ألف
حين ارتعشت يد الشيخ محمد عبد الجبار النفري وهو يحمل ريشته المنقوعة بالحبر, اندلقت الدواة على الورقة الأخيرة التي كان يحرص على ملئها بدقة بعد نفاد ما لديه من ذخيرتها. سال الحبر مظلما كالليل على ظهيرة نقية, على ضحى صاف, خال من بثور ذكرى أو انفعال.. يسيل الحبر ويرسم خطوطا والتفافات تصنع هندستها قوانين غامضة. فما يبدو عبثيا وعشوائيا من سيلان الليل على الضحى.. الحبر على الورقة, هو في جوهره تناغم مع قوانين طبيعية وانصياع لمسارات تقد رها هندسة كونية. في هذه اللحظة سرت الرعشة من اليد إلى الجسد برمته, لم يستطع إبقاء نفسه متوازنا في انحنائه, فارتد ليستند إلى الوسائد مراقبا شعلة سراج متراقصة , رأى فيها روحه.
همس النفري لنفسه.. إذا كانت هذه القوانين المنسجمة انسجاما كليا, الممتدة في جسد الظاهر كشرايين تمده بالديمومة, فلابد أن تكون لها نظائر أكثر غموضا وجمالا تحكم حياة وقوة الباطن.
اخترق بصره باب الغرفة نصف المفتوح إلى الباحة حيث يخالط غشاء شفيف من فضة القمر رداء الليل الحالك على البلاط . جال ببصره على الجدران.. صفوف الكتب, كان يرى خطوط الالتقاء والاستناد والزوايا. التضاد والتناسق في الهيكلية العميقة للظاهر, فأحس للحظة بأنه يقبض على الفكرة التي تسكن عميقا في كل نقطة .. في كل خط .. في كل زاوية. فكرة الأبدية.
كانت الأبدية هناك مغل فة بكل تلك الضوضاء المريبة الملقية على الحواس .
الحواس بهيمية لا تدرك القيمة المتعالية لانتظام الظاهر.
نظرنا إلى الأشياء حسيا هو نظر الأمي في سطور كتاب لا يرى منها سوى التواءات أو استقامات يجهل قوانين رسمها. بتعاضد الحواس والعقل يتضح المعنى وتصبح القوانين مدركة, وبالروح.. بالمعرفة الذوقية تصبح القوانين الم در كة جمالا كاملا وأبدية مطلقة.
كذلك فكر وأغمض عينيه, يريد لهذا القلق أن يستكين يوما ما.
باء
لن ينبجس النور – الذي يبدد عتمة الظاهر واختلاطه المريب – من مصدر مادي. سينبجس حتما من مصدر متعال!
من جهة عليك أن تفكر بمعرفتها !
عليك أن تستدل عليها في خرائط أخرى .. خرائط يجب أن تجدها أولا .. يجب أن تتعلم كيفية تمييزها, كيفية رؤيتها ( نون )!
ربما كانت مبثوثة في الهواء, ربما في شفرة الظاهر في التناسبات, التناقضات, الإئتلافات والاختلافات. أن تبحث عن النور الذي يكشف الغيب, النور الذي لا يشع من خارج الأشياء بل من داخلها.. من جوهرها ليصل إليك. أن تبحث عن النور والمرئيات في طبيعة أخرى, فيزيقيا مغايرة. لهذا فالسؤال خداع .. السؤال استفزاز للإجابة .. والاستفزاز ينافي التأمل .
لكن التأمل يبدأ من السؤال !
من هنا يتحتم الابتداء. من تأمل لا ينطلق من الأسئلة. تأمل لاقصدي غرضه الوحيد ليس السبر والتفسير, بل التناغم .
الشعلة تتراقص وموجة من اللهيب تصعد في عروقه, يغمض عينيه .
جيم
أ, ب, ج خرائط لا متناهية . هل يقودك هذا إلى التيه ?
كنت قد حلمت من قبل, في ليلة ساخنة بأنك في قلعة للحروف. دخلت منازل الحروف .. زرتها حرفا بعد آخر. تجو لت في الصوامع التي تحرس كياناتها الشفافة جدا.
غير أن الحلم غاب, وغابت تفاصيل كثيرة معه. لم يبق بعد انجلاء الحلم سوى الشعور الذي اختزنته حواسك .. شعورك وأنت تغادر القلعة بأنك أنهيت للتو زيارة جمع من المهرجين, في اللحظة العميقة من كآبة وجودهم!
الحروف مهرجون يعرضون وجودهم للاستعارة. في الصوامع التي غلفتها الكآبة تحدثت إلى الألف وربما استطعت أن تستوعب إفصاحه عن وجوده.. عن هويته .. أن تفهم شيئا نسيته الآن عن كونه كيانا منفصلا.. غاب الحلم وذابت تفاصيله هناك. ربما من الأفضل أن تعيد صياغته .. أن ترممه الآن كأول مفتاح لأول الخرائط .
ماذا كان الألف .. هل كان شخصا نحيلا .. ليس هو بالرجل ولا بالمرأة .. رجلا بنهدين صغيرين شاحبا ينطوي على أحزان ليست بالمبررة. كان يرقص ببراعة. ربما قال لك أو أراد أن يقول .. إنه هو جميع الحروف أو أن الحروف جميعها نشأت من ظلاله. نسيت الآن لكنك تتذكر بالتأكيد غروره المبطن .
سرت مع الألف في الأروقة وعدت معه إلى الصومعة يدا بيد.
كنت تطمح لأن ترى منه لحظة صفاء.. أن ي شرق.. لكنه كان مشغولا بآلامه الداخلية, بالخرائط الغائبة التي تحكم وجوده وعدمه ولهذا ذهبت إلى الباء ثم إلى الجيم… ثم الهاء. في القلعة يتردد صدى ضخم لترنيمة تتكرر بلا انقطاع.. لا سبيل إلى استعادة ما تقوله الترنيمة.. حين غادرت القلعة تبدد كل شيء والترنيمة تحولت لنغمة هزيلة متقطعة.. لم تر حين التفت سوى غبار من ضحكات المهرجين يدور في موضع القلعة.
دال
لم تر الدال رأيت انعكاسه على الأشياء , كان يقف وراءك في باحة يغمرها الأحمر, رأيت انعكاس وجهه في حوض ماء .. بقيت تنظر إلى ترقرقه على السطح. أراد أن يكاشفك بسر عميق, ولكن بلغة لا صوت فيها ولا حرف .. لغة من توازن الأشكال ..من توالي التحولات .. كان يؤاصر ارتباكك وقلقك. ما هي الآصرة التي يمكن أن تجمع كائنا بحرف ?
كان جميلا لأنك لم تره بل رأيت انعكاسه. الانعكاس حالة أرقى. ألست أنت الانعكاس في الحروف ? في اللغة ? في الفكرة ?
أنت في أجملك انعكاس على شيء ما. يدلك الدال على مفتاح آخر!
عليك أن تنعكس وأن تترك لإنعكاسك حرية التجوال بحثا عن مسارات غير هذه
المسارات المضللة!
هاء
هكذا تنشطر الى كائنات عديدة غير متشابهة .
تتفر ق في الجهات .
المقاصد مختلفة, والبواعث مختلفة أيضا.
ترى نفسك الآن كقطيع من المهووسين انقطع حبل يشدهم فانفرطوا يتقافزون على أرضية المتاهة !
تصعد الآلام كموجة شرسة لتلطم روحك .. أيسكن كل هذا الجنون فيك?
أينطوي تماسكك الموهوم على هذا الاختلاط المرعب?
تتناثر أيها الشيخ, ترى التعد د يسيل من ثيابك.
ينسلون عن واحديتك ويهرعون إلى الجهات!
عليك أن تجمع نفسك الآن.. أن تتقص ى آثار الخارجين عنك وتجمعهم في ظل هدنة ما. أنت قبيلة ذابت آصرتها فترامى أبناؤها في الآفاق. وحيدا .. خاليا منك تحد ق في الصحراء, عليك أن تستعيد ( أنواتك ) الهاربة في رحلة لم يقطعها أحد من قبل.
واو
جوادي يترك آثارا لطيفة على الرمل, لم يحفر استواء الرمل عميقا. بمداعبة تستقبلها الصحراء بلا ألم وتنخفض تحتها كانت حوافر الجواد الذي يحملني تتقدم. أنا الخارج في رحلة صيد غريبة. رحلة صيد لم يكن باعثها المتعة ولا الظفر, كما لم يكن باعثها السؤال .. بماذا يتصل المدى وأين ينتهي الانفتاح القصي لهذه الأكوان ?
أنا في رحلة الصيد التي وجدت حياتي بأسرها تقودني إليها. كأنني كائن هو في أبعاده العميقة, ثلاثون طائرا تحلق في سرب مهيب. كأني كل ذلك التعدد الهائل من الأجنحة والاشتياق المقد س لأصل خفي ( قاف ) . يحملني جوادي في هذه الصحراء أتعقب الطيور التي هربت مني, لا لقنصها, فلا أحمل معي سهاما ولا قوسا ,وتنقصني مهارة الصيد. أتعقبها لشيء لا أعرفه .. ربما لمشيئتها في أن أتعقبها !!
زاء
ستأتي إلى أول المدن هنا. المدينة سوق للفصول ( طاء ) . تخطو لتبحث عن ملامحك. تريد من أشباهك أن يعودوا إليك. تنظر في الوجوه. تسأل أول القريبين منك هل أنت أنا ?
كم غامض هو (أنت ) .. والأشد تعذرا على الصياغة هو (أنا).
بعد أن أختفى الضجيج, هؤلاء الذين هربوا منك تركوا صمتا مطبقا في أعماقك. لست الآن سوى مرآة هامدة .. مباحة لمرور الأشياء عليها. أول المدن تتمرأى عليك .. تدلق حياتها على سطحك .. تريد أن تلم إنعكاساتك .. تريد أن تستجيب لقوة الجمال فتتحطم .. وأنت تدخل الحانة تريد أن تدخلك الحانة .
حاء
يعتريني التعب. أنت محمد عبد الجبار النفري وأنا حسن ناصر.
هل أدفع بوجودي للمرور من خلال كيانك المكتمل ?
أم أنت الذي تدفع بكيانك غير المكتمل للمرور في وجود حي !
طاء
المدينة سوق للفصول. حقل للزمن ولهذا فأول ما يصلك من خرائطها هو الانقضاء. المدينة تكريس للفناء, أقيمت على وهم الديمومة.
تعد للزمن طعامه من جدران وحوانيت وصوامع وأبناء. إنها تفرش له الطريق ليترك آثار مروره واضحة!
هنا في سوق الفصول أنت استجابة مسكينة تهينها قوة الفناء.
ياء كاف لام ميم
تكلم المطلق فانبثق الملكوت من كلامه. تشي -أ الكلام وصارت الأسماء موجودات. وبالكلام سيعود الملكوت إلى أصله.. إلى نبعه.
لكن الكلام متاهة وقوام هندسة المتاهة هو التكرار والتشابه والتمويه. المتاهة في ذاتها ليست متاهة. إنها عسيرة وغير قابلة للسبر في شخوصها أمام العقل. الغموض إذن ليس في الوجود, الغموض حالة عقلية. والارتباك ليس في المتاهة, لأنها مكتملة وموجودة, بل الارتباك هنا .. في العقل .. في الوجود المحدود أمام الوجود غير المحدود. في الكيان الخاضع للزمن بازاء الكيان الأبعد من الزمن .
الأسئلة وليدة العقل وليست وليدة الهندسة التي يظنها العقل متاهة .
ميم لام كاف ياء تصير الحانة في المرآة .. أو تذوب المرآة في الحانة.
تعود الانعكاسات التي هربت منك إليك.
تبارك واحديتك المتعددة.
أنت مدينة أو متاهة من المدن تترك لكلامك بهجة التجوال فيها.
نون
ستنجلي الرؤية في طبيعة أخرى.. في عالم الم ل كات. تذبل الحواس .. وتتأجج الم ل كات, العبور من عالم إلى آخر يتوقف على قدرتك الروحية.. على مهارتك في تداول الرموز. أنت لاتقطع الطريق بقدميك بل بانتقالك عبر زخارف الرموز, من جملة تنتقل إلى جملة, من نغمة إلى نغمة. من فكرة إلى فكرة. انتقال رياضي منضبط لا يقبل الخطأ. روحك تتدحرج على ترنيمة يتحتم عليك ترديد موسيقاها بدقة. حين تتطابق كليا مع الرمز.. مع النغمة.. مع الفكرة, سينبعث النور من داخل الأشياء.
سترى بغير أن تنظر!
سين
تقبض للحظة على أناك السماوي. يغمرك يقين رقيق بحتمية وجوده. وإلا فما الذي يشدك إلى تلك الأقاصي .. ومن يترك لك كل هذه الفخاخ في الطريق إلى أماكن أخرى, لو كنت أرضيا تماما. أنت الذي يأكل ويشرب ويصاب بالرمد وعسر الهضم ويستطيع البعوض امتصاص دمه .. أنت نفسك الذي يحاور النور والفصول والرموز وتأخذك الأناشيد بعيدا. أنت عالمان متناقضان كل منهما أصل الآخر .
ربما كنت الظل المنشطر المهشم لكيان متماسك يسبح في شروق لا ينتهي!
ربما كان هو الانعكاس النهائي لكل إنشطاراتك وحطامك!
لكنكما في النهاية واحد, تتبادلان النفوذ على اليوم .. الدقائق. أنت الاثنان يعيشان في كونين مختلفين. (أنت) الذي يقرأ و(أنت) الذي يأول
عين
أيتها الأعداد, أيتها المتاهة .. العدد ألم .
فاء
العواصف التي تجتاح روحك تقلب كل شيء مرة أخرى وت شرع الأبواب جميعها. عواصف عاتية تمزج البدايات بالنهايات وتخرب استواء الرمل الذي كنت سترسم عليه خرائط ربما كانت ستدلك على ممر من ممرات الرحلة !
صاد
بدأ الإنسان يرسم خرائطه بتسمية الأشياء, هكذا كان يعيد الأشياء إلى أصلها. إلى الكلام يسمي (الخوف) .. يسمي (الحيرة) .. يسمي (الطريق) .. يسمي (الآخر) .. يسمي (الصلات) .. يسمي (الأحلام) .. يسمي (الغياب) .. يرسم خرائطه ويفتح الدروب أمام البوح .. الحوار بين الوجود وظله .
قاف
الاشتياق إلى أصل خفي. لو وضعت جدولا للأهميات فمن هو المهم .. المصباح أم ضوؤه . من هو الأهم في تراتبية الوجود المصباح أم الضوء. المصباح آلة لانبعاث الضوء. فهل يشتاق الضوء إلى المصباح. أم يشتاق المصباح إلى التجلي الأكمل بانبعاث الضوء منه. هل الشاعر في أقصاه إلا ما يريد قوله. ما يريد أن يشع منه. وهل الفيلسوف أكثر أهمية مم ا ينبثق منه. هل أنت أيها الشيخ, في الغرفة شبه المظلمة .. ترتعش من شبه حمى وتطيل التحديق في الفراغ, سوى الفكرة التي تريد أن ترتقي إلى الأصل .. سوى رغبة لامجال لتشريحها في أن تنبض في وجود أعم .. وجود غير ملتبس لاشك فيه ولا برهان عليه.
هنا, في هذا الوجود المعتم الصلب المتردد بين الشكوك والبراهين, ترى الجمال المتناثر, التناغم المهشم .. فيقودك ذلك إلى الحنين. الحنين إلى البيت الأول. في داخلك أيها الشيخ كما في داخلي أنا الذي أستعيدك الآن بعد ألف عام, شذرات من الأشياء الخالدة تريد أن تعود إلى بيئتها المتطامنة. أنت تبذل حنينك في الطريق وأنا أتقص اك فيه .. طريق الاشتياق الم قد س إلى الأصل .. أو طريق الاشتياق إلى أصل م قد س
راء
لن يهدأ الكلام.. قبائل من الأشباح التي تريد لها مأوى في البراهين. يحتدم الكلام في مدنك الداخلية العديدة. أنت الآن أكثر من واحد. مجموعة من الشيوخ في طقس خافت يتهامسون بنقاش لا ينتهي. وهم الكلام هو الحصول على سيادة البرهان.. إنها خارطة مضللة.. تريد أن تنجو من فخاخ البراهين.. تريد أن تخرج على هندسة اليقين التي يصوغها الكلام.. تريد أن يتعر ى وجودك ويدخل في ممالك الليل والهواء والضوء وتجد حوارا أرقى من الكلام
شين
سر فأنا دليلك إلي
تاء
في اللحظة التي ترتعد فيها أوصالك وتتخلل الشهوة جسدك كما يتخلل الضوء ممرات مظلمة, فتشعر بإنيتك المتلاحمة .. وحين يمتزج جسدك بنفسك .. أحلامك بأعضائك تشعر بأنك غيمة بخار ت ختزل الى قطرة. في تلك اللحظة ت درك أيضا أن هذا التجل ي ربما كان انعكاسا أدنى لتجل أعلى.
إن غيمة البخار التي ت ختزل إلى قطرة في لحظة خاطفة من الاهتياج واللذة والبهجة والألم ممكنة التحقق في عملية نهائية مكتملة يتحو ل فيها وجودك كليا إلى مرحلة أعلى.
ثاء
يبتدع الجسد لغته فيتصل ويتحاور ويتوحد وتفيض الحياة منه. أنت تريد اتصالا بين العقل وموضوعه يشبه الاتصال العضوي, ليفيض يقين الوجود .
خاء
تهرب من هذا الفناء الذي يتعقبك, من النهاية غير المنطقية في الغالب (غين) التي ترتبط بك ارتباط الظل. أيكون أعمق ما في الكائن خوفه. الامتلاك هو خوف من الفقد.. التفكير هو خوف من المجاهيل.. الحركة خوف من السكون, والكتابة خوف من الاندثار. مسالكنا التي نتخذها منذ اللحظة التي نسقط فيها من الأرحام.. مسالك يدفعنا إليها الخوف مما سواها. وجودنا في الأرحام هو في الجزء المهم منه نتيجة مخاوف كائنات أخرى. حين تتبصر مليا تنهض المخاوف من حولك. في هذه اللحظة تضع إصبعك على أهم حرف في الكتاب الذي تحاول قراءته وتأويله .. إن الوجود ألم.
ذال
الخوف علاقة ..كل ما نفعله هنا هو محاولة لصياغة شكل العلاقات بين الموجودات.. بهذا سننقلها إلى مرحلة أخرى… العلاقة هي الاستجابات التي تطلقها الموجودات بازاء بعضها.
ضاد
سيتنفس الصباح قريبا ,شعلة السراج تخبو, كما لو أنك عدت من رحلة طويلة. تعبت في مطاردة الهاربين منك وتدحرجت على سلالم النغمات وأعيتك حيرة وجودك في المرآة. متعب تعود من سفرة استهلكت قواك .. أعضاؤك واهنة ورأسك ثقيل. أين كان.. من أين مبتدؤها .. أين هي الخرائط التي حاولت رسمها .. كل شيء ينسحب كالليل .. كل شيء يتبخر وتبقى أنت وذلك المراوغ .. المهرج الخرافي .. قلقك. يهدأ إلى حين ويسحب أطرافه عنك .. تتمطى وتنظر إلى مسارات الحبر.
ظاء
الصباح يتنفس الآن. يرى ريشة طائر من خلال فتحة النافذة تنزل متهادية, تهبط من جناح طائر إلى الأرض . روحه تذوب .. كل هذا الجمال كان هناك دائما دون أن تلحظه أيها الشيخ. يفتح عينيه للضوء .. لتدخل المسرة الكاملة إلى روحي الآن ليدخل الأبد إلى هذا الجسد المرتعش بخدعة الفناء.
حسن ناصر قاص من العراق