حين وصل غارسيا لوركا عام1929 إلى نيويورك تاركاً خلفه تجارب على خشبة المسارح الإسبانية فشل عمله المسرحي «رقية الفراشة» عام1920، ولكنه نجح في الدراما التاريخية «مريانة بينيدا» التي عرضت لأول مرة عام1927على خشبة مسرح «غويا» ببرشلونة، وقد صمم سالفدرو دالي ديكورها…لم يكن قد أصبح بعدُ المؤَلِّف المسرحي المتكرس للجمهور العريض الذي سوف يكونه عام 1933إثر عرض مسرحية «عرس الدم» لأول مرة، وإن كان كشاعر يحس بثقل المسؤولية بعد نجاح «الديوان الغجري» الذي تم طبعه عام1928…هذا النجاح الذي يحاول تصنيفه لـ«شاعر غجري» مرتبط بضرورة سيكولوجية للتغيير، وبتجارب في الجمالية الجديدة ذات التأثيرية السريالية (النثر الشعري، القديسة لوثيا والقديس لازور، السباحة الغارقة، انتحار في الإسكندرية، مذبحة الأبرياء وذبح القديس المعمدان، إلى جانب عمله المسرحي الصغير «نزهة بوستير كايطون» الذي كتبه عام1925) حدا به إلى التعبير بلغة جديدة التي – في الشعر- تمخضت عن مجموعة إبداعات المختارة في قسمها الكبير من ديوان «شاعر في نيويورك»، وفي المسرح عن مسرحية «الجمهور»، وهو عمل انتهى من كتابة مسودته الأولى في 22/08/1930.
هذه اللغة الجديدة كانت تحمل عدوى من الجمالية السريالية التي كانت تتجذر بقوة في النص الفني الإسباني العائد إلى نهايات العشرينيات، ومع ذلك فإن تلخيص معنى مسرحية «الجمهور» في هذا المنظور الوحيد سيضفي عليها تبسيطا لا تحتويه، فإذا أمكن تعريف هذا العمل من خلال سمة، فسيكون ذلك من جراء العناصر التي تؤلفه.في هذا العمل المركب والمتلقي للتأثيرات الطليعية والكلاسيكية يتبين مدى شموليته، ومدى استيعابه أكثر من أي عمل آخر من أعماله المسرحية
في مسرحية «الجمهور» ترى أصداء سريالية، خاصة سريالية جان كوكتو، لكن كذلك سريالية لويجي بيرانديلو وميغيل دي أونامونو ووليام شيكسبير وغوتة وكالديرون دي لا باركا…في صفحاتها كان العالم الحميم المؤلف يمتزج بتأملاته حول المسرح، كما كان الفن والحياة مندمجين في هذه المرحلة من إبداعه الأدبي…هذا العمل يمكن اعتباره ضروريا ضمن مسيرته ككاتب.
هذا العمل، إذن، هو عبارة عن عملية التأكيد الذاتي والفني الذي لا يمكن أن نتغاضى عنه عند تحليل المسرحية، وكذلك لم يكن في استطاعة المؤَلِف تجنبه، إنه الانفجار اللوركاوي الأكثر أصالة، والأكثر نقاء الذي رأى النور بين عامي 1929/1930 مدفوعا بالنزعات السريالية الجديدة والنيويوكية، وكان كذلك عميق التجذر بما هو أكثر تعريفية لدا مؤلفها، ولدا الكُتَّاب المسرحيين الكبار والكلاسيكيين منهم والمعاصرين.
اللوحة الأولي
(غرفة المخرج. المخرج جالس مرتدياً السترة. ديكور أزرق . يد كبيرة مرسومة على الجدار. النوافذ عبارة عن شاشة للتصوير ألشعاعي)
الخـــــادم : سيدي
المخــــرج : ماذا ؟
الخـــــادم : ها قد وصل الجمهور
المخــــرج : فليدخل
(تدخل أربعة أحصنة بيضاء)
المخــــرج : ماذا تريدون؟(تنفخ الأحصنة في أبواقها) هذا يكون لو كنتَ إنسانا قادرا على التنهد. مسرحي سيكون دائماً في الهواء الطلق. تكفيني حقنة صغيرة، حقنة
واحدة. اخرجوا من هنا. اخرجي من بيتي أيتها الأحصنة، لقد هيئ الفراش للنوم
مع الأحصنة (باكيا) ياأحصنتي الصغير.
الأحصنــة : (تبكي) من أجل ثلاثمائة بسيطة، من أجل مائتي بسيطة، من أجل صحن حساء، من أجل قارورة عطر فارغة، من أجل لعابك، من أجل قلامة أظفارك
المخــــرج : اخرجوا! اخرجوا! اخرجوا! (يدق الجرس)
الأحصنــة : من أجل لا شيء! من قبل كانت قدماك تفوحان، وكانت لنا سنوات ثلاث . كنا ننتظر في المرحاض… ننتظر خلف الأبواب ثم بللنا سريرك بالدموع.
(يدخل الخادم)
المخــــرج : ناولني السوط
الأحصنــة : وكانت أحذيتك مخاطة بالعرق، لكن كنا نفهم أن العلاقة كانت نفسها للقمر مع التفاحات العفنة فوق العشب
المخــــرج : (للخادم) افتح الأبواب!.
الأحصنــة : لا، لا، لا.إن هذا مرعب!، إنك مغطى بالوبر، وتأكل جير الحيطان التي ليست ملكك.
الخـــادم : لن أفتح الباب، لا أريد أن أخرج من المسرح.
المخــــرج : (يضربه) افتح!
(تخرج الأحصنة أبواقها الطويلة المذهبةـ وترقص ببطء على صوت غنائها)
الحصــان1: فظيع
الأحصنـة2 و3 و4: ظفيع
الحصــان1: مرعب
الأحصنـة2 و3 و4: مبرع
(يفتح الخادم الباب)
المخــــرج : مسرح في الهواء الطلق! اخرجوا، هيا! مسرح في الهواء الطلق. اخرجوا من هنا.
(تخرج الأحصنة) (للخادم) استمر…
(يجلس المخرج خلف النافذة)
الخـــادم :سيدي
المخــرج : ماذا؟
الخـــادم :الجمهور
المخـرج : فليدخل
(المخرج يغير شعره المستعار الأشقر بآخر أسود.يدخل ثلاثة رجال لابسين.
بدلات «الفراك» متشابهين جدا، بلحى غامقة )
الرجــل1 : هل حضرتك مدير مسرح الهواء الطلق؟
المخــرج : في خدمة حضرتك.
الرجـــل1: جئنا لنهنئك على مسرحيتك الأخيرة.
المخــرج : شكراً.
الرجــل3 : كانت أصيلة.
الرجــــل1 : ياله من عنوان «روميو وجولييت».
المخــــرج : رجل وامرأة يتحابَّان
الرجــــل1 : يمكن أن يكون روميو طائراً، وجولييت يمكنها أن تكون حجراً…يمكن أن يكون
روميو حبَّةَ ملح وجولييت خريطة…
المخــــرج : لكن أبدا لن يكونا غير روميو وجولييت
الرجــــل1 : ومتحابين. أتعتقد أنهما كانا متحابين؟
المخــــرج : لا…لستُ في أعماقهما
الرجــــل1 : كفى!. كفى! . أنتَ نفسك أعلنتَ ذلك..
الرجــــل2 : (للرجل الأول)سر بحذر، الخطأ خطأك..لماذا أتيتَ إلى باب المسارح؟ في
إمكانك أن تنادي غابة…فمن السهل أن تفتح صخب نسْغها لأذنيك…لكن
المسرح…
الرجــــل1 : إنه في المسارح حيث يجب أن تنادي، إنه للمسارح من أجل…
الرجــــل3 : لكي تعرف حقيقة المقابر
الرجـــــل1: مقابر بمنارات غازية وإعلانات، وصفوف طويلة من الكراسي
المخــــرج : أيها السادة…
الرجــــل1 : نعم، نعم…يامدير مسرح الهواء الطلق، يامؤلف روميو وجولييت..
الرجــــل2 : ياحضرة المدير: ترى كيف كان روميو يبول؟ أليس جميلا رؤية روميو وهو يبول.
كم مرة تظاهر برمي نفسه من البرج ليكون أسير كوميديا عذابه؟ ماذا كان يجري
سيدي المدير حين لم يحدث شيء؟ والقبر؟ لماذا لم ينزل حضرتك سُلم القبر في النهاية؟ كان في إمكان حضرتك أن ترى ملاكا يحمل عضو روميو طالما ترك الآخر عضوه الذي كان يرافقه…وإذا قلتُ لك أن الشخصية الرئيسية في المسرحية كانت الزهرة المسمومة. ما رأي حضرتك؟ أجب…
المخــــرج : أيها السادة، ليست تلك هي المشكلة.
الرجـــــل1: (مقاطعا) لا يوجد مشكل آخر، لكن الجميع سيكون من واجبنا أن نُقبر المسرح
وسيكون عليَّ أن أطلق على نفسي رصاصة
الرجــــل2 : غونثالو !
الرجــــل1 : كيف؟
(صمت)
المخــرج : (متفاعلا) لكن لا أستطيع، سوف ينهار كل شيء، سيبقى أطفالي عمياناً، وبعد ذلك:ماذا سأفعل مع الجمهور؟ ماذا سأفعل مع الجمهور إذا نزعتُ حافة الجسر؟
سيأتي القناع ليلتهمني. رأيت ذات مرة رجلا التهمَهُ القناع. شباب المدينة الأكثر قوة برماحهم الدامية يُدخلون في مؤخرته كرات كبيرة من جرائد مهجورة. وفي أمريكا كان ذات يوم شاب شنقه قناع من خصيتيه..
الرجــــل1 : رائع!
الرجــــل2 : لماذا لم تقل هذا في المسرح؟
الرجــــل3 : أهذه بداية نص؟.
المخــرج : على كل حال نهاية
الرجــل3 : نهاية سببها الخوف..
المخـرج : إنه واضح، أيها السيد.لا يعتقد حضرتك أنني قادر على إخراج القناع إلى الخشبة
الرجــل1 : لمَ لا؟
المخــرج : والأخلاق؟ ومعدة المتفرجين؟
الرجــل1 : هناك أناس يتقيأون حين يقلب الإخطبوط، وآخرون يشحبون حين يسمعون
النطق، بنية مقصودة، كلمة السرطان، لكن حضرتك يعرف أن ضد هذا يوجد الصفيح والجبس والميكا، وفي الحالة الأخيرة يوجد الكارطون الذي هو في متناول جميع الحظوظ كوسيلة تعبيرية…(يقف) لكن حضرتك لا يريد إلا خداعنا، خداعنا لكي يستمر كل شيء كما كان. أن يكون من المستحيل مساعدة الموتى. لكنها
غلطتك في كون الذباب قد سقط على أربعة آلاف من كؤوس عصير البرتقال كنت قد هيأتها. ومرة عليَّ أن أبدأ بقطع الجذور…
المخـرج : (ناهضا) أنا لا أجادلك أيها السيد، لكن ماذا تريد مني؟ أأحضرتَ عملاً جديدا؟
الرجــل1 : أيضن حضرتك أن هناك عملٌ آخر جديد مع نحن بلحانا…وحضرتك؟
المخــرج : وأنا؟
الرجــل1 : نعم…حضرتك
الرجــل2 : غونثالو !
الرجــل1 : (ناظرا إلى المخرج) لقد تعرفتُ على كل شيء وأضنني أرى ذلك الصباح حين أسرنا أرنباً، كان أعجوبة في السرعة، في محفظة صغيرة للكتب. ومرة أخرى وضعتَ وردتين على أذنيك في أول يوم لاكتشافك تسريحة ذات مفرق في الوسط..وأنت، هل تعرفتَ عليَّ؟
المخــــرج : ليس هذا هو النص، بالله عليك (صارخا) إِلينََا ! إِلينَا ! (يجري نحو الباب)
الرجــــل1 : لكن عليَّ أن آخذك إلى الخشبة أحببتَ أم كرهتَ…لقد عذبتني كثيراً…بسرعة !
الحاجز! الحاجز!
(الرجل الثالث يخرج الحاجز ويضعه وسط المسرح)
المخــــرج : (باكيا) يجب أن يراني الجمهور. سينهار مسرحي. لقد عرضتُ أحسن مأساة لهذه الفترة. لكن الآن…!
( ترن أبواق الأحصنة. الرجل الأول يتجه إلى العمق ويفتح الباب)
الرجــــل1: ادخلوا معنا.لكم دور في المأساة.ادخلوا جميعاَ(للمخرج) وأنت مُرْ من خلف الحاجز
(الرجلان الثاني والثالث يدفعان المخرج. فيمر عبر الحاجز، ثم يظهر من زاوية أخرى شابٌ يرتدي حلة بيضاء مع تلبيب أبيض حول العنق.تقوم بالدور ممثلةتحمل قيثارا صغيراً أسود)
الرجــــل 1 : أنريكي!إنريكي! (يغطي وجهه بيديه)
الرجــــل 2 : لا تجعلني أمر عبر الحاجز. غونثالو لا تزعجني!
المخــــرج : (باردا وينقر الأوتار) غونثالو، سأبصق عليك كثيرا. أريد أن أبصق عليك، وأن أمزِّق لك «الفراك» بمقص صغير. اعطني حريراً وإبرة، أريد أن أطرز. الوشم لا
يعجبني. لكن أريد أن أطرز لك بالحرير…
الرجــــل 3: تفضلوا بالجلوس حيث تريدون
الرجــــل 1: (باكيا) أنريكي!إنريكي!
المخــــرج :
سأطرزك على اللحم، ويعجبني أن أراك نائما على السطح القرميدي. كم عندك من نقود في الجيب؟ احرقها (الرجل الأول يشعل عود ثقاب ويحرق الأوراق المالية) لم أر أبدا كيف تختفي الرسوم في اللهب. ألديك مزيدا من المال؟ ما أفقرك ياغونثالو! وأحمر شفاهي، أليس لديك أحمر شفاه؟ إنه ملل.
الرجــــل 2: (في خجل) لدي أحمر شفاه (يخرجه من تحت لحيته ويقدمه له)
المخـــرج :شكراً.لكن.لكن، أنت أيضا هنا؟ إلى الحاجز! أنت أيضا إلى الحاجز. وما زلتَ تتحمله غونثالو؟
(المخرج يدفع الرجل الثاني بعنف، فتظهر من الطرف الآخر للحاجر امرأةٌ ترتدي سروال منامة أسود، وعلى رأسها إكليل من شقائق النعمان. تحمل في يدها مرقباً للمسرح مغطى بشارب أشقر، تضعه فوق فمها في بعض لحظات الدراما)
الرجــــل 2: ( بجفاف) أعطني أحمر الشفاه.
المخــــرج : ها، ها، ها…يامَكْسِيمِيلْيانا، يا إمراطورة بافْيِيرّا، ايتها المرأة الشريرة!
الرجــــل2 : (واضعا الشارب فوق شفتيه) أوصيك بقليل من الصمت.
المخــــرج : أيتها المرأة الشريرة! . إِلِينَا! إِلِينَا!
الرجــــل1 : (صارخا) لا تنادي عليَّ ِإلِينَا.
المخــــرج : ولمَ لا؟ لقد أحبتني كثيرا حين كان مسرحي في الهواء الطلق.. إِلِينَا!
(تخرج إِلِينَا من اليسار لابسة على الطريقة الإغريقية. حاجباها زرقاوان، شعرها ابيض
ورجلاها من جص، لباسها مفتوح كًليا من الأمام، فتظهر عضلاتها المغطاة بشبكة وردية
مضغوطة. الرجل الثاني يضع الشارب على شفتيه)
إِلِينـــــــــا :مرة أخرى كذلك.
المخــــرج : مرة أخرى.
الرجـــل 3 : إِلِينا، لماذا خرجتِ؟ لماذا خرجتِ إن كنتِ لن تحبيني؟
إِلِينــــــــا :من قال لك ذلك؟ لكن، لماذا تحبني كثيرا؟ أُقَبِّلُ رجليك إذا أنت عاقبتني وخرجتَ مع نساء أُخريات.لكنك تعذبني كثيرا،تعذبني وحدي. من اللازم أن تنتهي علاقتنا مرة واحدة.
المخــــرج : (للرجل الثالث) وأنا، ألا تذكرني؟ ألا تتذكر أظافري المنزوعة؟ كيف تتعرف على نساء أخريات ولم أتعرف عليك. لماذا استدعيتُك إِلِينا؟ لماذا استدعيتُك ياعذابي؟
جولييتـــــ : (للرجل الثالث) اذهب معه! واعترف لي بالحقيقة التي تخفيها عني. لا يهمني أن تكون سكراناً وتريد تبرير نفسك. لكنك قَبَّلتَه ونمتَ معه على نفس الفراش
الرجــــل 3 : إِلِينا!
(يجتاز سريعا الحاجز ويظهر دون لحية، شاحب الوجه ويحمل في يده سوطا،
وإسوارة بمسامير ذهبية)
الرجــــل 3 : (يضرب المخرج بالسوط) أنتَ دائما تتكلم، أنت دائما تكذب، الآن سأنتهي معك دون شفقة أو رحمة.
الأحصنـة : الرحمة! الرحمة!
إِلِينـــــــا :في إمكانك أن تستمر في ضربه قرناً كاملا، ومع ذلك لن أثق بك (الرجل الثالث
يتجه نحو إِلِينا ويشد على معصميها) بإمكانك أن تبقى قرنا كاملا، وأن تنزع أصابعي بكماشة، ومع ذلك لن تجعلني أصدر أنَّةً واحدة.
الرجـل 3 : سنرى من يستطيع أن يتحمل أكثر!
إِلِينـــــــا :أنا…ودائماً أنا (يظهر الخادم)
إِلِينـــــــا :خذني بسرعة من هنا. خذني معك. خذني! (الخادم يمر خلف الحاجز ويخرج كما دخل) خذني!خذني بعيدا جداً (الخادم يحملها بين ذراعيه)
المخــرج : يمكننا أن نبدأ.
الرجــل 1: متى تريد؟
الأحصنـة : الرحمة! الرحمة!
(الأحصنة تنفخ في أبواقها الطويلة. الشخصيات في أماكنهم ثابتةٌ)
(ستـــــــــــــارة)
اللوحة الثانية
أطـــلال رومانيــة
(تمثال مغطى كُلياً بأغصانٍ حمراء، يجلس فوق تاج العمود عازفاً ناياً. تمثال آخر
مغطى بأجراس ذهبية يرقص في وسط الخشبة)
تمثال الأجراس :لو تحولتُ إلى سحابة ؟
تمثال الأغصان: تحولتُ أنا إلى عين
تمثال الأجراس :لو تحولتُ إلى خراء؟
تمثال الأغصان: تحولت أنا إلى ذبابة
تمثال الأجراس :لو تحولت إلى شَعَر؟
تمثال الأغصان:تحولتُ أنا إلى قُبْلة
تمثال الأغصان: لو تحولت إلى صدر؟
تمثال الأجراس :تحولتُ أنا إلى شرشف أبيض
صوتــــــــــــــــ : (بسخرية) برافو!
تمثال الأجراس :وإذا تحولت إلى سمكة قمرية
تمثال الأغصان: تحولت أنا إلى سكين
تمثال الأجراس :(يتوقف عن الرقص) لكن، لماذا؟ لماذا تعذبني؟ لمَ لا تأتِ معي إلى حيث آخذك إن كنت تحبني؟ لو تحولتُ إلى سمكة ذهبية تحولتَ أنت إلى موجة أو طحلب، وإذا كنت راغباً في شيء جد بعيد، لمَ لا تشتهي تقبيلي؟ تحولتَ أنت إلى بدر، لكن إلى سكين! إنك ستستمتع بأن تقاطع رقصي، والرقص هو الطريقة الوحيدة لأحبك.
تمثال الأغصان: حين تطوف بالسرير وبباقي أشياء البيت، أتبعك، لكن لن أتبعك إلى أمكنة
حيث تحاول أخذي وأنت ممتلئ فطنة. إن تحولتَ إلى سمكة قمرية سأفتحك بسكين، لأني لا شيء أكثر من ذلك، رجل أكثر رجولة من آدم، وأريدك أن تكون أكثر رجولة مني، أكثر رجولة، بحيث لا يُسمع حفيف في الأغصان حين تمر، لكنك لستَ رجلا. لو لمْ أمتلك هذا المزمار لكنتُ قد هربتُ إلى القمر، إلىالقمر المغطى بشالاتٍ مطرزة وقطرات دم امرأة..
تمثال الأجراس : (خجولا) وإذا تحوَّلتُ إلى نملة؟
تمثال الأغصان: (نشيطا) تحولتُ إلى تراب.
تمثال الأجراس : (أكثر قوة) وإذا تحولتُ إلى تراب؟
تمثال الأغصان: ( أكثر ضعفا) تحولتُ إلى ماء.
تمثال الأجراس :(مرتعشا) وإذا تحوَّلتُ إلى ماء؟
تمثال الأغصان: (مغمى عليه) تحولت إلى سمكة قمرية.
تمثال الأجراس : (مرتعدا) وإذا تحولت إلى سمكة قمرية
تمثال الأغصان: (واقفا) تحولتُ إلى سكين، إلى سكين حادة خلال أربعة فصول ربيعية طويلة.
تمثال الأجراس : خذني إلى الحمام وأغرقني،إنها الطريقة الوحيدة لكن تراني عاريا. أتعتقد أنني أخاف الدم؟ إنني أعرف طريقة السيطرة عليك. أتظن إنني لا أعرف؟
أتحكَّم فيك بحيث لو أنني قلتُ «إذا تحولتُ إلى سمكة قمرية» أجبتني «تحولتُ إلى كيس بطارخ صغيرة تمثال الأغصان: خذ فأساً وابتر ساقي، اترك حشرات الخراب تأتي وأذهب لأني أحتقرك…كنتُ أتمنى أن تغور إلى قاع الحضيض. أبصق عليك
تمثال الأجراس : أتريد ذلك؟ وداعاً، إنني مطمئنٌ إذا نزلت عبر الأطلال وجدتُ حبّا، مزيدا
من الحب…
تمثال الأغصان: (مهموماً) إلى أين ستذهب؟ إلى أين أنتَ ذاهب؟
تمثال الأجراس :ألا ترغب في ذهابي؟
تمثال الأغصان: (بصوت ضعيف) لا، لا تذهب..وإذا تحولتُ إلى حبة رمل؟
تمثال الأجراس :تحولتُ إلى سوط
تمثال الأغصان: وإذا تحولتُ إلى كيس بطارخ صغيرة؟
تمثال الأجراس :تحولتُ إلى سوط آخر، سوطٍ مصنوع من أوتار قيثارة
تمثال الأغصان: لا تجلدني
تمثال الأجراس :سوط مصنوع من الحبال الغليظة للسفينة
تمثال الأغصان: لا تضرب بطني
تمثال الأجراس : سوط مصنوع من أسدية سحلية
تمثال الأغصان: ستتركني أخيراً أعمى
تمثال الأجراس :أعمى، لأنك لست رجلا. نعم، أنا رجل، رجل، رجل إلى حدِّ أنني أفقد وعيي
حين يستيقظ الصيادون،رجل، رجل إلى حد أنني أشعر بألم حادٍ في الأسنان حين يكسِّر أحدهم غصناً مهما كان صغيراً…عملاق، عملاق، عملاق إلى حد أنني أستطيع طرز وردة على ظفر رضيع…
تمثال الأغصان: إنني أنتظر الليل، مهموما ببياض الأطلال لأستطيع الزحف على قدميك
تمثال الأجراس :لا، لا. لمَ تقول لي هذا؟ أنت الذي يجب أن ترغمني على فعله، ألستَ رجلاً؟
رجل أكثر من رجولة آدم؟
تمثال الأغصان: (يسقط أرضاً) آه!، آه!
تمثال الأجراس :(مقترباً بصوتِ خافت) وإذا تحولتُ إلى تاج العمود؟
تمثال الأغصان: يا إلهي!
تمثال الأجراس: أنت ستتحول إلى تاج العمود لا غير، بعد ذلك ستأتي إِلِينا إلى فراشي.
إِليِنا، ياحبيبتي!، بينما أنت تحت الوسائد، ممددا ترشح عرقا، عرق ليس عرقك، إنه عرق الحوذيين والوقَّادين والأطباء جرحى السرطان، ثم سأتحول إلى سمكة قمرية، وأنت لن تُصبح أكثر من علبة بذرة صغيرة
تنتقل من يد إلى يد
تمثال الأغصان: آه !…
تمثال الأجراس :مرة أخرى ؟ مرة أخرى تبكي ؟ سأكون مرغما على أن أفقد وعيي لكي
يأتي الفلاحون، وأنادي الزنوج، الزنوج الجرحى الضخام بخناجر أليكّات المتصارعة ليل نهار مع وحل الأنهار. انهض عن الأرض أيها الجبان.
بالأمس كنتُ في بيت السبَّاك وكلفته بصنع سلسلة. لا تبتعد عني! سلسلة،
وبقيتُ الليلَ كلَّه أبكي حيث كانت تؤلِمني الرصغين والكعبين، وإن لم تكن تقيِّدني (تمثال الأغصان ينفخ في صفارة فضية) ماذا تفعل؟ (ترن الصفارة مرة
أخرى) أعرف رغبتك لديَّ وقتٌ للفرار.
تمثال الأغصان: (واقفا) اهرب إن شئت.
تمثال الأجراس :سأدافع عن نفسي بالأعشاب
تمثال الأغصان: جرب الدفاع عن نفسك.
(ترنُّ الصفارة. يسقط من السقف طفل لابساً شبكة حمراء)
طفــــــــــــــل : الإمبراطور!. الإمبراطور!. الإمبراطور!.
تمثال الأغصان: الإمبراطور!.
تمثال الأجراس :سأتقمص شخصيتك. لا تفضح نفسك، ذاك سيكلفني حياتي
طفــــــــــــــل : الإمبراطور!. الإمبراطور!. الإمبراطور!.
تمثال الأجراس: كل ما بيننا كان لعبة، فلنلعب. والآن سأخدم الإمبراطور مقلدا صوتك.يمكنك
أن تتمدَّدَ خلف تاج العمود الضخم ذاك. لم أكن قد قلته لك أبداً. هناك بقرة تطبخ الطعام للجنود..
تمثال الأغصان: الإمبراطور!. لم يعد هناك مجال للخلاص، لقد مزقتُ خيط العنكبوت، بحيث أحسستُ أن رجليَّ الكبيرتين تصبحان صغيرتين وكريهتين.
تمثال الأجراس : أريد قليلا من الشاي. أين يمكن العثور على مشروب دافئ في هذا الخراب؟
طفــــــــــــــل : (على الأرض) الإمبراطور!. الإمبراطور!. الإمبراطور!.
(يرن نفير ويظهر إمبراطور الرومان يصحبه قائد المائة يرتدي رداءً أصفر وبشرة رمادية. خلفهما تسير الأحصنة الأربعة بأبواقها. يتجه الطفل نحو
الإمبراطور، يأخذه هذا بين ذراعيه ويختفيان بين تيجان الأغصان)
قائـــد المائـــة : الإمبراطور يبحث عن واحد
تمثال الأغصان: الواحد هو أنا
تمثال الأجراس : الواحد هو أنا
قائـــد المائـــة : أيكما هو الواحد ؟
تمثال الأغصان: أنا
تمثال الأجراس :أنا
قائـــد المائـــة : سيكتشف الإمبراطور من منكما الواحد، بسكِّين أو بَصْقَة..ملعونة كل ذريتكم
بسبب جرمكم أطوي الطرقات، وأنام فوق الرمال. زوجتي جميلة كجبل، تلد في أربعة أو خمسة أمكنة مرة واحدة، وتشخر في وقت الظهيرة تحت الأشجار
عندي مائة طفل، وسيكون لديَّ أكثر…ملعونة ذريَّتكم !.
(يبصق قائد المائة ويغني. صراخ طويل وعميق يُسمع خلف الأعمدة.
يظهر الإمبراطور ماسحا جبينه . يخلع قفازيه الأسودين ثم قفازين أحمرين
فتبدو يده ناصعة البياض)
الإمبراطــــــور 🙁 في فتور) من منكما الواحد؟
تمثال الأجراس :أنا، ياسيدي
الإمبراطــــــور : الواحد هو الواحد، ودائما واحد. لقد ذبحتُ أكثر من أربعين شابا رفضوا قوله.
قائـــد المائـــة : (باصقا) الواحد هو الواحد، ولا شيء غير الواحد
الإمبراطــــــور : ولا يوجد اثنان.
قائـــد المائـــة : لو وُجد اثنان لما بحث الإمبراطور عبر الطرقات.
الإمبراطــــــور : (إلى قائد المائة) انزع ثيابهما
تمثال الأجراس :سيدي، أنا هو الواحد، أما هذا فمتسول الأطلال، يتغذى بالجذور
الإمبراطــــــور : ابتعد.
تمثال الأغصان: أنت تعرفني، أنت تعرف من أنا (يتجرد من الأغصان فيبدو عاريا، أبيض كالجبس)
الإمبراطــــــور : (يعانقه) الواحد هو الواحد
تمثال الأغصان: ودائماً واحد. إذا قبَّلتني فتحتُ فمي لكي تغرز سيفك في عنقي، بعد ذلك.
الإمبراطــــــور :هكذا سأفعل.
تمثال الأغصان: واترك من أجل الحب رأسي في الخرائب. رأس الواحد الذي كان دائما واحد.
الإمبراطــــــور : (متنهداً) واحد.
قائـــد المائـــة :(للإمبراطور) إنه صعب، لكن ها هو ذا.
تمثال الأغصان: إنه لك، لكن لن تستطيع امتلاكه.
تمثال الأجراس :إنها خيانة!. إنه غدر!.
قائـــد المائـــة :اخرسي أيتها الفأرة العجوز!. ياابن المكنسة.
تمثال الأجراس :غونثالو، ساعدني!. غونثالو!.
(تمثال الأجراس يجذب عمودا، وهذا ينحني على حاجز أبيض للمشهد الأول. من الخلف يخرج الرجال الثلاثة الملتحون ومعهم المخرج)
الرجــــــــــــــل1:خيانة!.
تمثال الأجراس :لقد خاننا!.
المخــــــــــــرج :غدر!.
( الإمبراطور يعانق تمثال الأغصان)
(ستـــــــــــــارة)