شهدت أيام الشارقة المسرحية خلال الدورة الثالثة والعشرين التي اقيمت مؤخرا تقديم عشرة عروض مسرحية ضمن المسابقة الرسمية لمسارح الامارات, كما قدمت اربعة عروض مسرحية خارج تلك المسابقة.
الجدير ذكره ان هذه الفعالية المسرحية الهامة في موسمها الحالي قد قدم فيها عرض مسرحية «الدكتاتور» وهي من المسرحيات البارزة في المسرح العربي حاليا. هذه المسرحية من تأليف عصام محفوظ وقد قدمتها اخراجا اللبنانية لينا ابيض.
اقترب عرض مسرحية «الدكتاتور» من المسرح الجروتفسكي، إلا أنه لم يتخل عن المكياج المسرحي، والذي ساعد الممثلتين على تقمص أدوارهما, إضافة إلى التعويض عن تفاصيل «السينوغرافيا» التي يفترض أن تملأ المكان. ولكن غابت مساحات الصمت، وسائد الحوار السردي.. ويفترض من المخرجة «الأبيض» أن تقلص من مساحات الحوار السردي, واستبداله بالأداء الاستعراضي والتعبيري .
والعروض العشرة التي قدمت في المسابقة الرسمية هي: مسرحية «(شهيد التين) لمسرح دبي الشعبي، ومسرحية (رابتر) لمسرح خورفكان، ومسرحية (زيت وورق) لمسرح حتا، ومسرحية (التريلا) لمسرح عجمان، ومسرحية (سيد القبو) لمسرح بني ياس، ومسرحية (مساء الورد) لمسرح دبي الأهلي، ومسرحية (طوفان) لمسرح الفجيرة، ومسرحية (نهارات علول) ومسرحية (خلطة ورطة) لمسرح ام القيوين، ومسرحية (أنت لست كارا) لمسرح الشارقة.
كما ان العروض القصيرة التي قدمت خارج المسابقة الرسمية شملت كلا من مسرحية (مشاجرة رباعية) عن نصٍ عالمي للمؤلف المسرحي يوجين يونسكو, وهو نص عبثي الطابع والمضمون.. ولقد كانت الشخصيات تؤدي أدوارًا صامتةً (الباتوميم).. ولكنه لم يلبث أن يهجرها, حيث فتح المخرج الحديث.. وهناك عبثية واضحة في الطرح مع الظلال الكوميدية التي سادت في العمل .
أما العرض المسرحي القصير الثاني هو مسرحية (المشهد الأخير من المأساة..) والذي اعتمد على حركة الممثلين والاستعراض الحركي التعبيري.. فيما خلا المسرح من أي قطع ديكور.. الأزياء وكنبة لجلوس الممثلتين ووجود شخصية ثالثة تتحكم بها..
وثالث هذه العروض مسرحية (ندب السموم) وهو نص للكاتب الشاب محمد الشلبي، بينما قالب الأحداث مبني على أساس الصراع بين الخير والشر الذي يتمثل في الغرباء. وآخر هذه الأعمال المسرحية القصيرة (ممثل مخرج خشبة) .
قراءة بصرية
أولا: عرض مسرحية «شهيد التين»
لفرقة مسرح دبي الشعبي
تزامنا مع ثورة الربيع العربي وما دار في رحمها من صراع بين التيارات والأحزاب المختلفة، ولدت مسرحية (شهيد التين) للمؤلف عبدالله صالح, والمخرج محمد سعيد، وهي مسرحية مستوحاة من رواية (أنت لست غارا) للكاتب التركي عزيز نسين، والمتابع للأحداث يجد هناك جدة في طرح الموضوع من خلال التركيز على الفكرة الرئيسية، ألا وهي: (الاستشهاد) الذي تحدثت الديانات السماوية عنه، والتي أشارت إلى أن جزاء الشهيد الجنة، فيما أصر مؤلف نص مسرحية (شهيد التين) أن يكون جزاء (مبروك) هو متاع الدنيا !
ومنذ ظهور المشهد الاستهلالي الغنائي بمصاحبة عزف الفرقة الشرقية، والتي غرست في عمق المسرح، عازفة الألحان الشرقية الاصيله في عمق المسرح، بينما كان هناك (كورس) يؤدي رقصات سريعة للتعليق على الأحداث وتصعيد الحدث الدرامي. لذا كانت بمثابة شاهد عيان على موضوع الشهادة كما وردت في النص: «الشهادة ماشي أحسن عنها إذا الكل شارك فيها بحب.. الشهادة لابد أن تكون صادقة لوجه الله من نيشان نعلقه على صدورنا نتغنى به»(2).
وبذلك استطاع المؤلف (عبدالله صالح) أن يحكم قبضته على لجام صهوة جواده المسرحي, حيث استطاع أن يقدم عرضا مسرحيا مؤثرا من خلال قصة مبروك الساخرة لمفهوم الشهادة في عصرنا الحالي. ولقد أصبحنا في عصرنا مثلا نتابع عبر وسائل الإعلام والاتصال الأخرىقيام انتحاري بتفجير نفسه بحجة « الاستشهاد في سبيل الله, نتيجة غسل الدماغ من الجماعات الإرهابية!.. .ومما يولد الحيرة في نفوس الناس، بغية معرفة ما إذا كان الفعل هو المعنى الحقيقي للشهادة.. ؟! بالرغم من الظلال الفلسفية التي طغت على الموضوع، إلا أن المخرج اختصر الكثير من التفاصيل التي حولها إلى سينوغرافيا جمالية، شملت الفضاء المسرحي, كما استطاع صنع بؤر للحراك الشعبي, الراقص.. بحيث يمكن الإظلام السريع للفضاء المسرحي(3 )والانتقال من لوحة إلى أخرى دون أن يشعر المشاهد بالملل!
لقد استطاع المخرج الامارتي محمد سعيد أن ينفذ إلى عالم الكوميديا السوداء, التي نقلت إلى العرض عن رواية عزيز نسين، ليصنع المؤلف منهاعرضا فرجويا شعبيا، يقترب من المسرح الشعبي، الذي يعتبر قريبا من وجدان الجماعة، في ماضيها وحاضرها، بحيث يشمل كافة ملامح الحياة من نظم سياسية وموروثات اجتماعية وثقافية وأخلاقية، وتقاليد وعقائد وشعائر، وكل تراكمات التجربة الحياتية الكامنة في اللاوعي الجمعي على شكل أساطير وحواديت ورموز(4). ويؤكد عصام أبو العلا إن فنون الفرجة الشعبية العربية، تحمل مقومات الفن المسرحي، وإنها ليست (ظاهرة) كما يود أن يطلق عليها بعض الدارسين، فعروض الفرجة المسرحية الشعبية العربية، قد قامت ونهضت وامتدت في الزمان والمكان، شأنها في ذلك شأن المسرح اليوناني القديم, أو شأن مسرح (النوه) في القرن الخامس عشر الميلادي حتى الآن, وتعتبر هذه الاختلافات والتنوع في أشكال وأنوع المسارح, من المهام القومية للمسرح وأساس طابعه المحلي(5).
ويطرح عرض مسرحية (شهيد التين) بجرأة غير مسبوقة موضوع «الاستشهاد», التي يصعب القطع في مصداقيته خصوصا في عصرنا الحالي، حيث بدا موضوع الشهادة في عصرنا الحالي ضبابيا -كما أشرنا سلفا- خاصة لتزامن مثل هذا الطرح مع ما يدور في واقعنا العربي من تحولات وتغيرات تمر بهاالأمة العربية والإسلامية, بينما لا تزال تدور رحاها في الكثير من الدول الاخرى .
ومن ناحية أخرى، ركز المخرج محمد سعيد على الرؤية الجمالية للعرض، والتي امتزجت بروح الدعابة والمرح مع قتامةواقع الشخصيات !.. والذي ساعد على ذلك امتزاجها بالمؤثرات الموسيقية التي كانت تعزفها الفرقة في عمق المسرح, والتي التحمت مع الأزياء الشرقية التي تنصلت من تبعيتها الثقافية لدولة بعينها، والتي كانت تصر على أن ما يقدم على خشبة المسرح، ما هو إلا تراكمات للإرث الإسلامي الثقافي المغلوط!.. والذي في أحيان كثيرة يكون محفوفا بعناية السلطة, وهي تسعى إلى تسييس الدين من أجل أهداف دنيوية بحتة!
ولقد تكونت المسرحية من فصلين وعدد من المشاهد تجاوز الاثني عشرة مشهدا، وجميع المشاهد حاولت أن تضخم الحدث من خلال تحول مبروك إلى «شهيد» مقدس يقوم الجميع بخدمته، حتى قبل أن ينال الشهادة !.. حيث ظهر الوالي وهو يغدق الهدايا والعطايا على أسرته!.. وعندما التقى والد مبروك (رجب) بوسائل الإعلام, صرح للصحافة بأن الوالي(السلطة) كان لها الفضل الكبير في الاهتمام بابنه، للوصول إلى مرحلة الشهادة !
وبذلك تكون هذه المسرحية قد جسدت رحلة (مبروك) في التحول من إنسان عادي في حي التين إلى بطل وشهيد في نفس الوقت!.. والذي ساعد على ذلك إصرار والده على نيل الشهادة: «رجب: مبروك لازم يبقى في عين الكل شهيد التين هالقرية اللي ما خلفت غير ولدي مبروك.. الشهيد اللي الكل بيتذكره»(6)… وهكذا قادنا هذا العرض إلى فرجة بصرية قائمة على الاستعراض، والأداء التمثيلي، والتمسرح (المسرح داخل المسرح)(7).. ويكون ذلك عندما يتحدث الأب (رجب) عن نشأة ابنه (مبروك) الشهيد، ودعم الحكومة له، حيث تتحرك الإضاءة لتفتح رؤية مشهديه على الجانب الآخر، يظهر الأب وهو يتحدث إلى الصحافة، بكل فخر واعتزاز.. ثم لا تلبث الإضاءة أن تعود إلى حيث الأب مرة، وتظلم منطقة الحدث المسرحي الآخر. وبذلك تكون الإضاءة ساعدت على سرعة التنقل بين مساحات الظلام والنور.. مع التركيز على الممثلين وهماينتقلان عبر خشبة المسرح.. وخاصة في المواقف الحساسة والمؤثرة.. مثل تمجيد لحظة الاستشهاد في نفس الابن.. الرجوع إلى الماضي ،عندما يتحدث الأب عن كيفيةشحذ همة ابنه وجعله يستعد للاستشهاد..
وهكذا تباينت مناطق الفرجة المسرحية حسب (الحكاية)، لذا خلا العرض من الصراع التقليدي بين الشخصيات، وسعى إلى التوغل في ذواتها، كونه صراعا تعيشه الشخصيات، فهو صراع داخلي، نشاهد (مبروك) يترحم على ذاته ومعه والداته، قبل أن يصبح شهيدا.. وفي الوقت ذاته يعي معنى الشهادة!
وحفل عرض الشهيد بعدد من الشخصيات, حيث تضمنت المسرحية سبع عشرة شخصية رئيسية وثانوية، ومن بينها رجب أبو الشهيد وزمزم أم الشهيد, ومبروك الشهيد، وبو جبران والي القرية، وخربوش مساعد الوالي، وسلمان صديق من كبير التجار، و«بو وفاء» جار الشهيد. ولقد قام مخرج العرض باختصار المشاهد الطويلة في النص، واستطاع العمل العزف على اوتار فصول حياة (مبروك) الذي كان ضحية الأب والمجتمع والمبالغة في معنى الشهادة وصولا إلى السلطة والجاه والمال..
كما قام العرض المسرحي بتوظيف التراث الشعبي في العروض المسرحية الحديثة، مع الحرص على تشذيبه بظلال الواقع المعاصر، والذي حمل الكثير من الرسائل والإسقاطات السياسية والدينية، مع توضيح العلاقة بين السلطة ووسائل الإعلام الحديث، ودراسة ملاحظة ما تفعله وسائل الإعلام من تضخيم الحدث, وتحويله إلى حدث استثنائي، يتم ايدلجته ليتوافق مع الواقع. كما يمكن ملاحظة ذلك من خلال تشذيب العرض ببعض الكلمات الحديثة مثل: « القذيفة.. جي اس « والصاروخ طويل المدى.. وخاصة عندما يدعو الأب إلى أن تصيب والده مبروك قذيفة, لينال الشهادة.. ؟!
وعلى الرغم من أن العرض نقلنا إلى قضية فلسفية وجودية، يصعب التعرض لها في التاريخ الإسلامي، على اعتبار أنها من التابوهات المحرمة (السياسة، الدين، الجنس)، إلا أنه فشل في صنع شخصيات تنمو وتتطور مع الحدث المسرحي، فكل ما نشاهده عبارة عن شخصيات اقتبست من الرواية الحقيقية، فيما حركها المخرج بالتعاون مع المؤلف بغية تضخيم فعل الشهادة. كما يؤخذ على العرض النهاية المتوقعة، بعودة الشهيد (مبروك) حيا، وعلى الرغم من ذلك فوالده ينفي أنه لا يزال على قيد الحياة..!.. مما يكشف مدى ضعف شخصية (الشهيد) وعدم مقدرته على التغلغل في عمق الفعل المسرحي، فقد بدت شخصيته ثانوية، ضعيفة، بالتالي كان صراعه مع ذاته واضحا، أكثر من صراعه مع والده والمجتمع في حي التين.
ولقد تماهى الديكور للعرض المسرحي مع بقية مفردات السينوغرافيا، فظهر العمل كوحدة فنية بحثت عن فرجة فنية، تشكلت في الانتقال الفرجوي من لوحة إلى أخرى، مع الألحان الشعبية، ومضمونه الذي تحدث عن قضية يصعب القطع فيها، على الرغم من التعرض لها كدراما سابقا !
ثانيا: عرض مسرحية «رابتر» لفرقة خورفكان
لا شك، أن محاولة عكس الواقع المحلي بكل تفاصيله، ومشاكسة قضاياه المعاصرة كان هم العرض المسرحي (رابتر) الذي هو من تأليف وإخراج الفنان الاماراتي عبدالله زيد، والذي حرص على أن يكون (رابتر) عنوانًا لمسرحيته، وهي كلمة غير عربية، يقصد بها الدراجة النارية. وفي هذا العرض ظهر صبي(عمر) يتيم الأبوين يقود دراجته (رابتر) في البر (الصحراء), وتصادف ذلك مع توقف سيارة زوجين في منتصف الطريق تقريبًا, وما ان رآهم الفتى حتى توقف لتقديم المساعدة ليبدأ العرض المسرحي .
ورغم بساطة الفكرة التي أسس المؤلف (عبدالله زيد) عليها عرضه المسرحي، إلا أنه استطاع أن يشحنه بالكثير من التفاصيل والقضايا التي تشغل بال الأسرة الإماراتية، بشكل خاص والعربية بشكل عام، حيث تحدث عن تربية الأبناء، واليتم، والعقم.. الخلافات الزوجية، وتدخل المجتمع وتأثيره على الحياة الشخصية للأفراد.. وغيرها من القضايا التي انبلجت من واقع النص الاجتماعي المعاصر.
ويلمس المتفرج بساطة الطرح لموضوع هذه المسرحية، مع تشربها بملامح المدرسة الطبيعية(8) التي سادت العرض المسرحي، ابتداء من المضمون وانتهاء بالشكل، حيث حرص المؤلف والمخرج على أن تقود شخصياته الثلاث العمل برمته، وتأجيج الصراع بينهم، وهو صراع ظاهر نتاج تكشف الشخصيات السريع، حيث قام الزوجان بإلقاء التهم على الآخر، الناتجة عن تراكمات الزمن، مثلا قضية العقم, فعلى الرغم من مضي أكثر من ثلاثين عاما، وتفهم كلا الطرفين لهذا الموضوع على انه قضاء وقدر، إلا أن الزوج بدأ يكيل التهم على زوجته، ويتهمها بأنها السبب في ذلك، ولو أنه تزوج ببنت الجيران لأصبح لديه أولاد.. فيما تلقي الزوجة بالتهم على الزوج, كونه يعاني من عجز عن التواصل معها !
كما تكشفت ملامح شخصية الطفل الذي يقود (الرابتر) طفل يتيم, وحيد. وهو لا يتردد في مشاكسة (مرزوق), الذي يرفض آراء الطفل الذي كان يشاكسه بكل براءة وعفوية.. وفي حين تتحرك مشاعر الزوجة نحو الطفل (عمر) -الذي قام بدوره عبدالله نبيل ، كونه يعاني عدد من الأمراض الأخرى.. .وقد شارف على الموت، مما جعل العرض يقع في مطب الميلودرما(9)!.
حيث اتضح من صراخ الزوجة بأن الجميع مصابون بالمرض.. هكذا لم يستطع مؤلف العرض كبح لجام قلمه، والابتعاد عن نقاط الإثارة، والمفاجآت.. .مما جعله يقترب من الأعمال السينمائية والتلفزيونية.
ولا يخلو عرض مسرحية (رابتر) من المواقف الكوميدية التي جعلته يقترب من عروض المسرح التجاري، والتي تضخم الخطاب المسرحي السردي، في حين ذاب الفعل الدرامي في معمعة التراشقات الكلامية بين الزوجين(مرزوق وصالحة) .وظهرت الزوجة وهي تنتقد زوجها بحدة زوجها- الفنانة القديرة (فاطمة حسن)- واستمر الجدال حتى بلغ ذروته عندما اتهمته بضعف رجولته!.. وكان الطفل يتدخل في الحوار، الأمر الذي جعل البعض لا يحبذ فكرة إشراكه في أحاديث البالغين، كما أن الحوارات السردية والمراشقات السريعة، عرت حقيقة الزوج(مرزق) الذي قام بأداء دوره الفنان علي القحطاني.
ومن الملاحظ على بنية عرض مسرحية (رابتر) سرعة الانتقال من حدث درامي إلى آخر بسرعة، مما جعل ذهنية المتلقي تستنتج ما الذي سيحدث بعد ذلك؟!.. وخاصة أن الرؤية الإخراجية توحدت مع النص، فأصبح من الصعوبة بمكان الفصل بين الرؤية الإخراجية والنص؛لكون أن مخرج ومؤلف العرض شخص واحد. وهذا من المآخذ التي تحسب على العرض, وكان يجدر بأن يكون المخرج حرًا طليقًا في رؤيته الإخراجية . ولكن هذا العرض المسرحي دمج المهمتين، حتى أصبح من الصعب الفصل بينهما، وهذا بدوره قلص المساحة الإبداعية للعمل الفني، وزاد من نصاب المؤلف.. كون العمل يسرد قصة ثلاث شخصيات عبر مشاهد مفتوحة وسجال حواري لا ينقطع.
بالنسبة للأداء التمثيلي فقد كان تلقائيًّا وبسيطًا، ومعبرًا عن معاناة الشخصيات, التي خذلها الزمن عن تحقيق أحلامها، فقد وجد الزوجان نفسيهما على مشارف الخمسينات من العمر. كما تكشفت شخصية الطفل عن يتمه ووحدته.. وظلت الشخصيات الثلاث تتكشف أمام المشاهد.. مستعرضةً تفاصيل واقع حياتها المؤلمة ونهايته المأساوية!.. فيما رسخت الرؤية الإخراجية جماليات السينوغرافيا ورصدت البيئة البدوية, حيث الرمال(العراقيب)، والنباتات الصحراوية الجافة، والرابتر(الدراجة النارية) المخصصة للصحراء، وجميع الأدوات المستخدمة (الإكسسوارات) كانت طبيعية على المسرح.. مما يؤكد سيادة الديكور الطبيعي على العرض ككل، خاصة وأن المخرج حرص على جلب الكثبان الرملية إلى خشبة المسرح !.. مما جعل المشاهد يشعر بالحيرة, ويتساءل كيف نقلت هذه الكثبان إلى خشبة المسرح ؟!
ثالثا: عرض مسرحية الطوفان.. لمسرح الفجيرة
الكثير من الأعمال الفنية المسرحية والتلفزيونية الخليجية يكون محورها الرئيسي عادة (النوخذة والبحارة), نتيجة ارتباط أهل الخليج بقصص وحكايات الغوص والصيد، وهذا ما حصل في عرض مسرحية (الطوفان) الذي هو من تأليف حميد فارس وإخراج صابر رجب.. ولقد أصر الطوفان أن يهز صالة العرض منذ المشاهد الأولى, حيث كانت الشخصيات تردد: «طوفان.. طوفان، يرمل وييتم ويفرق صلة الرحوم، دخلوا عيالكم وأزلوا بيبانكم، فضوا السكيك والدروب»(10)
والمتابع لعرض (الطوفان) يدرك اجتياح الصراع الأزلي بين (قابيل وهابيل) على الموضوع، والقائم على الصراع الظاهر بين سيف والعم زيد، وهما أخوان, ينشب النزاع بينهما, بفعل وقوع الفتنة!.. ويمكن أن نلمح ذلك في الحوار التالي: «زيد: اطلع يا سيف..لا ترا وراء باب ما بيقدر يصمد ثانية في ويه غضب زيد.. ولا بيحتمل ضربة من يرزي عليه اللي بتشطره نصفين.. أطلع ما أبغي أكسرك جدام أهلك أطلع. شاهين: أنا العم في هذا الفريج..ونوخذة البلاد بكبرها»(11)
ويتمكن الغريب من إشعال نار الفتنة بين الأهالي حتى يتمكن من الاستيلاء على المال . وتزداد حدة الصراع حتى لتصل إلى زوجة شاهين وابنة أخيه زيد، حيث كانت الأخيرة تعاني حالة نفسية جعلتها تصرخ من القهر والظلم الاجتماعي من زوجها .. وتطور الأحداث لتصل لذروتها عندما يقوم شاهين برفع أسعار البضائع، كما يتمادى بضرب أخيه زيد لمطالبته بتعويض نتيجة حرق البضاعة في المخازن .
والمتابع للعرض المسرحي يجد أن هناك دوائر حلقية للحدث، تصل إلى ذروة الصراع الدرامي، وهي قوالب جاهزة تماثلت مع نمطية الشخصيات، ويمكن أن نجدها في شخصية: النوخذة سيف والنوخذة زيد, وشاهين.. والمسكونين بالانتقام لهم والعنف وحب السيطرة.. كما أن هناك الشخصيات التي تمثل الخير، مثل زوجة شاهين.. بينما بقية الشخصيات بدت مقهورة ومظلومة كالأهبل (بروك) الذي يقوم بخدمة الآخرين، والذي يتصرف بتلقائية وعفوية, تتقارب مع شخصية المهرج في مسرحيات شكسبير التي تغرس في الأحداث للتخفيف من حدة المأساة، مما ساعد على إضفاءنوع من البهجة والفرح في نفوس المتفرجين, رغم قتامة الأحداث التي يمكن أن تحيط بها.
ولقد صاحب الأداء التمثيلي للشخصيات نوعا من التشنج والصراخ, مما جعل حواراتها متداخلة وغير مفهومة، ولعل من الأمور المهمة في أي عرض مسرحي هي التواصل مع المتلقي(12).. ولقد برزت في القرن العشرين عدد من النظريات النقدية التي ارتكزت على دور المتلقي، متذوقا كان و ناقدا في تناول العمل الفني المقدم، بحيث أن يكون قادر على تفحص هذا الإبداع والاستمتاع به بناء على خبراته الشخصية التحصيلية، والتي تحث على ضرورة البحث عن المعاني الداخلية، من أجل تحديد الأبنية الكامنة فيه دون إغفال الواقع المحيط به.
ولابد من الإشارة, إلى أن من أسباب انخفاض تفاعل العرض مع الصالة, هو هبوط مستوى الإيقاع الدرامي, نتيجة الضجر الناتج عن ضعف رسالة العرض في التواصل مع القاعة، ولقد أشار (بيتر بروك) إلى الضجر الناجم عن مثل هذه الحالة, حيث قال: «عندما نصل إلى الجمهور الحقيقي، فإن المقياس الكبير، هو مستوى الصمت الذي نشأ في صفوف مجموعة أشخاص منتبهين.. وإذا ظهر الضجر فإنه تكون هناك ضوضاء وسيقف أحد الاشخاص وآخر يهمس، وأخيرا، يقع الأسوأ، منهاج العرض»(13).
ومن ناحية أخرى، لا بد من التنويه بأن الإضاءة لعبت دورًا في التركيز على المواقف الدرامية التي تشكل نقطة تحول في حياة الشخصيات، وكان امتداد خطوطها أفقيًّا وعموديًّا في الفضاء المسرحي، كما ساعدت على التركيز على لحظات الاحتقان الدرامي الملتهب بين النوخذة وأخيه .
ويفترض أن يحقق الممثل المسرحي الوحدة الفنية, حيث من السمات التي ينفرد بها التمثيل المسرحي، أن الممثل لا ينفرد وحده بإنتاج العملية الفنية, ذلك أنها عملية متكاملة، ويشترك فيها أكثر من عنصر أو جهة تسبق الممثل أو تلحق به، فثمة مثلا- المؤلف والمخرج أو الملحن في الأوبرا أو مصمم الأقنعة، إضافة إلى مجموعة الفنون التي لها علاقة مباشرة بالجمهور ويكون العمل الفني بكل تفاصيله ناتجا عنها(14).
ومن الملاحظ على هذا العرض بأنه لم يستغل طاقات الممثلين وأدواتهم الحقيقية، الأمر لو وجد كان سيعمق طبيعة العلاقة بين الممثلين والجمهور، ويبرز هذا العرض بشكل أفضل، ويبتعد عن التضخيم والصراخ والأداء المفتعل في بعض المواقف المسرحية.
ومن ملامح هذا العرض حرصه على تأكيد هويته سواء أكان في الفضاء الجغرافي للعرض، او الحوارات السردية حيث وظف العرض ( اللهجة المحلية) السجعية، في حين اعتبر البعض أن استخدامهاشكل صعوبة في فهم مضمون الحدث الرئيسي في العرض, كون المشاركين بحاجة إلى مزيد من التدريبات على الإلقاء الخطابي ومخارج الصوت بصورة صحيحة.
وهذا جعل الحوار يتحول إلى حديث داخلي يتردد بين ردهات الديكور الخشبة الذي اكتسح الفضاء المسرحي، حيث برز من خلال خيام للصيادين, بينما الشخصيات الأخرى كانت تطلع وتهبط في العمل بشكل أفقي وعمودي بشكل مستمر.. وربما ضعف الأجهزة الصوتية ساهم في صعوبة معرفة مضمون الحوار, فأصوات الممثلين عندما يكونون في مقدمة الخشبة تكون واضحة،ثم تبدأ في الذوبان في العمق تدريجيًّا. إضافة إلى غلبة النبرة البكائية على الأداء، كما أن المونولوجات أصبحت طويلة ومكررة, بحيث تعيد تفسير الحدث، مما ولد إرباكاً لدى المتفرج.
فضلا عن أن توظيف الديكور في مساحته الكبيرة, كان تجريديًّا, ومتحركًا.. وقد حرص المخرج على أن يتخلل العرض الموسيقي الحي، نظرًا لأن (الموسيقار) الذي كان يعزف للعرض المقطوعات كان يجلس في أعلى المسرح، يسار المشاهد.. وهذا ما جعل العرض وسيلة تعبيرية حية، ولدت في ذات المشاهد الكثير من التساؤلات؟!
رابعا: عرض مسرحية «التريلا»
لمسرح عجمان الوطني
عندما تزداد حدة الصراع بين (السياسة والدين) تكون الشعوب هي الضحية، ولعل ما يدور في رحى عالمنا العربي، الربيعي الحاضر.. خير دليل على ذلك . وبلغة بصرية مشحونة بالكثير من الرسائل السياسية الناطقة بأحلام وأنات الشعوب، جاء عرض مسرحية (التريلا)محفوفًابمخاطر العلاقة بين رجال السلُطة ورجال الدين!.. وهي مسرحية من تأليف إسماعيل عبدالله، المأخوذة عن رواية (زوبك) للمؤلف التركي الشهير عزيز ناسين، وهي من الروايات الشهيرة التي عالجها دراميًّا سابقًا رفيق الصبان في مسلسله الشهير (الدوغري), من بطولة الفنان دريد لحام عام 1992م.
وفي ظل تنامي سلُطة وسائل الإعلام وسرعة نقل الخبر, وتحليل القضايا السياسية التي تهم الشارع العربي، كان لزامًا على المسرح مواكبة ذلك، مما يمكنه من طرح القضايا السياسية والاجتماعية(15)..
وبشيء من الجرأة الصارمة, استطاع عرض مسرحية «التريلا» أن يعبر عن أوجه الأنظمة القمعية، لتقديم رسالة صريحة معبرة عن واقع الشعوب العربية من قبل السلطات العليا التي تدار في الأغلب بين شخصيات وصولية تزرع الوهم بينهم، وتجعلهم يشعرون بأهمية السلُطة، كونها تقدم لهم الحماية وتشعرهم بالأمان!.. وهذا النوع من الشخصيات الانتهازية هدفها الوصول إلى المناصب على حساب الطبقة الكادحة، فهي تبيع الوهم والكذب السياسي لهم، كما أنها تسعى إلى تكوين صورة ذهنية زائفة، موضحة أن أحلامهم ستحقق مما يمكنهم من العيش بأمان, بينما الحقيقة غير ذلك؟!.. وعندما يتطلب الأمر، فإنها تتخذ أية وسيلة لإغراء الشعوب حتى يتسنى لها السيطرة.. وهذه استعارة صريحة وواضحة توضح بأن السلُطة إذا ما أرادت أن تحكم شعبا فعليها أن تضلله!.. وبرغم تراجيدية العمل وقتامة الأحداث، إلا أنه لا يخلو من الحس الكوميدي، الذي يقتربمن الكوميديا السوداء(16).
وتظهر في هذا العرض ملامح ظلال المسرح البرختي(17) كونه يكشف الأوراق السحرية للسلُطة، ويعري الأحداث الدرامية, حيث عمد المخرج الكويتي محمد الحملي على كسر الحاجز الرابع (العلبة الايطالية) في المشهد الذي يتعاطى فيه الشعب المخدر، مما جعل الممثلين يخرجون إلى صالة المتفرجين، وهم في اللاوعي.. الأمر الذي جعل هذا العرض يقترب مع روح المسرح السياسي بكل محاذيره(18)!
وكان هم المخرج (الحلمي) منذ البداية خلق حالة استنفار في ذهن المشاهد، وهذا بدوره جعل الإيقاع مشدودًا قدر الإمكان وجعل المشاهد مستيقظًا, ومتلقيًّا إيجابيًّا في الوقت نفسه، وهذا يتوافق مع ما نادي به (سعدالله ونوس) في توضيح العلاقة بين المسرح المتلقي السلبي، والدعوة إلى تنشيط خيال المشاهد بحثًا عن لحظة تفاعل جادة ومثمرة قائمة على السؤال والتأمل والحوار في الفضاء المسرحي الذي يعبر عن الوعي الجماعي للجمهور( 19).
ومما أكد الطابع البرختي الذي انتهجه المخرج من خلال ظهور شخصية الراوي (المسحراتي) التراثية، والملقب (عبود العنكبوت), الذي أكد على أن ما يحدث على خشبة المسرح ينذر بالخطر القادم, وهو يردد على مسامع الناس: «قوم اصحى يا نايم.. وحد ربك الدايم.. قوم اصحي وفتح بسك نوم..زاد الدنيا يبغى عزوم.. لا تصدق حكمة موهوم.. مبخوت اللي يبات عزوم»(20).
ومن ناحية أخرى، فقد رسمت «السينوغرافيا» جمالية ظلال المسرح البريختي، من خلال الديكور التجريدي الذي استغل عمق المسرح في كلا الجانبين، مما أحكم لعبة الإخراج، وهذا بدوره أفسح المجال للتريلا للدخول إلى خشبة المسرح، وهي تمثل الحكومة أو المنقذ الذي جاء ليشعر الناس بالأمان, بينما هو في حقيقة الأمر وسيلة لتوزيع المخدر وجعل الناس يعيشون بعيدًا عن الواقع. بينما قامت «الإضاءة» بدور مهم أحدثت نقلات سريعة بين المشاهد.. من خلال التركيز على نقاط الفعل الدرامي، وتحقيق علاقات ترابطية بين مجموع الخطوط والأشكال والتكوينات والألوان والعلامات التي تتوحد بحزمة ضوئية. كما ساعدت هذه الحزم على إسقاط كم هائل من الانفعالات والحالات والرؤى والأفكار التي تتكون منها ذات المصمم، مما ساعد على تحقيق نوع من الـتأويل وتحويل المكان الى زمان افتراضي, يتوافق مع ردة الفعل الذهني والحركي للمؤدي، ويشغل مساحة من الفضاء المسرحي.
كما سعى المخرج في هذا العرض الى «تكثيف» لغة التواصل مع المتفرج، أولا، عن طريق المحافظة على الإيقاع، وثانيا، عن طريق توظيف «الإضاءة» لإبراز نقاط التحول في الشخصيات، وهذا بدوره جعل المشاهد يتعاطف معها ويستشعر ألمها، دون أن يعطيه فرصة للاسترخاء, فهو حريص على حقنه بجرعة مضاعفة من همه الحياتي ؛ الاجتماعي والسياسي المعاصر.
وخاصة عندما يتظاهر الناس في الساحة أمام «التريلا» وهم في حالة فوضى، وفي نفس الوقت لا يعلمون كنه الذي يتظاهرون حوله, كونهم مسيرين أكثر منهم مخيرين!.. والشخصية الوحيدة التي كانت أشبه بالناقوس الذي دق الخطر، وهو بمثابة ضمير الأمة من خلال شخصية (عبود العنكبوت) الذي لعب دورًا مهمًا في ايقاظ ضمير الأمة قائلا في نهاية المطاف:
« اللي نحن فيه يشبه لعبة القمار.. صدق يوم قالوا المحروق والمنكوي بنار القمار ما يشبع.. وكلما انكوى زياده يلعب زياده.. عشان ايعوض خسارته وينقذ نفسه.. وجماعتنا مع إنهم عارفين ومتأكدين إن جمعان كذاب.. لكنهم خايفين إنه يطلع مرة صادق.. وساعتها بيخوزقهم خوازيق لها أول ما لها آخر.. وكلما خوزقهم ابكذبه يلعبون وياه أكتر علشان ايعوضون فرق الخوازيق.. يمكن تصدق كذبته الجديدة.. يا سبحان الله.. الإنسان كلما اتخوزق أكثر كلما زاد إيمانه بالكذب!»(21)
ولقد استمتع الجمهور بأداء فريق التمثيل الذين استطاعوا ان يقودوا الأحداث حتى النهاية, فقد كانوا يؤدون أداورهم بكل اقتدار ومحبة بغية تحقيق الوحدة الفنية لهذا العرض, كما يتضح اشتغال المخرج الحملي على اختيار الممثلين(التركيب الفسيولوجي), وأدواتهم التي مكنتهم من تكوين فريق تمثيلي واحد، مع تأكيد على هوية العامة للموضوع من خلال ارتدائهم الازياء الشرقية. كما سعى العرض إلى تضخيم الفعل الكاريكيتري لرجال الدين السلفيين وأظهرهم وهم يتملقون لرجال السلُطة. وبذلك فإن الفضل يعود لعرض «التريلا» في فضح رموز السلُطة ومؤامراتهم ضد الشعب !
خامسا: عرض مسرحية (سيد القبو ) مسرح بني ياس
كثيرا ما نسمع عن منظمات حماية حقوق الإنسان، ودورها في محاربة الإتجار بالبشر، حيث أصبحت الكثير من الدول أعضاء في هذه المنظمات، نظرًا لتنامي مشكلة هدر كرامة الإنسان، واستغلال الحاجة والعوز لتحقيق مآربها غير الشرعية.. وفي عرض مسرحية (سيد القبو) للمؤلف جمعة علي والمخرج حبيب غلوم, كان أطفال الشوارع هم أبطال قصة إنسانية تستحق المشاهدة.
تفاجأ المشاهد بعد إزاحة الستارة، بأنه أمام قبو (تحت الأرض)، شبه مظلم، حيث يمكن مشاهدة وصلات الأنابيب في عمق المسرح، والتي جعلتنا نشعر بالأجواء الضبابية، فيما ظهر شباب يرتدون ملابس بالية، ممزقة، وهناك سرير حيث يرقد «سيد القبو» بينما فتاة تقوم بخدمته . ثم تتصاعد الأحداث الدرامية ليتضح أن سيد القبو يدير مجموعة من الشباب(أطفال الشوارع) ويستغلهم لتحقيق مصالحه ومآربه المادية.. ثم تتطور الأحداث المسرحية، لتصل إلى الذروة عندما يظهر زعيم عصابة (المافيا) للاتجار بالبشر .
ويلحظ المشاهد التركيز على الشخصيات الرئيسية في هذا العرض، حيث ظهرت شخصية (سيد القبو) في البداية وهو رجل سكير، وسرعان ما تتسع بؤرة الحدث لتكشف عن الوكر الذي يجتمع أطفال الشوارع فيه, بينما هو لا يزال يسيطر عليهم ويسخرهم لجلب المال !.. ويتضح أن الفتاة (العاملة)، إنما هي أيضا من أطفال الشوارع؟!.. وهذا بدوره جعلنا نشعر بحدة الصراع الدائر بين الشخصيات، حيث تشهد خشبة المسرح صراعًا بين السيد والشاب.. نظرًا لاختلاف الآراء والإحساس بالظلم، وفي ذات الوقت، فإن شخصية (السيد) تعيش صراعًا ذاتيا مع نفسه، خاصة عندما يفضل الإبقاء على الأطفال وعدم المتاجرة بهم . في حين تعيش الشخصيات الأخرى معاناة عندما يكتشفون أنهم مجرد أطفال شوارع !
وبرغم حصر (مساحة الفعل الدرامي) في مجال ضيق، إلا أن الفنان والكاتب جمعة عليوالذي قام بدور (سيد القبو) استطاع السيطرة على دفة الحدث الدرامي، ,مؤديًّاشخصية السكير المركبة التي كشفت عن الكثير من العقد النفسية الرتيبة في ذاته والآخرين المحيطين به.. واستطاع أن يقود فريق العمل التمثيلي بصحبة نخبة من الممثلين الشباب، منهم الفنان علاء النعيمي الذي كان رائعًا في دور الفتى، بينما أدت الفنانة الشابة ريم الحمدان دورها بكل إتقان وعفوية.. كما عمل بقية الطاقم بحرفية عالية مع استغلال أدواتهم الإبداعية المسرحية قدر الإمكان.
وتبرز الرؤية الإخراجية لحبيب غلوم من خلال قدرته على تدريب الممثلين بشكل مكثف، مما جعل العرض يقترب من الشكل الأكاديمي الاحترافي، وخاصة وأنه استخدم اللغة العربية الفصحى .
كما برزت في هذا العرض جغرافية المكان, حيث المسرح بمعناه المكاني أو الجغرافي؛ يركز على تلك المساحة التي لها علاقة بالمشاهدين من جهة، وما يعرض عليهم من جهة أخرى. ولقد اتخذ المسرح من المجتمعات المختلفة والأزمنة المتعاقبة أشكالا مختلفة, وعلى الأغلب فإنهيرتبط بفن العمارة والفن التشكيلي بصورة عامة(22)..
وتناغمت في هذا العرض مفردات «السينوغرافيا « بغية رسم جغرافيا الفضاء المسرحي من خلال الديكور الواقعي..حيث اتضحت ملامح القبو الرمادية، كما ساعدت الإضاءة على إعطاء إحساس بأجوائه المعتمة..كما يمكن مشاهدة أقنية الإضاءة الصغيرة التي وضعت في زوايا الأنابيب، والتي جسدت المكان الذي عاش فيه أطفال الشوارع.. كما عكست أزياء الممثلين وألوانها الحالة النفسية للشخصيات.. وهذا ما يفسر غلبة الألوان القاتمة على عناصر العرض المسرحي .
وهذا الإسقاط على الذات الإنسانية بغية التعبير عن أحلامها وشجونها، أحالنا إلى المدرسة التعبيرية التي تكشف عما يعتمل في روح الفنان من صراع داخلي، بدلا من الرؤية الانطباعية من خلال الأداء الظاهر(23) .
ويفترض أن يسعى عرض مسرحية «سيد القبو» إلى تكشفت الشخصيات وإجراء عدد من التحولات غير المتوقعة فيها، والتي يمكن أن تباغت المشاهد وتكسر توقعاته وتقلل من مساحات الملل لديه، وفي عرض مسرحية (سيد القبو) كان أمام المخرج والمؤلف بؤر كثيرة يمكن استغلالها, مثال على ذلك انتقال الحدث من الاتجار بالبشر إلى دائرة أوسع وهي السيطرة على (الشعب) داخل القبو من قبل الغريب.. وهذا يعني بأن هناك جهات أخرى تتحكم في القبو وقاطنيه!
وانتهت هذه المسرحية بنهاية متوقعة من خلال موت (سيد القبو) على يد شاب من أطفال الشوارع، عندما حدث شجار والنزاع اليومي الاعتيادي، فيما كشف (سيد القبو) عن مصدر المال الذي احتفظ به طوال السنوات الماضية، والذي أصبح فيما بعد ملكًا لهؤلاء الأطفال، ولكن بعد فوات الأوان؟!.. وهذا جعل العرض يقع في المباشرة.
بشكل عام تظل مسرحية « سيد القبو» محاولة سعت إلى التوغل في صميم الذات الإنسانية، حول المتاجرة بالبشر وانتهاك حقوق الطفولة، والتي أصبحت تعقد لها المؤتمرات الدولية والمعاهدات الدولية, ولكنها تبقى حالة إنسانية تنتظر ردود فعل حقيقية يمكن أن تستأصلها؟! .
سادسا: عرض مسرحية « مساء الورد « لمسرح دبي الأهلي
من عالم القواعد الرصينة المحفوفة بظلال التيار الواقعي والطبيعي في المسرح، جاءعرض مسرحية « مساء الورد» معبرًا عن روح أبطاله، الذين تسكنهم طيوف الذاكرة الجميلة، وهذا العرض من تأليف وإخراج العراقي محمود ابو العباس. وهو عرض مسرحي تناثرت أطيافه في الفضاء الأثيري، باحثة عن ذاتها عبر أطياف الذاكرة التي سكنت السجون، وهي تتوق الى قلوب أخرى للسلام، لذا كان المساء ورديًّا وسط ضبابية الحرب، وما تخلفه من آثار مؤلمة، تلغي كل قصص الحب والسلام.
ومنذ الانطلاقة الأولى لهذا العرض يمكن ملاحظة الإغراق في الرمزية(24) التي طوقت أحداث الموضوع, حيث لجأ مؤلف ومخرج العرض إليها ليصبح الرمز كما يقول إرنست كاسيرر « وسيلة لتخزين وحفظ التجارب الحسية البسيطة العابرة, بحيث تكتسب صفة الدوام التي لا يمكن للخبرة الإنسانية أن تنمو بدونها»(25)
ويتحدث عرض مسرحية (مساء الورد) عن أسرة هاربة من أجواء الحرب المعتمة, حيث الشعور بالخوف، والقلق، والضياع، وفقدان الثقة بالآخر.. وبهتان العلاقات الاجتماعية بين أفراد الأسرة الواحدة .
كما يتضح نضج تجربة أبو العباس في تجميع مفردات «السينوغرافيا» الجمالية للعرض مضافاً إليها حركة الممثلين. حيث برزت فنيات «الإضاءة» عبرت عن الواقع المؤلم الذي تعيشه الشخصيات ضمن دوائر مغلقة، حددها السجن الذي استقرت العائلة بين أعمدته العتيقة، والذي تراكم غبار الزمن عليه. وبدت جميع الشخصيات محاصرة بأطياف السجناء الذين سكنت أرواحهم المكان . لذا كان للإضاءة دور مهمفي الوقفات، والظهور والاختفاء، والظلام والإنارة.. وخاصة أن المخرج استغل مساحة الظلام والضوء في رسم حركة الممثلين.. فقد كانت الحركة محسوبة على الفضاء المسرحي، كما تتضح السيمتيرية العالية في التناغم مع الآخر، ومحاولة التواصل وجدانيًّا.. وروحيًّا معه.
فما ضخمت الإضاءة الشعور بالغربة والبحث عن الذات، وتعميق الشعور بالألم والخوف من المجهول.. فيما أنارت الشموع الأمل في النفوس، والتي كانت الفتاة تشعلها على يسار المتفرج لإذكاء روح الأمل في النفوس الحائرة.. والتي أيضا أضفت جمالية عالية على خشبة المسرح, إضافة إلى رمزيتها وشاعريتها .
اختزل الاداء التمثيلي الحالة النفسية التي تعيشها الشخصيات, في ظل تشتتها وضياعها، حتى جعلت المشاهد مشتتًا غير قادر على فهم رسالة العرض، ولم يلتفت المخرج المؤلف ابو العباس إلى هذه التعبيرية العالية،التي ساعدت في الإغراق في الرمز, وشكلت حاجزًا يصعب اختراقه، ساعد على ذلك الشاعرية العالية للغة الخطاب المسرحي..
وإلا أنه لابد من الإشارة، إلى أنه رغم الدقة المتناهية في تنظيم حركة الممثلين وأدائهم على خشبة المسرح، والتي التحمت بمفردات السينوغرافيا العامة، خاصة عندما يصبح «الممثل « جزءًا من الديكور، بحيث يشكل خلفية متحركة، لا تلبث أن تتواصل مع الآخر على الخشبة.. حيث سعى المخرج المؤلف على تحقيق سيميترية عالية على المنصة, تناغمت مع حركته العالية الدقة, والتي بدت مدروسة وقاتمة في نظرتها للمستقبل .
وفي ختام هذا العرض تحركت الطفلة أقصى اليمين.. كما تحركت الشموع معها, لتضيء عتمة المكان وهي تردد: « افرحي يا دنيا قد جاءك نور، ستصير الشمعة ماء ونور»(26).. بينما بدأت الفواصل الوهمية في الذوبان على عمق المسرح، في حين ظلت الشموع مشتعلة بصورة جمالية .
أخيرا، لا يمكن انكار أن عرض مسرحية «مساء الورد» قد بدت بعض عناصر العرض المسرحي فيه شبه مكتملة, مما جعله يشكل ورشة مسرحية. إضافة إلى الأداء التمثيلي والبناء الدرامي للعمل، فيما جاءت الأزياء والمكياج لتعمل جميعها على تحقيق الوحدة الفنية .
كما برز توظيف «المكياج» لأغراض عملية وأخرى جمالية. والذي يعتبر أداة مهمة في تشكيل الشخصية المسرحية وإمدادها بالملامح المميزة وإضفاء صبغة واقعية عليها، ويمكن ان يجمل المكياج المسرحي صورة الممثل تماما مثل المكياج العادي، على اعتبار أنه جزء من التشكيل الجمالي العام للعرض. وفي بعض العروض الدرامية، مثل أفلام ومسرحيات أو مسلسلات رعاة البقر مثلا، يقوم المكياج بدور مهم في الدلالة على ملامح الشخصيات وثقافتها(27).
سابعا: مسرحية « زيت وورق» لفرقة مسرح حتا
عندما يبحث المسرح في فلسفة الحياة وشجونها، فإن عليه الخروج إلى الطبيعة، حيث المكان الذي يمكن أن يتنفس فيه، ويشعر بمعنى الحياة الحقيقي، وهذا ما فعلته شخصيتي عرض مسرحية ( زيت وورق)من تأليف وإخراج علي جمال، والذي نقل شخوصه إلى العراء, حيث الطبيعة التي احتضنت «الملك لير» في مسرحية شكسبير(28).
برغم اختلاف أهداف مسرحية «زيت وورق» عن مسرحية « الملك لير» لشكبير، إلا أنهما تتماثلان في الوصول إلى كنه الوجود الإنساني، الباحثة عن الذات المفقودة.. فقد جرد المخرج (جمال) شخصياته من جميع مكملات الحياة وتفاصيلها الصغيرة.. ونقلها إلى العراء حيث الطبيعة .
فمنذ بداية عرض (زيت وورق) نشاهد شخصيتين في اللازمان واللامكان وسط الفضاء المسرحي 29، ولم تتضح هويته الجغرافية، حيث نشاهدهما في الظلام وهما يحملان قنديلالإضاءة عتمة الليل البهيم وسط العراء.. وتظل الشخصيتان تنتظران وتنتظران.. بينما يغلب الصمت على المنصة.. عقب ذلك, يتمرد (المؤلف، المخرج) وتصيح إحدى الشخصيات: « إنه يقترب.. لا تستعجل.. بات قريباً.. لقد دخل في المصيدة»(30).. بذلك يتضح أن سبب الانتظار هو صيد الطريدة.. والتي لم تلبث أن تفر هاربة !..فيخيم اليأس والحزن عليهما مرة أخرى !.. ويظلا وحيدين في الخواء . عندئذ يغضب الرجل الذي يحمل (القنديل)وفي المقابل ترتسم على وجه المثقف(الذي يحمل كتابا) ابتسامه التفاؤل، لأنه حسب ما قرأ فإن هناك من ينتظرها في المدينة المثالية التي يحلمان بالعيش فيها، وهي مدينة خالدة ومثالية!
عقب ذلك, تبدأ الشخصيتان في التكشف، فالأول إنسان بسيط, متردد في صراعه مع الحياة.. بينما الآخر مثقف، يحمل كتابًا معه وهو يقرأ باستمرار.. وتغلب الرمزية في التعبير لفك طلاسم العمل الغامضة، والتي تضمنت دلالات متضادة ؛ المعرفة والجهل.. الظلام والنور.. الخوف والشجاعة.. فقد كان الرفيقان متناقضين في خصالهما وهما يحملان القنديل الذي يشتعل بالزيت.. وينتصر المؤلف للرجل المثقف ،عندما يجعله ينطق بالحكمة ويفك طلاسم المستقبل والذي يبدو غامضًا، بشيء من التوجس..
عقب ذلك، نشاهد « فزاعه» ترتدي معطفًا وهي تحمل مظلة.. يقترب منها ويأخذ المظلة.. وسرعان الرجل البسيط ما يتراجع عندما يقرأ المثقف.. رسالة الفزاعة التي تقول بأن هذا الرجل(الفزاعة) قد توفى منذ سنوات.. يتراجع الرجل البسيط.. بينما يكمل المثقف قراءة الوصية، التي تشير إلى انه من الصعوبة بمكان مغادرة المكان.. وهذا يعني أنها النهاية الحتمية لهما.
سعى المخرج(علي جمال) منذ البداية في هذا العرض إلى تجسيد مفردات الطبيعة، حيث العراء، الرياح, الظلام الحالك، حفيف أوراق الشجر.. بالمقابل كانت الشخصيتان تحملان (القنديل-الزيت- والورق), لإبداع جمالية أخرى رصدتها عين المخرج ومصمم السينوغرافيا.. فكأننا أمام لوحة حية، معبرة.. وعبثية في ذات الوقت.. وخاصة عندما ظهرت الفزاعة التي أكدت عبثية الوجود، بأن الفناء واقع لا محاله !
وأخيرًا، تتحول الفزاعة إلى علامة للموت والضياع الحتمي.. ثم نلمح الحبال المنتشرة على خشبة المسرح، وقد بدأت تلتف حول رقبة الشخصيتين لتكبيلهما.. . ويبقى عرض مسرحية ( زيت وورق) يدور في فلك الحدث الدرامي، المشحون بكم من الآهات وآلام البشرية أمام زيف الحياة وفلسفتها الوجودية, مما جعله يتضمن الكثير من الدلالات الفلسفية والجمالية..مع تزامنها بقضايا من واقعنا، الذي أصبحنا فيه مسيرين أكثر منا مخيرين.. في ظل حمى نيل الحريات، وشجب السلطات بالظلم, وانعدام العدالة في توزيع الثروات بين الشعوب.
ثامنا: عرض مسرحية «نهارات علول» للمسرح الحديث
«ارفعوا رؤوسكم واملأوا من فوقكم الفراغ».. عبارة ترددت أصداءها في ردهات المسرح, معلنةً صيحة «علول» لتقديم عرض مسرحي فرجوي شعبي، حداثي الطابع.. ينحاز إلى المهشمين والمسحوقينمن الناس, أولئك الذين يقودهم حلمهم النقي، لمقاومة كل ما هو شرس وعدواني ومظلّل لحقوق الإنسان، وتضييق الخناق للحريات الشخصية.مع السعي إلى تضخيم الحالة النفسية الفردية، لتصبح ظاهرة شعبية عامة في عرض مسرحية «نهارات علول» الذي كان نهاره طويلا.. مما جعل المشاهد أمام عرض مسرحي(نهاري ) الطابع, مسائي المضمون, فهو قاتم وداكن لموضوعه, وهذا العرض من تأليف مرعي الحليان وإخراج حسن رجب..
التمس عرض «نهارات علول» من الحراك الربيعي للوطن العربي، موضوعًا له.. حيث كان «علول» رمزًا للمواطن البسيط الذي يعيش ويستيقظ على أمل بنهار جديد، يؤمن له لقمة العيش.. وأن ينعم بالسلام والأمان.. ولكنه طويل الأمد.. ممتدا بطول عمر الرصاصة التي استقرت بجسده منذ زمن.. بينما هو يواصل حياته قائلا: «رصاصاتهم لا تقتل، بل تموت فينا»31.
وبرغم معاناة «علول» من الرصاصةومرارة الحياة، إلا أنه ظل يكابد الحياة, ويحاول أن يعيشها ويستمر في أحلامه.. بينما الآخرون ينظرون إليه على أنه رجل مبارك وصاحب كرامات، وهم ينتظرون قيامه بمعجزات ليخلصهم من واقعهم المحفوف بالألم والمعاناة, ولكنه يرفض هذا التبجيل ويطالبهم بتغيير الوضع المحبط الجاثم على صدورهم، وأن يزيحوا الخوف عن طريقه، وأن يرفعوا هاماتهم!
قدم العرض بلغة بصرية حوارية تضخم معاناة الشخصيات، التي قدمتكفرجة مسرحية على غرار مسرح الجروتفسك(32) الذي يقابله في لغة الإعلام «فن الكاريكاتير»، وكانت هناك بقعة ضوئية تتعقب علول وهو ينتقل من لوحة إلى أخرى، جارًا وراءه خيوط الحدث الدرامي، وكان حلمه هو وزوجته بأن يكون لديهم أبناء يناضلون ويطالبون بحقوق الآخرين، انتهاء بنفسه.. وهو يتلقى رصاصة أخرى جعلته يمشي وهو في حالة اختلال وعدم اتزان .. رغم أن التحقيق معه جار!
وقدم حسن رجب في هذا العرض برؤية إخراجية استطاعت أن تلتقط الحدث وترفض تقديمه كما هو !.. كما أن هناك نظرة مختلفة لواقع المرأة في حياة «علول» فهي ليست زوجة عادية.. لذا كان عليها أن تنجب أبناء يتمتعون بصحوة فكرية، ويسعون نحو التغيير والإصلاح لغد أفضل!
كما وظف «مسرح العرائس»(33) في هذا العرض للتعبير عن الأبناء أو شباب الأمة بواسطة الدمى، بطريقة جعلت المشاهد يرى الجانب السلبي للموضوع قبل الجانب المضيء. كما اتضحت الحرفية العالية في الانتقال من الخاص إلى العام، ومن المألوف إلى الغريب….وهذا بدوره جعل المشاهد يضحك..ولكنه قبل أن يكمل ضحكه يكون قد تجرع همه !.. بالفعل إنها مفارقة غريبة، سعى (علول) وبقية الطاقم التمثيلي لإيصالها للمتلقي..مما كان سببًا في رفع الإيقاع.. وتفاعل المشاهد مع العرض حتى آخر لحظة.. وهذا بدوره حقق نوعًا من الالتحام بين الصالة وخشبة المسرح .
أما عن مستوى (الأداء التمثيلي) فقد زخرهذا العرض بطاقات استثنائية في التمثيل وتقمص الشخصيات, والاداء الكوميدي الساخر، وتلقائية مدروسة، مع القدرة على تلوين نبرات الصوت في الاداء.. واستطاع الفنان المتألق (جاسم الخراز) التماهي مع دوره الذي كان يتطلب منه حركة مستمرة في أجزاء مختلفة من جسده, نتيجة اصابته بالرصاصة التي كانت تصيبه بحالات غريبة ومتناقضة من الألم والدغدغة والضحك والصراخ والالتواء والتأرجح بين ضفتي البقاء والفناء.. مما جعل الصالة تتفاعل معه.. ليتمكن بذلك «علول» من كسر الأداء التقليدي.. حيث كان جسده معبرًا جيدًا لدوره.. كذلك بقية الطاقم التمثيلي الذين كانوا فاعلين ومؤدين ملتمسين من الواقع دليلا ينير دربهم.
ولم يقتصر دور الممثلين على التمثيل فحسب، وإنما تحولوا إلى جزء من الديكور أحيانا، وأحيانا أخرى كانوا بمثابة (الجوقة).. وأحيانا أخرى يتحولون إلى الجمهور أو الشعب (الحرافيش)(34) وهو مسمى أطلقه مؤلف العرض، على الطبقة الكادحة من الشعب, التي حملت أوجاع رصاصة «علول» فهم ظلال للشعوب العربية التي سحقتها الأنظمة القمعية, كونهم يمثلون الدهماء أو العامة الذين يحتاجون إلى صحوة فكرية تحرر أجسادهم من جميع الرصاصات المغلوطة!
وسعت السينوغرافيا(35) العامة للعرض على الارتقاء بلغة النص، وتفاعل الديكور معها من خلال توظيفها في ثلاث مهام، وهي: كراس للجلوس، وسجن للمحاكمة، وحاويات للقمامة.
وبرغم اعتماد العرض المسرحي على بطل العرض «علول» الذي يعتبر هو القائد الفعلي لجميع الأحداث على المنصة, إلا أنه لم يخل من المؤثرات الموسيقية الحية, كما توافق عزف «الطنبورة» -وهي آلة موسيقية تستخدم للعزف التقليدي لدى الشعوب الأفريقية – مع النقلات السريعة للفرجة المسرحية.. في حين فرغت الأزياء من هويتهاالثقافية، لترسم جغرافيتها وتحدد هويتها من خلال معاناة شخوص العرض.
ويحسب للمخرج قدرته الهائلة على تحقيق الوحدة الفنية لهذه المسرحية، محاولاً الالتفاف حول الذات الإنسانية، فيما تحولت عناصر العرض الأخرى إلى علامات ذات دلالات سيميولوجية(36)، مما جعل العرض يغلب عليه اللغة البصرية أكثر من الحوار السردي, وقد حمل هذا العرض رسائل مختلفة إلى المتلقي, حتى في لحظات الصمت التي سادت في الدقائق الأولى للمسرحية. وترى آن أوبير سفيلد في «مدرسة المشاهد» أن التقاطع التخيلي واللعبي يتم على مستوى الممثل بطريقة مركبة وساحرة، حيث يشكل الممثل دعامة مجمل العناصر السيميوطيقية في المسرح. وهو الباعث لعدد ضخم من العلامات غير اللغوية التي يمكن ترجمتها لغويا من طرف المتفرج.(37).
وبذلك يكون عرض مسرحية «نهارات علول» عبارة عن نهارات طويلة, تشربت برؤية بصرية أمتعت عين المشاهد، فيما موضوعاتها خاطب ذاته ،كما التمست من أحلامه الضائعة وسيلة للتعبير عن قضاياه التي أصبحت تعيش «نهارات» مفتوحة، يصعب معرفة نهايتها.
تاسعا: عرض مسرحية (خلطة ورطة) لمسرح أم القيوين
إن البحث عن فكرة استثنائية لتقديمها على المسرح، شغل بال المؤلفين والمبدعين في مجالات الفنون البصرية. وفي أيام الشارقة المسرحية كان الجمهور على موعد مع المائدة الشهية في عرض مسرحية « خلطة ورطة» للكاتب اسماعيل عبدالله والمخرج أحمد العامري.
إن اللحظات الأولى للعرض أحالتنا إلى عالم المطابخ والطناجر والملاعق والصواني والصحون وغيرها من أدوات المطبخ التي رافقت أبطال عرض مسرحية( خلطة ورطة) الذين فتحوا شهية المشاهد للحديث عن ( الهريس والبرياني)، إضافة إلى الأكلات الفرنسية والعالمية.. وهذا المزج بين الأكلات الشرقية والغربية، ولد صراعًا بين أجيال الطباخين، فهناك الطباخ التقليدي الذي يريد أن يظل كما هو عليه، فهو يطبخ الوجبات التقليدية، الهريس والمكبوس.. الذي اعتاد عليه.. بينما جيل الطباخين من الشباب.. يطمح إلى تقديم الوجبات العالمية الممزوجة بثقافة الغرب، وكلماته الأعجمية، وطريقة لباس الطباخين في هذا العرض.
بينما الطباخ الأكبر عمرًا يفضل أن يبقى كما هو, دون في تمسه رياح التغيير، فهو يشعر بالأمان بجانب صحونه ومراجله القديمة.. وهذا يؤكد بأن صراع الظاهر في هذا العرض, هو صراع أجيال، وصراع ثقافات، وصراع على مصادر الغذاء أيضا. إن التضاد الفكري بين الشخصيات جعلها تدور في قاع (المرجل) الكبير، في حين يحضر التجار(الهوامير) للمساومة, بغية الاستفادة من هؤلاء الطباخين في مؤتمر دولي للغذاء لتحقيق مكاسب مادية .
وقد كان من المتوقع في هذا العرض المسرحي البحث عن قضايا أكبر وأعمق، حيث من الممكن أن يكون عالمنا الشرق الأوسطي هو الخلطة الربيعية، التي أصبحت من الصعب جعلها تستوي في «قدر واحدة»، لذلك فهي عبارة عن طبخة لم تستو بعد !
وهذا جعل عرض (خلطة ورطة) يقع في مطب السطحية والمباشرة، ولم يتعد تلك الحدود, وظل الصراع بين كبير الطباخين التقليدي(الأصالة) وصغير الطباخين (المعاصرة) صراعًا حول الوجبات الغذائية، مما يعني أنه لم يغادر المطبخ الإماراتي !..كما كانت هناك نماذج غرسها المؤلف وهي بمثابة نماذج إنسانية، يمكن استغلالها وإشراكها في الطبخة مثل الشيف المطوع, وهناك الشيف العصري إضافة إلى الطباخ التقليدي كما أشرنا سلفًا.. جميع هؤلاء كان ممكنا أن يشكلوا صراعًا فكريًّا ويساريًّا وحزبيًّا.. وعقائديًّا.. و أن تذوب عناصرها في الخلطة الربيعية المذاق.
كما تخلل العرض الرقصات الشعبية التقليدية, حيث ألحان البحر والغوص التي أداها الطباخون بصحبة أدوات الطبخ والتقديم (الملاعق والصحون والصواني), وجميع ذلك ساعد على العزف، وإعطاء إيقاع جميل يصل إلى مسامع المشاهدين فيطربهم .. بعد أن تحول الممثلون إلى (الجوقة) غنائية منشدة .. .مما جعل العرض يدور في لج (القدر) محاصرًا الطباخين الذين يرفضون التحليق إلى ما هو أبعد من ذلك ؟!
من اللافت للنظر ثبات القدر الكبير في عمق المسرح، ورفض تغيير مكانها.. فيما ظل الطباخون يحاصرونها.. وهذا الثبات جعل عين المشاهد تشعر بالملل أولا نظرًا لطول الحوارات السردية التي قدمت باللهجة المحلية الأقرب إلى الشعرية، ثانيًا لثبات عناصر العرض باستثناء مواقع الممثلين, حيث كانوا يتحركون بينما جميع عناصر الخشبة كانت ثابتة .
كما الذي ساعد على ذلك ثقل وحجم (القدر ) والذي كان يشغل حيزًا في الفضاء المسرحي، بحيث يصعب نقله، ولو أن المخرج خفف من ظلال المدرسة الطبيعيةفي العرض، وبالتفكير بشكل تجريدي لأمكنه رسم السيوغرافيا بصورة أخف وأقل تعقيدًا .
كما أن المبالغة في الحوارات ليست الوسيلة الصحيحة للقبض على لجام المشاهد, إضافة إلى أن الحوار كان فيه نوع من التكرار, وخاصةعندما يدور بين أجيال الطباخين، إضافة إلىذلك فقد انعدمت مساحات الصمت المسرحي، والتعبير الحركي الذي بدا، وكأنه يسير في خطوط موازية صنعها المخرج عند انتقائه للممثلين بين جيل الصف الأول في المسرح الإماراتي أمثال إبراهيم سالم، وسعيد سالم، ومحمد إسماعيل، وموسى البقيشي، وسالم العيان، مع مشاركة شابة تمثّلت في الفنانين ذيب داوود وناجي جمعة وحسين سعيد سالم. وجميع هؤلاء تصدوا لعرض ثابت في الرؤية البصرية، لذا وقع عليهم الثقل الأكبر, لشد المشاهد، فهم أحيانًا يمثلون, وأحيانا أخرى يستعرضون وينشدون..وفي نهاية المطاف كانوا يعملون بنفس الطباخ الذي يحرص على إتقان طبخته، والتلذذ بطعمها مهما كان؟!
بالنسبة لأزياء الممثلين والمكياج فقد تقاربت مع واقع المطبخ الخليجي، حيث شاهدنا وعرفنا منذ المشاهد الأولى بأنهم طباخون يؤدون أدوارهم بكل رشاقة وعفوية على خشبة المسرح، فيما تزامنت «الإضاءة» مع حركة الممثلين مع مستوى الحدث السطحي, والذي أصر أنه على عدم مغادرة المطبخ، فظل أسيرًا للقدر وللوجبات الشعبية.. وهذا بدوره فتح شهية الجمهور لمشاهدة عرض مسرحي أكثر نضجًا .
عاشرا: عرض مسرحية (أنت لست كارا) لمسرح الشارقة الوطني
من يكتب التاريخ فهو شاهد على عصره، ولكن عندما يُكتب التاريخ بصوره مغلوطة فمن هو المسؤول؟!.. في الماضي كان لكل حاكم «مؤرخ»يدون له ما يحدث في بلاده من أحداث وانتصارات وبطولات.. ولكنه في الوقت ذاته, لا يستطيع ذلك المؤرخ أن يكتب مثالب ذلك الحاكم وهناته وضعفه أمام عدوه!.. أنها مفارقة غريبة أن يكتب التاريخ بأيدي من يمجدون أنفسهم، بينما الحقائق التاريخيةتغيب عن الملأ؟!!
لذا فهناك رأي قاطع وجازم يقول بأن التاريخ عندما يكتب بيد مؤرخين لا علاقة لهم بالسلُطة،فإنه يعتبر الناقل الأمين لقصص وأحداث وبطولات الماضي..لكن بشرط أن يخلو من التزوير والمبالغة.. واستطاع عرض مسرحية (أنت لست كارا) الكشف عن التاريخ المغلوط من خلال تكشف شخصية ( كارا) ذلك البطل القومي المزيف الذي أصبح حديث الناس لدرجة أنهم نصبوا له تمثالاً تذكاريًّا وسط المدينة !.. بينما هو في حقيقة الأمر صعلوك تحول بالصدفة إلى بطل قومي…. إن التاريخ المغلوط وتضخيم الرمز القيادي.. جعل الرعاع من الناس وتشجيع من الرموز الحاكمة التي تدعم شخص (كارا) الشهيد، ويضفون عليه هالة من القدسية, حتى أصبح الاحتفال بموته واستشهاده تقليدًا سنويًّا.. تقرأ فيه أهم خطبة.. وتروى ملاحم بطولاته عن قتال الأعداء والانتصار عليهم أمام الملأ!
مشهدية بصرية رائعة طالعتنا في عرض «شهيد التين», حيث كدأب المخرج الإماراتي أحمد العامري،الذي يطل علينا برؤى إخراجية إبداعية , تكسر الأطر التقليدية، وهذه المرة استطاع أن يحلق مع نص عزيز نسين, ذلك الكاتب الساخر المتحذلق بالحس السياسي الروائي المسرحي.. لذا فإن عرض مسرحية (أنت لست كارا) كسر الكثير من الأطر التقليدية،بغية تقديم عرض فرجوى بصري بمصاحبة الجوقة العسكرية .
كما أصر المخرج العامري على استهلال عرضه من ردهات السجادة الحمراء الملكية التي فرشت بين الجمهور، بغية الخروج من إطار العلبة الايطالية المألوفة، وإشراك المشاهد منذ اللحظات الأولى في تقديم عرض فرجوي شعبي يتفاعل المشاهدين معه … حيث تعاظمت أصوات الجوقة تمجيدا (كارا) وبطولاته وإنجازاته وموته شهيدًا دفاعًا عن وطنه الكبير، وكان الثلاثة يشيرون إلى (كارا) ذلك البطل الذي خرج من وطنه وقاتل الأعداء, فهو مثال لهم للاحتذاء به والسير على نهجه، لذا كان هم الناس نسبه إليهم وتمجيده, رغم الأكاذيب والمبالغات والمعلومات المضللة التي وردت في خطاباتهم المفبركة، فهو مثال للشاب الذي قدم حياته فداء لوطنه.
بعد ذلك انتقل الحدث المسرحي إلى ردهات خشبة المسرح, من خلال رؤية إخراجية مغايرة, كثفت الحدث واستخدمت المؤثرات الموسيقية العسكرية الحية،لتتفاعل مع الحدث المسرحي, والتي جسدت لحظات التكشف في شخصية (كارا) بإيقاعات عالية، بغية الاحتفال الذي رعاه رئيس البلدية تمجيدًا له كرمز وطني فدائي . .
بعد ذلك وقف رئيس البلدية ليلقي خطابًا رنانًا أمام نصب الشهيد (كارا)معلنا للناس: « لقد حصلنا على بطل».. مما يوحي بأن كارا كان من الأصدقاء المقربين له . وأصبح مضرب الأمثال في الأخلاق والتضحية.. حتى تحول إلى بطل أسطوري لم يتكرر بعد؟!
ومع انتهاء الحفل وانسحاب الحضور، يتفاجأ الجميع بدخول رجل متشرد سكير يدعي أنه (كارا) فهو لم يمت في الحرب؟!.. رغم كل الأهوال والحياة الصعبة التي عاشها على أرض المعركة، وكانت تطارده الكوابيس الشرسة الملاصقة له في كل الأوقات.. وبعد الإدلاء برأيه تثير اعترافاته دهشة المسؤولين الذين لا يصدقونه في البداية، على أساس أنه شخص ثمل وصعلوك يهذي بحكايات وهمية لا علاقة لها بالواقع !..ويحاولون جاهدين نزع اعترافات لمعرفة السر . ولقد حاولت السلُطة تفريغه من المعلومات بطرق مختلفة.. كون أن ظهوره سوف يتسبب في حدوث إشكال كبير، وهذا بدوره سيقلص مساحات الثقة بين المواطنين والحكومة, والتي ظلت لفترات طويلة تمجد الشهيد (كارا), الذي أصبح رمزًا للوطن والنضال الوطني.
وحول ما نشرته وسائل الأعلام عن بطولاته واستشهاده والميداليات والنياشين الحاصل عليها والتي كانت بالفعل في حوزته، فقد كان يلعب القمار مع العدو وكل من يفوز يحصل على الميداليات. ولقد حاول (كارا) أن يسرد ما حدث له عندما فر من الجبهة العسكرية, وزور شهادة المشاركة في الحرب، فهو لا يريد ان يموت مثل بقية الشباب في ساحة المعركة، لذا أخذ يجمع النياشين من جثث العسكريين اللذين قتلوا في ساحة الحرب!
تميز العرض بوجود فريق تمثيلي قادر على التعاطي مع الأدوار بكل جرأة وتحد، بمعية المخرج أحمد العامري الذي أخرج سابقا للمسرح الاماراتي عددًا من الأعمال مثل مسرحية (صهيل الطين ) ومسرحية (حرب النعل).. وغيرها من الأعمال المسرحية.. أما في هذا العمل فقد كان للفنان والمخرج الامارتي (عبدالله زيد ) نصيب الأسدبقيامه بدور (كارا) بالطبع مع مساندة بقية عناصر العرض الأخرى لتحقيق الوحدة الفنية للعمل المقدم.فمن السمات التي ينفرد بها «الأداء التمثيلي» أن الممثل لا ينفرد وحده بإنتاج العملية الفنية المسرحية، ذلك أن العملية الفنية المسرحية متكاملة، يشترك فيها أكثر من عنصر تسبق الممثل أو تلحق به، فثمة مثلا- المؤلف والمخرج أو الملحن في الأوبرا أو مصمم الأقنعة، إلى غير هذا وذاك من مجموع الفنون التي لها علاقة مباشرة بالجمهور، ويكون العمل الفني بكل تفاصيله محصلة لها(38)…. كما ساعدت الأزياءأبطال العرض على تقمص الأدوار، و ساندها في ذلك «المكياج المسرحي»في التعبير الانفعالي عن لحظات الضعف والانتصار في الحياة..
الخلاصة
هكذا يمكن اعتبار «المسرح» الحدث الفني الشامل، وهو الانتقال من واقع الحياة الصعب إلى عالم الفن الرحب، الذي يحاكي الحياة لتكون أفضل من المتخيل في ذهن المشاهد.. والأمر الذي يثبت أهمية وضرورة « الفن» للناس ليصبح ضرورة وليس ترفا.. فهو مرآة عاكسة, وليست الواقع بكل تفاصيله.. عشرة عروض حلقت في سماء أيام الشارقة المسرحية، محفوفة بجلسات نقدية وندوات فكرية, تتخللها مداخلات نخبة من مفكري الوطن العربي من الخليج إلى المحيط .
وعاش الجمهور العربي مع عروض أيام الشارقة المسرحية التي تباينت في مستوياتها، وأشكالها وموضوعاتها وقراءتها للواقع المعاصر.. فقد تمتعت بعض العروض بحرفية عالية في الأداء التمثيلي وفي الرؤية البصرية, فيما عانت بعضها من خلل في كيفية التواصل مع الجمهور. والعكس صحيح حيث أن هناك عروضا اتسمت برؤية بصرية عالية، ولكنها كانت أقل جماهيرية .
وفي الختام، تبقى عروض أيام الشارقة المسرحية علامة فارقة, تشغل بال المهتمين بمجالات المسرح، فالعروض المسرحية التي عانت من هبوط الإيقاع، تحتاج إلى جهود حثيثة تتلمس نقاط الضعف فيها، في حين تحتاج العروض المتميزة من يحتفي بها، ويقدمها للجمهور طيلة العام.. فهي عروض تستحق المشاهدة والإعادة.
1- يرى المسرحي البولوني جزري جروتوفسكي: « إن الفضاء المسرحي الحقيقي. فضاء فقير. وأن المسرح الحقيقي, هو الذي لا يقر بعناصر العرض المسرحي (المكياج والأنوف الكاذبة..وكل ما يتزين به الممثل قبل العرض في غرفة الملابس), نظرا لأن هذا سيولد براعة الممثل الحقيقية, في قابليته للتحول من نوع إلى آخر، ومن شخصية إلى أخرى، ومن صورة إلى صورة، مستغلا جسده وفنه بأسلوب فقير. وهذا بدوره يخلق الممثل تعبيرا ثابتا على الوجه باستعمال عضلاته ودوافعه الداخلية» .
2- صالح، عبدالله، نص مسرحية «شهيد التين», ص5
3- فضاء المسرح: تعبير هندسي معماري. وهو يعتبر جزء من الفضاء اليومي، وهو يوجد منفصلا وسابقا على أي عرض .
4- صليحة، نهاد، المسرح بين الفن والفكر، هلا للنشر والتوزيع: الجيزة، الطبعة الأولى، 2010م، ص247
5- أبو العلا، عصام الدين، المسرحية العربية: الحقيقة التاريخية والزيف الفني، الهيئة المصرية للكتاب: القاهرة، 2007م، ص79
6- صالح، عبدالله، نص مسرحية «شهيد التين», ص20
7- المسرحة أو التمسرح (Theatriclity) بمعنى كل عناصر العرض يجب أن يخضع لقوانين اللعب المسرحي، والمسرحة في منهج ( مييرهولد) قائمة على الشرطية التي تفترض وجود مبدع رابع هو المتفرج، وهي تجعل المتفرج لا ينسى لحظة واحدة إنه أمام ممثلين يؤدون أدوارهم, وفي نفس الوقت لا ينسى أنه واقف على المسرح وأمام الجمهور. والمسرحة كما يرى ( ليتش) مرتبط بمشكلة البروسينيوم وتأثيرها على العلاقة بين الفضاء والنظارة. كما يرتبط البروسينيوم بالموسيقى والإيقاع في العرض المسرحي.
8- ظهرت المدرسة الطبيعية في نهاية القرن التاسععشر الميلادي, وهي عبارة عن حركة متطرفة منالواقعية. ويرى الكُتَّاب الطبيعيون أن العمل الطبيعي الأصيل متشائم وكثيرًا ماينتقد الظلم الاجتماعي..وكان أميل زولازعيم الكتّاب الطبيعيين الفرنسيين. والذي اقترح أن تعالج القصة باعتبارها مختبرًايمكن أن يكشف فيه عن قوانين السلوك الإنساني. أما هنري بيك فكان أشهر كتاب المسرحياتالطبيعية. وكانت روايته النسور (1882م) اكتشافًا مريرًا للخلق الإنسانيالقاسي.
9- كلمة ميلودراما مشتقة من كلمتين إغريقيتين الاولى ميلو (Melos) وتعني اغنية او موسيقى، والثانية دراما (Drama) وتعني عملا او فعلا او مسرحية وخاصة المسرحية التراجيدية. بدأ استخدام هذا المصطلح فكان في بداية القرن التاسع عشر عندما أصبح النقاد والجمهور يميزون نوعا مسرحيا يتمتع بعقدة حسية رومانسية وحوادث ممزوجة بالأغاني والموسيقى الاوركسترالية بإطلاقهم عليه المليودرما. .
10- نص مسرحية (الطوفان), ص5
11- المرجع السابق، ص9
12- عبد الفتاح، هناء، آفاق التجريب المسرحي عند جروتوفسكي، عالم الفكر، المجلس الوطني للثقافة والفنون الآداب, الكويت، العدد الرابع, المجلد 25، ابريل-مايو1997، ص291
13- بروك، بيتر،الشيطان هوالضجر: آراء في المسرح (ترجمة: محمد سيف)، دائرة الثقافة والإعلام: الشارقة، الطبعةالأولى، 2006م، ص86
14- كرومي، عوني، التمثيل خارج دائرة الاحتراف من البداية إلى الهواية، دائرة الثقافة والإعلام: الشارقة، الطبعة الأولى، 2006م، ص29
15- شكري، عبدالمجيد، فنون المسرح والاتصال الأعلامي، دار الفكر العربي: القاهرة، الطبعة الأولى، ص112
16- الكوميديا السوداء نوع من الكوميدياوالهجاء. وابرز موضوعاتها:الموتوالانتحاروالحربوالإرهابوالعنفوالجريموالمخدرات. برزت هذا النوع من الدراما كأسلوب أدبي في الولايات المتحدة في خمسينيات وستينيات القرن العشرين. من أهم كتابها وليم فوكنروتوماس بنكنوكورت فونيجتوجوزيف هيللرومارك توين ولويس فرديناند سيلينوجورج برنارد شو قاموا بكتابة قصص وروايات وأشعار ومسرحيات تعمقت وصورت أحداثًا مروعة بطريقة هزلية.
17- المسرح الملحميEpic Theatre نوع من المسرح ظهر في القرن العشرين، وهو يهتم بسلسلة من الأحداث تعرض ببساطة ووضح من غير قيود الهيكل المسرحي التقليدي، وتبقى هذه العناصر ثابتة على مدى تفسيرات المصطلح المختلفة المتقلبة التي استخدمها برخت في مراحل مختلفة من سنوات عمله، مؤكدا أهمية هذا اللون الأدبي واستثنائه التقمص الوجداني استثناء تاما.
18- المسرح السياسي الذي يتطرق إلى قضايا سياسية وحياتية، يتم توظيفه إعلاميا واتصاليا بشكل فاعل، بقضايانا المعاصرة، يمكن أن نطلق عليه تسييس المسرح، أي توظيفه لمعالجة مثل القضايا السياسية والاجتماعية والمصيرية والتحررية.
19- بن زيدان، عبدالرحمن، التجريب في المسرح العربي إبداع أم أتباع، مجلة المسرح، العدد 94، سبتمبر 1996، ص42
20- عبدالله، اسماعيل، نص مسرحية «التريلا»، الشارقة، 2013، ص5
21- بدالله، اسماعيل، نص مسرحية «التريلا»، الشارقة، 2013، ص15
22- كرومي، عوني، التمثيل خارج دائرة الاحتراف من البداية إلى الهواية، دائرة الثقافة والإعلام: الشارقة، الطبعة الأولى، 2006م، ص 399
23- حركة بدأت في ألمانيا في عام 1910م. ولقد استخدم هذا المصطلح لأول مرة أوجست هرفي 1901 ليصف به لوحاته التي أنتجها كرد فعل لمذهب الانطباعية في الفن ثم بدأ استخدام المصطلح في الفن والموسيقى والأدب والمسرح.
24- بدأت الحركة الرمزية في الادب الأوروبي الحديث في أواخر القرن التاسع عشر وأول ما نشأت في فرنسا، وكان أبطالها بعيدين عن المسرح وعلى رأسهم (مالارميه،فرلان، بودلير) والذي حفزهم إلى حركتهم الرمزية هو الرد على رجال المذهب الطبيعي والواقعي. تنظر الفلسفة الرمزية إلى الإنسان والحياة من حيث الذات هي الأصل ومن خلالها نرى مظاهر الوجود، وان هذه المظاهر لا تنكشف حقائقها إلا من خلال الحلم. فالمذهب الرمزي يربط بين عالمين: العالم المادي والعالم الغيبي، في وحدة الرمز ويلقي كل جانب ضوءه على الآخر.
25- صليحة، نهاد، التيارات المسرحية المعاصرة، مكتبة المسرح 6، مركز الشارقة للإبداع الفكري..لا توجد سنة، ص 10
26- ابو العباس، محمود، نص مسرحية (مساء الورد)، ص25
27»البكري، وليد، أعلام المسرح والمصطلحات المسرحية، دار أسامة للنشر والتوزيع: عمان، 2003م، ص 187
28- الملك لير تراجيديا لـ شكسبير كتبت المسرحية ما بين سنة 1603 م وسنة 1606 م قدمت على المسرح لأول مرة سنة 1606 م استمد شكسبير الحبكة من كتاب هولنشد عن تاريخ إنجلترا، والذي اقتبس الحبكة الثانوية من ما رواه سبنسر في ملحمته الشعرية «ملكة الجان» وضعها النقاد على قمة ما كتب شكسبير، باعتبارها تنتمي إلى العصر الحديث أو تحمل بذور الحداثة .
29- فضاء المسرح: هو تعبير هندسي معماري. ومن وجهة نظر الإنتاج، فإن فضاء المسرح هو مساحة معطاة ذات إمكانات، ولكنها أيضا محاطة بحدود. وكمساحة هندسية، فإن فضاء المسرح جزء من الفضاء اليومي، ويوجد منفصلا وسابقا على أي عرض .
30- جمال، على، نص مسرحية (زيت وورق), ص10
31- حليان، مرعي، نص مسرحية (نهارات علول), ص35
32- جروتسك Grotesque: المعنى الشائع لهذا المصطلح, هو القبيح الجميل في الفن، والكلمة من أصل ايطالي. وهي اشتقاق من كلمة بمعنى (المسخ، التبشيع). وفي الأدب يطلق على النو الكوميدي (الأدب، والموسيقى، الفنون التشكيلية، والحركة). وهو من حيث الجوهر عبارة عن خلق فكاهي غريب وغير مألوف (موسوعة المسرح, موسكو 1965)
33- وهو مسرح يعتمد على الدمى المتحركة والتي هي عبارة عن مجسمات اصطناعية يتحكم في حركاتها شخص ما, ويكون ذلك بتحريكها، إما بيده أو بخيوط أو أسلاك أو عصي. وتتقمص هذه الدمى أدوارا في مسرحيات تعرف باسم عروض العرائس. ويسمى الشخص الذي يقوم بتحريك الدمى محرك الدمى.
34- مصطلح الحرافيش بدأ مع روايات نجيب محفوظ المستوحى من واقع القاهرة.
35- يستمد تعريف فن السينوغرافيا دلالاته من انفتاحه على مهن فنية وتقنية مختلفة لها صلة بالعرض المسرحي وبفضاءات أخرى تتصل بالتصورات التي يمكن ان تقدم حول المدن والاستعراضات وحول الفضاءات المتعددة المتنوعة.
36 – نشأت سيميائيات المسرح مع رواد مدرسة «براغ» حول الدلالة المسرحية، فانصرفت إلى البحث في طبيعة العلامات المسرحية، وعن قواعد تركيبها في العرض، وعن العلامة المسرحية الدنيا.. وعرف هذا الاتجاه امتداده في الستينيات من القرن العشرين مع باحثين أمثال «كوفزان» وبارت وغيرهما، ممن كانوا مهووسين بنقل النموذج اللساني إلى الدراسة السيميائية للمسرح
37- بلخير، لطيفة، نظرية التمثل الذهني والكتابة الإخراجية في المسرح العربي، دراسات وأبحاث في المسرح وفنون العرض، مجلة يصدرها مختبر المسرح وفنون العرض، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن طفيل، القنطيرة، العدد الثاني، يوليو2011م، ص141
38- كرومي، عوني، التمثيل خارج دائرة الاحتراف من البداية إلى الهواية، دائرة الثقافة والإعلام: الشارقة، الطبعة الأولى، 2006م، ص29
39- البانتوميم: يعتبر الأداء الصامت وسيلة الممثل لتصوير الشخصية أو إلقاء الضوء عليها. وعلى الممثل ان يتحكم في انتباه الجمهور فيركز على ما هو بصري أحيانا وعلى ما هو سمعي أحيانا أخرى، وينقلهم من التركيز على جزء من الجسم إلى التركيز على جزء آخر وهكذا.. ,من الوسائل الهامة في الأداء عنصرين مثل الموسيقى والممثل، والممثل والنص، أو الممثل والملابس.. وكل هذه الأساليب تعتمد على قدرة الممثل الفائقة في التعبير عن طريق الأداء الصامت والتحكم في الحركة والصوت .
—————
————————————————————
—————
————————————————————
1