ترجمة وتقديم: محمد العرابي *
كي نفهم جزءا من شعرية أمريكا اللاتينية، والشعر المكتوب بنون التأنيث على وجه الخصوص، نبدأ بهذه الطرفة: في أعقاب انتصار الحركة الثورية الساندينية في 1979، وإنهائها لثلاثين عاما من الحكم الديكتاتوري لعائلة سُموزا تقلَّدَ الشاعر والثوري إرنستو كاردينال حقيبة وزارة الثقافة، وعلى الفور أطلق محترفات لكتابة الشعر في مجموع البلاد تشجيعا للإبداع الشعري، كما عمَّم مجموعة من النصائح بعنوان: “بعض القواعد لكتابة الشعر”. دعا فيها لنسيان الوزن والقافية، وإيثار المحسوس على المبهم، وذكر الأسماء الشخصية، وإعطاء الأولوية للأحاسيس على الأفكار، وأن “نكتب كما نتكلم”، و”أن نشحن اللغة ما أمكن”. ولا يخفى أن هذه الوصايا تصدر عن إيديولوجيا تثمن البساطة وتولي أهمية للقيم الشعبية، في تناغم مع الفورة الثورية التي كانت سائدة آنذاك. إلى هذا السياق الثوري تنضاف الرغبة في جعل حرية التفكير والتعبير أمرا ملموسا بالانعتاق من السلطة السياسية والهيمنة الذكورية التي تكبت كتابة الجسد والفعل الحر. تسخَر الشاعرة الغواتيمالية أنا ماريا روداس، في قصائدها، من العجرفة السياسية والذكورية: “كل واحد له الحق/ في أن يعبر عما يفكر فيه/ كل واحد له الحق/ شرط أن يحترم/ القوانين، والتقاليد، / وزملاء العمل، / ومن يدفع لك أجر عملك، / وجارك الذي يسكن قبالتك والحكومة”، “نعم، / لقد فقدت أعصابي، / وأنا غيورة، / متقلبة المزاج/ ومليئة بالرغبة. / ماذا ينتظرون مني؟ / أن تكون لدي عينان، عدد من الغدد، دماغ، ثلاثة وثلاثون عاما/ وأن أتصرف/ مثل شجرة سرو في مقبرة.” ولا تتوقف النماذج عن الإفصاح صراحة أن هذه الشعرية تريد أن تذهب بعيدا في تدمير الصورة النمطية للمرأة التقليدية التي من وظائفها الإثارة والمتعة وتفريخ الأطفال وضمان إبقائهم داخل الدائرة. هذه الشعرية التي تقف على أرض تموج بالحركة وتضع الاجتماعي في صلب اهتمامها لا يمكن إلا أن تكون لغة قريبة من النبض الحي للواقع، وتعتمد لغة بسيطة تنأى بنفسها عن كل إغراق في الصور البلاغية أو الاحتفاء بها، دون أن تشعر بأي عقدة نقص وهي تجعل الثقافة الشعبية مرجعا لها.
وهذه قصائد لشاعرات من أمريكا اللاتينية وُلدن بعد سنة 1960، وعشن بعض المخاض السياسي والاجتماعي الآنف الذكر، وكتبن بوحي منه، أو رأين هذه الآمال تتبخر وتتحوَّلُ الثورةُ معها إلى رماد. اخترنا نماذج لشاعرات لنرى بعض المنجز الشعري لهذه القارة وهو يصنع في نفس المراحل التاريخية التي نجتازها اليوم، عربيا، والتي نقتسم معها بعض همومها وتحدياتها.
الشاعرة الكوستاريكية
أنا إستارو Ana Istarú
شاعرة وكاتبة مسرحية كوستاريكية ولدت سنة 1960. نشرت أول كتبها الشعرية “كلمات جديدة” عن عمر 15 سنة، بعدها بعامين حصلت على جائزة للإبداع الشبابي. درست المسرح في جامعة كوستاريكا. في 1982 منحتها لجنة تحكيم دولية جائزة أمريكا اللاتينية للشعر عن مجموعتها: “موسم الحمُى”، الذي طبع مرات عديدة في أمريكا الوسطى، وفي إسبانيا سنة 1986، وترجم إلى لغات عديدة. رغم لغتها المتحررة استطاعت أنا إستارو أن تتحكم جيدا في الاستعارة، وأن تجدد في لغة الحب والفرح. سنة 1995 حصلت على جائزة الكتابة المسرحية عن عملها: “بيبي بوم في الجنة”، في إسبانيا حصلت سنة 1997 على جائزة أحسن ممثلة من كوستاريكا. أصدرت مجموعتها الشعرية: “الكلمة الأم” سنة 1995.
1 – مِنْ أَيْنَ جئتَ؟
مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟
أَيُّهَا النَّعْسَانُ.
أَيُّ غَيْمَةٍ أَرَاقَتْكَ؟
مِنْ أَيِّ سَفِينَةٍ شِرَاعِيَّةٍ؟
مَنْ سَمَحَ لَكَ بِهَذِهِ التَّسَرُّبَاتِ
عَلَى أَوْرَاقِ النَّيْلُوفَرِ؟
مَنْ أَزْلَقَ عَلَى وَجْهِكَ
عُصْفُورَ الْفِضَّة؟
تَمَدَّدْتَ عَلَى فِرَاشِي بِلَا مُبَالَاةٍ
أَنْتَ مَلَاكٌ مَنْسِيٌّ
فِي مَقْصُورَةٍ.
أَنَا لَا أَفْهَمُ رَجُلًا مِثْلَكَ،
بِهَذِهِ الْأهَمِّيَّةِ.
لَمْ يَعُدْ بِإِمْكَانِي النَّوْمُ: سَتَكُونُ
مَلَاءَاتِي مِنْ رِيَاحٍ شَمَالِيَّةٍ،
مِنْ زُهورِ الْخُزَامَى.
تَسْتَأْنِفُ مِخَدَّتِي
رِحْلَتَهَا النَّوْرَسِيَّة.
فِرْدَتَا حِذَائِي الْقَدِيمِ، قُنْفُذَانِ اثْنَانِ.
وَهَذَا الرَّجُلُ الصَّغِيرُ،
الْعَارِي بِدُونِ حَتَّى زَهْرَةِ غَاردِينْيَا.
لِمَاذَا يَدِي التِي تَطِيرُ
صَوْبَ خَزَفِهِ الْوَاثِقِ،
هِيَ لَحْمُ سَفَرْجَلِهِ؟
أَيُّ عَقَبَةٍ صَغِيرَةٍ هَذِه؟
إِلى مَنْ أَتَلَهَّفُ لِرُؤْيَتِهِ ثَانِيَةً
إِنْ لَمْ يَكُنْ زَائِرِي؟
مِنْ أَيْنَ لَكَ بِهَذَا الْحَاجِبِ الْكَثِّ،
بِهَاتَيْنِ الْحَبَّتَيْنِ النُّحَاسِيَّتَيْنِ عَلَى صَدْرِكَ؟
أَيُّ خَمِيلَةٍ أَبْحَثُ عَنْهَا
إِنْ لَمْ تَكُنْ زَغَبَكَ؟
أَيُّ كَأْسٍ، أيُّ قُبْلَةٍ،
أَيُّ ضِفَّةٍ بِدُونِ شَفَتَيْكَ؟
أَيُّهَا النَّعْسَانَ.
أيُّ خُبْزٍ ذَهَبِيٍّ
بِدُونِ إغْفَاءتِكَ؟
2 – المعاهدة
تُذَكِّرُ هَذِهِ الْمُعَاهَدَةُ
بِصِدْقٍ
بِكَوْنِ الْحِشْمَةِ وَحُلْمِهَا
لَا تَجِدْ لَهَا أفْضَلَ أَسْيَادِهَا
فِي غَيْرِ الزَّاوِيَةِ الْهَادِئَةِ
لِلمُؤَنَّثِ
وَتُوَجِّهُنِي
نَحْوَ سَلَامٍ عُذْرِيٍّ
وَدَائِمٍ (… )
هَذِهِ الْمُعَاهَدَةُ تُظْهِرُ
كَيْفَ يُهَيْمِنُ الرَّجُلُ
وَيَتَسَبَّبُ فِي الْحَمْلِ
فِي أَمْرِيكَا الْوُسْطَى
ومَضْيَقِ بَانَامَا.
فِي مُوَاجَهَةِ هَذَا الْجَبَرُوتِ
الذُّكورِيِّ
يَكُونُ لِثَوْرَتِي الْعُمَالِيَّةِ
أَنَّ تَحْمِينِي.
لِأَنِّي أُمْسِكُ بِحَلْمَتيَّ،
كجَرَسَيْنِ حَديدِيَّيْنِ صَغِيرَيْن
وثَاقِبَيْنِ
وَأَنْبُشُ
غِشَاءَ الْبَكَارَة الدَّقِيقَ
الَّذِي يُكَمِّمُنِي
بِأَلَمٍ ذُكُورِيٍّ
وبقَائِمَةٍ طَوِيلَةٍ
مِنَ الْإِرْثِ الاسْتِعْمَارِيّ.
أَنَا، أَمْسَحُ هَذِهِ المُعَاهَدَةَ عن الْجَمَاجِمِ،
وبِفَوْرَةِ غَضَبِ الكُوِيتزَال [العُمْلة المحلية]،
أَمْحَقُهَا
أَعُضُّهَا وَأُحَطِّمُهَا
بِتَكَتُّمٍ عَسْكَرِيٍّ،
كمَقْتُولٍ بِالرَّصاصِ، مُبْهَمٍ
أَقْتُلُهُ وَأُنْهِي حَيَاتَهُ
بِعُضْوِي الْبَاسِم وَالْقَانِي،
باقَةَ الكَارْدِينَالِ مِنَ الْبَهْجَةِ،
بَدْءًا مِنْ هَذِهِ الْقَارّة القِرْمِزِيَّةِ والمُلْتَهِبَةِ،
أَمْريكيَّتِي المسْعُورَةِ، أَمْرِيكا الْوُسْطَى.
مريام مونتويا Myriam Montoya
شاعرة كولومبية، مزدادة في 1963، غادرت بلادها لأسباب أمنية وسياسية، وآثرت المنفى في فرنسا منذ سنة 1994. من أعمالها المنشورة: “أذن الذئب” 2008، “زهرة الرفض”2009، في 2004 نُشرت لها مختارات من أشعارها بعنوان: “جئت من الليل”. شاركت في ملتقيات شعرية بفرنسا، وسويسرا، وإيطاليا، ولوكسمبورغ، وسلوفينيا، وكندا، والولايات المتحدة، وكولومبيا، وفنزويلا، وغينيا، والسنغال…”الهروب” هو عنوان أول رواية صدرت لها في 2011.
1 – مُوَلَّدَة
هُنَاكَ صِرَاعٌ قَدِيمٌ فِي دَمِي
يَظْهَرُ فِي الْحَوَاجِبِ الْمُقَوَّسَةِ لِأَطْفَالِي
عَلَى أطْرَافِ شِفاهِهِم الْخَفِيَّةِ
عِنْدَمَا يَضْحَكُون
فِي طُولِ عِظَامِهِمْ
فِي الْعَوْدَةِ الْمُتَهَدِّدَةِ لِأحْلَاَمِهِمْ.
هُنَاكَ شِجَارٌ فِي كَيْنُونَتِي
انْزِعَاجٌ مِنْ إهَانَةٍ قَدِيمَةٍ
تَرَقُّبُ أَجْيَالٍ أُخْرَى
تَتَوَاصَلُ فِي ذَاتِي وَفِي إِخْوَتِي
رَغْبَةٌ في الثَّأْرِ بِمَنْ يَرْفُضُ الْغُفْرَان
التَّمَزُّقُ الَّذِي يُحَارِبُ مِنْ أَجَلِ الْإفْلَاتِ
بَيْنَ الضَّحِكِ وَالرَّقْصِ
رَغْبَةٌ فِي إِحْيَاءِ الْمَوْتَى
بِتَخْفِيفِ تَوَتُّرِ أَصْوَاتِهِمْ و
َاللُّغَاتِ الْأُخْرَى
وَبِأَنْ يَتَعَرَّفُوا عَلَيَّ فِي أَجْسَادِهِمْ
وَفِي الْاكْتِشَافِ اللَّامُتَوَقَّعِ لِلذَّاكِرَة.
2 – صَادَفْتُ حُدُودًا زُرِعَتْ بِالْحُبِّ
سَأَدْخُلُ مُجَدَّدًا
أَمَاكِنَ سِرِّيَّةً
كَانَتْ بِحَوْزَتِي فِيمَا مَضَى
وَلَكِنِيّ لِأَسْبَابِ وَجِيهَةٍ
هَجَرْتُهَا.
تَمْتَمَةُ الْآثَارِ الْمُدَمِّرَةِ لِلِاجْتِثَاثِ،
وَإِنْ بِكَلِمَاتٍ قَلِيلَةٍ،
تُنْبِتُ لِي أجْنِحَةً
وَتُقَلِّصُ النِّسْيَانَ.
تَشَرُّدِي الْمَبْتُورُ
أَجْزَاءُ الْحَيَاةِ الْمَدْفُونَةُ
وُجُوهٌ وَمَنَاظِرُ مَفْقُودَةٌ.
أَنَا إحْدَى الْمُعَمِّرَاتِ
وَأَحْيَانًا سُلَحْفَاةٌ بِأَلْفِ عَامٍ
وَأُحْيانًا طَيْرًا جَارِحًا.
خُدُعٌ وَحِيَلٌ
هِيَ كلُّ مَا تَعَلَّمْتُهُ
عَلَى مَرَافِئَ وَأَرْصِفَةٍ.
لَقَدْ صَادَفْتُ حُدُودًا
زُرِعَتْ بِالْحُبِّ
فِي الْخُطُوَاتِ اللَّئِيمَةِ.
فيفيان لوفييغو Vivian Lofiego
شاعرة وفنانة تشكيلية أرجنتينية، من مواليد 1964. درست في جامعة بوينوسيرس. تابعت دراستها في جامعة باريس 3، في الأدب المكتوب بالإسبانية. عضو في مركز الأبحاث والتحقيقات في آداب أمريكا اللاتينية التابع لجامعة باريس 3، من 1996 إلى 1998، عضو لجنة القراءة في الجائزة الدولية “خوان رولفو”، من 1997 إلى 1999. تهتم أيضا بالترجمة. شغوفة بالمسرح، أدت مجموعة من الأدوار على خشبة مسرح الأوديون. وتؤدي مجموعة من الأدوار في فرنسا وإسبانيا وتعمل كمساعدة في الإخراج.
تَدْخُلُ الرّيحُ عَبْرَ النَّافِذَةِ
سَاحِبَةَ مَعَهَا بَاقَةً مِنْ غَيْرِ الْفَانِينَ
لَا تَتَحَرَّكِي، قُلْتُ لِرُوحِي،
سَنُحَاوِلُ أَنْ نَتَقَصَّى الْإشَاعَةَ
الَّتِي تَحْمِلُهَا إِلَيْنَا الرّيحُ
وَفِي الْفَوْضَى الَّتِي تكونُ قدْ أَحْدَثَتْهَا
فِي الْأَغْرَاضِ، سَنَبْحَثُ
فِي ظِلَالِ الْأَشْيَاءِ
وَسَنُوصِدُ الْمَصَارِيعَ فِي أثَرِهَا
وَنُعَصِّبُ عَيْنَيْهَا
وَنَضَعُ لَهَا عَصًا فِي يَدَيْهَا
وسَنَجْعَلُهَا، مُغْمَضَةَ العَيْنَيْن،
تَضْرِبُ فِي الظَّلَامِ
– أَلَمْ تكنْ هَكَذَا لُعْبَةُ “وِعَاءِ الْحَلْوَى”
فِي الطُّفُولَةِ؟ –
ضَرَبَاتٍ حَادَّةً تُفَرْقِعُ فِي الْهَوَاءِ؛
هَذِهِ الْقَسْوَةُ الْبَدَائِيَّةُ بصَدَدِ الْأَشْيَاءِ
الْمُوَزَّعَةِ تَوْزِيعَا سَيِّئَا.
كارولينا ماسولا Carolina Massola
شاعرة أرجنتينية مولودة في 1975، شاعرة ومترجمة. درست الترجمة الأدبية، والعلمية للغة الفرنسية. نشرت قصائدها في عدد من المجلات الأرجنتينية خصوصا مجلة Prisma، (مجلة المؤسسة الدولية خورخي لويس بورخيس)، وفي إسبانيا. نشرت كتابين شعريين، الأول في 2009، والثاني في 2014.
مقاطع
– 1 –
أَنْ تَبْتَكِرَ اللَّامَرْئِيَّ فِي الْفَمِ
كَسَاقِ النَّبْتَةِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ غَيْرُ رَبِيعٍ
وَاحِدٍ فِي الْحَيَاةِ،
هوَ أَنْ يُعْمِيَ الْبَرْقُ الْحَدَقَاتِ الْمَوْجُودَةَ
فِي حَالَةِ خَرَابٍ.
حِينَمَا سَتَتَعَرَّقُ أَغْصَانُ الْبَارِحَةِ
مِنْ أَزْهَارِ الْمَاغْنُوليَا
وَيَحْدُثُ أَنْ تَتَلَمَّظَ أَنْتَ غُبَارَ الطَّلْعِ،
أَنْتَ،
يا خُنْفُسَاءً قَدِيمَةً،
سَاطِعَةً عَلَى الْبَيَاضِ الَّذِي هُوَ غَرِيبٌ عَلَيْكِ،
ولأنَّ الْوَثْبَ عَلَى الْأرْضِ الصُّلْبَةِ
تَأَخَّرَ عَنْ مَوْعِدِهِ-
لَا تَنْسَ أَنْ تَنْسَخَ الْوَرْدَة.
– 2 –
بِالطَّبْعِ، سَأُغَذِّي الْفَرَاشَاتِ الْمُضِيئَةَ
المتَخَلَّى عَنْهَا،
وَسَأَرْقُبُ كُلَّ غَمْغَمَةٍ لِأَجْنِحَتِهَا،
جَامِعَةً بَعْضِ هَمْسَاتِهَا اللَّيْلِيَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ،
وَسَأَنْدَهِشُ مِنْ إِزْهَارِ قَوَائِمِهَا،
سَأُدَعِّمُ الْفَضَاءَ الَّذِي يَصْمُدُ فِي نَظْرَتِي،
الْمَسْكُونَةِ بِأَجْسَادٍ مُلْتَهِبَةٍ فِي
سَعِيِهَا لِتَحْقِيقٍ ذَوَاتِها
خَلْفَ الْأثَرِ الْمَحْرُوسِ،
تُنِيرُ أَضْوَاءُ الشُّمُوعِ
بُطونَهَا.
وَسَأَلْتَهِبُ بِاسْتِنْشَاقِي كُلَّ قَطَرَةِ نَدَى
غَيْرِ مَرْغُوبٍ فِيهَا،
مَجِيدَةٍ، مُحَطِّمَةٍ،
مُتَوَهِّجَةِ الأَضْوَاءٍ مُعَلَّقَةٍ،
مُقَوِّضَةٍ لسَمَاوَاتٍ،
مُلَغَّمَةٍ بِأَضْوَاءِ الْفَجْرِ
وَسَأُغَذِّي سُكْنَاهَا بِصَمْتٍ.
– 3 –
أَنْ تَبْحَثَ
عَنْ لِمَعَانِ الْحِجَارَةِ
عَنِ الْفَمِ الْبَدِيعِ عَلَى الْإِبْرِيقِ الْجَافِّ.
أَنْ تَبْحَثَ
عَنْ وَجْهِ الْمُسْتَنْقَعِ،
رَاغِبًا فِي أَنْ تَشْرَبَ الْبُروقَ بالمِئَات
وَفِي الْعُمْقِ، دُونَ حَسَرَاتٍ،
أَنْتَ تَنْتَظِرُ مُحَاوَلَةً حَاذِقَةً لِلِاخْتِتَام.
وَمِنَ الأَسْفَلِ،
الْابْتِسَامَةُ مُلَطَّخَةٌ.
لَقَدْ قُلْتَ كَلِمَاتٍ خَالِدَةً.
فِي الْأَسْفَلِ،
قَضَوْا عَلَى طَيَرَانِ الْعُصْفُورِ.
فِي الْأَسْفَلِ،
أَخْفَقَتِ الْأَجْسَادُ.
إلين فيار مادروغا Elaine Vilar Madruga
ولدت سنة 1989، في العاصمة الكوبية هافانا، خريجة الفنون المسرحية، روائية، شاعرة وكاتبة مسرحية. تكتب روايات الخيال العلمي، والروايات المصورة، الشعر، المسرحيات، الحكايات، والكتابات الموجهة للشباب.
كتابتها ناضجة بالفعل، وتحظى بالتقدير، نالت عنها العديد من الجوائز المحلية والدولية. نشرت في الولايات المتحدة الأمريكية، في إسبانيا، وفي كوبا. ترجمت أعمالها إلى الفرنسية، والبرتغالية، والإيطالية، والإنجليزية والكورية. نشرت أكثر من 12 كتابا بين 2009 و2019.
عنبر
تَحْكِي الْجَزِيرَةُ آلامَها
كَحَالَةِ طِفْلِ الصُّورَةِ الْغَرِيق
الَّذِي يُسَمِّيهِ شَخْصٌ
مَا أَخِي/ ابْنِي/ شَجَرَتِي العَائِليَّة/ سَيْفِي.
لَا يَزَالُ الْجِدَارُ يَحْمِلُ آثَارَ الدَّمِ
عَلَى نَابِ الْكَلْب.
تَحْمِلُ يَدُ الطِّفْلِ قِنِّينَةَ الْعَنْبَر
فِي ثَنِيَّةِ الرَّقَبَة.
كَانَ ذَلِكَ هُوَ عَامَ
الصُّورَةِ والمسْتَنْقَعِ :
عَلَى ضِفَّةِ الْبَحْرِ،
وَجَدَ أَحَدٌ مَا الطِّفْلَ الْمُلَطَّخَ بِالدَّم
وَهُوَ يَنْكَفِئُ
قَرِيبًا مِنْ سَلْطَعُونِ الْأَبَدِيَّةِ.
عِنْد الشَّاطِئ تَمَامًا
بَعْدَهَا ظَهَرَتْ آثَارُ أَنْيَابٍ وَمَخَالِبَ
كَذُبَابٍ عالِقٍ فِي جَوْفِ الْعَنْبَر.
لَا تَتَكَلَّمُوا مَعَهَا
عِنْدَمَا يَعُضُّنِي الْكَلْبُ، يُخِيفُنِي
السُّعَارُ وَالدَّم.
يُرْعِبُنِي اللُّعَابُ وَفِكْرَةُ المسْتَشْفَى/
الموتُ/ الشَّلَلُ.
أرْفُضُ أَنْ يَتِمَّ تَسْمِيرِي كَفَتَاةٍ
فِي أَفْلاَمِ المودوفار [سينمائي إسباني]
تَنْتَظِرُ أَنْ تُؤْخَذَ لَهَا أَحْسَنُ لَقْطَةٍ
مِنْ أَفْضَلِ زَاوِيَة وَأَمْثَلِ إِضَاءَة.
هَذَا السِّيناريُو مُجَرَّدُ
ادِّعَاءٍ لِمُثَقَّفِينَ فَاشِلينَ
يَتَسَلَّوْنَ بإقحْاَمِ اسْمِي عَلَى
المُلْصَقاتِ وَالصُّوَر.
يَا إِلَهِي،
أَبْعِدْ عَنِّي كَأْسَ عَضَّةِ الْكَلْب.
لِأَنِّي لَا أَسْتَطيعُ أَنْ أَتَنَبَّأَ
بِعَوَاقِبِ السُّعَار
بَيْنَمَا يُطَارِدُنِي المِئَاتُ
مِنَ الْمُحْتَجِّينَ فِي أَفْلاَم ألمودوفار
بِكُلِّ انْحِناءَتِهِم اللَّعِينَةِ تَحِيَّةً لِي.
أمومة
تُغْدِقُ جَدَّتِي بِعَطْفِهَا عَلَى
الْمَرْأَةِ الْعَجُوزِ
معَ أَنَّها لَيْسَتْ لا أُخْتَهَا وَلَا مِنْ أَقَارِبِهَا،
تِلْكَ الَّتِي مَنَعَتْ عَنْهَا ذَاتَ زَمَنٍ بَعيدٍ
رُقْعَةً مِنْ قُمَاشٍ فِنِيسِيٍّ
وَبَصَقَتْ فِي الْوِعَاءِ الَّذِي،
قَبْلَ ثَلاثِ سنوَاتٍ،
شَرِبَتْ فِيهِ حَلِيبَهَا الصَّبَاحِيَّ:
حَلِيبَ الْمَنْفَى بِنَكْهَةِ الوَدَحِ،
وَبَاءَ الْقِشْطَةِ الْأَبْيَضَ الَّذِي
يَتَبَرْعَمُ، بُسْتَانَ الْبَاكْتِيرِيَا.
تَنْبُتُ الصَّرْخَاتُ
وَاحِدَةً تِلْوَ الأُخْرَى.
تُرِيدُ أَنْ تَتَحَدَّثَ
عَنْ هَذِهِ الْحَيَاةِ الْأُخْرَى
الْمُعَلَّقَةِ عَلَى أَعْمِدَةِ الْمَنْزِلِ
بَيْنَمَا تَدْهُنُ الْجَدَّةُ الْمَرْأَةَ الْغَرِيبَةَ
بِالصَّابُونِ
قُرْبَانُ الْفُودُو،
بُؤْسُ الطَّاعُونِ،
عَبَّادُ الشَّمْسِ، يُلَطِّخُ الجُرُوح.
هيَ لَا تَرْجُو شَيْئًا مِنَ الْحَيَاةِ.
لَا تَنْتَظِرُ كِلْتَاهُمَا غَيْرَ
حَمَّامِ السَّادِسَةِ وَوَجْبَةِ السَّابعَةِ،
وَجْبَةِ الْغَذَاءِ بِالْخُبْزِ وَبِالْمَوْتِ،
كُلِّ هَذِهِ التَّضْحِيَةِ الَّتِي كَانَ
عَلَى يَدِي الْقِيَامُ بِهَا.
حَمَلُ الآلهة ِ Agnus Dei
” الْجَمَالُ هُوَ الْحَقِيقَةُ، لَا أَكْثَر…”
كيتس
يَبْصُقُ الْجَمَالُ عَلَى إِيمَانِي،
هَذَا كُلُّ شَيْءٍ.
يَنَامُ فِي جَوْفِ لَحْمِي
كَعُصْفُورٍ مَنْتُوفٍ،
وَقَدْ نَسِيَ لُغَاتِ الْمَوْتِ.
ديانا ليتشي Diana LICHY
شاعرة وسنيمائية فنزويلية، مولودة في 1960، نشرت كتبا شعرية عديدة منها: “التعاويذ” 1998، “أنطلوجيا الشعر الفنزويلي” 2002. “سكين احتفالي” 2006. نالت مجموعة من الجوائز عن أعمالها: الجائزة الدولية للشعر “رسائل الأورينيكو” (نهر في فنزويلا وكولومبيا) في 1994، جائز Fundarte للشعر، عن كتابها Solitario oficio de horas desnudas ، وجائزة في 1991 عن كتابها Solasombro.
يهرب الليل
يَهْرُبُ اللَّيْلُ
مِنْ خِلَالَ شُقُوقِ
أُرْجُوحَتِنَا الشَّبَكِيَّةِ
تَأْخُذُ النُّجُومُ إجَازَتَهَا
تَحْتَ أَجْفَانِكَ.
تَشْرَعُ الشَّمْسُ
فِي شَحْذِ
ظَلِّ الْأَشْجَار.
نَكْهَةُ الْقَهْوَةِ
تَجْعَلُ الْحُلْمَ عَارِيًا
لحْظَةَ تَبَلْوُرُ
هَذِهِ الْقَصِيدَةِ.
بناء القصيدة
أَكْتُبُ بَوَاسِطَةِ الْخِنْجَرِ.
يَرْتَجِفُ الْعَالَمُ
فِي أَحْشَائِي
وَيَغْرِزُ سِكِّينَهُ
فِيَّ أَعْمَقَ كَثِيرًا،
بِالْفُتَاتِ
أُعِيدُ بِنَاءَ
الْقَصِيدَة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* اعتمدت في كتابة المقدمة واختيار بعض النصوص خصوصا على:
– الكتاب الجماعي: عن النساء: صور وكتابات، منشورات جامعة تولوز – لوميراي 2004.
– المجلة الشعرية المغربية: إلكترون ليبر، العدد 3 ، 2007.
– المجلة الإلكترونية الفرنسية: اللجوء إلى الشهر،