قامت منظمة IDAM، وهي مؤسسة ثقافية اجتماعية تابعة للسفارة الهندية في مسقط، بتمويل ترجمة ونشر مختارات من الشعر العماني الحديث إلى اللغة المالايالامية، إحدى اللغات الرسمية في الهند، خاصة في كيرالا. وقد ترجم هذه القصائد الأستاذ عبد الكبير V.A. Kabeer رئيس التحرير السابق لجريدة Madhyamam الأسبوعية في كيرالا والباحث في الأدب العربي والفكر الإسلامي. تضمنت المجموعة قصائد متفرقة لعدد من الشعراء العمانيين المحدثين، هم سيف الرحبي، وزاهر الغافري، وناصر البدري، وسماء عيسى، وفاطمة الشيدي، وبدرية الوهيبي، وصالح العامري، وحسن المطروشي، ومحمد الحارثي، وناصر العلوي، وعبد الله الريامي، وهلال الحجري. وقد دشنت IDAM هذا الإصدار في حفل بفندق روي يوم 29 أكتوبر 2010، حضره من الجانب العماني زاهر الغافري، وناصر العلوي، وهلال الحجري، وحسن المطروشي. تأتي أهمية هذا الإصدار في أن اللغة المالايالامية تعتبر من أهم اللغات الهندية الرسمية؛ إذ يتحدث بها حوالي 36 مليون نسمة في جنوب الهند، إضافة إلى الجاليات الهندية في أوروبا، وأمريكا، وكندا، والخليج العربي. ننشر هنا الكلمة التي ألقاها مترجم هذه المختارات، الأستاذ عبد الكبير، في الحفل الذي أقيم لتدشين هذا الإصدار: الشعراء العمانيون الأفاضل وأحبائي من كيرالا مساء الخير وسلام الله عليكم جميعا جميل جدا أن يصادف هذا الملتقى مرور الذكرى الأربعين سنة من مسيرة سلطنة عمان ، ففي البداية يسرني أن أقدم لكم تحياتي وتحيات من أهالي كيرالا وأتمنى لكم التوفيق لإحراز مزيد من الارتقاء والازدهار. كانت سلطنة عمان حلما من أحلامي الرائعة منذ زمان. كنا نسمع أن في عمان منطقة تسمى صلالة توجد فيها أشجار جوز الهند والموز. الطقس فيها نفس الطقس في كيرالا. فتجسدت العاصمة مسقط كأنها مسقط رأسي. حين كنت طالبا في الثانوية كنت أقرأ في جرائدنا اليومية أخبارا عن ثوار ظفار. ثم غابت تلك الأخبار ربما نتيجة للمساعي الحميدة من جانب حكومتكم الحكيمة في احتواء تلك الأزمة. كنت فترة في دولة قطر. وفي تلك الحقبة أصبحت أكثر قربا من سلطنة عمان وتقاليدها وأسلوب حياة مواطنيها عبر شاشة التلفاز، كلما ينعقد في مسقط مؤتمر مجلس التعاون لدول الخليج كنت أصغي الى خطاب جلالة سلطانكم، مع ما يعجبني طريقته في معالجة القضايا الشائكة، كانت تثير اهتمامي لهجته كتلفظه حرف الجيم مثل ما يتلفظه اخواننا المصريون. سلطنة عمان دولة خليجية ولكنها تطير خارج السرب. ولها شخصية خاصة تمتاز عن أخواتها في كثير من الجوانب. الأزياء والملابس وطريقة لباس العمائم حتى المذهب الفقهي، كلها تميز السلطنة عن غيرها من الدول الخليجية. وملابس البنات العمانيات تتشابه كثيرا مع ملابس نساء شرق الهند والباكستانيات. ولا أدري كم من الهنود المقيمين حتى المسلمين يعرفون عن المذهب الإباضي في عمان. ولا أدري كم من الجيل الناشئ في عمان يعرفون عن جذور تاريخ عمان العريقة التي تربط بها أرض ماجان والتي ورد ذكرها في الوثائق الأنثروبولوجية البابلية. ونرى أرض ماجان التي غابت من خريطة العالم تولد من جديد في شعر ناصر البدري حيث يسأل « هل أرض ماجان استعادت سطوة اسمها القديم؟» وإنني اذ أحكي لكم قصة أحلامي التي تدور حول سلطنة عمان لابد أن أذكر مذكرات الأميرة سالمة بنت سعيد بن سلطان. الأميرة سالمة رغم أنها هربت إلى ألمانيا مع عاشقها وبدلت ديانتها وغيرت اسمها إلى اميلي روث لم تنس أرضها الأم ولا ثقافتها. فكتبت مذكراتها ليقرأها أبناؤها لكي يتعرفوا على الجانب المجهول من ثقافتهم العربية. على أجنحة تلك المذكرات سافرت أول مرة إلى عمان التي تمتد حدودها الى أرض القرنفل زنجبار. تذكر الأميرة سالمة في هذه المذكرات الهندوس والبانيان الموجودين في السلطنة ذلك الزمان. يتبين منها أن العلاقات الثنائية بين عمان والهند ليست ظاهرة جديدة بل جذورها التاريخية تمتد إلى الماضي البعيد. فمن قرأ كتب رحلات ابن بطوطة يجد نماذج تدل على ذلك، إذ كتب ذلك الألمعي المغربي في إحدى رحلاته أنه وجد قاضيا عمانيا في «فرندن» وفرندن هذا هو نفس القرية التي لا تزال معروفة حتى الآن باسم « بندلايني» وقد كتب صديقي الكاتب بابو بهرادواج عن رجل أعمال عماني كان يتردد إلى مدينتنا كالكوت من حين لآخر، كان يحب الموسيقى حبا جما، وشاطئ كالكوت مشهور بالموسيقى والغناء حيث توجد بيوت تعقد فيها حفلات الموسيقى والغناء كل ليلة. انتبه التاجر العماني الى أصوات الغناء والموسيقى التي ترتفع من تلك الديار فأصبح ضيفا منتظما في تلك الأمسيات. اكتشف هناك لحنا جديدا تجسد دما ولحما، فتاة جميلة قد شغف بها حبا. وانتهت الحكاية بأن تحولت إلى أنشودة تندمج في إيقاعات عود حياته وسافرت معه إلى العمان. وقد كتب «بهرادواج» أيضا عن عامل يدعى جون أقام خيمة ثابتة على إحدى تلال وادي بني خالد حيث عاش سنين عديدة كعضو من أعضاء القبيلة الموجودة في تلك المنطقة يرعى مواشيهم ويصطحب أولادهم إلى المدارس ناسيا أهله وبلاده وراضيا مرضيا. وعندما قرأت مذكرات الأميرة سالمة لم يخطر ببالي أنني يوما ما سوف أصل جسدا داخل حدود عُمان. ها أنا ذا موجود هنا أمامكم والفرحة تغمرني. وكان القدر أن تكون «مختارات من الشعر العماني الحديث» بوابة دخولى إلى عمان. فأولا أعبر عن عميق شكري وخالص امتناني للدكتور هلال الحجري الذي اختار روائع هذه الأشعار.اجتاحني عارم من اللذة والسعادة حين دخلت هذا البستان وكل زهرة فيه على عودها الخاص بجمالها وأريجها. وهذه المجموعة من الشعر العماني ذكرتني بـ«وادي عبقر» المذكور في الأساطير العربية. كانت العرب قبل الاسلام تؤمن بكائنات مستورة لا ترى. جنس ينتقل بغمضة عين من مكان إلى آخر وبعضه يقيم في «وادي عبقر». مكان لا تحديد لمكانه، أي لا مكان. واعتقدت العرب أن جن هذا الوادي هي التي تملي الشعر على أي شاعر. فسمي الشاعر عبقريا: أي على صلة خفية وغامضة بوادي عبقر، بكائنات مستورة. ويبدو كأن الشاعر يحذف أصوات الإنس من عالمه. وكان حبه كله منصبا على الجبال والأشياء ليس الناس. كان يستأنس البراري وأحاديث الحجارة والسنابل والطيور كما يقول الروائي الفلسطيني في روايته «الضوء الازرق». عندما نقرأ « هذيان الجبال والسحرة» للشاعر سيف الرحبي أو «مرثية من الشمال البعيد» للشاعر زاهر الغافري نحس كأننا نمر على وادي عبقر هذا، وتتضح لنا جليا عبقرية الشعر. يقولون إن الشاعر سيف الرحبي رحال يكون في حقيبته شعر ينام، يملأ ربعه الخالي بالشعر. القصيدة الجديدة عند سيف كما يقول هو نفسه انحراف المركز عن وهم الاكتمال. إنها مفتوحة على الاحتمالات كلها بما فيها من النقصان. يقول: «لا أميل إلى جر المعارف المنجزة كالفلسفة وبقية الحقول المعرفية الأخرى إلى ساحة الشعر، إنما أميل إلى أن على الشعر أن يخلق أدواته وتصوراته الخاصة بنفسه وعبر نزوعه الخاصة وحريته اللامحدودة بالتقاط أشياء العالم». إن خبرات الشاعر سيف الوجدانية توجز دائما في زمنين الماضي والحاضر أو الغربة والحنين بحسب رأي الشاعر اللبناني محمد العبدالله، وحداثة هذا الشاعر كما يقول الشاعر اللبناني الراحل يوسف الخال ليست حداثة افتعال، «ولو كانت كذلك فلا تستحق دمعة حبر، إنها انفجار الوعي والحساسية الجديدة في تعبير هو عن شقاء الإنسان وفي غربته وفي منفاه». يقول الشاعر أدونيس إن الشاعر محكوم بأن يعيش في منفاه الداخلي. لست بصدد تحليل شامل لكل شعر من هذه المجموعة ولكن أرجو أن أؤكد أن كل شعر فيها يحمل لواقح العبقرية مع ما تتميز كل زهرة في هذا البستان على عودها بجمالها الخاص كما قلت سالفا. المهمة التي كلفني إياها أصدقائي في عمان كانت نقل جمال وأريج هذه الأزهار إلى لغتنا المالايالامية، اقتلاع شجيرات الأزهار ونقلها من بستان إلى بستان آخر دون أية إصابة لجذورها. كانت تلك مهمة عويصة. لأن المسافة بين المجرم والمترجم ليست بعيدة. يصبح المترجم مجرما فقط بحذف حرف وتقديم وتأخير حرفين. والترجمة حرفا بحرف تقتل روح العمل. فالترجمة إذا جريمة اغتيال. مع الدقة والأمانة على المترجم إجادة لغة المصدر (Source Language) ولغة الهدف (Target Language)، الترجمة التعبير بلغة الهدف عما عبر عنه بلغة المصدر مع الحفاظ على الخصائص الدلالية والأسلوبية للنص المنقول. فلا بد للمترجم من أن يكون قارئا مدققا للنص الذي يريد ترجمته لما فيه من دلالات وإيحاءات فكرية وثقافية. ويتوقع من المترجم ألا يلتزم بأسلوبه الخاص بل عليه أن يتميز بالقدرة على تلوين أسلوبه ليحاكي الأصل دون أن يفقد قالب اللغة المترجم إليها. لأن لكل لغة قالبها الخاص. وتكون مهمته شاقة وعسيرة في حالة ترجمة الأعمال الإبداعية. فعليه أن يحافظ على المعنى والمبنى والجمع بينهما خصوصا في حالة ترجمة الشعر كما يشير إليه الكاتب المصري محمد عناني. وترجمة الإبداعيات يجب أن تكون قريبة من المستوى الفني للأصل. وذوق المترجم عنصر هام في هذا الصدد. فإذن الترجمة ليست مجرد نقل من لغة إلى لغة أخرى بل هي أيضا عمل إبداعي – Transcreation not mere translation. وقديما قالوا إن ما يفقد في الترجمة هو الشعر. ويضيف العمل الأدبي الذي أجيدت ترجمته إضافة مهمة إلى التراث الأدبي للغة المترجم. وأتمنى أن تكون هذه الترجمة إضافة إلى التراث الأدبي في لغتنا. وإنني إذ أختتم هذه الكلمات أرجو أن أعبر عن خالص امتناني لصديقي الحميم شاه جهان لتعاونه البناء في تدقيق هذه الترجمة وأشكركم لحسن استماعكم كما أشكر الناشطين في الجالية الملايالامية لجهدهم الجهيد في نشر هذا العمل الأدبي، وليس في قاموسي كلمات للشكر لهذه الحفاوة والمودة، فليكن ختام المسك لهذه الكلمات مقطع من شعر الشاعر الكبير نزار قباني: «وكلامنا في الحب يقتل حبنا إن الكلام يموت حين يقال».
تترجم إلى اللغة المالايالامية
شاعر وأكاديمي من عُمان