لإعطاء صورة مبدئية عمّا نحن بصدد البحث عنه في هذه الدراسة فإنّا سنسلط الضوء على الأحداث التاريخية التي تلت سقوط الإمامة العُمانية الثانية على يد العباسيين بقيادة محمد بن نور 280/893، مما أحدث إشكالا في فهم التسلسل التاريخي في كتابة التاريخ العماني والذي نتج عنه تشظ في التدوين التاريخي لتلك المرحلة، حيث توزعت دراسات الباحثين للتاريخ العُماني بعد عام 280/893 إلى اتجاهات مختلفة في مصادرهم التاريخية:
أ – اعتماد المصادر المحلية العُمانية .
ب – اعتماد المصادر غير العُمانية .
ج – اعتماد الأبحاث الأثرية (الأركيولوجية) .
الإشكالية في المصادر التاريخية العُمانية أنها جاءت متأخرة وكانت تقاليد التدوين التاريخي في تلك المرحلة مبسطة لا تملأ الفراغ التاريخي وتسلسله، بيد أن الرجوع إلى الكتابات الفقهية من جهة وكتابات السيّر العُمانية من جهة أخرى كشفت لنا بعض هذا الغموض خلال تلك الحقبة، كما أنَّ المصادرَ غير العُمانية تبرز هذه المرحلة بداية من القرن 4هـ/10م على أنها أكثر المراحل نضجاً وازدهاراً اقتصادياً وعمرانياً في عُمان وبذا تتداخل الكتابات التاريخية في مرجعياتها ومصادرها التاريخية ما بين الطبري أو مع ابن الأثير أو تعليقات ابن خلدون أو مع مدونات الكتب الجغرافية الكلاسيكية العربية عن المدن الساحلية العُمانية.
أما الأبحاث الأركيولوجية خاصةً أبحاث المصكوكات الإسلامية المكتشفة حديثاً عن تلك الحقبة فقد أعطت بعداً تاريخيا مادياً مغايراً في دراسة التاريخ العُماني فحاول كثير من الباحثين إبراز دراساتهم برؤية تسلسلية تاريخية تسد الفجوات التي كانت غامضة .
ومبدئيا في هذه الدراسة سنحاول الجمع بين هذه الأوجه الثلاثة لإعطاء صورةٍ متقاربة للملمت هذه التشظي، لأن الإشكالية التاريخية تكمن في كيفية الفصل بين القوى الأربع المتنافسة حول السيطرة على عمان، فهنالك مركزية الدولة العباسية ببغداد، وثانيها القوة البارزة في شرق الجزيرة العربية للقرامطة، ومن ثم الإمارات الساحلية في جنوب فارس المطلة على الخليج وكانت آنذاك بيد بني الصفَّار، وأخيراً الصراع القبلي والعلماء الإباضيون.
يشير ابن خلدون ويتوافق معه المؤرخون العُمانيون بأن محمد بن نور بعد هزيمة العُمانيين 280/893، في معركة دماء آل الحكم إلى محمد بن قاسم السامي، من بني سامة بن لؤي بن غالب، ولعل ابن خلدون في كتابته الموجزة في تاريخه عن عُمان تفصح الكثير من المعلومات التي اعتمد عليها المؤرخون الذين جاءوا من بعده، بيد أن أهم الاكتشافات الأركيولوجية التي فصحت عن تلك الفترة كانت مصكوكات نقدية لبني الصفّار، وهي أربع قطع نقدية مضروبة في عُمان. وترجع تواريخها إلى الأعوام 290، 294، 295، 298، وأقدمها صكت باسم طاهر بن محمد بن عمر بن الليث وأحدثها باسم السبكري وهو غلام الصفّارين.
وبالربط بين الحدثين يبدو أن الصفارين تمكنوا من احتلال الأجزاء الشمالية من عمان في تلك الفترة حيث كانت سيراف تمثل الميناء البحري لبلاد فارس، أو لعلهم تصالحوا مع حكامها من بني سامة ولاة العباسيين، ولا شك أن الصراع الأهم كان يتمحور حول السيطرة على صحار ومينائها الذي وضعها في تنافس مع ميناء سيراف في استقطاب تجارة المحيط الهندي فتذكر المصادر الجغرافية الكلاسيكية أن أبناء الجلندى بن كركر كانوا يسيطرون على تلك الأجزاء، وكانوا يأخذون العشور من السفن المارة في مضيق هرمز ومركزهم كان جزيرة ابن كاوان .
إن هذا الكشف يكاد يملي فجوةَ عقدٍ من الزمن سقط ذكرها في المصادر العُمانية، وبذا تغطي المكتشفات الأثرية للمصكوكات محوراً مهماً عن العلاقات العُمانية الفارسية خصوصاً أنَّ سجستان مركز الدولة الصفارية كانت احدى أهم المواقع للثورات الخارجية هنالك، وكانت باعثاً للانفصال عن العباسيين، ولم توضح المصادر التاريخية مدى هذه العلاقة للصفّارين مع العُمانيين و الذين أنهيت إمارتهم في فارس مع مطلع القرن 4هـ/10م.
أما التداخـــل الآخر وهو الأهم كان مع القرامطة فالمصادر العُمانية تذكر بأن أول صدام كان بفتوى من العلامة القيادي أبو المؤثر الصلت بن خميس (ت.ق. 287) عندما أصــدر أوامره بــحــــــرق بيوت الـقـــرامطـة أو ممن تعاون معهم لئلا يرجعوا إليها ثانية، وهذا الأمرُ من المحتملِ أنه تمَّ في ما بين 280-283هـ، لكن حملات القرامطة لم تتوقف بل تتابعت بدءًا من أبي سعيد الجنابي (273/886-301/913) ومن ثم أبي القاسم سعيد بن أبي سعيد الجنابي (301/913-305/917)، تبعتها الحملة الكبرى في زمن أبي طاهر سليمان بن أبي سعيد (305/917-332/944) الذي استطاع احتلال أجزاء واسعة في عُمان بيد أن صحار ظلَّت في معزلٍ عن التوسعِ القرمطي حيث ظلَّ واليها أحمد بن هلال الذي ذكرته المصادر التاريخية كـ«المسعودي» في مروج الذهب، وبزرك بن شهريار في «عجائب الهند» بأنه والي صحار الأشهر آنذاك.
أما الصدام الواقع بين القبائل النزارية واليمانية استفادت منه القوى الغازية المصادمة فقد أحست القبائل النزارية دوماً بإجحاف القبائل اليمانية, بينما كانت القبائل اليمانية داعيةً للثوران ضدَّهم وذلك بدعم من الغزاة، وشكلت القبائل بقيادة الأزد ترابطاً في إبقاءِ عُمان موحدةً وتمت لهم القيادة بدعمٍ من العلماء الإباضية.
II
بهلا/العتيك وشخصية أحمد بن هلال .
اكتشفت قطع نقدية في عُمان صكت في سنة 300هـ وسنة 305 باسم المقتدر بالله (حكم 295-320/907-932) في وجه وفي الوجه الآخر حملت أسم أحمد بن خليل والأخرى تحمل اسم عبدالحاتم بن إبراهيم . بينما تشير المصادر العُمانية بأن محمد بن نور عيّن احمد بن هلال من بعده والذي اتخذ مركزه في صحار أو بهلا، وكان واليه على نزوى شخص يدعى «بحيرة أو بجيرة» الذي سرعان ما قامت ثورة عليه وقتل في سنة 282/895، واستطاع العلماء الإباضية من نصب محمد بن الحسن الخروصي كإمام لكنه اعتزل وتوالت أئمة عدة في عُمان . وهذا الاحتمال يجعلنا في حيرة ما إذا كان أحمد بن هلال ممن ينتسبون إلى بني سامة فإذا كان الاحتمال صحيحاً فإنه كان عليه تقوية مركزه في مدينة إزكي حيث موطن هذه القبيلة. وأما الاحتمال الآخر فهو أنه كان من العتيك حيث بداية ظهور العتيك بها، ولذا جعل من بهلا مركزاً منافساً لنزوى، وهذا ما ظل الاستمرار عليه حتى فيما بعد عند النباهنة، ويزيد هذا الاحتمال بأن أحمد بن هلال كان من العُمانيين الأزد في البصرة أو على صلة بهم وهم في الأغلب من العتيك، حيث عمل في بلاط المقتدر بالله كاتباً، أو على صلة به حيث تم تعيينه من قبل المقتدر ليكون نائباً عنه في عُمان، ولذا فإن هذه الإشكالية أدت إلى الخلط فيما بين المصادر العُمانية وابن خلدون في إيضاح مدى تمكن عائلة بني سامة في سيطرتهم على الوضع الداخلي بعُمان وبين أحمد بن هلال والجمع بين هذه المصادر يؤدي إلى الاستنتاج بأن أحمد بن هلال تمت له السيطرة على عُمان من خلال القيادة القبلية تحت سيطرة بني سامة، وأن أحمد بن خليل كان والياً على المناطق الشمالية من عُمان بعدما تمكنّ من طرد بني الصفّار فصك العملة باسمه.
لكن ازدهار صحار رفع من مركز أحمد بن هلال السياسي وقوته في صدامه مع القرامطة الذين كانوا يبحثون عن أحد المواني التجارية في نشوة صعودهم السياسي، أما صراعهم في داخلية عُمان فكان لا يعدو عن بحثهم من الدخل والخراج كمصدر، لكنها تواجهت مع القوة الإباضية التي شكلت صداماً عنيفاً وتحدياً معهم في لملمة شرذمة القبائل، وهذا الفضل يعودُ للعلماءِ الذين عملوا كمحركٍ فاعلٍ في صدِّهم. بيدَ أن الحقيقةَ تُبينِّ أنَّ القرامطةَ لم يستطيعوا أن يُقيموا مركزاً سياسياً لهم في عُمان بشكل دائم، حيث كانت حملاتهم تأتي من حينٍ لآخرَ للحصول على المال حيث اتخذوا من مدينة توام البريمي مركز إقامة لهم في شن تلك الحملات ومن ثم يتحالفون مع بعض القبائل خلال جبيهم للضرائب، وقد أوجد هذا الصدام تحالفا قبليا سياسيا لزعماء القبائل مع علماء الإباضية في صدِّ القرامطة مع نهاية العقد الثاني للقرن 4/10، وهكذا، فقد كانت آنذاك ثلاث قوى بارزة في عُمان؛ الأولى المتمركزة في صحار والساحل والممتدة من جلفار وحتى قلهات، والأخرى هي العلماء الإباضية في الداخل وخاصة بين مدن سلسلة جبال الحجر الغربي، والثالثة القرامطة الذين اتخذوا من توام مركزاً لهم.
خلال فترة أبي سعيد الجنابي يبدو أن القرامطة اجتاحوا المناطق الداخلية ووصلوا إلى نزوى لكنهم سرعان ما تراجعوا عن ذلك نتيجة الثورات الداخلية، وكانت حملاتهم شبه السنوية لا تملك رؤية محددة في مطالبها السياسية غير جباية الغرم (الضرائب)، لكن اعقابه من بعده أبو القاسم وأبو طاهر غيروا نظرتهم الاستراتيجية نحو التطلع إلى تجارة الخليج بالسماح للقرامطة من قبل العباسيين باستخدام ميناء سيراف عام 304، بإشراف الوزير علي بن عيسى، لكن ما أن عزل الوزير علي بن عيسى باتهامه بمهادنة القرامطة حتى هاجم القرامطة البصرة عام307/311 وأدعى أبو طاهر أن البصرة والأهواز ملكاً له وتوسعا لنفوذه الإقليمي.
ومن جانب آخر نجح أحمد بن هلال في إحكام السيطرة على صحار وتحويلها إلى ميناء الإمبراطورية الإسلامية وإبعاده للقرامطة عنها وقد استمر هذا النجاح متواصلاً إلى عام 315/927، وهو العام الذي يمكن أن نخمن فيه وفاة أحمد بن هلال حيث لا يذكر اسمه في المصادر التاريخية، وخَلفَهُ من بعده عبدالحاتم بن إبراهيم، بأمر من المقتدر بالله العباسي بحسب القطع النقدية التي اكتشفت حتى الآن، وبهذا العام 315هـ نهاية حقبة بني سامة أو ولاية أحمد بن هلال على عُمان .
أما في الداخل العماني فقد مثَّل النجاح للعلماء الإباضيين والتصالح بعد الصراع الشديد بين علماء المدرستين الرستاقية والنزوانية برعاية العالم المحايد نبهان بن عثمان بعد أن عقد الإمامة لأبي القاسم سعيد بن عبدالله الرحيلي عام 320/932، والذي ذكره نورالدين السالمي كبداية لمرحلة جديدة في التضامن ليس بين العلماء فقط بل حتى بين القبائل المتناحرة من بعد صراع امتد لما يقارب 40 عاماً.
في الوقت نفسه مع نهاية العقد الثاني للقرن الرابع الهجري برزت شخصية مهمة تكاد أن تكون الشخصية المحورية في عُمان آنذاك وهو يوسف بن وجيه، وهو الشخصية التي لا تزال تثير الكثير من التساؤل حتى الآن، من هو؟ وإلى أي جهة ينتمي؟ و لمن ترجع أصوله؟ ولعل هذه الإشكاليات هو ما أثار شغف المستشرقين خلال قراءاتهم في استقصاء تاريخ تلك المرحلة البحث عنه و إثارة الفرضيات حوله، و لذا حاول مايلز بداية التخمين بأنه من جنود الترك المبعوثين من قبل العباسيين، بينما يعتقد ويلكنسون بأنه له جذور متصلة بالقرامطة وهذه التخمينات حثت الباحثين على محاولة استكشاف هذه الشخصية وذلك لسببين :
1 – القطع النقدية الأثرية المستكشفة حديثاً عنه والتي أثارت فضولهم .
2 – ما أشار إليه المؤرخون الكلاسيكيون بـوصفه «صاحبُ عُمان» ونعوتٌ أخرى ودونت أخباره الكتب الكلاسيكية، ولذا يُعدّ الشخصية الأبرز في التاريخ العُماني خلال القرن 4/10.
فالتنوخي في «نشوار المحاضرة» يروي عن علاقة مهمة بين يوسف بن وجيه وأحمد بن هلال، ويذكر بأن أحمد بن هلال هو خال يوسف بن وجيه، وهذه الإشارة مهمةٌ في تفنيد شخصيته، ولذا يغلب الظن بأن يوسف بن وجيه كان من قبائل الحدّان المتحالفة مع النزارية، وقد نشأ ببهلا، ومِن ثمَّ خلف أحمد بن هلال في صحار، والإثباتات الأثرية للقطع النقدية تشيرُ إلى ذلك ابتداءً من سنة 317هـ حينما ساعدته جذوره القبلية وسطوتها في الاستيلاء على صحار .
فبحسب ما وصلنا من العملات النقدية الأثرية الآتي :
أحمد بن خليل 300/912
عبدالحاتم بن إبراهيم316/917
وأغلب الظن أنهما كانا واليين للعباسيين على المناطق الشمالية بها، ولعل مركزهم كان في دبا أو جلفار. أما الاستنتاج الآخر الذي كان يعتمد سابقاً بحسب المصكوكات بأن الترتيب الزمني لحكم عُمان هو كالآتي :
أحمد بن خليل 290-305
أحمد بن هلال306-316
عبد الحاتم بن إبراهيم316-317
فالمؤرخون الذين حاولوا سدَّ الفجوةِ الزمنية في التسلسلِ التاريخي العماني اعتقدوا بأن أحمد بن خليل هو أحمد بن هلال ولكن هذا مستبعد، فأحمد بن خليل أدرج في هذا التسلسل بحسب المصكوكات الأثرية المكتشفة بينما أحمد بن هلال ذكر في المصادر التاريخية، وهو ما يحيلنا إلى كيفية إمكان الجمع بين هذين الاتجاهين المتضادين، فيمكن القول أنه من المحتمل بأن كل حاكم منطقة في عمان كان يصكُّ العملة باسمه مما أحدث تنوعاً في المصكوكات المكتشفة . وحاليا تم الكشف عن قطعـة نقديـة تـم صكها في عُمان عـام 299هـ/911-912 تحمـل فـي وجههـا الأول أحمـد بن هـلال وفـي الوجـه الأخـر الخليفـة العباسي المقتـدر بالله 282/895، وهذا الدرهم موجود في المتحف الوطني بالدوحة/دولة قطر، وهذه القطعة توضح أنًّ الولاةَ العباسيين في عُمان كانوا من بني سامة، و كانوا يمثلون الدعامة القبلية في التعاون مع العباسيين أي بين النزاريين ضد اليمانيين.
فمبدئياً لفهم التسلسل التاريخي لدولة بني وجيه من خلال المصكوكات الأثرية المكتشفة تشير على النحو الآتي :
اولا : يوسف بن وجيه تمتد الفترة بين 317 إلى 332 قطع متعددة .
ثانيا : محمد بن يوسف333هـ و 335هـ قطعتين .
ثالثا : عمر بن يوسف341 إلى 350 قطع متعددة .
هذه القطع النقدية بحسب مدلولها في التسلسل الأركيولوجي تمكننا من تعيين بداية دولة بني وجيهَ في عمان وهو عام 317/929، او قبلها حيث تمكن يوسف بن وجيه من استلام السلطة بصحار بعدوفاة خاله أحمد بن هلال، والذي يثير الاهتمام والتساؤل عن تلك الفترة آنذاك، هل كانت السلطة على صحار تعني الحكم المطلق على عمان أم على صحار وما حولها، لقد ظلت محاولات العلماء الإباضيين في جعل المنطقة الجبلية الداخلية ذات استقلال كلي وبمحاولات متعددة وبشكل متقطع في السنوات ما بين 282-295 ولم يستطع العلماء خلال تلك الفترة لملمة التشظي في البلاد بصورة كلية، خصوصاً عندما كانت المواجهة مع طرفين صعبين، فولاة العباسيين كانوا على السواحل، وحملات القرامطة تشن على الداخل من جهه توام، و لا يمكن الإنكار أن الذي نجح في توحيد صف العمانيين آنذاك هي الايديولوجيا الإباضية من خلال العلماء، فقد ظل تجمعهم وتحالفهم متواصلا نحو هدف واحد يصبون إليه وهو الاستقلال، ولذا فقد ظل العلماء أشبه بالمحرك الرئيسي في هذا النهوض بالرغم من الانتكاسات التي حصلت لديهم، حتى حين اعتنقت بعض القبائل الفكر القرمطي، أو ساندت القرامطة في حملاتهم أو حين اعتنق أحد الأئمة فكرهم وهو انتساب الإمام أبو سعيد الحداني، والذي عرف بعد ذلك بأبي سعيد القرمطي لم يثنهم عن النهوض، وتحالفوا مع زعماء القبائل ليحدثوا رابطاً وثيقاً طوال التاريخ العماني.
بيد أن ظهور يوسف بن وجيه صاحبه عقدُ الإمامةِ على أبي القاسم سعيد بن عبدالله بن محمد بن محبوب الرحيلي، حفيد آخر قادة الإباضية في البصرة، وكان عقد الإمامة عليه عام 320هـ/932 بحسب استنتاج نور الدين السالمي، وقد نجحت إمامته في لمّ الافتراق العماني في الداخل وإخراج الإمامة من النفوذ القبلي لأول مرة، وكانت أهمية الإمام أبي القاسم في إعادة شرعية الإمامة وسلطاتها وتأثيرها على عُمان، ولذا يؤكد نور الدين السالمي أن أولى الصدامات التي تمت بين الطرفين بدأت من نزوى ولكن سرعان ما امتدت سلطات الإمام لتشمل مناطق جبال الحجر الغربي حيث استولى على الرستاق والمناطق المحيطة بها وأزاح يوسف بن وجيه من صحار، لكن العلاقة بقيت مهادنة بين الطرفين، وكما أنها أوجدت رؤيةً مشتركةً استطاعت إزاحة القرامطة وأبعدتهم إلى المناطق الحدودية في الحيزّ الصحراوي، وأوجدوا صيغةً للتعاون المشترك بينهما، فأبو مالك غسان بن الخضر الصلاني، كان قاضي الإمام على صحار، ومن بعده تولى تلاميذه القضاء في صحار ودما في ولايتي أحمد بن هلال ثم يوسف بن وجيه، وهذا يدل على أن كليهما من الوسط العماني خلافاً لما يعتقده البعض، ومن جهة أخرى شهدت تلك الفترة نهوضاً علمياً بارزاً في عمان مع القطبين أبي محمد عبدالله بن بركة وأبو سعيد بن سعيد الكدمي، وكلاهما كانا من منطقة بهلا. وإن كان بحسب ما يذكر نور الدين السالمي أنَّ كلا الإمامين أبو القاسم ومن بعده راشد بن الوليد كانا إمامي دفاع ولم يصلا إلى إمامة الظهور أو الشراء. وكما أشرنا سابقا يبدو أن العلاقة بقيت مهادنة بين الإمام أبي القاسم ويوسف بن وجيه ولم يذكر أن معارك ذات أهمية حدثت بين الطرفين حتى نهاية إمامة الإمام أبي القاسم في معارك قبلية لأجل سدّ الفتنة في الرستاق استشهد فيها الإمام عام 328/939.
ومن ثم تمَّ عقدُ الإمامةِ لراشد بن الوليد الكندي والذي يبدو أنَّ المدرسة الرستاقية كان لها الأثر الكبير في دعمه، لكن سرعان ما حدث الصدام بينه وبين يوسف بن وجيه حينها، وأقام الجمعات تحت رايته في نزوى، وحاول الإمام بعد ذلك الاستيلاء على مدن شمال الحجر الغربي ونجح في ذلك، وتوفي على أثرها وزيره أبو محمد عبدالله بن محمد بن أبي المؤثر بالرستاق في معركة الغشب ورغم تمكنه من ذلك لكن بقيت سلطاته محدودة في المناطق الجبليّة، ولم تمتد إلى السواحل البحرية. على أثر ذلك حدثت مراسلات بين أهل بهلا ويوسف بن وجيه ضد الإمام على الرغم من محاولات الإمام إثناء أهلها عن ذلك إلا أن أهلها عزموا على التحالف مع يوسف بن وجيه وقد انضموا إلى جيش يوسف بن وجيه الذي انتقل من صحار إلى عبري ومنطقة الظاهرة ومن ثمَّ اتجه الجيشان إلى نزوى وتمكنوا من احتلالها وفرَّ الإمام بعد انهزامهُ وتذكرُ المصادرُ بأنَّ يوسف بن وجيه أعطاه الأمان، ولعل هذا التحالف بينَ زعماءِ القبائل مع يوسف بن وجيه، تمَّ بإرادة موحدة بعد أن ضجَّت البلادُ من التدخل القرمطي فرأوا في شخصية ابن وجيه زعامةً موحدةً لهم. وبسقوط إمامة راشد بن الوليد وصفت المصادر العُمانية والعربية الكلاسيكية بنعت سلطة يوسف بن وجيه أنها المطلقة على عُمان بل وصف صاحب «كشف الغمةً بأن البلاد دانت له من (هجر) ما بعد (الأحساء) وحتى (جبال عوان) في الجنوب من الجزيرة العربية تحت إمرته.
وإذا ما أردنا تعيين الأمر بدقة في بداية نفوذ يوسف بن وجيه تمَّ العثورُ حالياً على درهمِ فضة يحمل اسم يوسف بن وجيه تمَّ صكه عام 314هـ/926، وهي في مجموعة خاصة في سويسرا، وتتميز هذه العملة بتصميمها غير المألوف ووزنها المضاعف يجعلها متميزة عن العملات المألوفة في ذلك الحين، وتزيد في فترة حكمه الممتدة وزيادة على ما وجد في الاستكشافات السابقة توجد عملات متعددة ليوسف بن وجيه في فترات مختلفة ممتدة من عام317/929 وحتى 332/943 وهذه العملات في واقع الأمر توثق الامتداد الزمني للفترة الوجيهية في عُمان. وإن تكرار القطع النقدية في فترات زمنية متداخلة يحدث إرباكا في التمييز بين فترات الحكم كلٌ على حدَة، وحدود نفوذه، فقد ظهرت خلال فترة يوسف بن وجيه قطع نقدية لابنيه محمد وعمر. فالأول وُجدت له قطع نقدية صكت باسمه ابتداء من سنة 326/937. وهذه القطع النقدية عبارة عن دراهم فضة صكت في عُمان كتب عليها: «يوسف بن وجيه/محمد بن يوسف مع عبارة «الراضي بالله» «الخليفة العباسي حكم 322/933»، ثم وجدت بعد ذلك قطع نقدية صكت في الأعوام الآتية 330-331-332/941-942-943 وظهرت تلك الأسماء مع اسم الخليفة العباسي «المتقي بالله «329-333/940-944».
أما عمر بن يوسف فوجدت له قطع نقدية صكت باسمه ويظهر على الظهر الآخر اسم الخليفة العباسي «المطيع بالله» (حكم 334/ 945)، وهذه القطع النقدية من الدراهم صكت في السنوات الآتية 341-343-350/952-954-961، كما اُكتشف دينارٌ صُكَّ عام 345/956 محفوظ لدى الجمعية الأمريكية للقطع النقدية، لذلك يعتقد نور الدين السالمي أن إمامة راشد بن الوليد انتهت في عام 342/953 بناءً على ما ذكر في بيان الشرع أن عُمان صارت إلى حُكَّام الجور، ويشير إلى ذلك التاريخ بنهاية الإمامة، وفي اعتقادي أن إمامة الإمام راشد بن الوليد لم تستمر طويلاً بل يحتمل أنها لم تتجاوز بضع سنوات، حيث أنه سرعان ما أصيبت الإمامة بتضعضع لم تستطع مقاومته بل ومن المحتمل أنها لم تتجاوز العام 332هـ/943، حين تمكن يوسف بن وجيه من إنهاء الإمامة، أما العام 342هـ/953 فهو في الواقع وفاة يوسف بن وجيه، ومثلَّت هذه النهاية فراغُ الحكم في الدولة الوجيهية وبداية التدخل البويهي وصراعهم مع القرامطة، والصدام مع القبائل العُمانية، وسيأتي ذكره لاحقا.
III
لقد شهدت فترة يوسف بن وجيه في عُمان ازدهاراً اقتصادياً وتجارياً بل كانت تعبّر عن مرحلة ازدهار التجارة البحرية في المحيط الهندي آنذاك وقد جعل تمكنه من صحار تقوية لسلطاته وسيطرته على السواحل العُمانية، إضافة إلى مساندة القبائل النزارية له، امتداد لنفوذه بين جبال الحدّان الشمالية وحتى واحات توام البريمي مما جعل المناطق الداخلية محصورة وشبه معزولة لكنها كانت في قبضته وسلطته وبالرغم من تصدع القبائل اليمانية وتحالفها مع العلماء في الداخل ضده من حين لآخر، وكان انسحاباً سياسياً ذكيا في الابتعاد عن إشكاليات الصدام مع العلماء في الداخل، والتوجه نحو السيطرة التجارية في المنطقة وحتى الآن لم نجد أي أثر تاريخي أركيولوجي يعبِّر عن تلك الحقبة، إلا العملات التي صكَّت في زمنه والتدوينِ التاريخي. وقد كانت هنالك علاقتان متميزتان في فترة حكمه، الأولى علاقته مع العباسيين و الأخرى مع القرامطة. وسنوضح علاقته مع كلا الطرفين:
1- العلاقة الوجيهية مع القرامطة:
لقد أدرك ابن وجيه القوة المجاورة له وهي القرامطة، وبدأ بمرحلة التعاون الوجيهي – القرمطي، فيوسف بن وجيه كان متوجساً من خطر القرامطة، إذا ما استولوا على صحار وعلى المنطقة الساحلية، خصوصاً أن فترة نهوض ابن وجيه تزامنت مع أوج النهوض القرمطي في عهد أبي طاهر القرمطي (305/917- 332/944)، وهذه المصالحة مكنت ابن وجيه من السيطرة على التجارة البحرية وإزاحة القرامطة عنها بطريقة سلمية، حينها كانت تجارة الخليج متقاسمة بين القرامطة في ضفتي الخليج فالغربية وكان يسيطر عليها تجار سيراف في فارس ومن الجانب الشرقي صحار في عُمان، وهذا التنافس في التجارة البحرية آنذاك بين مدينتي صحار وسيراف أحكم السيطرة في إبقاء خطوط التجارة البحرية مبعدة عن نفوذ القرامطة وهو ما أضعف القوة القرمطية بحيث بقيت قوة قبلية بدوية في صحارى الجزيرة العربية لم تستطع النفوذ إلى خارجها، كما أن صدامهم مع الفاطميين أبعدهم عن أعوانهم الإسماعيليين من جهة أخرى، كما أن النهوض الشيعي في فارس على يد البويهيين سحب الشطر الأخر من هذا الصراع. فتمكن ابن وجيه من السيطرة على جبال عُمان ووسطها واستطاع بحنكته السياسية منع التدخل القرمطي، كما ساعده ذلك في استقرار الشأن الداخلي فقويت شوكته للمصادمة معهم وقد كان متمنعاً في كثير من الأحيان نتيجة قوى العلماء المتحالفة مع زعماء القبائل وكانت دائمة الصدام مع القرامطة.
ب- العلاقة مع العباسيين
أما علاقته مع العباسيين فيمكن الجزم الأولي بحسب فحص المصكوكات السابقة بأن ابن وجيه ظلَّ محتفظاً بولائه للعباسيين، بيد أنَّ العكس صحيحٌ فشهرتُه في المصادر التاريخية عرفت أولاً ببدء الصدام بينه وبين الوزير العباسي علي بن مقلة حيث أدَّت إلى سوءِ فهمٍ في العلاقة بينهما إلى أن تطورَّت بشدة، وبعدها رفض ابن وجيه الانصياع للدولةِ المركزية والاستقلال التام، ومِن ثمَّ اشتهر أكثر من خلال الحادثين الشهيرين الأول في محاولته لاحتلال البصرة عام 331/942 حينما حاول البريديون في البصرة استغلال نفوذهم في احتكار تجارة الخليج فرفعوا الرسوم والضرائب على السلع، فشنَّ عليهم ابن وجيه حرباً كادت تتكلل بالنجاح إلا أنها فشلت في النهاية وحُرِقَ أسطوله.
أما الثاني فجاء بتحالفه مع القرامطة مضادةً للبويهيين الذين استولوا على فارسَ وموانيها التجارية وبالأخص سيراف فسيطروا على تجارة الخليج البحرية من جهة كما أصبحت لهم السيطرة الأولى في مركز الخلافة بغداد، وكان ذلك في عام341/952، حيث اتجه هو بالأسطول البحري واتجه القرامطة من البر، ولكنَّ وزير عضد الدولة المعروف (أبي محمد المهلبي) استولى على البصرة وصدّهم عنها.وهذان الحادثان مهمان في معرفة الرابط التاريخي للتجارة البحرية الإسلامية المبكرة الممتدة بين صحار وحتى البصرة والمؤثرِّ الاقتصادي بين الموانئ البحرية والأسواق في المدن الكبرى في العالم الإسلامي.
وكان هذا الحادث هو النهاية السياسية ليوسف بن وجيه وحلفائه القرامطة معاً، حيث توفي يوسف بن وجيه على اثرها في عُمان. أما القرامطة فكان ظهور البويهيين في فارس كاسحاً لهم في نهايتهم التجارية في الخليج، وفقدوا سيطرتهم وتقلص نفوذهم من الجنوب العراقي حيث بقوا محصورين في منطقة الأحساء.
IV
أما دراسة العائلة الوجيهية بعد يوسف بن وجيه في تسلسلها التاريخي فمعرفة ذلك تكمن من خلال المصكوكات النقدية التي مكنتنا من تتبع التسلسل العائلي، فمحمد بن يوسف كان نائباً لوالده وقائماً على أعماله في حياته وسمح له بصك العملة بإسمه، إلا أنه فيما يبدو توفي ووالده لا يزال على قيد الحياة، فلم يُعثر لمحمد بن يوسف بن وجيه أية قطعٍ نقديةٍ صُكَّت باسمه بعد العام 335/946.
ولذا تولى عمر بن يوسف الحكم بعد والده حيث ظهر ذلك في المصكوكات بدءًا من عام341/952 وهو عام وفاة يوسف بن وجيه، وقد أشار إلى ذلك صاحب بيان الشرع بأنه العام الذي بدأ فيه الاضطراب في عُمان. فقد حدثت تحولات أثر وفاة يوسف بن وجيه حينما تولى عمر بن يوسف 341/952 وبدأت صفحة أخرى في العلاقة العُمانية مع الدولة المركزية في بغداد، فقد عين عمر بن يوسف نافعاً مولاهُ وزيراً وقائداً لجيشه، وعلى إثر ذلك فسخ عمر تحالفه مع القرامطة وأعلن انضمامه للبويهيين لكن ذلك لم يدم طويلاً حيث أن القرامطة حاولوا سدّ الفراغ اثر وفاة يوسف بن وجيه واستطاعوا احتلال عمان، ويبدو أن عمر بن يوسف اغتاله خادمه نافع عام 352/962 حيث لم يعثر على مصكوكات له بعد عام350/961. وعلى اثر ذلك أرسل معز الدولة وزيره أبا محمد المهلبي عام 352/963 لاحتلال عمان لكنَّ الوزير مرض في البحر وتوفي ولم تنجح الحملة. بيد أن معز الدولة لم ينثن فأعاد الحملة بقيادة كردك النقيب 354/965 وتمكن خلالها من احتلال صحار، وتم تعيين نافع نائباً وأقام الخطبة لهم، ويذكر ابن الأثير أن نافع صكَّ العملة بعُمان باسم معز الدولة منذ ذلك الحين، وبدأ تداولها بالدرهم والدينار.
وهكذا يمكن تعيين عام 354/965 بأنه شكَّل نهاية الدولة الوجيهية في عُمان وبداية السيطرة البويهية على البلاد، بيد أن السيطرة البويهية لم تدم طويلاً حيث ثار الناس على نافع وطردوه، وتكللت هذه الثورة في صحار بالنجاح، ويذكر ابن الأثير إنما تم ذلك بمساعدة القرامطة الذين بقوا خارج المدينة، وتم على إثر ذلك تنصيب أحد التجار في صحار من ذوي الغنى وكان يسمى النوكاني ملكاً عليهم، لكن الأمر لم يستمر طويلاً حينما هدَّد معز الدولة النوكاني ولم يلبث العُمانيون أن ثاروا عليه، فخاف النوكاني وفرّ هارباً من عُمان إلى بغداد فلاقاه كردك النقيب في البحر وأمر بإغراقه واستولى على أمواله.
ويبدو أن النوكاني كان تملكه على البلاد تمَّ بمساعدة القرامطة وحينما أرادوا مساعدته بعثوا بسريّة، لكن العُمانيين اجتمعوا وصدوهم وتمكنوا من قتلِ الكثير من القرامطة وأتباعهم ومن ثم أدى ذلك إلى انكسارهم. وهذه الفترة كانت ميزة تاريخية للعُمانيين في تحالفهم وبقاء وحدتهم فصادموا البويهيين من جهة والقرامطة من جهة أخرى وهذا شكّل تلاحماً فعّالاً بين علماء الدين وقيادات القبائل وشكلت إحدى أهم الدعائم في حراك التاريخ العُماني وبلورة الهويّة العُمانية.
أما ابن الأثير فيتتبع القضية بتفصيل أكثر دقة عن حوادث 355/965، حيث يبدأ بذكر هروب نافع إلى معز الدولة بينما يبدو أن صحار كانت في صراع بين العُمانيين الذين انشقوا بين مؤيد للقرامطة، والقبائل الثائرة في الداخل ضدهم، وبقايا الجيش البويهي. لكن الظفر كان للقرامطة حيث دعّموا أحد أعوانهم من ذوي الجاه وكانت أمرة الجيش بيده ويعرف بـ علي بن أحمد وقد عُثر على دينارٍ قرمطي تم صكه في عُمان باسم «علي بن أحمد» وفي الوجه الآخر «المطيع لله/السيد»، واستولى أحمد بن علي على البلاد بالرغم من محاولة أحد العلماء العُمانيين لم يُذكر اسمه في دعم البويهيين وتعيين ابن طغان إلا أنه قُتِل ثمَّ انتخب العُمانيون من بعده عبدالوهاب بن أحمد بن مروان الذي حاول إرساء مصالحة بين الأطراف وعين علي بن أحمد مندوب القرامطة ليكون نائباً عنه إلا أن علي بن أحمد انقلب عليه بالجيش المكون من «الزنج» المدعمين من القرامطة. إلا أن هذه التطورات السياسية لم تدم طويلاً وسرعان ما تدخل معز الدولة لحسم الموقف النهائي للدولة البويهية عام 355/965 بإرسال أسطولٍ بقيادة أبو الفرج محمد بن عباس وبمساعدة عضد الدولة. وتمكن أبو الفرج من الاستيلاء عليها وبقي بها حتى وفاة معز الدولة (ت356/966)، حيث عيَّن نائباً عنه عمر بن نبهان الطائي، إلا أنه لم يستمر طويلاً حيث تمكَّن القرامطة من قتله وأعادوا صحار تحت سيطرتهم بمعونة جندهم من «الزنج»، وجعلوا لهم أميراً يعرف بابن حلاج. أما العُمانيون في الداخل فقد نجحوا في نصب الإمام حفص بن راشد وبتأييد من المدرسة الرستاقية، وكان عقد الإمامة عليه بالدفاع لأجل استقلال الداخل، إلا أن عضد الدولة أمر جيشاً من كرمان بقيادة أبي حرب بن طغان عام 362/972 وقسّم جيشه قسمين فنزل ابن طغان بجلفار أما أسطوله فلحقه إلى صحار وهزم القرامطة ثم لاحقهم في البريمي وهي أهم معاقلهم ومحطة الربط بين الإحساء وعُمان، وتمكن من القضاء المطلق عليهم من عُمان نهائيا. فالعُمانيون يبدو أنهم تمكنوا بعد ذلك من دحر البويهيين والاستيلاء على السواحل كلها. فأرسل عضد الدولة جيشاً بقيادة المطهر بن عبدالله عام 363/973، تمكَّن من هزيمتهم مما اضطر الإمام حفص الى الهرب إلى اليمن، وبدأت بعد مرحلة أخرى في عُمان دامت ما يقارب القرن وهي الفترة البويهية والمكرمية.