأديب / محمد الشيباني، أشار في دراسة له عن السرد اليمني الى رواية «فتارة قاروت» ووضع عليها عدة اعتبارات منها:
– أنها في حكم المفقود، – لأن كتابتها وظهورها في المهجر فإن العلاقة بينها وبين المجتمع الذي تعبر عنه لا يمثل المجتمع اليمني ولهذا اعتمد الرؤية التي تؤرخ لرواية «سعيد» 1939م أول عمل سردي في اليمن(4).
الكاتب والناقد/ محمد ناصر شراء يتفق مع هذا الاتجاه وأكد عليه في كتاباته ومنها «ولقد اتخذ جنس الإبداع الروائي في اليمن له مساراً متواضعاً منذ بدايته في العام 1939م وحتى الآن إذا اعتبرنا رواية «سعيد» للمرحوم/ محمد علي لقمان بداية المضمار(5).
نختم برؤية الدكتور/ إبراهيم أبو طالب والاعتبارات والمعايير التي طرحها لاعتباره رواية «سعيد» محمد علي لقمان، 1939م أول رواية يمنية وهي:-
– أن روايتي أحمد عبدالله السقاف «فتاة قاروت» 1927م، «الصبر والثبات» 1929م، في حكم المفقودين إلا من توصيف وعرض للأخيرة في كتاب/ عبدلله الحبشي» والرواية بحسب الحبشي «وعظية، غرامية، فكاهية، انتقادية».
– أنها كتبت ونشرت خارج اليمن، وتدور أحداثها في المهجر، وليس لها من ارتباط باليمن إلا كون كاتبها أديبا يمنيا هاجر إلى جزيرة جاوة بإندونيسيا، ويضيف، ولو اعتمدنا ما ذهب إليه – بعض الباحثين – في هذا المقياس لكان أولى أن تعد روايات / علي أحمد باكثير من الروايات اليمنية(6).
– ولكي لا يتم الخلط بين الرواية والقصة اليمنية الحديثة من جانب، وبين المسميات من جانب آخر، يستحسن الإشارة الى وجود قصتين يتم اللبس بينهما وبين رواية «سعيد» السابق ذكرها وهما :
«أنا سعيد» للكاتب/ أحمد البراق، صحيفة الإيمان، نوفمبر1940م. «سعيد المدرس» للكاتب/ محمد سعيد مسواط، صحيفة النهضة، سبتمبر 1950م،
عقد السبعينيات والمتغير التحولي في مسار الرواية اليمنية موضوعاً وأسلوباً:
منذ صدور أول رواية حتى مطلع السبعينيات من القرن المنصرم كان رصيد اليمن لم يتجاوز عشر روايات، وكانت تبرز موضوعات الوعظ، والحكمية، والتقريرية بأسلوب مباشر وتلجأ أحياناً الى الخطابة، وتستخدم الأساطير السحرية، واعتمدت على البنية الحبكية القديمة (البداية، الوسط، النهاية) والحدث الخارجي المباشر، ويمكن استخلاص ذلك من خلال مقابلة الشكل بالموضوع والمحتوى، وتمثيل الواقع الاجتماعي لتلك الروايات.
وبحسب دراسات الباحثين المتخصصين في مجال السرد بأشكاله المختلفة يوجد شبه إجماع أن عقد السبعينيات شهد تغيراً تحولياً في المسار السردي عامة، والرواية خاصة، وتزامن هذا التغير مع التغيرات الحديثة في المجالات الأخرى، السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وانتقل الأدب – الرواية- الى وضع غير مألوف وفي نفس اللحظة الانتماء إلى الواقعية، واستفاد الأدباء من الكتابات الخارجية والاحتكاك بها واعتمدوا التقنيات الجديدة المغايرة لسابقتها، وأهمها تحطيم البنية الحبكية السابقة، والاشتغال على نسقها الداخلي وإدخال الرمز عليها بدلاً من المباشرة، والابتعاد عن النهايات المغلقة، ومن جانب آخر يتضح التغير بالاتجاه نحو الجزئيات والهامش عند كتاب هذا الجيل، وبروز الاشتغال على المسكوت عنه (الجنس، السياسة، الأيديولوجيا) والمهاجر ويومياته، والغربة والاغتراب وإخراج الأعمال السردية في أشكال أدبية تربط بين الواقع والمتخيل، وإن كان صادقاً أو فيه تهكم تجاه الآخر الذي لم يعد فرداً بل انعكاس ذلك أو إسقاطه على الجمعي، وبوعي وإدراك، ورغم وجود بعض الروايات والرواة مثل (صوت من الماضي / أبو أنمار، العودة إلى النهاية / عبدالرحمن بجاش، مجمع الشحاذين/ عبدالوهاب الضوراني، غرباء في أوطانهم/ أحمد محمد العليمي، الخاتم المجهول/ عبدالكريم المرتضى، مرتفعات ردفان / حسين صالح مسيبلي، طريق الغيوم/ حسين سالم باصديق، الميناء القديم/ محمود صغيري، قرية البتول/ محمد حنيبر) إلا أن رواية «يموتون غرباء» الصادرة عام 1971م للكاتب الأديب/ محمد أحمد عبدالولي تصدرت المشهد الثقافي اليمني، وما زالت حاضرة من خلال الدراسات والاحتفاء بالسرد اليمني الى جوار ما أنتجه من قصص وروايات، لما فيها من النضوج من حيث الموضوعات والأساليب الفنية التي تنتمي الى الواقعية، ويرجع ذلك إلى ثقافته وتنوع تجربته وموهبته الغنية التي صقلها بدراسة فن القصة، مستفيداً ومتأثراً بأدب «جوركي، وتشيخوف» وهما يمثلان المذهب الواقعي، واقتصر منهج/ محمد عبدالولي على تصوير الأشياء بما يعني التحريض ضدها، وهو نقده للواقع وتعريته وافتقاره للميزة الأخرى وهي التبشير بالمستقبل.. الخ، وتتميز تجربته بالمواكبة الفعلية للقصة العربية والعالمية من حيث الشكل والمضمون(7).
ويحسب لهذا العقد الزمني ظهور أول رواية بقلم نسائي إذ أنه شهد صدور روايتين للكاتبة الأديبة/ رمزية عباس الإرياني هما (القات يقتلنا 1969م، ضحية الجشع 1970م. وسينقطع القلم النسائي حتى الجيل التسعيني، إلا من ومضات ثمانينية محدودة، كروايات الكاتبة الأديبة/ سلوى محمد الصرحي «وأشرقت الشمس، صراع مع الحياة، ويبقى الأمل».
وامتد أدب السبعينيات الى عقد الثمانينيات مؤثراً فيه ومضيفاً إليه تجربة جديدة، فاتسم بالمزاج الصاخب لبعض مغايرات السبعينيين والبناء على خلاصاته الناضجة، [… ] ويبدأ السرد في إدخال عناصر الحداثة مثل التكثيف للصور والمعاني والأحداث، وخلق حالة توازي باللغة الشعرية السلسة، والاقتراب من الذات باعتبارها محور الكتابة(8)، ورغم وجود أصوات متعددة إلا أن ظاهرة الصوت الواحد ستظل مسيطرة على المشهد الروائي، كصوت الكاتب/ زيد مطيع دماج وتحديداً في روايته «الرهينة» التي تصنف ضمن رواية السيرة الذاتية والتهكم السياسي والاجتماعي.
ومن حيث عدد الروايات فلم يبتعد كثيراً عن عقد السبعينيات إذ لم يتجاوز العشرين إصداراً، منها «سفينة نوح، وعذراء الجبل/عبد الله سالم باوزير، ربيع الخيال، ومدينة الصعود/محمد مثنى، الإبحار على متن حسناء/حسن سالم باصديق، روايات/سلوى الصرحي السابق ذكرها، هموم الجد قوسم/أحمد مثنى، القرية التي تحلم/أحمد عبد الله فدعق، السمار الثلاثة/سعيد عولقي، ركام وزهر/يحي علي الإرياني.. الخ».
التسعينيون ذوات متجاورة:
شهد عقد التسعينيات تغيراً تحولياً إضافة الى إنجاز العقود السابقة في مسار الرواية اليمنية الحديثة، على المستويين الكمي والنوعي، ويرجع ذلك الى عدد من العوامل والتغيرات الأخرى، أهمها انهيار المنظومة الاشتراكية وتفكك الكتلة الشرقية، واجتياح الديمقراطية في موجتها الثالثة لكثير من الدول، وسيادة قيمها بصورها المتعددة وبنسب مختلفة. التغير التكنولوجي لاسيما في قطاع الاتصالات فأصبح العالم شبه قرية من حيث التواصل مع الآخر وانسياب المعلومات صوتاً وصورة إضافة الى التغير في البنية الاقتصادية، وتوجه كثير من الدول نحو حرية السوق، الذي انعكس على البنية الاجتماعية.
فتبدلت العلاقات وأساليب التفكير، فانشغلت موضوعات النص التسعيني– شعراً وسرداً – على الهامش واليومي، وبكل جراءة فجر مكبوتات الحسي والسياسي والديني دون الحاجة الى تغليف خطابه بالمحمولات الرمزية الصارخة، وأصبحت الروايات تحتفي بالمعرفي أكثر من الواقعي، بمعنى أنها حاولت العمل على تأسيس قول جديد مغامر ومعاير، بالتركيز على تجارب الذات وأزماتها، لأن ما أحدثته التغيرات السابق ذكرها أثرت على الكاتب الأديب الذي وجد نفسه دون اختياره يعيش في أزمة ذاتية وغربة داخلية رغم الميدان المتاح له للتعبير عن كل ما يريده، ورأى د/الشجاع أن الجنس هو المحرك الرئيسي عند جميع الكتاب التسعينيين. لذلك فقد اقتصر السرد على الجنس الذي يظهر من خلال المفاهيم الشائعة والتي تعبر عن نفسها بشكل واضح(9)، كما هو في رواية»إنه جسدي» للكاتبة/ نبيلة الزبير، روايات/ علي المقري –وإن جاءت متأخرة- اليهودي الحالي، حرمة. كذلك/ رواية عقيلات للكاتبة/ نادية الكوكباني… الخ.
ومعظم النتاج الروائي التسعيني يوظف للسيرة الذاتية بشكل مباشر من خلال شخوص الروايات، أو من خلال الراوي/ السارد نفسه. ونتيجة لاتسام العقد التسعيني بالفوضى والتشظي والتناقض واللاتناغم، فقد جاءت الروايات معبرة عن هذه الفوضى واللاتناغم والانفلات من الواقع، والعلاقة غير المترابطة كعلاقات النفي والانفصال، والتداخل في مستويات التقنية السردية ارتفاعاً وانخفاضاً، وهو تعبير عن السياق المجتمعي والسياسي والاقتصادي الذي يعايشه الراوي، وللبحث عن الهوية نصيب في المشهد التسعيني.
وقد أثار المسمى «الجيل التسعيني» بأشكاله وأنواعه، وأصنافه، وأجناسه جدلاً واسعاً، وخلافاً كبيراً بين المبدعين والكتاب (النقاد)، لأنهم حاولوا التجاوز-في الشعر خاصة- رغم الخلاف الذي لم يصل إلى حد الصراع كما هو مألوف بين الجماعات والتيارات الأدبية، ويمكن طرح أربع صفات من المسميات التي لصقت بالجيل التسعيني»، رؤية الكاتب الأديب/ أحمد السلامي الذي بدأ بإطلاق صفة التجاوز ثم تراجع لاحقاً إلى صفة التجاور، الشاعرة/ هدى أبلان «نائب وزير الثقافة حاليا» أكدت على التعايش، أما الشاعر الكاتب/ محمد الشيباني فجاء رأيه مؤكداً للتعدد، الشاعر الناقد/محمد المنصور قال بالتجاور وعدم التخاصم مع الآخرين والتراث، ومن واقع هذه الرؤى جاءت رؤية الشاعر الناقد/ علوان مهدي الجيلاني بالتأكيد على التجاور، وتعتبر كتاباته النقدية حول أدب التسعينيين من أنضج الكتابات، وأكثرها ملامسة للمشهد التسعيني، ويعرِّف جيل التسعينيات بأنهم «يشكلون مجموعة أصوات متجاورة، ولغرض من التجييل هو التوثيق بما يفيد الأديب (المختلف والمؤتلف) وبروزه في عقد معين، ويتفق بهذا مع رؤية الدكتور الشاعر/عبد السلام الكبسي أن التسميات ما هي إلا وسيلة أكاديمية للتحقيب والتصنيف ودراسة السمات. (10)
ومن المعلومات التي ينبغي الإشارة إليها والسبق لأول رواية ظهرت للجيل التسعيني، ومن خلال المسح الأولي وردت رواية «الفرزة «للدكتور/ عبدالملك المقرمي كأول إصدار في مطلع التسعينيات من القرن المنصرم، علماً أنه امتداد للجيل السابق، بينما اعتبر الشاعر الأديب/ عبدالناصر مجلي – نفسه – أول من أصدر عملاً روائياً من الجيل التسعيني، ممثلة –حسب قوله- برواية «الحصن» (11).
وبالعودة إلى الببليوجرافيا المتوفرة بين أيدينا لم نجد الرواية ضمنها ولم تذكر لا من قريب ولا من بعيد، الأمر الذي دعاني للاتصال بالدكتور/ أبو طالب مستفسراً عن رواية الحصن، فأجاب «أنها لم تكن مطبوعة ولم يعرف أن رواية صدرت بهذا العنوان»، ربما تكون مكتوبة-مخطوطة- وهذا لا يعتد به لأن لكثير من الأدباء والكتاب روايات ومجموعات مكتوبة ولكنها لم تر النور من حيث الطباعة والتوزيع، وما صدر للكاتب/مجلي من روايات» رجال الثلج2000م، جغرافية الماء2004م
ومثل هذا التضارب يستدعي المراجعة وبذل المزيد من الجهد والاهتمام بالنتاج الأدبي، والتوثيق السليم، من قبل الباحثين والمهتمين والمؤسسات والمراكز المعنية بهذا الشأن، الأمر الآخر الذي يستحسن توضيحه أن الجيل التسعيني لم يكن خالصا بأدباء في أعمار متساوية، فهو متداخل من السبعينيين والثمانينيين وسيمتد إلى أدباء الألفية الجديدة، ومن أهم سماتهم التمرد على الآباء واختفاء ظاهرة الصوت الواحد، وحلول المجموعات كبديل يعبر عن المرحلة.
وبحسب التحقيب الزمني /العقدي (التجييل) يمكن وضع النتاج الروائي اليمني على النحو التالي:(12)
الفترة الزمنية عدد الروايات
1939- 1950 2
1951 – 1960 2
1961- 1970 4
1971-1980 11
1981 – 1990 16
1991- 2000 21
2001 – 2009 86
الإجمالي 142
وتم استبعاد رواية «أبو جنزير» للكاتب الأديب / الحسن محمد سعيد، لأنها تعبر عن مرحلة من تاريخ السودان الشقيق وحركة المجتمع، وإن طبعت في اليمن.
وكما يلاحظ من الجدول أن الرواية صدرت بشكل تصاعدي من عقد إلى عقد، وبدأ النشر يتضاعف من العقد السبعيني، أما في العقد التسعيني فتضاعف النشر الروائي أربع مرات، بنسب متقاربة لإصدارات كل عام في نفس العقد، وهو مؤشر على خصب وتغير وحظَّ أدباء الجيل التسعيني الذي تأثر بالمتغيرات الداخلية والخارجية الى حد لم يسبق له مثيل.
وأهمها ما تم الترويج له من القيم السياسية والثقافية والتنظير للصراع على الأساس الثقافي كما هو في مؤلفات الأساتذة ودوائر البحث الغريبة، ومنها مؤلف صامويل هنتنجون» الصراع بين الحضارات- الثقافات» 1991م، تلاه عدد من المؤلفات كمؤلف فرانسيس فوكوياما « نهاية التاريخ وخاتم البشر» وغيرها.
السرد الألفيني. دروس معرفية:
وإذا أضفنا ما تم إصداره من روايات خلال الفترة (2010م – حتى كتابة هذه المقالة، وبحدود (16) رواية تقريباً، سيكون إجمالي ما أنجز من روايات يمنية (160) رواية تقريباً، اشتغلت على المجال الاجتماعي بكل تفرعاته ومقترباته (سياسية واقتصاداً وأيديولوجية، وجنساً،.. الخ).
وتتسم كتابات التسعينيين وما يتساوق في المشهد الثقافي من تداول مصطلح «الجيل الألفيني» الذي يعتبر امتداداً للتسعينيين بالإيجاز والتكثيف، وهتك المحظور، والتمرد والتذمر من أساليب الحياة التي يعيشها المجتمع ومؤسساته المختلفة، حتى يصعب على القارئ التمييز بين رواية وأخرى، وأين يتم تصنيفها لتعدد الموضوعات التي اشتغلت عليها، ورغم ذلك نستطيع القول أن منجز الرواية اشتمل على كثير من الموضوعات المتنوعة، أي تعدد المهام الموضوعية في الرواية الواحدة، والقدرة على المزج بين الحقيقية والخيال حتى أصبح البناء الفني عبارة عن أجزاء تتداخل فيما بينها مثل تيمات السيمفونية، ويتشابك فيها الماضي بالحاضر والمستقبل في بناء محكم ودقيق.
فأصبحت الروايات أو معظمها عبارة عن دروس في التاريخ أو المجتمع، وبإمكاننا القول أن «رواية ظلمة يائيل/ محمد الغربي عمران، رواية هفوة / بسام شمس الدين تندرج تحت ما يسمى بالتاريخ الفضائحي، وملامستها لموضوعات أخرى كوضع الأقليات، والعلاقة بين السلطة والمجتمع.. الخ.
والروايات : البدية/ أحمد محمد الأصبحي، سِمّ الأتراك/ عبدالله عباس الإرياني، تصنفان ضمن الرواية التاريخية، وتندرج بعض روايات / وجدي الأهدل، وسمير عبدالفتاح تحت مسمى الرواية المقنعة-متعددة الصفات، وتندرج رواية» رجل الحوت» للأديب/ عبدالله حسين السقاف تحت مصطلح الرواية الأيديولوجية (حوار الأديان) وتصنف بعض الروايات تحت ما يطلق عليه الرواية القصيرة سواء كانت واقعية أو رمزية أو تخيلية أو ساخرة كما هو في رواية مشروع ابتسامة/ سامي الشاطبي.
ومن الروايات مايندرج تحت مصطلحات الرواية الرعوية، الرواية الرسائلية، رواية السيرة الذاتية، الرواية العاطفية، وغيرها من المصطلحات والأصناف.
واخيرا نستطيع القول أن الرواية اليمنية احتلت مكانتها، وتسير بخطى سريعة وثابتة إلى حدّ ما.
الهوامش
1ــ د/عبدالحكيم محمد صالح باقيس، «فتاة قاروت» والريادة الروائية المهمشة»، بحث في: نادي القصة –إلمقه [معداً] «النقاد يصنعون موجة للبحر (صنعاء: اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، ط1، 2008م)،صص470-478.
2ــ سامي الشاطبي، «178 مجموعة قصصية يمنية : خلاصة قصة لم تكتب!!: ببليوجرافيا أجد للمجاميع القصصية اليمنية 1957-2007م)، بحث في: نادي القصة –إلمقه «مرجع سابق» ص144.
3ــ د/ابتسام المتوكل؛ «البدايات التأسيسية للقصة القصيرة في اليمن» بحث في: نادي القصة –إلمقه– «مرجع سابق»، ص ص82-89.
4ــ محمد عبدالوهاب الشيباني» الكتابة القصصية في اليمن خلال سبعة عقود: مقتربات الخطاب وتمظهرات التجييل» ورقة في: نادي القصة- إلمقه– «مرجع سابق»، ص258.
5ــ محمد ناصر شراء، «الإبحار في محيط الصمصام» ورقة في: نادي القصة –إلمقه- «مرجع سابق»، ص441.
6ــ د/إبراهيم أبو طالب؛ «ببليوجرافيا السرد في اليمن (1939-2009م): القصة القصيرة، الرواية، أدب الطفل»، (صنعاء : وزارة الثقافة، 2010م) ص200.
7ــ للمزيد من التفاصيل يمكن الرجوع الى :
– سامي الشاطبي، «مرجع سابق ذكره» ص262، كذلك:
– سامي الشاطبي، [معداً]، محمد عبدالولي سيرة موجعة وكتابة مغلفة بالألم: القصة الكاملة «الحكمة، (صنعاء: اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، العددان 239، 240، أبريل/مايو2006م) ص ص 249-236.
8ــ سامي الشاطبي؛ «المرجع السابق»، ص263.
9ــ د/ عادل الشجاع، «أزمة الذات في الرواية الجديدة»، بحث في : نادي القصة –إلمقه– «مرجع سابق»، ص ص 381 – 382.
10ــ للمزيد من التفاصيل حول التجاور والتجييل يمكن الرجوع الى :
– علوان مهدي الجيلاني، «اصوات متجاورة: قراءات في الإبداع الشعري لجيل التسعينيات في اليمن»، (صنعاء : وزارة الثقافة، ط1، 2010م).
– د/ عبد السلام الكبسي؛ «أيها الشعراء الألفينيون» دمُّون (صنعاء: بيت الشعر، العدد13، ربيع2012م)، صص3، 4. الجدير ذكره أن للكبسي-وغيره- قراءات مبكرة حول أدب التسعينيين، وهي منشورة في الصحف الثقافية، لم يسعفنا الوقت للبحث عنها، لهذا لزم التنويه.
11ــ عبدالناصر مجلي [مقابلة]، «الإبداع في بلادنا مهمل ومحاصر، وروايتي «الحصن» دشنت عصر رواية الجيل التسعيني» حاوره، محمد القعود، (الثورة الثقافي، الإثنين 1/3/2010م).
12ــ للمزيد من التفاصيل حول الببليوجرافيا الخاصة بالرواية اليمنية يمكن الرجوع إلى : د/ إبراهيم أبو طالب، «مرجع سبق ذكره»، ص ص 199- 215.