عقدت مؤخرا الدورة الرابعة لمهرجان المسرح العماني، في ظل التحديات التي تواجه المسرحي العماني، مثل غياب خشبة المسرح، وغياب الفعل التراكمي لدى الفنان العماني، بسبب موسمية الأعمال وعدم تفرغ الفنان، ناهيك عن ندرة الدعم المالي للفرق المسرحية الأهلية، وكذلك مسارح الأندية . ولكن يظل الطموح يلازم الفنان العماني الذي يقترن به، والذي يجعله يعمل جاهدًا لتحسين أدواته والرقي بمستوى المسرح والدراما العمانية.
يشكل المسرح أحد الأنظمة الثقافية الحية التي تستمد مكوناتها من النظام الثقافي الإنساني، وهو له خصوصية مميزة، يصعب اختراقها أو صهرها ضمن بقية عناصر هذا النظام، لكونه يتمتع بشخصية لها مواصفات منفردة (1). وينسحب ذلك على واقع المسرح العماني الراهن، فالمسرح العماني ينطلق من ثوابت ثقافية نابعة من الواقع والتراث والتاريخ العماني، لتزامنه مع النهضة التنموية التي قامت في السلطنة عقب الطفرة النفطية الحديثة واقترانه بكل ما هو أصيل ومعاصر. وتعود البدايات الأولى لظهور المسرح العماني إلى المدارس السعيدية الثلاث قبل السبعينيات؛ المدرسة السعيدية في مسقط، والمدرسة السعيدية في مطرح، والمدرسة السعيدية في صلالة، حيث كانت تقدم فيها عروض أقرب إلى المشاهد التمثيلية من خلال مسرحة الدروس بشكل تمثيلي، إلا أن تلك العروض ظلت مجرد نشاط تمثيلي بسيط.
ويشير بركات أوهاب إلى أن مسرحية (صقر قريش) عرضت في المدرسة السعيدية بمطرح آنذاك، وهي مسرحية تاريخية استغرقت حوالي تسعين دقيقة. ورغم بساطة المشاهد التمثيلية المدرسية، إلا أنها تمثل بداية أولية للنشاط التمثيلي في عمان، وأن طلاب المدارس الذين شاركوا في تقديم هذه العروض المسرحية، هم الذين شكلوا فيما بعد نواة الفرق المسرحية في الأندية التي ازدهرت كثيرًا في عصر النهضة(2).
وبعد عصر النهضة تعددت قنوات المسرح العماني، حيث برز دور الأندية التي كانت تقدم عروضًا مسرحيةً من اجتهادات الهواة، وإن كانت تلك العروض تفتقر للإمكانيات الفنية، إلا أنها زخرت بميلاد نخبة رائدة لمعت فيما بعد في سماء الدراما العمانية. وفي عام 1980 خرجت إلى الوجود فرقة مسرح الشباب وهي أول فرقة مسرحية عمانية بمسقط. وقد تشكلت من مجموعة من الهواة الموهوبين الذين كانت لديهم الرغبة في المشاركة، لذا كانت الأندية الملاذ الأمثل لصقل تلك المواهب. ولقد قدم أولئك الشباب عروضًا مسرحية في المناسبات، وكانت تلك العروض تحمل طابعا كوميديا أو اجتماعيا أو تاريخيًّا. كما اهتمت المؤسسات التربوية، ممثلة في دائرة الأنشطة التربوية بوزارة التربية والتعليم بالمسرح، وأصبحت تحرص على تنظيم المهرجانات المدرسية الطلابية كل عام، والتي تكون بإشراف المختصين من الشباب العمانيين الذين تخرجوا في المعاهد الفنية لهذا النشاط . من جانب آخر، هناك عروض مسرحية متخصصة قدمها خريجو قسم الفنون المسرحية بجامعة السلطان قابوس سابقًا، إلا أن هذا القسم توقف عن استقبال الدفعات الأكاديمية في مجالات المسرح، وتحول إلى تخصص فرعي يمكن للطلاب الذين لديهم الرغبة لأن ينخرطوا فيه ، إلى جانب الأيام المسرحية التي تنظمها كليات العلوم التطبيقية التابعة لوزارة التعليم العالي.
وتقوم وزارة التراث والثقافة بدور مهم في إثراء الحركة المسرحية العمانية من خلال إقامة الملتقيات المسرحية لمسارح الشباب، وتنظيم العديد من الفعاليات المسرحية كالندوات والحلقات التدريبية، وكذلك إقامة مهرجان المسرح العماني كل عامين..
وفي الأسطر التالية نقدم قراءة تحليلية (النص- العرض) للعروض التي قدمت خلال مهرجان المسرح العماني الرابع، وهي كالتالي:
أولا : عرض مسرحية (العرس الوحشي)
قدمت فرقة الرستاق الأهلية مسرحية «العرس الوحشي» للكاتب العراقي فلاح شاكر عن نص مترجم لرواية للكاتب الفرنسي «يان كيفليك» وإخراج خالد الضوياني خلال مهرجان المسرح العماني الرابع . لقد دام عرض مسرحية « العرس الوحشي» قرابة الساعة..وهو يسرد قصة امرأة تعرضت لانتهاكات جسدية في طفولتها. ويشكل الصراع النفسي القاعدة العريضة لانطلاقة الفعل الدرامي في هذا العرض المسرحي، فكأن الشخصيات هي من تصنع الفعل الدرامي حسب تصورها، ولذلك نجد هناك اشتغالاً واضحًا على بناء الشخصيات، والارتكاز على نقاط التحول لديها، كما نشاهد حلقية الحدث الدرامي واضحة من خلال جعل الشخصيات تدور في دوامة (القدر) منذ بداية المسرحية.. وساهم هذا في إضفاء نوع من الرمزية على العرض، كما اقترب من الكوميديا السوداء التي تضمنت كمًا من التناقضات المؤلمة المضحكة من واقع الإنسانية.
وتكشف المسرحية منذ البداية أشكالاً متعددة توضح طبيعة العلاقة بين الابن والأم، كما في المقطع الحواري التالي: (تنقينني من أجل النقود..الأم: كلا بل لأني أمك ..لا لأنك تحبينني… تريدين النقود)(3) … وقد يظن المشاهد بأن هناك مصلحة مادية تربط الرجل والمرأة المثالين فوق خشبة المسرح، ثم تبلورت أشكال العلاقة بين شخصيتي المرأة والرجل بعد عبورهما إلى عالم المأساة، حيث نتلمس وجع المرأة لحظة اغتصابها، وخاصة بعد تلطخ ثوبها بالدماء للدلالة على الاغتصاب: (الأم: لا تلمسني أيها القذر.. الابن: جميلة هذا أنا.. الأم: لست كذلك.. أنت ابنهم .. ثلاثتهم.. الابن: وأنت؟.. الأم: أنا حادثة .. الابن: أمي.. الأم: لا أم لك.. ربما البحر أمك.. وأنا حورية البحر التي رمتك في بطني لتتخلص من عارها) (4).
ويمكن تلمس صور العذاب لدى الأم التي تعاني الكثير في مواقف متكررة كما وردت في النص 🙁 الأم: لم تكن إلا ثمرة عذاب ظالم..فهل هناك من يحب ظلما أو عذابا أنا تحت وطأته ..أعرف ..لا ذنب لك ..لكن ما عساي أن أفعل؟ ..لم استطع أن أكون أمك..كنت عذابا يمزق أحشائي..صرت آلامًا في رحمي تطيل لحظة عذابي حتى الأبد)(5). كما تتضح طبيعة علاقة المرأة بالرجل المغتصب الذي اعتدى عليها، وهي طفلة لم تتجاوز الثلاثة عشر عاما من عمرها، مما جعلها تشعر بالخزي والعذاب في المجتمع ..والتي أنجبت وهي لا تزال في سن المراهقة…وبفعل الضغط النفسي تحولت الأم (الطفلة الصغيرة) إلى امرأة عجوز، ويمكن استنتاج ذلك كما في المقطع الحواري التالي: (ذهبت عني طفولتي بمجيئك ..وجدت نفسي امرأة عجوزا تحمل عارها وعذابها.. الابن: كنت عذابك.. الأم: وعاري)(6)، وبالمثل تبرز معاناة الابن عندما يتحدث عن خروجه إلى العالم وهو لديه شعور بالذنب نتيجة ارتكابه للرذيلة، فهو ابن سفاح ينبذه الناس، وهو مصدر للعار (الابن: في مخزن الغلال تعودت ظلمته.. وإذا ما تسللت الشمس أخافني ضوؤها.. اذكرها خارج المخزن.. كان فرنا كبيرا ذاك الذي أردت قذفي فيه.. منعك أبوك ومنع الخبز عني.. لم يكن يحبني)(7) . كما يتضح التوتر بين الابن والأم خاصة عند ارتباطها بالصحفي(الرجل الآخر) ، حيث تؤكد الأم في البداية صدق مشاعرها كأم نحو ابنها (الأم: أحبك .. أحبك يا ويلي لكني لا أعرف كيف أحبك.. أنت أكبر مما حلمت به.. لن نفترق.. الموت.. لا موت هناك ما دمت أحبك)(8)، ويتكرر استنكار الابن من زواج الأم بالغريب لكي تتخلص من العار:( كنت اعرف أنك تزوجت لتتخلصي من عذاب أهلك، وتوقفي العار عند سد الماضي..كنت أميته… اقتله في خيالي وأقتل نفسي معه لترتاحي منا جميعا وتصبحي سعيدة.. كنت أتألم حيث استيقظ في الصباح وأرى نفسي تتنفس.. كنت خائبًا وما زلت)(9). كما تتغير العلاقة بين المرأة والرجل عندما نجد الابن وقد أصبح رجلا بالغًا، يحاول التعرف على امرأة أخرى تكبره سنًا: (الابن: ما زلت صغيرة وعذرا إذا ما طال الحديث.. فنحن المراهقين نعشق عادة من هن في سن أمهاتنا.. الأم: هل أمك في مثل عمري؟… الابن: بل أنت أكبر منها قليلا)(10).
أما على مستوى الأحداث وتطورها فقد اعتمد على خيال الممثل الذي مكنه من التمسرح وقيامه بأكثر من دور، ويمكن تلمس ذلك في الحوار السردي التالي: (الأم: تأخذ دور حنان ابنة الخالة.. الابن: ركب السندباد البحر.. أخذ سفنه.. وأسأل حنان ما السفينة؟.. الأم: صندوق من الحديد.. الابن: والصندوق؟.. الأم: أخذ سيفه.. ومعه الجنود والمدافع ووصل الشاطئ .. ودارت المعركة)(11).
بالنسبة للرؤية البصرية لهذا العرض فقد حاولت الولوج إلى عالم الشخصيتين الداخلي، من خلال التركيز على نقاط التحول لديهما، فالبدء كان مع الولادة، وتبيان طبيعة العلاقة بين الأم والابن ، ليتضح بأن العرس الوحشي كان سببًا في تحديد مصيرهما، واستغل المخرج ذلك، حيث وضع القدر على النار مما أعطى جمالية للعرض… كما حاول تبسيط الديكور وركز على منطقة الوسط.. أما اليمين فقد وضعت عليهما، بعض القطع الحديدية، التي تحولت بعد ذلك إلى سجن ثم إلى منزل .. كما ان هناك توظيفًا رائعًا للإضاءة ساعد على تجسيد اللحظة الزمنية التي مكنت الممثلين من الانتقال من مشهد إلى آخر. فضلا عن ذلك، هناك اشتغال واضح في هذا العرض على الممثل (الابن)، والذي شخص الدور بطريقة تتقارب مع النص، وأعطاه إحساسًا بالمعاناة والألم، وجعل الممثل يبذل مجهودًا كبيرًا لقرابة الساعة، وكان يفضل أن يجعل المخرج الشخصيات تنقسم إلى أكثر من شخصية، فبدلاً أن تقوم شخصية واحدة بدور الأب والجد، يؤدي الدور شخصيات أخرى. وهذا من شأنه أن يقلل الضغط على الممثلين، من خلال ظهور شخصيات أخرى على الخشبة. أما بالنسبة للمؤثرات الموسيقية في العرض فقد أراد المخرج أن تتقارب مع روح النص العالمية، كونه نصا مترجما، حيث تم إدخال الموسيقى العالمية (ياني)، فيما وظف العرض الموسيقى التقليدية مثل فن (يا مال) وهو فن من الفنون البحرية المرتبطة بالتراث العماني، إلى جانب المؤثرات الصوتية كالريح ونسيم البحر وصوت تلاطم أمواج البحر. ولقد استغل المخرج الباخرة العالقة في النهر لتكون بمثابة الخشبة التي يقدم العرض عليها.
ويمكن القول: إن عرض مسرحية(العرس الوحشي) يعج بأشكال الصراع المختلفة مع الذات، على الرغم من محاولة الكاتب كسر الحوار السردي بالإحالة إلى التمسرح، التي خدمت العرض وساعدت على تركيز الحدث المسرحي، حيث تظهر شخصية الأم وهي تعاني تأنيب الأسرة والمجتمع كونها (امرأة) ارتكبت ذنبًا لا يغتفر! …بينما ابنها يعيش معاناة عدم تقبل الآخر له….لذلك فهو في صراع دائم مع نفسه، وبذلك استطاع هذا العرض أن يكشف النقاب عن الكثير من القضايا التي يعج المجتمع العربي بها، وما يتضمنه من قضايا لا تزال بعد في طي الكتمان مثل التفكك الأسري، افتقاد الأسرة للعاطفة الصادقة بين الزوجين، وطغيان المادة على الناس. ولقد ولد النص صورًا مختلفة ساعدت المشاهد على الإحالة على واقعه المتشرب ببعض العادات التي تقمع الجوانب الإنسانية لديه، وهي بالدرجة الأولى تمجد الرجل(الذكر)، وتقلل من قيمة المرأة(الانثى) على اعتبار أنها من يتحمل تبعات ارتكاب الخزي لوحدها.
ثانيا : عرض مسرحية (البيت الكبير)
لعل من الأمور التي شغلت بال المسرحيين العمانيين في الآونة الأخيرة، هو إمكانية تفعيل دور بعض الفرق المسرحية ، وإشعال روح التعاون والتنافس بينها، وفي مهرجان المسرح العماني اتحدت فرقتا الصحوة واوبار المسرحيتان، لتنتجا عرضًا مسرحيًّا بعنوان (البيت الكبير)، والذي احتضن بأفقه الواسع إبداع المسرحيين من شمال وجنوب سلطنة عمان.
ويتحدث العمل عن كبير التجار(هلال) الذي يتمتع بثراء واسع، وبروح إنسانية عالية، جعلته يحظى بتعاطف الناس معه بعد تعرضه لخسارة مالية كبيرة، كما يتضح من المقطع التالي: (ضيف1:والله إن الكلمات لعاجزةٌ عن التعبيرِ عن مشاعرنا تجاه كرمك الذي أغدقتنا به، ليس هذا وحسب بل وشهامتك ورفعة أخلاقك ونخوتك.. هلال: لقد أكرمنا الله بالإسلام فدخلناه طائعين مسالمين، فأغدق علينا المولى بالنّعم الوفيرة، ولعمري فما فعلتُ إلا ما تقتضيه عاداتنا وتقاليدنا أن نفعله)(12). ويتضمن النص الصفات الإنسانية المتضادة التي يتصف البشر بها، مثل: الصدق الأمانة الطمع والاحتيال والجشع والحقد والحسد وذلك من خلال تجسيد الصراع الدائر بين الشخصيات الخيرة والشخصيات الشريرة التي تسعى للإيقاع بهلال (الشخصية الرئيسية في العمل) ، وهذا بدوره ساعد على دفع الأحداث نحو الذروة، ويتضح ذلك من الصراع الناجم عن تضارب المصالح، ويمكن أن نتلمس ذلك من المقطع الحواري التالي: (ناصر «يُقحم نفسه» نعم لقد صدق أخي هلال (يثير بعض الاستغراب من الجميع بأسلوبه الذي يظهر عليه الرياء والذم المغلّف في صورة المدح» هلال هذا أبيُّ النفس ، كريم الخصال ، وفيُّ الذِّمم ) (13).
مما يحسب للعرض أن المخرج اشتغل على الرؤية الإخراجية، وطوى صفحة النص جانبًا، وبدأ ينسج عملاً آخر من واقع تجربته الإخراجية، حيث أسدل الستار على النص الواقعي.. مع الاحتفاظ بالقيم النبيلة التي تعبر عما يدور في نفوس وبواطن الشخصيات التي افتقدناها في عصرنا الحالي، كما استطاع المخرج أن يحول ذلك الموضوع إلى عمل مسرحي، يمتع الجمهور ويجعله يتابع عملاً مسرحيًّا ركز على إبراز المتناقضات البشرية. وهناك مزاوجة واضحة في الحوار بين اللغة العربية واللهجة المحلية ، وربما كانت تلك المزاوجة ناجمة عن ارتباط العرض المسرحي بتفاصيل البيئة الساحلية، ويمكن أن تلمس ذلك من خلال حوار هلال: «بإذن الله ستقلّكم السفينة الهديّة إلى بلدكم مزوّدة بالمؤونة اللازمة وبعض الهدايا وسفينةٌ أخرى ستفترق عنكم بعد قليل يرأسها مسعود لتتجه للإتجار في الهند وسيلان وآسيا الصغرى ..نسأل الله السلامة لكم .. «مع لحظات الوداع ، فن بحري، وإقلاع السفينتين، واحدة للضيوف والأخرى للاتجار يقودها مسعود»(14).
كما خلا العرض من الشعر النبطي والأمثال الشعبية والفنون التقليدية المغناة التي تضمنها النص، واكتفى ببعض الألحان التراثية الظفارية. ومن اللافت للنظر على العرض غلبة الحوارات السردية الطويلة، واختزالها في حوار مكثف، ربما جاء إيراد تلك الحوارات، لأن معظم الأحداث وقعت في بيئة ساحلية، حيث الصيادين والشباك والحبال والقوارب.
مما لا شك فيه، أن ميل النص إلى الالتزام ببيئة الحدث ميزة، أدى ذلك إلى تماهي الحدود المكانية والزمانية للحدث الدرامي. كما سعى العرض إلى كسر الجدار الرابع، عندما تداخلت أحداثه مع صالة المتفرجين، وهذا جعل المشاهد يبحر في عالم الشخصيات، حيث قرية الصيادين وصراع البحارة مع بعضهم، وجعلهم امتداداً للقرية وتفاصيلها المثيرة .
بالنسبة للسينوغرافيا العمل استطاع من خلاله المخرج أن ينسف الجانب الواقعي الذي رصده الكاتب في النص من خلال تجسيد البيئة الساحلية والمسجد والمدرسة والمقهى الشعبي والدكاكين والسفينتين الكبيرتين. مع الاكتفاء ببعض الحوارات السردية، مع تجريده من الديكور الواقعي والاكتفاء بالأشرطة المدلاة من أعلى خشبة المسرح . وبالإضافة إلى البعد البصري لتلك الأشرطة القماشية، فإنها حملت دلالات رمزية أيضا …جعلت المشاهد يستمتع بالعرض المسرحي، الذي قام الممثلون أبطالها بدور كبير في محاولة لتحديد مواقع الحدث الدرامي، ومحاولة التنويع في اللعب على أكثر من منطقة مؤثرة على خشبة المسرحية. حيث تضمنت الخشبة مستويين، المستوى الأعلى والمستوى الادني..
إلى جانب ذلك، فقد ساعدت الأشرطة المدلاة من أعلى المسرح على خروج العرض المسرحي من بوتقة حرفية النص، وتجريده من بيئته الساحلية المحلية، وفي ذات الوقت جعلته غارقًا في الشتات، نتيجة حواراته وطبيعة شخصياته، والتي كان من الأفضل تقديمها بصورة تلقائية وبسيطة لا تحتمل الرمزية أو التأويل. كما ساعدت الموسيقى في العرض على رفع إيقاع العمل، مع محاولة إضفاء إحساس بالبيئة الساحلية، والتعبير عن معاناة الشخصية الرئيسية في العمل بعد تعرضها للخسارة.
ثالثا:عرض مسرحية (ماذا حدث بعد ذلك)
حاولت عروض مهرجان المسرح العماني في دورتها الرابعة مناقشة قضايا محلية، إلا أن بعض منها حلق بعيدًا عن السرب نحو القضايا القومية كما هو الحال في عرض مسرحية (ما حدث بعد ذلك؟) لفرقة الشرق المسرحية، وهو من تأليف هلال البادي وإخراج حسين العلوي .
والمتابع لعرض مسرحية (ماذا حدث بعد اليوم) يجد هناك تمازجًا واضحًا بين الأحداث والشخصيات والأزمنة والمكان، فيما اتسمت معظم شخصياته بالنمطية باستثناء شخصية (المؤلف)، الذي كان قابلاً للتغيير والتحول بما يتناسب وطبيعة الأحداث التي يصنعها، ولكنه في ذات الوقت لم يحدد مكانًا أو زمانًا بعينه، وهو لديه قضية يريد إيصالها للجمهور.
فضلا عن ذلك فإن هذا العرض اعتمد بشكل كبير على الأداء التمثيلي، الأمر الذي جعل إيقاع العمل يهبط قليلا، كونه يعتمد على ممثلين هواة، باستثناء الشخصية الرئيسية التي قدمت دورها بشكل مرض. وبالطبع ضعف قدرات الممثل يعد عيبًا واضحًا في معظم العروض المسرحية المقدمة بشكل عام. وتدور أحداث المسرحية حول المؤلف الذي يقوم بصنع الأحداث ورسم الشخصيات فوق خشبة المسرحية أمام الجمهور، وهو يتساءل ماذا حدث بعد هذا اليوم؟ ..وتظهر شخصية المؤلف كشخصية رئيسية تقود الحدث وتحرك الشخصيات، ويمكن أن نوضح ذلك كالآتي:
( ماذا حدث بعد ذلك؟..لا أعرف سوى أنك أعطيتني فكرة مفادها أنك ستكتب مسرحية فنتازية أو شيئا من هذا القبيل وبها إسقاطات) (15). وفي أحيان كثيرة يتداخل الجمهور مع شخصية المؤلف على اعتبار أنه أيضا من صنع خياله، كما يوضح المقطع التالي: (الزوجة: المسرحية في ذاكرته الحزينة..وما أنا سوى زوجة أو حبيبة… كلموه.. هو اخبروه انه فاشل… الجمهور: كاتب فاشل… كاتب فاشل)(16). وبشكل عام فإن المسرحية قائمة على فكرة تعدد الأدوار وتداخلها، حيث كان على الممثلين أن يتقمصوا الأدوار، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال شخصية المؤلف والزوجة وتقمصهما لأكثر من دور.
كما يعكس الحوار التالي التحول السريع في الأدوار بين الشخصيات بشكل عام : « المؤلف الممثل: هل هذا الوجه يمكن أن يخبئ رجلا كالذي تتحدثين عنه..الزوجة الممثلة: اضحك علي بكلامك هذا … الرجال كلهم لا مأمن لهم»(17) . وقد يتحول الحوار السردي إلى حوار سياسي: «الزوج : لم أعهدك جبانة هكذا..لا أحد يتحدث في السياسة هذه الأيام سواك أنت»(18)، «الزوجة: كلكم تعبثون أنت وهم…تبيعني من أجل قضاياك.. ويبعوننا من أجل قضاياهم.. المؤلف: سأوقفهم.. سأتبعهم وأكتب نهاية جديدة… أرجوك كوني إلى جانبي»(19) .
وسعى هذا العرض لتعرية أشكال الفساد التي يمكن أن تظهر في المجتمع: «البقال: ليس مجنونا، إنه ولد فاسد..يريد لنا أن نكف عن التذمر ونقوم بشيء مفيد..بائع السمك: والمفيد كما يراه أن نفعل شيئا .أن نتحرك في المدينة ونحررها من تسلط شيخ التجار»(20) . وفي مقطع آخر : « بائع السمك: إذا كان يريد سمكا طازجا، فاخبره إني أقدمه بأفضل الأسعار …البقال ومن أين لك بالسمك الطازج وشيخ التجار يجرف البحر لشركاته..وزبائنه الأغراب»(21). كما تظهر مقاطع حوارية أخرى تماهي شخصية الكاتب مع الشخصيات الأخرى وهو يتحاور معها، كما في المقطع التالي: «بائع السمك: إنك شخص غريب في هذه الضاحية ..وما يزيد غرابتك كلامك هذا …المؤلف: لن تصدق إن قلت لك بأني كاتب»(22). كما يتضح ذلك في مقطع آخر: «البقال: بل هو شخص مجنون..يدعي بأنه كاتب..وبأننا شخوص مسرحيته..وبأن هناك جمهورا يرانا الآن، وما نحن إلا ممثلون»(23).
كما تظهر سطوة المؤلف على الأحداث في مقطع حواري آخر عندما ترتفع نبرة صوته: «يا ويحي..هذه المسرحية لن تنتهي على خير.. كيف سأخرجه من هذا المأزق؟..وكيف سيكتب هذه المسرحية التي يئست منها؟ لكنه يستحق هذا الأمر.. لقد سمعتموه بأنفسكم كيف أنه يريد أن يعرف ماذا حدث بعد ذلك؟»(24). كما هناك انتقادا واضحا لوسائل الإعلام العربية وعلى رأسها الصحافة كما في المشهد الذي يلتقي الشرطي فيه مع الطبيبة: «ولكني أشعر أنها قديمة..كانت أخبارها ومقالاتها تبدو جديدة بالنسبة لي…الشرطي: هذه ميزة من مميزات الصحافة لدينا، إذ دائما ما تبدو الأخبار وكأنها وقعت للتو .. المهم» (25). إلى جانب ذلك، يفصح النص عن الهم السياسي المتشرب بالهموم اليومية للناس، ويبرز ذلك في أكثر من مقطع: «الأمر لا يتعلق بالسياسة أو الاقتصاد ولا أي تفاهات مما ينشرونه هذه الأيام في عقولكم» (26). وهناك إشارة إلى اعتقال الناس على اعتبار أنهم مجرمون سياسيون ومتمردون وهم أبرياء: «شيخ التجار: ظننا أنك أمسكت بالمجنون هذه المرة، أليس كذلك؟.. الشرطي: خلناه هكذا في البداية يا شيخ التجار.. وعندما تأكدنا أنه ليس المجنون المطلوب عرفنا أنه شخص يعد لمؤامرة كبيرة والمجنون؟ هل أمسكتم به؟»(27).
ولما كان «صوت المؤلف» هو البطل الأول في هذا العمل، فإن العرض لم يسلم من النقلات السريعة التي كانت بمثابة مونولوج طويل مهد للانتقال للمشهد اللاحق، كما في المقطع التالي: «ليس هناك حدث قد يجعل الجمهور الكريم قادرا على المتابعة .. وما الحل؟ أريد حلا.. لو أني فقط أتذكر ماذا حدث بعد ذلك؟»(28). ويبرز ذلك التداخل في مقطع آخر: « الشرطي: لا ..لن تذهب إلى أي مكان..قف بهدوء وسلم نفسك أيها المجنون…المؤلف : ماذا يحدث ..من أنت …كيف أتيت»(29).
بالنسبة للسينوغرافيا في هذا العرض فقد حاولت جاهدة منافسة صوت المؤلف، ولكن قدراتها ظلت محدودة، حيث إن الإضاءة لم تخدم العرض بشكل كبير، فيما ساهم الديكور العام للعرض على فصل الزمان والمكان ووقوع الأحداث.. وهكذا يتضح بأن المسرحية تفاوتت في أبعادها الجمالية، ولكن صوت المؤلف ظل رافعًا رايته حتى آخر لحظة، لذا فإن هذا النوع من المسرحيات يكون أقرب ما يكون إلى المسرحيات التي تمتع عين القارئ، أكثر من عين المشاهد، وهذا ليس عيبٍا، ولكن هناك نوعًا من النصوص التي تحتفي بالفكرة أو الموضوع، فيما يصعب عرضها على الخشبة .
رابعا: عرض مسرحية (الخوصة والزور)
قد يتساءل المشاهد ما الذي بقي في ذهنه بعد مشاهدته لعرض مسرحي معين؟ وما العناصر الأكثر أهمية بالنسبة إليه؟ وهناك تفاوت في قوة وصدق العناصر التي قد تجذب المشاهد لعرض مسرحي ما، فقد يكون الموضوع أو القصة الذي يتصدر القائمة، وقد يتأخر، بينما قد يتصدر عنصر الفرجة البصرية كما هو الحال في عرض مسرحية (الخوصة والزور) لفرقة مزون المسرحية، الذي قدم خلال فعاليات مهرجان المسرح العماني الرابع، وهو من تأليف موسى البلوشي وإخراج يوسف البلوشي.
بدأت المسرحية بلوحة راقصة تظهر العميان وهم يتمايلون ويتراقصون على الألحان الشعبية، ويقرعون الطبول ويعزفون على العود أعذب الألحان، رغم أنهم (عمي) لا يرون نور الشمس ولا يتواصلون مع الآخرين خارج العريش أو المنفى بالأحرى. وربما هذا جعل العرض يحمل نوعًا من الرمزية، ليصور معاناة الناس في ظل أنظمة سياسية تقمعهم وتجعلهم لا يرون الحقيقة كما يجب أن تكون.
منذ البداية ضم عرض مسرحية (الخوصة والزور) بين جنباته عملاً مسرحيًّا محليًّا، فيه اشتغال واضح على عناصر البيئة العمانية، حيث (الزور والسعف) الذي طوق خشبة المسرح، إضافة إلى القناديل والحبال …ولقد تكاتفت جميع هذه العناصر لصنع بيئة محلية مستوحاة من الواقع العماني بكل تفاصيله، حيث هناك إناء فخاري وأوراق شجرة الحناء والحبال او الخيوط التي تتدلى من أعلى المكان التي يتخذها العميان وسيلة للتنقل بين أركان المكان، خوفًا من الضياع الذي يلاحقهم، لأنهم أصبحوا رهينة للعريش والظلام والحزن وكأنهم في سجن حتمي يصعب الفكاك منه. كما استخدم العميان العصي لتكون دليلا لهم لشق طريقهم وسط العتمة، إضافة إلى استخدامها وهم يتراقصون مع الألحان الشعبية. وأضفت الإضاءة جمالية جعلت المشاهد يستمتع بتفاصيل المكان، فيما ساهمت ألألحان الشعبية في عزف مقطوعة موسيقية …بدلا من الاعتماد على المؤثرات الموسيقية العامة، كما ساهمت الأزياء المحلية العمانية في رسم تفاصيل البيئة المحلية التي عاش فيها العميان.
بالنسبة للموضوع فهو يتحدث عن ثلاثة عميان أصيبوا بمرض العشى الليلي، اعتقادًا بأنه مرض معد فقد تم عزلهم في منطقة محاطة بالسعف أو العرشان لا يتخللها ضوء الشمس. وقد حمل العرض المسرحي نوعًا من الرمزية، حيث إن وجود العميان ضمن منطقة محدودة، يجعلهم يشعرون بأنهم منبوذون، ولا يوجد من يأخذ بيدهم، وأن هناك عدوى بدأت في الانتشار بينهم حتى الذي كان بصيرًا عندما وصل إليهم …فقد بصره ؟!!
ويمكن القول إن هذا العرض جنح في بعض مواطنه من دائرة الواقعية إلى الرمزية، حيث تجسد منطقة العميان منطقة تغيب شمس الحرية عنها، وخاصة عندما يعلن أحد العميان عن توليه منصب قيادة المجموعة، ويبدأ بممارسة أفعال ديكتاتورية . وهذا أدى هذا إلى انتشار الجهل والتحكم بهم، وزرع الخرافة بين العميان، وساهم في توطيد الاستبداد والخوف بينهم.
بالنسبة للأداء التمثيلي في هذا العرض فقد جاء متفاوتًا وقد استطاع الممثل الشاب (عبدالحكيم الصالحي) أن يؤدي دوره بشكل كوميدي خفيف جعل الجمهور يتعاطف ويتفاعل معه… فيما جاء أداء باقي الممثلين متفاوتًا والذي حظي بمشاركة كوكبة من الشباب أمثال الفنان مشعل العويسي، زينب البلوشية، عبدالله البوسعيدي، وحاتم السعدي وغيرهم.
استطاعت الإضاءة إضفاء لمسات جمالية بديعة على هذا العرض ، تسللت إلى ذوات الشخصيات التي ظلت تعاني حتى آخر لحظة، وخاصة عندما حاول الغريب زحزحة فكرة العمى من أذهان العميان، ولكنه لم يفلح في ذلك، وبدلا من ذلك يتسلل العمى إلى عينيه. مما شك فيه، إن إظهار مرض فقدان البصر بهذا الشكل يحتمل التأويل، خاصة عندما يجعل المؤلف العمى معديًّا، مثلما يجعل الجهل معديا هو الآخر، وكذلك الاستبداد والشر. وتنتهي المسرحية بسقوط الممثل في البئر، كما تسللت شخصيتان ترتديان ثوبًا أسود إلى المسرح ، إشارة رمزية إلى الموت، واللتان تقومان بتنصيب الأعمى ليكون زعيمًا للعميان، وكأنما قدر العميان ألا يحكمهم إلا أعمى مثلهم، يكون على شاكلتهم.
خامسا : عرض مسرحية (الرزحة)
في عرض مسرحية (الرزحة) لفرقة الفن الحديث انتصر الخيال على التاريخ أو التراث المروي ليرسم أحداث من نسج خياله مؤلفه عبدالله البطاشي، ويعيد إخراجها جاسم البطاشي. ولقد انتظرت هذه المسرحية طويلاً قبل أن تقدم في مهرجان المسرح العماني الرابع، حيث لم يحالفها الحظ سابقًا للمشاركة في دوراته السابقة. ولقد اعتمدت هذه المسرحية على (فن الرزحة) بغية استرجاع التاريخ بصورة جمالية تمزج الماضي بالحاضر، كما تستنهض المسرحية الروح العمانية التي يسودها التكافل والتضامن ضد العدو الخارجي عبر التاريخ.
من الملاحظ من خلال المقدمة بأن الكاتب يريد أن يداعب التاريخ قليلا، ولكنه لم يلبث أن يحلق بعيدًا وينسج من واقع خياله أحداث تعبر عن حياة الصيادين والنساء والمزارعين في ظل الاحتلال البرتغالي الذي سيطر على السواحل العمانية ردحًا من الزمن…وهذا جعل المشاهد يسترجع أصداء المعارك التي دارت المعركة بين العمانيين والبرتغاليين في الماضي، ويحمد الله على نعمة الأمن والأمان في الوقت الحاضر. ومما يحسب للعرض إبرازه لدور المرأة العمانية التي كانت تقف في الميدان مع أخيها الرجل، حيث رسم المؤلف شخصية(عزة) وهي تقاوم الاحتلال والغزاة…ويمكن رصد ذلك من خلال المقطع التالي: «عزة: مكانك ..أحذر أن تعبث بأصابع الحقيقة ..فلا يتطاول أمثالك إلا في غياب الرجال ..الضابط: من أنتم ؟ وكيف تجرأتم على مخاطبة ضابط برتغالي يمارس مهام عمله بهذه الطريقة؟»(30).
وفي المقابل فإن قيام المرأة العمانية في عرض مسرحية (الرزحة) بدور بطولي، جاء أقرب إلى الشخصية الأسطورية التي تستطيع تحقيق المعجزات بشكل مبالغ فيه، خصوصًا عند مبارزتها للجنرال البرتغالي والانتصار عليه!… إذ كيف تستطيع امرأة أن تبارز جنرالاً عسكريًّا وتطرحه وتركله بقوة ليتدحرج أرضًا، كما ورد في المقطع الحواري: « بل ستكون حماقة إن رفضت، وسأقودك إلى الرجال حتى يعلموك الأدب. بعد إن لم يكن فيك قبل ذلك»(31). ولعل ظهور المرأة بتلك الصورة، يجعل المشاهد يشعر بصعوبة تصديق أنها تستطيع الانتصار على قائد عسكري مجرم حرب؟!.. ولعل ذلك يعود كونها أنثى، لها تركيبتها البيولوجية الخاصة التي يصعب تجاوزها… وحتى لا نقع في نفس التهويل والمبالغة التي وقعت السينما الغربية فيها، عندما ضخمت صورة المرأة، بالطبع بعد استخدامها للخدع البصرية وتوظيف التقنية، خاصة في أفلام الخيال العلمي التي تظهر المرأة فيها، وهي تقوم بأعمال بطولية جسمانية تضاهي أضعاف قوة الرجل. ومن ناحية أخرى، برزت (المرأة) بصورة جمالية عندما تحولت إلى رمز مهما بلغت قوتها!… وذلك عندما تخاطب عزة ناصر: «عزة : لقد حان وقت الرحيل يا ناصر.. على الذهاب قبل أن يسرج القمر جواده… ويغادر حديقة السحاب.. ناصر: عزة .. كوني هنا قليلا… حتى يتموسق البقاء بين ضلوعي وأنفاسي.. ناصر: الأرض تبكي.. وما زالت..عزة: دع الأقدار تمارس إحكامها.. فربما هذا البكاء هو بوابة العبور إلى ساحة الابتسام»(32).
ويمكن القول بإن ظهور المرأة بصورة رمزية في هذا العرض، كان بهدف الإيحاء بالأرض أو الوطن التي يتشبث القائد العماني ناصر بها. إلى جانب ذلك نجد شخصية المرأة هي المهيمنة على العرض المسرحي، بينما تظهر شخصية الرجل (ناصر) وهي تعاني وضعيفة الشخصية؟!…ولم يسلم العرض من الاسقاطات السياسية، كونه حاول ملامسة حقبة تاريخية مهمة في تاريخ عمان، ويتضح ذلك الاسقاط من خلال الخطط التي رسمها الأعداء للإطاحة بالشعب العماني بعد اختلاق القلاقل الداخلية، حتى يسهل السيطرة عليهم، كما في المقطع التالي: ( الجنرال: المشكلات ..فقط المشكلات …نريد أن تكون الأماكن متوترة..سرقات ..جرائم مختلفة ..حرائق كل شيء ..يجبر السكان أن يطلبوا مساعدة الجيش البرتغالي. وفي نفس الوقت يعترفون بقوتها وسطوتها ..وأهمية بقائنا على هذه الأرض)(33). كما سادت في المسرحية روح الائتلاف والتوحد بين الشعب العماني من خلال تصوير المشهد الغنائي الشعبي الذي تظهر النساء والأطفال فيه: «الولد : إنهم جنود الاحتلال ..لقد داهموا المكان وحاصروه – المرأة : حسنا ..أذهب إلى حيث الرجال واطلب المساعدة ..إننا نخشى عليك. فالوطن بحاجة إلى شجاعتك ورجاحة عقلك في صفوف المقاومة النسائية.. وإنا على استعداد للتضحية»(34). وفي مقطع آخر : «عزة: اتركوا هؤلاء الأطفال…إنهم أصحاب الأرض…لا غرباء ..لا دخلاء لا مرتزقة ..عليكم اللعنة…الجنرال: اخرسي»(35).
كما يتضح رغبة العدو البرتغالي في السيطرة على الشعب العماني من خلال المقطع التالي: (الجنرال : نعم وقد قمت ببعض التدابير …أصدقاؤنا التجار الآسيويون والأجانب يتعاونون معنا ..من أجل تجنيد بعض الشباب الساعي للمال وراحة البال ..وبالأمس قد وظفنا أحدهم ) (36). كما تبرز مقاومة الاحتلال من قبل المقاومة العمانية كما في المقطع التالي: (الضابط: تحركات مشبوهة في المناطق الداخلية…يقودها رؤساء القبائل..باريرا: ماذا تعني بالمشبوهة؟…الجندي: اجتماعات..ومشاورات تحت سقف واحد…التقارير تؤكد بأن الأمر على غير طبيعته…باريرا: هذا أمر مقلق..فتصالحهم يعني بأن خططنا معرضة للإخفاق فنحن نتعمد على تشتتهم ومشاكلهم التي نحاول تفعيلها باستمرار) (37).
ولعل من المشاهد الجمالية التي أضفت على الرؤية البصرية ملمحًا عمانيًّا المشهد التعبيري الذي رسمه المؤلف كالآتي(38): « يظهر فيه ناصر وهو يمارس الطقوس الحركية التي تمارس في «فن الرزحة»… يرتفع صوت الرزحة من بعيد مقتربًا …تحيط بناصر مجموعة من الأرواح الشريرة؟… ناصر يمسك بالسيف… يقفز عاليا.. يدور في كل الاتجاهات… يحضر الترس العماني التقليدي… يصارع الهواء.. وكأنه يحارب ثلة من الأرواح الشريرة التي تهاجمه من الخلف.. الأرواح تحاول النيل منه… ناصر يقفز هنا وهناك… يجندل الأعناق المتقافزة في الفراغ..يصارع الهواء».
كما كانت الأزياء العمانية التقليدية من العناصر المهمة في هذا العرض التي ربطته بالماضي، حيث الذكريات والبطولات التاريخية، فيما تناوبت الألحان الشعبية من خلال (الرزحة) لتأكيد هوية العروض العمانية، إلا ان طول مدته والحوارات السردية الطويلة، جعلت إيقاع العمل يهبط قليلا… فيما حاول المخرج جاهدًا كسر الملل في النص من خلال تغليفه بروح التراثية (الرزحة) ، حيث عالج قضية الصراع مع البرتغاليين فنيًّا، وجعل الفن يطغى على روح النص التراثية.
سادسا:عرض مسرحية (الكهف)
إن المتابع لعرض مسرحية (الكهف) لفرقة الفن الحديث يتداعى لذاكرته المسرح الذهني الذي فجره توفيق الحكيم من خلال مسرحية (الكهف)، حيث نجد المسرحية غارقة في دوامة الحوارات الأيديولوجية الطويلة، بغية توضيح الاختلافات بين العلم والخرافة. وذلك من خلال تسليط الضوء على شخصيات تعاني داخل الكهف أو العالم. وهم في معاناتهم تلك يتقاربون مع معاناة (سيزيف) في قصته الشهيرة عندما حاول دفع الصخرة للخارج..وهناك شخصيات أخرى بمثابة الرموز التي جسدت العلم والمال والفلسفة والدين، إلى جانب الشخصيتين الأخيرتين اللتين تعانيان من ظروف الحياة الصعبة.
منذ الوهلة الأولى فإن المتابع لأحداث مسرحية (الكهف) يجد أنها تتضمن ومضات سريعة عن الواقع، وما فيه من قضايا محيرة شغلت أذهان الناس في العصر الحالي، ويمكن استنتاج ذلك عندما يتحدث الثري: (احتباس حراري..طبقة الأوزون..ذوبان الثلوج ..غليان المحيطات…انفجارات..نهاية بشرية ..التحولات الجينية) (39). ثم لا تلبث المسرحية أن تحدث نقلات سريعة في حياة الشخصيات، حيث يدور حوار جدلي بين العالم والثري أو رجل المال: (العالم : لا تبدأ هذا النقاش العقيم مرة أخرى، لقد أقنعتك بلغة العلم، الأبحاث والأرقام والإحصائيات والتقارير…الثري: وسيخلد اسمي بين العظماء ..أعرف ..أعرف ..لقد أسمعتني هذا الموال الأخرق آلاف المرات، ما فائدة أن يذكرك الناس ويكرموك عندما تكون تحت الأرض لا فوقها ) (40).
وفي مقطع آخر تتصارع لغة المال والعقل والعاطفة بين الشخصيات الرئيسية في هذا العرض مما أوجد صراعًا فكريًّا وذهنيًّا بينها: (العالم: لا أعلم.. أنا لا أعرفهما فوجئت بهما عند باب الكهف فأبت علي إنسانيتي إلا ان أنفذهما.. لم استطع تركهما… الثري: يا للعجب ظننتك لا تفهم إلا لغة الأرقام والعلم وليس لديك مكان للإنسانية والمشاعر التي تعتبرها أهم نقاط ضعف الإنسان.. العالم: أنا إنسان قبل كل شيء.. ثم لا تقلق لدينا من الطعام والشراب ما يكفي لستة أشخاص)(41)، (العالم: لا تقلق فقد أخذت احتياطي.. العالم الحقيقي يضع دائما احتياطاته تحسبا لمفاجآت غير متوقعة»(42).
إن هناك تجسيد النظام الرأسمالي وهمينته على العالم، ويمكن توضيح ذلك من خلال السكيرين اللذين يرفضان عبودية المال ويبحثان عن الحرية في ظل ذلك النظام . كما تضمنت المسرحية جدلاً آخر عندما دار حوار بين السكيرين والعالم والثري في الكهف بالمصادفة، ويبدأ الكل يفسر الموقف من وجهة نظره هو كالتالي:(السكير : لابد أنكم من غزاة الفضاء أو المتحولين …(الثري : اشرح لهم يا حضرة العالم …العالم : لقد أخذت أشهرا لأقنعك مستعينا بالأبحاث والتقارير والأرقام)(43)، (السكير: وما الفرق عبودية هنا ..وعبودية هناك ..سأبقى هنا حتى ينتهي ما عندي من مشروب وبعدها أفكر ..العالم : حقائقي وعلمي هي من أقنع مالك …لولاي وأمثالي لكنتم ما زلتم تعيشون في خيام أو كهوف ..الثري: وأنتم أيضا تسببتم في اختراع السموم وتفشي الأمراض والحوادث، وها أنت تعيد البشرية مرة أخرى إلى كهف) (44).
وهكذا يجد المشاهد نفسه يدور في لجة من الحوارات التي تولد صراعًا على المستوى الذهني، خاصة عندما يتداخل عالم الخرافة والعلم في المشهد الذي يظهر العجوز والفتاة فيه، وهما في حالة المناجاة الخافتة : («الفتاة : عليك أن تحترم اعتقادات الآخرين ولا تشوه الحقائق ..نحن نؤمن بقوة الأقدار ونتقرب لها حتى تنير لنا الدروب ..إيماننا بالأقدار جعلنا أناسا أفضل ننشر الخير والمحبة ونمقت الشر والخداع ) (45)، إلا أن الحوار ينتابه شيء من الغموض عندما يتحدث العجوز أو الكاهن بصورة تنم عن ارتباطه بالخرافة أو المعتقد الذي يؤمن به : (العجوز: أيها الناس ..بينما أنا جالس في صومعتي غارقا في بحر الطاعة للأقدار استشرف الانبلاج من رحم الظلمات، جاءتني الإشارات واضحة كبرق هادر في ليل حالك على عمود كهرباء في منتصف المدينة فيقسمه قسمين ويقطع الكهرباء فيسود الظلام ويبقى الوميض ) (46).
وبالفعل يستطيع عالم الخرافة والأساطير التأثير على الناس في الكهف باستثناء العالِم في نهاية العالم ، حيث نلاحظ العجوز يقنع الجميع بأداء طقوس غريبة تقوم على الاندماج الكلي بين الروح والجسد: (العجوز : نحن نتبلج إلى الأقدار السرمدية ونهيم في تبلجنا الممدود واللا محدود ..جامعين كل الطهر الموجود في سمك البحار الملون وفي طيور السماء) .. ويكرر الجميع باستثناء العالم : (يا أقدار أقبلي تبلجنا هذا وأنزلي علينا انبلاجك الأعظم ..ثم يصيحون جميعا: جوبا جوبا …ويتزايد الصراخ ويتسارع الرقص في إيقاع منتظم ومضطرب) (47). ويتضح الصراع بين الخرافة والعلم(العقل) عندما تحدث الانفجارات في الخارج ونسمع أصواتا قوية ومخيفة: (العجوز: ها قد أرسلت لنا الأقدار إشارتها مرة أخرى ..يتمتم الجميع بسعادة: شكرا.أيتها الأقدار..العالم: بل ما سمعتموه كان صوت انفجار آخر..أفيقوا وأصغوا لصوت العقل ..لم أعد احتمل ما تفعلونه من خرافات..العجوز: كأني أسمع صوت الخطيئة..العالم: بل صوت العقل ..حكموا عقولكم فالوضع خطير جدا ) (48).
أما على مستوى الرؤية البصرية استطاع العرض أن يكبح لجام النص الذهني، ويظهر كعرض يتميز بتوظيف الإضاءة في مواطن التحول لدى الشخصيات والأحداث، ولحظات التحول لدى الشخصيات وصولا إلى الذروة. كما استطاع الديكور العام للعرض المسرحي التعبير عن طبيعة المكان الذي وقعت فيه الأحداث، حيث الصخور وبعض التضاريس التي تتناسب مع طبيعة الكهوف، فيما زاوجت الأزياء في هذه المسرحية بين الماضي حيث الخرافة والأسطورة وبين المعاصرة حيث الرأسمالية والعولمة. أما على مستوى التمثيل فإن هذا العرض يتميز عن بقية العروض الأخرى، بوجود كوكبة رائعة من الممثلين الشباب الذين يتمتعون بقدرات تمثيلية مكنتهم من تصعيد الحوارات السردية وجعل الجمهور يتفاعل ويتعاطف معها .
سابعا: عرض مسرحية (البئر)
يُعد التراث والتاريخ مصدرين مهمين لإثراء العملية الإبداعية في المجالات الأدبية والفنية، على اعتبار أنهما الوعاء الحاوي للعديد من الأعمال الأدبية والفنية التي تختلف من عصر إلى آخر، متأثرة بالظروف والعوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية. ولعل أهم تلك المصادر التي استمد منها الكتاب مادتهم، التاريخ والقصة والحكاية والأغنية الشعبية والتاريخ والحادثة المعاصرة .ويلامس عرض مسرحية (البئر) الواقع من خلال الطقس الاحتفالي وهو من تأليف آمنة ربيع وإخراج محمد الهنائي من فرقة الدن المسرحية . واستطاع أن يزاوج بين الأرض والبحر والقمر والبئر…ويعتبر البحر والبئر مصدرين مهمين للرزق في دول الخليج العربي …ومن الثابت علميًّا أن حركة القمر تؤثر على البحار وطبائع الناس وسلوكياتهم وتقلب أمزجتهم في أوقات محددة من الشهر.
وتردد الأغنية في هذا العرض كثيرًا، وهناك التصاق وشيج في النص بين الطفولة والأغنية؛ فمنذ المهد كانت الأمهات تغني للأطفال، وعندما يكبرون فإنهن يغنين مع الكبار ويلعبن… تتنوع حالات اللعب والأغنية في هذه المسرحية التي تمتزج بالآهات واللحظات المؤلمة، حيث إن الكبار يلعبون في صراعهم مع الآخر، ويلعبون لعبة البقاء للأقوى، وهم في سجال مستمر مع الأعراف والأطر الاجتماعية التي جعلتهم غير قادرين على الانعتاق منها. وتعاني شخصيات هذا العمل من الضغط النفسي الكبير، الأمر الذي جعلها تلجأ لعالم اللاوعي للتنفيس عن حالات الكبت لديها. كما أنها لجأت إلى الرقص كما هو الحال لدى شخصية (نصيب) من خلال رقصة (المرباطية) التي وظفت بطريقة تتقارب في إطارها العام مع رقصة (الزار) التي تساعد على تفريغ الطاقة الانفعالية لدى الأفراد .
وتُعد الأغنية في نص مسرحية (البئر) من مكونات نسيج النص المسرحي الذي يعبر عن صفاتها الإنسانية، مثل: الفرح والحزن والخوف والحب ..كما أنها لامست دواخل الذات البشرية، وما فيها من آهات وشجن، فالتراث الشعبي حافل بأغاني الصيادين والمزارعين البدو والحضر والكبار والصغار للتعبير في المناسبات الاجتماعية والدينية والموسمية المختلفة. والمتابع للعرض يجد الأغنية منثالة منذ اللوحة الأولى والتي تحمل عنوان (في البدايات الأولى لتفتح الأشياء، كان الأطفال يغنون) والأغنية هي مفرد أغنيات، وهو ما مايُغنَّى من الكلام ويُترنَّم به من الشِّعر ونحوه، وتكون الموسيقى مُصاحبة له في أغلب الأحيان «كلمات هذه الأغنية جميلة، – ألحان أُغنيَة، – أُغاني مُحزِنة»(49). وتضمنت كلمات الأغنية الأولى عبارة : (ياطيره طيري طيري…العروس جابت صبي ..واللبن من البقر..سلمي على سيدي …يبغى المطر) (50). وهذه الأغنية اختزال للقصة الواقعية التي أشار النص إليها، والتي تتحدث عن (نصيب) وزوجته (صباح ) اللذين كانا يعيشان في مدينة الملح الساحلية التي كان النساء فيها يعملن في إعداد الخبز، فيما كان الرجال يعملون في مهنة الصيد .
وهناك نقطة مهمة انطلقت الكاتبة منها في اللوحة الأولى، وهي التمرد الجامح على الذات والرغبة في الانعتاق، بغية ملامسة منطقة اللاوعي التي تختزن كمًا من الرغبات الإنسانية، بغية الانطلاق إلى فضاء أوسع ..وهذا ما نجده في النص (لا تكن أول، سحقا، ماذا كان قبل أن يكون الأول؟) ..(فبدلا من هذا التحول المفتوح لماذا مثلا لا يتحول إلى البحر أو حتى إلى أنثى مثلا؟) (51). كما يتكرر الانعتاق والرغبة في التحرر عندما تمت الإشارة إلى لعبة تبديل الكائنات: (تستهويني هذه اللعبة يا صباح، لعبة تبديل الكائنات) (52) . هكذا فإننا نجد نصا يحاول في كل لحظة أن يجعل شخصياته تتمرد…لتكون غير خاضعة لقوانين وأطر محددة، كما يتضح تبادل الأدوار كالتالي: (تقصدين لا جديد في اللعبة …صباح: لقد أهديتك نفسي منذ قالوا حرمة ورجل ) (53) .
في اللوحة الثانية التي تحمل عنوان (الذين يكبرون ويتزوجون لا ينسون الغناء) حرصت الكاتبة على ارتباط شخصياتها بالصيرورة الزمنية، حيث نشاهد الشخصيات تنمو مع الحدث ويمكن أن تلمس أبعادها الجسدية والاجتماعية والنفسية…وبالمثل ظلت الأغنية تمثل قاعدة أساسية ساعدت على تكثيف الفعل الدرامي، حسب القصة الواقعية التي تصف قصة زواج نصيب من صباح وإنجابهما للأبناء، ويمكن أن نشاهد اكتمال تلك الصورة في الأغنية التراثية: (والعروس جابت صبي، سمته علي، وعلي يبغي اللبن، واللبن مع البقر) (54) . كما أن هناك الرغبة في الانعتاق والتحرر من واقعية الشخصيات، فنصيب دائم التهرب من واقعه ومسؤولياته كأب، وهو دائم السهر مع أقرانه من الصيادين ، وهو يلوك المخدر متى شاءت الفرصة له، لذلك فهو يعيش في صراع وجدال مستمرين مع زوجته عند الحديث عن تحمل مسؤولية المنزل، فقد تراكمت الديون عليه، فيما حاولت الزوجة الكسب عن طريق بيع الخبز. ويدخل نصيب في صراع مع ابنه (غير سوي) الذي ينتقده …وخاصة في المشهد الذي ينأى إلى الرمزية، ويرتفع الإيقاع فيه من خلال طرقات الأيادي التي كانت تدق الأرض بقوة، كما ورد وصف ذلك في النص : (تظهر صباح وهي تزحف إلى منطقة الوسط …يدخل نصيب مرتديا ثيابا، ويضرب ابنه، وزينب ابنته تمسكه من القدمين، ويمددانه أرضا والولد يهتز كأن قوة خفية تعذبه، بينما ترقص صباح رقصة الموت المرباطية) (55). وتعبر «الرقصة المرباطية» عن الموت والحزن والانهزام، وهو طقس يحرض نصيب على ممارسته بين وقت وآخر، مؤكدًا رغبته في التحرر من ذاته، وصولا إلى ذروة التحرر من الذات .
تضمنت اللوحة الثالثة (السلالم الضيقة والعصفور) جرعة مركزة توضح العلاقة بين زينب وزوجها، التي خرجت من إطارها الحميمي، لذا كان مصيرها السلالم الضيقة، وهي تبحث عن الأمومة الضائعة التي يبدو أن الرجل سببا في تأزمها .. كما تظهر الرقصة المرباطية: ( لقد سئمت ..تذمرت..ترغب في الحياة الرومانسية..). هناك صوت داخلي مسيطر على الشخصيات (صوته الذي أركض وراءه، هو صوته الذي كنت ابكيه، أنا أبكي لأنه يهرب مني باستمرار بعد يناديني) (56) . برزت الرمزية بشكل كبير في اللوحة الرابعة التي أكدت أن (البئر) هي الملجأ وهي النهاية الحتمية لصيرورة الشخصيات، وربما هذا يتوافق مع أسلوب الكاتبة الذي عادة ما يحيطه الرمز.. وهذه المرة يكون موصولا بالأغنية التراثية التي تحمل من الدلالات الدرامية المنبعثة من الحدث الدرامي، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال مشهد مطاردة الذئب للأطفال (هلا بيش هلا بيش يا حيا أم مبارك…هلا بيش يا حيا أم مبارك .. وفي مقطع آخر (أنا الذئب بكلكم …وأنا أمكم بحميكم) (57)، ويتضح الصراع بين الأطفال والأم والذئب، وهي قصة سردية يتفاوت الصراع فيها، بين الصراع الظاهر على الخشبة، وبين صراع الأم مع ذاتها عندما تقرر أخذ طفلها إلى البئر …للهرب من الذئب كما هو الحال. وحملت اللوحة الخامسة عنوان (يا هيبه يا بوه ..إن شاء الله ) ..هي لوحة بحرية قائمة على رقصات وأهازيج البحارة، تجسد معاناة الأسرة في ظل غياب الأب(نصيب) الدائم..هناك صراع داخلي تعيشه الشخصيات والذي بدا واضحًا في شخصية (نصيب) والذي عاد من البحر وثيابه مبتلة وبيده سكين .
بينما أصداء رقصة الربوبة المرباطية ظلت تلاحقه بعنف، ليعيش صراعًا مع الحبال وإيقاع الطبول ويتعارك مع ذاته، التي سكنتها روح الانعتاق مع الذات. كما حملت الرقصة التي يؤديها نصيب كمًا من الإسقاطات النفسية، خصوصًا في صراعه مع ذاته وابنه طارق. وفي اللوحة السادسة عادت الأحداث إلى الواقع، حاملة رغبة أخرى في التحرر من الأعراف الاجتماعية التي عبرت عن قصة زواج بلقيس، قسرًا من المدرس عمر مع توضيح الصراع النفسي الذي تعيش الشخصيات فيه.
أما في اللوحة السابعة ظهرت الرمزية بشكل كبير فيه، حيث تمت الإشارة إلى البئر القديمة التي سقط النجم فيها، وكانت الحكاية. وقد ورد ذكر (البئر) عدة مرات في النص : (انظري للقمر، يشبه البئر في اكتمالها..أما زلت تذهب للبئر…آخر مرة ذهبت للبئر، رأيت شيئا يتحرك ويرقص ..رأيت نجما يسقط…رأيت نجم الحكاية ) (58) ، هذا التلاحم الجميل بين البئر والرقص والحكاية والنجم ، وهذا جعل لغة النص تقترب من الشاعرية، التي سبرت ذوات الشخصيات التي ارتبطت بالحكاية الشعبية المتناقلة والمتوارثة عبر الذاكرة الجمعية للمجتمع المحلي. وحلقت اللوحة الثامنة (يا طيره طيري …) إلى العالم الداخلي لشخصية نصيب الذي اعتاد أن يمارس طقوسًا أشبه بطقوس تطهير الذات التي تعبر عن كوامن ذاته البشرية، وخاصة عندما يحاول تعرية نفسه، بنشوة على الإيقاع، حيث زاد الصوت ليتحول من مواء القطط إلى نهيق الحمار حتى يطعن نفسه، ويفقد وعيه ويموت .
زاوجت اللوحة التاسعة بين الرمز والواقع، حيث قصة تزويج الفتاة رغما عنها، من خلال طقس تراثي (عروسه عروسه مو دورين..دور ابره …عروسه عروسه حالموه الإبره …) استكمالا للطقس التراثي الشعبي، فيما حاول طارق إنقاذ أخته من الزواج القهري، حيث كان يحكي لها حكاية القمر والبئر، ونهاية القصة كانت مع اللوحة العاشرة(يا ..أمثولة الراعي) مع البئر والشجرة، ورحلة أخرى من رحلات الانعتاق بالقرب من البئر، حيث هرب طارق ومعه أخته بلقيس إلى حيث البئر والقى بها ليخفيها عن الناس…وهذا جعل المشاهد يتساءل عن نهاية بلابل في قعر البئر، هل هو بمثابة الخلاص بالنسبة لها أم هلاكها ؟!
يبدو أن المخرج أسره سحر الأغنية في نص البئر، لذا كانت بدايته أيضا مع الأغنية، هناك تجاذب ذهني بين النص على الورق، وبين قطعة القماش التي جعلها تتوسط أبطاله على خشبة المسرح، وتتلاحم مع خيالهم الجامح في الانتقال الحدثي الذي رسمته المؤلفة. من الملاحظ على المخرج أنه لم ينعتق من حرفية النص، باستثناء استبدال الأغاني التراثية بأغان أخرى حلت محلها لتتناسب مع الشخصيات الهاربة من مرارة الواقع الاجتماعي والاقتصادي الذي يحيط بها.وهناك رسم واضح للشخصيات، فهي في صراع مع الآخر عندما تكون في واقعها، وهي في صراع مع ذاتها عندما يناديها الصوت الآتي من البئر.
تلمس المخرج تمرد الشخصيات على الأطر الكلاسيكية في تصوير الأحداث التي تقودها شخصياته، ولكنه نأى عن الديكور التقليدي، واستغل الفضاء المسرحي ليجعل شخصياته حرة طليقة، تعبر عن ذاتها بفرح أو حزن أو حب أو كره ، ومحاولة استغلال الخشبة بما يتلاءم وطبيعة النص، الامر الذي جعلنا نستمتع باللعبة التي يغنيها الكبار والصغار معا. ولعل تعرية المنصة لصالح النص، جعلت الممثل هو البطل الأول للعرض، لذا فإنه وقع الحمل الأكبر عليه في تحريك الأحداث والصراع. وهذا يتطلب وجود ممثلين محترفين، ولكن حال الواقع يقول غير ذلك لأن العرض قائم على فريق من الممثلين الهواة.
وهذا يجعلنا نقف عند مستوى الأداء التمثيلي في مهرجان المسرح العماني الرابع، والذي أصبح قضية يجب مناقشتها بقوة، لأنه من الملاحظ على العروض المسرحية السابقة، إذا وجد النص ضاع الإخراج، وإذا وجد الإخراج ضاع النص، وإذا اجتهد المخرج للإبحار في نص عميق مثل البئر، كان عليه أن يعطي دروسًا وتدريبات للممثلين في فن التمثيل والاستعراض الحركي، وأن يقرأ كثيرًا في فسيولوجيا جسد الممثل. وحاول الممثلون في هذا العرض الاستعراض والحركة، فيما غاب لدى بعض الممثلين التعبير الداخلي الذي يقودهم إلى صدق التعبير واللحظات الإنسانية التي كان المخرج يركز عليها قليلا.إن عدم انقطاع الحدث الدرامي رغم فصل اللوحات نصيًّا، جعلنا نشعر بتواصل الحدث القصصي لدى الشخصيات، وهذا جعل هناك نوعًا من الوحدة الفنية في العمل ككل، فيما جعلنا بصوت الأغنية التراثية نعود إلى الواقع المحلي.
كما لفت نظري توظيف خيال الممثل في العرض، بغية استكمال صورة الحدث الدرامي، فزينب عندما تحلم بطفل، تلف قطعة القماش وكأنه طفل وليد بين يديها. وهذا التوظيف شحذ خيال الممثل، وجعله قادرًا على التعامل مع الخشبة بعيدًا عن السينوغرافيا، برغم توحيد أزياء الممثلين جعلها في مستوى واحد. بالنسبة للمؤثرات تم إدخال الموسيقى التراثية الشعبية في المشاهد بما يتناسب مع الحدث. أما الأزياء فقد جعلها المخرج متشابهة ومتقاربة، ربما لأن ذلك يتقارب مع الأسلوب الإخراجي الذي اتبعه أو الرؤية الإخراجية. بصورة عامة، فإن العرض قدم صورة جمالية، تناغم فيها جمال التعبير، وبيان الكلمة، والرؤية البصرية البانورامية التي جعلت العرض كتلة واحدة قادتنا إلى قعر البئر.
ثامنا: عرض مسرحية (صباح الخير)
مال عرض مسرحية (صباح الخير) نحو الواقعية من خلال تقديم موضوع اجتماعي يتحدث عن رجل عجوز يعيش مع زوجته في منزلهم العتيق الذي ورثاه من أجدادهما ، وحاول ابنهما الأكبر وزوجته إجبارهما على بيعه، ولكن الأب يرفض ذلك ويصر على البقاء في بيته. ولقد وظفت الأغاني التراثية في هذا العرض، بغية تقديم عرض مسرحي اجتماعي، ويمكن توضيح ذلك من المقطع التالي: «لداني داني لداني داني دانة ..صباح الخير دايم على أمير الغواني..بديت بأللي خالقنا وسبحان إللى رازقنا…ويارب طلبتك…تفك باب المحاني…صباح الخير دايم عدد ما صام صايم «(59)، وهذا العرض من تأليف وإخراج عماد الشنفري لفرقة صلالة المسرحية.
ومنذ البداية يشعر المتابع للعرض بمعاناة العجوز(الشايب) عبدالكريم الذي حاول ابنه إجباره على مغادرة بيته الذي ورثه عن أجداده، كما في المقطع التالي: « عبد الكريم: ليش زعلانين..نور: على أصحابهم أولاد الجيران إللي هجروا القرية ..باعوا أرضهم ورحلوا عن المدينة»(60).وهذا يؤكد الفكرة الرئيسية للعرض أنها تقوم على الصراع بين الأجيال المتعاقبة حول أحقية الأهل في البقاء في المنزل التراثي، بينما الأبناء يريدون الاستفادة من بيع البيت ماليًّا. حيث يحاول الابن إقناع والده بضرورة بيعه، بينما والده يرفض ذلك، مؤكدًا قناعته ورغبته في البقاء فيه: « عبد الكريم: أول مرة يا صالح تطلب منا نروح لكم العاصمة ..زوجة صالح: قصده نشتري لكم بيت لحالك..عبدالكريم : يا ولدي ..أنا عشت هني وأريد أموت هني ..ولا بترك المكان..صالح بس يا به الناس كلها رحلت ..ما حد بقي إلا أنتم»… وفي المقابل يلح الابن على بيع البيت بغية الحصول على مبلغ كبير: « صالح: يا به البيت يسوي له كم من ألف بنبيعه ونشتري لكم بيت بالمدينة ..وحياتنا بتتحسن بهذه الفلوس … عبد الكريم: أنا ما أريد الفلوس ..صالح : من قال هذا يا أمي …الفلوس هي السعادة «(61). كما يتطور ذلك الصراع ويتعقد قبيل الذروة، حيث نشاهد عبد الكريم الصياد البسيط يدخل في صراع مع السلطة: « الشيخ أبو علي: علشان كذا الشركة المستثمرة فكرت تشتري هذا البيت تضمه مع بقية المشروع ..تعرف السياح إذا جو يريدون شواطئ كبيرة ..عشان يتمشون..ويكمل الشيخ: مية ألف ريال عماني…سالم : المبلغ ممكن يرتفع إلى ميتين وخمسين ألف ريال مقابل هذه الخربة»(62).
يتمسك عبد الكريم بموقفه بعدم بيع البيت رغم تدخل الجهات العليا لإقناعه ومساومته ماليًّا، ويفسر الأب عبدالكريم ارتباطه بالمنزل: «هذا البيت بناه جدك تريدني اتركه واترك معه أجمل ذكرياتي فيه وأبيعه»(63). ويتعاظم موضوع عبد الكريم الصياد الفقير الذي لا يملك سوى شباك صيده ومنزله العتيق، ليصل إلى سعادة الشيخ: (سالم: تأكد بأننا نبذل قصاري جهدنا حتى يبيعوا ..سعادة الشيخ : هذا من ؟ ..سالم : أنا خادمكم المطيع سالم ..ابو علي: علشان يقنعه بالبيع..سعادة الشيخ : أنت بتمثل حصة الحكومة في المشروع يا ابو علي ..كيف دخلت سمسار في الموضوع …ابو علي : حاشا ما يدخل جيبي ريال واحد حرام ) (64).
والمتابع لأحداث المسرحية يجد هناك نقدا لاذعا وصريحا يتضح عندما يتحول الصراع الفردي إلى صراع عام يكون ضد أشكال الفساد الإداري والمالي الذي يجب محاربته، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال تحول عملية بيع المنزل إلى مصلحة عامة: (عبد الكريم : البيع ما بالغصب …سعادة الشيخ: صح ما شي بالغصب ..بس هذه مصلحة عامة ) (65).
أما على مستوى الإخراج فقد وقع المخرج في مغالطة عندما مزج أكثر من مدرسة إخراجية في هذا العرض، لأن الموضوع المقدم واقعي ولا يحتمل الغموض والرمزية كما هو الحال في المشهد الواقعي الذي تحول إلى مشهد خيالي أو رمزي، حيث يصور المشهد بصورة ضبابية، وكأنه حلم، يظهر الموتى(الأجداد) وهم يخرجون من قبورهم ليشاركوا العجوز عبد الكريم أحزانه وحيرته، وهذا من شأنه أن يوجد نوعًا من التداخل الزماني والمكاني بين ما هو واقعي وخيالي. ولو انتهج المخرج أسلوبًا إخراجيًّا واحدًا لتقبله المشاهد بروح رحبة، تتناسب مع طبيعة الموضوع. ويمكن الإشارة إلى المشهد الذي حدث فيه ذلك التداخل عندما يتحاور فيه والد عبد الكريم مع القبور: (ابو عبد الكريم: لا تبكي يا ولدي …عبد الكريم: تعبوني يا به ..يريدوني أبيع بالقوة..سليم: عمري ما شفتك بهذا الحزن يا عبد الكريم …يتدخل ابنه صالح: صدقني يا والدي راحتك في الفلوس …ابو عبد الكريم : يا ولدي رحلنا عنها وما شلينا شيء معنا إلا هذا الكفن) (66).
بالنسبة لجمالية العرض فقد تكاتفت عناصر لصنع (بانورما) عامة جسدت صورة الأسرة البسيطة التي تعيش في منزل قديم، لذا جاء الديكور واقعيًّا مجردًا من تفاصيله، ومال إلى الرمزية في بعض مواطنه، بما ذلك الأزياء التي أكدت على هوية العروض المحلية، واحتفظت بواقعية الحدث والشخصيات، فيما تخلل العرض بعض الأغاني التراثية، إضافة إلى بعض المقاطع الموسيقية التي تتلاءم مع طبيعة الموضوع ومعاناة الشخصيات نتيجة الفجوة بين الأجيال والرغبة في التغيير. بالنسبة للأداء التمثيلي فقد حظي العرض بوجود بعض الكوادر ذات الخبرة الطويلة مثل الفنان خليل السناني والفنانة حنان العجمي، إضافة إلى بعض الفنانين المتألقين من الشباب من محافظة ظفار.
ختاما، على الرغم من مرور أربع دورات على مهرجان المسرح العماني، إلا أنه يعاني العديد من التحديات التي تشكل عقبة حقيقية في طريق انطلاقته، منها غياب البُعد التراكمي الكمي للفنان العماني، والذي على الرغم من حضوره الملموس على مستوى الدراما العمانية (المسرح، التليفزيون، السينما)، إلا أنه لا يزال يتخبط في الأداء التمثيلي ولا يستطيع توظيف أدواته الحقيقية بالشكل الصحيح. ومن منطلق ذلك، كان لابد من الجهات المعنية بالمسرح أن تساعد الفنان العماني على تطوير وصقل قدراته من خلال تنظيم الحلقات التدريبية للفنانين العمانيين بشكل مستمر، مما سيمكنهم من اكتساب الخبرة والتأهيل الأكاديمي في آن واحد. إلى جانب إقامة الندوات والمحاضرات التي تطرح قضايا المسرح وتناقش التحديات التي تواجه المسرح العماني بجميع قطاعاته.
وهناك تحد آخر يقترن بضعف الإمكانيات المادية في المسرح العماني، نتيجة ضعف البنية التحتية مثل قلة الدور المسرحية المصممة لتقديم العروض المسرحية الاحترافية، وان وجدت دار مسرحية واحدة في محافظة ظفار، والتي من المؤمل أن تقام عليها فعاليات مهرجان الفرق الأهلية للمسارح لدول مجلس التعاون الخليجي في دورته المقبلة…إلا أن المسرحيين العمانيين يترقبون بشوق تأسيس دور مسرحية تتوزع على ولايات ومحافظات السلطنة . وذلك لاحتواء العروض المسرحية المقدمة، وبالطبع بعد تضمينها التقنيات الحديثة في مجال الإضاءة والمناظر المسرحية.
لا يغيب عن البال أهمية تفعيل دور المسرح المدرسي بأشكاله المختلفة، ويكون ذلك بتنمية المواهب الطلابية بطريقة علمية صحيحة تكون تحت إشراف الإخصائي المسرحي، الذي على الرغم من تواجده في بعض مديريات وزارة التربية والتعليم، إلا أنه يغيب عن جماعة المسرح في المدارس، الأمر الذي لو وجد فإنه سوف يساعد على اكتشاف مواهب الطلاب في مجالات المسرح المختلفة ؛ الإلقاء والإعداد وتصميم الديكورات والملابس وغيرها.
دونما شك، إن المتابع للحركة المسرحية العمانية يلحظ غياب الجماهير العمانية عن المسرح العماني ، حيث إنه لا يوجد شباك تذاكر ثابت إلى الآن ..باستثناء بعض العروض التي استطاعت أن تقدم عروضا مسرحية خلال فصل الخريف وتبيع التذاكر على الجمهور. وما ينسحب على واقع الحراك المسرحي العماني ينسحب على باقي دول الخليج العربي التي تعاني هي الأخرى من انحسار الجماهير ، باستثناء دولة الكويت التي ربما يعود ذلك لبدايات المسرح لديها مبكرا، إضافة لحرص القائمين على المسرح على استمرارية المشهد المسرحي، نتيجة الاهتمام بالمسرح وانتشار الدور المسرحية ، إضافة إلى القنوات الفضائية التي تبث العروض المسرحية الكويتية القديمة والحديثة.
وتبقى جدلية وجود مسرح عماني قادر على مجابهة العقبات التي تحول دون وجود تراكم مسرحي عماني، يمكنه أن يقف في وجه طوفان العولمة الثقافية القادمة من الخارج، جدلية قائمة وتحتاج إلى بذل مزيد من الجهود الطيبة من الجهات الحكومية والقطاعات الأهلية والفنانين أنفسهم . ولن يكون ذلك، بإعادة النظر في المستقبل، للتبشير بذوبان تلك التحديات تدريجيا، وتكون هناك انطلاقة جديدة لمسرح عماني أصيل يستطيع التعبير عن قضايا مجتمعه. وهذا بدور سيوجد بيئة مسرحية صحية، تسعى للارتقاء بالمسرح، مما سيحول دون الوقوع في براثن العروض التجارية الاستهلاكية أو التلقي السلبي الناتج من خلال الفضائيات غير الهادفة، ويكون صورة ذهنية إيجابية عن المسرح لدى المجتمع العماني.
المراجع
(1) عوني كرومي، الخطاب المسرحي: دراسات عن المسرح والجمهور والضحك، السلسلة المسرحية(الدراسات)،الشارقة2004، ص11
(2) عزة القصابي، ورقة بحثية مقدمة في ندوة (المسرح في عُمان واقع وتطلع) بالمنتدي الأدبي 18 فبراير 2008 م.
(3) فلاح شاكر، مسرحية (العرس الوحشي)، مهرجان المسرح العماني الرابع، نوفمبر 2011م، ص2
(4) المرجع السابق، ص3
(5) المرجع السابق، نفس الصفحة.
(6) المرجع السابق،ص4
(7) المرجع السابق،ص9
(8) المرجع السابق، ص11
(9) المرجع السابق، نفس الصفحة
(10) المرجع السابق، ص5
(11) المرجع السابق،ص10
(12) صالح الفهدي، مسرحية (البيت الكبير)، مهرجان المسرح العماني الرابع، نوفمبر 2011م، ص9
(13) المرجع السابق، ص10
(14) المرجع السابق، ص11
(15) هلال البادي، مسرحية (ماذا حدث بعد ذلك؟)، مهرجان المسرح العماني الرابع، نوفمبر 2011م، ص2
(16) المرجع السابق، ص3
(17) المرجع السابق، ص4
(18) المرجع السابق، نفس الصفحة
(19) المرجع السابق، ص7
(20) المرجع السابق، ص8
(21) المرجع السابق، ص9
(22) المرجع السابق، نفس الصفحة
(23) المرجع السابق، ص12
(24) المرجع السابق، ص15
(25) المرجع السابق، ص16
(26) المرجع السابق، ص17
(27) المرجع السابق، ص19
(28) المرجع السابق، ص10
(29) المرجع السابق، ص13
(30) عبدالله البطاشي، مسرحية (الرزحة)، مهرجان المسرح العماني الرابع، نوفمبر 2011م، ص6
(31) المرجع السابق، ص7.
(32) المرجع السابق، ص18
(33) المرجع السابق، ص20
(34) المرجع السابق، ص10
(35) المرجع السابق، ص13
(36) المرجع السابق، ص28
(37) المرجع السابق، ص31-32
(38) المرجع السابق، ص29-30
(39) جلال عبدالكريم ، مسرحية (الكهف)، مهرجان المسرح العماني الرابع، نوفمبر 2011م، ص1
(40) المرجع السابق، نفس الصفحة.
(41) المرجع السابق، ص3
(42) المرجع السابق، ص4
(43) المرجع السابق، ص5
(44) المرجع السابق، ص6
(45) المرجع السابق، ص7
(46) المرجع السابق، ص8
(47) المرجع السابق، ص10
(48) المرجع السابق، نفس الصفحة.
(49) المعجم: اللغة العربية المعاصر – [ ابحث عن هذه الكلمة في غوغل ]
(50) آمنة الربيع، مسرحية (البئر)، مهرجان المسرح العماني الرابع، 2011م، ص 16
(51) المرجع السابق، ص164
(52) المرجع السابق، ص168
(53) المرجع السابق، ص 171
(54) المرجع السابق، ص 173
(55) المرجع السابق، ص 178
(56) المرجع السابق، ص 181
(57) المرجع السابق، ص 191
(58) المرجع السابق، ص192
(59) عماد الشنفري، مسرحية (صباح الخير)، مهرجان المسرح العماني الرابع، نوفمبر 2011م، ص1
(60) المرجع السابق، نفس الصفحة.
(61) المرجع السابق، ص4
(62) المرجع السابق، ص5
(63) المرجع السابق، ص11
(64) المرجع السابق، ص14
(65) المرجع السابق، ص15
(66) المرجع السابق، ص12
عزة القصابية
ناقدة مسرحية من عُمان