(رباعيات الخيام) أول كتاب أفتتن به وكان مصدر إلهامي
مارتن اسبادا شاعر امريكي ينتمي الى الجنس اللاتيني في اصوله فهو من بورتوريكو، وينتمي الى اللغة الاسبانية التي يعض عليها بالنواجذ كلغة للحديث اليومي لأنها لغة بلده الأم.. ولد في بروكلين بنيويورك عام 1957. نشر اكثر من خمس عشرة مجموعة شعرية، اضافة الى مجموعة من الأبحاث والترجمات. مجموعته الشعرية (تخيل ملائكة الخبز) التي صدرت عن نورتون عام 1996، حصلت على جائزة الكتاب الامريكي، وجائزة دائرة نقاد الكتب المحليين. أما مجموعته الشعرية (التمرد هو دائرة ايدي الحبيب) الصادرة عن كوربستون عام 1990، حصلت على زمالة القلم وجائزة باترسون للشعر. وكذلك مجموعته الشعرية (الابانزا) او (مديح) وهي مختارات من اشعاره (1980 – 2002) حصلت على جائزة باترسون للمنجز الشعري. مجموعته الشعرية (جمهورية الشعر) التي صدرت عن نورتون عام 2006 ، وصلت الى القائمة النهائية لجائزة البوليترز. اما مجموعته الشعرية الاخيرة (الكرة القلقة) فقد صدرت في نيسان (ابريل) 2011 ، عن نورتون .
ظهرت قصائده في نيويورك تايمر بو ريفيو ، وهاربرز، وذي نيشن ، اسبادا يعمل بروفيسورا في دائرة اللغة الانجليزية في جامعة ماساتشوستس.
مارتن اسبادا معروف شاعر كبير اشتهر بأسلوبه في الاداء الشعري. احتل العناوين الرئيسية هذا العام في مهرجان دودج. اخبرني انه قدم في العام الماضي اكثر من ستين قراءة شعرية. احدى هذه القراءات كانت في شهر حزيران (يونيو) الماضي في حلقات الدراسات الصيفية في مونتريال بكندا. لقد اتيحت لي فرصة مشاهدة هذه القراءات الايقاعية المبهرة في احدى القاعات المكتظة. بعد تلك القراءة تحدثت الى احدى النساء والدموع في عينيها. وقالت لي انها اشترت كل اعمال اسبادا مع انها تزعم انها لم تكن تحب الشعر ابدا. قالت : «ان تشاهد مثل هذا الرجل السمين جاثما على المسرح، يبدو لي كمن يشاهد نوعا من الطيور الغريبة، لم استطع التقاط انفاسي وانا اشاهد هذا الغناء المرتعش وكأنه صدى يتردد من زمن آخر «.هذه السيدة لم تتوقف عن البكاء طوال عشرين دقيقة بعد انتهاء القراءة.
يقول اسبادا انه يكتب عن القهر الذي تعاني منه الطبقة العاملة البورتوريكية الامريكية، وان قصائده تنبع من الضمير الاجتماعي الذي تتحدث عنه، والذي يعاني من سوء المعاملة. منذ قصيدته «مديح «التي يرثي فيها مائة انسان قتلوا في (مطعم 43) الذين فقدوا حياتهم خلال الهجوم الذي وقع على مركز التجارة العالمي، الى مرثاة السجناء السياسيين الذين عانوا من السياط الدموية لنظام بينوشيه في تشيلي «حوض السباحة في فيلا غريمالدي» التي تعتبر من اكثر اعمال اسبادا شهرة والتي تعتبر صوت من لا صوت له، صوت اولئك البسطاء المنسيين.
اسبادا الذي يعتبر صوت الاجيال الجديدة من الامريكيين اللاتينيين المغتربين في الولايات المتحدة الامريكية، اصدر مجموعته الشعرية العاشرة (الكرة القلقة ) في شهر نيسان (ابريل) 2011، هذه المجموعة التي يكتشف فيها عشاق شعر اسبادا انها تؤشر على حرفية عالية في فنه الشعري، واكثر انحيازا الى مضامينه الاساسية، واكثر ارتباطا بالايقاع الشعري من اي وقت مضى. انها تؤشر الى حساسية بالغة بالرسالة التي يطمح الى ايصالها من خلال الشعر.
رؤية اسبادا عبارة عن وضوح كريستالي مباشر. ليس هناك اي لعب على الخبرات اللغوية. انها عبارة عن اقتران حقيقي بين الوحشية ولغة الحب الموسيقية الصادقة. كتب جون فريمان في سان فرانسيسكو كرونيكال يقول : «ان اشباح بابلو نيرودا تعيش في اشعار مارتن اسبادا».
v
في هذا الحوار الذي اجراه معه مارك فينسيز يلقي اسبادا الضوء على الكثير من جوانب سيرته الابداعية والشخصية.
v من هو اول شاعر ملهم لك؟
u هناك العديد من الشعراء الذين يمكن ان اسميهم. اول كتاب اقتنيته وكان ملهما بالنسبة لي هو «رباعيات عمر الخيام» بترجمة فيتزجيرالد. لقد فتنت فعلا بهذا الديوان، ليس بفلسفته فحسب وانما بموسيقى اللغة.
اما الشاعران اللذان اعود اليهما بشكل دائم بالطبع فهما والت وايتمان وبابلو نيرودا، انني على تواصل دائم معهما. انا لا اقول انني قد فهمت هذين الشاعرين تماما، انهما بالنسبة لي محفزان اكثر منهما شاعري رسالة. وايتمان ونيرودا لا يزالان يجعلان شعر يدي يقف كلما قرأتهما.
v الموسيقى والايقاع هو الذي ينقل النثر الى شيء اخر : الشعر.
u الذي جعل الموسيقى تتغلغل في شعري هو ان اللغة الاسبانية لغة موسيقية جدا ولغة ايقاعية جدا.
v مرة اخرى، اجدك تستعمل الاسبانية بشكل كبير. يمكنني ان احس بالايقاع في اعمالك الاخيرة خاصة «مديح» مثلا.
u مرة اخرى، كلما شعرت بالارتياح وانا اعمل ذلك، كلما اصبحت اذني اكثر تناغما.
v من اين جاء هذا الضمير الاجتماعي لك كشاعر؟
u لقد كان أبي من اكبر المؤثرين بي. لقد كان على درجة كبيرة من الوعي السياسي وهو في التاسعة عشرة، عندما كان في الجيش، حين خدم في قاعدة «ليكلاند» الجوية قرب سان انطونيو بتكساس، في كانون الاول (ديسمبر) عام 1949، كان ابي يركب الباص المتجه نحو الجنوب لقضاء عطلة عيد الميلاد مع اسرته. عندما توقف الباص في بيلوكسي بالمسيسيبي حيث تم القاء القبض على ابي ولم يعد ابي الى الباص وكان ابي هو الانسان الوحيد في الباص.لقد كان السائقون يستبدلون في الميسيسبي واصر السائق الجديد انه يطيع هذا القانون الخاص في الفصل. فوضع ابي في السجن. فيما بعد قال ان ذلك الاسبوع كان افضل اسبوع في حياته، لأنه قرر في ذلك الاسبوع ما يجب عليه ان يفعله في حياته.
v ان يكون احد القادة الاجتماعيين في بورتوريكو؟
u بالضبط. لقد سألته :» حين غادرت سجن بيلوكسي اين جلست؟ قال لي : لقد فردت ذراعي وجلست في مقدمة الباص، كما انه يعتقد – وهذا ما قاله لي فيما بعد – ان سبب عدم معاملته بطريقة فظة من قبل سلطات السجن انه تم القاء القبض عليه وهو باللباس العسكري.
v كيف ترى بورتوريكو الامريكية هذه الايام؟
u حول بورتوريكو، عليك ان تعرف انها اصبحت مستعمرة للولايات المتحدة الامريكية منذ الحرب الاسبانية الامريكية عام 1898. لقد اصبحت من اكثر المستعمرات المنتجة للهجرة في امريكا. وهو نفس الأمر حين تراقب ما يجري هنا في كندا، مثلا، ستجد ان العديد من الناس ينحدرون من مستعمرات فرنسية، من هاييتي او من مستعمرات افريقية تتكلم الفرنسية. حسنا، نفس الشيء حدث في الولايات المتحدة الامريكية. فما عدا الامبرياليين في الولايات المتحدة الامريكية، ستجد ان النسبة الكبيرة من المهاجرين من امريكا اللاتينية، هناك ما بين ثلاثة الى خمسة ملايين يتحدثون الاسبانية في الولايات المتحدة الامريكية هذه الايام. ومن اللافت للنظر ان الهوية البورتوريكية في غاية المرونة، وهذا هو ما جعلها تترسخ عبر القرون، وهو السبب الذي جعلها تحافظ على لغتها الاسبانية.حين هيمنت الولايات المتحدة الامريكية على بورتوريكو، جعلت اللغة الانجليزية هي اللغة الرسمية في المدارس والمحاكم ، ومع ذلك فان اللغة الانجليزية خارج سان خوان ليست واسعة الانتشار كما يمكن ان يهيأ لك. لقد عوقب ابي لأنه تحدث بالاسبانية في المدرسة في بورتوريكو.
v يقال ان شعرك تغلب عليه النزعة السياسية في بعض الاحيان؟
u حسنا، هذا شيء عضوي تماما، بادئ ذي بدء، لقد نشأت وترعرعت وروح المقاومة تحيط بي من كل جانب، كما انها جاءتني مرة اخرى من ابي. كما انها تظهر احيانا وبشكل طبيعي من حالة اجتماعية معينة. ان تكون بورتوريكيا في الولايات المتحدة الامريكية، فهذا يعني حالة سياسية. لذلك يجب ان يكون رد فعلك عليها سياسيا، وهذه حالة طبيعية تماما.
هذا ما كان يفعله ابي، وهذا ما افعله انا. هناك اشعار كتبتها تصف المشهد ببساطة. هذا المشهد يأتي من خبرتي وتجربتي، ربما كقارئ انظر اليه واقول انه شعر سياسي، لكنه يأتي ايضا من تاريخي الشخصي، وهو الامر الذي يحدث غالبا في الشعر.
v هل تعرضت لانتقادات لأنك تمزج الشعر بالسياسة؟
u كلمة انتقاد كلمة لطيفة بالنسبة لي، لقد هددت في احدى المرات بتفجيري وانا القي شعري في تاكسون باريزونا، ماذا حدث على الارض؟ حسنا، كان هذا قبل فترة وجيزة، مدينة تاكسون قريبة من الحدود المكسيكية، وهذا ما يجعلها هدفا لصالح المدافعين عن حقوق الانسان، هناك مراقبون لحقوق الانسان يراقبون الانتهاكات على الحدود، خاصة فيما يتعلق بدوريات مراقبة الحدود. فهناك العديد من الناس الذين يعبرون (او يحاولون عبور) الحدود ويمنعون من اتمام هذه العملية. وليس هذا فحسب، وانما هناك قدر كبير من الاقتصاص والمليشيات وعمليات التخريب وهلم جرا. يتم ارتكابها من قبل المجموعات اليمينية . حين نهضت من اجل القراءة ولم اكد افتح فمي حتى سمعت صوتا من انسان آخر يأتي من مكبر للصوت من خلفي . قال الصوت: «نرجو من كل الحاضرين اخلاء القاعة، لقد تلقينا تهديدا بتفجير القاعة». لم ار اناسا يهرعون للخروج من القاعة بمثل هذه السرعة في حياتي. لقد كانوا على وشك ان يدوسوني، مع انني كنت قبل لحظات ضيف الشرف الذي يقومون بتكريمه.خرجنا الى الرصيف، وسرعان ما انتابنا شعور بعدم واقعية ما يحدث. ادركنا ان ما حدث هو نوع من اللعب بالنار. ظننا اننا سنعود في قت قريب الى القاعة، لكننا كنا مخطئين بهذا الظن. فقد جاء بوليس تاكسون بالكلاب التي قامت بتشمم المكان، كما انهم قاموا باغلاق المبنى ولم يسمحوا لنا بالعودة اليه مرة اخرى، لذلك تجمعنا فوق بعضنا البعض في موقف للسيارات متسائلين ماذا يجب علينا ان نفعل. الى ان قر قرارنا في النهاية ان ننقل القراءة الى موقف السيارات. فكانت امسية شعرية في موقف للسيارات تحت انوار مصابيح الشارع. وقد قام احدهم باخبار احدى المحطات التلفزيونية التي جاءت الى المكان لنصبح قصة اخبارية ليلية حية في تاكسون. بعد تلك الحادثة بساعات طويلة افقت من النوم وجسمي يتصبب عرقا، وادركت ان احدهم اخترع مثل هذا التهديد بتفجير القاعة من اجل ان يفسد تلك الامسية.
v يبدو لي انه حتى وفي عصر الثورة الاعلامية الحديثة البيضاء ما يزال للشعر تأثيره المهم على الناس ؟
u بالطبع، ان كل ما يحدث ما هو الا نوع من انواع الرقابة المفروضة علينا. لكن ما يحدث هو في مصلحتنا فقد جعل هناك مزيدا من الاهتمام بما نفعل او نقول، حتى بعد ذلك التهديد بالتفجير تلقيت ايميلا مفعما بالكراهية كرد فعل على ما اكتب، كل ما يحدث يسجل ضد مجهول، وهذا دليل على جبن هؤلاء الناس الذي يمارسون مثل هذا النوع من التهديد.
v ما رأيك في منطقية عدم المزج بين الشعر والسياسة؟ اعرف ان كارولين فورتشي قد تلقت الكثير من الاحتجاجات من المؤسسات الاكاديمية حين اطلقت شعار «الشعر كرقيب» ثم كانت هناك حالة اخرى لشاعر صيني منفي يكتب بالايطالية، وقد تم تقبل تلك الحالة، لكن فيما يتعلق بك كشاعر امريكي يكتب عن الاضطهاد في تشيلي، هذا يعتبر «الشعر رقيبا «لذلك فان الشعور العام هو انك تستحق بالفعل ان تكتب عن شيء ما سياسي اذا كنت بالفعل تنتمي الى ذلك المكان.
u حسنا، هناك نقاش حول امكانية ان تكتب عن قضية سياسية لك علاقة مباشرة معها. هناك الكثير من الشعراء الذين يفعلون هذا ، دعني استهل هذا بالقول ان هناك ثلاثة من كبار الشعراء البورتوركيين قد سجنوا لأنهم كانوا جزءا من الحركة الاستقلالية. وهم كليمينت سوتو فيليز، وخوان انطونيو كورتير، وفرانسيسكو ماتوس بولي. ساتو فيليز الذي يعيش في نيويورك، اصبح واحدا من الملهمين لي، واصبح لنا سجناؤنا السياسيين ايضا. لكن حين نعود الى القضية، اذا عدت الى الوراء الى فترة الثلاثينيات في الولايات المتحدة الامريكية، ستجد ان الشعر السياسي هو الجزء المقبول من الخطاب. وهناك امثلة على ذلك، الشاعر ادوين رولف، الذي عرف فيما بعد بشاعر البلاط في عهد ابراهام لينكولن، اضافة الى الشعراء الذين تطوعوا للحرب لصالح الانتخابات الديموقراطية خلال الحرب الاهلية الاسبانية. هناك عدد كبير من الشعراء السياسيين الذين شكلوا جزءا هاما من هذا الحوار.
v ثم ماذا حدث؟
u حدث ان جاءت المكارثية، نحن احيانا نميل الى نسيان ان المكارثية ليست حركة سياسية فحسب، وانما هي رد فعل ثقافي ايضا. لقد كان رد الشعراء الامريكيين عليها ، كرد فعل اي انسان، بعض الشعراء وضعوا على القائمة السوداء. لقد فقدوا كل وسائل العيش، والاغرب من ذلك فقدوا هويتهم كشعراء، وبعضهم مثل رولف سقط ميتا، وبعضهم توجهوا للمنفى. وبعضهم تعرضوا للسجن، وبعضهم استعاد سمعته فيما بعد، لكن عددا من الشعراء في الثلاثينيات والاربعينيات تعرضوا للطمس. في ذلك الوقت كان هناك هذا التحول النموذجي، وفجأة اصبح من غير المقبول ربط الشعر بالسياسة. الدوائر الانجليزية عبر الولايات المتحدة تبنت هذا النهج، هذا الانحياز ما يزال يؤثر علينا بشكل كبير حتى هذا اليوم.
v والأدب اللاتيني؟
u بالرغم من ان هناك منحنى في التعلم في الولايات المتحدة، فان عملية التقدم ستكون طويلة للغاية. فالأدب اللاتيتي لا يزال مهمشا حتى هذه اللحظة. حتى الشعر الافروامريكي لم يبدأ بأخذ حقه من الاهتمام الذي يستحقه الا منذ فترة وجيزة،الافروامريكي الاول والوحيد الذي حصل على جائزة البوليترز هو يوسف كومونياكا، وهذا هو الامر الذي يجعلنا نتحدث عن البوليترز اكثر من اي شيء آخر. ما يذهلني دائما هو ان النخبة المثقفة التي تعيش في نيويورك وفي العواصم تتحرك ببطء شديد للتعرف على الأدب اللاتيني وتبنيه.
من الذي يفرغ لك نفاياتك؟ من الذي يقود سيارة اطفالك؟ اللاتينيون في كل مكان في نيويورك، ومع ذلك يظلون خفيين وغير مرئيين انني اكتب عن هذه الامة غير المرئية. في نفس الوقت. المثقفون والاكاديميون ليسوا سوى جاهلين وسذج وغير مبالين كأي اناس آخرين.
v هل تريد ان تقول ان هذه الظاهرة مشابهة للجالية الافروامريكية؟
u فيما يتعلق بالأدب، فقد اكتسب الأدب الافروامريكي اعترافا متاخرا. ما هو المفتاح؟ عليك انت تنظم نفسك. مثلا، هناك منظمة في الولايات المتحدة الامريكية تدعى (كهف كانيم ).
v اذن مم يتألف المجتمع من اصول اسبانية؟
u هناك حوالي خمسة ملايين لاتيني في الولايات المتحدة الامريكية، وهم كما اعتقد يجعلون الولايات المتحدة الامريكية اكبر بلد ناطق بالاسبانية في العالم. خمسة وسبعون او ثمانون في المائة منهم من اصول مكسيكية، ويعيش اغلبهم في الجنوب الغربي على الساحل الغربي، ومع ان هناك تغيرا سريعا ، فان المنحدرين من اصول بورتوريكية ، من ناحية اخرى، يعيشون باعداد كبيرة في نيويورك منذ الحرب العالمية الثانية.
هل تعرف ماذا يعني هذا؟ لا يوجد اي تمثال بورتوريكي واحد في (بيغ ابل) لكن هذا هو ما تستحقه الطبقات الدنيا.
v كيف يمكنك ان توضح ذلك؟
u كل ذلك يعود بالذاكرة الى الاستعمار. ورتوريكو مستعمرة للولايات المتحدة الامريكية، انها مفارقة سياسية تاريخية، ومن هنا يأتي الاحراج العام.
v اذن لماذا لم يقم اللاتينيون بتنظيم انفسهم كما فعل الافروامريكيين؟ ما الذي يساهم في استمرار تهميش المجتمع اللاتيني؟ اهي قضية لون؟
u هناك الكثير من الخطوط التي يمكن رسمها. هناك خط اللون بالتأكيد، لكن هناك خطوط لغوية أيضا. هنا في مونتريال مثلا (الفرانكفونية والانجلوفونية) هناك سياسات لغوية في الولايات المتحدة الامريكية، وهي قابلة للمقارنة بما يجري هنا. ذات مرة فوجئت بشاب يهددني بقطع لساني لأنني تحدثت بالاسبانية.
v هذا النوع من العداء يحيرني ، اين حدث ذلك؟
u في بوسطن، كنت واقفا امام مقر الحكومة، مشاركا في مظاهرة لصالح التعليم ثنائي اللغة، والتعليم ثنائي اللغة كان موجودا منذ وقت طويل في الولايات المتحدة، وكان مقبولا حتى الحرب العالمية الثانية، واللغة التي كانت الاكثر اثارة للجدل ليست الاسبانية وانما الالمانية. خلال الحرب العالمية الاولى تم حظر اللغة الالمانية، ولم يكن بامكانك التحدث بها حتى عبر الهاتف. وقد تم اعتقال عدد من الناس لأنهم تحدثوا بالالمانية. هذا الموقف تجاه ثنائية اللغة في التعليم ظل مستمرا حتى اوائل السبعينيات. بعدها بدأنا نرى برامج للتعليم الثنائي اللغة تعود الى ساحة الولايات المحتدة الامريكية. حينها بدأ الصراع الفعلي في هذا المجال.
لقد كنا جزءا من ذلك الصراع. عملي الشرعي في البدابة كان متمركزا على التعليم ثنائي اللغة. وكنت واحدا من المتحدثين في تلك المظاهرة. وكما قلت: كنا امام مقر الحكومة، في شارع بيكون، لقد نزل ذلك الرجل وهو مشحون، من الدرج الذي ورائي، لم اعرف ما الذي كان يريده، ولكن حين استدرت ووضعت نفسي في مواجهته كنت افكر بالاسبانية، لذلك كان حديثي اليه بالاسبانية.
قلت له (كومو استاس) اي كيف حالك، فوضع وجهه في وجهي لدرجة انني كنت اشم نفسه، وقال بغضب شديد: لو انني قطعت لسانك لما استطعت ان تقول مثل هذا الكلام لي، كانت عيناه حمراوتين براقتين. كان ذلك الشاب جادا فيما يقول، ووقفنا وجها لوجه لفترة طويلة، ثم اندفع عبر الناس وقطع الشارع.
بعد ذلك بلحظات، كنت اقف وبيدي الميكروفون، لكن يدي كانت ترتجف، واخبرت الجمع المحتشد بما حدث. قلت: بامكانه ان يقطع لساني اذا اراد ذلك، لكن هذا الامر لن يفيد، لأنني سأتحدث الاسبانية بقلبي.
لقد كسبنا تلك المعركة، لكننا خسرنا الحرب. فقد تم الغاء التعليم ثنائي اللغة في ماساتشوستس.
v هذا امر مدهش حقا، اذا ما اخذنا بالاعتبار حظر التحدث باللغة الاسبانية في بورتوريكو حين اصبحت مستعمرة امريكية عام 1898. كما انني اتذكر انني قرأت (قانون موزيل ) الذي جعل رفع الراية البورتوريكية فعلا غير شرعي. انا متأكد ان معظم الشباب الامريكيين لا يعرفون شيئا عن هذا ، لكنني بدأت ارى كيف ان السياسة والشعر اجبرا ان يسيرا يدا بيد من خلال تجربتك كشاعر بورتوريكي. ما هي قراءتك لجماليات الشعر السياسي؟
u اعتقد انه لا بد من ان تكون هناك جماليات، يجب ان نقدم انفسنا باعلى درجة من الجماليات. اعتقد ان الشعر السياسي يجب ان يكون ارضية للصورة، في الحواس الخمس، وفي البنية الصلبة، وهذا هو سلاحنا ضد الاسلوب الخطابي المباشر، لأن الخطاب السياسي غالبا ما يكون تجريديا تماما.
ومثل اي شيء اكتبه ويصنف على انه شعر سياسي قائم على ارضية التجربة المباشرة، ففي بعض الاحيان تكون تلك التجربة، وببساطة، مجرد مسالة تجرب في مكان معين وزمان معين. فقصيدة (صلاة على قبر فريدريك دوغلاس) والتي قرأتها في الامسية السابقة كانت تدور حول زيارة قبر فريدريك دوغلاس مباشرة بعد انتخاب باراك اوباما.
بالطبع لم تكن حول فرار فريدريك دوغلاس من العبودية، ولكنني وجدت نفسي اقف بما خيل الي انه تقاطع تاريخي. ولذلك كتبت هذه القصيدة من وجهة النظر هذه. انها تبدأ باللمس، كتجربة داخلية لكونك موجودا في نفس الزمان والمكان، وتذهب من هناك. هذا هو الترابط بالنسبة لي. لقد حاولت امتصاص شبح فريرديك دوغلاس من خلال باطن قدمي.
v هل تحاول ان تصور نفسك انك ترتحل الى الزمن الماضي؟ هل ترى العربات التي تجرها الخيول في عقلك وهلم جرا ؟
u غالبا، انه مزيج من الانباع الحسي والبحوث التاريخية. لقد صنعت سجلا لما رأيت في تلك اللحظة التي كنت اقف فيها هناك، لكن في نفس الوقت انا اقرأ واقرأ . انني اقرأ السير والسير الذاتية والتاريخية وغيرها. كانت القصيدة عبارة عن صفحة واحدة، ولكن هناك الكثير من التاريخ في حواشيها.
حكاية قصيدة
فيللا غريمالدي
حكاية قصيدة خارجة من فردوس الجحيم
قصر من القصور الباذخة، تحول الى اغرب ساحة من ساحات التعذيب في العالم. المكان : سانتياغو – تشيلي، زاره الشاعر الامريكي البورتوريكي، مارتن اسبادا، فطاف بالمكان، ودرس تفاصيله بدقة، ليكتب لنا قصيدته التي اصبحت من اشهر القصائد في العالم.(فيلا غريمالدي).
الحكاية
يتحدث اسبادا عن تجربة كتابة تلك القصيدة فيقول:
زرت تشيلي مرتين، لكنني في المرة الثانية، ذهبت مباشرة لزيارة مكان يدعى (فيللا غريمالدي ) يقع في سانتياغو، بعد ان عرفت اته كان مركزا للتحقيق والتعذيب والاعدام في عهد الديكتاتور بينوشيه. وكانت هناك محاولة لتحويله الى حديقة للسلام، ولكن العمل لم يكتمل، وظلت هناك بعض بقايا المكان الاصلي. قمت بجولة في غرف التعذيب، من اجل ان اقول ان هناك مكانا واحدا داخل الحديقة يقف فوق كل الامكنة الاخرى، انه المكان الاصلي لفيللا غريمالدي، انه بركة السباحة. الان يمكنك ان تتوقع اشياء معينة حين تذهب لترى مركز التعذيب والاعدام. ولكنك لا تتوقع ان تجد بركة للسباحة. مع انها موجودة بالفعل، انها بركة سباحة عادية يمكنك ان تجدها في اية ساحة خلفية في اي منزل من منازل المدن الامريكية.
ماذا فعلت ؟ تسلقت المكان وامسكت بدرابزين بركة السباحة، لقد اردت ان يكون لي نفس منظور اولئك الذين استخدموا البركة، نظرت الى الاسفل، وبدأت اصغي.
وكما تعرف، فان الصوت ينتقل. ما كان يمكنني سماعه هو نفس الشيء الذي كان يسمعه الذين كانوا يستخدمون تلك البركة. كنت اسمع صوت الطيور وهي تغني على بعد مئات الياردات. واذا كان بامكانك سماع الطيور وهي تغني فان بامكانك سماع السجناء وهم يصرخون. وبدأت اجمع ما الذي كان يحدث في بركة السباحة تلك. والتي بالنسبة لي اصبحت جوهر فيللا غريمالدي.
كانت البركة تستخدم من قبل الحراس، ورجال البوليس واسرهم، كانوا يسبحون في تلك البركة، وكان الاباء يعلمون اطفالهم كيف يسبحون. هذا من جهة، ومن جهة اخرى، كان الناس يعذبون فيها ويعدمون سبعة ايام في الاسبوع، وعلى مدى اربع وعشرين ساعة في اليوم، كل ذلك كان يتم داخل مشهد تلك البركة.
تلك البركة كانت محاذية تماما لبرج، وذلك البرج كان يسمى برج الموت. وهو المكان الذي يجري التحفظ فيه على الناس قبل اعدامهم. على الجانب الاخر، هناك موقف للسيارات يبدو واضحا للعيان من البركة. موقف السيارات هذا هو المكان الذي كان ينقل اليه السجناء العنيدون الذين لا يريدون ان يعترفوا. وهناك كانوا يؤمرون بأن يستلقوا على الارض، ويقوم المحققون بالمرور من فوقهم بشاحنات صغيرة.
كانت الوسيلة الوحيدة من اجل الهروب من تلك التجربة البشعة – بركة السباحة – ان تغطس في البركة، اذن هناك صمت ، وهناك هروب، وهناك قدر كبير من الكراهية.
لقد تم استخدام المكان من اجل ترهيب واغراء السجناء، فالسجناء الذين يوافقون على الاعتراف يؤخذون الى البركة ويتم تغذيتهم وتقدم لهم الحلويات والكوكا كولا، من اجل الاعتراف باسماء رفاقهم، لكن اذا لم يوافقوا على الاعتراف، فيتم القاؤهم في بركة السباحة وهم مقيدون بالحبال ويتم جرهم جيئة وذهابا عن طريق تلك الحبال. وهناك سجلات باسماء هؤلاء السجناء الذين ماتوا نتيجة انخفاض درجات الحرارة ، والذين قتلوا في تلك البركة.
بعد ساعات من جحيم العذاب، كان الحراس والموظفون يأتون لقضاء معظم الوقت في تلك البركة، فقد كانت منطقة البركة تستخدم لحفلات الباربكيو والكوكتيل ودروس السباحة للاطفال. ماذا يوحي لك مثل هذا الفعل عن البشر؟ ما الذي نحن قادرون عليه؟هذا هو ما ركزت عليه في تلك القصيدة. الان، اذا اردت ان تقول انها قصيدة شاهد عيان، قل ما تشاء، انها تجربة عشتها وسوف اعيش معها.
بعد ان عدت الى بيتي وعشت التجربة العميقة. بدأت القراءة، وجدت الكثير من الاشياء حول فيللا غريمالدي، لقد تحدث الناجون منها حول تجربتهم، وتحدث المؤرخون عنها، وحين بدأت بكتابة تلك القصيدة بدأت احس انني مريض فعليا.
لدي صديق حميم هو ستيف ستيرن، وهو بروفيسور في جامعة ويسكينسون كتب عن حقبة بينوشيه وعن الناجين من تلك الحقبة، لذلك دعوته وقلت له: احاول ان اكتب هذه القصيدة،. فقال : حسنا، كيف تشعر؟ توقع قبل ان اجيبه انني مريض فعليا ، وانني قادر على استيعاب تلك الحالة. وانني لن استطيع ابدا ان اقارن تجربتي بالتجربة الفعلية للسجناء الذين عذبوا هناك. انني اعرف بالفرق، لقد شعرت انني تلقيت لكمة في وجهي، ولكنها لا تساوي شيئا اذا ما قورنت بالتعذيب الذي ينطوي على تجريد للانسان من كامل انسانيته. ومع ذلك انهيت القصيدة.
شعـــــر
بركة السباحة في فيللا غريمالدي
سانتياغو – تشيلي
خلف البوابة حيث تلقي القوافل حمولتها
من السجناء المعصوبي الاعين والخلايا
غير القادرة على الاستلقاء
وحيث غرف الكهرباء التي تهز الجسم
المشبوح عبر الشواية الى ان تتكسر عظامه
موقف للسيارات حيث يقود المحققون
سيارات البيك اب الصغيرة
فوق سيقان السجناء العنيدين الذين
لا يريدون الاعتراف
وبرج يمكن سماع صوت المدانين عبر جدرانه
وسماع اغنية لسجين اخر صباح يوم الاعدام
خلف البوابة بركة سباحة في فيللا غريمالدي
هنا يجمع الحراس والموظفون عائلاتهم
لحفلات الباربكيو. المحقق يدرب
ابنه: اركل بقدمك. ادر راسك لتتنفس.
يد الجلاد تتلمس بطن ابنته
ليعلمها كيف تطفو على الماء، ويعلمها درسا
في السباحة.
هنا مجموعات من الاطفال ، ذوي
العيون الحمراء
من الكلور، ينهضون للوصول الى
نزلاء ذلك البرج. البوليس السري
يقود موكب النساء من الزنازين الواقعة
على جوانب البركة
قائلا لهن. ارقصن لي. هنا تقدم
كعكات الشوكولاتة والكوكايين المثلج
للسجين الذي يترك اسماء رفاقه
تنزف سائلة على ذقنه، والسجين الذي
يرفض ان يعترف بكلمة، ليقطع نفسه
في الماء. ويترك وجهه متدليا في نهاية الحبل.
حين يسحب المنشق من شعره من برميل
البول، وتصيح الوجوه من اجل الآلهة، وترشق
الصيحة اوراق الاشجار، يغرق السباحون
تحت السطح
ليلمسوا اعماق ذلك العالم الازرق الصامت.
من الدرجات الواقعة عند نهاية البركة
يقف السباحون حيث يمكنهم مراقبة
السجناء وهم يسيرون معصوبي الاعين عبر ذلك المكان.
يسيرون حيث يضع كل واحد منهم يده على كتف الاخر في طريقهم
الى وجبة الغداء والعودة ثانية الى الزنازين.
السكان المجاورون للمكان يضعون ملاءات سوداء على النوافذ
كي يبعدو تلك الاشباح عن عيونهم.
هناك بركة سباحة في قلب فيللا غريمالدي
خطوات بيضاء، عناوين بيضاء، حيث
تغوص الكائنات البشرية الى ان يتلاشى
كل ما يخص البشرية فيهم ويختفي الى الابد
يتلاشى مثل السجناء
الذين يلقى بهم من طائرات الهيليوكبتر الى المحيط، على يد البوليس السري
بعد تشق بطونهم حتى لا تطفو جثثهم على سطح الماء.
صلاة على قبر فريدريك دوغلاس
مقبرة جبل الأمل – روتشيستر – نيويورك
7 تشرين الثاني 2008
هذه هي خطوط الطول والعرض للمستحيل
هذه هي بؤرة ما لا يمكن تصوره
هذا هو مفترق طرق اللامتخيل:
قبر فريدريك دوغلاس بعد ثلاثة ايام
من الانتخاب
هذا هو العالم الذي يطوف بعيدا عن
جاذبية القرون
هذا هو قبر العبد الهارب الذي اصبح مذبحا.
هذا هو قبر الرجل الذي ولد عبدا وعلم
نفسه القراءة في السر.
انه يمحو حروف اسمه التي كتبت بالطباشير على الخشب وينقشها على سطح الحجر
زر الحملة التي تحمل حرف (O) الزر الذي
يعني اوباما.
هذا هو قبر الرجل الموثق بالسلاسل، الذي
ترك بصماته
على حنجرة محرري العبيد حتى
لا تعود الانحناءة مرة اخرى
الآن اتحاد العمل، تي شيرت، يعرض ذاته
عبر ستائر الحجر
ممثلا بالممرضة والبواب وسائق الحافلة.
ملصق على الكم يقول : لقد صوتت اليوم
هذا هو قبر الرجل الذي توالت دعواته
لحمل السلاح بعيدا عن عالم الصحافة
يطل من خلال نظارات العناوين التي كانت
حتى الآن ملغاة من الصحف.
ينتشر فوق تواريخ الميلاد والموت، حيث
تقول العناوين : لقد فاز اوباما
هذا هو جوهر السكون في قلب العاصفة،
التي بدأت تتحرك في جسم
العبد الاول، الذي جر الى سطح اول سفينة
قادمة الى امريكا. حيث الاوراق الصفراء
تنحدر في الامواج، والصحف التي ترفرف
على القبر مثل الاشرعة
التي رآها دوغلاس على الشاطيء، مثل
عيون العبيد التي تغمض ليرى نفسه
وهو هارب مع المد. المؤمنون بالارواح
سوف يرون الصفحات وهي تتراقص
على الحجر ويقولون : انظروا كيف
علم الفتى العبد نفسه القراءة.
انني اتلو صلاة السنوات الاولى: لقد دفنا
هنا ما ندعوه
المستحيل، واللامتصور ، واللا متخيل، الان
والى الابد. آمين.
درس ثوري اسباني
كلما ذكر اسمي
خطأ
اريد ان اشتري لعبة مسدس
وارتدي نظارات شمسية سوداء
وادفع البيريه على طرف رأسي
وامشط شعر لحيتي الى نقطة ما
لاختطف حافلة ركاب
من السياح الجمهوريين
من ويسكينسون
واجبرهم على غناء
شعارت معادية للامريكيين
بالاسبانية
وانتظر فريق سوات ثنائي اللغة
ليطوف بطائرة الهيلوكبتر فوق رأسي
متوسلا لي
ان اكون منطقيا وعقلانيا
معطف الشاعر
مهداة الى جيف ميل (1946 – 2003 )
حين اسعل، يتراجع الناس بعيدا
خائفين من مرض عمال المناجم
تصور اندلاع الدم
اسفل الذقن. في غرفة الطوارئ
يحدق الطبيب في اشعة اكس
حيث تتكوم الرئة مثل قصيدة قلقة
حين سمعتني اسعل، خلعت معطفك
ووضعته باحتفالية على كتفي
لتصبح ملك المطر والريح
قلت : احتفظ به، انت معلمي
احتفظت به، المعطف الفخم
للمخبر الخاص نوير
حرب فيتنام صنعت انهارا
من القوارب المحترقة
عبر دماغك، لكن يداك ما تزالان
مملوءتين بالقصائد التي تلمع كسمكة
طرق فرجينيا ترسل اشباح
الدوريات الكونفيدرالية
لتشنقك في الحلم، فتى اسود يحمل
العديد من الكتب
لكنك ما تزال تضع ياقة معطفك حول رقبتي
انت الان ميت، وقلبك يرسل نبضاته السريعة
للاطباء في مستشفى المحاربين القدامي للحفاظ على النبض
في ليلة تأبينك الخاص في بوسطن
ارتديت معطفك وسرت عبر عواصف
الخط الساحلي لفلوريدا
كانت الريح تلسع وجهي، ومع كل صفعة
كنت اتذكر رمادك، فمع كل وابل من
سهام المطر
كان معطفك مثل درع الساموراي
على الشاطيء وجدت هيكل سمكة زرقاء
حراشفها وجلدها التهمت الملح المنتصر
معطفك رد ذلك المنتصر الفاتح ثانية الى البحر
وفي الحال طار رمادك الى مقبرة
المحاربين القدامي في ارلنغتون
حيث عدك الجنرال الكونفدرالي ذات مرة
بين البغال والخنازير
معطف هذا الشاعر هو قصيدتك الاخيرة
اريد ان اكتب قصيدة مثل هذا المعطف
بازرار وجيوب وقماش اخضر
قصيدة مفيدة مثل معطف لرجل يسعل
لتعلمني
الابانزا (مديح )
في مديح فرع المائة
للاعضاء الثلاثة والاربعين من موظفي فرع فندق ومطعم المئة، الذين كانوا يعملون على نوافذ المطعم العالمي ، الذين فقدوا حياتهم في الهجوم على مركز التجارة العالمي
الابانزا، مديح الطباخ ذي الراس الحليق
والوشم على كتفه الذي يقول : اوي
البورتوريكي ذي العينين الزرقاوين المنحدر من فاخاردو
ميناء قراصنة القرون الماضية
مديح لمنارة فاخاردو، للشمعة
ذات البريق الابيض لعبادة قديس البحر الاسود
الابانزا ، مديح لقبعة طباخ القراصنة الصفراء
التي نرتديها باسم روبرتو كليمنتي،
الذي اشتعلت
طائرته فوق المحيط وهي محملة
بالمعلبات لنيكاراغوا
لكل الافواه التي مضغت رماد الزلازل
الابانزا، مديح لراديو المطبخ الذي
نديره بالازرار
قبل ان نشعل الفرن ، كي ترتفع الموسيقى
واللغة الاسبانية
امام الخبز. لمباركة الخبز. الابانزا،
مديح مانهاتن من الرحلات المائة والسبع
التي ومضت مثل اطلانتيس من خلال
حوض ماء قديم
مديح للنوافذ العظيمة ، حيث يمكن
للمهاجرين ان يروا العالم
من خلال مطبخهم ويسمعون غناء
الاناشيد الوطنية
للاكوادور والمكسيك وجمهورية الدومينكان
وهايتي واليمن وغانا وبنغلاديش.
الابانزا ، مديح للمطبخ في الصباح
حيث يحترق الغاز ازرق من كل موقد
حيث يطلق المستنزفون نيران امعائهم الصغيرة
وتكسر ايديهم البيض بضربة ابهام سريعة
او تشرح الكرتون المفتوح لبناء مذبح من العلب
الابانزا، مديح لموسيقى النادل التي تخلق
ذلك التناغم
بين الصحون والفضيات في الحوض
الابانزا، ، للانسان البسيط، غاسل الصحون،
الذي عمل ذلك الصباح لأن غاسل صحون آخر
لم يتوقف عن السعال ، او لأنه يريد ان
يعمل عملا اضافيا
لتجميع اكياس الارز والفاصولياء لعائلته
التي تطفوا بعيدا
على بعض الجزر الكاريبية
المحاصرة بالضفادع
الابانزا، مديح للنادلة التي سمعت الراديو
في المطبخ
وبدأت تغني لنفسها عن رجل ارتحل. الابانزا،
بعد رعد اكثر وحشية من الرعد
بعد قشعريرة تسري عميقا في النواقذ الكبيرة
بعد راديو توقف عن الغناء مثل شجرة
مفعمة بالرعب من الضفادع
بعد ليلة فجرت خزان اليوم، واغرقت المطبخ
لفترة من الزمن، فاخذت الافران تلمع في الظلمة مثل منارة في فاخاردو.
مثل روح طباخ؟ قلت روح، حتى لو ان الميت
لا يستطيع ان يخبرنا
شعرات لحية الآلهة، لأن الآلهة لا وجه لها.
اقول روح، لاسم دخان الكائنات النهمة
داخل الابراج
عبر السماء الليلية لهذه المدينة والمدن القادمة.
الابانزا، اقول، حتى لو كان الآلهة بلا وجه.
الابانزا، حين بدات الحرب، من
مانهاتن وكابول
برجان من الدخان ارتفعا وجنحا نحو
بعضهما البعض
واختلطا بالهواء الجليدي، وقال احدهما
بلسان افغاني:
علمني الرقص ، لانه ليس لدينا موسيقى هنا.
وقال الاخر بلسان اسباني
سوف اعلمك. الموسيقى هي كل ما نملكه.
مدينة من الزجاج
(لبابلو نيرودا وماتيلدا اوروتيا )
لاتشياسكونا – سانتياغو – تشيلي
بيت الشاعر كان مدينة من زجاج :
زجاج من توت بري، زجاج من حليب،
زجاج احتفالي
كؤوس حمراء وخضراء مصفوفات على
التوالي صفا بعد صف
بريق اسود من نبيذ في زجاجات
سفن في زجاجات، حديقة في زجاحات،
ديك، حصان، قرد، سمكة
نبضات قلب لساعات تنصت
مقابل الكريستال
نوافذ تضاء ببياض جبال الانديز
ترصد نبضات الساعات
التي تنصت
مقابل الكريستال
قبة من الزجاج فوق سانتياغو.
حين مات الشاعر
جاءوا بنعشه الى مدينة الزجاج
لم يكن هناك اي باب: كان الباب
الف خنجر
خلف باب عالم قديم من الاثار
الزجاج الآن رؤوس نصال، فؤوس،
فخار، وغبار
ليس هناك اي نوافذ: اصابع الهواء
تحاول الوصول الى زجاج مثل وجه
حبيب ضائع
ليس هناك اية حديقة: كانت الزجاجات
انصاف اقمار
ارباع اقمار، فرش، قرد.
تنتزع كل ساعة ومع كل مصباح
احذية تترك اثارها في شباك التانغو،
عبر الارضية
نافذة الشاعر قالت : لن نجتاح الزجاج، يقظته هنا. مراسلون، مصورون
مثقفون، سفراء،
يخطون عبر الزجاج
الذي يتصدع مثل
بحيرة متجمدة،
والجنود ايضا
الذين سلبوا مدينة الزجاج
عادوا الى جنرالهم
بعد ثلاثة ايام من الحداد الرسمي
معلنين في نهاية اليوم الثالث
في تشيلي، نهر من الفقاعات،
الباردة،
والصلبة، ترتفع مثل الصفائح،
كي تتحطم وترفتع مرة اخرى
ذات يوم، بعد سنوات، طاف
الجنود حول المدينة
فوجدوا انفسهم في مدينة
من زجاج
فتحولت بنادقهم الى كرنفال
من زجاج
اما الرصاص فقد ذاب وتألق
في ايديهم
ومن حديقة الشاعر سمعوا
القرد يصرخ
ومن مرصد الشاعر سمعوا
قصيدة بعد قصيدة مثل
نداء للصلاة
واحترق لسان الجنرال مع الشظايا
التي لا تراها العين. لسان الجنرال
كان لون زجاج التوت البري.