يختلف اللبنانيون فيما بينهم على كل شيء. فهم منقسمون حول هويتهم وماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم. وهم اذا اتفقوا فهم يتفقون على الاختلاف فقط ويحيلون البحث عن الحل على لجنة ما. أما ما عدا ذلك فهو خلاف مستحكم أبدي سرمدي. ويتفق جميع المهتمين بأن أحد أهم مظاهر الانشقاق الداخلي اللبناني على مختلف وجوهه يتمحور حول تاريخ لبنان، بل أن هذا الصراع حسب كمال الصليبي «بين المقولات المختلفة حول تاريخ لبنان هو في أساس الحرب الأهلية القائمة بين اللبنانيين، وأن لبنان لن يخرج من هذه الحرب ويتغير قليلا ليحافظ على كيانه إلاّ عندما يتصالح مع تاريخه ويتم الإجماع بين اللبنانيين على واقع هذا التاريخ.» (طائر على سنديان، 290).
فمن الواضح أن اللبنانيين لم يتصالحوا بعد مع تاريخهم وربما لن يتمكنوا من الإجماع عليه، فكيف السبيل الى ذلك إذا ما كان هناك أصلا من سبيل الى مصالحة؟ وهذه المسألة مهمة وحساسة لدى اللبنانيين لدرجة تم وضعها في وثيقة الوفاق الوطني كبند أساسي.
للمسألة شقان: أولا، اذا كان الخلاف أحد مظاهر هذا الإنشقاق فنستطيع الافتراض أن الحل قد يكون سهلا: فالاتفاق السياسي مثلا قد يسهل الاتفاق على نسخة توافقية مقبولة من الجميع على الصيغة اللبنانية المشهورة لا غالب ولا مغلوب. فتفرض عندئذ الدولة عبر الوزارات المعنية هذه النسخة التوافقية في جميع المدارس مثلاً. وهذا أسلوب معروف تقوم به السلطات في أغلب دول العالم الحديث المصطنعة أصلا حدودها أما بفرض وجهة الغالب على المغلوب أو بالتصالح مع أخطاء الماضي كما حدث في بعض الدول الغربية الديموقراطية التي اعتمدت هذه الطريقة. فكما صوّر الأمريكي (الأبيض) مثلا تاريخ مواطنيه من السكان (الهنود) الأصليين كمتوحشين إرهابيين منذ عقود قليلة ها هو اليوم يغيّر هذه الصورة النمطية (قد لا تكون هذه الصورة الجديدة صحيحة ودقيقة تماما) ولكنها تخدم الظرف الحالي. وكما صوّرت فرنسا تاريخ العمالة مع النازيين كواجب وطني في وقت من الأوقات ها هي تصوّره الآن كعيب وطني. فبعد عقود عديدة من الصراع الداخلي والوعي الأكاديمي والشعبي والمصالحة مع التاريخ اختفى الخلاف كمظهر للانشقاق. كل هذا يندرج تحت إطار بناء هوية مشتركة تفرضه الدولة المركزية بالتفاعل والتعاون أحيانا مع القوى الأكاديمية وقوى المجتمع المدني، فيصبح التاريخ أداة من أدوات صياغة الهوية الوطنية.
أما الشق الآخر وهذا ما أميل اليه، أي اذا ما كان الاختلاف بين المقولات التاريخية من أسباب النزاعات اللبنانية، فللأمر بحث آخر. فاللبنانيون على جميع طوائفهم ومللهم يحملون تاريخا مثقلا من الأساطير والصور المتخيلَة التي لعبت وما زالت تلعب دورا أساسيا في الحفاظ على الهويات الطائفية على مدى الأزمنة والدول والظروف. فحتى لوهم اتفقوا سياسيا بقدرة قادر فلن يقدروا على الأرجح اتباع الطريقة الأولى في فرض نسخة واحدة على الجميع لأنها ستكون مغلوطة بالاساس كما يستحيل تحقيقها في بلد متعدد المشارب والأهواء كلبنان. لن يقدر اللبنانيون على التصالح مع تاريخهم حتى تتصالح أولا كل طائفة مع تاريخها ثم مع بقية الطوائف التي تؤلف معها الدولة-الكيان. المهمة صعبة جدا قد تكون شبه مستحيلة في بلد قائم على تدوير الزوايا ينسى قبل أن يتعلم. أعطي مثلا بسيطا كيف سنروي تاريخ الحرب الأهلية؟ كيف نصوّر مثلا قادتها وأمراءها. فمن هو بطل ومنقذ عند البعض هو مجرم وعميل عند الطرف الآخر. لن يتم الحل اذا مهما حاول كل طرف التشدد في رؤيته كما تصعب محاولة التوفيق بين هاتين وجهتي النظر مهما حاولنا. فهاتان الرؤيتان كالزيت والماء لا ينصهران. ومن المثير مثلا مراقبة كيف تتحول وتتشكل من جديد صورة الزعيم لأسباب سياسية لدى الطوائف اللبنانية. فعلى المستوى الشعبي مثلا تغيّرت صورة البعض من عدو الى صديق ومن صديق لعدو لدى البعض الآخر بسبب تغيّر المناخ السياسي في لبنان. فالتاريخ تغيّر في ضمير جزء من الناس حسب تقلب الأهواء السياسية وليس الوعي الاكاديمي أو السياسي أو المدني. مما يجعل التأريخ عرضة للتحول حسب الأجندة السياسية. فقد ننام اليوم على صورة نمطية ما لنستيقظ على صورة نمطية أخرى غدا وكلاهما مغلوط، لماذا؟ لأننا لم نتصالح مع تاريخنا، فنحن أولا لا نريد التصالح وثانيا لا نعرف كيف نتصالح معه.
فكيف اذا نتصالح مع تاريخنا؟
فالمصالحة عملية معقدة تتولاها أطراف عديدة تبدأ بالمناخ العام الجاهز لتقبل هذا التغيير المبني على النضج السياسي والثقافي وتمر بالحقل الأكاديمي أساسا ثم بالحقل الأعلامي والثقافي والاجتماعي مرورا بالحقل الطائفي وانتهاء بالشخصي. أولا على كل طائفة أو فريق أن يقرر أن عليه التصالح مع تاريخه ثم مع تاريخ الآخر. هذا القرار لا يتم إلا بالخروج من التزمت والتعصب الى الانفتاح على الذات وعلى الآخر. على كل طائفة أولا أن تحطم أصنامها التاريخية التي بنتها على مدى القرون الماضية. فعلى الشيعة مثلا إعادة النظر في فكرة ربط انتشار التشيّع في لبنان عبر أبي ذر الغفاري وقبيلة عاملة الأموية واعادة النظر جديا في نظرية التشيع في لبنان التي ابتدأت في القرن العاشر ميلادي وليس السابع على الأرجح. وعلى الموارنة مثلا التوقف عن نسب أنفسهم الى المردة (الجراجمة) وهم قبائل من الأناضول وطّنهم البيزنطيون في جبل اللكام حيث خدموا كخط دفاع عن البيزنطيين كما أوضح الصليبي وهويقول: «ما من عالم جدي يمكنه اليوم أن يقبل نظرية الدويهي القائلة بأن الموارنة كانوا في أصولهم من المردة. ولكن الكثيرين من الموارنة ما زالوا يؤمنون بها، إن يكن لشيء، فلكي ينكروا على أنفسهم أصولهم العربية، خصوصا في الظروف السياسية القائمة حاليا.» (بيت بمنازل كثيرة، بيروت-2012 ، 118). فما من دليل واحد يشير الى أن الموارنة كانوا من أصول غير عربية أو في حالة حرب مستمرة مع الاسلام بل على العكس تماما بل استفادوا وتكيّفوا مع معظم الحكومات الاسلامية التي مرت أفضل من الشيعة مثلا الذين ظلموا وهجروا في كثير من الحالات والتي صبّت مثلا في مصلحة الموارنة في كل من جبيل وكسروان ذات الاغلبية الشيعية في يوم من الأيام. الأمثلة كثيرة عن الأوهام والتصورات التي ترسمها كل طائفة عن نفسها لا مكلن لتعدادها الآن.
فالمصالحة مع النفس بأخطائها قبل حسناتها هي الخطوة الاولى للتصالح مع الآخر. هل راجع الدروز فعلا تاريخهم في العام 1860 أو 1983. هل راجع السنّة دورهم في تاريخ لبنان المعاصر؟ والأمثلة كثيرة وللأسف لم نبدأ بعد في طرح الأسئلة فما بالك بتلقي الأجوبة. أما الخطوة الثانية، التصالح مع تاريخ الآخر، فتتطلب اتمام الأولى، ثم الانفتاح على تاريخه بالاعتراف بسيئاته والبناء ربما على ايجابياته. وهنا قد تساعد ما طرحه كمال الصليبي من أفكار في هذا المجال. فيروي قصة معبّرة: «عدت الى التدريس في الجامعة الاميركية ببيروت في خريف 1988 بعد انقطاع سنتين فوجدت بين طلابي في دائرة التاريخ جيلا جديدا من الشباب اللبناني متصالحا مع لبنان وأوضاعه ربما لأنه نشأ في ظروف الحرب وخبر منها ما خبر: جيل بدا لي واقعيا، بعيدا عن الايديولجيات والتفلسف العقيم وتائقا الى المعرفة. ولذلك كان للسنوات الاخيرة التي قضيتها في التعليم بالجامعة رونق خاص…و بينما كنا نجول في الأحياء القديمة من حلب توقفنا أمام الكنيسة المارونية هناك، وأمامها تمثال للمطران جرمانوس فرحات فهتف جميع الطلاب (المسلمون) مبتهجين شوفوا هاي كنيستنا! .» (طائر على السنديان، 292). كيف نعمم هذه العقلية على الجميع؟ إن الذي يجمع اللبنانيين أكثر بكثير من الذي يفرقهم أكان بالثقافة الشعبية أو بالطعام أو اللغة (رغم اصرار البعض على التكلم بالفرنسية كلغة أولى كمثل آخر ربما لعدم التصالح مع النفس) أو الفن أو الموسيقى أوالعادات الاجتماعية العديدة المشتركة وغيرها من الأمثلة الحية. يبقى الحيّز الديني الطائفي الذي ينعكس حكما في الرواية التاريخية. تعلّم اللبنانيون رغم حروبهم احترام خصوصياتهم وشعائرهم الدينية. فالشيعة في لبنان يحتفلون بعاشوراء كما لو أن لبنان كله شيعي والمسيحيون يحتفلون بعيد الميلاد وكأن لبنان كله مسيحي ورأس السنة الأرمنية مناسبة وطنية. فالتعايش موجود وحقيقي في لبنان بين الأشخاص والجماعات بشكل يومي رغم الحساسيات الطائفية التي تطفو من حين الى آخر والعائدة لأسباب سياسية بشكل عام. فالانفتاح وتقبل الآخر موجود على المستوى الشخصي والاجتماعي والاقتصادي فما الذي يمنع اتمامه على مستوى التأريخ الذي يبدو مأزوما بشكل متواصل؟ فأنا أؤمن أننا اذا ما تصالحنا مع تاريخنا نكون على قاب قوسين من تأسيس هوية مشتركة جدية ودائمة تتيح مصالحة سياسية حقيقية. وهنا يكمن دور الأكاديميين والمؤسسات التربوية والمجتمع المدني في البدء للتأسيس له. وهنا أجد في أفكار كمال الصليبي منطلقا جيدا لإتمام هذه المصالحة. فعلينا أن ننطلق «من سجل نظيف» على حسب ما يصفه الصليبي وأن نتقبل فكرة بأن لبنان ككيان مستقل هو كيان حديث نشأ في العام 1920 ولكنه نجح في الاستمرار على مدى تسعين عاما على الرغم من كل الحروب. «فليس هنا من حاجة» يكتب الصليبي «لاختراع تاريخ خاص للبنان ما قبل ذلك التاريخ الا اذا للبلد بالفعل تاريخ خاص قائم بذاته سابق لقيام دولة لبنان الكبير.»(بيت بمنازل كثيرة، 273). فلا الجمهورية اللبنانية عمرها 6000 عام ولا كتب على حدوده أنه ملجأ لكل مظلوم وللأقليات ولا كانت جباله ووديانه محصنة ضد الاحتلال. فما من شيء معيب في قبول فكرة لبنان هو حديث التكوين فأكثرية دول العالم هي أيضا حديثة التكوين. (هل تذكرون الاتحاد السوفييتي الذي عاش 70 عاما فقط!). ولكن هذا لا يلغي واقع أن وجود الجماعات الدينية والطائفية فيه قديم وفاعل في المنطقة. أفاقت هذه الجماعات ذات صباح من أيلول عام 1920 على أعلان دولة لبنان الكبير بارادة مارونية فرنسية أولا و مسيحية ثانيا. واعلان هذه الدولة كان أشبه بالزواج الماروني بالإكراه بين هذه الجماعات حسب ما قاله كمال الصليبي في حوار خاص. في العام 1943 حصلت محاولة لعقلنة هذا الزواج على قاعدة أنه زواج ماروني غير قابل للفكاك فمن الأفضل البحث عن تحفيز المصالح التي ترجمت بالاستقلال. ولكن هوى المسلمين بقي خارج هذا الكيان ونظرة المسيحيين له بأنه أولا وأخيرا وطن المسيحيين فأتت حوادث 1958 كأول محاولة جدية للطلاق وانتهت مرة أخرى الى الخلاصة بأن الفراق مستحيل (زواج ماروني) ليليها عقد أقرب ما يكون الى شراكة ناجحة بين الطرفين الكبيرين المسلم والمسيحي في محاولة شهابية لبناء وطن حديث. ولكن الحب ما برح مفقودا لتأتي الحرب الأهلية كالمحاولة الأكبر والأخطر لاتمام هذا الانفصال بتدخل كثير من الأخوة والأعداء على السواء لتنتهي بانهاك الأطراف اللبنانية جميعها وبداية «شعور مميز بهوية خصوصية مشتركة» لدى اللبنانيين حسب ما يكتب الصليبي «والشعور هذا، هو شعور بخصوصية الكيان والدولة وهو قوي لا يحتاج الى تسويغ تاريخي مصطنع.» (بيت بمنازل كثيرة، 274). الانفصال بين اللبنانيين أصبح اليوم شبه مستحيل حتى أن قليلا من الحب والألفة (السياسي طبعا) أصبح موجودا والانقسام السياسي الحاصل في لبنان بين مجموعتين سياسيتين كبيرتين هو ولأول مرة ليس مسيحيا-اسلاميا بل سياسيا بامتياز يشمل جميع الفئات اللبنانية على مختلف مشاربها على الرغم من بعض الحساسيات الطائفية التي تعكس صراعا سياسيا اقليميا أكثر منه واقعا محليا.
أما كيف نؤرخ لتاريخنا فيقول كمال الصليبي: «أن لبنان قبل ظهوره كدولة في القرن العشرين لم يكن أرضا تاريخية شامية ولا أرضا تاريخية عربية، بل كان رسميا، ومنذ القرن السابع للميلاد، جزءاً لا يتجزأ من العالم الاسلامي. وخلال هذا الزمن كله، باستثناء عهد الفرنجة في القرنين الحادي عشر والثاني عشر، كانت كل سلطة شرعية على أراضي لبنان كما هو اليوم تنبع في النهاية من سلطة عليا إسلامية: من الخلفاء الأمويين والعباسيين أو الفاطميين أولا، ثم من السلاطين السلاجقة والأيوبيين فالمماليك ثم من العثمانيين فيما بعد.(بيت بمنازل كثيرة، 278). ولكن في معظم الحالات لم تكن هذه السلطات العليا عاملة أو ذات فعالية جدية وفهم تاريخ هذه السلطات الإسلامية التاريخية كثيرا ما يعجز عن رواية القصص الاقليمية المحلية كاملة. فتاريخ الاسلام، خصوصا بعد تلاشي هيمنة العرب، مجموعة تجارب وخبرات اقليمية محلية مختلفة يجب فهم كل واحدة منها على حدة على حسب قول الصليبي. فقد شهدت أجزاء مختلفة من العالم العربي في الأزمنة الاسلامية استقلالات ذاتية متفرقة ظهرت وتلاشت وفي بعض الحالات أدّى هذا الظهور الى ازدهار حضاري محلّي يثري التراثين العربي والاسلامي. (هل لنا أن نتخيل تراثنا بلا المتنبي في ظل الأمارة الحمدانية في شمال سوريا!). وبعض الحالات الأخرى كانت الكيانات العربية المتفرقة تقوم وتنهار دون أن تترك أيّ أثر قيّم حسب ما يؤكد الصليبي. (بيت بمنازل كثيرة، 279). ففي بعض المناطق العربية حيث الأراضي لها حدود طبيعية كاليمن وعُمان كان ظهور الكيانات المحلية طبيعي ويبدو كأنه استمرار لتاريخ محلي. أما في مناطق أخرى كبلاد الشام مثلا حيث الحدود الطبيعية غير موجودة فالكيانات كانت تأخذ أشكالا مختلفة من دون أن يكون بينها أي شيء يمكن تسميته استمرارية تاريخية. والتاريخ المحلي في لبنان بالذات أكثر ما ارتبط بتاريخ الطوائف الدينية خصوصا تلك التي تميّزت بقدر كاف من التنظيم كالكنيسة المارونية مثلا.
فالتاريخ الإسلامي هو في الحقيقة مجموعة من التواريخ المحلية تروي تجارب عربية عديدة ومختلفة عن بعضها البعض مكاناً وزماناً ونوعاً. ما من بلد عربي حاليا يحتاج الى الشعور بالذنب حيال وجوده الفعلي كابتعاد متعمد أو غير متعمد عن القاعدة القومية العربية (المتخيَلة) التاريخية. فالعرب بحاجة للتخلص للنظرة البالغة المثالية عن ماضيهم ليعيشوا معا كجماعة سياسية منسجمة ترتبط بشكل بنّاء حسب ما يؤكد الصليبي. (بيت بمنازل كثيرة 283). وكذلك لبنان فان الطوائف المتفرقة فيه والتي تشكّل الشعب اللبناني الآن ما هي إلا انعكاس للتطور المحلي في التاريخ العربي الاسلامي ونشوء لبنان لم يكن حتميا ولا ترجمة لواقع تاريخي أزلي وليس استمراره أيضا حتميا. فما من دولة بقيت الى مدى الحياة ولكن البعض منها قادر على التكيّف والاستمرار أكثر من غيره لسبب أو لآخر. ولكي يستمر لبنان ككيان واحد لأطول فترة ممكنة على اللبنانيين أن يتصالحوا مع تاريخهم كسبب من أسباب الصراع لأن النظرة الى التاريخ هي ترجمة لهوية سياسية ما. فعلينا الكفّ حسب ما يقول الصليبي عن التفكر بالماضي من خلال منظور سياسي يعكس أهواءنا السياسية الراهنة. فتاريخ التطور الاجتماعي والثقافي والاقتصادي لمختلف الفئات اللبنانية له مغزى بارز ومشترك أكثر لجميع أهل البلد وهو قد يشكل الإنطلاقة الأساسية الجامعة لتاريخ موّحد وهوية مشتركة لجميع اللبنانيين.
وأخيرا وكما قال الصليبي في كتابه بيت بمنازل كثيرة:» لبيت الحكمة منازل كثيرة وهناك طرق لا متناهية لأعادة النظر في تاريخ لبنان بما هو صالح للبنانيين وخير للعالم العرب». وما بحثناه هنا هو واحدة من هذه الطرق، طريقة لا تبحث عن تزييف حقائق أو تدوير زوايا بل تعترف وتتصالح مع ما هو ماضٍ سيء للبنان كمجتمع وتبني على ما هو مشترك جيد بين اللبنانيين وهو أكثر وأغنى مما نتصور.