آمال موسى *
بيني ومساء السبت غرامٌ لا يعلمه غيري
غرامٌ غامض
ينتابني في كل سبت
ثم يهجرني
ويعود ثانية مساء السبت الموالي يُدندن الصّبا والنّهاوند.
أحبّ ليلة رأس السنة الميلاديّة
تجاعيد وجهها سردٌ يأبى الوصف
من ليالي العهد القديم.
آهٍ كم أنا قديمة!
قبل اكتشاف الكتابة
نثر البذور ولقاء الأرض الحبلى
قبيل تعلم الصيد في الغابات المُوحشة
وصقل الحجارة التي رجمتُ بها قدمين تُصدقان وعد الشهوة للصّباحات القادمة
صباحٌ بفستان أبيض أنيق
وقلادة من ذهب يُحاكي بأرستقراطية فضة مرصعة بالألماس.
في ليلة رأس السنة الميلاديّة
أسمعُ الطبيعة في كامل أنوثتها وفحولتها
أرى خصوبة أكثر ممّا نستطيع.
يعتريني الحياءُ في عيد الحبّ
يومٌ يغني فيه القمر للعشاق مديحا
ويثأرُ من علماء أفسدوا جمال القمر
وأوجعوا المجاز
وداسوا برحلاتهم الفضائية شرف الخيال.
لا أدري حقيقة:
هل أنا جميلُ بثينة
أم بثينة جميل؟
قيسُ ليلى
أم ليلى قيس؟
لا نصيب لي من اسمي
فأنا المضافُ
وليس لي مضافٌ إليه
ولتغضب مني النّساء الديمقراطيات وسيمون دي بوفوار أيضا
ليس لي مضافٌ
وكم وددتُ مساء السبت أن أكون مضافة إليه.
لو أنبأني جورج جرداق
أن محمد عبد الوهاب سيلحن «هذه ليلتي « في مقام البياتي
لنازعتُ الكوكب على الشرق
وكنتُ أنا مطربة الملك
أنا أفيون العرب.
يا الله
إني ملكةُ الفقراء
لا أدخن
لا أشرب الخمر
أكتبُ الشّعر بوعي شقي مستبد
عجزتُ عن إثبات نسبه
وأتكبدُ شقاء جنوني وحدّي
أرضٌ لا شيء أزرق اللّون فيها
لا مطرا يحمل للفقراء بريد السّماء.
لا سجائر تأكلُ قلقي وتهضمه جيدا
ولا كأسا تزين لي العدم حقولا من الفرح.
يا الله
أنهكني الشّعر
فقدتُ شهيتي
صداعٌ نصفيٌ يُؤدب جنوني كلّما التقطتُ صورة شعريّة
اعتزلتُ المرأة المبتهجة التي كنتُ
الفستان الفرنسي الحياكة أُطلُ عليه مساء السبت
وأُمني لونه الوردي بالتفتح فوق خصري الذي صار نحيفا.
لم تعد أغاني الزمن الجميل تُطربني
منذ العشاء الأخير لم أدعُ أحدا إلى وليمة أعدها بيدي الاثنتين.
أتمتمُ:
يداي لم تعودا عاشقتين.
يا الله
سأتوبُ عن إدمان يديه
كما تاب عن رائحتي.
في مساء السبت:
تهيّأت للسمر صحبة نفسي
أتذكرُ كلامه المعجون بالورد ومائه
بوحٌ يتدفقُ كخيل تذودُ فارسا من القرون الوسطى
أتذكرُ
أبتسمُ
أحزنُ
يُضاءُ وجهي
تنكسرُ نظراتي فوق صخوره
يغمرني الأسفُ كما تنقعُ الأعشاب في الماء الدافئ
أجدُ صعوبة في تركيب الأحداث
في ترتيب كلامه
في بناء نص لا تخونُ فيه العبارات المعنى
لا تُفسد لذته حبةُ لوز شديدة المرارة
تقولُ شجرة اللوز:
كُلوا هنيئا لكم
فانحني لطعم الورد المرّ في الكلام المعجون بشغف قُطاع جنون النّساء مثلي.
اصعدي إلى كوكب القمر القبيح
يا أيتّها الذكريات
البابونج الدافئ على يساري
وهذه الشمعة مثل عشبة مرتوية
خضراء بحبّ المساء
تُضيءُ خدي الأيسر
وتهدأ من روع ليلة غجرية.
أوراقٌ بيضاء منثورة على كامل نصف السرير الفارغ
قلمُ رصاص فوق الوسادة النائمة دون أفكاره على يميني
قلتُ: ماذا أُسميك؟
عاشقا عجولا
دفعة واحدة
إنسانا ينسى
قال: اسمي منذ أحببتُك «زوبعة».
هل زوبعة في فنجان أنت؟
قال:
إني منذ نصف قرن أطاردُ المعنى
أنا مدلولٌ بلا غرفة نوم خاصة
لا مرايا
ولا أرائك تجلس عليها لغتي
لا طاولة تستلقي فوقها نصوصي مثلما رأيتك تفعلين في شاطئ البحر ورفاقُك يكسونك بكل الرمل.
لا جرة زيتون معطرة بالليمون
ولا ثلاجة أخبئ فيها البن كي لا يُصاب بالبرود.
أنت الدنيا
دعيني أمسك ذراعك وندخل معا مسرح المدينة حبيبين
حسبي أنك خمرتي
ليس لي في قلب امرأة غيرك سكنا.
قال:
أريدك شعرا ممتلئا حد الغرق بالماء
وشتاء كريما يسعد قلوب الفلاحين
فتدق طبول الأعراس في الصيف.
قلتُ: مساء السبت مسائي
سأسكبُ البابونج على الأرض
وأنفخ في الشمعة ذات اللون الفستقي كغطاء أولياء الله الصالحين
سأمزقُ هذه الأوراق العذراء
تنزع عذرية قلبي
أوراقٌ تمارس السبي في القرن الحادي والعشرين.
لن أقول شيئا.
السّاعة تشير إلى ما بعد منتصف الليل
أخبار البرد القارس أشاهدها من نافذتي
ليس التلفاز أصدق صورا من نافذتي.
اختبأتُ تحت الأغطية
كأني أصبتُ بزكام مفاجئ
أخافُ الزكام
في قشعريرة الزكام الأولى ما يشبه ما كان بيننا من قبلات
تشبه قبلاتنا حبة الأناناس.
طعم البيتزا التي أكلناها معا فكانت أشهى من أطباق الأمهات.
هل حدث أن تسللت دمعة إلى شفتيك؟
في البكاء ملح كثير لو تدري.
صباح الأحد
فتحتُ الحنفية لأغسل وجهي من صور مساء السبت
فتحتُ الحنفية جيدا
أطلقتُ سراح ما فيها من ماء
لم يعد يصلني من ضجيج العالم شيء.
الآن
أنا وصوت الماء وأطلال زوبعة فقط.
* (مقطع من مخطوط ديوان جديد)