كل بداية مغامرة، خصوصا، إذا كانت البداية متسعة الاتجاهات ، عن شخص تتداخل كتاباته ذات النفس السردي بالبعدين الذاتي و الموضوعي كمذهب عيش وحياة .
من جهة أخرى، ظلت الأعمال السردية الأولى لهذا الكاتب مع أهميتها
خارج القراءة القارئة والفاحصة للنص، وذلك لسيطرة القراءات الأحادية، والأسلوب التقليدي مع هكذا نصوص مختلفة مع ذائقتها القارّة . كذلك يمكن القول – بداية – أن الكاتب هو من أوائل من أسسوا في عُمان النص المفتوح (ليس نصا أو نصين) وإنما هناك مجاميع بعينها . أحيانا تكون خارج الممكنات أو التصنيفات النقدية الاعتيادية .
كتابة «غيرّت» الشكل المعهود للقراءة الكلاسيكية للنص في مجتمع السرد الحديث عليه جديد، مستحدثة بآفاقها المتسعة وسليقتها وعفويتها وفطريتها وذلك بتداخلاتها و اشتباكاتها مع نصوص أخرى مزجت بين اليومي العابر و الحياتي الممتد ، وبين الواقعي والخيالي في بوتقة ليس من السهل الإمساك بها .تحتاج إلى قراءة غير التي هو المعتاد في قراءة مريحة . خصوصا ان القراءة في مثل هذه النصوص تشرّح النص وتفتح مغاليقه نحو التأويل الكاشف عن أسرار النص وحدود المعنى .
كيف نضع قدم السارد (علي المعمري) في الحكاية، في النص كموضوع لعبارة قابلة للقراءة، ضمن سياق عام كأي موضوعة. أو قابلة للتأمل والتأويل ضمن منظومة قراءة الحياة .. كقراءة النصوص .
هناك ، مستمسك من بين يدي الراحل في قبضة الحياة ،حياته التي لا تفنى بفناء الجسد – مبثوثة في الكلمات .. التي لا تموت .
هل ، الحياة ماكرة إلى هذا الحد . هل ، ما يهلكنا إلا الدهر أم أشياء أخرى. نقف عاجزين أحيانا كثيرة. عاجزين أمام الأسئلة الكبرى. عاجزين أمام سؤال كهذا .. كيف حدث ويحدث . نعرف الموت ونعرف قدرتنا كبشر أمام هكذا قدر ..لكن الغياب مؤلم و الفقد أكثر إيلاما .فإذا كانت موضوعة ( ثيمة ) الغياب معروفة ، فإن قدرتنا على هذه المعرفة – مهما عرفنا- تظل محدودة أمام هول اللحظة و صدمة الغياب/الفقد المفاجئ ، وغير المتوقع في أن تجعلنا مشلولي الحركة في مواجهة لحظة غير مواتية و قاسية ودامعة حدّ البكاء المرّ. لا يمكن الحديث عن الراحل علي المعمري .. إلا و الحديث عن اللحظات الفرائحية في حياته ،حياته فرح دائم ، إلى درجة غير متوقعة يفرشها كبساط (أحمدي) بدون مقدمات ،أينما يكون بحب استثنائي وغير مسْبوق على حساب صحته وحياته و عمله . لقد راهن علي على حياته حتى نهاية انطفاء جسده .لقد عاش في النص كما عاش في الواقع. من الصعب فصل الحياتين .. عاش كما عاش الكُتاب الحقيقيون. بكل تلك الخلطة من النظام و الفوضى .. حياة في النص و نص في الحياة .
لم يترك علي .. إلا كتبه . رواياته الأربع ومجموعاته القصصية الأربع. هناك ،خطاطات لمشروع رواية قيد الاشتغال .رحل قبل أن يكملها وهي رواية عن مكان الطفولة والصبا . رواية تتشابك و تتقاطع فيها حيوات الراوي و هو السارد العليم ممثلا في علي المعمري و قد هيأ نفسه للكتابة والاشتغال فيها ، كرواية أقرب إلى نفسه ،حتى العنوان قد انتقاه بين عناوين عدة و هو (المرحّلون) هل ، يشي العنوان إلى أننا مرحّلون من حياة إلى أخرى – الله الغالب على أمره – هل، العنوان يشير إلى بعض من عتبات حياة السارد العليم ، كعنوان مكتنز بدلالات واضحة و غامضة ، وفناء الجسد وغياب المكان (مكان الولادة والطفولة – مسرح الرواية-) يتقاطعان في مستوى من الأفقين الشخصي و المكاني .
لا يجب علينا نخاطب أو نتخاطب مع المتوفي بشعور الغياب، بخروج الروح وفناء الجسد، يمكن للإنسان أن يحيا حينما يكون قد ترك أثرا ، كالكتابة المبدعة في وجه الشمس … تقول أنا موجود .
رحيل ورحلة..
ها هو علي المعمري يحط رحاله أخيراً في قريته حفيت، حيث انتقل الى رحمة الله بتاريخ 14/1/2013م بعد أن تنقل في بقاع الأرض وتنقل بين الإبداع الكتابي السردي: قصة ورواية ومقالات عديدة.. تاركاً في قلوب محبيه وأصدقائه من الكتاب العمانيين أو العرب والأجانب وداً لا ينتهي وحزناً عميقاً مؤثراً ..