إعداد وتحرير: محمد محمود البشتاوي *
لا تنجو الثقافة في الحرب، إذ ثمةَ قذيفةٌ أو شظيةٌ ستعيدُ رسمَ المشهد، وربما تدفعُ لشكلٍ من الاحتجاج الصارخ، نذكر مثلاً أن «حركة الدادا» (أو الدادانية) انطلقت من سويسرا نحو أوروبا كردِّ فعلٍ على «الحرب العالمية الأولى».
وبعيداً عن سويسرا، وفي قلب بيروت، صرخَ المهمشون عبر مجلةِ «رصيف 81»، في حركةِ احتجاج، و«شغب» لتغيير «قواعد الأدب» المحكومة بالبنادقِ، حينها أراد رسمي أبو علي، علي فودة، آدم حاتم، غيلان، وأبو روزا وولف «الخروج على البطاقة الحزبية، وإطلاق الحرية الشخصية في العيش والتعبير الفني» كما يرى الناقد والكاتب الأردني حسين نشوان الذي عايشَ تلك الفترة في العاصمة اللبنانية.
وفي بيروت أيضا، حيث «الفاكهاني» قلبُ الثورة المسلحة، وجد ثلةٌ من المثقفين في مقهى «أم نبيل» فسحة ومساحةً لعصف الذهن، فكان الحوارات دون تخطيط، والجدل حول الحالة الراهنة، فولدت الفكرة، فكرة رصيف 81، لتكون «منصة لنقد الواقع» وفق رسمي أبو علي، إذ تناولت المجلة «المشهدين الثقافيين الفلسطيني والعربي القائم آنذاك في بيروت في صور شتى، وهي وضعت القواعد وأسست لثقافة السخرية لكل ما هو مزيف» بحسب الناقد الفلسطيني سليم النجار الذي شهدَ حصار بيروت.
لم يكن اسم «رصيف» خالياٍ من الدلالةِ والإشارةِ إلى الهامش، والتسكع، ونبذ السائد، كأن بهؤلاء «الصعاليك» – كما في الجاهلية-، يخرجون عن العصبيةِ والقبيلةِ في نسختها المعاصرةِ، المتمثلةِ في التمترس خلف «الحزبيةِ» بشكل أعمى، فكانَ النقد الساخرُ، والأدب المغايرُ للرائجِ في الصحف والمجلات، الأمر الذي أثارَ حالة من الجدل، تراوحت بينَ مهاجمٍ ومؤيدٍ لـ«رصيف»..، حالة لا تزال قائمة حتى اليوم رغم مرور نحو ثلاثة عقود على إصدار العدد الأول منها.